• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    آية المحنة
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    توزيع الزكاة ومعنى "في سبيل الله" في ضوء القرآن ...
    عاقب أمين آهنغر (أبو يحيى)
  •  
    النبي عيسى عليه السلام في سورة الصف: فائدة من ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    أحكام شهر ذي القعدة
    د. فهد بن ابراهيم الجمعة
  •  
    خطبة: كيف نغرس حب السيرة في قلوب الشباب؟ (خطبة)
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    من صيام التطوع: صوم يوم العيدين
    د. عبدالرحمن أبو موسى
  •  
    حقوق الوالدين
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    تفسير سورة الكوثر
    يوسف بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن السيف
  •  
    من مائدة العقيدة: شهادة أن لا إله إلا الله
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    الليلة الثلاثون: النعيم الدائم (3)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    العلم والمعرفة في الإسلام: واجب ديني وأثر حضاري
    محمد أبو عطية
  •  
    حكم إمامة الذي يلحن في الفاتحة
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    طريق لا يشقى سالكه (خطبة)
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    خطبة: مكانة العلم وفضله
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    خطبة: العليم جلا وعلا
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / دراسات شرعية / علوم قرآن
علامة باركود

حوار الرسل في القرآن: قراءة تحليلية

حوار الرسل في القرآن: قراءة تحليلية
د. عبدالله علمي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 25/11/2017 ميلادي - 6/3/1439 هجري

الزيارات: 66783

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

حوار الرسل في القرآن

قراءة تحليلية

 

تقديم:

بسم الله الرحمان الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه وبعد، يرتبط الحوار ارتباطا وثيقا بقضية العقيدة والفكر، وقد جاءت الرسالات السماوية من منبعها الموحد الصافي، دون اعتبار للتجارب التاريخية؛ التي كانت غالبا ما تشوش الرؤية الواضحة لقضية المعتقد؛ لأنها كانت تخرج عن الطابع الإيماني والإنساني الشامل إلى التعبيرات الشخصية الخاصة بكل فريق.


وطبع هذه التوجهات غالبا طابع الأنانية؛ والعصبية؛ والرؤية الضيقة للكون، لذا نرى أنه من الضروري في عصرنا أن نعود إلى أصل ما جاءت به الرسالة التوحيدية؛ التي اجتمع حولها رسل الله.


فلكل أمة رسول، لكن الإنسانية تجتمع في أصل واحد، وتمضي نحو غاية موحدة. والتنوع والاختلاف ضرورة كونية تلزم الإنسان ضرورة استمرار منطق الحور، ﴿ وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ ﴾[1].


والغاية والمقصد من هذا الاختلاف هي: التعارف والتكامل بين جميع الأجناس والأعراق، وهذا طريق رسل القرآن من آدم إلى محمد صلى الله عليهم وسلم أجمعين، قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ ﴾[2]،فالله خلق الناس مختلفين؛ ليقع التعارف والتحاور والتفاعل بينهم.


والجميع من أصل واحد، ومن روح واحدة، ونزلوا نحوالأرض؛ لتكون لهم غاية واحدة هي توحيد الله.

ولتقرير رسالة التوحيد، بعث الله جميع الرسل مرشدين أقوامهم إلى حقائق الكون؛ لينطلقوا منها، ويحققوا غاية خلقهم.

فكل الرسائل السماوية عبر الزمان والمكان جاءت لخدمة هذه الغاية، ولإرشاد المخاطبين نحو طريق الرشاد.


وكل رسالة سماوية تؤكد ما جاءت به سابقتها، حيث تدرج الرسل عليهم السلام في إبلاغ مراد الله، وتواصلوا كما سطر القرآن، وتوحدوا في أصل التوحيد.


ثم تنوعوا في فروع العمل حسب صيرورة الإنسان، فالقرآن يصدق ما بين يديه من الديانات التي سبقته وامتدت إلى زمانه، يصدقها في أصولها، فهو صورة من صور الحق التي جاءت بها الرسل مناسبة لزمانهم، وكلما تغيرت الحاجة جاء طور من الديانة جديد يتفق في أصله ويختلف في فروعه تدرجا مع الحاجات. مع تصديق اللاحق للسابق في أصل الوحدانية الكبير [3].


وباتخاذ سبيل الحوار يكون المؤمن قد استوعب حقيقة الأصول الكبرى لرسالة السماء؛ ليخرج من موقعه الإيماني الخاص، نحو مواجهة سر استخلافه في الأرض، ويرتبط بأصوله المادية والمعنوية، فالإنسان عبد لله بتنوع زوايا النظر.


وهذا التنوع لا يكون حاجزا أمام التواصل الإنساني، فالحوار له أصول ومنطلقات وجودية وإيمانية، تحتم على الإنسان احترامها والانطلاق منها للتواصل مع الآخر؛ لأن الغاية من هذا هو التخلص من التعصب، والهوى الذي يعج به واقعنا، والذي يؤدي إلى التصادم والخراب.


وإذا استحال التواصل بين أهل الديانات التي تجتمع في أصل التوحيد، أو بين فرق الدين الواحد، فكيف يكون التواصل بين أقوام وشعوب أخرى تتنكر لأصل الربوبية، وتحيد عن منبع الديانة الإبراهيمية!


ولعل نظرة متأملة لتاريخ البشرية، وما سطرته من أحداث دموية، وغلو ديني؛ ومذهبي؛ وطائفي، كفيلة بأن تؤكد نظرتنا التي دفعتنا لكتابة هذا المقال.


وهذه التجارب التاريخية إنما هي إسقاط للحزبية والعصبية العمياء؛ التي تحُول بين الإنسان وحقيقة التوحيد السماوي الصافي.


وهذا مُروق عن أصل الدين تحت عناوين وشعارات مختلفة، يبعُد أن تصل إلى مقصد التوحيد برؤية متكاملة، وأن تفهم رسالة رسل القرآن.


وينطلق حوار رسل القرآن على أساس جوهري: الإيمان بكل الرسالات السماوية، والاعتراف بها؛ لأنه لا يمكن الاستنكاف عن حقيقة التعددية، كما لا يمكن إنكار حقيقة تواتر الرسل.


فالإنسان امتداد لأديان سابقة، والإسلام استوعب هذه الديانات كلها باعتباره خاتم الأديان، والإنسان المؤمن يُسلم بأن الله هو مصدر كل شيء، وهذا هو العنوان الأكبر لتوجهه في الحياة وفق منهجه وشريعته.


وبهذا يكون القرآن الكريم تتويجا للتواصل البشري، فهو يعترف بالحقائق الكونية، ويستعرض ملخص الرسالات السماوية؛ التي تجتمع في أصل التوحيد، ويدعوا أتباعه إلى الاعتراف بهذا الأصل، قال تعالى: ﴿ قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ ۚ فَإِن تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ ﴾"[4].


وقد أرسل الله تعالى رسلا في كل أمة؛ ليبينوا للناس الطريق الخيِّر، وليرشدوهم إلى سبيل السعادة في الدارين.


ثم بين الله تعالى ذلك بقوله:﴿ وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾[5]؛ لذا استخدم الرسل سلام الله عليهم أسلوب الحوار في دعوتهم إلى الله.


المحور الأول: حوار نوح عليه السلام:

حاور نوح عليه السلام قومه من أجل عبادة الله، قال تعالى:﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ أَن لَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ ۖ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ ﴾ [6].


حيث سلك عليه السلام مختلف الأساليب في حواره؛ لغاية الإقناع والتأثير، وانتقل من أسلوب الترغيب إلى التحبيب، ثم البرهان [7].


قال محببا إياهم:﴿ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ ﴾[8]، ثم تقرب إليهم؛ ليقبلوا دعوته، فقوله: (إني أخاف عليكم) إشعار برحمته لهم وشفقته عليهم.


ومن أجل ذلك يدعوهم إلى الإيمان بالله تعالى وحده لا شريك له [9]، ويرغبهم في نيل الخير والبركة إن استجابوا، قال: ﴿ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا ويُمْدِدْكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا﴾[10].

كما مناهم ببركات السماء من الله تعالى المنبت للزرع؛ والممد بالأموال؛ والأولاد؛ والجِنان.


لكن للأسف رد عليه القوم بشكل قوي قاس، رغم ذلك قابلهم بقول حكيم يخضع للمنطق القويم:﴿ قَالَ الْمَلَأُ مِن قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍقَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلَالَةٌ ولَٰكِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وأَنصَحُ لَكُمْ وأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ أَوَ عَجِبْتُمْ أَن جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنكُمْ لِيُنذِرَكُمْ ولِتَتَّقُوا ولعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾[11].


هكذا رد نوح على اتهام قومه له حيث حاورهم قائلا: إنني لم آمركم بما أمرتكم به من باب الضلال، فلست ضالا كما تزعمون، ولكني رسول من رب العالمين، أرسلني إليكم لأبلغكم رسالاته وأنصح لكم، وأحذركم عذابه، على كفركم وتكذيبكم، وأعلم من الله ما لا تعلمون، وأن عقابه لا يرد عن القوم المجرمين[12].


وبعد هذا قال لهم: أوعجبتم أن جاءكم التذكير من الله مع رجل منكم؛ لينذركم بأس الله، ويخوفكم عقابه، ولكي تتقوا عقاب الله وبأسه بالإيمان به؛ وطاعته؛ وليرحمكم ربكم إن فعلتم ذلك [13].


هكذا يتلطف نوح سلام الله عليه في نصحه لقومه، ليلمس وجدانهم، ويثير أحاسيسهم لإدراك الأمور الخفية؛ والخصائص التي يغفلون عنها في أمر الرسالة.


وليبصرهم بأن الأمر ليس موكولا إلى الظواهر السطحية التي يقيسون بها [14]، ويبين لهم أن نصحه لهم لا يبتغي به أجرا دنيويا قال سلام الله عليه:﴿ ويَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالًا ۖ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ ۚ وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا ۚ إِنَّهُم مُّلَاقُو رَبِّهِمْ وَلَٰكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ ﴾[15].


وفي هذا تبيان لهم أنه لا يريد نفعا دنيويا، فلا يسألهم عن ما جاء به مالا يعطونه إياه، فلماذا يتهمونه حتى يقطعوا بأنه كاذب؟

وجملة: (إن أجري إلا على الله) احتراس؛ لأنه لما نفى أن يسألهم مالا، والمال أجر، نشأ توهم أنه لا يسأل جزاء على الدعوة، فجاء بجملة: (إن أجري إلا على الله) احتراسا، والمخالفة بين العبارتين في قوله (مالا) و(أجري) تفيد أنه لا يسأل من الله مالا؛ لكنه يسأل ثوابا.


والأجر: العوض عن العمل، ويسمى ثواب الله أجرا؛ لأنه جزاء على العمل الصالح [16].

لكن قومه استمروا في عنادهم ولم يعبؤوا لذلك قائلين:﴿ مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِّثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَىٰ لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ﴾[17]، فهم ينظرون إليه - سلام الله عليه - بمعايرهم المادية: المال؛ والجاه؛ والمكانة الاجتماعية؛ التي لا يتمتع بها المتبعون لنوح.


لكنه قابل قولهم بسؤال منطقي:﴿ وَيَا قَوْمِ مَن يَنصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِن طَرَدتُّهُمْ ۚ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ ﴾[18].

وهذا رد يؤكد من خلاله كنه دعوته، والتي لا غاية منها البتة سوى الثواب الرباني، وأن المستضعفين هم من يرد كيدهم وظلمهم.


ولرد تهمة الكذب القاسية، قال نوح مستعرضا البراهين الواضحة والحجج الدامغة: ﴿ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ وَلَا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَن يُؤْتِيَهُمُ اللَّهُ خَيْرًا ۖ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا فِي أَنفُسِهِمْ ۖ إِنِّي إِذًا لَّمِنَ الظَّالِمِينَ﴾[19].


حيث أكد مرة أخرى أنه رسول من الله يدعو إلى عبادة الله وحده لا شريك له، بعدما أذن الله له بذلك.

وأنه لا يسألهم عن ذلك أجرا، بل هو يدعو من لقيه من شريف ووضيع، فمن استجاب له فقد نجا، ويخبرهم أنه لا قدرة له على التصرف في خزائن الله ولا يعلم الغيب إلا ما أطلعه الله عليه، وليس هو بملَك من الملائكة، بل هو بشر مُرسل مؤيد بالمعجزات، ولا يقول عن هؤلاء الذين تحتقرونهم إنهم ليس لهم ثواب على أعمالهم. الله أعلم بما في أنفسهم، فإن كانوا مؤمنين باطنا كما هو الظاهر من حالهم فلهم الجزاء [20].


هكذا استمر نوح في حواره سلام الله عليه، ولم يمل حتى أظهروا تأففهم، وظهر له أن طريق الحوار مسدود بقولهم:﴿ قَالُوا يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ﴾[21].


وحينما أقفلوا باب الحوار؛ أنهى حواره بهدوء تام قائلا: ﴿ وَلَا يَنفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدتُّ أَنْ أَنصَحَ لَكُمْ إِن كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَن يُغْوِيَكُمْ ۚ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾[22].


نخلص من حوار نوح عليه السلام لقومه إلى النتائج التالية:

• قوة العزيمة والإرادة لدى نوح عليه السلام: إذ ظل يدعو قومه بالحكمة؛ والموعظة الحسنة زمنا طويلا دون ملل.


• التنويع من طرق وأساليب الحوار: دعاهم سرا وعلانية، ليلا ونهارا، ترهيبا وترغيبا.


• الثقة بالنفس: لم يكترث نوح عليه السلام بسخرية قومه، بل استمر في طريق الحوار بكل هدوء وثقة، فرغم سخرية قومه، وتهديدهم، مضى نوح في طريق الحوار؛ ليبلغ مقصده، وهو: إقرار عقيدة الوحدانية.


• الهدوء ونبذ التعصب: وتظهر هذه الخصلة لما بدأ القوم المعاندين سخريتهم، وتهكمهم به عندما شرع في صناعة السفينة بأرض قاحلة لا ماء بها، حيث رموه بالجنون، لكنه صنع السفينة بصدر رحب ونفس مطمئنة إلى نصر الله، ومبعث هذه العزيمة القوية قوة إيمانه بالله، وشدة وثوقه بقضيته؛ التي حاور لأجلها قومه.


المحور الثاني: حوار هود عليه السلام:

حاور هود قومه من أجل إفراد الله بالعبادة؛ واتباع أوامره، مرغبا إياهم تارة، ومرهبا أخرى.

واستهل حواره بدعوة التوحيد على عادة الرسل، حيث نفى أن يكون لهم رب غير الله، ﴿ مَا لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ ﴾[23]، كما بدأ بأسلوب لين، يطبعه طابع النصح والشفقة، ويكتسي طابع الترغيب.


قال لهم: ﴿ ويَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَىٰ قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ﴾[24].

فبذكره لنعم الخالق؛ قابل هود ما أمدهم به الله بما يكسبونه من أصنامهم على طريق الاستدلال المنطقي.


فالله هو الذي خلقكم، ورزقكم، وأحياكم، ويميتكم، ومكن لكم في الأرض، وأنبت لكم الزرع، وبسط لكم في الرزق والجسم.

إذن: هو المستحق للعبادة، لا الأصنام التي لا تنفع ولا تضر.


وليبعد عن نفسه شبهة الطمع، أبلغهم أنه لا يريد من دعوتهم لا جزاء ولا شكورا، قال: ﴿ يَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا ۖ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي ۚ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴾[25].


لكنهم رغم هذه البراهين قابلوا قوله بقولهم:﴿ قَالُوا يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَن قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ ﴾ [26]، " هنا لم يبق لهود إلا التحدي، وإلا التوجه إلى الله وحده والاعتماد عليه، وإلا الوعيد والإنذار للمكذبين " [27].


وبهذا انتقل هود عليه السلام من أسلوب الترغيب إلى أسلوب الترهيب الحاسم، قال لهم: ﴿ إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُم ۚ مَّا مِن دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا ۚ إِنَّ رَبِّي عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ فَإِن تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُم مَّا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ ۚ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّونَهُ شَيْئًا ۚ إِنَّ رَبِّي عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ ﴾[28].


فهذا جواب شامل تضمن عدة أمور: البراءة من الشرك، وإشهاد الله على ذلك، وإشهادهم على براءته من شركهم، وطلبه المكايدة له، وإظهار قلة المبلاة بهم، وعدم خوفه منهم ومن آلهتهم [29].


نخلص من حوار هود عليه السلام لقومه إلى النتائج التالية:

• ضرورة الجمع بين أسلوبي الترغيب والترهيب:

فهود ذكر قومه بنعم الله عليهم، وقابل شتائمهم بأسلوب لين رغم سبهم وتسفيههم لدعوته، لكنه في الختام صدح بأسلوب صارم قوي.


• الثقة بالنفس:

وقف هود واثقا بربه لأجل تحقيق دعوته، ولم يهتم بالمعيقات التي اعترضت طريقه في الحوار.


• التدرج في الحوار:

حيث بدأ هود عليه السلام بفتح موضوع التوحيد، بعد ذلك طلب من قومه أن يتفكروا في نعم الله عليهم؛ ليبرهن عن صدق طرحه.


المحور الثالث: حوار إبراهيم عليه السلام:

حاور إبراهيم عليه السلام أطرافا كثيرة كما أخبرنا القرآن، من ذلك حواره لأبيه، بدافع القرابة.

كما حاور قومه بشكل خاص (حواره مع الملك) وبشكل عام (حواره مع قومه).


أ‌ - حوار إبراهيم لأبيه:

تدرج إبراهيم عليه السلام في الحوار مع أبيه، حيث خاطبه بلفظ الوُدِّ (يا أبت) رغم عظم مخالفته.


فإبراهيم يناقش في قضية جوهرية وهي التوحيد وترك عبادة الأوثان من دون الله، ورغم كون القضية قضية كفر وإيمان، بدأ بخطاب لين؛ مؤدب؛ وجميل.


حيث استعطف أبيه بنداء الأبوة: (يا أبت)، والغاية من هذا تحريك مشاعر المخاطب، وهذا هو الدافع الثاوي وراء تكرار هذه العبارة أربع مرات.

كما أدخل تاء التأنيث في قوله: (أبت)، والتي تأتي لغرض التعظيم والتبجيل في النداء.


واستهل إبراهيم حواره بتساؤل يحمل معنى الإنكار، قال: ﴿ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنكَ شَيْئًا ﴾[30]، وهذا تأدب في الحوار، وهو أسلوب قمين بالمحاور استعماله مع كبار السن بدل النهي والأمر، ثم فسح المجال لهم للتفكر وإعادة النظر في اعتقادهم.


ثم ناقش إبراهيم في القضية الجوهرية، تاركا باقي القضايا، وهذا من باب حصر الحوار في القضية الكبرى، وتفادي كثرة التفريعات والتشقيقات.


كما حاور إبراهيم عليه السلام آزر بما يشتغل لتقريب المعنى إليه، ومعلوم أن آزر كان ينحث التماثيل، وهو أعلم الناس بأنها أصنام لا حركة بها، لذا قال له: ﴿ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنكَ شَيْئًا﴾[31].


وبين له أنه يتحدث عن علم لكي لا يقلل من شأن دعواه؛ لأن الآباء قلما يقيمون وزنا لكلام أبنائهم، لأنهم بمنظورهم لا يبرحون مرتبة الطفولة التي رأوهم بها.


قال إبراهيم عليه السلام منبها أباه أنه يتصف بشرط الحوار الأساس وهو العلم: ﴿ يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا﴾[32].


ثم كر بأسلوب لين يظهر من خلاله خوفه على المحاور ورغبته في هدايته، قال: ﴿ يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَٰنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا﴾[33].


ويحمل هذا القول ضمنيا معنى الترهيب من عذاب الله، والتخويف من سوء المنقلب.

ورغم هذا كله تعنت " آزر" قائلا: ﴿ أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ ۖ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ ۖ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا ﴾[34].


أي: إن كنت لا تريد عبادة أصنامي فانته عن شتمها وعيبها، فإنك إن لم تنتهي عن ذلك اقتصصت منك، وشتمتك وسببتك، وهذا تفصيل قوله: (لأرجمنك)، و(اهجرني مليا)، قال الحسن البصري: زمانا طويلا [35].


والملاحظ من هذا الحوار استنكاف إبراهيم عن التهديد والوعيد؛ الذي يختم به الرسل على العادة سجالهم مع أقوامهم، احتراما لمقام الأبوة، بل استبدل هذا بالاعتزال والدعاء له بالهداية.


ب‌ - حوار إبراهيم للملك:

حاور إبراهيم سلام الله عليه الملك رأس القوم؛ لأن هدايته هداية لقومه المتبعين.


واستهل القرآن هذه المناظرة بقوله تعالى: ﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ ﴾[36]؛ لأنه سيعرض أهم مقطع من مقاطع الحوار، والذي ضمن من خلاله طريقة التعامل مع المراوغين المجادلين، وبين سبيل إقامة الحجة دون الدخول في " السفسطة ".


قال إبراهيم عليه السلام محاورا الملك: ﴿ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ ﴾ [37]، حيث عرفه بأخص خصائصه سبحانه، وهي التي عليها مدال الحوار: الربوبية، وقد أشار إليها بأظهر أساليب التعريف: التعريف بالاسم الموصول: (الذي).


وهذا من أساليب الحوار: وهو الدخول في جوهر القضية مباشرة دون كثرة استطرادات.

كما اختار إبراهيم قضية الحياة والموت؛ لأنها السنة الكونية المباشرة؛ التي تظهر تفرد الله بالربوبية دون غيره.

وبالتالي: فإبراهيم برع في استهلاله، فلم يبادر بالحجج والبراهين، بل عرف بقضيته أولا بشكل مباشر.


فرد الملك عليه: ﴿ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ ۖ ﴾ [38]، بأسلوب المغالطة بالقول، " قال قتادة ومحمد ابن إسحاق والسدي، وغير واحد: وذلك أني أوتى بالرجلين، قد استحقا القتل، فآمر بقتل أحدهما، فيقتل، وآمر بالعفو عن الآخر " [39].


فلما ذكر النمرود هذا السؤال على هذا الوجه أجاب إبراهيم عليه السلام بأن قال هب أن الإحياء والإماتة حصلا من الله تعالى بواسطة الاتصالات الفلكية، إلا أنه لا بد لتلك الاتصالات والحركات الفلكية من فاعل مدبر، فإذا كان المدبر لتلك الحركات الفلكية هو الله تعالى، كان الإحياء والإماتة الحاصلان بواسطة تلك الحركات الفلكية أيضا من الله تعالى، وأما الإحياء والإماتة الصادران على البشر بواسطة الأسباب الفلكية والعنصرية فليست كذلك؛ لأنه لا قدرة للبشر على الاتصالات الفلكية، فظهر الفرق [40].


وقد بين له هذا بطريقة غير مباشرة دون أن يدخل معه في جدال عقيم حول ماهية الحياة والممات؛ لأنه علم غرض الملك، وهو الدخول في تفريعات وتشويشات تلهي الجمهور عن الغرض الأساس من الحوار، وهو إثبات الألوهية لله دون غيره.


فرد إبراهيم منتقلا إلى حجة أقهر وأبهر لا مناص منها بالحياد وتحوير الكلام، ظاهرة فلكية واضحة: ﴿ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ﴾[41]، وهذا رد قوي قاطع بالحجة والبرهان، فالملك هدد إبراهيم ضمنية بفعلته، واستنكف عن الحق بتزوير الحقائق، فصار لزاما على إبراهيم عليه السلام استجلاب حجة أقهر وأبهر، ولسان حاله يقول: إن كنت ترى أن هذا هو الإحياء والإماتة فلنرى سنة أخرى من سنن الكون، رغم ارتباط الحجتين، فكلها تتساند لتثبت ألوهية الله.


هنالك وقع القول وبطل ما كان يدعي النمرود، يقول ابن كثير: " أبطل الخليل سلام عليه دليله وبين كثرة جهله، وقلة عقله، وألجمه الحجة، وأوضح له طريق المحجة " [42].


نخلص من هذه المناظرة بالآتي:

• ضرورة حسن التقديم في الحوار، بالتركيز على القضية الجوهرية.

 

• العدول عن الخوض في التفاصيل، والابتعاد عن دروب الجدال، فالكثير من المناظرات في زماننا تنقطع عن الفكرة التي يتحاور حولها الطرفان، وذلك بالانتقال إلى جزئيات غير مفيدة.

 

• التركيز على الأدلة الواضحة، والربط المنطقي بينها.

• استعمال الأدلة العقلية؛ لإقناع المحاور.

 

• ضرورة ترتيب الحجج والبراهين، وذلك بترك الحجة الأقوى إلى النهاية، وعرض الحجة الملخصة لقضية الدعوى في البداية.

 

ت‌ - حوار إبراهيم لقومه:

حاور إبراهيم قومه داعيا إياهم إلى التخلي عن الكفر، وترك عبادة الأصنام، والإيمان بالله وحده.


وبدأ بمحاورتهم عندما جن عليهم الليل وظهرت لهم الكواكب، فقال: ﴿ هَٰذَا رَبِّي ۖ ﴾[43]، وهذه طريقة فريدة في الحوار، وأسلوب حكيم، ومنهج في الكلام قويم.


فإبراهيم بعدما اختار التوقيت المناسب، تنزل لمعتقدهم ولم يعلن مخالفتهم، ولم يسفه أحلامهم؛ لأن ذلك أدعـى إلى إنصـاتهم لقوله، وتفهمهم لحجته.


ثم تحول من التأمل بالليل إلى التأمل بالنهار، تارة يلفت نظره نحو القمر، وأخرى نحو الشمس.

وكان هذا حوارا صادقا نابعا من أعماق النفس، مؤسسا على أساس منطقي، وهو تفكر بصوت مرتفع؛ غرضه بيان الحق والاستدلال بالحجج الكونية.


ثم لم يلبث إبراهيم أن رجع على قولهم ينقض مذهبهم المزيف، وما كان له أن يدخل في دينهم حقا؛ لأن ذلك مستحيل في حق مقام الرسل الأعلى، لكنه اتخذ طريقا خفيا، لينبئ عن سداد رأي ونقاء بصيرة.


فلما أفل الكوكب وغاب عن أنظار قومه، قال: لا أحب الآلهة المتغيرة من حال إلى حال، ثم عرض بآلهتهم، وأعلن بغضه لها، وتبرأ من حبها.


ولما رأى القمر بازغا، وهو أسطع نورا من تلك الكواكب وأكبر منها حجما قال: ﴿ هَٰذَا رَبِّي﴾[44]، استدراجا لهم واستهواء لقلوبهم، فلما أفلت مثل غيرها، وغابت عن عبادها رماهم بالشرك ووسمهم بالكفر، فقال إني بريء مما تشركون، فهذه الكواكب تنتقل من مكان إلى مكان، وتتحول من حال إلى حال، لابد لها من خالق يدبرها ويحركها، فهي لا تستحق عبادة ولا تكريما ولا تعظيما [45].

هكذا سلك إبراهيم مع قومه طرق الاستدلال العقلي الدال على وحدانية الله؛ ليأخذهم إلى نتيجة يحاول من خلالها إقناع العقول.


يقول القرآن ملخصا ما سبق: ﴿ فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَىٰ كَوْكَبًا ۖ قَالَ هَٰذَا رَبِّي ۖ فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَٰذَا رَبِّي ۖ فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَٰذَا رَبِّي هَٰذَا أَكْبَرُ ۖ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ ﴾ [46]. ليقول في الختام: ﴿ إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا ۖ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾[47].


نستخلص من حوار إبراهيم عليه السلام لقومه الآتي:

• استعمال المنطق، وتأسيس الحوار على مجموعة أسئلة تكشف الغشاوة عن العقل، وتجعل الإنسان يراجع نفسه، ويحكم عقله بنفسه، لعله يقبل الحق بعد الاقتناع.


• حسن استدراج الخصم، بأسلوب حكيم، دون صراع ولا تصعب للرأي.

• التدرج في الحوار، حيث بدأ إبراهيم عليه السلام بإبطال دعوى ربوبية القمر، بعده أبطل دعوى ربوبية الشمس؛ ليبني دعوة توحيد الله على أساس متين.


المحور الرابع: حوار شعيب عليه السلام:

بدأ شعيب سلام عليه حواره مع قومه بالرسالة العظمى (التوحيد) قال: ﴿ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ ۖ وَلَا تَنقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ ۚ إِنِّي أَرَاكُم بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُّحِيطٍ ﴾[48].


والعبادة مفهوم شامل هي: " لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة، فهي تتضمن غاية الذل والخضوع لله تعالى بغاية المحبة له، ولهذا لا يكفي أحدهما في عبادة الله تعالى، بل يجب أن يكون الله عنده أعظم من كل شيء، بل لا يستحق المحبة والذل التام إلا الله تعالى " [49].


وهذه الدعوة يبتدأ بها جميع الرسل كما لاحظنا؛ لأن الخصم إذا آمن بالله وحده، واستسلم بالعبودية له، فإنه يمتثل لكل الأوامر والنواهي تِباعا.


وعلى أَثر هذا سار رسول الله محمد عليه الصلاة والسلام، فدعوته قائمة على كلمة: (لا إله إلا الله)، فلم يأمر المخاطبين بالتوحيد بالصلاة والصيام... وغيرها من التشريعات.

لأن الأساس هو التوحيد، فهو القاعدة الذي تنبثق عنها جميع مناهج الحياة، ولا يستقيم عمل ما لم يستقم التوحيد.


بعدها شرع شعيب بالتدرج في التفصيل، ناهيا قومه عن خيانة الميزان والمكيال قال: ﴿ وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ ۖ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ۚ وَمَا أَنَا عَلَيْكُم بِحَفِيظٍ ﴾[50].


فالخطاب الأول: نهي عن نقص المكيال والميزان إذا كالوا الناس.

والخطاب الثاني: أمر بوفاء الكيل؛ والوزن بالقسط.

والخطاب الثالث: نهي عن العثو في الأرض بالفساد؛ لأنهم كانوا يقطعون الطريق [51].


فالملاحظ أن شعيب تدرج في خطاب قومه، فابتدأ بنهيهم عن نوع من الفساد تفشى فيهم، وهو التطفيف، ثم ارتقى فنهاهم عن الجنس الأعلى للفساد الشامل لجميع أنواع المفاسد وهو الإفساد في الأرض.


وهذه من أساليب الحكمة في تهيئة النفوس بقبول الإرشاد والكمال. وإذا كانت غايتهم من الإفساد اجتلاب ما فيه نفع عاجل لهم، فقد أعقب شعيب عليه السلام موعظته بما ادخره الله من ثواب على امتثال أمره [52].


وفي رد دعوة التوحيد قال قومه: ﴿ يَا شُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَن نَّفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ ۖ إِنَّكَ لَأَنتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ﴾[53].

هكذا قابلوا قوله بالسخرية والتهكم بشكل يدل عن جهلهم ويظهر عنادهم.


وبما أنه دمج دعوة التوحيد بدعوة الأخلاق الراشدة، والنهي عن السلوك القبيح، جاء ردهم من جنس دعوته: هل صلاتك تنهانا عن ترك عبادة الأصنام، وتقيدنا في التعامل بأموالنا، إنك لأنت الحليم الرشيد.


وقولهم: ﴿ إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ ﴾ [هود: 87]جاء على سبيل السخرية والاستهزاء، لكنه عليه السلام أعرض عن هذا كله؛ لأنه على ثقة مما يقول.

فغرضه الأساس الهداية والإنقاذ؛ لا كما يعتقدون عن جهل أن إرشادهم يجر عليهم الخسارة [54].


ولم ينفعل شعيب عليه السلام على عادة البشر، ولم يغضب، بل تحلى بسعة الصدر، وبضبط الأعصاب، والسيطرة على النفس، وشهوة الانتقام.


فواصل الحوار بنبرة هادئة، قال: ﴿ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا ۚ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَىٰ مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ ۚ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ ﴾[55].


فهو لا يزال يحاورهم متسائلا عن سبب جحودهم، يقول: أخبروني إن كنت على بينة وحجة واضحة وبصيرة وهداية من عند ربي فيما أمرتكم ونهيتكم عنه، ورزقني منه رزقا كثيرا واسعا بلا كد مني ولا تعب في تحميله. فهل أترك أمركم ونهيكم؟ أو هل يسعني مع هذه النعمة أن أخون وحيه؟


وهو جواب شديد المطابقة بقولهم: إنك لأنت الحليم الرشيد.

أي: كيف يليق بالحليم الرشيد أن يخالف أمر ربه، وله عليه نعم كثيرة [56]، والملاحظ هنا تلطفه في الخطاب، والبرهنة بشكل منطقي على صدق دعوته.


ومن أسباب نجاح المحاور حسن عبارته، وحسن سلوكه:

• حسن العبارة:

حيث استعمل شعيب عليه السلام ألفاظا كلها مودة، ورحمة، ولين، وعطف، وحنان.

فالتكبر، وقسوة العبارة تؤدي إلى النفرة.

من أجل هذا اختار ألفاظا، مثل: يا قوم، ولم يقل: يا كفار، يا مجرمين، يا فساق...


• حسن السلوك:

فالمحاور لا ينجح ما لم يطابق فعله ما يدعو إليه، فالعمل أبلغ من القول، ولهذا قال شعيب: ﴿ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَىٰ مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ ۚ ﴾[57]، والمقصود أنه لا يأمرهم بسلوك إلا وكان أول فاعل له، ولا ينهاهم عن فعل إلا وكان أول من يتركه.


لكن قومه قابلوا هذا برد عنيد وقول عنيف: ﴿ قَالُوا يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِّمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا ۖ وَلَوْلَا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ ۖ وَمَا أَنتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ﴾[58].


فقد أعرضوا عن الحق البين بقولهم هذا بعدما ضاقت عليهم سبل الحيل، ولم يجدوا لاستمرار محاولته حاجة، وحالهم كحال المفحم الذي يقابل البينات بالسب والشتم.


حيث جعلوا كلامه المشتمل على فنون الحكم والمواعظ وأنواع المعارف، من قبيل ما لا يفهم معناه ولا يدرك فحواه.

وأكدوا أنه ضعيف لا قوة له، كما أخبروه أنه لولا رهطه لرجموه بالحجارة حتى الموت، فلا عزة ولا كرامة له عندهم [59].


بعد هذا غير شعيب سلام الله عليه أسلوب الحوار، وانتقل من الترغيب إلى الترهيب قائلا: ﴿ يَا قَوْمِ أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُم مِّنَ اللَّهِ وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيًّا ۖ إِنَّ رَبِّي بِمَا تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ وَيَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَىٰ مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ ۖ سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كَاذِبٌ ۖ وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ ﴾[60].


إنه تهديد قاصف، ووعيد من الواثق بنصر ربه، قال لهم: اعملوا على منتهى تمكنكم في قوتكم وعصبيتكم؛ فإني عامل على مكانتي التي أعطاني ربي؛ لأدعوكم للتوحيد وآمركم بالمعروف؛ وأنهاكم عن المنكر.


وسوف تعلمون من يأتيه عذاب الدنيا والآخرة، ومن تكون له عاقبة الدار في الآخرة، حينها تعلمون من هو كاذب فيما أخبركم وأبشركم وأحذركم، وانتظروا سوء العاقبة؛ لتكذيبكم لي فإني معكم منتظر مرتقب [61].


نخلص من حوار شعيب عليه السلام لقومه إلى النتائج التالية:

• الهدوء في الحور:

حيث ألزم شعيب قومه بالحجة والبرهان بعيدا عن العصبية والتطرف والإساءة والعنف، وهذا من سمات حوار جميع رسل الله في القرآن.


• تلوين الخطاب:

فشعيب نهى عن الخلال الخبيثة؛ التي تلبس بها قومه، وفي مقدمتها الشرك بالله بأكثر من أسلوب.

وبدأ بالنهي عن الشرك لأنه الأهم، ثم دعاهم للتوحيد، ثم وجههم إلى الالتزام بأوامر الله، بعدها حذرهم من المعاصي الخطيرة، ومنها: التطفيف في الميزان، وظلم الناس بأخذ أموالهم.


• مراعاة المقام:

حيث اختار شعيب عليه السلام الأسلوب المناسب؛ حسب المخاطب وأحواله، فالمواجهة مع الملأ تتطلب الصبر والحكمة، والتمسك بلغة الحوار اللين اللطيف.

فرغم تعالي أصواتهم إلى درجة التحدي، والسب، والتهديد بالرجم، استمر في أسلوبه الحكيم.


• التزام المنطق والبرهان:

وهذا واضح في استنكاف شعيب عن الدخول مع قومه في منطق القوة؛ لأنه رغم السب والقذف، ومحاولة التعنيف الجسدي، تلطف معهم في العبارة، وسلك مسلك البرهان والحجاج، قائلا: أ رهطي أعز عليكم من الله؟ وختم حواره بقوله: اعملوا على مكانتكم؛ ليبين لهم أنه رغم تنزله في الخطاب إلا أنه واثق بقضيته.


المحور الخامس: حوار موسى عليه السلام:

حاور موسى قومه وكان على رأسهم فرعون، وقد استعرض كتاب الله هذا الحوار.


قال فرعون: ﴿ فَمَن رَّبُّكُمَا يَا مُوسَىٰ ﴾[62]، وهذا سؤال استنكاري تهكمي، بدأ به فرعون حواره ليقلل من شأن محاوره موسى عليه السلام، ونبرة التهكم واضحة في قوله: (ربكما)، فالخطاب موجه أصالة لموسى، لكن فرعون استعمل المثنى؛ ليدخل في الحوار هارون.


ففرعون يوعز لموسى من هذا أنه لا يكترث له، وأن شأنه كشأن هارون.

فرد موسى بقوله المختصر: ﴿ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَىٰ كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَىٰ ﴾[63]، وهو جواب واثق شامل مانع، وفيه رد ضمني أن المكانة؛ والعزة؛ والكرامة لمن اهتدى.


ورد فرعون بقوله: ﴿ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى ﴾[64].

وفي هذا الجواب حيدة، واستنكار ضمني: لماذا لم تؤمن القرون السابقة بما أتيت به.

قال موسى: ﴿ عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي فِي كِتَابٍ ۖ لَّا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنسَى ﴾[65].

هنا نلاحظ كيف استغل موسى عليه السلام الفرصة لصالحه؛ ليعرض قضيته الأساس وهي: التوحيد.


فقوله: (علمها عند ربي في كتاب) إشارة إلى الغيب، وقوله: (لا يضل ربي ولا ينسى) تذكير بصفتين خاصتين لرب دون البشر، وفرعون حاله كحال جميع البشر يضل وينسى.


لكن فرعون كذب بالحوار القائم على منطق التدبر والتفكر، وهدد موسى بالسجن، وهذه محاولة لإجهاض منطق الحوار.

وهذا دفع موسى أن ينتقل في حواره لمرحلة يقيم فيها الحجج والبراهين الحسية الحاسمة.


ثم حول موسى العصا حية تسعى، وأخرج يده فصارت بيضاء بلا كبير سوء ولا أدنى، وهذه معجزات كبرى أيده الله بها قبل مواجهة فرعون.


نستفيد من هذا أن المحاور يلزمه التحلي بخصلة التأني والصبر، فموسى لم يعرض الآية والحجة الأخيرة مباشرة، بل حاج فرعون بمنطق عقلي داعيا إياه للتفكر في مخلوقات الله.


كما نستفيد من هذا ضرورة الاستماتة لأجل تبليغ الفكرة، رغم تشويش الطرف المحاور، فموسى بعدما صده فرعون وهدده مسفها دعواه، انتقل لحجة أقوى وأبهر.


وبما أن القوم عُرفوا بالسحر عاملهم بما يجيدون، عكس إبراهيم الذي استمر في الحجاج العقلي المنطقي؛ لأن قومه كانوا أهل منطق وحجة.


لكن القوم كذبوا بكل هذا، خاضعين لتكبر فرعون قائلين: ﴿ إِنْ هَٰذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَن يُخْرِجَاكُم مِّنْ أَرْضِكُم بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَىٰ ﴾[66].


وجاء هذا الرد بإيعاز من فرعون، الذي سأل مقربيه بقوله: (ماذا تأمرون)؟، وهذا دليل على انهزامه داخليا، وهو الذي ادعى الألوهية، فكيف لإلاه أن يسأل مقربيه العون.


وفي استشارة القوم من فرعون مكر، إذ يُحرض على موسى الجمهور بطريقة غير مباشرة، ليكسب تعاطفهم.

وكان هذا بعدما شعر بتهديد موسى له في ملكه وسلطانه المطلق.


من هذا نستنتج أن أساليب الحوار التي سلكها فرعون متنوعة منها: أسلوب الاستخفاف؛ والتهكم، الذي بدأ به حواره؛ وأسلوب الاستشارة والرجوع للحاشية.


وبعد الحوار المنطقي جاء حوار المواجهة بين صفين: صف موسى وأخاه مؤيدان بمعجزات الله، وصف فرعون وملئه وما جمع له من سحرة.


كما أعدت ساحة المناظرة الكبرى الفارقة بين الحق والباطل، وكان الوقت ضحى، والشمس ساطعة؛ ليكون البرهان الحسي أجلى وأوضح.


فاجتمع الناس ليشاهدوا الوقائع، ويشهدوا على المنتصر والمنهزم، وحاول فرعون أن يتدخل بسلطانه المادي؛ ليغري بالمال والمكانة.

ولما أحس موسى بتزوير فرعون حذرهم بالقول:" وَيْلَكُمْ لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُم بِعَذَابٍ ۖ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَىٰ[67].


وهذا تأثير نفسي من موسى عليه السلام لما ظهر له محاولة فرعون استمالة السحرة بقوة المال والسلطان.

هنا وقع السحرة في اضطراب بين ضرورة أداء شهادة الحق، وبين تزوير الحقائق؛ لأنهم تنازعوا أمرهم بينهم وأسروا النجوى.


واضطربوا طالبين من موسى إما إلقاء عصاه أو يكونوا أول من ألقى، فلما ألقوا ما يُخيل إليهم سحرا من عصي وحولوها أفاعي تسعى، أظهر موسى عن طريق الحسم معجزته الكبرى، هنالك وقع الحق وتاب السحرة الذين استعان بهم فرعون، فظهر صدقه، وانجلى كذب فرعون الذي تجبر وطغى.


نستخلص من حوار فرعون وموسى مجموعة من النتائج:

أ - سمات حوار موسى عليه السلام:

• اللين في بداية الحوار:

رغم تكبر فرعون، وزعمه الربوبية، بدأ موسى على عادة رسل القرآن حواره بأسلوب لين، يبتغي الترغيب.


• الاستعداد ظاهرا وباطنا:

قبل أن يدخل موسى عليه السلام في مواجهة فرعون، حشد طاقته الجسمانية والروحانية؛ لأنه سيواجه طاغية من طواغيت الأرض، ولأجل هذا أمده الله بمعجزته، وكلمه لكي لا يخاف، وهذه طاقات استند عليها موسى لينتصر في مواجهة فرعون.


• الجمع بين اللين والقوة:

تميز حوار موسى وفرعون بتجاذب أساليب الترغيب والترهيب، حيث اصطبغ الحوار في البداية بنبرة لينة؛ لأن المقصد الأساس في هذه المرحلة هو التعريف برسالة موسى، لكن في النهاية طغت نبرة قوية تنذر باقتراب حسم المناظرة.


• التدرج في الحوار:

فموسى لم يأبه لمشوشات فرعون، حيث تعامل معها بتدرج وصبر وحلم، وكلما حاول فرعون إغلاق الحوار حاول موسى فتحه من جديد؛ لأجل الحسم، قال موسى: (أولو جئتك بشيء مبين)!


كما استخدم في البداية الحجج الكونية، وترك المعجزة الكبرى لتكون آخر ورقة يستعملها لإفحام الخصم.

فموسى استدرج الخصم المتكبر نحو حقائق كونية لعله يؤمن بها، ثم عرفه بها، وهو في الآن ذاته يبلغ رسالته للناس كافة.


ثم جاءت مرحلة الحسم بعد المشقة والتعب، وبعد تطويقه بالشتائم، ومنعه بالقوة من إبلاغ دعوته، أظهر موسى عليه السلام معجزته، وهي آخر برهان على صدق دعوته.


ب - سمات حوار فرعون:

• التهكم:

وهي سمة ظاهر في طريقة حوار فرعون منذ البداية، وهذا دأب المتكبرين والجبابرة، فهم لا يعترفون لأحد بالفضل؛ لتضخم " الأنا " عندهم.


• إفساد مسار الحوار:

نلاحظ من أسلوب فرعون الحواري خروجه عن الموضوع، والاستعانة بمكانته منذ البداية، وذلك بالسخرية من الطرف الآخر، وتوعده بالسجن، ورميه بالأوصاف القبيحة، وتأليب الجماهير ضده، ومحاولة إحداث قطيعة لإنهاء الحوار في حال إحساسه بالهزيمة.


تقويم:

تميز حوار الرسل في القرآن بأسلوب بلاغي إبلاغي، خاطب جميع البشر؛على اختلاف عقائدهم وأفكارهم.

كما خاطب العامة والخاصة، وجمع بين الإقناع والإمتاع؛ محيطا بالأحوال النفسانية للبشر أجمع.


فهو يتحرى الدقة والحياد؛ يعرض آراء المخالفين بلا زيادة ولا نقصان، كما يبني الحوار على دلائل وبراهين عقلية منطقية.

وقد قدم القرآن كل هذا بأسلوب موجز مختصر تام المعنى، حيث بين طريق جميع الرسل على اختلاف مجتمعاتهم وأقوامهم.


فنوح سلك سبيل الحوار بأسلوب ترغيب وترهيب وتحبيب.

وحاول سلام الله عليه رد هجوم قومه بالحكمة والموعظة الحسنة.

ولما كذبوه قال في النهاية: ﴿ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ ﴾ [يونس: 72].

كما سلك هود الطريق نفسه إلى أن كُذب فقال: ﴿ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ ﴾ [هود: 54].


وحاج إبراهيم قومه بالبرهان والدليل المنطقي محاولا إقناعهم.

وشعيب بلغ رسالة التوحيد؛ بأسلوب حواري متدرج، حيث بدأ بعرض عقيدته ودعوته، ثم ختم بالدعوة إلى مكارم الأخلاق.

وحاور موسى فرعون بأسلوب عقلي في قالب السؤال والجواب.


ولما تحداه فرعون على عادته قبِل التحدي، ثم كر واعظا إياه وقومه بأسلوب رقيق؛ جمع بين الموعظة والتخويف، قال سلام الله عليه: ﴿ وَيْلَكُمْ لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ ﴾ [طه: 61].


وهذا الأسلوب الحواري هو الذي دعا إليه ربنا عموم البشرية؛ الحاملين لمنهاج الهدى والسداد، وبشكل خاص لرسولنا خاتم الناطقين بالوحي والرشاد، قال تعالى: ﴿ ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾ [68].

 

المصادر والمراجع:

• القرآن الكريم

أ

• أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن، محمد الأمين الشنقيطي، خرج أحاديثه: الشيخ محمد عبد العزيز الخالدي، طبع على نفقة سمو الأمير أحمد بن عبد العزيز آل سعود.

 

ج

• جامع البيان في تأويل القرآن، لمحمد بن جرير الطبري ت310هـ، تحقيق هاني الحاج وعماد زكي البارودي وخيري سعيد، المكتبة التوفيقية بمصر القاهرة، بدون تاريخ.

 

ت

• تفسير القرآن العظيم، لعماد الدين إسماعيل ابن كثير، خرج أحاديثه وفقا للأحكام الألباني، علق عليه: أحمد شاكر ومحمد العثيمين ومقبل الوادعي وعبد الرحمان بن ناصر السعدي ومحمد الألباني وصالح آل الشيخ، دار الآثار للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى، 2009م.

• التحرير والتـنويـر، لطاهر بن عاشور، الدار التونسية للنشر، بدون تاريخ.

 

ع

• العبودية فـي الإسلام، لتقي الدين أحمد ابن تيمية، المطبعة السلفية بالقاهرة، 1398هــ.

 

ف

• فتح البيان في مقاصد القرآن، للإمام الحسين القنوجي البخاري ت1308هــ، قدم له وراجعه عبد الأنصاري، المكتبة العصـرية صيداء بيروت،1992هــ.

 

ق

• قصص الأنبياء، لعماد الدين إسماعيل بن كثير ت884هــ، تحقيق: أحمد بن بدر الدين، المكتبة الإسـلامـية للنـشـر والتوزيع، الطـبعـة الأولى، 2002م.

• قصص القرآن، لمحمد أحمد المولى وآخرون، دار الفكر بيروت لبنان، الطبعة السابعة، 1967م.

• القصـص القـرآني عرض وقائع وتحليـل أحداث، لصلاح عبد الفتاح الخالدي، دار القلم بدمشق، الطبعة الأولى، 1998م.

 

م

• محاسن التأويل، تفسير القاسمي، محمد جمال الدين القاسمي، وقف على طبعه وتصحيحه، ورقمه وخرج أحاديثه، وعلق عليه: محمـد فؤاد عـبد الباقي، دار إحياء الكتب العربية، بدون تاريخ.

• التفسير الكبير أو مفاتيح الغيب، لفخر الدين الرازي، دار الكتب العلمية بيروت لبنان، الطبعة الثالثة، 2009.

• التفسيـر المنـير في العقـيدة والشريعة والمنهج، لوهبة الزحيلي، دار الفكر بيروت، الطبعة الأولى،1991م.

 

ن

• نوح عليه السلام وقومه في القرآن المجيد، لعبد الرحمان حسن حبنكة الميداني، دار القلم دمشق، الطبعة الأولى، 1990م.



[1] هود، الآية: 118.

[2] الحجرات، الآية: 13.

[3] الظلال، 2 /122 - بتصرف -.

[4] آل عمران، الآية: 64.

[5] النحل، الآية:36.

[6] هود، الآيتان:25 - 26.

[7] القصص القرآني، صلاح عبد الفتاح،ج1/ص:167.

[8] الأعراف، الآية:58.

[9] نوح وقومه في القرآن المجيد، الميداني، ص:45.

[10] نوح، الآيات:10 - 12.

[11] الأعراف، الآيات:60 - 63.

[12] جامع البيان في تأويل آي القرآن،ج3/ص:629.

[13] نفسه، ج3/ص:626.

[14] الظلال، مج4،ص:1873 - بتصرف -.

[15] هود، الآية:29.

[16] ابن عاشور، التحرير والتنوير، مج6/ص:55.

[17] هود، الآية:27.

[18] هود، الآية:30.

[19] هود، الآية:31.

[20] تفسير القرآن العظيم،ابن كثير،ج2/ص:444.

[21] هود، الآية:32.

[22] هود، الآية:114.

[23] الأعراف، الآية: 59.

[24] هود، الآية:52.

[25] هود، الآية: 51.

[26] هود، الآية:53.

[27] الظلال،ج4/ص:1898.

[28] هود، الآية:56.

[29] التفسير المنير، وهبة الزحيلي،ج12/ص:92.

[30] مريم، الآية: 42.

[31] مريم، الآية: 42.

[32] مريم، الآية: 43.

[33] مريم، الآية: 45.

[34] مريم، الآية: 46.

[35] الشنقيطي، أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن، 3/427 - بتصرف -.

[36] البقرة، الآية: 258.

[37] البقرة، الآية:257.

[38] البقرة، الآية:257.

[39] ابن كثير، تفسير القرآن العظيم، 2/27.

[40] الرازي، مفاتيح الغيب، مج: 7 - 8/ ص: 22.

[41] البقرة، الآية:257.

[42] قصص الأنبياء، ابن كثير، ص:157.

[43] الأنعام، الآية: 77.

[44] الأنعام، الآية: 79.

[45] قصص القرآن، المولى، ص:50 - 52،بتصرف.

[46] الأنعام، الآيات:77 - 79.

[47] الأنعام، الآية: 80.

[48] هود، الآية: 83.

[49] ابن تيمية، العبودية في الإسلام، ص:614.

[50] هود، الآيتان: 85 - 86.

[51] تفسير القرآن العظيم،ابن كثير،ج2/ص:457.

[52] ابن عاشور، التحرير والتنوير، 6 /138 - 139 - بتصرف -.

[53] هود، الآية:87.

[54] الظلال، ج4/ص: 1920 - بتصرف -.

[55] هود، الآية:88.

[56] فتح البيان، ج4/ص:392.

[57] هود، جزء من الآية: 88.

[58] هود، الآية: 91.

[59] محاسن التأويل، القاسمي، ج9 /165 - 164 بتصرف.

[60] هود، الآيتان: 92 - 93.

[61] قصص الأنبياء، ابن كثير،ج2/ص:787 – بتصرف -.

[62] طه، الآية: 48.

[63] طه، الآية: 49.

[64] طه، الآية: 50.

[65] طه،الآية: 51.

[66] طه، الآية: 62.

[67] طه، الآية: 60.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الأوامر العملية في القرآن: من سورة الملك إلى المدثر
  • كتاب اللفتات المليحة للأمثال الصريحة في القرآن: نبذة وتعريف
  • الدعوة إلى الله تعالى في القرآن: نظرات في المنهج والأركان

مختارات من الشبكة

  • من منطلقات العلاقات الشرق والغرب ( الحوار - طرفا الحوار)(مقالة - موقع د. علي بن إبراهيم النملة)
  • محاذير الحوار (متى نتجنب الحوار؟)(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • الحوار في الدعوة إلى الله (مجالات الحوار الدعوي)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تأملات في مركب "حوار الحضارات": أي حوار وأية مقومات؟(مقالة - موقع أ. حنافي جواد)
  • حوار مع " بول موجز " حول الحوار بين المسيحيين والمسلمين(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • الحوار المفروض والحوار المرفوض(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الحوار المفقود (تأملات في الحوار من خلال سورة يوسف PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • مفهوم الحوار لغة(مقالة - حضارة الكلمة)
  • الحوار وسيول الجدال(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • حكم الحوار(مقالة - موقع أ. د. محمد جبر الألفي)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 12/11/1446هـ - الساعة: 18:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب