• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    خطبة: أم سليم صبر وإيمان يذهلان القلوب (2)
    د. محمد جمعة الحلبوسي
  •  
    تحريم أكل ما ذبح أو أهل به لغير الله تعالى
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    الكبر
    د. شريف فوزي سلطان
  •  
    الفرق بين إفساد الميزان وإخساره
    د. نبيه فرج الحصري
  •  
    مهمة النبي عند المستشرقين
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    ملخص من شرح كتاب الحج (3)
    يحيى بن إبراهيم الشيخي
  •  
    ماذا سيخسر العالم بموتك؟ (خطبة)
    حسان أحمد العماري
  •  
    فقه الطهارة والصلاة والصيام للأطفال
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    ثمرة محبة الله للعبد (خطبة)
    د. أحمد بن حمد البوعلي
  •  
    خطبة: القلق من المستقبل
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    فوائد وعبر من قصة يوشع بن نون عليه السلام (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    خطبة: المخدرات والمسكرات
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    {وما النصر إلا من عند الله} ورسائل للمسلمين
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: (الرزاق، ...
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
  •  
    الأحق بالإمامة في صلاة الجنازة
    عبد رب الصالحين أبو ضيف العتموني
  •  
    فضل الصبر على المدين
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / دراسات شرعية / فقه وأصوله
علامة باركود

عمل أهل المدينة عند المالكية: حجيته، مراتبه، ألفاظه، بعض تطبيقاته

د. عادل العوني

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 4/3/2017 ميلادي - 5/6/1438 هجري

الزيارات: 281422

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

عمل أهل المدينة عند المالكية

حجيته، مراتبه، ألفاظه، بعض تطبيقاته

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين الملك الحق المبين، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على خير خلقه أجمعين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

 

تقديم:

أما بعد:

فقد توفي النبي صلى الله عليه وسلم وقد خلف بعده علماء كالجبال، شاهدوا التنزيل وسمعوا التأويل، ثم نقلوا ما استودعوا من إرث النبوة إلى من بعدهم، فانتشر العلم في الأمصار بانتشار العلماء، فكان لكل بلد نبلاء جمعوا علم بلدهم.

 

ومن هؤلاء النبلاء مالك بن أنس الذي جمع علم أهل المدينة وانتهت إليه الرئاسة بها، ونسب إليه مذهبها، فقصده طلاب العلم من كل حدب وصوب ناهلين من علمه مرتشفين من معينه، ثم عادوا إلى بلدانهم ناقلين علم أهل المدينة مسيّجا بأصول الاستنباط وقواعده.

 

لقد اتسم المذهب المالكي بسعة أصوله وكثرتها، فمن هذه الأصول ما اتفقوا فيه مع غيرهم من المذاهب، ومنها ما خولفوا فيه، كما هو الحال بأصل عمل أهل المدينة.

 

فقد نقم مجموعة من أهل العلم على المالكية الاحتجاج بعمل أهل المدينة، ومن جهة أخرى غلا فيه متأخروا المالكية فاتخذوه سلاحا يشهرونه في وجه مخالفيهم كلما أعوزهم الدليل، بينما توسطت طائفة أخرى من العلماء سواء من المالكية أو من غيرهم، فبينوا مراد مالك رحمه الله من هذا الأصل، من خلال تقسيمه إلى مراتب مع تبين ما يحتج به منها.

 

لهذا جاء هذا العرض لنقل أقوال العلماء في حجية عمل أهل المدينة وعدمه، مع تبيين مراتب عمل أهل المدينة، والألفاظ التي نقل بها مالك العمل أو نفاه، ثم بعض التطبيقات على أحاديث ردّها المالكية بدعوى مخالفتها لعمل أهل المدينة، ثم ذيلت البحث بخاتمة ضمنتها أهم النتائج المتوصل إليها.

 

أولاً: أصول المذهب المالكي:

لم يصرح الإمام مالك بالأصول والقواعد التي اعتمدها في اجتهاده، ولم يدونها، وإن كان يشير إلى بعض الأصول إجمالا كعمل أهل المدينة، والقياس، وأخذه بأقوال الصحابة[1].

 

وقد ذهب ابن العربي إلى أن مالكاً قصد بكتابه الموطأ توضيح منهجه الاجتهادي، وتبيين أصوله، فقال:« هذا أول كتاب ألف في شرائع الإسلام - أي الموطأ - وهو آخره لأنه لم يؤلف مثله، إذ بناه مالك رضي الله عنه على تمهيد الأصول للفروع ونبه على معظم أصول الفقه التي ترجع إليها مسائله وفروعه وسترى ذلك- إن شاء الله - عيانا، وتحيط به يقينا عند التنبيه عليه في موضعه»[2].

 

وليتسنى للمالكية بعد عصر الإمام مالك الاجتهاد في المسائل المستجدة، واستنباط الأحكام التي تناسبها، والوصول إلى أحكام المسائل التي ليس له فيها نص- قال ابن خلدون: « ولما صار مذهب كل إمام علما مخصوصا عند أهل مذهبه ولم يكن لهم سبيل إلى الاجتهاد والقياس، فاحتاجوا إلى تنظير المسائل في الإلحاق، وتفريقها عند الاشتباه، بعد الاستناد إلى الأصول المقررة من مذهب إمامهم»[3]-، قام علماء المالكية بعملية استقراء شامل لفتاوى الإمام مالك وأقواله في كتابه الموطأ، ومما هو مبثوث في أمهات كتب المالكية، كالمدونة والموازية والواضحة والعتبية والمجموعة، للوقوف على أصول مالك في الاستدلال.

 

وبعد جهود مضنية وعمل متواصل تطور عبر مر الأزمنة وتعاقب الدهور، بدأت تتضح معالم المنهج الذي خطه مالك لنفسه، وأدرك المالكية أصول وقواعد الاجتهاد عند إمامهم، فدونوها، وشرحوها وخرجوا الفروع عليها.

 

ورغم هذا فقد اختلف المالكية في إحصاء الأصول التي بنى عليها مالك اجتهاداته، ما بين موسع ومضيق، فقد عدها الشيخ محمد الطالب بن حمدون في حاشيته على شرح ميارة سبعة عشر دليلا فقال: « الأدلة التي بنى عليها الإمام مالك مذهبه سبعة عشر: نص الكتاب وظاهره، أعني العموم، ودليله، أعني مفهوم المخالفة، ومفهومه، أعني المفهوم بالأولى، وتنبيهه، أعني التنبيه على العلة، مثل قوله تعالى: « فإنه رجس أو فسقا »[4].

 

ومن السنة أيضا مثل هذه الخمسة، والحادي عشر الإجماع، والثاني عشر القياس، والثالث عشر عمل أهل المدينة، والرابع عشر قول الصحابي، والخامس عشر الاستحسان، والسادس عشر الحكم بالذرائع أي بسدها، والسابع عشر الاستصحاب، أما مراعاة الخلاف فتارة وتارة»[5].

 

نلاحظ من تقسيم ابن حمدون أنه فرع في أصلي الكتاب والسنة حيث جعل منهما، النص والظاهر، ومفهومي الموافقة والمخالفة، والتنبيه بالعلة، وجعل كل دليل أصلا مستقلا بنفسه، مع أنها حقيقة تدخل كلها في أصلي الكتاب والسنة.

ومن جهة أخرى لم يتعرض لبعض الأصول كالمصلحة المرسلة والعرف.

 

أما القرافي فقد اعتبر أن أصول مالك أربعة عشر وهي:

الكتاب والسنة والإجماع وعمل أهل المدينة والقياس وقول الصحابي والمصلحة المرسلة والاستصحاب، والبراءة الأصلية والعوائد والعرف والاستقراء[6] وسد الذرائع والاستدلال[7] والاستحسان[8].

وقد اعتبر الشيخ أبو زهرة هذا الإحصاء هو الأدق فقال: « أدق إحصاء لأصول المذهب المالكي هو ما ذكره القرافي في كتابه تنقيح الفصول»[9].

وقد أضاف القاضي عبد الوهاب أصلا آخر، هو شرع من قبلنا وقال: ومذهب المالكية أن جميع شرائع الأمم شرع لنا إلا ما نسخ ولا فرق بين موسى عليه السلام وغيره»[10].

وقد صحح ذلك ابن العربي في كتابه أحكام القرآن[11].

 

وكذلك اعتبر بعض المالكية مراعاة الخلاف[12] أصلا من أصول المالكية، قال ابن رشد الجد: « من أصل مذهب مالك مراعاة الخلاف....»[13]، وقال الشاطبي: « إن مالكا وأصحابه تجري كثرا في فتاويهم ومسائلهم مراعاة الخلاف، ويبنون عليها فروعا، ويعلل به شيوخ المذهب الشارحون له أقوال من تقدم من أهل مذهبهم من غير توقف، حتى صار عندهم وعند مدرسي الفقهاء قاعدة مبنيا عليها، وعمدة مرجوع إليها»[14]

 

ثانيا: أدلة حجية عمل أهل المدينة عند المالكية[15].

استدل المالكية على حجية عمل أهل المدينة واعتباره مصدرا من مصادر التشريع بمجموعة من الأدلة منها:

أ- الأحاديث الدالة على فضل المدينة وساكنيها منها:

حديث جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم:" إنما المدينة كالكير تنفي خبثها وينصع طيبها"[16].

وحديث هشام بن عروة عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يخرج أحد من المدينة رغبة عنها إلا أبدلها الله خيرا منه"[17].

وحديث سعيد المقبري عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " المدينة قبة الاسلام ودار الايمان وأرض الهجرة ومبوأ الحلال والحرام"[18].

وحديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" إن الإيمان ليأرز إلى المدينة كما تأرز الحية إلى جحرها"[19].

إلى غير ذلك من الأحاديث الدالة على فضل المدينة وأهلها.

 

ب- بعض الآثار الثابتة عن السلف في بيان فضل المدينة منها:

عن أبي هريرة عنه صلى الله عليه وسلم: على أنقاب المدينة ملائكة لا يدخلها الطاعون ولا الدجال.

قال مالك بن أنس: المدينة، وعلى أنقابها ملائكة يحرسونها لا يدخلها الدجال ولا الطاعون وهي دار الهجرة والسنة وبها خيار الناس بعد النبي صلى الله عليه وسلم وهجرة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، واختارها الله بعد وفاته فجعل بها قبره وبها روضة من رياض الجنة ومنبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس ذلك في البلاد غيرها.

وفي رواية، ومنها تبعت أشراف هذه الأمة يوم القيامة.

قال القاضي عياض معلقا على قول مالك: وهذا كلام لا يقوله مالك عن نفسه، إذ لا يدرك بالقياس[20].

عن زيد بن ثابت: إذا رأيت أهل المدينة على شيء فاعلم أنه السنة، قال ابن عمر: لو أن الناس إذا وقعت فتنة ردوا الأمر فيه إلى أهل المدينة فإذا اجتمعوا على شيء - يعني فعلوه - صلح الأمر، ولكنه إذا نعق ناعق تبعه الناس[21].

إلى غيرها من الآثار القاضية بتقديم عمل أهل المدينة.

 

ج- واستدلال بالمعقول.

كذلك استدلوا بالمعقول على تقديم عمل أهل المدينة، فقالوا إن المدينة دار هجرة النبي صلى الله عليه وسلم، ومجمع الصحابة الذين شاهدوا التنزيل، وسمعوا التأويل، فلا يجوز أن يخرج الحق عن قول أهلها.

وبما أن روايتهم مقدمة على رواية غيرهم، فكذلك عملهم حجة على غيرهم.

 

ثالثا: ردّ العلماء على استدلالات المالكية في بحجية عمل أهل المدينة.

هذه الأحاديث والآثار الواردة في فضل المدينة وأهلها لا دليل فيه على حجية عمل أهلها.

فنفي المدينة للخبث عنها لا يحمل على نفيها للخطأ، إذ لا أحد يقول بعصمة أهلها، قال الجويني: "نقل أصحاب المقالات عن مالك رضي الله عنه أنه كان يرى اتفاق أهل المدينة يعني علماءها حجة وهذا مشهور عنه ولا حاجة إلى تكلف رد عليه فإن صح النقل فإن البقاع لا تعصم ساكنيها ولو اطلع مطلع على ما يجري بين لابتي المدينة من المخازي قضى العجب، فلا أثر إذا للبلاد، ولو فرض احتواء المدينة على جميع علماء الإسلام فلا أثر لها فإنه لو اشتمل عليهم بلدة من بلاد الكفر ثم أجمعوا لاتبعوا"[22].

ثم إن خلوص المدينة من الخبث لا يستلزم عدم خلوص غيرها منه، وإنما خصصت المدينة بالذكر لفضلها واظهارا لشرفها[23].

وأيضا مشاهدة التنزيل وسماع التأويل، ليس خاصا بمن استقروا بالمدينة، فأن كثيرا من الصحابة ممن كانوا بالمدينة قد انتشروا في البلاد، وتفرقوا في الأمصار بعد مصاحبة النبي صلى الله عليه وسلم.

أما احتجاجهم بقياس عمل أهل المدينة على روايتهم فقد ردّ الآمدي على ذلك بقوله:" وعن الوجه الثالث أنه تمثيل من غير دليل موجب للجمع بين الرواية والدراية كيف وإن الفرق حاصل وذلك من جهة الإجمال والتفصيل، وأما الإجمال فهو أن الرواية يرجح فيها بكثرة الرواة حتى إنه يجب على كل مجتهد الأخذ بقول الأكثر بعد التساوي في جميع الصفات المعتبرة في قبول الرواية، ولا كذلك في الاجتهاد، فإنه لا يجب على أحد من المجتهدين الأخذ بقول الأكثر من المجتهدين ولا بقول الواحد أيضا.

وأما من جهة التفصيل فهو أن الرواية مستندها السماع ووقوع الحوادث المروية في زمن النبي عليه السلام وبحضرته، ولما كان أهل المدينة أعرف بذلك وأقرب إلى معرفة المروي كانت روايتهم أرجح، وأما الاجتهاد فإن طريقه النظر والبحث بالقلب والاستدلال على الحكم"[24].

 

خلاصة ما نص عليه الآمدي أنه نفى الفارق بين الرواية والعمل من جهتين:

من جهة أن الترجيح في الرواية بالكثرة عند التعارض ولا كذلك العمل المبني عن الاجتهاد، ومن جهة أن الرواية مستندها السماع والمشاهدة، بخلاف الاجتهاد المبني عن النظر والاستدلال.

رابعا: ردّ الدكتور عمر الجيدي على هذه الاعتراضات[25].

اعتبر الجيدي هذه الردود غير سليمة ولا مقنعة وذلك من وجوه.

أ- إن هذه الردود منصبة على الإجماع، فهم تصوروا أن مالكا يعتبر عمل أهل المدينة إجماعا. والصواب غير ذلك.

ب- قول إن انتشار الصحابة في البلدان وأن المدينة لم تجمع جميع العلماء يدل على عدم الأخذ بعمل أهل المدينة، يردّه ما صرح به مالك إذ قال مستفسرا:" انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن غزوة كذا في نحو كذا ألفا من الصحابة مات بالمدينة منهم نحو عشرة آلاف وباقيهم تفرق في البلدان فأيهم أحرى أن يتبع ويؤخذ بقوله؟ من مات عندهم النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الذين ذكرت أو من مات عندهم واحد أو اثنان من أصحابة النبي صلى الله عليه وسلم".

ج- عمل أهل المدينة المعتبر لم يقل به مالك وحده، ولا كان أول من قال به، بل سبقه إلى القول به أناس قبله، روي أن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قال على المنبر: أحرج بالله على رجل روى حديثاً العمل على خلافه. قال مالك: وقد كان رجال من أهل العلم من التابعين يحدثون بالأحاديث وتبلغهم عن غيرهم فيقولون ما نجهل هذا ولكن مضى العمل على غيره، قال مالك: رأيت محمد بن أبي بكر بن عمر بن حزم وكان قاضياً، وكان أخوه عبد الله كثير الحديث رجل صدق، فسمعت عبد الله إذا قضى محمد بالقضية قد جاء فيها الحديث مخالفاً للقضاء يعاتبه، ويقول له: ألم يأت في هذا حديث كذا؟ فيقول بلى.

فيقول أخوه فما لك لا تقضي به؟ فيقول فأين الناس عنه، يعني ما أجمع عليه من العلماء بالمدينة، يريد أن العمل بها أقوى من الحديث[26].

 

خامساً: مراتب عمل أهل المدينة.

لما تضاربت واختلفت أقوال أهل العلم في عمل أهل المدينة من بين ناقم سلك مسلك الإجحاف، ومؤيد انتهج طريق الاعتداء وتحميل الأصل ما ليس منه، قام بعض المحققين ممن بلغوا من العلم غايته بتقسيم العمل إلى مراتب مختلفة ومصادر متعددة، وأخص بالذكر القاضي عبد الوهاب المالكي ت 422هـ، والقاضي عياض544ه، وابن تيمية ت 728ه، وتلميذه ابن القيم ت751هـ، وإن كان هؤلاء الأئمة متفقين من حيث الجملة إلا أنهم اختلفوا في بعض الجزئيات، وكان بعضهم أكثر تدقيقا من بعض.

وفيما يلي سأكتفي بنقل تقسيمات القاضي عياض ثم ابن تيمية.

 

قسم القاضي عياض عمل أهل المدينة إلى قسمين:

قسم ما طريقه الحكاية والنقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من نقل أقواله، وأفعاله، وتقريراته، وتروكه. وهذا حجة يلزم المصير إليه ويلزم ترك ما خالفه من خبر آحاد أو قياس؛ لأن هذا النقل محقق معلوم، موجب للعلم القطعي، فلا يترك لما توجبه الظنون، وإلى هذا رجع أبو يوسف وغيره من المخالفين، ممن ناظر مالكا وغيره من أهل المدينة، في مسألة الأوقاف، والمد، والصاع، حيث شاهد النقل وتحققه.

 

ويجب على المنصف ألا ينكر الحجة بهذا، وهو الذي تكلم عليه مالك عند أكثر شيوخنا، وإنما خالف في تلك المسائل من غير أهل المدينة، من لم يبلغه النقل الذي بها.

قال القاضي عياض: " ولا خلاف بين أصحابنا في هذا "

القسم الثاني: إجماعهم على عمل من طريق الاجتهاد والاستدلال، وهذا النوع اختلف فيه أصحابنا:

ذهب معظمهم إلى أنه ليس بحجة، ولا فيه ترجيح، وهو قول كبراء البغداديين، قالوا: " لأنهم بعض الأمة، والحجة إنما هي بمجموعها، وهو قول المخالفين أجمع "

وذهب بعضهم إلى أنه ليس بحجة، ولكن يرجح به على اجتهاد غيرهم، وهو قول جماعة من متفقهيهم، ولم يرتضيه القاضي أبوبكر الباقلاني ت 403 هـ، ولا محققوا أئمتنا وغيرهم.

وذهب بعض المالكية، إلى أنه حجة كالنوع الأول، وحكوه عن مالك. وأطبق المخالفون أنه مذهب مالك، ولا يصح كذا مطلقا"[27].

يتضح من كلام القاضي عياض أنه حصر عمل أهل المدينة في قسمين: ما كان من طريق النقل، وما كان من طريق الاجتهاد، ثم بين حجة كل منها عند معارضة الآثار.

لكنه لم يبين مصدر القسم الثاني ومرده، هل هو من عمل الخلفاء الراشدين ومن عاصرهم؟ أو من عهد من بعدهم من الصحابة؟ أو من بعدهم من التابعين؟[28].

هذه التساؤل أجاب عنه شيخ الإسلام ابن تيمية، حيث كان أكثر تدقيقا في تقسيمه لمراتب ومصادر عمل أهل المدينة.

قال ابن تيمية: "والتحقيق في مسألة إجماع أهل المدينة، أن منه ما هو متفق عليه بين المسلمين، ومنه ما هو قول جمهور أئمة المسلمين، ومنه مالا يقول به إلا بعضهم.

 

وذلك أن إجماع أهل المدينة على أربع مراتب.

المرتبة الأولى: ما يجري مجرى النقل عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم، مثل نقلهم لمقدار الصاع والمد، وكتركه صدقة الخضروات والأحباس، فهذا مما هو حجة باتفاق العلماء.

وهذا هو الذي قال عنه أبو يوسف: قد رجعت يا أبا عبد الله، لو رأى صاحبي مثل ما رأيت لرجع مثل ما رجعت.

فقد نقل أبو يوسف أن مثل هذا النقل حجة عند صاحبه أبي حنيفة كما هو حجة عند غيرهن لكن أبو حنيفة لم يبلغه هذا النقل، كما لم يبلغ غيره من الأئمة كثير من الحديث، فلا لوم عليهم في ترك ما لم يبلغهم عمله.

 

المرتبة الثانية: العمل القديم بالمدينة قبل مقتل عثمان بن عفان رضي الله عنه، فهذا حجة في مذهب مالك، وهو المنصوص عن الشافعي، قال في رواية يونس بن عبد الأعلى: إذا رأيت قدماء أهل المدينة على شيء فلا تتوقف في قلبك ريبا أنه الحق. وكذا مذهب أحمد أن ما سنه الخلفاء الراشدون فهو حجة يجب اتباعها.

والمحكي عن أبي حنيفة يقتضي أن قول الخلفاء الراشدين حجة. وما يُعمل لأهل المدينة عمل قديم على عهد الخلفاء الراشدين مخالف لسنة الرسول صلى الله عليه وسلم.

 

المرتبة الثالثة: إذا تعارض في المسألة دليلان كحديثين وقياسين جهل أيهما أرجح، وأحدهما يعمل به أهل المدينة، ففيه نزاع. فمذهب مالك والشافعي أنه يرجح بعمل أهل المدينة. ومذهب أبي حنيفة أنه لا يرجح بعمل أهل المدينة

ولأصحاب أحمد وجهان: أحدها أنه لا يرجح، والثاني أنه يرجح به، قيل: هذا هو المنصوص عن أحمد. ومن كلامه قال: إذا رأى أهل المدينة حديثا وعملوا به فهو الغاية. وكان يفتي على مذهب أهل المدينة ويقدمه على مذهب أهل العراق تقريرا كثيرا، وكان يدل المستفتي على مذاهب أهل الحديث ومذهب أهل المدينة.

فهذه مذاهب جمهور الأئمة توافق مذهب مالك في الترجيح لأقوال أهل المدينة.

 

المرتبة الرابعة: فهي العمل المتأخر بالمدينة، فهذا هل هو حجة شرعية يجب اتباعها أم لا؟ فالذي عليه أئمة الناس أنه ليس بحجة شرعية. هذا مذهب الشافعي وأحمد وأبي حنيفة وغيرهم، وهو قول المحققين من أصحاب مالك، كما ذكر ذلك القاضي عبد الوهاب في كتابه « أصول الفقه » ويره، ذكر أن هذا ليس إجماعا ولا حجة عند المحققين من أصحاب مالك، وربما جعله حجة بعض أهل المغرب من أصحابه، وليس معه للأئمة نص ولا دليل، بل هم أهل تقليد.

قلت: ولم أر في كلام مالك ما يوجب جعل هذا حجة، وهو في الموطأ إنما يذكر الأصل المجمع عليه عندهم، فهو يحكي مذهبهم، وتارة يقول: الذي لم يزل عليه أهل العلم ببلدنا يصير إلى الإجماع القديم، وتارة لا يذكر

ولو كان مالك يعتقد أن العمل المتأخر حجة يجب على جميع الأمة اتباعها وإن خالفت النصوص لوجب عليه أن يلزم الناس بذلك حد الإمكان. وقد عرض عليه الرشيد أو غيره أن يحمل الناس على موطئه فامتنع من ذلك.

وإذا تبين أن إجماع أهل المدينة تفاوت فيه مذاهب جمهور الأئمة، علم بذلك أن قولهم: أصح أقوال أهل الأمصار رواية ورأيا، وأنه تارة يكون حجة قاطعة، وتارة حجة قوية، وتارة مرجحا للدليل، إذ ليست هذه الخاصية لشيء من أمصار المسلمين»[29].

 

نستخلص من كلام ابن تيمية أنه جعل لعمل أهل المدينة أربع مراتب:

المرتبة الأولى: ما جرى مجرى النقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو حجة بالاتفاق.

المرتبة الثانية: العمل القديم وعبر عنه قبل مقتل عثمان، وهو كذلك حجة، وأنه لايوجد عمل قديم مستقل بمعارضة السنة إلا إذا عضدته سنة أخرى[30].

المرتبة الثالثة: إذا تعارض حديثان أو قياسان، رجح العمل أحدهما.

المرتبة الرابعة: العمل المتأخر: وهو العمل الذي بعد عهد الخلفاء الراشدين إلى عهد مالك. ذهب إلى عدم حجيته، ونسب ذلك للجمهور وأكثر المالكية.

 

وهذا الذي قرره ابن تيمية في عدم حجية العمل المتأخر، ونسب هذا القول لمالك، وقال به مجموعة من محققي المالكية. قال الحسين ألحيان رحمه الله مبينا لهذا الأمر: «أولا: قرر معظم المالكية أنه ليس بحجة. ولا فيه ترجيح على غيره من الأدلة الظنية. وليست له مزية يقدم بها على ما سواه من الاجتهادات المخالفة له.

 

وهو قول كبراء مالكية بغداد؛ مثل أبي يعقوب إسحاق الرازي، وأبي الحسين عبيد الله ابن المنتاب، وأبي العباس أحمد الطيالسي، وأبي بكر محمد بن بكير، والقاضي أبي الفرج، وأبي بكر الأبهري، وأبي التمام البصري، وأبي الحسن القصار، وأبي بكر الباقلاني.

وأنكر هؤلاء أن يكون هذا مذهبا لمالك، أو لأحد من معتمدي أصحابه.

 

ثانيا: ذهب البعض من المالكية - وعليه البعض من الشافعية - إلى أنه ليس بحجة، ولكن لاتفاقهم - لمزيد فضلهم - قوة يترجح بها على خصوص اجتهاده غيرهم.

وقد احتج لهذا النوع القاضي عبد الوهاب، فقال:" إذا ثبت أنه ليس بحجة، ولاتحرم مخالفته، فهو أولى من اجتهاد غيرهم، إذا اقترن بأحد الخبرين المتعارضين رُجح به على ما عري عنه".

وتبنى ابن رشد الجد هذا الفهم أيضا إذ قال: " لو حصل إجماعهم من طريق القياس لوجب أن يقدم على قياس غيرهم؛ لأنهم وإن شاركوا أهل الأمصار في مقامات العلم، فقد زادوا عليهم بمشاهدة الوحي، وترتيب الشريعة، ووضع الأمور مواضعها، والعلم بناسخ القرآن ومنسوخه، وما استقر عليه آخر أمر النبي عليه السلام".

ولعل هؤلاء ظنوا أن الاعتبارات التي رجحت روايتهم هي كفيلة بأن ترجح اجتهادهم. وهو مدرك ضعيف، للفارق البين بين الرواية التي تتأثر بالكثرة وغيرها مما أثير من اعتبارات خيرة لأهل المدينة، وبين الاجتهاد الذي لا تأثير لتلك الاعتبارات عليه.

ولهذا الضعف في المدرك، قال عياض: " ولم يرتضيه القاضي أبو بكر، ولا محققوا أئمتنا وغيرهم"[31].

نستفيد مما سبق أن عمل أهل المدينة المتأخر ليس بحجة عند جمهور العلماء، وعند معظم المالكية، بل حتى عند مالك نفسه، وهذه النتيجة ستساعدنا على تحديد موقف مالك رحمه الله من مجموعة من الفروع الفقهية.

 

سادسا: الألفاظ التي نقل بها مالك عمل أهل المدينة

لقد اعتمد مالك رحمه الله في نقله لعمل أهل المدينة على مجموعة من المصطلحات المتباينة، حيث إن الدكتور أحمد نور سيف أحصى مصطلحات مالك في نقل عمل أهل المدينة في الموطأ والمدونة فوجدها سبعين مصطلحا من أصل ثلاثمائة وأربع وثلاثين قضية تقريبا.

وقد نقل الحسين ألحيان عن الشيخ عطية محمد سالم، أنه أحصى العبارات التي أوردها مالك في نقل عمل أهل المدينة في الموطأ، فوجدها تزيد على عشرين لفظا. فصنفها إلى ثلاثة أقسام:

الأول: قسم يفيد الاتفاق أو الاجتماع، وهو بدوره إلى قسمين:

أ - قسم ينسبه إلى السنة إثباتا أو نفيا، ومن ألفاظه:

• مضت السنة التي لا اختلاف فيها.

• السنة الثابتة عندنا التي لا اختلاف فيها.

• ليس من سنة المسلمين.

ب- قسم ينسبه إلى ما أدرك، أو سمع، أو علم بدون عزو إلى دليل خاص من كتاب أو سنة. فيحكي الاتفاق أو الإجماع. وألفاظه هي:

• الأمر المجتمع عليه عندنا.

• الأمر الذي لا اختلاف فيه عندنا

• الأمر الذي أدركت الناس عليه، أو أهل العلم ببلدنا

• الأمر المعمول به ومعرفته في صدور الناس وما مضى من عمل الماضين

• ما لا اختلاف فيه عند أحد من الناس ولا ببلد من البلدان.

• الذي لم يزل عليه أهل العلم ببلدنا.

• أدركت أهل العلم ببلدنا.

• الذي سمعت من أهل العلم.

• لم يزل ذلك من عمل الناس.

• الأمر عندنا.

• رأي أهل الفقه عندنا.

 

الثاني: الذي يفيد استحسان مالك مما رأى وسمع مما يشعر أنه ترك غيره لم يستحسنه. وعباراته فيه:

• أحب ما سمعت إلي.

• أحسن ما سمعت.

• أدركت من أرضى من أهل العلم.

• بلغني أن بعض أهل العلم.

الثالث: ينفي فيه وجود اجتماع الرأي فيه؛ أي أنه محل اجتهاد. أو ينفي وجود العمل عليه؛ أي أن الأصل فيه موجود ومعلوم، لكن لم يعمل به."[32]

وقد سلك الدكتور أحمد نور سيف في تقسيمه لمصطلحات مالك في نقله لعمل أهل المدينة غير سبيل الشيخ عطية، حيث قال: " يستعمل مالك في نقل قضايا العمل أساليب عدة، في نقله قضايا العمل النقلي والاستدلالي.

 

وإذا استثنيت قضايا العمل النقلي، نجد أن قضايا العمل الاستدلالي ترجع فيه المصطلحات إلى ثلاثة أنواع:

أما النوع الأول: فاستعمل فيه أساليب لم يتضح في قضاياها العمل، بقدر ما تدل على اختياره الفقهي، فيقول:

• الأمر عندنا.

• الأمر عندنا وهو أحب ما سمعت.

• الأمر عندنا الذي نأخذ به قول عائشة.

النوع الثاني: وهو الذي نقل به قضايا إجماع أهل المدينة، ولم يعرف فيها خلاف عنهم، فيقول:

• الأمر المجتمع عليه عندنا.

• الأمر الذي لا اختلاف فيه عندنا.

• الأمر المجتمع عليه، والذي لا اختلاف فيه عندنا.

• الأمر المجتمع عليه، والذي أدركت عليه أهل العلم ببلدنا.


النوع الثالث: وتقلُّ رتبة العمل عن الإجماع الكلي، الذي لا يعرف فيه مخالف من أهل المدينة، فيؤثر عن البعض خلاف ما عليه أغلبهم، فيستعمل مالك لهذا مصطلحات أخرى تتنوع كثيرا، ويتبع في نقل هذه القضايا طريقتين:

الأول: يستعمل من المصطلحات، ما يثبت به القضية التي يتكلم عنها، على أنها عمل لأهل المدينة، فيقول:

• الأمر الذي أدركت عليه أهل العلم ببلدنا.

• الأمر الذي لم يزل عليه الناس عندنا.

• على هذا العمل، وبه مضى أمر الناس.

الثاني: يستعمل من المصطلحات، ما ينفي به العمل عن القضية التي نقلها أو الحديث الذي أورده، فيقول:

• ليس عليه العمل.

• ليس لهذا حد معروف.

• ليس ذلك بمعمول به ببلدنا.

وقد صرح أحيانا، أنه مع عدم وجود العمل عليه لا يراه ولا يعمل به، فيقول:

• ليس عليه العمل، ولا أرى أن يعمل به.

• ليس عليه العمل وأحب إلينا كذا.»[33]

 

إذا قمنا بمقارنة بين تقسيم الشيخ عطية لمصطلحات مالك، وبين تقسيم أحمد نور سيف، نلاحظ ما يلي:

جعل الشيخ عطية المصطلحات التي عبر بها مالك عن إجماع أهل المدينة، والتي عبر بها عن العمل - أي عمل أغلبهم مع وجود الخلاف من بعضهم - في مرتبة واحدة، وهي مرتبة اتفاقهم وإجماعهم، وأضاف إلى هذه المرتبة ما عبر به مالك بقوله: « الأمر عندنا ».

 

بينما نجد الدكتور أحمد نور سيف قد فرق بين ألفاظ إجماع أهل المدينة، وبين ألفاظ عمل أهل المدينة، قال أحمد نور سيف:« ويشهد للتفرقة بين الإجماع و العمل، و أن الإجماع في المسائل التي لا يعرف فيها خلاف بالمدينة، والعمل ما صحبه فعل الأكثرية، أن بعض الروايات التي يرويها مالك يقول بعدها: " ليس عليه العمل » وهذا يعني أن هناك رواية أو رأيا لصحابي، أو لقلة من الصحابة، مخالفة للأغلبية، فنفاه عنه وأثبت العمل الذي أخذ به جمهورهم"[34].

 

بالإضافة إلى اعتباره لفظ « الأمر عندنا » هو تعبير من مالك عن رأيه الفقهي الشخصي، لا عن إجماع أهل المدينة، ولا عن عمل أغلبهم، وقد خلص إلى هذه النتيجة من خلال دراسته لمجموعة من القضايا[35] التي عبر عنها مالك بلفظ «الأمر عندنا »، قال أحمد نور سيف: « وهذه النتائج المتقاربة لهذه الموضوعات السابقة التي وردت كلها تحت هذا المصطلح « الأمر عندنا» تشير إلى أنه لا يعني إجماعا لأهل المدينة، أو عملا لهم، وإنما يعبر به عن رأيه الذي يستحسنه في مسائل الخلاف من أقوال الصحابة والتابعين»[36].

 

وبعد هذه الجولة في أرجاء عمل أهل المدينة، التي من خلالها اقتربنا من هذا الأصل، الذي اتخذه بعض المالكية سلاحا يشهرونه في وجه المخالف كلما أعوزهم الدليل، دون الوقوف على حقيقته، ومعرفة مراتبه ومصادره، ومدى حجية كل مرتبة، ودلالات مصطلحاته، من إجماعهم وعمل أغلبهم و ما كان اختيارا من مالك من بين أقوالهم.

 

سابعا: بعض الأمثلة لأحاديث ردها المالكية بدعوى مخالفتها عمل أهل المدينة.

أ) مسألة دعاء الاستفتاح:

فيما يلي بعض المنقول عن مالك في خصوص دعاء الافتتاح:

النقل الأول: جاء في المدونة: "قال وكان مالك لا يرى هذا الذي يقول الناس سبحانك اللهم وبحمدك تبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك وكان لا يعرفه.

قال: وقال مالك ومن كان وراء الإمام ومن هو وحده ومن كان إماما فلا يقل سبحانك اللهم وبحمدك تبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك، ولكن يكبروا ثم يبتدئوا القراءة"[37].

النقل الثاني: "قال ابن القاسم عن مالك، في القول بعد الإحرام: سبحانك اللهم ربنا ولك الحمد. قال: قد سمعت ذلك يقال، وما به من بأس لمن أحب أن يقوله. قيل فالإمام يكبر فقط ثم يقرأ ؟ قال: نعم"[38].

النقل الثالث: "قال عنه ابن القاسم في المجموع: وإذا كبر الرجل في صلاته قرأ ولو كان ما يذكر من التوجه حقا لهم، فقد صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، والخلفاء بعده، والأمراء من أهل العلم، فما عمل به عندنا"[39]".

النقل الرابع: "قال عنه ابن وهب: والذي أدركت عليه الأئمة، وسمعنا من علمائنا، أن يكبروا، ثم يقرأوا"[40]".

 

إذا تأملنا هذه الأقوال نلاحظ فيها بعض التناقضات، بحيث في النقل الأول الذي في المدونة نقل عنه أنه لا يرى ذلك ولا يعرفه، بينما في النقل الثاني لا يرى به بأس لمن أحب أن يقوله، وفي النقل الثالث أقر بثبوت دعاء الافتتاح، لكن لم يعمل به رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا الخلفاء من بعده ولا أهل العلم، ولم يعمل به عندهم، أما في النقل الرابع نفى العمل به في المدينة.

 

وإذا غضضنا الطرف عن هذه التناقضات، وأخذنا الأقوال التي نفى بها العمل، فإلى أي المراتب يمكن إلحاقه ؟ هل إلى العمل النقلي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ أم إلى العمل القديم بالمدينة ؟ أم إلى العمل الذي يرجح أحد الحديثين المتعارضين؟ أم إلى العمل المتأخر بالمدينة ؟.

 

أما إنه من العمل النقلي عن رسول اله صلى اله عليه وسلم فلا؛ لأنه ثبت عنه عليه الصلاة والسلام في أحاديث صحيحة، أنه كان يدعوا بأدعية الافتتاح بين التكبير والقراءة، وعلى سبيل المثال ما ورد في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: « كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كبر للصلاة سكت هنية قبل أن يقرأ فقلت: يا رسول الله بأبي أنت وأمي أرأيت سكوتك بين التكبير والقراءة ما تقول...[41] وهناك أحاديث أخرى لا داعي لذكرها.

 

ولا حتى من العمل القديم؛ لثبوت ذلك عن مجموعة من الصحابة، منهم عمر وابنه وعلي، وغيرهم رضي الله عنهم أجمعين، بل إن عمر رضي الله عنه كان يجهر به تعليما للناس كما ثبت في صحيح مسلم.

 

وأما أن نقول إن العمل مرجح لحديث يعارض هذه الأحاديث التي تثبت دعاء الافتتاح، فليس هناك إلا حديث أنس رضي الله عنه في الافتتاح ب الحمد لله رب العالمين، والراجح فيه أنه إنما نفى الجهر بالبسملة،لحديث أنس بن مالك: "أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يسر ببسم الله الرحمن الرحيم في الصلاة و أبو بكر و عمر قال أبو بكر: هذا الخبر يصرح بخلاف ما توهم من لم يتبحر العلم وادعى أن أنس بن مالك أراد بقوله: كان النبي صلى الله عليه و سلم و أبو بكر و عمر يستفتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين وبقوله لم أسمع أحدا منهم يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم إنهم لم يكونوا يقرؤون بسم الله الرحمن الرحيم جهرا ولا خفيا وهذا الخبر يصرح أنه أراد أنهم كانوا يسرون به ولا يجهرون به عند أنس[42].

 

إن ثبتت البسملة سرا وهي المقصودة أصالة من الحديث، فمن باب أولى أن يثبت دعاء الافتتاح لما ورد فيه من أحاديث.

لم يبق لنا إلا أن المقصود بهذا العمل هو العمل المتأخر بالمدينة، ومن خلال ما سبقت الإشارة إليه في مراتب العمل، أن العمل المتأخر ليس بحجة عند المحققين من المالكية، ولا حتى عند مالك رحمه الله. ومعنى هذا أنه إذا تعارض مع النص رجح النص عليه وعمل بالحديث المعارض للعمل المتأخر.

ولقائل أن يقول إن كان الأمر كذلك، فلماذا كان مالك يفتي بالقراءة مباشرة بعد التكبير؟

أقول: مالك لم يكن يفتي به، بل وكان يتركه ليس لعدم ثبوته، ولكن خشية أن يعتقد الناس فرضه، وهذا ما صرح به مالك في رواية ابن وهب أنه قال: " صليت مع مالك في بيته، فرأيته يرفع في أول ركعة، وإذا رفع رأسه من الركوع رفع يديه حذو منكبيه وكان يقول: وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين فلما سئل عن ذلك قال: أكره أن أحمل الجاهل على ذلك فيقول إنه من فرض الصلاة"[43].


وهذا ما رجحه ابن بشير بقوله:" وقد رويت أحاديث تقتضي الفصل بين التكبير والقراءة ببعض هذه، فأنكرها مالك خيفة أن يظن وجوب قراءتها كما تجب قراءة الفاتحة، لما روي عنه من أنه كان يقول بعضها"[44].


ب) مسألة سجود التلاوة في المفصل.

ذهب المالكية إلى أن عمل أهل المدينة يدل على نسخ السجود في المفصل، إذ لو كان باقيا من غير نسخ، ما عدل أهل المدينة عن العمل به، قال مالك:" الأمر عندنا أن عزائم سجود القرآن إحدى عشرة سجدة، ليس في المفصل منها شيء"[45]. قال ابن عبد البر:"ومن حجة من لم ير السجود في المفصل حديث الليث عن ابن الهاد عن أبي سلمة أنه قال لأبي هريرة حين سجد بهم في إذا السماء انشقت "الانشقاق" لقد سجدت في سجدة ما رأيت الناس يسجدون فيها، قالوا: هذا دليل على أن السجود في إذا السماء انشقت كان الناس قد تركوه وجرى العمل بتركه"[46].

 

لتحرير هذه المسألة يكفينا أن نعرف مرتبة هذا العمل- على ما نقلناه من تقسيم لمراتب عمل أهل المدينة- ثم ننظر هل يصلح أن يكون حجة شرعية ترد الأحاديث وتنسخها.

 

لقد ثبت سجود النبي صلى الله عليه وسلم في المفصل، حديث أبي هريرة أنه قال:" سجدنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في إذا السماء انشقت، واقرأ باسم ربك"[47].

مما يدل على أن هذا العمل ليس نقلا مستمرا عن رسول الله.

 

وكذلك ثبت من فعل الخليفة الراشد عمر رضي الله عنه، فقد روى مالك في موطئه:" أن عمر بن الخطاب قرأ ب "والنجم إذا هوى" فسجد فيها ثم قام، فقرأ بسورة أخرى"[48]. وهذا ينفي أن يكون العمل القديم بالمدينة ينفي السجود في المفصل، خصوصا وهو عمل خليفة راشد.

 

أما العمل الذي يرجح أحد الخبرين المتعارضين، فليس هناك خبر يقوى على معارضة حديث أبي هريرة، فهي إما أحاديث ضعيفة كحديث ابن عباس "أن النبي صلى الله عليه وسلم، لم يسجد في شيء من المفصل منذ تحول إلى المدينة"[49]، أو أحاديث تدل على استحباب سجود التلاوة كحديث زيد بن ثابت الذي نقل فيه ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم السجود في سورة النجم[50].

لم يبق إلا العمل المتأخر بالمدينة الذي لا يعتبر حجة شرعية، ولا يقوى على معارضة الأحاديث بله أن ينسخها.

 

هذا إن قصد مالك بقوله:" الأمر عندنا أن عزائم سجود القرآن إحدى عشرة سجدة، ليس في المفصل منها شيء"[51]"، نقل العمل بعدم السجود في المفصل، وإلا فصنيع مالك في موطئه في باب سجود التلاوة، ينبئ عن غير هذا؛ حيث أنه صدر الباب بحديث أبي هريرة الذي رفع فيه السجود في الانشقاق، ثم ذكر سجود عمر في النجم، ثم أتى في الأخير بهذا الحكم، وقبله قال: "ليس العمل على أن ينزل الإمام، إذا قرأ السجدة على المنبر، فيسجد"[52]، معلقا على فعل عمر في خطبة الجمعة.

 

إذا تأملنا هنا نجد أن مالكا رحمه الله قال في نزول الإمام من المنبر للسجود" ليس العمل على...."، بينما قال في السجود في المفصل "الأمر عندنا..."، مما يدل على تفريقه بين المصطلحين.

وهذا من بين الأدلة التي رجح بها الدكتور أحمد نور سيف قول مالك الأمر عندنا يريد به رأيه الشخصي واختياره الفقهي.

وبصرف النظر عن هذه الحيثية، فقد تضاربت الأقوال المنقولة عن مالك بخصوص سجود التلاوة، فقد روي عنه فيها روايات ثلاث وهي:

أ‌- إحدى عشرة سجدة وعليها جمهور أصحابه.

ب‌- أربع عشرة سجدة، روى ابن وهب ذلك عنه.

ت‌- خمس عشرة سجدة، روى ابن حبيب ذلك عنه.

هذه الأسباب التي جعلت بعض المالكية يذهبون إلى أن مالكا قسم سجدات القرآن إلى ثلاثة أقسام:

• ما لابد من السجود فيه وهي العزائم

• ما لا يجوز السجود فيه بنية سجود التلاوة وهو باقي القرآن غير السجدات الخمس عشرة.

• ما خير بين السجود فيها وعدمه وهي سجدات المفصل والثانية من الحج.

 

نقل الباجي عن القاضي عبد الوهاب أنه قال:« "إن مالكا لا يمنع السجود في المفصل، وإنما يمنع أن يكون من عزائم السجود"[53]، وإنما وصفت بذلك للعزم على الناس في السجود فيها، وبين أنها ليست من عزائم السجود خبر ابن عباس، وزيد بن ثابت، ترك النبي صلى الله عليه وسلم السجود فيها بالمدينة، فعلى هذا يكون القرآن على ثلاثة أضرب:

منه ما لا بد السجود فيه، وهي عزائم السجود.

ومنه ما لا يجوز السجود فيه جملة على معنى سجود التلاوة.

ومنه ما خير فيه، وهي المواضع المتكلم فيها، وقول ابن وهب أظهر عندي"[54].


ج) مسألة خيار المجلس:

عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال:"المتبايعان كل واحد منهما بالخيار على صاحبه ما لم يتفرقا إلا بيع الخيار"[55] قال مالك وليس لهذا عندنا حد معروف ولا أمر معمول به فيه[56].

قال الباجي في شرح هذا الحديث:" قوله صلى الله عليه وسلم المتبايعان كل واحد منهما بالخيار على صاحبه ما لم يفترقا اختلف العلماء في تأويله فذهب مالك إلى أن المتبايعين هما المتساومان ؛ لأن المتبايعين إنما يوصفان بذلك حقيقة حين مباشرة البيع، ومحاولته، ولذلك روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:" لا يبيع بعضكم على بيع بعض" يريد والله أعلم لا يسم على سومه، فعلى هذا يكونان بالخيار ما لم يفترقا بالقول، ومعنى تفرقهما على هذا كمال البيع بإتمام الإيجاب والقبول، ويكون معناه أن تفرقهما قد حصل بأن استبد المبتاع بما ابتاعه، والبائع بثمنه، وقد يكون التفرق بالانحياز إلى المعاني والتباين فيها قال الله تعالى:" وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة"، يريد والله أعلم تفرقهم في الأديان ومباينة بعضهم لبعض فيها، فعلى هذا يكون معنى الحديث المتساومين لهما الخيار ما لم يكملا البيع، قال بهذا أبو حنيفة والنخعي، وربيعة بن أبي عبد الرحمن، وذهب ابن حبيب إلى أن المتبايعين هما من قد وجد منهما التبايع، وانقضى بينهما بإتمام الإيجاب والقبول، وأنهما قبل ذلك لا يوصفان بأنهما متبايعان، وإنما يوصفان بأنهما متساومان، ومعنى ما لم يفترقا بالأبدان فيكون معنى الحديث على ذلك أنهما بالخيار بعد وجود الإيجاب، والقبول ما داما في المجلس حتى يفترقا بأن يزول أحدهما عن الآخر، ويفارقه بذاته، وبهذا قال الشافعي، وهو مذهب عبد الله بن عمر وسعيد بن المسيب والحسن البصري، والدليل على ما نقوله أن هذا عقد معاوضة فلم يثبت فيه خيار المجلس كالنكاح.[57].

 

نسب الباجي لمالك أن المراد بالمتبايعين في الحديث بالمتساومين، هذا التأويل للحديث مرده قول مالك:" وليس لهذا عندنا حد معروف ولا أمر معمول به فيه"[58]. أخذ المالكية بهذا التعليق من مالك فقالوا إذا تم الإيجاب والقبول بين المتبايعين فليس لأحدهما الرجوع ولو كانوا في مجلس البيع. لكن الذي عليه المحققون من المالكية أن مالكا لم يرد نفي العمل بحديث خيار المجلس وإنما أراد نفي التحديد في خيار الشرط، قال القاضي عياض": فإن احتجوا علينا في هذا الفصل برد مالك حديث البيعين بالخيار الذي رواه هو وأهل المدينة بأصح أسانيدهم، وقول مالك في هذا الحديث بعد ذكره له في موطئه، وليس لهذا عندنا حد محدود ولا أمر معمول به، وهذه المعارضة أعظم تهاويلهم وأشنع تشانيعهم قالوا هذا رد للخبر الصحيح إذ لم يجد عليه عمل أهل المدينة حتى قد أنكره عليه أهل المدينة، وقال ابن أبي ذئب فيه كلاماَ شديداً معروفاً فالجواب أنه إنما أوتيت بسوء التأويل.

 

فإن قول مالك هذا ليس مراده به رد البيعين بالخيار، وإنما أراد بقوله ما قال في بقية الحديث، وهذا قوله إلا بيع الخيار، فأخبر أن بيع الخيار ليس له حد عندهم، ولا يتعدى إلا قدر ما نختبر فيه السلعة، وذلك يختلف باختلاف المبيعات، فيرجع فيه إلى الاجتهاد والعوائد في البلاد وأحوال المبيع[59].

وهذا القول رجحه ابن حبيب من المالكية كما نقله الباجي[60].

يتبين مما سبق أن المالكية حملوا قول مالك في نفي العمل على تحديد مدة خيار الشرط، على نفي العمل بحديث خيار المجلس، فوقع الخلط عندهم في هذه المسألة وردّوا الحديث الصحيح بدعوى مخالفة عمل أهل المدينة.

 

الخاتمة

في خاتمة هذا العرض سأعرض ما وصلت إليه من نتائج تساعد على تبيُّن حقيقة عمل أهل المدينة من حيث مراتبه والألفاظ التي نقل بها مالك العمل، و من حيث صحة الاستدلال به في بعض الفروع الفقهية.

إن ردود علماء الأصول مثل ابن حزم والجويني والآمدي على مالك في عمل أهل المدينة منصبة على الإجماع، فهم تصوروا أن مالكا يعتبر عمل أهل المدينة إجماعا. والصواب غير ذلك كما بينه الجيدي رحمه الله.

 

تحقيق القول في عمل أهل المدينة أنه على أربعة مراتب وهي:

المرتبة الأولى: العمل النقلي عن رسول الله وهو حجة بإجماع أهل العلم.

المرتبة الثانية: العمل القديم بالمدينة في عهد الخلفاء وهو حجة عند جمهور العلماء.

المرتبة الثالثة: يرجح بعمل أهل المدينة بين حديثين متعارضين، وهو مذهب جمهور العلماء.

المرتبة الرابعة: العمل المتأخر بالمدينة لا يعتبر حجة عند جمهور العلماء حتى عند الإمام مالك والمحققين من علماء المذهب.

 

نقل مالك رحمه الله العمل بمجموعة من الألفاظ وهي إذا استثنيت قضايا العمل النقلي، نجد أن قضايا العمل الاستدلالي ترجع فيه المصطلحات إلى ثلاثة أنواع:

النوع الأول: فاستعمل فيه أساليب لم يتضح في قضاياها العمل، بقدر ما تدل على اختياره الفقهي مثل:الأمر عندنا، والأمر عندنا وهو أحب ما سمعت...

النوع الثاني: وهو الذي نقل به قضايا إجماع أهل المدينة، ولم يعرف فيها خلاف عنهم، مثل: الأمر المجتمع عليه عندنا.

النوع الثالث: وتقلُّ رتبة العمل عن الإجماع الكلي، الذي لا يعرف فيه مخالف من أهل المدينة، فيؤثر عن البعض خلاف ما عليه أغلبهم، فيستعمل مالك لهذا مصطلحات أخرى تتنوع كثيرا، ويتبع في نقل هذه القضايا طريقتين:

الأول: يستعمل من المصطلحات، ما يثبت به القضية التي يتكلم عنها، على أنها عمل لأهل المدينة، مثل:الأمر الذي أدركت عليه أهل العلم ببلدنا.

الثاني: يستعمل من المصطلحات، ما ينفي به العمل عن القضية التي نقلها أو الحديث الذي أورده، مثل: ليس عليه العمل، ليس لهذا حد معروف.

أما من جهة تطبيق المالكية لهذا الأصل على الفروع الفقهية، فقد يحملون لفظ مالك في نقله للعمل على غير ما أراده منه، ففي دعاء الاستفتاح لم يفتي به مالك ولم يعمل به أمام الناس خشية أن يعتقد الناس فرضه، فالذي لم يعمل به في المدينة هي المحافظة على هذه السنة.

وكذلك في خيار المجلس الذي نفى مالك العمل به هو وضع حد لخيار الشرط.

وكذلك في سجود التلاوة فقد فرق بين عزائم السجود الإحدى عشرة وبين باقي سجود التلاوة التي لم ينفها وإنما لم يجعلها في مرتبة العزائم.

خلاصة القول قضايا العمل تحتاج إلى تمحيص وتدقيق حتى نتبيّن موقف مالك رحمه الله منها مجانبين للتسرع في ردّ السنن.

هذا ما تيسر إعداده وتهيأ إيراده فما فيه من صواب فمن الله وحده، وما فيه من زلل وسبق قلم فمني ومن قلة بضاعتي.

والحمد لله الذي تتم بنعمته الصالحات.

 

لائحة المصادر والمراجع:

1- أحكام القرآن لأبي بكر محمد بن عبد الله ابن العربي المعافري الإشبيلي الأندلسي (ت 543ﻫ)، ت: عبد القادر عطا، دار الفكر للطباعة.

2- الاستذكار لأبي عمر يوسف بن عبد البر النمري القرطبي ت 463ه. ت: سالم محمد عطا و محمد عل معوض. ط: دار الكتب العلمة سنة 2000م.

3- البيان والتحصل لأبي الوليد محمد بن رشد ت 520 ﻫ.

4- ترتيب المدارك للقاضي عياض ت 544 ﻫ.

5- التمهيد للإمام أبي عمر يوسف بن عبد الله بن عبد البر النمري القرطبي (ت 463ﻫ)، وزارة الأوقاف والشؤون الأسلامية بالمغرب، سنة 1387ﻫ.

6- التنبيه على مبادئ التوجه لابن بشر. ت: أستاذنا الدكتور محمد بالحسان. د: ابن حزم. ط: الأولى سنة 1428هـ/ 2007م..

7- الديباج المذهب ف معرفة أعيان المذهب لابن فرحون.

8- سلسلة الأحاديث الصححة والضعيفة لمحمد ناصر الدين الألباني ت 1419 ﻫ.

9- سنن أبي داود للإمام أبي داود سليمان بن أشعت السجستاني (ت 275ﻫ)، ت: محمد محي الدين عبد الحميد، دار الفكر.

10- سير أعلام النبلاء لشمس الدين الذهبي ت 748 ﻫ.

11- صحيح البخاري لأبي عبد الله محمد بن اسماعيل بن إبراهيم البخاري الجعفي (ت 256ﻫ)، ت: د. مصطفى ديب البغا، دار ابن كثير، الطبعة الثالثة، سنة 1407ﻫ- 1987م

12- صحيح مسلم لأبي الحسين مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري (ت 261ﻫ)، ت: محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء الثرات.

13- العرف والعمل في المدهب المالكي لعمر الجيدي. د: فضالة المحمدية. سنة: 1404هـ/ 1984م.

14- عمل أهل المدينة بين مصطلحات مالك وآراء الأصولن لأحمد نور سيف - رسالة ماجستير سنة 1981م. ط: دار البحوث للدراسلت الإسلامية وإحاء التراث سنة1423ه

15- فتح الباري لأحمد بن علي بن حجر العسقلاني (852). تع: عبد العزيز بن باز. ط: دار السلام الرياض سنة 1421ﻫ.

16- كتاب الاعتصام لأبي اسحاق الشاطب ت 790ه. ت: خالد عبد الفتاح شبل أبو سلمان. ط: دار الفكر سنة 1416ﻫ.

17- مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام أبي العباس أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني (ت 728ﻫ)، عبد القادر عطا، دار الفكر.

18- المجموع شرح المهذب للإمام أبي زكريا يحيى بن شرف النووي الدمشقي (ت 676ﻫ)، دار الفكر، سنة 1997م.

19- المدونة الكبرى لسحنون ت 240ه. ط: دار صادر.

20- مراعاة الخلاف عند المالكة وأثره في الفروع الفقهة لمحمد أحمد شقرون- رسالة ماجستير- ط: دار البحوث للدراسات الإسلامة وإحياء التراث.

21- مصنف ابن أبي شيبة لأبي بكر عبد الله بن محمد بن أبي شيبة الكوفي (ت 235ﻫ)، ت: كمال يوسف الحوت، مكتبة الرشد، ط: الأولى، سنة 1409ﻫ.

22- المعيار المعرب لأبي العباس أحمد الونشريشي ت 914 ﻫ.

23- المقدمات الممهدات لأبي الوليد محمد بن رشد ت 520 ﻫ.

24- مقدمة ابن خلدون ت 808 ﻫ.

25- منهج الاستدلال بالسنة في المذهب المالكي للحسين ألحيان - رسالة دكتوراه 1999م- ط: دار البحوث للدراسات الإسلامية وإحياء التراث.

26- مواهب الجليل لأبي عبد الله محمد بن عبد الرحمن الحطاب المغربي (ت 954ﻫ)، دار الفكر، ط: الثانية، سنة: 1398ﻫ.

27- الموطأ للإمام أبي عبد الله مالك بن أنس بن عامر الأصبحي المدني (ت 179ﻫ)، ت: فؤاد عبد الباقي، دار إحياء الثرات.

28- النوادر و الزيادات على ما في المدونة من غرها من الأمهات لابن أبي زيد القيرواني ت 386 ﻫ.



[1] انظر: مراعاة الخلاف عند المالكية لمحمد أحمد شقرون ص 79.

[2] القبس شرح الموطأ لابن العربي 1/ 75.

[3] مقدمة ابن خلدون ص 449.

[4] سورة الأنعام الآية 145.

[5] حاشية ابن حمدون: 1/ 16. نقل من مراعاة الخلاف ص 86.

[6] عرف القرافي الاستقراء بقوله: «هو تتبع الحكم في الجزئيات، على حالة يغلب على الظن أنه في صورة النزاع على تلك الحالة، كاستقراء الفرض في جزئياته بأنه لا يؤدى على الراحلة فيغلب على الظن: الوتر لو كان فرضا لما أدي على الراحلة، وهذا الظن حجة عندنا وعند الفقهاء» الذخيرة للقرافي 1/ 147.

[7] عرفه القرافي بقوله: « هو محاولة الدليل المفضي إلى الحكم الشرعي من جهة القواعد، لا من الأدلة المنصوبة. وفيه قاعدتان: القاعدة الأولى: في الملازمات: الملزوم واللازم. القاعدة الثانية: أن الأصل في المنافع الإذن وفي المضار المنع» الذخيرة 1/ 149-150.

[8] شرح التنقيح للقرافي ص 445.

[9] الإمام ملك لأبي زهرة ص 257.

[10] نفائس الأصول في شرح المحصول للقرافي 2/ 1790.

[11] أحكام القرآن 1/ 23.

[12] قسمه بعض الباحثين إلى قسمين: الأول: مراعاة الخلاف قبل وقوع الفعل أو الخروج من الخلاف وهو: الجمع بن دليلين بوجه من وجوه الجمع، والعمل بمقتضى كل واحد منهما فعلا أو تركا احتاطا وورعا. الثاني: مراعاة الخلاف بعد وقوع الفعل وهو: ترجيح دليل المخالف بعد وقوع الحادثة، واعطاؤه ما يقتضيه أو بعض ما يقتضيه. انظر: مراعاة الخلاف 73-74.

[13] البيان والتحصيل 3/ 419.

[14] المعيار المعرب 6/ 367.

[15] الموطأ برواية يحيى بن يحيى الليثي (1570) وغيره.

[17] الموطأ: (رقم:1572).

[18] الطبراني في الأوسط:(5618). ضعفه الألباني: السلسلة الضعيفة(رقم:761 ).

[19] البخاري( رقم 1777)، ومسلم (رقم 147).

[20] ترتيب المدارك وتقريب المسالك 1/ 9.

[21] المصدر السابق. وقول زيد بن ثابت أخرجه البيهقي في معرفة السنن والآثار (برقم: 29).

[22] البرهان في أصول الفقه: 1/ 459. د: الوفاء - المنصورة - مصر. ط: الرابعة،سنة 1418. ت: د. عبد العظيم محمود الديب.

[23] الإحكام للآمدي1/ 304.

[24] الإحكام للآمدي 1/ 304- 305.

[25] العرف والعمل في المذهب المالكي: ص: 281-284.

[26] هذه الآثار أوردها القاضي عياض في ترتيب المدارك 1/ 11.

[27] ترتيب المدارك 1/ 48.

[28] انظر عمل أهل المدينة بين مصطلحات مالك وآراء الأصوليين123.- رسالة دكتوراه للدكتور أحمد نور سيف-.

[29] مجموع الفتاوى 20/ 303 وما بعدها. بتصرف.

[30] انظر عمل أهل المدينة بين مصطلحات مالك وآراء الأصوليين 123.

[31] منهج الاستدلال بالسنة في المذهب المالكي. للحسين ألحيان = رسالة دكتوراه نوقشت بجامعة محمد الخامس بالرباط سنة1999..

[32] منهج الاستدلال بالسنة في المذهب المالكي 1/ 342 - 344.

[33] عمل أهل المدينة بين مصطلحات مالك وآراء الأصوليون 411- 414.

[34] عمل أهل المدينة بين مصطلحات مالك وآراء الأصوليين 417.

[35] عمل أهل المدينة بين مصطلحات مالك وآراء الأصوليين 166 - 235.

[36] المرجع السابق 237.

[37] المدونة 1/ 62.

[38] النوادر والزيادات 1/ 171.

[39] المرجع السابق.

[40] المرجع السابق.

[41] متفق عليه.

[42] صحيح ابن خزيمة 498..

[43] البيان والتحصيل 1/ 413-414.

[44] التنبيه على مبادئ التوجيه 1/ 406.

[45] الموطأ كتاب الصلاة، باب ما جاء في سجود القرآن. قال النووي: «فاحتج به مالك رحمه الله تعالى ومن وافقه في أنه لا سجود في المفصل وأن سجدة النجم، و إذا السماء انشقت، واقرأ باسم ربك، منسوخات بهذا الحديث- أي حديث زد بن ثابث أنه قرأ على رسول الله صلى الله عليه وسلم سورة النجم ولم يسجد- أو بحديث بن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسجد في شيء من المفصل منذ تحول إلى المدينة» شرح صحيح مسلم..

[46] الاستذكار ج2/ ص504-505.

[47] ملك 429، وأحمد 4575، والبخاري 724، ومسلم 904، والترمذي 523، وأبو داود 1197، والنسائي 952....واللفظ لمسلم.

[48] الموطأ باب سجود السهو 15.

[49] أبو داود 1195. قال ابن حجر:"أبو قدامة، عن مطر الوراق، عن عكرمة، عن ابن عباس - أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسجد في شئ من المفصل منذ تحول إلى المدينة. مطر ردئ الحفظ، وهذا منكر، فقد صح أن أبا هريرة سجد مع النبي صلى الله عليه وسلم في: " إذا السماء انشقت ". ميزان الاعتدال 1 / 439. وضعفه الألباني، ضعيف أبي داود(رقم 1403).

[50] مسلم (رقم 1326)، والنسائي في السنن (رقم 960).

[51] سبق تخريجه.

[52] الموطأ باب سجود التلاوة 16.

[53] المنتقى.

[54] المنتقى.

[55] الموطأ رقم 1349، والبخاري رقم2005، مسلم رقم 3935.

[56] الموطأ رقم 1349.

[57] المنتقى 5/ 64.

[58] الموطأ رقم 1349.

[59] ترتيب المدارك 1/ 13.

[60] المنتقى 5/ 64.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • عمل أهل المدينة عند مالك
  • عمل أهل المدينة عند ابن تيمية
  • خاصية الانفتاح في المدرسة الأصولية المالكية
  • تعريف علم أصول الفقه عند المالكية
  • أصل القرآن الكريم عند المالكية
  • والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون (خطبة)
  • عمل أهل المدينة في عصر التابعين
  • الترغيب في سكنى المدينة، والصبر على لأوائها
  • على أبواب المدينة

مختارات من الشبكة

  • السرية في العمل(مقالة - موقع أ. د. علي أبو البصل)
  • ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: ﴿وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباءً منثورًا﴾(مقالة - آفاق الشريعة)
  • عمل العالم بعمله(مقالة - آفاق الشريعة)
  • فضل العمل الصالح عند فساد الزمن والمداومة على العمل وإن قل(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير: ( وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم )(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير قوله تعالى: {قل أتحاجوننا في الله وهو ربنا وربكم ولنا أعمالنا ولكم أعمالكم..}(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أعمال العمرة وأعمال الحج(مقالة - آفاق الشريعة)
  • عمل من الأعمال التي يجب أن تكون دائمة ومتواصلة في حياة المسلم(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير: (وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الكلام على قوله صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد)(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 17/11/1446هـ - الساعة: 9:44
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب