• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    أصول الاستدلال في تفسير الأحلام (PDF)
    سعيد بن علي بن محمد بواح الصديق
  •  
    خطبة: عيد الأضحى 1446 هـ
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    حقوق الزوجة على زوجها (1)
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    شموع (110)
    أ.د. عبدالحكيم الأنيس
  •  
    إيذاء موسى عليه السلام: قراءة تفسيرية وتحليلية
    د. هيثم بن عبدالمنعم بن الغريب صقر
  •  
    حين يجمع الله ما تفرق بالدعاء
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    وقفات ودروس من سورة آل عمران (2)
    ميسون عبدالرحمن النحلاوي
  •  
    من مائدة الفقه: فروض الوضوء
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    حديث: أدركت بضعة عشر رجلا من أصحاب رسول الله صلى ...
    الشيخ عبدالقادر شيبة الحمد
  •  
    أهمية وثمرات الإيمان باليوم الآخر
    سالم محمد أحمد
  •  
    الفرق بين قوله تعالى في أبواب الجنة: {وفتحت}، ...
    غازي أحمد محمد
  •  
    خطبة: شكوى الآباء من استراحات الشباب
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    خطبة: الحج قصة وذكرى وعبرة
    مطيع الظفاري
  •  
    خطبة: الرشد أعظم مطلب
    يحيى سليمان العقيلي
  •  
    السنة في حياة الأمة (1)
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    خطبة: عاشوراء
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / روافد
علامة باركود

لم تكن لنا حياة قبل أن نولد

لم تكن لنا حياة قبل أن نولد
د. إبراهيم إبراهيم هلال

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 17/12/2014 ميلادي - 25/2/1436 هجري

الزيارات: 41370

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

لم تكن لنا حياة قبل أن نولد


حاول الدكتور مصطفى محمود في مقالٍ أن يؤكد فكرته في إثبات وجود للإنسان قبل ولادته؛ أي وجود لنفس الإنسان قبل أن تحُلَّ في بدنه، على أساس من نظرية المثل التي قال بها أفلاطون، وهي أن هذا الوجود الذي نراه وهو فينا ليس إلا ظلاًّ لوجود سابق، وصورة أقل في الكمال من ذلك الوجود الحقيقي أو المثالي الذي احتفظ اللهُ به في الملأ الأعلى، وجعل هذا الوجود تمثيلاً له أو رمزًا، ويستخدم الدكتور مصطفى لتأكيد ذلك مظاهرَ الطفولة الأولى، مستدلاًّ بها على وجود النفس قبل أن تحُلَّ في البدن فيقول: "فنحن نرى الأطفال الرضَّع يتفاضلون بخيرهم وشرهم منذ ميلادهم؛ فمنهم من يعَضُّ الثدي في شَرَهٍ عدواني، ومنهم من يربّت عليه في حنان، يفعل كلٌّ منهم ذلك ابتداءً، وليس كردِّ فعل على البيئة؛ فالبيئة واحدة في الحالتين، وهي الأم..."، مع أن هذه الصفاتِ - حسَب علم الوراثة العميق والدقيق والمعقد، وحسَب علم النفس - ليست إلا صفاتٍ من الآباء والأمَّهات المباشرين، أو الأُوَل والمبعِدين في العراقة والقِدم، ويختلف فيها الإنسان من طفل إلى آخر: الأخ عن أخيه حسَب نفسية أمِّه وتطورها وظروفها في مدة حمله وإرضاعه.

 

ثم يبني على هذا الأساس المتوهَّم أن قولَ عيسى عليه السلام الذي جاء في القرآن الكريم: ﴿ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا * وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ ﴾ [مريم: 30، 31] - بصيغة الماضي في كلِّ هذه الأفعال: ﴿ آتَانِيَ الْكِتَابَ ﴾، ﴿ جَعَلَنِي نَبِيًّا ﴾، ﴿ جَعَلَنِي مُبَارَكًا ﴾، ﴿ أَوْصَانِي ﴾ - دليلُ ذلك الوجود الأول قبل الولادة، وأن الله قد جعل له كلَّ ذلك قبل مولده: خاطبه فأوصاه وآتاه… إلخ، ولم يلاحظ أن تعبير القرآن الكريم بالماضي في مثل هذه المواقف التي لم توجد بعد، إنما هو حسَب القاعدة البلاغية التي تختار الماضي في التعبير عن المستقبل تأكيدًا لوجوده مستقبَلاً ووقوعِه؛ كما قال تعالى: ﴿ أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ... ﴾ [النحل: 1]، فلأنه سيقع لا محالة وسيأتي أخبر الله عنه بالماضي؛ ولذلك قال بعدها: ﴿ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ ﴾، وهذا أصلٌ بلاغي معروف، ففي الوقت الذي يتكلم فيه عيسى عليه السلام في المهد لم يكُنْ قد أوتيَ بعدُ شيئًا، بدليل الآية الأخرى: ﴿ وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ... ﴾ [آل عمران: 48].

 

ونظرة الدكتور إلى حياتنا على أنها حياة خسيسة، وأنها في مجملها (أسفل سافلين)، وأن صفات الحيوانية التي تصاحب الإنسان من بول، وتغوط، وهلاك وتلف، تطبع هذه الحياةَ بصفة الخِسَّة، وأنها ليست أكثرَ من ظل، أو (بروفة) للحياة المِثالية السابقة أو اللاحقة في الآخرة - نظرتُه هذه بعُدت به عن الحق والحقيقة؛ فقد نسِي الدكتور صُنعَ الله الذي أتقن كل شيء، والذي يعرفه هو في (عجائب الحيوان)، وتركيب الإنسان، كما نسي قوله تعالى: ﴿ وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ ﴾ [الذاريات: 21]، وقوله: ﴿ يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ * الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ * فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ ﴾ [الانفطار: 6 - 8]، وغابَتْ عن ذِهنه تلك الموازنةُ التي وازَن الله فيها بين الإنسان والحيوان في قوله: ﴿ أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [الملك: 22]؛ فهي حياة كاملة في الواقع؛ لأن اللهَ أرادها كذلك، وصنَعها كذلك، وكرَّم الإنسان بها فقال: ﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً ﴾ [الإسراء: 70]، والحياة الدنيا أو حياة الأرض بطبيعتها لها خَلقها، ولهؤلاء الخَلق تكوينهم وظروفهم التي تتناسب مع الأرض، وطعامِها، وأجوائها؛ ولهذا أُخرج آدمُ من الجنة، أو نزل إلى الأرض، بعد أن سجدت الملائكةُ له، ومع ذلك فليس الإخراج من الجنَّة إلى الأرض انتكاسةً لآدم وذريته، أو هبوطًا بهم عن مستوى التكريم، بدليل الآيات المتقدِّمة في ذلك.

 

وآياتُ القرآن الكريم الأخرى التي تتلطف مع الإنسان، وتخاطبه، وترشده وتهديه، وتبصِّره وتوضِّح له طريقَ الخير وطريق النفع - دليلٌ على كرامة الإنسان على الله، وقيمتِه عنده، وأن حياتَه هذه ليست (بروفة) للحياة الآخرة كما يقول الدكتور مصطفى محمود؛ فحياةُ الآخرة تختلف بالنسبة للإنسان من جانبها المادِّيِّ والنفسيِّ كل الاختلاف عن حياتِه في الدنيا، وما ذلك إلا لأنها حياةٌ توافقت مع الحياة الآخرةِ، أو مع حياة الجنَّة والنار.

 

كما أن هذه الحياة أيضًا ليست بظلٍّ لحياة مثالية سابقة للإنسان ولصورةٍ كاملة لها عند الله أو في الملأ الأعلى؛ لأن الله سبحانه وتعالى يحدِّثنا بأنه خلقنا فقال: ﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ... ﴾ [الأعراف: 11]، وهكذا في العديد من الآيات الكريمةِ والأحاديثِ الشَّريفة التي تبيِّنُ أننا - بوجودِنا هذا - مخلوقون لله، وأنه أوَّلُ خَلْق، أو بدءُ خَلْق.

 

وقد تحدثت هذه الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة مستعملةً كلمة (الخَلق) على أنه بدءُ وجودٍ، كما هو الاستعمال والمعنى في اللغة العربية؛ فقد جاء في القاموس: (الخَلْق): التقدير، والخالق في صفاته تعالى: المبدِع للشيء المخترِع له على غيرِ مثالٍ سبق؛ فالخَلْق هو الإيجاد من عدمٍ؛ كما قال تعالى: ﴿ أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا ﴾ [مريم: 67]، وقوله تعالى لزكريا عليه السلام: ﴿ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا ﴾ [مريم: 9].

 

والله - سبحانه وتعالى - قد فرَّق في هذا بين البدءِ الأول للإنسان، وهو الإيجادُ من عدم، والذي نسمِّيه خَلقًا، وبين البعث يوم القيامة الذي ليس إيجادًا من عدم، وإنما هو (بَعْث)، كما توحي بذلك تلك اللَّفظة؛ أي: إنه بعثُ شيءٍ موجود؛ أي: إعادتُه، أما الخَلْقُ فهو إيجادٌ مِن عدم، ولأول مرة، فقال تعالى عن البعث: ﴿ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ ﴾ [الأنبياء: 104].

 

وقال عن الخَلْق: ﴿ الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ * ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ ﴾ [السجدة: 7 - 9]، والتسوية هنا هي الخَلْق؛ فقد جاء في القاموس: (وخلَق العود: سوَّاه)، وقد قال الله في البَعْث، وهو الإعادة، أو النشأة الأخرى: ﴿ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ ﴾ [التغابن: 7]، فلأن البَعْث إعادةُ خَلْق، قال لنا: ﴿ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ ﴾، فقد سبَق وجودٌ لنا هنا قبل البَعْث وعملٌ!

 

أما قبل الخَلْق فلأنه لم يسبِقْ لنا وجود قال لنا: ﴿ وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ ﴾ [النحل: 78]، التي هي آلاتُ العِلم، وآلات الإحساس بالوجود بعد الولادة، والتي تُعطي الفائدةَ من الوجود، فلو أننا كنا موجودين قَبْلاً، لكنا قد علِمنا وكان لنا سمع وبصر، ولم يقل لنا الله: ﴿ وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا ﴾ [النحل: 78]، وما كان نفَى عنا العِلم.

 

فإطلاق كلمة الخَلْق في القرآن الكريم، يعني الإيجادَ من عدم؛ ولهذا سماه الله سبحانه (الخَلْق الأول)، وسمى البَعْث خَلْقًا جديدًا في قوله: ﴿ أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ ﴾ [ق: 15]، وأضاف كلمة البَدْء إلى الخَلْق، فقال: ﴿ الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ ﴾ [السجدة: 7]، وقال: ﴿ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ ﴾ [الأنبياء: 104].

 

فلو أن خَلْقَنا ليس هو الخَلْق الأول، أو أنه ليس إيجادًا من عدم، لعبَّر في جانبه بالتعبير الذي اختاره في الحديث عن البعث، أو استعمَل فيه الكلمات التي أطلقها على البعث، وعلى النشأة الآخرة، وعلى الخَلْق الجديد.

 

ونجد هذا واضحًا في الرد على منكِر البعث، الذي قال: مَن يُحيي العظامَ وهي رميم؟ فقال تعالى: ﴿ قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ ﴾ [يس: 79].

 

فهذا حديث عن عِظام الخَلْق في هذه الدنيا، وقد وجدت فقط في هذه الدنيا، فسمَّى الله هذا الإيجاد إنشاءً لأول مرة.

 

كما تتضح لنا هذه الموازنة أيضًا بين البعث والخَلْق في هذا التعبير القرآني المجيد: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ﴾ [الحج: 5]؛ أي: إن كنتم في ريبٍ من الإعادة بعد الوفاة فإنا خَلَقْناكم.. إلخ.

 

والله سبحانه وتعالى يعقِدُ هذه الموازنة؛ لأن الإعادةَ في منطق الناس أهونُ من البدء؛ كما قال في آية أخرى: ﴿ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ ﴾ [الروم: 27]؛ أي: إنه سبحانه إذا كان قد أوجد الناسَ ذلك الإيجادَ الذي أمامكم مِن لا شيء، فالإعادة يوم القيامة أهونُ، وإن كان اللهُ لا يُعجِزُه شيء، كما أن الله قد أكد هذا الخَلْق بآيةٍ أخرى، جمعت بين خَلْق الجسم أو ابتدائِه من عدم وخَلْق الرُّوح؛ وذلك في قوله تعالى: ﴿ الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ * ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ ﴾ [السجدة: 7 - 9].

 

وهذا هو ما بيَّنه الرسولُ صلى الله عليه وسلم في خطابِه لنا، وحديثه عن وجودِنا هذا وأنه بدءٌ لم يُسبَقْ بوجودٍ قبلُ، فقال: ((إن أحدَكم يُجمَع خَلْقُه في بطن أمِّه أربعين يومًا نطفةً، ثم يكون علقةً مِثل ذلك، ثم يكون مضغةً مِثل ذلك، ثم يبعَث اللهُ الملَكَ، فيُؤمَر بأربع كلمات، فيقال: اكتُبْ رزقَه، وأجَلَه، وعمَله، وشقيٌّ أو سعيدٌ، ثم ينفخ فيه الرُّوح)).

 

والاستدلال بآية الميثاق بعد ذلك على أنه كان لنا وجودٌ سبَق خاطبنا الله فيه حينما كنا ذرَّاتٍ، أو في عالم الذرِّ، وعلى هذا فيعتبر لنا وجودٌ سابق - لا تسمح به الآياتُ المتقدِّمة، ولا الحديث الشريف، وأن فهمَ الآية يجب أن تراعى فيه هذه الأصولُ والحقائقُ الدِّينية والعقدية التي يحتويها القرآنُ الكريم والحديثُ الشريف على ما تقدم، وكذلك الأصول البلاغية والذَّوق البلاغي العام في اللغة العربية؛ فالذي نفهَمُه من الآية: ﴿ وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ * أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ ﴾ [الأعراف: 172، 173]، الذي نفهمه أنهم لم يكُنْ لهم وجودٌ حين خُوطِبوا بذلك، أو اتجهت إليهم إرادة الله بذلك، وإنما المراد منها أن اللهَ فطَر الناس جميعًا على توحيده؛ فهم يوحِّدون الله بفطرتِهم بعد ولادتهم؛ لِما قام فيهم من توحيدِ الفطرة التي خلَقهم الله عليها، ولِما قام لهم من الشواهدِ والدلائل على وحدانيَّته؛ كما قال: ﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ﴾ [الروم: 30]؛ فهي تشير إلى توحيدِ الفطرة، لا إلى ما قاله البعض من أنها دليلٌ على وجود النفوس قبل الأبدان، وأنها كانت حيَّةً عالِمة ناطقة، ولذلك خاطَبها اللهُ وأجابت خطابَه.

 

كما أنها تبكيتٌ للكفار حين تكلَّفوا الكفر، وخرَجوا به على طبيعتهم، وغيَّروا فطرة الله التي فطَر الناسَ عليها، وهو ما يُشير إليه قولُه صلى الله عليه وسلم ويُبيِّنه: ((كلُّ مولودٍ يولد على الفطرة؛ فأبواه يُهوِّدانِه، أو يُنصِّرانِه، أو يُمجِّسانه))، فهي إلزامٌ للكافر بكفره، وأنْ لا معذرةَ له، ولا حجَّة في اتباعِه أبويه والاحتجاجِ بكفرهم، وأنه ذريةٌ من بعدهم؛ فتفسيرُ الآية وفهمُها يجب أن يقومَ على حقائق الدِّين وأصولِه، وعلى الأصول البلاغية، والذَّوق العربيِّ في التعبير، وبالنظر إلى أجزائها مجتمعة، لا أن نخضعَها لنظرية المثل الأفلاطونية، التي هي تكهُّنٌ صِرف، لا يستند إلى دِين.

 

ونحن في هذا المجال الغيبي مأمورون بالتزام ما جاء من عند الله، وفهمِه باللسان العربي، وذوقه، وعلى أساسٍ من الأصول والحقائق الدِّينية.

 

فالقول بوجودٍ سابق لنا قبل الولادة، أو بوجود النفوس قبل الأبدان، هو قولُ أفلاطون وأصحاب التناسخ، وهو يُفضي إلى ذلك أيضًا بمَن يقوله، وإلى القول بقِدَم النفوس، بل إن أفلاطون نفسَه قد صرَّح بأزليَّتِها.

 

المصدر: مجلة التوحيد، عدد محرم 1400 هـ، صفحة 30





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • من المولد إلى المبعث

مختارات من الشبكة

  • إن لم تكن قادرا فلا تكن عاجزا(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • كن إيجابيا في الحياة تكن فاعلا في العطاء (2)(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • كن إيجابيا في الحياة تكن فاعلا في العطاء (1)(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • لتكن حياتنا.. كإكليل ورد..(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • يا ابن آدم، لا تكن أقل فقها من السماوات والأرض والجبال!(مقالة - آفاق الشريعة)
  • لا تكن شديد المراس (بطاقة دعوية)(مقالة - مكتبة الألوكة)
  • الوصية بـ (أحب للناس ما تحب لنفسك)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الوصية بـ (أحسن إلى جارك تكن مؤمنا)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الوصية بـ (ارض بما قسم الله لك تكن أغنى الناس)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • وصية الرسول صلى الله عليه وسلم بـ (اتق المحارم تكن أعبد الناس)(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الزيادة المستمرة لأعداد المصلين تعجل تأسيس مسجد جديد في سانتا كروز دي تنريفه
  • ختام الدورة التاسعة لمسابقة "جيل القرآن" وتكريم 50 فائزا في سلوفينيا
  • ندوة في سارنيتسا تبحث تطوير تدريس الدين الإسلامي وحفظ التراث الثقافي
  • مشروع للطاقة الشمسية وتكييف الهواء يحولان مسجد في تيراسا إلى نموذج حديث
  • أكثر من 5000 متطوع مسلم يحيون مشروع "النظافة من الإيمان" في زينيتسا
  • في حفل مميز.. تكريم المتفوقين من طلاب المسلمين بمقاطعة جيرونا الإسبانية
  • ندوة دولية في سراييفو تبحث تحديات وآفاق الدراسات الإسلامية المعاصرة
  • النسخة الثانية عشرة من يوم المسجد المفتوح في توومبا

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 9/1/1447هـ - الساعة: 9:25
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب