• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    أربع هي نجاة الإنسان في الدنيا والآخرة (خطبة)
    د. أحمد بن حمد البوعلي
  •  
    وحدة المسلمين (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    المسارعة إلى الاستجابة لأمر الله ورسوله صلى الله ...
    د. أمين بن عبدالله الشقاوي
  •  
    فوائد وأحكام من قوله تعالى: { إذ قال الله يا عيسى ...
    الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم
  •  
    نعمة الماء (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    تدبر خواتيم سورة البقرة
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    قال ما أظن أن تبيد هذه أبدا (خطبة)
    حسان أحمد العماري
  •  
    تحريم الإهلال لغير الله تبارك وتعالى
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    مشاهد عجيبة حصلت لي!
    أ. د. عبدالله بن ضيف الله الرحيلي
  •  
    ملخص من شرح كتاب الحج (2)
    يحيى بن إبراهيم الشيخي
  •  
    الدرس السابع عشر: آثار الذنوب على الفرد والمجتمع
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    خطبة: (ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب)
    الشيخ عبدالله محمد الطوالة
  •  
    سورة الكافرون.. مشاهد.. إيجاز وإعجاز (خطبة)
    د. صغير بن محمد الصغير
  •  
    من آداب المجالس (خطبة)
    الشيخ عبدالله بن محمد البصري
  •  
    خطر الميثاق
    السيد مراد سلامة
  •  
    أعظم فتنة: الدجال (خطبة)
    د. محمد بن مجدوع الشهري
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / دراسات شرعية / علوم قرآن
علامة باركود

تحذير أهل العرفان من آفة الكتمان

تحذير أهل العرفان من آفة الكتمان
عبدالرزاق الصادقي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 24/5/2016 ميلادي - 16/8/1437 هجري

الزيارات: 13423

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

تحذير أهل العرفان من آفة الكتمان


الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد إمام النبيين، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فإن تبليغ العلم ونشره بين الناس، من أوجب الواجبات، وآكد القربات، وبهذا الأمر وردت آيات الذكر الحكيم، وأحاديث النبي عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم، كما ورد التحذير الشديد، والوعيد الأكيد، في حق كل من فضلت نفسه الركون إلى الكتمان، وإخفاء ما أراد الحق إظهاره من كنوز العلم وجواهر العرفان، ولذلك بادر أصحاب النبي الكرام إلى بذل كل غال ونفيس، من أجل إيصال العلم إلى أهله الباحثين في بحاره عن لآلئه الثمينة، ودرره المضيئة، وجواهره النادرة، فتبعهم العلماء على ذلك النهج القويم، باذلين في ذلك المهج، حتى عد بعضهم تبليغ العلم من أنواع الجهاد،واقتصر بعضهم على عد الكتمان آفة من الآفات.

 

وقد دفع بي إلى اختيار هذا الموضوع أهميته البالغة، لظني أن الحوم حوله من النعم السابغة، وزادني اهتماما به أن تبليغ العلم الداعي إلى الوسطية مما تحتاجه الأمة الآن أكثر من حاجتها إلى الطعام والشراب، وهو الذي إن تمسك به أفرادها سيكون لهم نورا بين أيديهم وعن أيمانهم يسعى، وذخراً يدخرونه ليوم الرجعى.

 

وقد تناولت في هذا الموضوع الحديث عن الآية ثمانية وخمسين ومائتين والآية تسعة وخمسين ومائتين، من حيث التوثيق وبيان سبب النزول،ثم تحدثت عن مناسبة الآيتين لما قبلهما والسياق الذي وردتا فيه، ثم ذكرت المعنى الإجمالي للآيتين، وبعد ذلك أوردت بعض الأحكام التي استنبطها بعض العلماء من الآيتين ثم ختمت بخاتمة ضمنتها بعض الخلاصات والاستنتاجات.

 

يقول الله تعالى:

﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ﴾ [البقرة: 159، 160].

 

توثيق الآيتين:

الآيتان من سورة البقرة، وهي الأولى في المصحف الشريف، وهي من السور المدنية، بل هي أول سورة نزلت بالمدينة، قال الإمام القرطبي في تفسيره: "وقيل هِيَ أَوَّلُ سُورَةٍ نَزَلَتْ بِالْمَدِينَةِ، إِلَّا قَوْلَهُ تَعَالَى: ﴿ وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ﴾ [البقرة: 281] فَإِنَّهُ آخِرُ آيَةٍ نَزَلَتْ مِنَ السَّمَاءِ، وَنَزَلَتْ يَوْمَ النَّحْرِ فِي حِجَّةِ الْوَدَاعِ بِمِنًى، وَآيَاتُ الرِّبَا أَيْضًا مِنْ أَوَاخِرِ مَا نَزَلَ مِنَ الْقُرْآنِ"[1].

 

والقول بأنها أول سورة نزلت بالمدينة هو قول علي رضي الله عنه ففي تفسير ابن عجيبة:" قال سيدنا علي - رضي الله عنه -: أول سورة نزلت بالمدينة سورة البقرة"[2].

 

وقيل إن أول سورة نزلت بالمدينة سورة القدر قال الإمام القرطبي في تفسير سورة القدر: "وَذَكَرَ الْوَاقِدَيُّ أَنَّهَا أَوَّلُ سُورَةٍ نَزَلَتْ بِالْمَدِينَةِ"[3].

 

وانطلاقا مما ذكر فإن الآيتين نزلتا بالمدينة فهما مدنيتان كغيرهما من آيات البقرة إلا ما استثني من ذلك.

 

سبب نزول الآيتين:

اختلف المفسرون في سبب نزول هاتين الآيتين على أقوال منها:

القول الأول:

وهو قول الأكثر أنهما نزلتا في أحبار اليهود ورهبان النصارى، يقول الطبري:" إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ عُلَمَاءُ الْيَهُودِ وَأَحْبَارُهَا، وَعُلَمَاءُ النَّصَارَى، لِكِتْمَانِهِمُ النَّاسَ أَمْرَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَتَرْكِهِمُ اتِّبَاعَهُ، وَهُمْ يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ، وَالْإِنْجِيلِ مِنَ الْبَيِّنَاتِ الَّتِي أَنْزَلَهَا اللَّهُ مَا بَيْنَ مِنْ أَمْرِ نُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَبْعَثِهِ وَصِفَتِهِ فِي الْكِتَابَيْنِ اللَّذَيْنِ أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ أَنَّ أَهْلَهُمَا يَجِدُونَ صِفَتَهُ فِيهِمَا. وَيَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِالْهُدَى مَا أَوْضَحَ لَهُمْ مِنْ أَمْرِهِ فِي الْكُتُبِ الَّتِي أَنْزَلَهَا عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ"[4].

 

بين الإمام الطبري هنا أن سبب نزول هاتين الآيتين هو كتمان علماء اليهود ورهبان النصارى ما تعلق بنبوة نبينا عليه الصلاة والسلام.

 

ومما يوضح هذا الأمر أكثر ما نقله الإمام الطبري بسنده إلى ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال:" سَأَلَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ أَخُو بَنِي سَلَمَةَ، وَسَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ أَخُو بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ، وَخَارِجَةُ بْنُ زَيْدٍ أَخُو بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ، نَفَرًا مِنْ أَحْبَارِ يَهُودَ قَالَ أَبُو كُرَيْبٍ: عَمَّا فِي التَّوْرَاةِ، وَقَالَ ابْنُ حُمَيْدٍ عَنْ بَعْضِ مَا فِي التَّوْرَاةِ فَكَتَمُوهُمْ إِيَّاهُ، وَأَبَوْا أَنْ يُخْبِرُوهُمْ، عَنْهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ فِيهِمْ: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ ﴾ [البقرة: 159] [5].

 

القول الثاني:

ما ذكره السدي من أنهم: "زعموا أن رجلا من اليهود كان له صديقٌ من الأنصار يُقال له ثَعلبة بن غَنَمة، قال له: هل تجدون محمدًا عندكم؟ قال: لا! "[6].

 

وهذا الخبر مشكوك في صحته،وذلك أن السدي صاغه بصيغة مريبة، فقال: زعموا، وأيضا فإن السدي ضعفه بعض أهل العلم.

 

القول الثالث:

من جملة الأقوال ما نقله الإمام الطبري بسنده إلى ابن عباس رضي الله عنه أنه قال: سألَ مُعاذ بن جبل أخو بنى سَلِمة، وسعد بن مُعاذ أخو بني عبد الأشهل، وخارجة بن زيد أخو بني الحارث بن الخزرج، نفرًا من أحبار يَهود - قال أبو كريب: عما في التوراة، وقال ابن حميد: عن بَعض مَا في التوراة - فكتموهم إياه، وأبوْا أن يُخبروهم عنه، فأنزل الله تعالى ذكره فيهم: "إنّ الذين يَكتمون مَا أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيَّناه للناس في الكتاب أولئك يَلعنهم الله وَيَلعنهم اللاعنون"[7].

 

وهذه الأقوال وإن تعددت فإنها لا تدل على قصر الحكم على من وردت في حقهم الآيتان الكريمتان،طالما أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.

 

وإلى ذلك يشير ابن عطية بقوله: "وتتناول الآية بعد كل من كتم علما من دين الله يُحتاج إلى بثه، وذلك مفسر في قول النبي صلى الله عليه وسلم: «من سئل عن علم فكتمه ألجم يوم القيامة بلجام من نار»، وهذا إذا كان لا يخاف ولا ضرر عليه في بثه"[8].

 

ومما يدل على ما ذكر أن بعض أصحاب النبي رضي الله عنهما استدلوا بها في ما لا علاقة له بالسبب، ومن ذلك:

أولاً:

قول أبو هريرة رضي الله عنه:" وَأيْمُ اللهِ، لَوْلَا آيَةٌ فِي كِتَابِ اللهِ مَا حَدَّثْتُكُمْ بِشَيْءٍ أَبَدًا، ثُمَّ تَلَا: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى ﴾ [البقرة: 159] [9].

 

ثانياً:

عن حمران أن عثمان رضي الله عنه لما توضأ قال:" قَالَ: أَلاَ أُحَدِّثُكُمْ حَدِيثًا لَوْلاَ آيَةٌ مَا حَدَّثْتُكُمُوهُ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لاَ يَتَوَضَّأُ رَجُلٌ يُحْسِنُ وُضُوءَهُ، وَيُصَلِّي الصَّلاَةَ، إِلَّا غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصَّلاَةِ حَتَّى يُصَلِّيَهَا» قَالَ عُرْوَةُ: " الآيَةَ ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ ﴾ [البقرة: 159]"[10].

 

ومن خلال هذين النقلين عن هذين الصحابيين يمكن إدراك عدم خصوصية هاتين الآيتين.

 

مناسبة الآيتين:

لابد من الحديث عن مناسبة هاتين الآيتين لما قبلهما، إذ ترتيب آيات الذكر الحكيم توقيفي لا مجال للرأي فيه فما وجه هذا الترتيب،وما مناسبة هاتين الآيتين؟

 

هاتان الآيتان وردتا في سياق الحديث عن بعض شعائر الدين ومناسكه، وقد سبق أثناء الحديث عن بعض تلك الشعائر-ومنها تحويل القبلة - أن اليهود أنكروا ذلك، وفيهم يقول الله تعالى: ﴿ سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [البقرة: 142] [11].

 

يقول السيد رحمه الله: "ومن بيان مشروعية الطواف بالصفا والمروة ينتقل السياق إلى الحملة على الذين يكتمون ما أنزل الله من البينات والهدى، وهم اليهود الذين سبق الحديث عنهم طويلا في سياق السورة. مما يوحي بأن دسائسهم لم تنقطع حول مسألة الاتجاه إلى المسجد الحرام وفرض الحج إليه".

 

وقال ابن عرفة في معرض الحديث عن مناسبة الآيتين لما قبلهما:

"من الناس من ينظر وجه المناسبة بين الآية وما قبلها كابن الخطيب، ومنهم من لا يلتزمه في كل آية كالزمخشري وابن عطية، ومنهم من يمنع النظر في ذلك ويحرمه لئلا يعتقد أنّ المناسبة من إعجاز القرآن فإذا لم تظهر المناسبة فقد يدرك الناظر وهن في دينه وخلل في معتقده"[12].ثم ذكر ابن عرفة وجه المناسبة بعد ذلك فقال:" ووجه المناسبة هنا أنه لما تقدم الإخبار بحكم شرعي عقبه ببيان عقوبة العالم إذا كتم علمه"[13].

 

والفرق بين ما ذكره سيد وابن عرفة أن سيد يتحدث عن المناسبة في السياق العام ولذلك قدمته مع تأخره في الزمن،وأما ابن عرفة فإنه يتحدث عن مناسبة الآية لما قبلها فقط.

 

وبهذا أسدل الستار عن ما يتعلق بسياق الآية وما يرتبط به لأنتقل إلى شرح الآية إجمالا وتفصيلا.

 

الشرح الإجمالي:

افتتحت الآيتان الكريمتان بأعذب الكلمات، وكل كلام الرحمن عذب رائق، تهفوا إليه النفوس، وتعشقه القلوب، وترنوا إليه الضمائر، هذه الكلمات أكدت في مطلعها على قضية طالما غفل عنها الغافلون، وتناساها العالمون، لذا أكد القرآن الكريم على هذا الحكم بكلمة "إن"المقتضية لكل توكيد، وهذا يدل على أهمية الحكم الذي سيأتي في ما بعد،وهذا الحكم هنا هو تحريم كتمان العلم، والعلم هاهنا أرقى العلوم وأعلاها، وأجملها وأحلاها، إنه العلم الذي يخرج من مشكاة النبوة،ولا كهذا العلم علم.

 

هذا العلم الذي حاول بعض أهل الديانات السابقة هدم دعائمه، وطمس معالمه، لذا حذر القرآن الكريم في هذا المقام المهيب من الانجرار وراء هذه الدعوات المغرضة، التي تريد إطفاء نور الله الذي ملأ الوجود ببهائه. وقد توعد القرآن الكريم من سار في هذا المضمار باللعنة التي هي الطرد من رحمة أرحم الراحمين، وثنى بتعرض هؤلاء للعنة كل من يتصور منه اللعن كالملائكة والناس أجمعين،واستثنى كتاب الله جل وعلا من أناب إلى ربه، وتاب من ذنبه، بعد أن اعترف بما اقترف، وندم عما صدر منه وبدر، وبين بعد أن كتم، وأصلح ما أفسده في سابق الأيام:

يستوجب العفو الفتى إذا اعترف
وتاب عما قد جناه واقترف
لقوله قل للذين كفروا
إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف

 

فأمثال هؤلاء يستحقون من الله المتاب، وأن يرفع عنهم اللوم والعتاب، وذلك ما يصبو إليه من إلى ربه أناب، وحزن عما صدر منه وتاب.

 

الأحكام المستنبطة من الآيتين:

هاتان الآيتان الكريمتان على قلة ألفاظهما فإنهما اشتملتا على أحكام كثيرة منها ما دلتا عليه صراحة ومنها ما دلتا عليه ضمنا ومن ذلك:

 

• وجوب إظهار العلم وبيانه، وتعليمه للناس يقول الجصاص الحنفي بعد ذكر الآية الكريمة الأولى مع نظيراتها كقوله تعالى:

﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ ﴾ [البقرة: 159] [14].

 

يقول ما نصه:" هَذِهِ الْآيُ كُلُّهَا مُوجِبَةٌ لِإِظْهَارِ عُلُومِ الدِّينِ وَتَبْيِينِهِ لِلنَّاسِ زَاجِرَةٌ عَنْ كِتْمَانِهَا وَمِنْ حَيْثُ دَلَّتْ عَلَى لُزُومِ بَيَانِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ فَهِيَ مُوجِبَةٌ أَيْضًا لِبَيَانِ الْمَدْلُولِ عَلَيْهِ مِنْهُ وَتَرْكِ كِتْمَانِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى ﴾ [البقرة: 159] وَذَلِكَ يَشْتَمِلُ عَلَى سَائِرِ أَحْكَامِ اللَّهِ فِي الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ وَالْمُسْتَنْبَطِ لِشُمُولِ اسْمِ الْهُدَى لِلْجَمِيعِ وقَوْله تَعَالَى ﴿ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ ﴾ [البقرة: 174] يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ مَا عُلِمَ مِنْ جِهَةِ النَّصِّ أَوْ الدَّلِيلِ لِأَنَّ فِي الْكِتَابِ الدَّلَالَةَ عَلَى أَحْكَامِ اللَّهِ تَعَالَى كَمَا فِيهِ النَّصُّ عَلَيْهَا"[15].

 

وما ذكره الإمام الجصاص ليس على إطلاقه،بل في ذلك تحقيق أفصح عنه الإمام ابن العربي المعافري فقال:" وَلِلْآيَةِ تَحْقِيقٌ هُوَ أَنَّ الْعَالِمَ إذَا قَصَدَ الْكِتْمَانَ عَصَى، وَإِذَا لَمْ يَقْصِدْهُ لَمْ يَلْزَمْهُ التَّبْلِيغُ إذَا عَرَفَ أَنَّ مَعَهُ غَيْرَهُ"[16].

 

وانطلاقا مما ذكره الجصاص وابن العربي، فإن الآية كما هي موجبة لتبليغ العلم فهي دالة أيضا على حرمة كتمانه بدلالة الالتزام.

 

• من الأحكام المستنبطة من الآيتين حكم أخذ الأجرة على التعليم وهي مسألة اختلف فيها العلماء فذهب المتقدمون من العلماء إلى أنه لا يجوز أخذ الأجرة على تعليم العلم نظرا لكون ذلك عبادة كالصلاة والزكاة وغيرهما يقول الكيا الهراسي:" ودلت الآية أيضا على لزوم إظهار العلم وترك كتمانه ومنع أخذ الأجرة عليه إذ لا تستحق الأجرة على ما عليه فعله كما لا يستحق الأجرة على الإسلام"[17].

 

وانطلاقا من هذا فإن عدم جواز أخذ الأجرة على تعليم العلم مأخوذ من كون تعليم العلم أمرا واجبا،ويمكن بناء على هذا تركيب القياس المنطقي بالطريقة الآتية: (تعليم العلم أمر واجب وكل واجب لا يجوز أخذ الأجرة عليه) والنتيجة: تعليم العلم لا يجوز أخذ الأجرة عليه.

 

وذهب المتأخرون إلى أنه يجوز أخذ الأجرة على تعليم العلم، يقول الصابوني: " غير أن المتأخرين من العلماء لما رأوا تهاون الناس، وعدم اكتراثهم لأمر التعليم الديني، وانصرافهم إلى الاشتغال بمتاع الحياة الدنيا، ورأوا أن ذلك يصرف الناس عن أن يعنوا بتعلم كتاب الله، وسائر العلوم الدينية، فينعدم حفظة القرآن، وتضيع العلوم، لذلك أباحوا أخذ الأجور، بل زعم بعضهم أنه واجب للحفاظ على علوم الدين، وما هذه الأوقاف والأرصاد التي حبسها الخيّرون إلا لغرض صيانة القرآن وعلوم الشريعة، وسبيل لتنفيذ ما وعد الله به من حفظ القرآن في قوله: ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ [الحجر: 9]"[18].

 

• ومما استنبطه بعض العلماء من الآيتين عدم وجوب تبليغ العلم على النساء يقول جلال الدين السيوطي موضحا لهذه المسألة:"ويستدل بالآية على عدم وجوب ذلك على النساء بناء على أنهم لا يدخلن في خطاب الرجال"[19].

 

وما أشار إليه السيوطي هنا من أن النساء لا يدخلن في خطاب الرجال هي قضية اختلف فيها علماء الأصول على قولين: "فذهب ابن أبي داود وهو مذهب أصحاب أبي حنيفة النعمان كما أشار إليه الشيرازي إلى أنهن يدخلن فِي جمع الرِّجَال"[20].

 

قال الشيرازي:" وهذا خطأ لأن للنساء لفظا مخصوصا كما أن للرجال لفظا مخصوصا فكما لم تدخل الرجال في خطاب النساء لم تدخل النساء في خطاب الرجال"[21].

 

وتخطئة الشيرازي للقول السابق سببه أنه شافعي المذهب، ومذهب الشافعية أن النساء لا يدخلن في خطاب الرجال يقول الإسنوي الشافعي: "فقد علم أَن جُمْهُور أَصْحَابنَا على أَن النِّسَاء لَا يدخلن فِي خطاب الرِّجَال إِلَّا بِدَلِيل"[22].

 

وبعد هذه الجولة القصيرة في بعض كتب الأصول أعود إلى استنباط الإمام جلال الدين السيوطي السابق فأقول إن الجلال استنبط عدم وجوب تبليغ العلم على النساء بناء على مذهبه الشافعي القائل بأن خطاب الرجال لا يتناول النساء إلا بدليل، وأما على قول القائلين بأن خطاب الرجال متناول للنساء، فإنه يجب على النساء كما الرجال تبليغ العلم، وهذا هو الذي تدل عليه النصوص العامة في الوحيين يقول عليه الصلاة والسلام "إِنَّمَا النِّسَاءُ شَقَائِقُ الرِّجَالِ"[23].وهو نص واضح في أن كل ما يؤمر به الرجال فللنساء منه نصيب.

 

وبهذه الأحكام القليلة أوصد باب البحث في هاتين الآيتين الكريمتين، مع أن كل ذلك أقل من القليل، سائلاً العلي الأعلى، أن يجعلني لطلب العلم أهلا.

 

خاتمة:

وبعد هذه الرحلة القصيرة في مجال البحث في تفسير بعض آيات الكتاب العزيز،أحط الرحال هنا لأختم بتلخيص ما سبق بيانه واستنتاج الفوائد التي يمكن أن تعين في إنجاز بحث أطول عن هذه القضية التي لا تكفي فيها هذه الصفحات القليلة فأقول ومن ربي أستمد المعونة والتسديد:

خلاصات:

• الآية دالة دلالة صريحة على تحريم كتمان العلم،وموجبة في نفس الآن لتبليغه لأهله.

• التوبة تجب ما قبلها، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له، كما روي عن نبينا عليه الصلاة والسلام.

• توبة العالم الكاتم لعلمه، أو المفتي بما يخالف الشريعة لا يكفي فيها الندم، بل لا بد من البيان، حتى يرجع إلى صوابه من اغتر بفتواه.

 

♦ استنتاجات:

• أسلوب القرآن في عرض الأحكام، معجز كغيره من جوانب الإعجاز، وفي نفس الوقت مفهم ما أبعده عن الإلغاز.

• الكلمات القلائل في القرآن تحمل في طياتها معاني لا يحدها حصر، ولا يمكن أن تكفي فيها صفحات قليلة كهذه.

• غالب ما يذكره الفقهاء من الفروع الفقهية وما يذكره المفسرون أثناء تفسيرهم لآي الذكر الحكيم غير متفق عليه، مما يدل على أهمية الاختلاف، وأنه أصبح ضروريا معرفته، وأما حصر الفكر في قول واحد، فمما عفا عليه الزمن.

 

وبعد هذه الخلاصات والاستنتاجات أسأل الله تعالى أن يجعل هذا العمل خالصا لوجهه الكريم، وخاليا من كل قصد ذميم.، والحمد لله رب العالمين.

 

المصادر والمراجع:

• الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 1/ 152

• البحر المديد لابن عجيبة 1/ 71

• جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 2/ 231

• المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 1/ 228

• مسند الإمام أحمد 12/ 124

• صحيح الإمام البخاري 1/ 42

• تفسير ابن عرفة 2/ 475.

• أحكام القرآن للجصاص 1/ 123

أحكام القرآن لأبي بكر بن العربي 1/ 73

أحكام القرآن للكيا الهراسي 1/ 25

روائع البيان تفسير آيات الأحكام 1/ 150

الإكليل في استنباط التنزيل 1/ 27

التبصرة في أصول الفقه 1/ 77

اللمع في أصول الفقه 1/ 21

التمهيد في تخريج الفروع على الأصول 1/ 260



[1] الجامع لأحكام القرآن للقرطبي1/ 152

[2] البحر المديد لابن عجيبة 1/ 71

[3] المصدر السابق20/ 129

[4] جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري2/ 231

[5] المصدر نفسه والصفحة نفسها.

[6] المصدر نفسه،والصفحة نفسها.

[7] المصدر نفسه 2/ 250

[8] المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية1/ 228

[9] مسند الإمام أحمد 12/ 124

[10] صحيح الإمام البخاري 1/ 42

[11] الآية 101من سورة البقرة.

[12] تفسير ابن عرفة2/ 475

[13] المصدر نفسه والصفحة نفسها.

[14] الآية   173من سورة البقرة.

[15] أحكام القرآن للجصاص 1/ 123

[16] أحكام القرآن لأبي بكر بن العربي1/ 73

[17] أحكام القرآن للكيا الهراسي1/ 25

[18] روائع البيان تفسير آيات الأحكام1/ 150

[19] الإكليل في استنباط التنزيل1/ 27

[20] التبصرة في أصول الفقه1/ 77

[21] اللمع في أصول الفقه1/ 21

[22] التمهيد في تخريج الفروع على الأصول1/ 260.

[23] أخرجه أو داود رقم 236 والإمام الترمذي رقم113 والإمام أحمد رقم 27118.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • أسلوب الكتمان في الدعوة إلى الله
  • أوتار العرفان لسراج العرفان

مختارات من الشبكة

  • التحذير من كتابي: التحذير من فتنة التكفير، وصيحة نذير(مقالة - آفاق الشريعة)
  • التحذير الشديد من آفة التقليد (خطبة)(مقالة - موقع د. محمود بن أحمد الدوسري)
  • التحذير من آفة الانتحار(مقالة - آفاق الشريعة)
  • التحذير من تدخين التبغ وكافة استعمالاته (خطبة)(مقالة - موقع الشيخ عبدالله بن صالح القصيِّر)
  • خطبة المسجد النبوي 4/3/1433 هـ - التحذير من ضياع الشباب(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تعريف آفة السمر(مقالة - حضارة الكلمة)
  • هون على نفسك(مقالة - آفاق الشريعة)
  • ذنوب الخلوات تأكل الحسنات (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • التحذير من مجالسة أهل البدع بين فعل السلف ومخالفات بعض الخلف(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تحذير أهل القرآن من بعض ما جاء في بهجة الجنان(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 14/11/1446هـ - الساعة: 17:59
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب