• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    الشاي: مسائل ونوازل (PDF)
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    تخريج حديث: لا تستنجوا بالروث، ولا بالعظام، فإنه ...
    الشيخ محمد طه شعبان
  •  
    من عمل صالحا فلنفسه (خطبة) - باللغة البنغالية
    حسام بن عبدالعزيز الجبرين
  •  
    زاد الداعية (9)
    صلاح صبري الشرقاوي
  •  
    من آداب الدعاء
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: (العفو، ...
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
  •  
    وقفات مع القدوم إلى الله (15)
    د. عبدالسلام حمود غالب
  •  
    حديث: مره فليراجعها
    الشيخ عبدالقادر شيبة الحمد
  •  
    حقوق الانسان (1)
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    إرشاد الأحباب إلى ما به يحصل تهوين المصاب
    الدخلاوي علال
  •  
    مصطلح (حسن الرأي فيه) مرتبته، وأثره في الحكم على ...
    د. وضحة بنت عبدالهادي المري
  •  
    خطبة: الصداقة في حياة الشباب والفتيات
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    حين تمر بنا القبور دون شواهد
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    أهمية الأوقاف وضرورة المشاريع الاستثمارية الوقفية ...
    د. أبو عز الدين عبد الله أحمد الحجري
  •  
    سورة الإخلاص
    يوسف بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن السيف
  •  
    شدة المقت الإلهي: تحليل لغوي وشرعي لآية "كبر مقتا ...
    د. هيثم بن عبدالمنعم بن الغريب صقر
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / الأسرة والمجتمع / قضايا المجتمع
علامة باركود

كف ذي الجزالة عن مواقعة البطالة

كف ذي الجزالة عن مواقعة البطالة
الشيخ عبدالله بن محمد البصري


تاريخ الإضافة: 20/12/2011 ميلادي - 25/1/1433 هجري

الزيارات: 8789

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

كف ذي الجزالة عن مواقعة البطالة

 

أَمَّا بَعدُ:

فَأُوصِيكُم - أَيُّهَا النَّاسُ - وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ - عَزَّ وَجَلَّ – ﴿ وَمَن يَتِّقِ اللهَ يَجعَلْ لَهُ مَخرَجًا وَيَرزُقْهُ مِن حَيثُ لا يَحتَسِبُ ﴾.

 

أَيُّهَا المُسلِمُونَ، إِنَّ لَنَا دِينًا عَظِيمًا وَمَنهَجًا كَرِيمًا، جَاءَ بِحَمدِ اللهِ كَامِلاً شَامِلاً، جَامِعًا لأَمرَيِ الدُّنيَا وَالآخِرَةِ، فَكَمَا أَنَّ فِيهِ البَلاغَ وَالنَّذَارَةَ وَتَذكِيرَ النَّاسِ بِمَصِيرِهِم وَمَعَادِهِم، فَإِنَّ فِيهِ العِلاجَ لِكُلِّ مَا يُهِمُّهُم مِن أُمُورِ دُنيَاهُم وَمَعَاشِهِم. أَلا وَإِنَّ مِمَّا تَطَلَّعَت إِلَيهِ قُلُوبُ البَشَرِ وَشُغِلَت بِهِ عُقُولُهُم في كُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ، قَضِيَّةَ اكتِسَابِ المَالِ وَتَوفِيرِ المَعَاشِ وَالرِّيَاشِ، وَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ اللهُ - عَزَّ وَجَلَّ - قَد تَكَفَّلَ لِلعَبدِ بِرِزقِهِ وَهُوَ في بَطنِ أُمِّهِ، إِلاَّ أَنَّهُ - تَعَالى - جَعَلَ لِذَلِكَ أَسبَابًا تُبذَلُ وَوَسَائِلَ تُفعَلُ، وَطُرُقًا يَسلُكُهَا العِبَادُ فَيَنَالُونَ عَلَى قَدرِ كَدِّهِم وَجُهدِهِم مَا تَقَرُّ بِهِ أَعيُنُهُم وَتَهنَأُ بِهِ نُفُوسُهُم، وَتَقُومُ عَلَيهِ حَيَاتُهُم وَيَصلُحُ بِهِ شَأنُهُم. وَقَد كَانَ النَّاسُ يَعمَلُونَ وَيَكدَحُونُ، فَيَتَّصِلُ لَيلُ أَحَدِهِم بِنَهَارِهِ وَقَد يَذهَبُ في طَلَبِ الرِّزقِ عُمُرُهُ، يَسعَونَ في جَلبِ أَرزَاقِهِم يَمنَةً وَيَسرَةً وَيُسَافِرُونَ، وَيُخَاطِرُونَ بِأَنفُسِهِم في القِفَارَ وَيُلقُونَ بِأَجسَادِهِم في البِحَارِ، عَامِلِينَ في كُلِّ مَجَالٍ يَتَهَيَّأُ لهم مِن رَعيٍ أَو زِرَاعَةٍ أَو تِجَارَةٍ، أَو صِنَاعَةٍ أَو مِهنَةٍ أَو حِرفَةٍ، وَقَد لا يَنَالُ كَثِيرٌ مِنهُم مَعَ تَعَبِهِ شَيئًا فَوقَ قُوتِهِ وَقُوتِ أَبنَائِهِ وَمَن تَحتَ يَدِهِ، غَيرَ أَنَّهُم كَانُوا عَلَى جَانِبٍ كَبِيرٍ مِنَ الرِّضَا وَالقَنَاعَةِ، بَل كَانَ مِنهُم مَن يُؤثِرُ عَيشَ الكَفَافِ وَيَجِدُ فِيهِ رَاحَةَ نَفسِهِ وَقَرَارَ عَينِهِ، حَتى جَاءَ هَذَا العَصرُ الَّذِي غَالِبُ مَا يَتَطَلَّعُ إِلَيهِ المَرءُ فِيهِ أَن تَكُونَ لَهُ وَظِيفَةٌ تُدِرُّ عَلَيهِ أَكبَرَ دَخلٍ شَهرِيٍّ، يُوَفِّرُ بِهِ حَاجَاتِ حَيَاتِهِ المُتَزَايَدَةَ، وَيُدَافِعُ بِهِ مَطَالِبَ نَفسِهِ المُتَشَعِّبَةَ، وَلأَنَّ النَّاسَ في ازدِيَادٍ وَالوَظَائِفَ مَحدُودَةٌ، وَلا يُمكِنُ أَن تَتَّسِعَ لهم جَمِيعًا، فَقَد نَشَأَت بَينَهُم مُشكِلَةٌ اجتِمَاعِيَّةٌ اقتِصَادِيَّةٌ تُسَمَّى بِالبَطَالَةِ، صَارَت تَتَّسِعُ يَومًا بَعدَ يَومٍ، وَيَكثُرُ المُتَّصِفُونَ بها عَامًا بَعدَ عَامٍ، حَتى غَدَت هَمًّا تَضِيقُ بِهِ صُدُورُ المَسؤُولِينَ في الحُكُومَاتِ، وَثِقَلاً تُعَاني مِنهُ البُلدَانُ وَالمُجتَمَعَاتُ، وَسَبَبًا رَئِيسًا لِعَدَدٍ مِنَ الأَمرَاضِ وَالمُشكِلاتِ، وَخَطَرًا يُهَدِّدُ الأَمنَ وَالاستِقرَارَ وَيُضعِفُ التَّرَابُطَ الاجتِمَاعِيَّ، وَيُصِيبُ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ بِالإِحبَاطِ وَيَزرَعُ فِيهِم عَدَمَ الثِّقَةِ بِأَنفُسِهِم، وَيُورِثُ بَعضَهُمُ الاكتِئَابَ وَالقَلَقَ وَالشُّعُورَ بِالفَشَلِ، وَيُوجِدُ لَدَى آخَرِينَ شُعُورًا بِالكَرَاهِيَةِ وَالحَسَدِ وَالغَيرَةِ، وَيُوقِعُ مَن يُوقِعُ في الجَرَائِمِ وَالمُحَرَّمَاتِ، كَالسَّرِقَاتِ وَتَعَاطِي المُخَدِّرَاتِ.

 

وَالحَقُّ أَنَّ الإِسلامَ قَد عَالَجَ هَذِهِ المُشكِلَةَ كَمَا عَالَجَ غَيرَهَا، وَجَعَلَ لِلمُؤمِنِينَ مِنهَا مَخرَجًا قَبلَ وُقُوعِهَا وَبَعدَهُ، ممَّا يَضمَنُ لَهُمُ العَيشَ في حَيَاةٍ هَانِئَةٍ هَادِئَةٍ، تَكتَنِفُهَا القَنَاعَةُ وَيَعُمُّ أَهلَهَا الرِّضَا. مِن ذَلِكَ أَنَّ الإِسلامَ غَرَسَ في نُفُوسِ المُؤمِنِينَ التَّوَكُّلَ عَلَى اللهِ - سُبحَانَهُ - في طَلَبِ الرِّزقِ، وَبَيَّنَ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - ذَلِكَ بَيَانًا كَافِيًا شَافِيًا، يَقطَعُ كُلَّ مَا في النُّفُوسِ مِن تَوَكُّلٍ عَلَى غَيرِ اللهِ أَوِ اتِّكَاءٍ عَلَى الأَسبَابِ وَحدَهَا، قَالَ - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ -: " لَو أَنَّكُم تَتَوَكَّلُونَ عَلَى اللهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ لَرَزَقَكُم كَمَا يَرزُقُ الطَّيرَ، تَغدُو خِمَاصًا وَتَرُوحُ بِطَانًا " رَوَاهُ أَحمَدُ وَغَيرُهُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ. وَكَيفَ يَثِقُ مُؤمِنٌ في غَيرِ رَبِّهِ وَهُوَ - سُبحَانَهُ – ﴿ الرَّزَاقُ ذُو القُوِّةِ المَتِينُ ﴾؟ وَكَيفَ يَخشَى الفَقرَ وَهُوَ - تَعَالى - قَد ضَمِنَ لَهُ رِزقَهُ مَا دَامَ حَيًّا، قَالَ - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ -: " إِنَّ رُوحَ القُدُسِ نَفَثَ في رُوعِي: إِنَّ نَفسًا لا تَمُوتُ حَتى تَستَكمِلَ رِزقَهَا، فَاتَّقُوا اللهَ وَأَجمِلُوا في الطَّلَبِ، وَلا يَحمِلَنَّكُمُ استِبطَاءُ الرِّزقِ أَن تَطلُبُوهُ بِمَعَاصِي اللهِ، فَإِنَّ اللهَ لا يُدرَكُ مَا عِندَهُ إِلاَّ بِطَاعَتِهِ " رَوَاهُ الحَاكِمُ وَغَيرُهُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ. وَفي جَانِبٍ آخَرَ نَجِدُ الإِسلامَ يَحُثُّ عَلَى العَمَلِ وَالسَّعيِ وَالضَّربِ في الأَرضِ، وَيَمدَحُ عَمَلَ المَرءِ بِيَدِهِ، لِيَضمَنَ بِذَلِكَ رِزقَهُ وَيَستَغنيَ عَن غَيرِهِ، قَالَ - تَعَالى -: ﴿ فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانتَشِرُوا في الأَرضِ وَابتَغُوا مِن فَضلِ اللهِ ﴾ وَقَالَ - سُبحَانَهُ -: ﴿ هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرضَ ذَلُولاً فَامشُوا في مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِزقِهِ وَإِلَيهِ النُّشُورُ ﴾ وَقَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " مَا أَكَلَ أَحَدٌ طَعَامًا قَطُّ خَيرًا مِن أَن يَأكُلَ مِن عَمَلِ يَدِهِ، وَإِنَّ نَبيَّ اللهِ دَاوُدَ - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ - كَانَ يَأكُلُ مِن عَمَلِ يَدِهِ " رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَغَيرُهُ. وَعَن أَبي هُرَيرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنهُ - عَنِ النَّبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّم - قَالَ: " مَا بَعَثَ اللهُ نَبِيًّا إِلاَّ رَعَى الغَنَمَ " فَقَالَ أَصحَابُهُ: وَأَنتَ ؟ فَقَالَ: " نَعَم، كُنتُ أَرعَى عَلَى قَرَارِيطَ لأَهلِ مَكَّةَ " رَوَاهُ البُخَارِيُّ. وَقَالَ - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ -: " لأَن يَأخُذَ أَحَدُكُم حَبلَهُ فَيَأتيَ الجَبَلَ فَيَجِيءَ بِحُزمَةِ الحَطَبِ عَلَى ظَهرِهِ فَيَبِيعَهَا فَيَكُفَّ اللهُ بها وَجهَهُ، خَيرٌ لَهُ مِن أَن يَسأَلَ النَّاسَ أَعطَوهُ أَو مَنَعُوهُ " رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَغَيرُهُ. وَعَنِ ابنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا - قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - أَيُّ الكَسبِ أَفضَلُ ؟ قَالَ: " عَمَلُ الرَّجُلِ بِيَدِهِ وَكُلَّ بَيعٍ مَبرُورٍ " رَوَاهُ الطَّبَرَانيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ. وَمَعَ حِرصِ الإِسلامِ عَلَى أَن يَكُونَ المَرءُ مُستَغنِيًا بِنَفسِهِ قَائِمًا بِأَمرِهِ عَامِلاً بِيَدِهِ، إِلاَّ أَنَّهُ أَجَازَ لَهُ التَّعَاوُنَ مَعَ الآخَرِينَ وَاقتِسَامَ الرِّزقِ بِالمُشَارَكَةِ، فَعَنِ ابنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا - أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - عَامَلَ أَهلَ خَيبَرَ بِشَطرِ مَا يَخرُجُ مِنهَا مِن ثَمَرٍ أَو زَرعٍ " رَوَاهُ مُسلِمٌ. وَفي جَانِبٍ آخَرَ لم يُغفِلِ الإِسلامُ مَا قَد يُصِيبُ الإِنسَانَ مِن عَجزٍ عَنِ الضَّربِ في الأَرضِ أَو ضَعفٍ عَنِ السَّعيِ في مَنَاكِبِهَا لِتَحصِيلِ الرِّزقِ، وَحِينَئِذٍ جَعَلَ في الزَّكَاةِ حَقًّا لأَصنَافٍ عَجَزَت عَن تَحصِيلِ أَرزَاقِهَا بِأَنفُسِهَا، وَأَوجَبَ عَلَى المُجتَمَعِ مُسَاعَدَةَ مَن وَقَفَت بِهِ السُّبُلُ حَتى يَجِدَ لَهُ سَبِيلاً لِلعَمَلِ، وَجَعَلَ مِنِ اقتِحَامِ العَقَبَةِ فَكَّ الرَّقَبَةِ، وَإِطعَامَ اليَتِيمِ ذَي المَقرَبَةِ وَالمِسكِينِ ذَي المَترَبَةِ، رَوَى مُسلِمٌ عَن أَبي سَعِيدٍ الخُدرِيِّ - رَضِيَ اللهُ عَنهُ - عَن رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: " مَن كَانَ مَعَهُ فَضلُ ظَهرٍ فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَن لا ظَهرَ لَهُ ‏,‏ وَمَن كَانَ مَعَهُ فَضلُ زَادٍ فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَن لا زَادَ لَهُ " بَل لَقَد جَعَلَ الإِسلامُ مِنَ الإِيمَانِ إِطعَامَ الجَائِعِ وَسَدَّ حَاجَةِ المُحتَاجِ، قَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " مَا آمَنَ بي مَن بَاتَ شَبعَانَ وَجَارُهُ جَائِعٌ إِلي جَنبِهِ وَهُوَ يَعلَمُ بِهِ ‏" رَوَاهُ الطَّبرَانيُّ وَغَيرُهُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ. وَقَالَ - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ -: " أَطعِمُوا الجَائِعَ وَفُكُّوا العَانيَ " أَخرَجَهُ البُخَارِيُّ وَغَيرُهُ. وَمَعَ هَذَا فَلَم يَأذَنِ الإِسلامُ لِلمَرءِ أَن يَنَامَ أَو يَتَكَاسَلَ أَو يَتَوَاكَلَ، أَو يَتَظَاهَرَ بِالعَجزِ أَو يُظهِرَ مِن نَفسِهِ عَدَمَ القُدرَةِ لِيَدفَعَ النَّاسَ لِلإِحسَانِ إِلَيهِ، كَمَا كَرِهَ لَهُ الإِلحَافَ وَالإِلحَاحَ في المَسأَلَةِ، وَحَذَّرَهُ مِن أَن يَستَمرِئَهَا بَعدَ انقِضَاءِ حَاجَتِهِ وَارتِفَاعِ ضَرُورَتِهِ، وَقَدَ مَدَحَ - تَعَالى - المُهَاجِرِينَ بِأَنَّهُم " لا يَسأَلُونَ النَّاسَ إِلحَافًا " وَعَن عُبَيدِاللهِ بنِ عَدِيِّ بنِ الخِيَارِ قَالَ: أَخبَرَني رَجُلانِ أَنَّهُمَا أَتَيَا النَّبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - في حَجَّةِ الوَدَاعِ وَهُوَ يَقسِمُ الصَّدَقَةَ فَسَأَلاهُ مِنهَا، فَرَفَعَ فِينَا البَصَرَ وَخَفَضَهُ فَرَآنَا جَلْدَينِ فَقَالَ: " إِنْ شِئتُمَا أَعطَيتُكُمَا، وَلا حَظَّ فِيهَا لِغَنيٍّ وَلا لِقَوِيٍّ مُكتَسِبٍ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ. وَقَالَ - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ -: " لا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنيٍّ وَلا لِذِي مِرَّةٍ سَوِيٍّ " رَوَاهُ أَحمَدُ وَغَيرُهُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ. وَقَالَ - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ -: " إِنَّ المَسأَلَةَ لا تَحِلُّ إِلاَّ لأَحَدِ ثَلاثَةٍ: رَجُلٌ تَحَمَّلَ حَمَالَةً فَتَحِلُّ لَهُ المَسأَلَةُ حَتى يُصِيبَهَا ثم يُمسِكُ، وَرَجُلٌ أَصَابَتهُ جَائِحَةٌ اجتَاحَت مَالَهُ فَحَلَّت لَهُ المَسأَلَةُ حتى يُصِيبَ قِوَامًا مِن عَيشٍ، وَرَجًلٌ أَصَابَتهُ فَاقَةٌ حَتى يَقُولَ ثَلاثَةٌ مِن ذَوِي الحِجَا مِن قَومِهِ: لَقَد أَصَابَ فُلانًا فَاقَةٌ، فَحَلَّت لَهُ المَسأَلَةُ حَتى يُصِيبَ قِوَامًا مِن عَيشٍ ثم يُمسِكُ، فَمَا سِوَاهُنَّ مِنَ المَسأَلَةِ فَسُحتٌ يَأكُلُهَا صَاحِبُهَا سُحتًا " رَوَاهُ مُسلِمٌ وَغَيرُهُ. ‏بِهَذِهِ الأُمُورِ وَأَمثَالِهَا مِنَ المَبَادِئِ العَظِيمَةِ وَالأَحكَامِ الحَكِيمَةِ عَالَجَ الإِسلامُ البَطَالَةَ وَدَفَعَهَا، وَلَو أَنَّ المُسلِمِينَ وَعَوا أَوَامِرَ دِينِهِم وَفَقِهُوا أَحكَامَهُ وَعَمِلُوا بِتَوجِيهَاتِهِ، لأَكَلُوا مِن فَوقِهِم وَمِن تَحتِ أَرجُلِهِم، فَاتَّقُوا اللهَ - عِبَادَ اللهِ - وَتَوَكَّلُوا عَلَيهِ ﴿ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسبُهُ إِنَّ اللهَ بَالِغُ أَمرِهِ قَد جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيءٍ قَدرًا ﴾.


الخطبة الثانية

أَمَّا بَعدُ، فَاتَّقُوا اللهَ - تَعَالى - وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ.

 

أَيُّهَا المُسلِمُونَ:

إِنَّ العَاقِلَ المُتَأَمِّلَ يَرَى أَنَّ عَدَدًا ممَّن وَقَعُوا في شَرَكِ البَطَالَةِ وَخَاصَّةً في مُجتَمَعٍ كَمُجتَمَعِنَا، لم يَقَعُوا فِيهِ عَن قِلَّةِ الأَعمَالِ أَو ضَعفِ الفُرَصِ كَمَا في بُلدَانٍ أُخرَى بُلِيَت بِالفَقرِ وَضَعفِ المَوَارِدِ، وَإِنَّمَا وَقَعَ في البَطَالَةِ في الغَالِبِ مَن وَقَعَ، إِمَّا مِن زُهدٍ في العَمَلِ بِيَدِهِ وَإِيثَارًا مِنهُ لِلكَسَلِ وَرَاحَةِ البَدَنِ، أَو تَرَفُّعًا عَنِ اكتِسَابِ رِزقِهِ بِطَرِيقٍ حَلالٍ غَيرِ الوَظِيفَةِ الرَّسمِيَّةِ، أَوِ انتِظَارًا لِمَا تُقَدِّمُهُ الدَّولَةُ - وَفَّقَهَا اللهُ - مِن بَرَامِجَ أَو قُرُوضٍ أَو إِعَانَاتٍ، فِيمَا يُسَمَّى بِالضَّمَانِ الاجتِمَاعِيِّ أَو (حَافِزٍ) أو غَيرِهِمَا، أَوِ استِظلالاً بِظِلِّ الجَمعِيَّاتِ الخَيرِيَّةِ وَمَا يُقَدِّمُهُ المُحسِنُونَ مِن زَكَوَاتٍ وَصَدَقَاتٍ وَهِبَاتٍ. وَلِهَؤُلاءِ يُقَالُ: إِنَّ العَمَلَ بِاليَدِ وَالتَّعَبَ وَالنَّصَبَ لِتَحصِيلِ الرِّزقِ عِبَادَةٌ يُؤجَرُ عَلَيهَا صَاحِبُهَا، وَهُوَ في الوَقتِ ذَاتِهِ شَرَفُ نَفسٍ وَرِفعَةُ رَأسٍ وَحِمَايَةٌ لِلعِرضِ، عَن كَعبِ بنِ عُجرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنهُ - قَالَ: مَرَّ عَلَى النَّبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ فَرَأَى أَصحَابُ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - مِن جَلَدِهِ وَنَشَاطِهِ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، لَو كَانَ هَذَا في سَبِيلِ اللهِ ! فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " إِنْ كَانَ خَرَجَ يَسعَى عَلَى وَلَدِهِ صِغَارًا فَهُوَ في سَبِيلِ اللهِ، وَإِنْ كَانَ خَرَجَ يَسعَى عَلَى أَبَوَينِ شَيخَينِ كَبِيرَينِ فَهُوَ في سَبِيلِ اللهِ، وَإِنْ كَانَ خَرَجَ يَسعَى عَلَى نَفسِهِ يُعِفُّهَا فَهُوَ في سَبِيلِ اللهِ، وَإِنْ كَانَ خَرَجَ يَسعَى رِيَاءً وَمُفَاخَرَةً فَهُوَ في سَبِيلِ الشَّيطَانِ " رَوَاهُ الطَّبرَانيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ. وَإِنَّهُ مَتى حَصَّلَ المَرءُ لُقمَةً يَأكُلُهَا وَمَسكَنًا يُؤوِيهِ في أَمنٍ وَعَافِيَةٍ، فَهُوَ وَأَصحَابُ الأَموَالِ الطَّائِلَةِ سَوَاءٌ، وَقَد عَاشَ خَيرُ البَشَرِ محمدٌ - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ - في حُجُرَاتِهِ عِيشَةَ الفُقرَاءِ مُؤثِرًا الدَّارَ الآخِرَةَ عَلَى الدُّنيَا الفَانِيَةِ، وَهُوَ الَّذِي لَو شَاءَ لأَجرَى اللهُ مَعَهُ جِبَالَ الذَّهَبِ وَالفِضَّةِ، قَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " مَن أَصبَحَ مِنكُم آمِنًا في سِربِهِ، مُعُافى في جَسَدِهِ، عِندَهُ قُوتُ يَومِهِ، فَكَأَنَّمَا حِيزَت لَهُ الدُّنيَا بِحَذَافِيرِهَا " رَوَاهُ التِّرمِذِيُّ وَقَالَ الأَلبَانيُّ: حَسَنٌ لِغَيرِهِ. وَقَالَ - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ -: " لَيسَ الغِنى عَن كَثرَةِ العَرَضِ، وَلَكِنَّ الغِنى غِنى النَّفسِ " أَخرَجَهُ البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ وَغَيرُهُمَا. وَإِنَّهُ لَوِ اقتَصَرَ كُلٌّ عَلَى مَا يَقُومُ بِهِ أَمرُهُ وَقَنِعَ بِهِ، لَعَاشَ النَّاسُ في سَعَادَةٍ، وَلَوَجَدُوا مِنَ الأَعمَالِ مَا يَسُدُّ حَاجَاتِهِم وَيُبَلِّغُهُم غَايَاتِهِم، أَلا فَمَا أَجمَلَهُ بِالمُجتَمَعِ المُسلِمِ أَن يَكُونَ أَفرَادُهُ مُتَحَلِّينَ بِالقَنَاعَةِ مُلتَزِمِينَ طَرِيقَهَا مُتَمَسِّكِينَ بها، فَإِنَّهَا العِلاجُ لِكَثِيرٍ ممَّا بُلُوا بِهِ مِنِ انتِشَارِ الضَّغَائِنِ وَالأَحقَادِ بَينَهُم، وَهِيَ السَّبِيلُ لاستِجلابِ الأُلفَةِ وَالمَوَدَّةِ في نُفُوسِهِم، وَقَطعِ أَسبَابِ الخِلافِ وَالشِّقَاقِ الَّذِي جَلَبَتهُ لهم مَحَبَّةُ الدُّنيَا وَالتَّنَافُسُ عَلَيهَا وَإِيثَارُهَا، وَصَدَقَ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - إِذْ قَالَ: " أَبشِرُوا وَأَمِّلُوا مَا يَسُرُّكُم ؛ فَوَاللهِ مَا الفَقرَ أَخشَى عَلَيكُم، وَلَكِنْ أَخشَى أَن تُبسَطَ الدُّنيَا عَلَيكُم كَمَا بُسِطَت عَلَى مَن كَانَ قَبلَكُم فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا فَتُهلِكَكُم كَمَا أَهلَكَتهُم " رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


مختارات من الشبكة

  • بالكف على الكف .. هي مواجهتي(مقالة - آفاق الشريعة)
  • غزوة بني قريظة في ذي القعدة وصدر من ذي الحجة سنة خمس من الهجرة(مقالة - موقع د. محمد منير الجنباز)
  • بئر ذي أروان أو بئر ذي ذروان(مقالة - حضارة الكلمة)
  • كف الأذى عن الناس(مقالة - آفاق الشريعة)
  • في وطني(مقالة - حضارة الكلمة)
  • من أقوال السلف في الكف عما شجر بين الصحابة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تخريج حديث: أنه أدخل يده اليمنى في الإناء، فملأ كفه، فتمضمض، واستنشق(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مخطوطة كف الرعاع عن محرمات اللهو والسماع (النسخة 4)(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • كف عليك هذا(مقالة - آفاق الشريعة)
  • إذا كف المؤمن عن الناس أذيته أدخله الله جنته (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • بعد 3 سنوات أهالي كوكمور يحتفلون بإعادة افتتاح مسجدهم العريق
  • بعد عامين من البناء افتتاح مسجد جديد في قرية سوكوري
  • بعد 3 عقود من العطاء.. مركز ماديسون الإسلامي يفتتح مبناه الجديد
  • المرأة في المجتمع... نقاش مفتوح حول المسؤوليات والفرص بمدينة سراييفو
  • الذكاء الاصطناعي تحت مجهر الدين والأخلاق في كلية العلوم الإسلامية بالبوسنة
  • مسابقة للأذان في منطقة أوليانوفسك بمشاركة شباب المسلمين
  • مركز إسلامي شامل على مشارف التنفيذ في بيتسفيلد بعد سنوات من التخطيط
  • مئات الزوار يشاركون في يوم المسجد المفتوح في نابرفيل

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 18/12/1446هـ - الساعة: 17:42
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب