• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    المقاصد الربانية للعشر المباركة (خطبة)
    د. عبدالرزاق السيد
  •  
    وقفات مع عشر ذي الحجة (5)
    د. عبدالسلام حمود غالب
  •  
    خطبة عيد الأضحى لعام 1446هـ
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    وقفات مع عشر ذي الحجة (4)
    د. عبدالسلام حمود غالب
  •  
    العيد في زمن الغفلة... رسالة للمسلمين
    محمد أبو عطية
  •  
    الأضحية ... معنى التضحية في زمن الماديات
    محمد أبو عطية
  •  
    خطبة الجمعة ليوم عيد الأضحى
    عبدالوهاب محمد المعبأ
  •  
    صلاة العيد وبعض ما يتعلق بها من أحكام
    عبد رب الصالحين أبو ضيف العتموني
  •  
    وقفات مع عشر ذي الحجة (3)
    د. عبدالسلام حمود غالب
  •  
    خطبة: أهمية اللعب والترفيه للشباب
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    عيد الأضحى: فرحة الطاعة وبهجة القربى
    محمد أبو عطية
  •  
    كيف يعلمنا القرآن الكريم التعامل مع الضغط النفسي ...
    معز محمد حماد عيسى
  •  
    أحكام الأضحية (عشر مسائل في الأضاحي)
    د. شريف فوزي سلطان
  •  
    زيف الانشغال
    أ. د. عبدالله بن ضيف الله الرحيلي
  •  
    خطبة الجمعة في يوم الأضحى
    د. صغير بن محمد الصغير
  •  
    الأخذ بالأسباب المشروعة
    الشيخ محمد جميل زينو
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / التفسير وعلوم القرآن
علامة باركود

انقياد النفوس للقرآن

انقياد النفوس للقرآن
محمد محمود مصطفى

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 15/7/2013 ميلادي - 8/9/1434 هجري

الزيارات: 12615

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

انقياد النفوس للقرآن


قال تعالى: ﴿ لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الحشر: 21].

 

يا إخوة الإسلام:

لقدْ أنزَل الله - سبحانه وتعالى - كِتابه القُرآن الكَريم، وضمَّنه أسْرارَه، وشرَح فيه تَعاليم دِينه، وجَعَل أمثالَه عِبَرًا لمَن تدبَّرها، وأوامِرَه هُدًى لمَن استعْبَرها، وشرَح فيه واجباتِ الأحْكام، وفرَّق فيه بين الحَلال والحَرام، وكرَّر فيه المَواعِظ والقَصَص للأفْهام، وقصَّ فيه غَيبَ الأخْبار؛ قال تعالى: ﴿ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ﴾ [الأنعام: 38].

 

وجعَل للعُلماء مِن بعْد الرَّسول استِنباطَ ما فيه على ما بيَّنه وأشارَ إلى أصوله؛ ليتوصَّلوا بالاجتهادِ فيه إلى عِلْم المُراد؛ قال تعالى: ﴿ يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ﴾ [المجادلة: 11].

 

فصار الكتاب أصلاً، والسُّنَّة بيانًا، واستِنباط العُلَماء إيضاحًا وتِبيانًا، وتَحدَّى الجنَّ والإنسَ أن يأتوا بمِثلِه؛ فقال - سُبحانه وتعالى -: ﴿ قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا ﴾ [الإسراء: 88].

 

وأرشَدَنا الرَّسولُ - عامَّةً - إلى التمسُّك به والاستِفادة منه؛ قال - عليه الصلاة والسلام -: ((تَركتُ فيكم ما إنْ تمسَّكتُم به لن تَضلُّوا بعْدي أبدًا: كتابَ الله وسُنَّتي)).

 

وشاءَتْ حِكمةُ الله أن يُطلِع بعضَ نُفوسِ خَلْقه على إعجاز كِتابِه، فانشَرحتْ صُدورُهم له، واستقامَتْ جَوارِحُهم معه، وتَفتَّحتْ عُقولهم على هَديِه، فأدْركُوا قدْرَه، وكانتْ عِندهم الشَّجاعةُ؛ فأعْلَنوا الانضِمامَ إلى الإسلام والإيمان بِرسالة خَير الأنام.

 

ونَستطيع أن نَضعَ على رأس هؤلاء سيِّدَنا عُمَرَ بن الخطَّاب؛ فقد رُوي عَنه أنَّه خرَج مُتوشِّحًا سَيفه يُريد رسولَ الله ورهطًا مِن أصْحابه قد اجتَمعوا في بيتٍ عِند الصَّفا، وهُم قريبٌ مِن أربعين بين رجال ونِساء مع رسولِنا مُحمَّد مِنهم عمُّه حَمزةُ، وأبو بكْر وعليُّ بنُ أبي طالبٍ، فلَقِيه نُعَيمُ بن عبْدالله فقال: أين تُريد يا عُمر؟ فقال: أُريد مُحمَّدًا، هذا الصَّابئ الذي فرَّق أمْرَ قُريش، وسفَّه أحْلامَها، وعابَ دِينها، وسبَّ آلِهتَها فأقْتُله.

 

فقال نُعيم: واللهِ لقدْ غرَّتْك نَفسُك يا عُمر؛ أَتَرى بَني عبْد مَنافٍ تارِكيكَ تَمشي على الأرْض وقدْ قَتلتَ مُحمَّدًا؟ أفَلا تَرجِع إلى أهْل بَيتِك فتُقيم أمْرَهم؟ فقالَ: وأيُّ أهْل بَيتي؟ قال: لقَدِ الْتحقتْ أُختُك فاطِمةُ وزوجُها سَعيد بن زيد بِمُحمَّد، وأسلَما وتابَعَا مُحمَّدًا على دِينه، فعليكَ بِهما.

 

فرجَع عُمَرُ إلى أختِه وزوجِها، وعِندهما خبَّاب في مَخدَعٍ لَهم، ولمَّا شارَف الدَّار سَمِع صَوت تِلاوة فأيقَن بِصدقِ ما سمِع، فثارَ وانْدفع إلى الدَّار غاضِبًا، فلمَّا أحسُّوا به اختفى خباب وأخْفتْ أختُه الصحيفةَ تحت فخذِها، ولمَّا دخَل قال: ما هذه الهينمةُ التي سمعتُ؟ قالا: ما سمعتَ شيئًا! قال: بلى واللهِ لقد أُخبِرتُ أنَّكما تابعتُما مُحمدًا على دِينِه وبطَش بسعيدٍ فقامتْ إليه أختُه فاطمةُ؛ لِتمنعَه عن زوْجِها فضَربَها فشجَّها، فلما فعَل ذلك قالتْ له أختُه: نعم، قد أسْلمْنا وآمنَّا باللهِ ورسولِه، فاصْنع ما بدَا لكَ يا عمرُ، فلمَّا رأى عمرُ ما بأختِه من الدَّم ندِم على ما صنَع، وقال لها: أعطيني الصحيفةَ التي سمعتُكما تَقرآنِ آنفًا؛ أنظرُ ما هذا الذي جاء به محمدٌ وقرأ فيها قولَ الحقِّ: ﴿ طه * مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى * إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى * تَنْزِيلًا مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَى * الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى * لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى * وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى * اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى ﴾ [طه: 1 - 8].

 

ولمَّا قرأ هذه الآياتِ قال: ما أحسنَ هذا الكلامَ وأكرمَه! فلمَّا سمِع خبَّابٌ ذلك خرَج فقال: يا عمرُ، واللهِ إنِّي لأرجو أنْ يكونَ اللهُ قد خصَّكَ بدعوة نبيِّه فإنِّي سمعتُه أمْس يقولُ: اللَّهم أيَّد الإسلام بأيِّ العُمَرين: الحَكم بن هشام، أو بعُمر بن الخطَّاب، فاللهَ اللهَ يا عمرُ، فقال عمر: دُلَّني على محمدٍ فدلَّه، فوصَل إلى الدَّارِ التي بها الرسولُ، فضرَب البابَ، فنظر رجلٌ من أصْحابِ الرسولِ من خلال الباب فرأى عمر مُتوشِّحًا بالسَّيف، فرجَع إلى الرسول وهو فزِعٌ وأخْبر الرَّسولَ، فقال حمزةُ: نأذنُ له يا رسولَ اللهِ، فإنْ كان يُريدُ خيرًا بذَلْناه له، وإنْ كان يُريدُ شرًّا قَتلْناه بسيفِه، فقال الرَّسولُ: ((ائذنْ له)) ثُمَّ قام الرسولُ حتَّى لَقيهُ بالحُجرةِ فأخَذ بِمَجْمعِ رِدائِه ثم جبَذه جبذةً شديدةً، وقال: ما جاء بكَ يا ابن الخطَّاب؟ فواللهِ ما أَرى أنْ تنتهي حتَّى يُنزلَ اللهُ بكَ قارعةً))، فقال عمرُ: يا رسولَ اللهِ جئتُ لأشهدَ أنْ لا إله إلا اللهُ وأنَّكَ عبدُ اللهِ ورسولُه، فكبَّر أهلُ البيتِ تكبيرةً ارتجَّتْ لها أجواءُ مكَّةَ كلُّها، ونَهَج هذا النهج كثيرٌ من الفُصحاءِ والبُلَغاءِ الذين عَرَفَوا فصاحةَ القرآنِ وبلاغتَه، وعَرَفَوا أنَّه مُنزَّلُ من عندِ اللهِ، فأعْلنُوا إيمانَهم بشجاعةٍ ودخَلوا الإسلامَ؛ روى الإمامُ أحمدُ أنَّ صَعْصةَ بنَ معاويةَ عمَّ الفرزدقِ الشاعِرِ المعروفِ أتى النبيَّ وسمِع منه آيتيْن: ﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ﴾ [الزلزلة: 7 - 8]، فقال: "حَسْبي لا أُبالِي أنْ لا أسمع غيرَها"[1].

 

وكذلك لبيدٌ الشاعِرُ المعروفُ الذي عاش مع الشِّعرِ أربعين سنَةً، سمِع القرآنَ وشَهِد القرآنَ وشهِد بفصاحتِه وبلاغتِه، وأنَّه ليس من كلامِ البشرِ، فآمَن باللهِ وشهِد وصدَّق برسولِ اللهِ، وامْتنع عن قولِ الشِّعرِ، وكان كلَّما طُلِب منه أنْ يقولَ شِعْرًا قرأ سورةً مِن القرآنِ، ثُمَّ يقولُ: أَأقولُ شعرًا بعدَ ذلك؟! ولم يُروَ عنه أنَّه قال شِعرًا بعد إسلامه غير بيتٍ واحدٍ.

الحَمْدُ للهِ إِذْ لمَ ْيَأْتِنِي أَجَلِي
حَتَّى اكْتَسَيْتُ مِنَ الإِسْلاَمِ سِربَالاَ

 

وصِنفٌ آخرُ مِن النَّاسِ سمِعوا القرآنَ وأُعجِبوا بفصاحته وبِلاغَته، ولكنَّهم لم يَملِكوا الشجاعةَ ليُعبِّروا عن إسْلامِهم، ومِن هؤلاء عُتبةُ بنُ رَبيعةَ؛ فقد رُوي أنَّه كان جالسًا يومًا في نَادي قريشٍ، ورسولُنا محمدٌ - صلَّى الله عليه وسلَّم - جالسٌ في المسجدِ وحدَه، فقال: يا معشرَ قريشٍ، ألا أقومُ إلى محمدٍ فأُكلِّمه وأعْرِض عليه أمورًا لعلَّه يَقبَلُ بعضَها، فنُعطيه أيّها شاء، ويكُفّ عنَّا؟ فقالوا: بلى يا أبا الوليد، فقُمْ إليه فكلِّمه، فقام إليه حتَّى جلَس إلى رسولِ اللهِ فقال: يا ابنَ أخي، إنَّكَ منَّا حيثُ قد علِمتَ مِن السِّطَة في العشيرةِ والمكان في النَّسبِ، وإنَّكَ قد أتيتَ قومَكَ بأمرٍ عظيمٍ؛ فرَّقتَ به جماعتَهم، وسفَّهتَ أحلامَهم، وعِبتَ آلهتَهم ودِينَهم، وكفَّرتَ به مَن مَضى مِن آبائهم، فاسْمع منِّي أعْرض عليكَ أُمورًا لعلَّكَ تَقبلُ منَّا بعضَها، فقال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((قُلْ يا أبا الوليد أَسمعْ))، فقال: إنْ كنتَ تُريدُ مالاً جمَعْنا لكَ مِن أموالِنا حتَّى تَصيرَ أكثرَنا مالاً، وإنْ كنتَ تُريدُ مُلكًا ملَّكناكَ علينا، وإنْ كنتَ تُريدُ رئاسةً جعلناكَ رئيسًا علينا؛ فلا نقْطعُ أمرًا دونَكَ، وإنْ كان هذا الذي يأتِيكَ رِئيًا مِن الجنِّ جمعْنا لكَ الأطباءَ حتَّى تُشفَى منه، فلما فرَغ عُتبةُ قال له الرسولُ - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((أفرغتَ؟)) قال: نعم، قال: فاسْمعْ منِّي، قال: أفْعلُ، فقرأ الرسولُ - عليه الصلاة والسلام-:

بَسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ: ﴿ حم * تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ * بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ ﴾ [فصلت: 1 - 4]، ثُمَّ مَضى رسولُ اللهِ حتَّى وصَل إلى قوله تعالى: ﴿ فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ ﴾ [فصلت: 13]، فأَمْسكَ عُتبةُ على فَمِ الرسولِ، وقال: أَمْسِكْ، وناشَده بالرَّحِم أنْ يَكُفَّ؛ لِعلمِه أنَّ محمَّدًا إذا قال شيئًا لم يَكذبْ فخاف أنْ يَنزلَ بِهم العذابُ)).

 

ثم انْطلَق إلى أصحابِه، فلمَّا رأوه مِن بَعيدٍ أقْسم بعضُهم لبعضٍ قائلين: لقدْ جاءكم عُتبةُ بغيرِ الوجهِ الذي ذهَب به، فلمَّا جلَس إليهم قالوا: ما وَراءَكَ يا أبا الوليد؟ قال: ورائِي أنِّي سمِعتُ قولاً واللهِ ما سمِعتُ مِثلَه قطُّ، وواللهِ ما هو بالسِّحر ولا بالشِّعر ولا بالكهانة، يا معشرَ قريش، أطيعوني واجعلوها لي خلُّوا بين الرَّجل وبين ما هو فيه، اقتنع عتبةُ ببلاغة القرآن وفصاحته، ولكنَّه لم يَملكِ الشجاعةَ فأخذتْه العزَّة بالإثم، وكبُر عليه الأمر، فقال: ﴿ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ ﴾ [المدثر: 24] فكان عقابه ما ذِكْر الحق: ﴿ سَأُصْلِيهِ سَقَرَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ * لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ * لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ * عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ ﴾ [المدثر: 26 - 30].

 

وتَروي لنا كتُب الأدب أنَّ ثلاثةً من قريش، هم: أبو سفيان وأبو جهل والأخنس بن شريق، هؤلاء الثلاثة لم يَتَّبعوا محمدًا - صلَّى الله عليه وسلَّم - وكانوا مِن أقسى أعدائه، ولكنهم كان يتسلَّلون فُرادَى إلى جدار بيتِ الأرقم؛ ليستمعوا مِن الكُوَى والنوافذ إلى سيِّدنا محمَّد - صلَّى الله عليه وسلَّم - وهو يتْلو القرآنَ، وكان كلٌّ منهم يتَّخذ مجلسَه في مكانٍ مظلم بحيث لا تراه العيونُ، وحدَث مرةً بعدَ أن انتهى محمَّد - صلَّى الله عليه وسلَّم - مِن تلاوته للقرآن أنِ الْتقَى الثلاثةُ بالقرب مِن دار الأرقم بن أبي الأرقم، وهم يتَّخذون طريقَهم عائدين إلى بيوتِهم، وسأل كلٌّ منهم صاحبَيهِ: مِن أين جِئتما؟ وفي غمرة الدهشة لم يَحِرْ أحدٌ منهم جوابًا، واتَّهم كلٌّ منهم الآخرَينِ بالذَّهابِ لسماع محمَّد، واعترفوا بأنهم في الذَّنب سواء، ولكنهم أضافوا إلى ذلك اعترافَهم بخطورةِ العمل الذي عمِلوه، فإقبالهم على سماعِ القرآن قد يَقودُهم لاتِّباع محمَّد، وهذا ما لا يُحبونه؛ ولذلك أقْسموا ألاَّ يعودوا إلى ذلك مرةً أخرى.

 

وفي الليلةِ التالية تحدَّث أحدُهم إلى نفْسه: أنَّ أحدًا مِن هذين الرفيقَينِ لن يذهبَ الليلةَ لسماع القرآن فما عليَّ إن حنثتُ في يميني وذهبتُ لأسمعَ هذا الكلام العذبَ، وذهَب ولكنَّ كلاًّ مِن الرفيقَينِ الآخَرينِ كان قد حدَّث نفْسه بمِثل ذلك، وانتهى إلى نفْس النتيجة، ولما فرَغ سيِّدُنا محمَّد - صلَّى الله عليه وسلَّم - مِن التلاوة أراد كلُّ واحد منهم أن يتأكَّد أنه وحْدَه الذي جاءَ، فأخذ يطوف حولَ دار الأرقمِ فتقابل الثلاثةُ، ودار عتابٌ وشجارٌ وأسَفٌ ممزوج بالغضَب، وأقسموا مرةً أخرى ولكنَّهم حنَثوا أيضًا مرةً ثالثة، ولم يَستطيعوا منْع أنفسهم مِن سماعِ القرآن إلاَّ بحيلةٍ هَزيلة، فاقترحوا أن يجتمعوا في المساءِ في بيتِ أحدِهم؛ ليرقبَ بعضُهم بعضًا، فالواحد منهم لا يَستطيع أن يتغلَّبَ على دوافعِ نفْسِه، وبذلك استطاعوا أن يتوقَّفوا عن ذَهابهم لسماع القرآن"[2].

 

وإذا كان الفريقانِ السابقانِ قدْ فتحوا عقولَهم على القرآن فأدركوا بلاغتَه، وعرَفوا منزلتَه، وشهدوا بذلك كما قال أحدُهم: إنَّ له لحلاوةً، وإنَّ عليه لطلاوةً، وإنَّ أعلاه لمُثمِرٌ، وإنَّ أسفله لمغدِقٌ، وإنَّه يعلو ولا يُعلَى عليه[3].

 

إذا كان هؤلاءِ قد فتَحوا عقولَهم، فهناك فريقٌ آخرُ لم يفتحْ عقله للقرآن؛ لقدْ منَحَهم الله العقل ولكنَّهم لم يستعملوه فيما خُلِق له، ولم يهيئوه للإدراك والوعي، شأنهم في ذلك شأن الدوابِّ، وقد قال الله فيهم: ﴿ إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ ﴾ [الأنفال: 22].

 

أغْلقوا عقولَهم عنِ القرآن، وأطلقوا لألسنتهم العِنانَ في اللغو فيه، وقالوا ما حَكاه القرآن: ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ ﴾ [فصلت: 26].

 

تواصَوا فيما بينهم ألا يُطيعوا القرآن، وألا ينقادوا لأوامرِه، وإذا تُلي عليهم ألا يَستمعوا له، وألْغَوا فيه بالصفير والصياح والتخليط في المنطق، واعتقدوا أنَّهم بذلك سيَغلِبون ويَنتصِرون على القرآن، ولكن الله خيَّب ظنَّهم؛ فخسِروا الدنيا بكُفرهم، وفي الآخرة لهم العذابُ الذي ذكَره الله بقوله: ﴿ فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا عَذَابًا شَدِيدًا وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ * ذَلِكَ جَزَاءُ أَعْدَاءِ اللَّهِ النَّارُ لَهُمْ فِيهَا دَارُ الْخُلْدِ جَزَاءً بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ ﴾ [فصلت: 27 - 28].

 

وإذا كان هذا شأنَ الإنس مع القرآن، فشأنُ الجنِّ مع القرآن ما حَكاه اللهُ عن الجنِّ عندما استمعوا للقرآن مع رسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقالوا: ﴿ إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا ﴾ [الجن: 1 - 2].

 

وافتَخروا - ولهم الفخرُ، وهو فخرٌ لهم - فقالوا: ﴿ وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى آمَنَّا بِهِ فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلَا يَخَافُ بَخْسًا وَلَا رَهَقًا * وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا ﴾ [الجن: 13 - 14].

 

وكما انقسم البشرُ في تدبُّرِهم للقرآن، انقسم الجنُّ؛ فمنهم المسلمون، ومنهم القاسِطون الذين عدَلوا عنِ الإسلام، واتبعوا طريقَ الضلالِ والغَواية، وهؤلاءِ كانوا لجهنَّمَ حطبًا.

 

قال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((تركتُ فيكم ما إنْ تمسكتُم به لن تَضلُّوا بعْدي أبدًا كتاب الله وسُنتي)).



[1] "مسند الإمام أحمد" (5/59)

[2] ابن هشام (1/ 201) "التاريخ الإسلامي والحضارة الإسلامية " (ج أ /365 ) أحمد شلبي.

[3] يُروَى عن الوليد (أبو خالد).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • واجبنا نحو القرآن الكريم
  • شهر للجهاد بالقرآن
  • بيان القرآن
  • دراسة تاريخية عن الإعجاز البلاغي للقرآن
  • الإذعان للقرآن
  • أثر القرآن الكريم في هداية النفوس
  • تقلبات النفوس وتطهيرها

مختارات من الشبكة

  • العبرة من تحويل القبلة: التسليم والانقياد (خطبة)(مقالة - ملفات خاصة)
  • معنى القبول والانقياد، وما يناقضه(مقالة - آفاق الشريعة)
  • في التسليم والانقياد نجاة للعباد (خطبة)(مقالة - موقع د. محمود بن أحمد الدوسري)
  • مشاهد من عبودية خضوع الجمادات لسلطان الله وانقيادها واستجابتها لأمره(مقالة - موقع الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي)
  • من أقسام العبودية: عبودية الاختيار والانقياد والطاعة والمحبة(مقالة - موقع الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي)
  • شرح باب: وجوب الانقياد لحكم الله تعالى من كتاب «رياض الصالحين»(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الاستسلام لله بالتوحيد والانقياد له بالطاعة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الانقياد المنافي للترك(مقالة - آفاق الشريعة)
  • سهولة الانقياد للنظم الربانية(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الانقياد الذي ينفي الترك(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • بعد عامين من البناء افتتاح مسجد جديد في قرية سوكوري
  • بعد 3 عقود من العطاء.. مركز ماديسون الإسلامي يفتتح مبناه الجديد
  • المرأة في المجتمع... نقاش مفتوح حول المسؤوليات والفرص بمدينة سراييفو
  • الذكاء الاصطناعي تحت مجهر الدين والأخلاق في كلية العلوم الإسلامية بالبوسنة
  • مسابقة للأذان في منطقة أوليانوفسك بمشاركة شباب المسلمين
  • مركز إسلامي شامل على مشارف التنفيذ في بيتسفيلد بعد سنوات من التخطيط
  • مئات الزوار يشاركون في يوم المسجد المفتوح في نابرفيل
  • مشروع إسلامي ضخم بمقاطعة دوفين يقترب من الموافقة الرسمية

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 12/12/1446هـ - الساعة: 15:27
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب