• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    خطبة: (ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب)
    الشيخ عبدالله محمد الطوالة
  •  
    سورة الكافرون.. مشاهد.. إيجاز وإعجاز (خطبة)
    د. صغير بن محمد الصغير
  •  
    من آداب المجالس (خطبة)
    الشيخ عبدالله بن محمد البصري
  •  
    خطر الميثاق
    السيد مراد سلامة
  •  
    أعظم فتنة: الدجال (خطبة)
    د. محمد بن مجدوع الشهري
  •  
    فضل معاوية والرد على الروافض
    الدكتور أبو الحسن علي بن محمد المطري
  •  
    ما جاء في فصل الشتاء
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: (الرحمن، ...
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
  •  
    تفسير: (فلما قضينا عليه الموت ما دلهم على موته ...
    تفسير القرآن الكريم
  •  
    تخريج حديث: إذا استنجى بالماء ثم فرغ، استحب له ...
    الشيخ محمد طه شعبان
  •  
    الخنساء قبل الإسلام وبعده
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    اختر لنفسك
    د. حسام العيسوي سنيد
  •  
    فاذكروا آلاء الله لعلكم تفلحون (خطبة) - باللغة ...
    حسام بن عبدالعزيز الجبرين
  •  
    آية المحنة
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    توزيع الزكاة ومعنى "في سبيل الله" في ضوء القرآن ...
    عاقب أمين آهنغر (أبو يحيى)
  •  
    النبي عيسى عليه السلام في سورة الصف: فائدة من ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / دراسات شرعية / علوم قرآن
علامة باركود

التحقيق المقاصدي للأعمال: نموذج تطبيقي على مقاصد تلاوة القرآن

التحقيق المقاصدي للأعمال: نموذج تطبيقي على مقاصد تلاوة القرآن
أشرف الدين خان

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 8/8/2017 ميلادي - 15/11/1438 هجري

الزيارات: 20420

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

التحقيق المقاصدي للأعمال

نموذج تطبيقي على مقاصد تلاوة القرآن


تمهيد:

لقد انتشر مفهومُ مقاصد الشريعة في الأوساط العلميَّة بشكل كبير في الآونة الأخيرة، وانشق منه مفاهيم عديدة؛ منها على سبيل المثال: مفهوم نظرية المقاصد، الفكر المقاصدي، الاجتهاد المقاصدي، القواعد المقاصدية وغيرها، وأخذ كلُّ مفهوم مِن المفاهيم حيِّزَه المناسب مِن الدراسة والبحث والاجتهاد في مجالات شتى، حتى بدَتْ ظاهرة التوجُّه إلى فصل الموضوع - موضوع المقاصد - من حيِّزِه الصغير في كتب أصول الفقه باب القياس والعلة إلى بحوث مستقلة ومؤلفات كبيرة؛ حتى نادى بعض مَن تعلقوا بالموضوع إلى استقلال مقاصد الشريعة من أصول الفقه، وجعله علمًا مستقلًّا بكتبه وفصوله وأنواعه ومباحثه، كما قال الشيخ ابن عاشور رحمه الله تعالى في كتابه: "فنحن إذا أردنا أن ندوِّنَ أصولًا قطعيَّة للتفقُّه في الدين، حقّ علينا أن نعمدَ إلى مسائل أصول الفقه المتعارضة، وأن نعيد ذوبها في بوتقة التدوين، ونعيرها بمعيار النظر والنقد، فننفي عنها الأجزاء الغريبة التي عاشت بها، ونضع فيها أشرف معادن مدارك الفقه والنظر، ثم نعيد صوغ ذلك العلم ونسميه: (علم مقاصد الشريعة)، ونترك علم أصول الفقه على حاله نستمد منه طرق تركيب الأدلة الفقهية..."[1]، ونحن لا نؤيد التوجه ولا نناقشه بالإيجاب أو بالسلب؛ لأنه ليس موضوع البحث.


نهدف في البحث الحالي - كما هو الظاهر مِن عنوانه - إلى محاولة متواضعة لأن نتطرق إلى مفهوم هو أعظم مفهوم يتعلق بالحديث عن مقاصد الشريعة، ألا وهو مفهوم "التحقيق المقاصدي للأعمال"، ووددنا فيه تيسير الطرق أمام مَن يريد مراجعة نفسه، وجني ثمار الأعمال التي يقوم بها من أعمال الدين والشريعة.


ومِن مزايا هذا المفهوم المتحدَّث فيه: أنه يمكن لواحد منا أن يعتبره أداة للمقارنة العلمية بين المقاصد المحددة للأعمال والمقاصد المنفذة من الأعمال التي تؤدَّى من المكلفين، فيمكن تحديد الفجوة بين الموجودة والمرجوة، فالفكرة قديمة وموجودة؛ حيث كلُّ إنسان عاقل يقارن في كل مجال من مجالات اهتمامه بين ما هو مطلوب وبين ما هو موجود، سواء على الصعيد الشخصي أم على الصعيد الجماعي والأممي، ولكن الجديد في المفهوم أنه يضاف إلى موضوع مقاصد الشريعة بوصفه أداةً للمقارنة بين المقاصد المُستَحْدثة في النصوص، وبين المقاصد التي قد تحققتْ في الواقع بقصد تحديد الأبعاد بين الاثنين، وتماشيًا مع أساليب البحوث الأكاديميَّة نريد أن نتطرَّق إلى تعريف المصطلحات المنطوقة في صلب البحث، فنبتدئ بتعريف مقاصد الشريعة.

 

مقاصد الشريعة وتقسيمها إلى العامة والخاصة:

المقاصد هي: "المعاني الملحوظة في الأحكام الشرعيَّة والمترتبة عليها، سواء أكانت تلك المعاني حكمًا جزئية، أم مصالح كليَّة، أم سمات إجماليَّة، وهي تتجمع ضمن هدف واحد، وهو تقرير عبودية الله ومصلحة الإنسان في الدارين"[2].


لا شك أن الله سبحانه وتعالى خلق الإنسان وأسبغ عليه نعمه ظاهرة وباطنة، وأعظم هذه النعم نعمة الدين والشريعة، وقد أشار إلى ذلك في محكم كتابه قائلًا: ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ﴾ [المائدة: 3].


وقد نزلت الشريعة من عند الله سبحانه وتعالى بأوامرها ونواهيها لمقاصدَ، تلخَّصت هذه المقاصد في جامع عبارة: (جلب المنفعة ودرء المفسدة)، فما من مصلحة وخير إلا دلَّت عليه الشريعة، وما من مفسدة وشر إلا وقد نهت عنه الشريعة، وكان من أدعية رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اللهمَّ إني أسألكَ من الخيرِ كلِّه عاجله وآجله، ما علمت منه وما لم أعلم، وأعوذ بكَ من الشرِّ كلِّه عاجله وآجله، ما علمت منه وما لم أعلم...))، وخير دليلٍ على شمول الشريعة على الخير كله قوله تعالى:﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ [النحل: 90].

فكلُّ أمر شرعي وراءه مقصدٌ، وكلُّ نهي شرعيٍّ حفَّ بدرءِ مفسدة.

 

وباستقراء مقاصد الشريعة قام العلماء المحققون بتقسيم المقاصد إلى عدة أنواع، ومن تلك الأنواع: المقاصد العامة والمقاصد الخاصة.

المقاصد العامة هي التي تلاحظ في جميع أو أغلب أبواب الشريعة ومجالاتها؛ بحيث لا تختص ملاحظتها في نوع خاص من أحكام الشريعة، فيدخل في هذا أوصاف الشريعة وغاياتها الكبرى[3]؛ مثل: الفطرة، والتيسير، والشمول، والواقعية، وغيرها.

والمقاصد الخاصة هي التي تتعلق بباب معين أو أبواب معينة، وقد ذكر ابن عاشور أن هذه المقاصد هي: "مقاصد خاصة بالعائلة، مقاصد خاصة بالتصرفات المالية، مقاصد خاصة بالمعامَلات، مقاصد خاصة بالقضاء والشهادة، مقاصد خاصة بالتبرعات، مقاصد خاصة بالعقوبات"[4].

 

يتضح من الأمثلة التي ساقها الشيخ ابن عاشور رحمه الله تعالى للمقاصد الخاصة، أن المجال واسع جدًّا، وأن للمرءِ أن يقوم بتحديد مقاصد أيِّ باب من أبواب الشريعة في حدود النصِّ والاجتهاد الصحيح، فيقول على سبيل المثال: مقاصد الإيمان بالله تعالى، أو مقاصد الصلاة، أو مقاصد العيدين، أو مقاصد الذكر والدعاء، إلى غير ذلك من أبواب الفقه، وقد اخترنا لبحثنا هذا موضوع: "تلاوة القرآن" من أبواب الفقه، كما هو المُوضَّح من عنوان البحث.

 

وقد يؤدِّي بنا تقسيم المقاصد إلى عدة أنواع، مع الإشارة إلى أنَّ المقاصد بعضها يتعلق بالمجال الفقهي وبعضها الآخر يتعلق بالمجال الأصولي؛ فنجد على سبيل المثال: أن الصلاة من مقاصدها ذكر الله تعالى، فهذا البحث تتحدث عن - بشكل عام - الكتب الفقهيَّة، أما التحدُّث بأن مقاصد الشريعة هي جلب المصلحة ودفع المضرَّة، فهذا مجالُه الكتب الأصولية، فنجد على سبيل المثال: أن كتاب (إحياء علوم الدين) للإمام الغزالي، وكتاب (حجة الله البالغة) للإمام الدهلوي - بالخصوص في القسم الثاني من الكتاب - يتحدث عن المقاصد الفقهية أو الجزئية للأعمال، أما كتاب الموافَقات فتحدث عن المقاصد، لكن بشكل أصولي أكثر منها بشكل فقهي، وأما كتاب (مقاصد الشريعة الإسلامية) للإمام ابن عاشور فتحدث عن المقاصد من جانبين؛ حيث يتحدث عن المقاصد العامة الأصولية في القسم الثاني من الكتاب، ويتحدث عن المقاصد الخاصة أو الفقهية في القسم الثالث منه، ومن ثَم نقول: إن المقاصد تنقسم - بحكم تعلق المقاصد - إلى المقاصد الأصولية، والمقاصد الفقهية.

 

معنى التحقيق المقاصدي للأعمال:

لقد سبق أن أشرنا إلى المراد من مفهوم (التحقيق المقاصدي للأعمال) في بداية الحديث، حيث قلنا: إننا نقصد في هذا البحث مقارنة الأعمال التي نؤديها من منظور مقاصدي، وكانت هذه إشارة غير منهجية، ولتوضيح المفهوم بشكل منهجيٍّ نَوَدُّ أن نشير إلى المأخذ الأصلي للمفهوم؛ حيث إننا اخترنا المفهوم من مصطلح الأصول المشهور الذي هو: مصطلحات (تنقيح المناط، تخريج المناط، وتحقيق المناط).


لقد تحدث علماء الأصول عن معنى الكلمات، ونحن في هذا البحث لا نود أن نتحدث عن معنى الكلمات بشكل مفصل، ولكن فقط نشير إلى المعنى الاصطلاحي للكلمات، فنقول:

تنقيح المناط: "هو أن يدلَّ نصٌّ ظاهرٌ على التعليل بوصف، فيحذف خصوصه عن الاعتبار بالاجتهاد، ويناط الحكم بالأعم".

أو هو "أن تكون أوصاف في محل الحكم فيحذف بعضها عن الاعتبار بالاجتهاد، ويناط الحكم بالباقي، وحاصله أنه الاجتهاد بالحذف والتعيين".


وتخريج المناط: هو "استخراج وصف مناسب يحكم عليه بأنه علة ذلك الحكم".

وتحقيق المناط: هو "أن يجيء المجتهد إلى وصف دلَّ على عِلِّيَّتِه نصٌّ أو إجماعٌ أو غيرهما من الطرق، ولكن يقعُ الاختلافُ في وجوده في صورة النزاع، فيحقق وجوده فيها"[5].


فنقول: إن مقاصد الشريعة العامة والخاصة قد تم تخريجها بالنص والاجتهاد، ولكن الذي نحتاج إليه ويحتاج كلُّ مكلَّف هو: تحقيق هذه المقاصد في واقع حياتنا وفي جميع أعمالنا بشكل مباشر، وهذا المعنى هو الذي نريده من خلال مفهوم "التحقيق المقاصدي للأعمال"؛ لنرى هل يتم تطبيق هذه المقاصد في أرض الواقع أم لا؟!

 

مِن فوائد المعرفة بمقاصد الشريعة:

لقد تحدث كلُّ مَنْ تكلَّم في الموضوع من المعاصرين بعد الإمام ابن عاشور عن فوائد الإلمام بمقاصد الشريعة، وجاؤوا بعدة فوائد تلاحَظ عن معرفة الموضوع للمكلف العادي والفقيه المستنبط والداعي وغيره، إلا الشيخ ابن عاشور؛ حيث يرى أن الإنسان العادي المكلف البسيط لا يحتاج إلى المعرفة بعلم مقاصد الشريعة؛ حيث يقول في باب "احتياج الفقيه إلى معرفة مقاصد الشريعة: "إن تصرُّف المجتهدين بفقههم في الشريعة يقع على خمسة أنحاء"، (ثم ذكر الأنحاء الخمسة، وأكد أن المجتهد بحاجة إلى معرفة مقاصد الشريعة في هذه الأنحاء كلها....، وليس كلُّ مكلف بحاجة إلى معرفة مقاصد الشريعة؛ لأن معرفة مقاصد الشريعة نوع دقيق مِن أنواع العلم، فحق العامي أن يتلقَّى الشريعة بدون معرفة المقصد؛ لأنه لا يحسن ضبطه ولا تنزيله..."[6].


ولكن الحقيقة أن مقاصد الشريعة لا غنى عنها لكلِّ مَن له صلة بالشريعة، كما يقول الإمام الدهلوي رحمه الله تعالى: "... وقوله (ليس في تدوينه فائدة) قلنا: ليس الأمر كما زعم، بل في ذلك فوائد جلية، ثم ذكر عدة فوائد منها ما يختصُّ بمقام الفقهاء والمجتهدين، ومنها ما يعم المكلفين، ومن النوع الثاني: أنه يحصل به الاطمئنان الزائد على الإيمان كما قال إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام: ﴿ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي ﴾ [البقرة: 260]؛ ذلك أن تظاهر الدلائل وكثرة طرق العلم يثلجان الصدر، ويزيلان اضطراب القلب، ومنها أن طالب الإحسان إذا اجتهد في الطاعات وهو يعرف وجه مشروعيتها ويقيد نفسه بالمحافظة على أرواحها وأنوارها نفعه قليلها..."[7].

 

قد تختلف جوانب الصلة بالشريعة، فتختلف جوانب الضرورة بالمعرفة بالمقاصد، والقاسم المشترك بين المكلفين جميعًا من حيثيات مختلفة: أنه يجعلهم يحتاجون إلى معرفة بالمقاصد لا بد منها، ولعل من الفوائد المهمة لمعرفة مقاصد الشريعة للمكلف العادي أنه يمنح لهم فرصة لمراجعة أنفسهم ونقدهم لذواتهم حين يقومون بالأعمال والأحكام الشرعية.


إذا قلنا: إن من مقاصد الصلاة الانتهاء من الفحشاء والمنكر، كما يقول القرآن: ﴿ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ﴾ [العنكبوت: 45]، فإذا رأى المصلي أنه بعدما يصلي لا ينتهي عن الفحشاء والمنكر تنبَّه إلى أن صلاته لا تأتي بالمقاصد المقصودة من أدائها، فيسهل له أن يراجع جوانب الضعف في أدائه للصلاة، فمن هذه النقطة جئنا بمفهوم "النقد المقاصدي"؛ بحيث نستطيع أن نقارن أنفسنا أمام الأعمال والأحكام الشرعية، هل نحن نمشي على المسار الصحيح من الأعمال، أو أن هناك انحرافًا عن المسار؟

فلو كان الجوابُ بالثاني؛ فيسهل لنا أن نراجع أنفسنا ونقوم بتصويب أوضاعنا قبل فوات الأوان، هذا مما نعدُّه فائدة كبيرة لمعرفة المقاصد الشرعية للمكلفين جميعًا.


التحقيق المقاصدي للشريعة وتوجه العلماء إلى البحث والكتابة في مقاصد الشريعة:

لقد بحث العلماء المجتهدون في مقاصد الشريعة، وكتبوا فيها كتبًا قيِّمة؛ أداءً لواجبهم الديني، وإسهامًا منهم في القيام بتوعية الأمة من سباتهم وغفلتهم عن مقاصد الشريعة؛ حيث من الواضح أن لكلِّ أعمال المكلفين مقاصدَ منصوصة أو مستنبطة، وأن الأعمال بسبب مرور الأيام وانقطاع الزمان تفقد تلك المقاصد شيئًا فشيئًا، وتنحرف عن مسارها الصحيح حتى تؤدَّى الأعمال بشكل غريب فتعد عملًا مبتدعًا لا عهد له في الشريعة، ومن الطبيعي أن الأعمال إذا لم تؤدَّ بمقتضى الشريعة؛ لم تُرجَ منها الفوائد الموعودة مِن قبلها.


ونلاحظ في أيام حياتنا أن الأعمال الشرعية لها شروط وأشكال ومقتضيات، ولها موانع ومبطلات، وأن الأعمال تتأثر بعوامل كثيرة تتشكل بأشكال أخرى لا تعرفها الشريعة، فنضرب مثالًا لتقريب الصورة لما نقول؛ حيث إن ظاهرة الالتقاط بالصورة الشخصية (سِلفي) في الأعمال الدينية من الصلاة والطواف والزيارة، مما عمَّت به البلوى في هذا الزمان، وهذه الظاهرة في غالب الأحيان تجعل الأعمال تفقد روحها ومقاصدها، فيجب هنا أن نراجع أنفسنا ونصحح أعمالنا، ونستفيد من المقاصد الشرعية.


فبناء على هذا نرى أن العلماء لما شاهدوا حالة الأمة تبتعد عن مسار الشريعة، وأن أعمالهم تنحرف عن مقاصدها، أحسوا بضرورة تنبيه الأمة إلى الشعور بروح الشريعة ومقاصدها، فنضرب مثالًا من بعض الكتب المؤلفة في الموضوع، وعلى رأسها كتاب: "إحياء علوم الدين" للإمام الغزالي رحمه الله تعالى، يقول الإمام الغزالي في مقدمة كتابه: "... فأما علم طريق الآخرة وما درج عليه السلف الصالح مما سماه الله سبحانه في كتابه فقهًا وحكمة وعلمًا وضياءً ونورًا وهدايةً ورشدًا، فقد أصبح من بين الخلق مطويًّا، وصار نسيًا منسيًّا، ولما كان هذا ثلمًا في الدين ملمًّا وخطبًا مدلهمًّا، رأيت الاشتغال بتحرير هذا الكتاب مهمًّا؛ إحياءً لعلوم الدين، وكشفًا عن مناهج الأئمة المتقدمين، وإيضاحًا لمباهي العلوم النافعة عند النبيين والسلف الصالحين..."[8].


ونأتي بعد الإمام الغزالي إلى الإمام الشاطبي رحمه الله تعالى، ومما لا يخفى على كلِّ من له صلة بالموضوع أن اسم الإمام أبي إسحاق الشاطبي تعلَّق بالموضوع تعلُّقَ اسم الإمام الشافعي بموضوع أصول الفقه، فلا تذكر مقاصد الشريعة إلا ويكون اسم الإمام الشاطبي في أعلى القائمة للمهتمين بالموضوع، نلتمس هذه الروح عند الإمام الشاطبي في مقدمة كتابه الآخر "الاعتصام"؛ حيث قال فيها: "بعد الحمد والصلاة... معنى قول رسول الله صلي الله عليه وسلم: ((بدأ الإسلام غريبًا، وسيعود غريبًا، فطوبى للغرباء، قال: الذين يصلحون عند فساد الناس))... [ما بقي من معاهد الدين] كما روي عن أبي الدرداء، أنه قال: "لو خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم عليكم ما عرف شيئًا مما كان عليه هو وأصحابه إلا الصلاة"، قال الأوزاعي: "فكيف لو كان اليوم؟" قال عيسى بن يونس: "فكيف لو أدرك الأوزاعي هذا الزمان؟"... فتردَّد النظر بين أن أتبع السنة على شرط مخالفة ما اعتاد الناس، فلا بد من حصول نحو مما حصل لمخالفي العوائد، لا سيما إذا ادَّعى أهلُها أن ما هم عليه هو السنة لا سواها، إلا أن في ذلك العبء الثقيل ما فيه من الأجر الجزيل، وبين أن أتبعهم على شرط مخالفة السنة والسلف الصالح، فأدخل تحت ترجمة الضلال، عائذًا بالله من ذلك، إلا أني أوافق المعتاد، وأُعَدُّ من المؤالفين لا من المخالفين! فرأيت أن الهلاك في اتباع السنة هو النجاة، وأن الناس لن يُغنوا عني من الله شيئًا...، فالمعترضُ لِمِثْل هذا الأمر ينحو نحو عمر بن عبدالعزيز رضي الله تعالى عنه في العمل؛ حيث قال: "ألا وأني أعالج أمرًا لا يعين عليه إلا الله، قد فني عليه الكبير، وكبر عليه الصغير، وفصح عليه الأعجمي، وهاجر عليه الأعرابي، حتى حسبوه دينا لا يرون الحق غيره"! وكذلك ما نحن بصدد الكلام عليه، غير أنه أمرٌ لا سبيل إلى إهماله..."[9].

 

ثالثًا: نعرض مثالًا بكتاب "حجة الله البالغة" للإمام الشاه ولي الله الدهلوي رحمه الله تعالى؛ حيث جاء بنفائس الأفكار المقاصدية في كتابه القيم "حجة الله البالغة" ما يمس الفلسفة التشريعية وأسرار الشريعة والتكليف.


ورابعًا: نشير إلى كتاب "مقاصد الشريعة الإسلامية" للشيخ محمد الطاهر ابن عاشور رحمه الله تعالى، فنرى في البحث عن موضوع المقاصد أربع شخصيات علمية كبيرة يبحثون الموضوع من جوانب مختلفة بأساليب مختلفة فيما بينهم، ولكنهم اشتركوا في جانب واحد ونقطة واحدة تظلُّهم في الكتابة عن الموضوع واستنباط المسائل منه وتنبيه الأمة إليه.

 

لقد رأينا أن الوقت الذي عاشوا فيه وكتبوا عن الموضوع فيه كان وقتًا حرجًا بالنسبة للأمة من عدة جوانب منها: علمية، فقهية، اجتماعية، سياسية... وغيرها، لقد رأوا أن الأمة المسلمة مع عظم عددها وكثافة سكانها لم يبقوا في المكانة المناسبة لرسالتهم العالميَّة، فلم يروا وعود الله تعالى من الانتصارات والغلبة والنفوذ تطبق للأمة، فلعل هذه الفكرة أدت بهم إلى البحث عن الأسباب الراجعة إليها، ولعلهم رأوا أن وعود الله تعالى بالانتصارات والنفوذ مشروطة بقيام الأمة بالأعمال والمسؤولية، فرأوا أن الأمة تقوم بالأعمال، ولكنها لا تأتي بالنتائج المرجوة منها، حيث الأعمال ربما لم يكن لها الروح والمقاصد كما تريدها الشريعة من أهلها.


ومن هنا جاءت هذه الفكرة وهي النقد المقاصدي للأعمال؛ حيث يقوم كلُّ مكلف بالقيام بهذا النقد النوعي، ويقوم الدعاة للتنبيه إلى هذا الجانب من المقاصد حتى تكون كلُّ الأعمال تؤدَّى بشكل صحيح كما ابتغت الشريعة الإسلامية ذلك، وقد اخترنا لنقدنا المقاصدي للأعمال "مقاصد تلاوة القرآن الكريم".


وسوف نرى من خلال هذا البحث الوجيز مقاصد تلاوة القرآن، وكيف نقوم بتطبيق هذه المقاصد في واقع حياتنا، وتَحدُّثُنا عن هذه النقطة محاولةٌ منا لاستنباط الخلفية التاريخية لتوجه الأئمة المذكورين إلى الكتابة في الموضوع؛ حيث موضوع المقاصد يتعلق بروح الأعمال كما قال الإمام: "المقاصد هي روح الأعمال، فإن وجد الأعمال بلا مقاصد، فاعلم أنه عمل بلا روح، فكر بلا روح، تحرك بلا روح".


التحقيق المقاصدي للأعمال

نموذج تطبيقي على مقاصد تلاوة القرآن

أولًا: عن القرآن:

هذا الكتاب العظيمُ الذي هو كلام الله المُعجِز ووحيُه المنزَّل، نزَل به الرُّوح الأمينُ على قلْب محمدٍ صلى الله عليه وسلم بلسانٍ عربي مُبين، فيه نبأُ ما قبلَنا، وخبرُ ما بعدَنا، وحُكم ما بينَنا، هو الفصْلُ ليس بالهزْل، مَن ترَكَه مِن جبَّارٍ قصَمَه الله، ومَن ابتغى الهدى في غيره أضلَّه الله، وهو حَبْلُ الله المتين، وهو الذِّكر الحكيم، وهو الصِّراط المستقيم، وهو الذي لا تَزِيغُ به الأهواء، ولا تلتَبِسُ به الألسِنة، ولا يشبعُ منه العُلَماء، ولا يخلَقُ على كثْرة الرَّدِّ، ولا تنقَضِي عَجائبُه، مَن قال به صدَق، ومَن عَمِلَ به أُجِرَ، ومَن حكَم به عدَل، ومَن دُعِي إليه هُدِيَ إلى صِراطٍ مستقيم، وهو باقٍ ما بَقِيَتِ الدُّنيا، يتحدَّى كلَّ عَوامل الإفناء والفناء؛ وذلك بحِفظ الله له؛ فلقد تولَّى الله تبارك وتعالى حِفْظَه فقال: ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ [الحجر: 9].

 

إن تلاوة القرآن مِن أفضل الأعمال بعد الفريضة كما جاء في الحديث: ((تلاوة القرآن أفضل الأعمال))، وإنَّ مَن يتعلم القرآن فهو من أفضل الأمة، كما يقول الحديث: ((خيركم مَن تعلم القرآن وعلمه))، وقد حثَّ القرآن الكريم على تلاوة القرآن، وذكر أن من صفات المؤمنين أنهم يتلون القرآن، وحثَّت الأحاديث الكثيرة على تلاوة القرآن؛ يقول القرآن الكريم: ﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ﴾ [محمد: 24]، ويقول أيضًا: ﴿ كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [ص: 29].

 

ثانيًا: الآيات والأحاديث في تلاوة القرآن:

الآيات الكريمة عن تلاوة القرآن:

﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ * لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ ﴾ [فاطر: 29، 30].

﴿ وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ لاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا ﴾ [الكهف: 27].

﴿ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ * وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ ﴾  [النمل: 91، 92].

﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ﴾ [الأنفال: 2، 3]

 

الأحاديث في تلاوة القرآن الكريم[10]:

عن أبي عبدالرحمن السُّلمي قال: "حدَّثنا الذين كانوا يُقرِئوننا القُرآنَ: أنهم كانوا يستَقرِئون من النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فكانوا إذا تعلَّموا عَشْرَ آياتٍ لم يُخلِّفوها حتى يعمَلُوا بما فيها من العمل؛ فتعلَّمنا القُرآن والعملَ جميعًا".

عن ابن عمر رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إنما مثل صاحب القرآن كمثل صاحب الإبل المعلقة، إن عاهد عليها أمسكها، وإن أطلقها ذهبت)).


عن عبدالله بن عمرو رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: ((اقرأ القرآن في أربعين)).

عن عبدالله بن عمرو - رضي الله تعالى عنهما - أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يفقه من قرأ القرآن في أقل من ثلاث)).


عن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه أن رجلًا جاءه فقال: أوصني، فقال: سألت عما سألت عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم من قبلك فقال: ((أوصيك بتقوى الله؛ فإنه رأسُ كلِّ شيء، وعليك بالجهاد فإنه رهبانيَّة الإسلام، وعليك بذكر الله وتلاوة القرآن؛ فإنه روحك في السماء وذكر لك في الأرض)).

عن عوف بن مالك الأشجعي رضي الله تعالى عنه قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالهجيرة وهو مرعوب فقال: ((أطيعوني ما كنت بين أظهركم، وعليكم بكتاب الله عز وجل أحلوا حلاله وحرِّموا حرامه)).


عن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه أنه قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم عام تبوك خطب الناس وهو مسند ظهره إلى نخلة، فقال: ((ألا أخبركم بخير الناس وشر الناس؟ إن من خير الناس رجلًا عمل في سبيل الله على ظهر فرسه، أو على ظهر بعيره أو على قدميه حتى يأتيه الموت، وإن من شر الناس رجلًا فاجرًا جريئًا يقرأ كتاب الله ولا يرعوي إلى شيء منه)).


عن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((يخرج في هذه الأمة - ولم يقل منها - قوم تحقرون صلاتكم مع صلاتهم، يقرؤون القرآن لا يجاوز حلقومهم أو حناجرهم، يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية، فينظر الرامي إلى سهمه، إلى نصله، إلى رصافه، فيتمارى في الفوقة، هل علق بها من الدم شيء؟)).

عن عقبة بن عامر رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((سيخرج أقوام من أمتي يشربون القرآن كشربهم الماء)).


((بادروا بالموت ستًّا: إمرة السفهاء، وكثرة الشرط، وبيع الحكم، واستخفافًا بالدم، وقطيعة الرحم، ونشوًا يتخذون القرآن مزاميرَ يقدمونه يغنيهم، وإن كان أقل منهم فقهًا)).

عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أتيت ليلة أُسْرِي بي على قوم تقرض شفاههم بمقاريض من نار، كلما قرضت وفت، فقلت: يا جبريل من هؤلاء؟ قال: خطباء أمتك الذين يقولون ما لا يفعلون، ويقرؤون كتاب الله ولا يعملون)).


عن جابر بن عبدالله رضي الله تعالى عنهما قال: دخل النبي صلى الله عليه وسلم المسجد فإذا فيه قوم يقرؤون القرآن قال: ((اقرؤوا القرآن، وابتغوا به الله عز وجل من قبل أن يأتي قوم يقيمونه إقامة القدح يتعجلونه ولا يتأجلونه)).

عن الحسن قال: كنت أمشي مع عمران بن حصين رضي الله تعالى عنهما، أحدنا آخذ بيد صاحبه، فمررنا بسائل يقرأ القرآن، فاحتبسني عمران فقال: قف نستمع القرآن فلما فرغ سأل، فقال عمران: انطلق بنا، إني سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((اقرؤوا القرآن واسألوا الله به، فإن من بعدكم قومًا يقرؤون القرآن يسألون الناس به)).


عن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((تعلَّموا القرآن، واسألوا الله به قبل أن يتعلمه قوم يسألون به الدنيا، فإن القرآن يتعلمه ثلاثة نفر: رجل يباهي به، ورجل يستأكل به، ورجل يقرؤه لله عز وجل)).

عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((ما أذن الله لشيء ما أذن لنبي حسن الصوت يتغنى بالقرآن يجهر به)).


عن البراء بن عازب قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((حسِّنوا القرآن بأصواتكم، فإن الصوت الحسن يزيد القرآن حسنًا)).

عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن أحسن الناس قراءة الذي إذا قرأ رئي أنه يخشى الله)).


عن عبدالله بن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من قرأ حرفًا من كتاب الله، فله به حسنة والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول: (الم) حرف، ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف)).

عن عثمان رضي الله تعالى عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((خيركم من تعلم القرآن وعلمه)).


عن عبدالله بن عمرو رضي الله تعالى عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يقال لصاحب القرآن: اقرأ وارتقِ وَرَتِّلْ كما كنت ترتل في الدنيا، فإن منزلك عند آخر آية تقرؤها)).

عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: قال أبو بكر رضي الله تعالى عنه: يا رسول الله، قد شِبْتَ، قال: ((شيبتني هود والواقعة والمرسلات وعم يتساءلون وإذا الشمس كورت)).


عن أبي موسى الأشعريِّ رضِي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((مَثَلُ المؤمنِ الذي يقرأُ القُرآنَ مثل الأُترجَّة؛ ريحها طيِّبٌ وطعمها طيِّبٌ، ومثَل المؤمن الذي لا يقرأ القُرآن كمثَل التَّمرة؛ لا ريحَ لها وطعمُها طيِّب، ومثَل المنافق الذي يقرأُ القُرآن كمثَل الرَّيحانة؛ ريحها طيِّب وطعمُها مُرٌّ، ومثَل المنافق الذي لا يقرأُ القُرآن كمثَل الحنظَلةِ؛ لا ريحَ لها وطعمُها مُرٌّ))؛ رواه البخاري 5020، ومسلم 797.


عن أبي أُمامة الباهلي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اقرَؤُوا القرآنَ؛ فإنَّه يأتي يومَ القيامة شفيعًا لأصحابه، اقرَؤُوا الزَّهراوَيْن؛ البقرة، وآل عمران؛ فإنهما تَأتِيان يومَ القيامة كأنهما غَمامتان، أو فِرقان من طَيْرٍ صوافَّ، تحاجَّان عن صاحِبِهما، اقرؤوا سُورةَ البقرةِ؛ فإنَّ أخْذَها برَكة، ولا تستطيعُها البَطلَةُ))؛ رواه مسلم 804.


عن أبي ذَرٍّ رضي الله عنه قال: قلتُ: يا رسول الله، أوصِنِي، قال: ((عليكَ بتقوى الله؛ فإنَّه رأسُ الأمر كلِّه))، فقلت: يا رسول الله، زِدْني، قال: ((عليكَ بتلاوة القُرآن؛ فإنَّه نورٌ لك في الأرض، وذُخرٌ لك في السَّماء))؛ رواه ابن حبَّان 262.

 

من أقوال السلف في القرآن:

قال الحسن البصري: "إنَّ من كان قبلكم رأَوا القرآن رسائلَ من ربهم، فكانوا يتدبَّرونها بالليل، ويتفقدونها في النهار"؛ قال الله تعالى: ﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا ﴾ [النساء: 82]، وقال سبحانه: ﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ﴾ [محمد: 24]، وقال تبارك وتعالى: ﴿ كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [ص: 29].

 

تحديد المقاصد لتلاوة القرآن من كتاب إحياء علوم الدين للغزالي رحمه الله تعالى[11]:

لقد ذكر الإمام الغزالي رحمه الله تعالى في كتابه "إحياء علوم الدين" في الربع الأول من الكتاب الذي سماه "ربع العبادات"، وجاء فيه كتابٌ بعنوان: "كتاب آداب تلاوة القرآن"، وتحدث فيه عن الموضوع في أربعة أبواب وهي:

• الباب الأول: في فضل القرآن وأهله.

• الباب الثاني: في آداب التلاوة في الظاهر.

• الباب الثالث: في الأعمال الباطنة عند التلاوة.

• الباب الرابع: في فهم القرآن وتفسيره بالرأي وغيره.


وذكر الإمام الغزالي في الباب الثاني في آداب التلاوة في الظاهر عشرة آداب، وهي:

• الأول في حال القارئ: وهو أن يكون على الوضوء واقفًا على هيئة الأدب والسكون.

• والثاني في مقدار القراءة، وقرر أن أول ما يرجع إليه في التقديرات قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من قرأ القرآن في أقل من ثلاث لم يفهمه))؛ وذلك لأن الزيادة عليه تمنعه الترتيل.

• الثالث: في وجه القسمة، أما من ختم في الأسبوع مرة، فيقسم القرآن سبعة أحزاب فقد حزب الصحابة رضي الله تعالى عنهم القرآن أحزابًا.

• الرابع: في كتابته، يستحب تحسين كتابة القرآن وتبيينه.

• الخامس: الترتيل.

• السادس: البكاء.

• السابع: أن يراعي حق الآيات، فإذا مر بآية سجدة سجد.

• الثامن: أن يقول في مبتدأ قراءته: "أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم".

• التاسع: في الجهر بالقراءة، ولا شك في أنه لا بد أن يجهر به إلى حدٍّ يسمع نفسه؛ إذ القراءة عبارة عن تقطيع الصوت بالحروف، ولا بد من صوت، فأقله ما يسمع نفسه.

• العاشر: تحسين القراءة وترتيلها بترديد الصوت من غير تمطيط مفرط يغيِّر النظم.


فهذه من آدابِ تلاوة القرآن، يجب على تالي القرآن أن يراعيها، وأن هذه الآداب إذا تمَّت رعايتها دلتْ على أن القارئ يحس في قلبه بالتعظيم للقرآن، وهو كتاب الله تعالى المقدس، ثم ذكر الإمام الأعمال الباطنة عند تلاوة القرآن وكيفية الاستفادة منه، فنذكره من كتابه.

 

تحقيق مقاصد تلاوة القرآن الكريم:

ذكر الإمام الغزالي في الباب الثالث في الأعمال الباطنة عند التلاوة عشرة آداب، وهي: فهم أصل الكلام، ثم التعظيم، ثم حضور القلب، تم التدبر ثم التفهم، ثم التخلي عن موانع الفهم، تم التخصيص، ثم التأثر، ثم الترقي، ثم التبري، وذكر لكل أدب تفصيلًا، نذكر منها اختصارًا للموضوع، فنورد في هذا كلام الإمام الغزالي تحقيقًا لمناط تلاوة القرآن الكريم، فنقول: إن الإمام الغزالي قال عن الآداب العشرة ما يلي:

• "الأول: فهم عظمة الكلام وعلوه وفضل الله سبحانه وتعالى ولطفه بخلقه في نزوله عن عرش الجلالة إلى درجة إفهام خلقه.


• الثاني: التعظيم للمتكلم، فالقارئ عند البداية بتلاوة القرآن ينبغي أن يحضر في قلبه عظم المتكلم ويعلم أن ما يقرؤه ليس من كلام البشر.

• الثالث: حضور القلب وترك حديث النفس، وهو أن يكون متجردًا له عند قراءته، منصرف الهمة إليه من غيره.


• الرابع: التدبر، وهو وراء حضور القلب؛ فإنه قد لا يتفكر في غير القرآن، ولكنه يقتصر على سماع القرآن من نفسه وهو لا يتدبره، والمقصود من القراءة التدبر، وإذا لم يتمكَّن من التدبر إلا بترديد فليردد، ويروى عن أبي ذر رضي الله تعالى عنه قال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم بنا ليلة، فقام بآية يرددها وهي: ﴿ إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [المائدة: 118]، وعن بعض السلف أنه بقي في سورة هود ستة أشهر يكررها ولا يفرغ من التدبر فيها.


• الخامس: التفهُّم، وهو أن يستوضح من كلِّ آية ما يليق بها؛ إذ القرآن يشتمل على ذكر صفات الله عز وجل وذكر أفعاله وذكر أحوال الأنبياء عليهم السلام وذكر أحوال المكذبين لهم، وأنهم كيف أهلكوا، وذكر أوامره وزواجره وذكر الجنة والنار، أما صفات الله عز وجل فليتأمل معاني هذه الأسماء والصفات لينكشف له أسرارها، فتحتها معانٍ مدفونة لا تنكشف إلا للموفقين، وأما أفعاله تعالى فكذكره خلق السماوات والأرض وغيرها، فليفهم التالي منها صفات الله عز وجل؛ إذ الفعل يدل على الفاعل، فتدل عظمته على عظمته، وأما أحوال الأنبياء عليهم السلام، فإذا سمع منها كيف كذبوا وضربوا وقتل بعضهم، فليفهم من صفة الاستغناء لله عز وجل عن الرسل والمرسل إليهم، وأنه لو أهلك جميعهم لم يؤثر في ملكه شيئًا، وأما أحوال المكذبين كعاد وثمود وما جرى عليهم، فليكن فهمه منه استشعار الخوف من سطوته ونقمته، وليكن حظه منه الاعتبار في نفسه، وكذلك إذا سمع وصف الجنة والنار وسائر ما في القرآن، فلا يمكن استقصاء ما يفهم منه؛ لأن ذلك لا نهاية له وإنما لكلِّ عبدٍ بقدر رزقه.


• السادس: التخلي عن موانع الفهم، فإن أكثر الناس مُنعوا من فهم معاني القرآن لأسباب وحُجُب أسدلها الشيطان على قلوبهم؛ فعميت عليهم عجائب أسرار القرآن، وحجب الفهم أربعة:

• أولها: أن يكون الهمُّ منصرفًا إلى تحقيق الحروف بإخراجها من مخارجها...، فهذا يكون تأمله مقصورًا على مخارج الحروف فأنى تنكشف له المعاني؟!


• ثانيها: أن يكون مقلدًا لمذهب سمعه بالتقليد، وجمد عليه، وثبت في نفسه التعصب له بمجرد الاتباع للمسموع من غير وصول إليه ببصيرة ومشاهدة، وهذا التقليد قد يكون باطلًا فيكون مانعًا، كمن يعتقد في الاستواء على العرش التمكُّن والاستقرار، فإن خطر له مثلًا في القدوس أنه المقدس عن كلِّ ما يجوز على خلقه لم يمكنه تقليده من أن يستقر ذلك في نفسه...، وقد يكون حقًّا ويكون أيضًا مانعًا من الفهم والكشف؛ لأن الحقَّ الذي كلف الخلق اعتقاده له مراتب ودرجات، وله مبدأ ظاهر وغور باطن، وجمود الطبع على الظاهر يمنع من الوصول إلى الغور الباطن.


• ثالثها: أن يكون مصرًّا على ذنب أو متصفًا بكبر أو مبتلًى في الجملة بهوى في الدنيا مطاع، فإن ذلك سبب ظلمة القلب وصدئه، وهو كالخبث على المرآة، فيمنع جلية الحق من أن يتجلى فيه، وهو أعظم حجاب للقلب وبه حجب الأكثرون.


• رابعها أن يكون قد قرأ تفسيرًا ظاهرًا، واعتقد أنه لا معنى لكلمات القرآن إلا ما تناوله النقل عن ابن عباس ومجاهد وغيرهما، وأن ما وراء ذلك تفسير بالرأي، وأن من فسَّر القرآن برأيه فقد تبوَّأ مقعده من النار، فهذا أيضًا من الحجب العظيمة، وأن ذلك لا يناقض قول علي رضي الله تعالى عنه: "إلا أن يؤتي الله عبدًا فهمًا في القرآن"، وأنه لما كان المعنى هو الظاهر المنقول ما اختلف الناس فيه.


• السابع: التخصيص، وهو أن يقدر أنه المقصود بكل خطاب في القرآن، فإن سمع أمرًا أو نهيًا قدر أنه المنهي والمأمور، وإن سمع وعدًا أو وعيدًا فكمثل ذلك، وإن سمع قصص الأولين والأنبياء علم أن السمر غير مقصود، وإنما المقصود ليُعتبر به، وإذا قدر ذلك لم يتخذ دراسة القرآن عمله، بل يقرؤه كما يقرأ العبد كتاب مولاه الذي كتبه إليه ليتأمله ويعمل بمقتضاه.


• الثامن: التأثر، وهو أن يتأثر قلبُه بآثار مختلفة بحسب اختلاف الآيات، فيكون له بحسب كلِّ فهم حال ووَجْد يتصف به قلبه من الحزن والخوف والرجاء وغيره، فتأثر العبد بالتلاوة أن يصير بصفة الآية المتلوة، فعند الوعيد وتقييد المغفرة بالشروط يتضاءل من خيفته كأنه يكاد يموت، وعند التوسع ووعد المغفرة يستبشر كأنه يطير من الفرح، وعند ذكر الله وصفاته وأسمائه يتطأطأ خضوعًا لجلاله واستشعارًا لعظمته، وعند ذكر الكفار ما يستحيل على الله عز وجل كذكرهم لله عز وجل ولدًا وصاحبة يغضُّ صوته ويكسر في باطنه حياء قبح مقالتهم، وعند وصف الجنة ينبعث بباطنه شوقًا إليها وعند وصف النار ترتعد فرائصه خوفًا منها.


• التاسع: الترقِّي، وأعني به: أن يترقى إلى أن يسمع الكلام من الله عز وجل لا من نفسه، فدرجات القراءة ثلاثٌ:

أدناها: أن يقدر العبد كأنه يقرؤه على الله عز وجل واقفًا بين يديه وهو ناظر إليه ومستمع منه، فيكون حاله عند هذا التقدير السؤال والتملق والتضرع والابتهال.


والثانية: أن يشهد بقلبه كأن الله عز وجل يراه ويخاطبه بألطافه، يناجيه بإنعامه وإحسانه، فمقامه الحياء والتعظيم والإصغاء والفهم.


والثالثة: أن يرى في الكلام المتكلم، وفي الكلمات الصفات، فلا ينظر إلى نفسه ولا إلى قراءته ولا إلى تعلق الإنعام به من حيث إنه منعم عليه، بل يكون مقصورَ الهَمِّ على المتكلم، موقوف الفكر عليه، كأنه مستغرق بمشاهدة المتكلم عن غيره، وهذه درجة المقربين وما قبله درجة أصحاب اليمين، وما خرج عن هذا فهو درجات الغافلين.


• العاشر: التبري، وأعنى به أن يتبرأ من حوله وقوته والالتفات إلى نفسه بعين الرضا والتزكية، فإذا تلا بآيات الوعد والمدح للصالحين فلا يشهد نفسه عند ذلك، بل يشهد الموقنين والصديقين فيها، ويتشوف إلى أن يلحقه الله عز وجل بهم، وإذا تلا آيات المقت وذم العصاة والمقصرين شهد على نفسه هناك، وقدر أنه المخاطب خوفًا وإشفاقًا.

 

مقاصد تلاوة القرآن:

يتعيَّن مِن كلام الإمام الغزالي بأن من مقاصد تلاوة القرآن التدبُّر، وهو حضور القلب فيما يتلو؛ يقول الله تعالى: ﴿ كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [ص: 29]، ومن مقاصدها التفهُّم، وهو أن يستوضح من كلِّ آية ما يليق بها، ومن مقاصدها أيضًا التخصيص، وهو أن يقدر أنه المقصود بكلِّ خطاب في القرآن، فإن سمع أمرًا أو نهيًا قدر أنه المنهي والمأمور، وإن سمع وعدًا أو وعيدًا فكمثل ذلك، ومن أهم مقاصدها التأثُّر، وهو أن يتأثر قلبه بآيات القرآن، فالقرآن الكريم نزل على قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم وبلغ إلى أمته ليتَّعِظوا بآياته وحكمته، وجاءت أحاديث عديدة في فضل تلاوة القرآن ترغيبًا فيها حتى تستأنسَ الأمة بكتاب ربها، وتبقى المقاصد العليا وهي تفهم القرآن والتأثر بآياته البيِّنة.


ما يُستفاد من البحث:

قلنا في البداية: إن الفكرة فكرة قديمة، ولكن إضافتها إلى مقاصد الشريعة واستعمالها للمقارنة بين المقاصد الموعودة وبين المقاصد الموجودة، وأنه يمكن استخدام هذا المفهوم كأداة لمثل هذه العملية، وأنه يتم استخدامها للأفراد وبشكل جماعي، ويتم اختيار عمل أو أعمال معينة مع تطبيقها فيها، وأن الداعي يخاطب المدعوِّين إلى هذا الجانب ويقومون بتوعيتهم بذلك.

 

الختام:

نود أن نختتم هذا البحث بقولنا: إن الشريعة أوجبت أعمالًا هي لمصلحة المكلفين، وليس منها مصلحة أو فائدة للشارع، وأن الشارع وضع مقاصد وراء كلِّ حكم، وإنما يجني المكلف هذه المقاصد إذا قام بتطبيقها بالشكل المحدد من طرف الشارع، أما إذا قام بتطبيقها بشكل يتوافق مع هواه، فإنه في هذا الوقت لا ترجى منه الفوائد أبدًا، وأن المكلف بسبب الجهالة بالمقاصد للأعمال أو بتأثره بالهوى يبتعد عن تطبيق الأحكام حسب شروط وصورة الشريعة، وحينئذ يحرم المكلف من فوائد التكليف.


ونظرًا إلى الموضوع المحدث في هذا البحث وهو تلاوة القرآن، فإننا نقتبس من قول الصحابي الجليل ابن مسعود، فنقول: إن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: "أنزل القرآن عليهم ليعملوا به، فاتخذوا دراسته عملًا، إن أحدكم لَيَقرأ القرآن من فاتحته إلى خاتمته ما يُسقط منه حرفًا وقد أسقط العمل به"، وأن ابن عمر رضي الله تعالى عنه قال: "لقد عشنا دهرًا طويلًا، وأحدُنا يؤتى الإيمان قبل القرآن، فتنزل السورة على محمد صلى الله عليه وسلم فيتعلَّم حلالها وحرامها وآمرها وزاجرها، وما ينبغي أن يقف عنده منها، ثم لقد رأيت رجالًا يؤتى أحدهم القرآن قبل الإيمان، فيقرأ ما بين فاتحة الكتاب إلى خاتمته لا يدري ما آمره ولا زاجره، ولا ما ينبغي أن يقف عنده منه، ينثره نثر الدقل".

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين



[1] محمد الطاهر ابن عاشور وكتابه مقاصد الشريعة الإسلامية، جـ 3، ص: 22، طبعة وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، دولة قطر، عام 1425 هـ.

[2] الاجتهاد المقاصدي: حجيته، ضوابطه، مجالاته، د. نور الدين الخادمي، 1 /52 - 53

[3] مقاصد الشريعة الإسلامية، لابن عاشور، ص: 51

[4] مقاصد الشريعة الإسلامية، لابن عاشور، ص: 155

[5] مقاصد الشريعة الإسلامية وعلاقتها بالأدلة الشرعية، د. محمد سعد بن أحمد بن مسعود اليوبي، دار الهجرة للنشر والتوزيع، الرياض، المملكة العربية السعودية، الطبعة الأولى 1998م، ص: 162 - 163.

[6] مقاصد الشريعة الإسلامية، ابن عاشور، جـ 3، ص: 40 - 51، بتصرف.

[7] حجة الله البالغة، جـ 1، ص: 32 - 34، بتصرف.

[8] خطبة كتاب إحياء علوم الدين، للإمام الغزالي.

[9] الاعتصام، للإمام الشاطبي، مكتبة التوحيد، من مقدمة الجزء الأول.

[10] تم اقتباس الأحاديث من كتاب: "فضائل القرآن العظيم في السنة الصحيحة"، فريد أمين إبراهيم الهنداوي، موقع الألوكة، (يقول المؤلف في مقدمة الكتاب: "... فجاء هذا الكتاب الذي بين يديك (مائة وثمانية وخمسين حديثًا)، مبرأة بفضل الله تعالى من أي ضعف؛ فهي دائرة بين الصحة والحسن على كلام أهل العلم في هذا الفن المبارك.

[11] إحياء علوم الدين، الإمام العزالي، دار ابن حزم، الطبعة الأولى عام 2005، ص: 322 - 341 باختصار.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • تلاوة القرآن الكريم
  • فضل تلاوة القرآن من القرآن والسنة
  • تلاوة القرآن (1)
  • أثر المقاصد في تحديد دلالة الألفاظ: دلالة الأمر والنهي أنموذجا
  • حقيقة المخطوط المعنون بـ "حاصل التحقيق" المنسوب إلى مجهول

مختارات من الشبكة

  • حاجة كتاب (غاية النهاية) لابن الجزري للتحقيق ، وحاجة التحقيق للتنسيق(مقالة - موقع الشيخ الدكتور عبدالرحمن بن معاضة الشهري)
  • التحقيقات التي حظي بها كتاب البرهان للإمام الزركشي(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • إسهامات المستشرقين في نشر التراث العربي الإسلامي: دراسة تحليلية ونماذج من التحقيق والنشر والترجمة (PDF)(كتاب - موقع د. علي بن إبراهيم النملة)
  • إسهامات المستشرقين في نشر التراث العربي الإسلامي: دراسة تحليلية ونماذج من التحقيق والنشر والترجمة (PDF)(كتاب - موقع د. علي بن إبراهيم النملة)
  • المستشرقون ونشر التراث: دراسة تحليلية ونماذج من التحقيق والنشر (PDF)(كتاب - موقع د. علي بن إبراهيم النملة)
  • عرض كتاب (التحقيق في كلمات القرآن الكريم) للعلامة المصطفوي (كتاب فريد)(مقالة - موقع الشيخ الدكتور عبدالرحمن بن معاضة الشهري)
  • التحقيق في ملحمة الصديق (7) دلالات وعبر(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • التحقيق في ملحمة الصديق (6) دلالات وعبر(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • التحقيق في ملحمة الصديق (5) دلالات وعبر(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • التحقيق في ملحمة الصديق (4) دلالات وعبر(مقالة - ثقافة ومعرفة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 13/11/1446هـ - الساعة: 23:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب