• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    عمى البصيرة يورد المهالك
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    شرح أحاديث الطهارة
    لطيفة بنت عبداللطيف
  •  
    خطبة: موسى عليه السلام وحياته لله عز وجل
    د. أيمن منصور أيوب علي بيفاري
  •  
    حقوق اليتيم (1)
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    الإسلام كفل لأهل الكتاب حرية الاعتقاد
    الشيخ ندا أبو أحمد
  •  
    أثر الأدلة الشرعية في تحقيق مقصد حفظ الدين (دليل ...
    عمرو عبدالله ناصر
  •  
    خطبة: العدل ضمان والخير أمان
    يحيى سليمان العقيلي
  •  
    الورد والآس من مناقب ابن عباس (خطبة)
    السيد مراد سلامة
  •  
    الصلاة دواء الروح
    الشيخ إسماعيل بن عبدالرحمن الرسيني
  •  
    أنين مسجد (4) وجوب صلاة الجماعة وأهميتها (خطبة)
    د. صغير بن محمد الصغير
  •  
    عاشوراء بين ظهور الحق وزوال الباطل (خطبة)
    د. عبدالرزاق السيد
  •  
    فضل ذكر الله تعالى
    أحمد عز الدين سلقيني
  •  
    قواعد قرآنية في تربية الأبناء
    د. حسام العيسوي سنيد
  •  
    مائدة التفسير: سورة الماعون
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    وقفات ودروس من سورة آل عمران (3)
    ميسون عبدالرحمن النحلاوي
  •  
    ما انتقد على «الصحيحين» ورجالهما، لا يقدح فيهما، ...
    د. هيثم بن عبدالمنعم بن الغريب صقر
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / التفسير وعلوم القرآن / تفسير القرآن الكريم
علامة باركود

قصة نبي الله سليمان وبلقيس (خطبة)

قصة نبي الله سليمان وبلقيس (خطبة)
أحمد عبدالله صالح

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 24/12/2019 ميلادي - 27/4/1441 هجري

الزيارات: 24669

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

قصة نبي الله سليمان عليه السلام وبلقيس

 

أما بعد:

فما يزال الحديث مستمرًّا مع النبي الأوَّاب سليمان عليه السلام، وبينما هو يستمع بإنصات وإصغاء لكلام الهدهد الدقيق والموجز، الذي برَّر فيه أسباب غيابه وتأخره عن مجلس سليمان عليه السلام، كان الرد عليه حينها بلا اندفاع أو استعجال: ﴿ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ ﴾ [النمل: 27]، وبماذا سيتأكد سليمان من حجة الهدهد؟ وبماذا سينظر؟ قال له: ﴿ اذْهَبْ بِكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ ﴾ [النمل: 28]، وكما وقفنا الجمعة الماضية أمام ما صاغه الهدهد، فإننا اليوم نقف أمام أجمل نموذج لرسالة صاغها سليمان عليه السلام كما أوردها القرآن الكريم على لسانه، وقد شملت أصولًا في كتابتها، وأجزاءً يجب مراعاتها، وترتيبًا لهذه الأجزاء، وهدفًا يمثل صلب الموضوع وطبيعته؛ ممن الرسالة؟ ولمن؟ وما الموضوع؟ ثم ما المطلوب؟ وكل ذلك يجب أن يتحقق مع غاية الإيجاز الذي لا يُخِلُّ بالمعنى المراد.

 

وبالفعل ذهب هذا الجندي الأمين مرةً أخرى، يحمل رسالة نبي الله سليمان عليه السلام قاطعًا مسافاتٍ شاسعة، فحدثني‏ يا أخي عن جهودك في الدعوة إلى الله، حدثني عن جهودك في سنين مرت من عمرك، كم مسافةً قطعت لأجل الله؟ وكم كيلومتراً قطعت لإيصال نصيحة؟ وكم كيلومتراً تجاوزتَ حتى توصل علمًا أو توصل فكرة أو تغرس مبدأً من مبادئ دينك لمن لم يجد ذلك، أو رسالةً من عقيدتك لكل من تاهَ في حياته؟

 

هذا الهدهد يقطع كل هذه المسافات ويتجاوز كل الفيافي والقِفار والأنهار والسهول والوِهاد حاملًا كتابَ نبي الله سليمان عليه السلام، فماذا كتب سليمان عليه السلام فيه؟

فمع كونه ملكًا لم يذكر مدحًا له قبل الاسم أو بعده، وهذا من كمال تواضعه؛ فكان: ﴿ إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴾ [النمل: 30]، فكل أمر ذي بالٍ لا بد أن نبدأه بـ﴿ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴾ [النمل: 30]؛ إذ إن كلَّ عمل لم يبدأ باسم الله فهو أبتر، فقيادة السيارة أمر ذو بال؛ لأنها قد تصطدم، ودخول المنزل أمر ذو بال لأنه ربما يدخل الزوج المنزل والشيطان على كتفه، وفي أول مواجهة مع الزوجة إذا بالحرب تشتعل بينهما؛ ولهذا فإن المؤمن إذا استعمل البسملة في حياته، تتحول حياته إلى ذكرٍ قهري، فيفتح جهاز الحاسوب فيقول: ﴿ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴾، يأكل الطعام فيقول: ﴿ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴾، يلبس اللباس فيقول: ﴿ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴾، يدخل الحمام فيقول قبل دخوله: ﴿ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴾، يركب الدابة فيقول: ﴿ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴾؛ فتكون حياته مع الله ومع اسم الله؛ ومن ثَمَّ فإنه لا يبقى هناك غفلة في الحياة.

 

"الله" لفظ الجلالة - وما أدراك ما لفظ الجلالة - هذه اللفظة تدل على الذات المقدسة، تدل على صفات الجلال والجمال، البعض قد يعيش إلى آخر عمره، ولا يعلم ما معنى اسم ربه الذي سيُسأل عنه في قبره.

 

أحبتي الكرام، حمل الهدهد رسالة نبي الله سليمان عليه السلام إلى الملكة بلقيس، فدخل وهي على سرير عرشها فرماه وألقاه، ثم طار حتى وقف على إحدى فتحات القصر، وجعل يرقب الموقف ويتأمل المشهد ويتابع الحدث أولًا بأول، وينظر بكل أدب ماذا ستفعل، ولما وجدتِ الكتابَ وقرأت ما فيه، دعت على الفور بعقد جلسة استثنائية عاجلة، فاجتمع عندها أهل الحل والعقد والوزراء والأعيان، فقالت: ﴿ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ ﴾ [النمل: 29]، وقولها: ﴿ كَرِيمٌ ﴾: قالوا: لأن فيه بسم الله الرحمن الرحيم، وقيل: لأنه كان مختومًا بختم سليمان عليه السلام، فقال لها قومها وكبار دولتها: وماذا فيه؟ فقالت: ﴿ إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ ﴾ [النمل: 30، 31]، هذه هي رسالته باختصار وبلا إسهاب وبشكل مباشر وعاجل: أن يأتوه مسلمين، خطاب يتجاوز أمرَ عبادتهم للشمس ولا يناقشهم في فساد عقيدتهم، ولا يحاول إقناعهم بشيء، خطاب قصير مهذب وعالٍ في نفس الوقت، فما كان منها إلا أن قالت: ﴿ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنْتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ ﴾ [النمل: 32]، وهذا درس آخر يجب ألَّا يغيبَ عنا، درس نقطفه ونستلهمه من هذا الموقف الرصين وهو: الشورى وأهميتها، فمن خُلُقِ بلقيس أنها كانت امرأةً عاقلة تحرص على ألَّا تتخذ قرارًا إلا وهي مستشيرة، فهي امرأة تستشير وتستعمل عقلها وعقل غيرها؛ فبالشورى تُحقن الدماء وتُصان الأعراض وتُحفظ الحقوق؛ وهو القائل سبحانه: ﴿ وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ﴾ [الشورى: 38]، وهو القائل لرسوله صلى الله عليه وسلم: ﴿ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ﴾ [آل عمران: 159]، وسيرته عليه الصلاة والسلام مليئة بالشورى وخاصةً فيما يتعلق باستشارته في خوض المعارك كبدر وأحد والأحزاب وغيرها، ولو أنه عليه الصلاة والسلام خاض معاركه دون أن يستشيرَ أصحابه ما كان عليه لوم؛ لأنه عليه الصلاة والسلام معصومٌ من الخطأ، ولكنه مع عصمته من الخطأ كان يؤمن بالشورى؛ ليعلمنا هذا المبدأ الإسلامي الرائع، ونحن بدورنا نعلمه لغيرنا من أولادنا وأهلينا؛ ولذلكم قالت بلقيس: ﴿ مَا كُنْتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ ﴾ [النمل: 32]، واسمعوا إلى ردِّهم حين أثارت رسالة سليمان عليه السلام غرورَهم، وأدركوا أن هناك من يتحداهم ويُلوِّح لهم بالحرب والهزيمة، ويطالبهم بقبول شروطه قبل وقوع الحرب والهزيمة؛ فقالوا: ﴿ نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ ﴾ [النمل: 33]؛ ﴿ أُولُو قُوَّةٍ ﴾: أي: قوة في الأجساد والآلات وعددنا كثير، ﴿ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ ﴾: أي: عندنا سلاح ونحن مستعدون للدفاع، يقولون: من أكثر منا قوةً ومن أكثر منا منعة؟

 

لكنها كانت تطلب منهم رأيًا سديدًا صائبًا، رأيًا يحقن الدماء، بينما هم يشجعونها على المواجهة، ففكرت في كتاب سليمان عليه السلام، ونظرت الملكة حولها فرأت تقدم شعبها وثراءه والأمن والسلام الذي يعيشه، فخشيت على هذا الحال من التبدل والتحول من الطمأنينة والعيش الرغيد بسبب المواجهة؛ فقالت كما في كتاب الله الكريم: ﴿ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً ﴾ [النمل: 34]، فرجحت الحكمة في نفسها على التهور، وتنازلت لسليمان عليه السلام؛ حرصًا على شعبها وسلامةً لأراضيها.

 

وما أجمل هذا الدرس في تغليب المصلحة العامة على المصلحة الشخصية، وفي الحزم باتخاذ القرار المناسب ولو كان مُرًّا، وفي الحكمة والتعقل وتحليل الأمور بمنطقية وواقعية!

 

ولذلكم فكرت وقدرت حتى وصلت إلى قرار بأن ترسلَ لسليمانَ بهدية تستنزل مودته بسببها، وتحمل هذه الهدية لدُهاةٍ من رجالها؛ حتى ينظروا مدى قوة سليمان عليه السلام، ثم بعد ذلك تقرر ما ستفعله في أمر سليمان عليه السلام على ضوء ما يأتيها من أخبار عنه وعن قوته؛ قال جل في علاه: ﴿ وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ ﴾ [النمل: 35]، فإن للهدية أثر عجيب وعميق في نفوس من نهاديهم؛ فبها يزول ما بين النفوس من جفاء ووحشة، وبها ترِقُّ القلوب وتصفو النفوس، وتزداد المودة والألفة، ويعمق الحب، وتوثق الروابط، فهي مفتاح من مفاتيح القلوب؛ فلا تغفلوا هذه المفاتيح لمواجهة القلوب المغلقة، وربَّ هدية صغيرة نقدمها لمن نحب أو لمن لا نتوافق بالآراء معهم أحيانًا، تحقق لنا كثيرًا من الأمور والنتائج مما لا نستطيع أن نحققه في أشياء أخرى وحيا من قال:

هدايا الناس بعضهم لبعض
تولد في قلوبهم الوصالا
وتزرع في الضمير هوًى وودًّا
وتلبسهم إذا حضروا جمالا

 

ولذلكم: ﴿ وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ ﴾ [النمل: 35]، فجاؤوا إلى سليمان عليه السلام بالهدايا فنظر نبي الله إلى الهدايا فقال: ﴿ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ ﴾ [النمل: 36]؛ أي: تعطونني أموالًا من أجل السكوت عن الكفر، ﴿ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آتَاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ * ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ ﴾ [النمل: 36، 37]؛ أي: لآتينهم بجيش طويل عظيم عرمرم، وفي هذا الموقف درس مهم وهو: أن على صاحب الحق أن يمضيَ في طريقه، ولا ترده عن وجهته إغراءاتُ الدنيا مهما عظمت؛ لأن أصحاب الباطل إذا رأوا دعوته ذات أثر، خافوا على شهواتهم أن تُطمرَ أمام سيله الهادر، فقاموا بأساليب عدة لكبح جماح دعوته.

 

بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.

أقول ما سمعتم واستغفروا الله لي ولكم من كل ذنب، فيا فوز المستغفرين ويا نجاة التائبين ...

 

الخطبة الثانية

أما بعد:

أحبتي الكرام، رجع وفد الملكة بلقيس أدراجه، وأخبر ملكته بما رأى من إيمان سليمان عليه السلام، وما شاهدوه من عظمة ملكه وكثرة جنوده وقوة بأسه؛ فأدركت بلقيس حينها أنها أمام نبي مرسل وأنها لا طاقة لها بمخالفة أمره، فتجهزت للسير إليه مع أشراف قومها، وتلا ذلك إتيان نبي الله سليمان عليه السلام بعرش بلقيس قبل قدومها، وما زالت بلقيس تنظر إلى عظم ملك سليمان فتزداد قناعةً بالحق والدخول في الإسلام، حتى كان آخر مظاهر ذلك أنَّ صحنَ القصر كان أملسَ من زجاج صافٍ، والماء تحته يجري فلما طُلب منها دخولُ القصر، ظنَّت ذلك ماءً يجري تحت قدميها، فكشفت عن ساقيها؛ حتى لا يصيب الماء ثيابها حينما تخوضه، فأُخبرت أن ذلك ليس ماء وإنما هو زجاج، فأدركت حينئذٍ كمال ما أعطى الله نبيه سليمان عليه السلام، ورأت الحقيقة الساطعة التي كانت محجوبة عنها، فاعترفت بظلمها لنفسها في بقائها في الشرك؛ فأعلنت الإسلام لله رب العالمين وقالت: ﴿ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [النمل: 44]، ومن هذا الموقف نستقي درسًا أخيرًا وهو: أن هذه المرأة الصالحة لو تُركت من البداية لذكائها وعقلها الفاضل، لاهتدت إلى الحق، ولكن صدَّها عن ذلك البيئة الفاسدة التي عاشتها بين قومها المشركين، فكانت مثلهم؛ كما قال ذلك عنها سبحانه وتعالى: ﴿ وَصَدَّهَا مَا كَانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِنْ قَوْمٍ كَافِرِينَ ﴾ [النمل: 43]، وهكذا يتبين لنا أثر البيئة الفاسدة على إفساد معتقدات الإنسان وعقله وعمله، وعلى الإنسان إذا تبين له الحق أن يترك المكابرة والعناد، وأن يستجيب للحق ويستسلم له؛ فإن ذلك خير له وعلامة من علامات الخير فيه.

 

وما نريد أن نختم به تلك الدروس هو أن ما سبق أن ما قدمه الهدهد من معلومات تمثل حقائق يقينية في تقريره، وما أوصى به من توصيات لقائده، وما قام وساهم به من عمل وجهد في ضوء توظيف سليمان عليه السلام لطاقاته - قد ترتب عليه صياغة خطة دقيقة ومحكمة لإدارةِ عمليةِ تغييرٍ مخططة ومتعمدة، انتهت إلى النجاح الكامل في تحويل هؤلاء القوم بقيادة ملكتهم من عبادة الشمس إلى عبادة الله الواحد القهار، وأسلموا مع سليمان لله رب العالمين.

 

أيها الأحباب الكرام، كنتُ وإياكم خلال ثلاث جُمَعٍ متتالية مع نبي الله سليمان عليه السلام وقصصه مع النملة والهدهد وبلقيس ملكة سبأ، جنينا من هذه القصص الشائقة الكثير والكثير من الدروس والعظات، والعبر والإلماحات، والفوائد والدلالات المهمة التي نحتاجها في حياتنا العامة والخاصة، سائلًا المولى عز وجل أن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأن يدخلنا برحمته في عباده الصالحين، ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56].





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • قصة سليمان والهدهد
  • قصة هود عليه السلام
  • قصة نبي الله هود عليه السلام
  • قصة نبي الله صالح عليه السلام
  • آيتان في حق نبينا سليمان: تدبر وتأمل
  • أحكام وفوائد من قصة طواف سليمان عليه السلام على نسائه (خطبة)
  • إدارة نبي الله سليمان لمملكته في القرآن

مختارات من الشبكة

  • في عيادة الطبيب ( قصه قصيرة )(مقالة - حضارة الكلمة)
  • قصه حدثت للدكتور عبدالرحمن العشماوي(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة: موسى عليه السلام وحياته لله عز وجل(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة: العدل ضمان والخير أمان(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الورد والآس من مناقب ابن عباس (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أنين مسجد (4) وجوب صلاة الجماعة وأهميتها (خطبة)(مقالة - موقع د. صغير بن محمد الصغير)
  • عاشوراء بين ظهور الحق وزوال الباطل (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • على ضفاف عاشوراء {ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه} (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة: يكفي إهمالا يا أبي(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة: فتنة التكاثر(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • بعد انتظار طويل.. وضع حجر الأساس لأول مسجد في قرية لوغ
  • فعاليات متنوعة بولاية ويسكونسن ضمن شهر التراث الإسلامي
  • بعد 14 عاما من البناء.. افتتاح مسجد منطقة تشيرنومورسكوي
  • مبادرة أكاديمية وإسلامية لدعم الاستخدام الأخلاقي للذكاء الاصطناعي في التعليم بنيجيريا
  • جلسات تثقيفية وتوعوية للفتيات المسلمات بعاصمة غانا
  • بعد خمس سنوات من الترميم.. مسجد كوتيزي يعود للحياة بعد 80 عاما من التوقف
  • أزناكايفو تستضيف المسابقة السنوية لحفظ وتلاوة القرآن الكريم في تتارستان
  • بمشاركة مئات الأسر... فعالية خيرية لدعم تجديد وتوسعة مسجد في بلاكبيرن

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 20/1/1447هـ - الساعة: 9:57
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب