قصيدة همزية بمناسبة ختم صحيح الإمام البخاري بالروضة النبوية على العلامة السخاوي

قصيدة همزية

بمناسبة ختم صحيح الإمام البخاري بالروضة النبوية

على العلامة السخاوي

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:

فأثناء مطالعتي للضوء اللامع للعلامة شمس الدين السخاوي تـ902 هـ - رحمه الله - وجدته ذكر أثناء ترجمته للخنجي الشيرازي الشهير بخواجه ملا أن له قصيدة بديعة أنشدها في الروضة الشريفة بعد ختمه لصحيح الإمام البخاري عليه، وذكر بيتاً من مطلعها فقط، ونص كلام العلامة السخاوي في (ضوئه):

وَقَرَأَ علي (البُخَارِيّ) بالروضة، وَسمع دروسًا فِي الْاصْطلَاح، واغتبط بذلك كُله، وَكَانَ يُبَالغ فِي الْمَدْح بِحَيْثُ عمل قصيدة بديعة يَوْم خَتمه أُنشدت بحضرتنا فِي الرَّوْضَة أَولهَا:

روى النسيمُ حَدِيثاً للأحباءِ

فصح مِمَّا روى أسقام أحشائي

وَهِي عِنْدِي بِخَطِّهِ الْحسن، مَعَ مَا قيل نظما من غَيره...إلخ

قلت: وقد شوقنا العلامة السخاوي لهذه القصيدة البديعة المباركة التي أنشئت عقيب ختم أصح الكتب بأشرف الأماكن وأطهرها وأنشدت بروضة من رياض الجنة، فلم أزل أتطلبها وأتتبعها حتى يسر الله الكريم بفضله الوقوف على مخطوط لها، فقمت بضبطها ونشرها ليعم لمطالع (الضوء) النفع، ويحسن لقراءتها الوقع، خاصة وأن الناظم - رحمه الله - قد ورَّى فيها بألقاب علوم الحديث ومصطلحاتها على نمط قصيدة (غرامي صحيح) للإمام ابن فرح الإشبيلي الشهيرة.

♦ ♦ ♦ ♦

قال الناظم -رحمه الله- في كتاب له:

ثم دفعني الشوق إلى زيارة المدينة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام، فمكثت فيها سبعة أشهر، وقرأتُ بعون الله المنعم صحيحي البخاري ومسلم في الروضة الشريفة على أكابر مشايخ الحجاز ومصر وأستاذة المحدثين - طوبى بتلك الجنان؛ الروضة المطهرة وروائع ثمار فيوضه، ووجدت السكينة، في نخيل المدينة، وكانت الأبيات التي قلتها عند ختم صحيح البخاري تنطبق على حالي:

1- روى النسيمُ أحاديثَ الأحبّاء فصحّ ممّا روى أسقام أحشائي 2- شفا شذاه ضعيفاً طال علّته مستنشقاً ندّهم من خيف صفراء 3- وجدي بهم صار مشهوراً، وما رفعت أحباء مالي إلى سكّان جرعاء 4- أجرى مسلسلَ دمعٍ، وهْو حدّثنا غريب حال الفؤاد المغرم النّائي 5- فالشوق متّصلٌ، والصبرُ منقطعٌ ومرسلُ الدّمعِ يحكي مُعضلَ الدّاءِ 6- يا سامري بحديث سالباً لكرى باللهِ أنعمْ بأخبار الأحبّاءِ 7- واذكر معاهدنا في الرّقمتين[1] وفي وادي عقيق[2] وسَلع[3] ثمّ زوراء[4] 8- وارو الأحاديث عن رَبع الحبيب، فذا أصفى لأهل الصّفا مِن صفو صدّاء 9- رَبعُ الحبيب الذّي لولاه ما فتقت سطوح غبراء عن أطباق خضراء

♦ ♦ ♦ ♦

ترجمة الناظم كاملة من الضوء اللامع لمزيد الفائدة.

قال العلامة السخاوي -رحمه الله-[5]:

فضل الله بن روزبهان بن فضل الله الْأمين أَبُو الْخَيْر ابْن القَاضِي بأصبهان أَمِين الدّين الخنجي الأَصْل الشِّيرَازِيّ الشَّافِعِي الصُّوفِي، وَيعرف بخواجه ملا. لَازم جمَاعَة كعميد الدّين الشِّيرَازِيّ، وتسلك بالجمال الأردستاني، وتجرد مَعَه، وَتقدم فِي فنون من عَرَبِيَّة وَمَعَان وأصلين وَغَيرهَا مَعَ حسن سلوك وَتوجه وتقشف ولطف عشرَة وانطراح وذوق وتقنع، قدم الْقَاهِرَة فَتُوُفِّيَتْ أمه بهَا، وزار بَيت الْمُقَدّس والخليل، وَمَات شَيْخه الْجمال بِبَيْت الْمُقَدّس فَشهد دَفنه، وسافر إِلَى الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة فجاور بهَا أشهرا من سنة سبع وَثَمَانِينَ، ولقيني بهَا فسُر بعد أَن تكدر حِين لم يجدني بِالْقَاهِرَةِ مَعَ أَنه حسن لَهُ الِاجْتِمَاع بالخضيري[6] فَمَا انْشَرَحَ بِهِ. وَقَرَأَ علي (البُخَارِيّ) بالروضة، وَسمع دروساً فِي الْاصْطلَاح، واغتبط بذلك كُله، وَكَانَ يُبَالغ فِي الْمَدْح بِحَيْثُ عمل قصيدة بديعة يَوْم خَتمه أُنشدت بحضرتنا فِي الرَّوْضَة أَولهَا:

روى النسيمُ حَدِيثا للأحباءِ

فصح مِمَّا روى أسقام أحشائي

وَهِي عِنْدِي بِخَطِّهِ الْحسن، مَعَ مَا قيل نظما من غَيره.

وَكَذَا عمل أُخْرَى فِي ختم مُسلم، وَقد قَرَأَهُ على أبي عبد الله مُحَمَّد بن أبي الْفرج المراغي حِينَئِذٍ أَولهَا:

صححت عَنْكُم حَدِيثا فِي الْهوى حسنا

أَن لَيْسَ يعشق من لَا يهجر الوسنا

وَهِي بِخَطِّهِ أَيْضا فِي تَرْجَمته من (التَّارِيخ الْكَبِير)،

وكتبت لَهُ (إجَازَة حافلة) افتتحتها بِقَوْلِي:

أَحْمد الله ففضل الله لَا يجْحَد، وأشكره فَحق لَهُ أَن يشْكر ويحمد، وأصلي على عَبده الْمُصْطَفى سيدنَا مُحَمَّد، ووصفته بِمَا أثْبته أَيْضا فِي (التَّارِيخ الْمَذْكُور).

وَقَالَ لي: أَنه جمع مَنَاقِب شَيْخه الأردستاني وَأَن مولده فِيمَا بَين الْخمسين إِلَى السِّتين،

ثمَّ لَقِيَنِي بِمَكَّة فِي موسمها فحج وَرجع إِلَى بِلَاده، مبلغا إِن شَاءَ الله سَائِر مقاصده وَمرَاده،

وَبَلغنِي فِي سنة سبع وَتِسْعين أَنه كَانَ كَاتبا فِي ديوَان السُّلْطَان يَعْقُوب لبلاغته، وَحسن إِشَارَته.