• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    خطبة: أهمية اللعب والترفيه للشباب
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    عيد الأضحى: فرحة الطاعة وبهجة القربى
    محمد أبو عطية
  •  
    كيف يعلمنا القرآن الكريم التعامل مع الضغط النفسي ...
    معز محمد حماد عيسى
  •  
    أحكام الأضحية (عشر مسائل في الأضاحي)
    د. شريف فوزي سلطان
  •  
    زيف الانشغال
    أ. د. عبدالله بن ضيف الله الرحيلي
  •  
    خطبة الجمعة في يوم الأضحى
    د. صغير بن محمد الصغير
  •  
    الأخذ بالأسباب المشروعة
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    يوم العيد وأيام التشريق (خطبة)
    الشيخ عبدالله بن محمد البصري
  •  
    المقصد الحقيقي من الأضحية
    عاقب أمين آهنغر (أبو يحيى)
  •  
    خطبة الأضحى 1446 هـ (إن الله جميل يحب الجمال)
    الشيخ عبدالله محمد الطوالة
  •  
    خطبة عيد الأضحى 1446هـ
    عبدالوهاب محمد المعبأ
  •  
    لبس البشت فقها ونظاما
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    خطبة: مضت أيام العشر المباركة
    محمد أحمد الذماري
  •  
    خطبة عيد الأضحى المبارك لعام 1446هـ
    د. عبدالرزاق السيد
  •  
    خطبة عيد الأضحى لعام 1446 هــ
    أ. شائع محمد الغبيشي
  •  
    خطبة عيد الأضحى المبارك: تضحية وفداء، صبر وإخاء
    الشيخ الحسين أشقرا
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / دراسات شرعية / فقه وأصوله
علامة باركود

الإدارة المعرفية للقضاة من منظور السياسة الشرعية

سمو الأمير د. عبدالعزيز بن سطام بن عبدالعزيز آل سعود

الناشر:مجلة معهد الإدارة - المجلد الواحد والخمسون- العدد الثالث
تاريخ النشر:رجب 1432هـ- يونيه 20
مكان النشر:الرياض
عدد الصفحات:40
عدد المجلدات:1
الإصدار:الأول

تاريخ الإضافة: 28/11/2011 ميلادي - 3/1/1433 هجري

الزيارات: 22227

 نسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

تحميل ملف الكتاب

الإدارة المعرفية للقضاة من منظور السياسة الشرعية

د.عبدالعزيز بن سطام بن عبدالعزيز آل سعود

الأستاذ المساعد بالمعهد العالي للقضاء

جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض

1432هـ - 2011م

 

Knowledge Management for judges
From the perspective of al-Siyasa al-shar'iyya

Dr. Abdul Aziz Bin Sattam Bin Abdul Aziz AlSaud

Assistant Professor at TheHigher Institute of the Judiciary

Imam Mohammad Ibn Saud Islamic University, Riyadh



ملخص:

تهدف هذه الدراسة إلى عرض الإدارة المعرفية على وظيفة القاضي بناءً على مقتضى السياسة الشرعية في محاور مختصرة تستعرض الوظيفة القضائية وكيف تطورت معرفيًا والعمل المعرفي للقضاة وكيف تكون إدارته، إضافة إلى ذلك، تلخص الدراسة المنهج العلمي والأدوات المعرفية التي استخدمها فقهاء المسلمين وقضاتهم في تنظيم المعارف الذهنية واستعمالها في القضاء وموائمتها مع ما يقابلها من جانب إدارة المعرفة، كما تعرض الدراسة المتطلبات الإدارية لتحسين الأداء المعرفي للقضاة، كما تبين الدراسة الوظيفة المعرفية للقضاة وكيفية تنميتها وتثميرها لتحقيق مقاصد القضاء في الإسلام.

 

Abstract:

The aim of this study is to link knowledge management to the function of the judges in accordance to the exactitudes of al-Siyasa al-Shar'iyya when applied in the field of the judicial function and a summary review how judicial knowledge work has evolved epistemologically and how it is to be administered.


In addition, the study reveals the cognitive tools that have been used by Muslim Scholars and Judges and how they organized intellectual knowledge in this field.


This study, also summarize how to harmonize knowledge management to improve the cognitive performance of the judges, focusing on the administrative requirements. It describes the knowledge function of the judges and how to develop it in order to achieve the purposes and intent of the judiciary in Islam.

 

أولًا: المقدمة:

يعدُّ القضاء في الإسلام من مجالات السياسة الشرعية والمؤسسة القضائية منشأة إدارية ولأن وظيفة القاضي تعتمد بالدرجة الأولى على إعمال الفكر وإحكام التدبير؛ لضبط الحكم الذي يصدره، ليكون مثالًا في الدقة والعدل فهي من الوظائف المعرفية، فلا يُستغنى عن إدارة المعرفة ولا يُستغنى عن السياسة الشرعية في إدارة القضاء والدولة؛ وقد جاء في المادة الخامسة والخمسين من النظام الأساسي للحكم: "يقوم الملك بسياسة الأمة سياسة شرعية طبقًا لأحكام الإسلام ويشرف على تطبيق الشريعة الإسلامية، والأنظمة، والسياسة العامة للدولة وحماية البلاد والدفاع عنها"؛ لأجل ذلك جاء البحث في إدارة المعرفة من منظور السياسة الشرعية، على أن تكون السياسة الشرعية هي الأصل المخدوم، وإدارة المعرفة هي الفرع الخادم، فالقضاء يجب أن لا يكون متأثرًا إلا بأحكام الشريعة فقط، جاء في النظام الأساسي للحكم في المادة السادسة والأربعين: "القضاء سلطة مستقلة ولا سلطان على القضاة في قضائهم لغير سلطان الشريعة الإسلامية".

 

ولكن - وكما هو معلوم - فإن وجود الأساس السليم سواء على مستوى الأحكام الشرعية أو الأنظمة المرعية أو المنشآت الإدارية لا يكفي لضمان الاستقلال الحقيقي للقضاء، فالأنظمة والأحكام لن تُطَبِق نفسها، والمنشآت الإدارية لن تُشغِّل ذاتها، مع افتقارها إلى من يقوم على تدبير أمورها لما فيه المصلحة، وهذا هو الجانب الإداري للقضاء.

 

والقضاء في المملكة العربية السعودية يقوم على خمسة أسس":

الأول: استقلالية القضاء، فلا سلطان على القضاء إلاَّ سلطان الشريعة الإسلامية.

 

والثاني: المساواة، وهو العدل، فالجميع متساوون أمام القضاء بلا تفرقة.

 

والثالث: علنية الجلسات، فالجلسات علنية يحضرها غير المتقاضين، إلا ما يري القاضي سريته، فهنا يقتصر القاضي على المتقاضين فقط.

 

والرابع: التدرج القضائي ؛ لضمان حقوق الجميع بإتاحة الفرصة للمتقاضين بالتدرج من محكمة الدرجة الأولى إلى محكمة الاستئناف، ثم إلى المحكمة العليا.

 

والخامس: مجانية التقاضي حيث إن نظام القضاء في المملكة لا يفرض أي رسوم أو نفقات مالية لغرض الفصل في الدعاوى مطلقاً، وفي جميع مراحل التقاضي. (بتصرف، الحسن، الصبيح، 1425هـ: 2).

 

ثانيًا: مشكلة البحث:

إن القضية الأساس في الإدارة المعرفية للقضاة هي رصد أي تغير في صناعة الفكر القضائي، وكيفية الاستفادة من المعارف المضافة، وإعادة استخدامها لتكريس أفضل الممارسات في جميع الأعمال القضائية وفق الممارسات الأفضل، وبناءً على ذلك فإن مشكلة البحث تكمن في كيفية تحقيق الأداء الأفضل في الأعمال المعرفية سواء من تحصيل الأصول المعرفية الملموسة وترتيبها واسترجاعها وتوزيعها، مثل: مكنز المعلومات القضائية، وملفات القضايا، أو تجميع المعارف غير الملموسة وتنظيمها ونشرها، مثل: العلم المتخصص لدى الموظف والخبرات والتجارب والدراية الذاتية، أو تصميم بيئة محفزة للتعلم التفاعلي وبنائها وتبادل الخبرات والمعارف بصورة تلقائية، واستيعابها واستخدامها في إنتاج معارف جديدة (Louisa Wah, 1999:148).

 

ثالثًا: تساؤلات البحث:

في ضوء هذا العرض لمشكلة البحث فإن هناك تساؤلات سوف يجيب عنها البحث، بعد تنزيلها على واقع القضاء،  متى أمكن ذلك وهي:

• ما طبيعة العلاقة بين عمل القاضي والعمل المعرفي؟

• وكيف تستثمر المعرفة في توفير البيئة المحفزة للممارسات القضائية الأفضل؟

• وكيف يدار عمل القاضي معرفياً؟

 

رابعًا : أهمية البحث:

السلطة القضائية هي من بين السلطات الثلاث المتعارف عليها عالميًا، وهي السلطة التنفيذية والسلطة التنظيمية (التشريعية) والسلطة القضائية، ونجد أن القضاء هو أسرعها نموًا، وسبب ذلك أن إصدار أي نظام يؤدي بالضرورة إلى استحداث مجال جديد للقضاء وتوسيعه للنظر في دعاوى مخالفة النظام، وهذا يعني أن تدخل القضاء في حياة الناس في ازدياد، إضافة إلى أن توسع فقه المعاملات في أي مجال بتفصيل أحكام جديدة وفق الأدلة والقواعد الشرعية المعتبرة في النوازل الفقهية المتجددة من شأنه أن يوسع النطاق المعرفي للقضاء في المجال نفسه، وجميع هذه العوامل تزيد من أهمية إدارة المعرفة في أعمال القضاء في المملكة العربية السعودية وإلى درجة غير مسبوقة، وبناءً على ما تقدم؛ فإن أهمية البحث ناتجة عن تلاقي تزايد أهمية القضاء مع تزايد أهمية المعرفة في العمل والإدارة القضائية وكون الموضوع - على حد علم الباحث - لم يسبق أن كتب فيه من قبل.

 

خامسًا: منهج البحث:

البحث من البحوث المكتبية الوصفية التي تنظر في البحوث والكتب والتقارير والوثائق العلمية ذات العلاقة بموضوعه، ويعتمد في التحليل العلمي للنصوص والوثائق وفي توصله للنتائج على تقنيات منهج الاستقراء الناقص، الذي يعتمد على الاطلاع على عينة من المراجع في موضوع البحث، بحيث تفيد غلبة الظن أن النتيجة تكون صادقة في الدلالة على موضوعها، ويستخدم أداة تحليل مضمون النصوص العلمية والوثائق لتفسير النصوص والمواد العلمية والتوصل إلى النتائج.

 

سادسًا: حدود البحث:

للبحث مجموعة حدود هي:

• الحد المكاني: المملكة العربية السعودية.

• الحد الزماني: ما عليه حال القضاء وقت إعداد البحث.

• الحد الموضوعي: في مجال إدارة المعرفة وفق السياسة الشرعية.

• الحد البشري: في مجتمع القضاة خاصة والعاملين معهم في القطاع العدلي عامة.

 

سابعًا: تنظيم البحث:

يشتمل البحث على مدخل وثلاثة مباحث وهي كالتالي:

المبحث الأول: الوظيفة القضائية.

المبحث الثاني: تطور الوظيفة القضائية.

المبحث الثالث: العمل المعرفي للقضاة.

 

ويقع تحت كل مبحث مجموعة من المطالب العلمية المفسرة والمؤصلة والمنظمة للفروع المعرفية التي تضمنها البحث في إجاباته عن التساؤلات، وفي بيان معالجته منهجيًا للمشكلة البحثية المطروحة.

 

المبحث الأول: الوظيفة القضائية

لعل تحديد مهمة القاضي وبخاصة بالنسبة للإدارة المعرفية تعد من أدق الأمور وذلك لكون المؤسسة القضائية ليست ربحية؛ فلا يمكن قياس نجاحها بقياس الربحية لأجل ذلك فلا بد من تحديد معيار يمكن بموجبه تحديد مهمة القضاء فيشتق منها مهمة القاضي، التي يراد إدارتها معرفيًا وتصميم الأدوات الصالحة لقياسها ومهمة القاضي هي: "الاجتهاد في الفصل في الخصومات بعدل"، وبإضافة كلمة الاجتهاد يصبح للقاضي دور واضح مناط به، ومتعلق بتحقيق وظيفة القضاء وهذا هو المقصود بمهمة القاضي ويقصد بكلمة الاجتهاد: بذل الوُسْعِ وفق الضوابط الشرعية والأنظمة المعتبرة المرعية في الفصل في الخصومات بعدل.

 

وبناءً على ما تقدم وما سيأتي تكون وظيفة القضاء هي: "الفصل في الخصومات بعدلٍ"، وأن مسؤولية القاضي أمام جهة الإدارة هي عن مدى إسهامه في الفصل في الخصومات بعدلٍ.

 

الإدارة واستقلالية القضاء:

توجد علاقة بين حسن الإدارة واستقلالية القضاء، وهذه العلاقة مبنية على مقدمات ونتيجة، فالمقدمات هي: أنَّ استقلالَ أيِّ عملٍ يعتمدُ على عدمِ التدخُّلِ فيه، وأنَّ عدمَ التدخلِ في العملِ يعتمدُ على مدى تحقيق العمل لمقصودة، وأن مدى تحقيق المقصود يعتمد على مدى إتقان العمل، وإتقان العمل يعتمد على حسن التدبير والإدارة بما يحقق أعلى مصلحة ممكنة للقضاء؛ لذا فالنتيجة هي: أن استقلال القضاء يعتمد على حسن التدبير والإدارة.

 

وبناءً على ذلك فإن أي قصور في إدارة القضاء أو في عمل القاضي سببٌ ومدعاة إلى انخرام استقلال القضاء، وباعثٌ على التدخل في القضاء للقيام بإجراء تصحيحي ربما لا يكون أحيانًا حسب المصلحة ؛ فالمتقن في عملة يترك ليعمل بحرية بينما غير المتقن سيضطر الإدارة والزملاء من التدخل في عمله لرفع النقص أو الضرر، ومن شأن ذلك أن يؤسس لأن يكون (التقصير في العمل وعدم إتقانه مدعاةٌ إلى تدخل غير المتخصص فيه وعلى غير مصلحة) ليس جديدًا، وخاصة عندما يتعلق الأمر بتطبيق شرع الله.

 

والقضاء من أخص الأجهزة الإدارية عناية بذلك، قال ابن القيم (691هـ-751هـ)، وهو يشير إلى اختلاف العلماء في العمل بما يتوهم أن الدليل عليه، لا فيما وافق الشرع  قال: "قلت: هذا موضع مزلة أقدام، ومضلة أفهام، وهو مقام ضنك في معترك صعب، فرط فيه طائفة فعطلوا الحدود، وضيعوا الحقوق، وجرَّءوا أهل الفجور على الفساد، وجعلوا الشريعة قاصرة لا تقوم بمصالح العباد، وسدوا على أنفسهم طرقا صحيحة من الطرق التي يعرف بها المحق من المبطل، وعطلوها مع علمهم وعلم الناس أنها أدلة حق، ظنا منهم منافاتها لقواعد الشرع، والذي أوجب لهم ذلك نوع تقصير في معرفة حقيقة الشريعة والتطبيق بين الواقع وبينها، فلما رأى ولاة الأمر ذلك، وأن الناس لا يستقيم أمرهم إلا بشيء زائد على ما فهمه هؤلاء من الشريعة، فأحدثوا لهم قوانين سياسية ينتظم بها مصالح العالم، فتولد من تقصير أولئك في الشريعة وإحداث هؤلاء ما أحدثوه من أوضاع سياستهم شر طويل وفساد عريض وتفاقم الأمر وتعذر استدراكه وأفرط فيه طائفة أخرى فسوغت منه ما يناقض حكم الله ورسوله وكلتا الطائفتين أُتِيَتْ من قِبل تقصيرها في معرفة ما بعث الله به رسوله فإن الله بعث رسله وأنزل كتبه ليقوم الناس بالقسط وهو العدل الذي قامت به السماوات والأرض فإذا ظهرت أمارات الحق وقامت أدلة العقل وأسفر صبحه بأي طريق كان فتم شرع الله ودينه ورضاه وأمره والله تعالى لم يحصر طرق العدل وأدلته وأماراته في نوع واحد، وأبطل غيره من الطرق التي هي أقوى منه وأدل وأظهر بل بين بما شرعه من الطرق أن مقصودة إقامة الحق والعدل وقيام الناس بالقسط فأي طريق استخرج بها الحق ومعرفة العدل وجب الحكم بموجبها ومقتضاها والطرق أسباب ووسائل لا تراد لذواتها وإنما المراد غاياتها التي هي المقاصد ولكن نبَّه بما شرعه من الطرق على أسبابها وأمثالها ولن تجد طريقا من الطرق المثبتة للحق إلا وهي شرعة وسبيل للدلالة عليها، وهل يُظَنَّ بالشريعة الكاملة خلافَ ذلك؟ ولا نقول: إن السياسة العادلة مخالفة للشريعة الكاملة بل هي جزء من أجزائها وباب من أبوابها وتسميتها سياسة أمر اصطلاحي وإلا فإذا كانت عدلا فهي من الشرع". (ابن القيم، 1322هـ : 4/ 372).

 

وظيفة الإدارة في تحقيق المقاصد القضائية:

تُسْتمَدُ أهميةُ أي عمل إداري في القضاء من مدى مساهمة ذلك العمل الإداري في تحقيق المقاصد القضائية والوظيفية وفق الضوابط الشرعية والنظامية، وتنتهي أهمية العمل الإداري بمجرد انتهاء الحاجة من المقصود، أو اتضاح أن العمل ليس طريقاً صالحاً لتحقيق المقصود، وبناءً على القاعدة الفقهية: (كل تصرف تقاعد عن تحصيل مقصودة فهو باطل) (ابن عبد السلام، 2000م: 249) يكون كل عمل إداري في القضاء تقاعد عن تحصيل مقصود القضاء غير مقصود شرعًا وممنوعًا.

 

فإذا كانت وظيفة الإدارة هي العمل على تصحيح تحقيق تلك المقاصد وفق الضوابط والأنظمة، وكان القضاء مستقلًا، وكان كل إجراء تصحيحي هو في الحقيقة تدخلًا في العمل من جهة، وتدخلًا في العامل من جهة أخرى: أفلا يكون عمل الإدارة حينئذٍ تدخلًا في عمل القضاء؟


وجواب ذلك هو: أولًا: أن تدخل جهة الإدارة ليس في الأقضية والأحكام؛ فلا سلطان على القضاة في قضائهم لغير سلطان الشريعة الإسلامية، وثانيًا: أن تدخل الإدارة هو من جهة المساندة لتحقيق المقاصد القضائية بأعلى كفاءة وفاعلية ممكنة.

 

لذا فالقاعدة الفقهية السابقة: "كل تصرف تقاعد عن تحصيل مقصودة فهو باطل" تصلح معياراً لضبط تدخل جهة الإدارة في العمل القضائي؛ بحيث يُميَّز في كل عمل إداري مؤثر في القضاء، هل يحقق أو يخدم مقصداً قضائياً، أو يعدُّ عملًا باطلًا؟ يتضح الدور الخاص للقضاء في ذلك في معرفة أن القضاء يختص بتطبيق شرع الله في رفع الخصومات، ولما أن وظيفة الإدارة هي تدبير الأمر بما يصلحه، ويكون دور الإدارة القضائية هو تدبير أمر الفصل في الخصومات من قبل القضاة بما يصلح أمر تطبيق الشريعة بعدل وإتقان فإذا تقرر ذلك تكون مهمة إدارة القضاء هي: (تمكين القاضي من الفصل في الخصومات بعدلٍ بأعلى درجة من الكفاءة والفاعلية).

 

وجميع ذلك على أهميته القصوى لا يكفي لتكون مهمة القاضي مكتملة ذلك لأن القاضي في معرض تعامله مع المتقاضين وجمهور الناس، يجسد - حسب ما يجب أن يكون عليه القاضي - القدوة والمثال لسلوك وتصرفات عموم المسلمين ولهذا تقع على عاتقه مسؤولية إضافية هي: أولًا: جعل الحكم الشرعي مقنعًا قدر الإمكان، ثانيًا: جعل الحكم الشرعي محببًا قدر الإمكان.

 

ولكن إذا أدركنا أن المنظومة الإدارية هي التي تفرض نمط العلاقة بين القاضي وأعوانه من جهة وبينه وبين المتقاضين من الجهة الأخرى أدركنا أن جهة الإدارة تتحمل مسؤولية جعل نمط العلاقات تلك متوافقًا مع مهمة القضاء ومنهاجيته، ويمكن ملاحظة نمط العلاقات التي تستدعيها المنظومة الإدارية عندما يدخل أحد المتقاضين إلى قاعة المحكمة ربما لا يعرف أحدًا فيها، ولكنه مع ذلك يدرك دور كل واحد من الموجودين حسب مكان جلوسه، وتصرفاته، ومسمى وظيفته، ويتوقع من كل واحد منهم بأن يتصرف وفق نمط معين، وبمقتضى مكانته ووظيفته، وحسب السلوك الذي تتطلبه وتتوقعه المؤسسة الإدارية منه، هذه الثقة المسبقة أو عدمها مصدرها تصور المتقاضي للأداء بناءً على العلاقات الإدارية التي تنشا تأسيسًا على العلاقة التي اقتضاها التنظيم الإداري، فتقسيم العمل فرض أن يكون هذا هو القاضي، وأن يكون الآخر من أعوانه، ويحكم هذه العلاقة الثقة في أن تصرف الموظف سيكون حسب مقتضى وظيفته بصفة عامة وحسب التجارب السابقة مع الموظف بصفة خاصة (245 :Robbins: 2009) ومن ذلك الثقة القائمة على معرفة القاضي أو على التعامل معه وهي معرفة المتقاضي بسلوك القاضي وثقته به بناءً على تجارب سابقة وينضم إليها من جهة المعرفة الثقة في علم ودراية وفهم القاضي وحكمته في التصرف بموجبها فإذا اجتمعت الثقة المبنية على طبيعة التعامل مع الثقة في العلم بالعمل عندها يكون القاضي أكثر إقناعًا وقبولًا من قِبَل المتقاضين ويتميز هذا النوع من الثقة في العلاقة بأنه لا ينخرم باختلاف الموظف أو تناقضه في سلوكه ما أمكن تفسير الاختلاف والتناقض ثم تبريره فالثقة بالعلم والعمل بناءً على التجارب السابقة تغفر الزلات والتناقضات ما لم تعززها تناقضات متتابعة (246 :Robbins: 2009).

 

إن مسؤولية القاضي في مجاله، بأن يكون في حكمه وسلوكه وهيئته مقنعًا ومحببًا للناس قدر الإمكان فيجب الاحتراز من أن ينسب تقصير القاضي أو قصوره إلى الشريعة السمحة فإن ذلك يعد من أعظم الفتن المعاصرة فإن جَعْلَ كلمة الله هي العليا هو المقصد الرئيس الذي تعد جميع المقاصد الفرعية الأخرى تابعةً له، ووسائل مؤدية إليه ويقتضي أن يكون  إظهار حقيقة شريعة الله في جمالها وكمالها مسؤولية كل مسلم بصفة عامة، وفي مجال عمله بصفة خاصة، وهذا ما يعالجه العلماء في الكتب المختصة في أدب القضاء، وكذلك في فصول أدب القضاء من كتب الفقه العام.

 

ومن أهم سمات إتقان العدل إبراز القاضي للأحكام الشرعية على حقيقتها، فيظهر بصورة مقنعة لذوي الفطر السليمة، ويظهر ذلك في أسباب حكمه، ثم إن أداء القاضي - وإن كان مقصدًا وظيفيًا خاصًّا بالقضاة - إلاَّ أنه يعد وسيلة لتحقيق مقصد أعلى للقضاء.

 

وللقضاء من الناحية الوظيفية مقصدان: عام وخاص، ولابد لجهة الإدارة من مراعاة ترتيب المقاصد والعلاقة بينهما في تصميم الأهداف ووضع السياسات وهي كالآتي:

المقصد العام هو: دفع مفاسد التنازع والتظالم قبل حدوثها، والمقصد الخاص هو: رفع مفاسد التنازع والتظالم بعد حدوثها. وكما هو معلوم فإن المقصد الخاص الذي هو رفع مفاسد التنازع والتظالم بعد حدوثها، وإيصال الحقوق إلى أصحابها وقطع النزاع ورفع التشاحن وإزالة الضغائن؛ يمثل الجانب المباشر والظاهر للمؤسسة القضائية في كل مجتمع إلى درجة يكاد يُنسى معها المقصد العام للقضاء، الذي هو دفع مفاسد التنازع والتظالم قبل حدوثها، لما أن هذه هي وظيفة الحسبة بالدرجة الأولى وليست وظيفة القضاء حسب الأصل فالشرط فيه أن تكون الدعوى في أمر حالٍّ وليس في أمر مستقبلٍ، ومع ذلك فاتساق الأحكام القضائية وثباتها له عظيم الأثر على درء مفاسد التنازع قبل حدوثها، فلا يهمل.

 

تضبط العلاقة بين المقصد العام للقضاء والمقصد الخاص بإجراء العمل على تحقيق المقصدين وفق القواعد الفقهية وعلى عدة محاور:

الأول: أن الأصل الجمع بين المقصدين فلا يرجح بينهما مع إمكان الجمع، إلاّ إذا لم  يمكن العمل بِكُلّ واحد منهما فإن أمكن العمل بِكُلّ واحد منهما ولو مِن وجْه، كان العمل به أَوْلَى مِن الترجيح الذي فيه تقديم الراجح على المرجوح، وفيه ترْكٌ لِلمقصد الثاني، والإعمال أَوْلَى مِن الإهمال.

 

الثاني: تقديم المصلحة الأعم على المصلحة الأخص عند التعارض وعدم إمكانية الجمع بينهما، "فيحكم على المصلحة الخاصة لأجل المصلحة العامة" (الشاطبي، 1322هـ: 3/ 257)، وهذا يعني لزوم إدارة القضاء بسياسة تنفي التعارض بين المقصدين العام والخاص، وتجمع بينهما.

 

الثالث: تقديم الدفع على الرفع، فدفع الخصومات مقدمٌ على رفعها، فكل خصومة أمكن دفعها عند ظهور أول أسبابها أو مقدماتها  قبل حدوثها يجب دفعها، ولا يجوز انتظار وقوعها عملا بقاعدة: "الدفع أولى من الرفع" (ابن القيم، 1987: 2/ 124).

 

والمقصد الخاص هنا - وإن كان متعينًا في محله - إلا أنه بالجملة هو تبع للمقصد العام عند التحقيق؛ الأمر الذي يضيف قيدًا على توجيه إدارة المعرفة للقضاة، وهو لزوم أن تستهدف جعل المقصد الخاص للقضاء خادمًا ومحققًا للمقصد العام للقضاء، وبأعلى درجة ممكنة.

 

تكامل رفع المفاسد ودرئها عبر القضاء:

يبقى سؤال مهم وهو: كيف يُجْعلُ رفع المفاسد عبر القضاء بعد وقوعها خادمًا ومحققًا لرفع المفاسد دون قضاء؟ أي قبل وقوعها، وخاصة أن القضاء بجميع درجاته ومحاكمه المتخصصة وهيئاته لا يملك التدخل في درء مفسدة، أو رفعها إلاَّ بعد إنشاء الدعوى، وحدوث الخصومة أو ظهور أُولَى مقدماتها، فكيف يمكن تحقيق ذلك؟



من المقرر في علم النفس والقانون الجنائي أنه كلما ارتفعت درجة التيقن من حجم العقوبة التي سيحكم القضاء بها على الجناية، زاد الردع، وأنه كلما انخفضت درجة التيقن في احتمال عدم كشف الجاني، والقبض عليه، ومن ثم عرضه على القضاء وإدانته، زاد الردع، ومعنى ذلك أن التحكم في مستوى اليقين والشك اللذين يظهران في الأحكام والأنظمة المرعية، وفي التعامل الحقوقي والقضائي من قِبل المختصين يمكن أن يؤدي إلى تكثير جانب الردع والدفع (451 :1999 ،Harel Segal).

 

ويستنتج من ذلك وجود ثلاثة مؤثرات على مسألة كون القضاء رادعًا ودافعًا للخصومات، وهي:

الأول: صدق توقع اكتشاف المخالف وضبطه وتنفيذ الحكم بعد صدوره: فكلما زاد لدى المخالف احتمال أنه سيكتشف ويُحال إلى القضاء، زاد احتمال الردع والدفع، ومع ذلك فهو خارج عن موضوع هذا البحث؛ لكونه من أعمال الشُرَط ؛ وهو خارج عمل القضاء.

 

الثاني: صدق توقع الإدانة والحكم على المخالف: فكلما زاد لدى المخالف احتمال أن القضاء سيفصل في أمره، زاد احتمال الردع والدفع.

 

الثالث: صدق توقع حجم العقوبة على المخالف: فكلما زاد لدى المخالف احتمال أن العقوبة مغلظة ومتحققة، زاد احتمال الردع والدفع.

 

الأمران الثاني والثالث من اختصاص القضاء، ويقعان تحت نظر الجهات المختصة بإدارة مرفق القضاء، فكلما تيَقَن الجاني من أن العقوبة على جنايته والفصل فيها أمران واضحان ومتحققان، كان ذلك رادعًا له، ومانعًا من وقوع الجناية منه، ومعنى ذلك أنه: كلما كانت نسبة انتهاء التقاضي إلى الحكم المتوقع، كان ذلك رادعًا ودافعًا لوقوع المفسدة، والعكس صحيح، فكلما كانت نتيجة التقاضي غير مؤكدة، من حيث إن القاضي أحيانًا يحكم، وأحيانًا يصرف النظر، وأحيانًا يتم التراضي أو يكون الحكم مخففًا، وكذلك كلما كانت الأحكام الصادرة في القضايا المتشابهة متخالفة ومتفاوتة، أو غير متقاربة، كان الردع والرفع المتحصل منها ضعيفًا، ولإدارة المعرفة وظيفة في تعزيز مقصد الردع، وهو أنه كلما كانت خبرات القضاة ومعارفهم مشتركة ومتبادلة بينهم وبكثافة عالية تقاربت الأحكام، وتشابهت السبل المؤدية إليها وفي ذلك تعزيز وتحقيق لمقصد الردع.

 

المبحث الثاني: تطور الوظيفة القضائية

رأس المال القضائي: عمل القاضي يمثل مكنزًا ورأس المال الفكري في المؤسسة القضائية، والقضاة يعدون أهم الأصول الفكرية في صنعة القضاء، وأهم مكونات الثروة القضائية.

 

في السابق كانت المصادر الطبيعة والموجودات الثابتة والنقد أهم مكونات الثروة الوطنية والمنشآت الإدارية، أما الآن فقد صار رأس المال الفكري أهم مكون للثروة، فرأس المال الفكري هو رأس المال الحقيقي للمنظمة الإدارية، ولكن ليس حسب الطبيعة، فالانتفاع من رأس المال الفكري يتطلب تحويل المعرفة المفيدة إلى رأس مال يمكن توظيفه في تحقيق مقاصد الجهات الإدارية، ولا يمكن ذلك إلا بعد اكتشافها واكتنازها وتوظيفها لصالح المنظمة الإدارية، (صالح، 1430هـ: 3).

 

وبالاشتقاق من تعريف رضا صالح (1430هـ : 8) لرأس المال الفكري وبعد التصرف فيه، يمكن تعريف رأس المال القضائي بالآتي: "مجموع الأصول الفكرية في الصنعة القضائية والمعتمدة على العقول البشرية المتخصصة في الإنتاج المستمر للقيم المضافة إلى العمل القضائي من جميع جوانبه".

 

وتكمن الإشكالية في أن المعارف تسير حيث سار صاحبها،وتذهب حيث ذهب. ومن هنا بدأت إشكالية احتفاظ جهة الإدارة بالمعارف بعد مغادرة أفرادها بالتقاعد أو الاستقالة أو الوفاة. فقد تبين من خلال بعض الدراسات أن مرونة المؤسسة وضمان بقائها مرتبط بالتتبع المستمر للمعارف المتواجدة في البيئة الخارجية مع الاهتمام بالمعارف الداخلية، فالمؤسسة لا تعمل بالمعرفة الظاهرة فقط بل تستعمل معها المعرفة المفهومة والمضمرة - سيأتي بيانها.

 

إن الكثير من المؤسسات ومنها القضاء أدرك أن معرفته المضمرة تمثل الجانب الأكبر والأهم من معارفها. وهي لا توجد في الوثائق أو في الأنظمة والسوابق القضائية، وإنما توجد في خبرات علمائها وتفاعلات قضاتها وأساليبهم الخاصة في توصيف الأقضية والحكم بعدل؛ أي توجد في حدس الأفراد الذي يبصرون بها، ولكنهم لا يستطيعون كتابتها، أو الإبلاغ عنها، أو تفسيرها تفسيرًا واضحًا، فنجد مثلًا أفرادًا لهم مدة طويلة في ممارسة عملهم؛ مما مكنهم من الحصول على خبرة متميزة ولكن ربما لضعف مستواهم الدراسي، أو لعدم ممارستهم للكتابة في عملهم لا يستطيعون تدوين تلك المعرفة الضمنية. لذلك نستعمل ذكاء الأعمال - الذي سيأتي بيانه لاحقًا - لكي نحول تلك المعرفة الضمنية إلى معرفة ظاهرة ترفع الرصيد المعرفي للمؤسسة للوصول بها إلى درجة الحكمة (خماخم، 1432هـ، أ: 5).

 

وظيفة القاضي وإدارة المعرفة:

إن صنعة القضاء مهنة احترافية متخصصة، وتصنف مخرجاتها من حيث النوع بأنها من الأعمال المهنية الاحترافية، فهي عمل معرفي يتطلب أن يساس بإدارة معرفية، وهي - كما سبق بيانه -  الإدارة التي تُعنى ببناء الإجراءات الكفيلة بتجميع وتنظيم وتوزيع المعرفة الجمعية - مجموع معارف المتخصصين في قطاع القضاء - لأجل توفير المعلومة المناسبة للشخص المناسب في الوقت والصورة والكيفية المناسبة (365 :Robbins: 2009).

 

وكون المحاكم في المملكة العربية السعودية  تشبه المؤسسات المهنية الاحترافية التي تقدم خدمات معرفية دون مقابل؛ فهي بحاجة إلى انتهاج نمط إدارة المعرفة بصفة خاصة تقتضيها طبيعة العمل القضائي، والعمل المعرفي في المؤسسات المهنية الاحترافية ينقسم إلى نوعين يكمل بعضهما بعضًا؛ الأول: عمل متعلق بالمعرفة نفسها (المخزون العلمي والمعلوماتي)، والثاني: عمل متعلق بتفعيل المعرفة (المخزون الإجرائي والخبرات). (Davenport, Smith, 1998).

 

تعد وظيفة القاضي حسب الأصل من الوظائف المعرفية وزيادة، أما كونها من الوظائف المعرفية فلأنها مستقلة عن الإدارة مثل وظيفة الطبيب، فمدير المحكمة أو رئيس المحكمة لا يستطيع أن يأمر القاضي في عمله من حيث الحكم الذي يصدره، وفي غير ذلك من الأمور التي هي من اختصاص القاضي تمامًا مثل أن مدير المستشفى لا يستطيع أن يأمر الطبيب في عمله ويزيد القضاء عن الطب في أن أحكام ونظام،وأعراف القضاء تمنع جهة الإدارة من التدخل في اجتهاد القاضي، وفي أحكامه التي يصدرها.

 

هذا بالإضافة إلى أن الحاجة إلى المعرفة في وظيفة القاضي في تطور مستمر ونمو مؤثر في أدائه، وهو أمر يتطلب من جهة الإدارة التكيف معه في سبيل رفع كفاءة عمل القضاة ولأجل ذلك يلزم طرح تساؤلٍ مهم هو: ما الذي تغير في المعرفة المطلوبة في عمل القاضي هذا اليوم عن الماضي، ويؤثر في أداء القضاة؟


ومن الأمور المقررة أن مهنة القضاء تتطلب التفريق بين الأمور الدقيقة والمتشابهة، ويختلف هذا عن التفريق العادي بين الأمور الذي يحسنها أغلب الناس فالمقصود هنا هو التفريق الذي يفصل الأمور المجملة عندما يتوقف أغلب الناس فيها لعدم مقدرتهم على التفصيل ويعرف عند أهل الإدارة بالتفريق القوي - powerful distinction - وميزوه عن التفريق العادي الذي يحسنه كل الناس (1955:202,Skinner) ويعدُّ  ويعتبر هذا النوع من التفريق من سمات موظفي المعرفة، فهم المختصون به.

 

فما الذي تغير في المعرفة المطلوبة في عمل القاضي اليوم عمَّا مضى، ويؤثر في أداء القضاة؟

والإجابة عن ذلك جزئيًّا في القول المأثور المتداول: "دوام الحال من المحال"، فالتغير والتطور في الخمسين سنة الماضية الذي يعيش الناس آثاره اليوم في هذا العصر أمر غير مسبوق، وكذلك التغير الذي حدث في المملكة العربية السعودية خلال المدة نفسها غير مسبوق أيضًا، ومن المؤكد أنه سيكون لكل ذلك تأثير عميق على طريقة العمل والإدارة في مختلف المجالات، فقد تغيرت أشياء كثيرة في بيئة القضاء خلال خمسين سنة مضت، وهي مؤثرة فيه وسنذكر منها في هذا البحث وعلى سبيل المثال خمسة أمور هي: تغير الواقع العملي، وتغير الواقع التقني، وتغير الواقع النظامي، وتغير الواقع الاجتماعي، وتغير الواقع المعرفي.

 

أ- تغير الواقع العملي: لقد تغير الواقع العملي باتجاه زيادة كمية المعرفة وأنواعها، فقبل خمسين سنةً كان الغالب الأعمُّ من القضايا المنظورة أمام القضاء من النوع الذي يكون بين أشخاص حقيقيين، وفي قضايا يسيرة، فلا يتطلب الحكمُ فيها سوى معلوماتٍ يسيرة، ودرجة التخصص فيها منخفضة، واستنباط الحكم فيها لا يتطلب - في الغالب - سوى تحقيقِ مَناطه، والذي نلحظه الآن أنه في الغالب  يكون أحد المتقاضيَيْنِ شخصيةً اعتبارية، وأن القضية يحكمها نظامٌ، ومعيار مهني، وعرف خاص؛ ولهذا كلِّه فإن كميات المعلومات التي يستهلكها القاضي لدراسة القضية تكون أضعافًا مضاعفة عمَّا كان عليه الحال قبل خمسين سنة خلتْ، بالإضافة إلى أن استنباط الحكم يتطلب تنقيحَ مناطه، وتخريجه، وتحقيقه، في الكثير من الأحيان، ولا بد من ذِكر توصيف الحكم وتسبيبه، وأن يتمَّ جميعُ ذلك وِفْقَ شكل معيَّن متعارَفٍ عليه، الأمر الذي أدى إلى تزايد في كمية المعرفة اللازمة لإصدار الأحكام، وترتب على تلك الزيادة زيادة في أنواع المعارف المطلوبة وتمايزها بعضها عن بعض، واختلاف كيفية إعمالها في القضاء.

 

ب- تغيُّر الواقع التِّقنِي: قبل تقنية المعلومات كانت أغلب الأنظمة المحاسبية عبارة عن أنظمة رقابية بالدرجة الأولى، وأغلب الأنظمة الرقابية عبارة عن رقابة شكلية، وسبب ذلك عدم القدرة البشرية على معالجة معلومات مكثفة بسرعة صالحة للعمل الإداري، الأمر الذي أدى إلى الاقتصار على الأنماط المحاسبية والرقابية التي لا تستهلك في عملها كمية كبيرة من المعارف والمعلومات(Drucker, 2001: 100-105)، فالأساليب المحاسبية التقليدية تركز على الأمور المادية والكميات فقط، وتعكس نتائج التعاملات السابقة والتدفقات النقدية، صالح (1430هـ: 10)؛ لذا نرى أن الرقابة الإدارية تكاد تنحصر في الرقابة الكمية الشكلية، وليس في الرقابة المعرفية أو الفكرية الموضوعية، ومثال ذلك الرقابة على الحضور والغياب، وساعات الدوام، وعدد الإنتاج أو حجمه، وغير ذلك، وتركز مقاييس رأس المال الفكري على الحقائق غير المادية والنوعية وعلى صناعة قيمة مضافة للعمل، صالح (1430هـ: 9-12)، وهي على سبيل المثال في إنتاجية القاضي التي تنظر إلى مهمة القاضي، وهي ممارسة وأداء العدل في النظر القضائي؛ بغية الوصول إلى أدق حكم يتفق مع شرع الله كما سبق توضيحه.

 

ومثل ذلك يمكن أن يقال في المحاسبة التي تنظر إلى راتب القاضي على أنه تكلفة وفق منظور الإدارة التقليدية، والتفريق بينها وبين الإدارة المعرفية، التي تنظر إلى راتب القاضي على أنه استثمار فالنمط الأول يمكن الوصول له عبر جمع الرواتب لاحتساب التكلفة الإجمالية ويعرف منها مباشرةً أنها مجدية مقابل الدوام المطلوب من القاضي بينما حساب الجدوى المعرفية من الاستثمار في القاضي يتطلب احتساب إنتاجية القاضي وأدائه المعرفي حسب مهمة القاضي من جهة والقضاء من الجهة الأخرى وتكون بالنظر إلى كيف تستخدم المعرفة من قبل القاضي والجهاز الإداري في الإنتاجية وبخاصة من جهة تحقيقها المقاصد القضائية وهذه العملية تستهلك كمًا هائلًا من المعلومات لقياس الجدوى المعرفية ومن أجل ذلك لم تكن هذه الطريقة ممكنة قبل استخدام تقنية المعلومات ودخولها إلى العمل الإداري.

 

ولعل أهم تأثير للمعلوماتية في أي عمل هو التقليل الشديد من أهمية المكان والزمان ويترتب على ذلك في العمل القضائي عدة أمور منها الآتي:

1- الاختصاص المكاني: متى طبقت المعلوماتية بصورة صحيحة في القضاء ستنتهي أهمية الاختصاص المكاني وسبب ذلك أن المسافة بين القاضي ومعلومات القضية وبينه وبين المتقاضين لم تعد مهمة ومن أمثلة ذلك الآتي:

• مبدأ الدعوى في بلد المُدَّعَى عليه: سببه رفع الحرج والمشقة على المدعى عليه استصحاباً لبراءته الأصلية في الدعوى، وهذا النوع من الحرج رفعته التقنية، فيستطيع أن يقدم المُدعِي دعواه في مدينة جدة على مُدَّعًى عليه في مدينة الدمام، ويقبلها القاضي في جدة، ويستطيع أن يطلع على ملف القضية عندما يكون المدعى عليه في الدمام دون الانتقال إلى جدة عبر الحاسب الآلي فتبادل جميع البيانات عليه دون الحاجة إلى انتقال المدعي إلى بلد المدعى عليه.

 

• مجلس القضاء: يمكن للقاضي والمتقاضييْن والشهود أن يكون كل واحد منهم في مدينة غير المدينة التي يوجد بها الآخر فالقاضي في الدمام والشهود في الرياض والمدعي في تبوك والمُدعَى عليه في نجران والطريقة أن يذهب كل واحد منهم إلى المحكمة التي تليه، ويتوجه إلى غرفة الاتصال الرقمي فتعقد الجلسة عبر الدوائر التلفزيونية فيستطيع كل واحد منهم رؤية الآخر مباشرة والتخاطب معه وتبادل البينات ومن الواضح أن ذلك يتطلب تغير الأنظمة والإجراءات للعمل القضائي.

 

2- الاختصاص الزماني: يستطيع المدعي إرسال دعواه بالبريد الإلكتروني من أي مكان في أي وقت، فكل الإجراءات القضائية التي ليس فيها مجلس قضاء يمكن الاستغناء عنها وعدم الاقتصار على النطاق الزماني للعمل.

 

ونتيجةً للتغيُّرات الجذرية التي تحدثها تقنية المعلومات في البيئة الإدارية ستضطر الإدارة إلى التخلِّي عن الكثير من الموظَّفين وبخاصة في الإدارة الوسطى واستبدالهم بتقنيات مُختلفة للقيام بنفس الأعمال والعمل الذي كان يتطلب في الماضي عشرة أشخاص أو أكثر للقيام به، يستطيع أن يقوم به شخصٌ واحد، مستخدمًا تَقْنية المعلومات، ويواجه الموظفين أحدُ ثلاثة احتمالات:

الأول: الترقية إلى الإدارة العليا، وهذا لن يشمل إلاَّ العدد القليل جدّاً منهم.

 

الثاني: الانتقال إلى العمل في الأساس الفني للإدارة والذي يمثل خط الإنتاج المعرفي، ويشمل كلَّ عملٍ أو عاملٍ له عَلاقة مُباشرة بتحويل المدخَلات إلى مُخرجَات (18-25 :Mintzberg, 1979). ومن موظَّفي الأساس الفني؛ القُضاة، وملازموهم، وأعوانهم، والعاملون معهم؛ وهذا يعني: أنَّ الأساس المعرفي للإدارة ونتيجةً للتقدُّم التقني سيتوفَّر له عدد أكبرُ من المتخصصين للعمل فيه؛ لذا فجميع أعماله ستقسَّم إلى أجزاء أصغر، وبتخصص أكبر، فالتقنية الرقمية مكَّنت من تقسيم العمل إلى أجزاء مُتخصصة بدرجة أكبرَ عدداً وأكثر انتشارًا، وأعمق تخصصًا، دون أن يتسبب ذلك بمشكلة في التنسيق بين الأعمال المقسمة أو في التكامل بينها.

 

ج- تغير الواقع النظامي: أصبحَ عمل القاضي في النِّظام الجديد مقسَّماً إلى تخصصات أكبر عددًا، وأكثر تخصصًا، بالمقارنة مع ما كان عليه العمل في السابق، وهي تخصص القضاء الجزائي، وتخصص قضاء الأحوال الشخصية، وتخصص القضاء الإداري، وتخصص القضاء التِّجاري، وتخصص القضاء العمالي، وتخصص القضاء العام. وكل من هذه التخصصات تندرج تحته تخصصات فرعية أدق، كل منها يمكن أن يشكل في المستقبل حقلا معرفيًا مستقلًا بحيث يتطلب دراسة وتدريبًا وتحصيل شهادات متخصصة للعمل فيه، هذا بالإضافة إلى أنَّ أي ترقية أو تحوُّل إلى تخصص مختلف في مجال العمل أو فرع متخصص منه، سيتطلب في المستقبل إعادة تأهيل للعمل من جديد، كون المعرفة بين العمل السابق والجديد تمايزت.

 

د- تغير الواقع الاجتماعي: يُعرَّف تطور المجتمعات بالسِّمةِ الدائمة فيه، وهي الانتقال من حالة بسيطة يسيرة إلى حالة أكثرَ تعقيدًا؛ لذا فمن المتوقع أنْ يستمر التطوُّر في الاتجاه نفسه، وهو صدور أنظمة حكومية جديدة في مختلف مناحي الحياة وصدور معاييرَ مهنيةٍ جديدة تصدرها جهات مهنية أهلية غير حكومية في مختلف الأعمال وسيؤدي ذلك إلى مزيد من تنوع الأعراف الخاصة وهذا كله سيجعل عدد القضايا يزيد وكذلك كَمِّية المعلومات اللازمة لدراسة كل قضية ستزيد سعة وعُمق العمليات الاستنباطية - من تنقيحٍ وتخريج وتحقيق للمناط - سيزداد؛ لذا فمن المتوقع أن تؤدي الزيادة العددية والتمايز النوعي للقضايا إلى إنشاء محاكمَ جديدةٍ، وهذا بدوره قد يُؤدي إلى زيادة الاستثمار المعرفي في العمل القضائي وإلى زيادة أهمية تدقيق وتقويم الأداء للقضاة، وهذه ظاهرة عالمية، فقد جاء في تقرير للجنة تقويم وتحديث القضاء الهولندي أن القضاء في هذا العصر مضطر للتعامل مع النمو القوي في الطلب على التقاضي لدى المحاكم، بالإضافة إلى أن تزايد تعقيدات القضاء أدى إلى  زيادة الحاجة إلى الاعتماد المتبادل بين الجهات القضائية، وإلى الاعتماد على وسائل التقنية الحديثة، ومنها تقنية المعلومات، وتوصلت اللجنة إلى تصور عام هو أن هذا التطور في المجتمع جعل مجلس القضاء ومجالس المحاكم عرضة لخطر التخلف السريع (Committee for the Evaluation of the Modernization of the Dutch Judiciary, 2006: 32).

 

هـ- تغير الوقع المعرفي: إذا قسمنا كلاًّ من المواد الخام والطاقة والعمل اللازم لإنتاج والتصنيع إلى وحدات قياسية فسنلحظ الآتي: أن وحدات العمل اللازمة لإنتاج وحدة تصنيع مضافة في انخفاض مستمر بنسبة 1% في العام منذ العام 1900م، وكذلك هو الحال بالنسبة لكل من وحدات المواد الخام منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وكذلك وحدات الطاقة منذ العام 1950م، وفي المقابل ومنذ العام 1880م وهو وقت البدء باستخدام الهاتف ومبادئ الإدارة العلمية التي أسسها ونسلو تايلور (1856-1915) - Frederic Winslow Taylor، فإن وحدة المعلومات اللازمة لإنتاج وحدة صناعية مضافة في ازدياد مطرد بنسبة 1% كل عام، وهو نفس المعدل الذي بدء دخول المتعلمين إلى قطاع إدارة الأعمال، لذا فالحاسب الآلي وإن كان سببًا في ثورة المعلومات ولكنه ليس سببًا للمعلوماتية في العمل وإنما نتيجة للمتطلبات العمل المعلوماتي المتنامي (Drucker, 2009: 21). وبالمقارنة بين زيادة الحاجة إلى العمل المعرفي ونقص الحاجة إلى العمل اليدوي،حسب توصيف نيكولس (1983م) وبعد تنزيله وتكييفه على واقع القضاء يمكن تصور شخص يشاهد عمل القاضي في قضايا مرتبة على مكتبه، فما الذي يراه؟

 

• تصرف القاضي في القضايا لا يرى مباشرة فهو لا يعتمد على المواد أو الحركة، وإنما على المعلومات والتفكير؛ لذا فهو تصرف خفي غير ظاهر يتم في ذهن القاضي، ونتائجه غير مباشرة، فقد يثبت القاضي صفات مؤثرة في الحكم لم ترد في حيثيات القضية وإنما مستنبطة منها، وغير آنية، فالقضية السهلة قد يطول النظر فيها، وتكثر الجلسات، والقضية الصعبة قد يسهل النظر فيها وتقل الجلسات اعتمادًا على مجموعة من المعطيات المتعلقة بتوفر المعلومات اللازمة وتعامل المتقاضيين والمحامين معها.

 

• ومعايير نظر القاضي في القضايا تعود إليه وليس إلى مديره أو زميله، فكل قاضٍ له أسلوبه الخاص في كيف يدرس ويفكر ويتعامل مع القضية ومع أعوانه والمتقاضيين ووكلائهم، وطريقته الخاصة هذه غير مسبوقة التحديد فهو المتحكم بها، والمعرفة اللازمة لإنهاء العمل متفرقة بين القاضي وأعوانه وأطراف القضية ووكلائهم؛ لذا فعمل القاضي تكاملي ولا يتبع ترتيبًا معيَّنًا فقد تقدم مسائل للنظر في قضية وتؤخر في غيرها.

 

• إن مركز التحكم في عمل القاضي يعود إلى التقاضي نفسه الذي تحكمه ضوابط شرعية وأنظمة معتبرة ومرعية ومعايير مهنية فيتصرف القاضي وفق متطلبات التقاضي وهي مختلفة عن جهة الإدارة ولكن مصدر التحكم يعود إليه فهو الذي يوجه عملية النظر في الخصومات والفصل فيها وفق رؤيته لما يجب أن يكون عليه التصرف العادل ولا يملك أحد الإملاء عليه، وهو يملك أدوات العمل فآلة الاجتهاد والاستنباط وتفصيل الصفات المؤثرة في الحكم وتميزها عن الصفات غير المؤثرة في الحكم جميع ذلك يحمله القاضي في ذاكرته وعقله وقلبه ومتى ترك العمل أخذ معه عقله وقلبه وذاكرته التي يختزن فيها جميع أدوات العمل المعرفي؛ لذا فمقياس الأداء هو الإسهام في الفصل في الخصومات بالعدل، ودوره دور الوسيط لرفع النزاع وتحصيل العدل.

 

• توازن القوى في عمل القاضي موزع بين العلاقات والمعرفة، فكلما كانت معرفة القاضي أعلى وعلاقاته أوسع، زادت مصادر القوة لديه.

 

ولعل الأمر المميز الذي يمكن اعتباره أهم إنجاز للإدارة في القرن العشرين هو رفع إنتاجية العامل اليدوي إلى خمسين ضعفًا في مجال التصنيع، بينما أهم إنجاز على الإدارة أن تحققه في القرن الحادي والعشرين هو أن تزيد من إنتاجية العمل المعرفي وعامل المعرفة (Druker, 1999)، فمع نهاية القرن التاسع عشر وبداية الإدارة العلمية مع فريدريك وينسلو تايلور (1915-1856)، الذي خالف من سبقوه أمثال هيسود - Hesiod - و فيرجل - Virgil- و كارل ماركس  Karl Marx في نظرتهم للعمل اليدوي في أن الأمر المنتِج فيه هو مجرد أداء العمل،فلا يتطلب شيئًا غير الجهد العضلي، فلا فرق بين عامل وآخر سوى النشاط والكسل، وذلك بإثباته أن قيمة العمل اليدوي ليس في مجرد الحركات المكررة والمتتابعة، وإنما في العنصر المؤدي إلى الإنتاج فيه وهو المعرفة المضافة إلى هذه الحركات، والمتمثلة في  ترتيب الحركات البسيطة التي يقوم بها العامل اليدوي وإعادة تركيبها في سياق منظم وعمل منتظم (Druker, 1999). وهذه المعرفة المضافة إلى الحركات هي من خصائص عمل القاضي، وهذا يقتضي توسيع إطار النظر إلى الوظائف القضائية بحيث تشمل ثلاثة محددات مهمة يجب دراستها لتصميم سياق عمل ملائم للمتطلبات المهنية في مجال القضاء، وهي: المعرفة المطلوبة والمضافة في الوظيفة، والمهارة، والمواقف. وقد جرت العادة أن يهتم بتقدير المتطلبات العلمية والمهارات اللازمة للعمل لسهولة قياسها في مقابل إهمال الجانب المعرفي والمواقف.

 

والمقصود بمتطلبات العمل المعرفي هو العلم بما يحتاج القاضي إلى إضافته والمبني على معرفته عن العمل نفسه وعن العاملين معه، وعن متطلبات الموقف فإن جميع ذلك يمثل الأساس لاتخاذ القرارات وإصدار الأحكام واكتشاف المشاكل وتوجيه الاهتمام؛ لأجل ذلك فإن دراسة المتغيرات المعرفية للوظيفة يعني تحديد سياسات اتخاذ القرار وتحديد الأنماط المستخدمة في إصدار الأحكام وتحديد الاعتبارات المناسبة لأداء المهمات وتنفيذها، (Salas,Cannon-Bowers, 2000: 46-54)، ولا مناص للقاضي في عصر المعرفة من أن يتسنم القيادة في عمله، ويتقن صنع المعلومات من البيانات، وصنع المعرفة من المعلومات، واكتساب الخبرة من تراكم تلك المعرفة، ومن ثم يحصل له فراسة وحكمة لا يستهان بهما في تقدير مآل الأمور واتخاذ القرار بأقل ما يمكن من الخطأ، وأقل نسبة عدم التأكد والمخاطرة (خماخم، 1432هـ، أ: 5-6)، وجميع ذلك ضروري وحاسم في تصميم برامج تأهيل القضاة لاتخاذ القرار السليم وإصدار الحكم القويم.

 

كما يجدر أيضًا توجيه الاهتمام إلى الموقف والعواطف المتعلقة بالعمل القضائي فهي جزء لا يتجزّأ مما يفعله القاضي في عمله، فالعواطف تحدد: كيف ومتى وهل يؤدي الموظف عمله؟؛ فالذي يشعر به الموظف باتجاه عمله - موقفه منه - في بعض الأحيان يكون بأهمية ما يفكر فيه أو يؤديه بالفعل (Salas,Cannon-Bowers, 2000: 46-54). وفي مثل هذا الوضع فإن التحدي يكمن في التوفيق بين بنية مجموعات العمل وأعراف العمل وثقافته وقيمه والتي تمثل المنظور الكلي للعمل وبين النطاق الواسع للموظفين وسلوكياتهم في أعمالهم وممارساتهم الإدارية ومعايير العمل لديهم والتي تمثل المنظور الجزئي للعمل. (1997) Bahrami, Evans.

 

المبحث الثالث: العمل المعرفي للقضاة

يُستنبطُ العمل المعرفي للقضاة من مهمة القاضي وعمله الأساس، وهو كما سبق بيانه الاجتهاد في الفصل في الخصومات بعدل وعملية الفصل في الخصومات تعتمد بالدرجة الأولى على مجموعة من الإجراءات المعرفية المتخصصة تشمل عملية توصيف الأقضية، فلا بد للحكم القضائي من حكم كليٍّ مفسر وواقعة قضائية مفسرة مع مراعاة لأصول التوصيف وبناءً على ذلك يكون العمل المعرفي للقاضي هو: تحلية الواقعة القضائية الثابتة بالأوصاف الشرعية المقررة في مُعَرِّفَات الحُكْم الكلي بعد اكتمال المرافعة.

 

وتعني أن القاضي حقق النظر في الخصومة القضائية المنظورة لديه، فتقرر لديه انطباق أوصاف الحكم الكلي عليها فاتصفت الواقعة بأوصاف الحكم الكلي (ابن خنين،  1423هـ: 44/ 1-46)، وجميع هذا العمل يتم في ذهن القاضي وفق عمليات فكرية منظمة وسبق تصميمها والتدرب عليها وهذا يمثل الجانب المعرفي لعمل القاضي فإن تمَّ بإتقان وكانت الأوصاف صادقة في الدلالة على الموصوف يكون مقصد الفصل في الخصومات بعدل قد تحقق، وتكون وظيفة إدارة المعرفة هي حفظ هذه المعرفة والسمات المرتبطة بالممارسات الأفضل ونقلها إلى جميع القضاة.

 

ويفهم من ذلك أن محدد تحسين الأداء الذي يشار إليه في دراسات الإدراك بالمعرفة السابقة، ويوجد نوعان من المعرفة السابقة، المعرفة المجردة والمعرفة الموقفية.

 

فالمعرفة المجردة هي معرفة النطاق الأساسي أو البنية المحددة لمجال المشكلة - ويقابل ذلك في القضاء تنقيح المناط وتخريجه - بينما المعرفة الموقفية هي  معرفة مثال سابق للعمل - ويقابل ذلك في القضاء معرفة السوابق القضائية ومعرفة القضايا المتماثلة أو القياس الجلي عليها، والخبراء أمثال موظفي المعرفة المحترفين، يكون أداؤهم متميزًا لأجل أن لديهم معرفة تجريدية أكثر تطوراً، بالإضافة إلى تخزين الذاكرة لمعرفة موقفية أكثر غزارة وعمقًا (Hesketh, Neal, 1999).

 

فمن سمات المحترف في عمل معرفي أن يمتلك صنعة التفكير في مجال المعرفة المتعلقة بعمله بحيث تتطلب منه مداومة المطالعة وتجديد المعارف وتنميتها وفي العمل في منشأة مثل القضاء، يتطلب حفظ المعرفة ونقلها والسمات المرتبطة بالممارسات الأفضل إلى جميع القضاة تقسيم المعارف إلى أربعة مستويات مرتبة تصاعديًا هي: المعرفة الإدراكية والمهارات المتقدمة، وفهم منظومة العمل، وأعلاها وهو القصد الذاتي للابتكار  Quinn, Anderson & Finkelstin 1998: 182-189، ومن ثَم اتخاذ الإجراءات المناسبة لكل نوع بغرض تنميته ونشره.

 

وفيما يلي تكييف علاقة هذه المستويات مع مهمة القضاة:

1- مستوى المعرفة الإدراكية - Cognitive Knowledge - (علم ماذا): ويمثلها التأهيل العلمي للقضاء فهي معرفة متخصصة في مجال معين عبر التعليم والتثقيف المكثف وتحصيل الشهادات وهي بأي حال غير كافية للنجاح ولا تنتج عالمًا وإنما نتاجها بين ثلاثة مستويات، بين القارئ الجيد والمثقف في مجال معين ثم المتعلم تعلمًا متخصصًا، فأي منهم لا يصح تسميته عالماً، فلا يسمي المرء عالمًا إلا إذا صار طلب العلم صنعة وحرفة يتقنها وفي كلٍّ خير.

 

2- مستوى المهارات المتقدمة - Advanced Skills - (علم كيف): ويمثلها قدرة القاضي على تحويل مجموعة المعلومات والمعارف التي تعلمها من الكتب والتجارب، إلى أعمال يتم تنزيلها على الوقائع القضائية في سياق عملي معقد وهذا المعني الذي هو الاهتمام بمهارة تحويل العلم إلى عمل والتفريق بين هذه المهارة والمقدرة على العمل وعدم الخلط بينهما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه، وعن علمه ماذا عمل فيه، وعن ماله من أين اكتسبه، وفيما أنفقه، وعن جسمه فيما أبلاه)، وقال بعض الحكماء: "العلم خادم العمل، والعمل غاية العلم، فلولا العمل لم يطلب علم، ولولا العلم لم يطلب عمل ولئن أدعُ الحق جهلا به، أحب إلي من أن أدعه زهدًا، وكما لا تنفع الأموال إلا بإنفاقها، كذلك لا تنفع العلوم إلا لمن عمل بها، وراعى واجباتها" (الخطيب البغدادي، ت: 463هـ).

 

ونقل ابن القيم - رحمه الله - في زاد المعاد (1415هـ)، إجماع السلف على أن العالم لا يستحق أن يسمى ربّانيًا حتى يعرف الحق، ويعمل به ويعلمه، وفي ذلك دليل واضح على أهمية تعليم العمل بالعلم، قال ابن القيم: "وجهاد النفس أربع مراتب:

إحداها: أن يجاهدها على تعلم الهدى ودين الحق الذي لا فلاح لها ولا سعادة في معاشها ومعادها إلا به. ومتى فاتها علمه شقيت في الدارين.

 

الثانية: أن يجاهدها على العمل به، بعد علمه. وإلا مجرد العلم بلا عمل إن لم يضرها لم ينفعها.

 

الثالثة: أن يجاهدها على الدعوة إليه وتعليمه من لا يعلمه، وإلا كان من الذين يكتمون ما أنزل الله من الهدى والبينات،ولا ينفعه علمه ولا ينجيه من عذاب الله.

 

الرابعة: أن يجاهدها على الصبر على مشاق الدعوة إلى الله وأذى الخلق، ويتحمل ذلك كله لله، فإذا استكمل هذه المراتب الأربع صار من الربانيين فإن السلف مجمعون على أن العالم لا يستحق أن يسمى ربانيًا حتى يعرف الحق ويعمل به ويعلمه، فمن علم وعمل وعلّم فذاك يدعى عظيمًا في ملكوت السموات".

 

3- مستوى فهم منظومة العمل - System Understanding - (علم لماذا): ليس المقصود مجرد معرفة الهياكل الإدارية والإجراءات والأنظمة، وإنما معرفة لماذا وضعت، ويمثلها قدرة القاضي على الوصول إلى تحقيق العدل فهذا يتطلب زيادةً على ما مضى معرفة عميقة للأسباب والعلل والنتائج وما وراء النتائج  من مقاصد ومآلات، هذه المعرفة تمكن القاضي من تجاوز مجرد تنفيذ المطلوب الذي هو الفصل في الخصومات بصورة مقبولة في البيئة القضائية إلى معالجة أمرٍ أكبرَ وأعمَ وأكثرَ تعقيدًا وهو إضافة قيمة إلى منظومة القضاء في الإسلام ومن مظاهر ذلك الفراسة - highly trained intuition - وهي نظرة للأمور تصدق غالبًا لأنها تصدر عن بصيرة عالية التدريب والكفاءة وهذه تعتبر من أعلى درجات فهم منظومة العمل.

 

4- مستوى التطلع الذاتي للابتكار - Self-motivated Creativity - (استشعار التكليف): دون التطلع الذاتي للابتكار وبذل الجهد في ذلك عن رغبة وإحساس بعظم التكليف قد يجد القاضي نفسه بعد مضي فترة من الزمن سيفقد ميزته المعرفية ومكانته العلمية يحدث ذلك عند التواكل على المنصب وعدم تعظيم شأن المسؤولية وجانب التكليف الشرعي، يلاحظ في بعض الجهات الإدارية أن متخذي القرارات لم يغيروا شيئًا في أفكارهم وطرق عملهم منذ أكثر من عشرين سنة.

 

هؤلاء لم يتقدموا ومن لا يتقدم يتأخر، يقول ابن القيم رحمه الله تعالى في مدارج السالكين: "إضاعة الوقت الصحيح يدعو إلى درك النقيصة ... فإن لم يكن في تقدم فهو متأخر ولابد، فالعبد سائر لا واقف، فإما إلى فوق، وإما إلى أسفل، إما إلى أمام، وإما إلى وراء، وليس في الطبيعة ولا في الشريعة وقوف البتة، ما هو إلا مراحل تطوى أسرع طي، إلى الجنة أو إلى النار، فمسرع ومبطئ، ومتقدم ومتأخر، وليس في الطريق واقف البتة، وإنما يتخالفون في جهة المسير وفي السرعة والبطء، قال تعالى: ﴿ إِنَّهَا لَإِحْدَى الْكُبَرِ * نَذِيرًا لِّلْبَشَرِ * لِمَن شَاء مِنكُمْ أَن يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ ﴾ [المدثر: 35 - 37]، ولم يذكر واقفًا، إذ لا منزل بين الجنة والنار، ولا طريق لسالك إلى غير الدارين ألبتة، فمن لم يتقدم إلى هذه الأعمال الصالحة، فهو متأخر إلى تلك بالأعمال السيئة" ؛ لأجل ذلك فالمطلوب من كل قاضٍ أن يبذل الوسع ليؤهل نفسه بنفسه للقيام بمهمة الاجتهاد في الفصل في الخصومات بعدل،بحيث يكون الإعداد له هي قضية القاضي وشغله الشاغل.

 

ومن نافلة القول التذكير بأن الذهن يمثل مكان وجود المعرفة ولكن فيما يتعلق بالمستويات الثلاثة الأولى توجد المعرفة أيضًا في منظومة العمل في المنشأة الإدارية فتجدها في المعلومات المخزنة وفي العمليات الحاسوبية والإجراءات والأنظمة والتعليمات بينما المستوى الرابع من مستويات المعرفة يوجد في الثقافة المجتمعية Quinn,Anderson&Finkelstin 1998:182-189).

 

وعند التفكير في المعرفة من منظور إدارة المعرفة يجب الاعتماد على تصور واضح لكيفية استثمار المعرفة في العمل وذلك عبر ضبط أمر اكتشاف مكامن وأنواع المعارف الموجودة في العمل وتجميعها ثم إعادة ترتيبها بصورة تمكن من زيادة المحصول المعرفي للمنشأة الإدارية.

 

وعلى سبيل المثال وانسجامًا وخدمة لأغراض هذا البحث يأتي تقسيم فريد نيكولز - Fred Nicols - لأنواع المعرفة إلى معرفة منطوقة - Explicit - ومعرفة مفهومة - Implicit - ثم المعرفة المضمرة - Tacit - ( Nickols,1983) مناسبًا لتفكيك المعارف في مهمة القاضي على وفقها وفيما يلي تفصيل ذلك:

 

المعرفة المنطوقة - Explicit -: وهي المعرفة التي تمت صياغتها والإفصاح عنها وترى في القضاء فيما يفصح عنه القاضي، وفي الصكوك والمعاملات والأنظمة والتعليمات المكتوبة والمصرح بها وفي الجداول والرسومات البيانية وهي بحكم المنطوق.

 

المعرفة المفهومة - Implicit -: وهي المعرفة التي لم تتم صياغتها بعد مع إمكان ذلك. المعرفة المضمرة - Tacit -: وهي المعرفة التي لا يتمكن صاحبها من صياغتها في كلمات وهي من الأمور التي يمكن تعلمها ولا يمكن دراستها، فتؤخذ من الخلف عن السلف مباشرة بالمعايشة والمحاكاة، فالعلم بها هو العمل نفسه فيؤخذ منه. وبتنزيل ذلك على مهمة القاضي بأنها الاجتهاد في الفصل في الخصومات بعدل يلاحظ الآتي: إن مجرد الفصل في الخصومات تدخل فيه المعرفة المنطوقة بالدرجة الأولى وفي الغالب لا يدخل فيه المعرفة المفهومة إلا بالتبعية والمعرفة المضمرة قد تهمل ولا يعمل بها في الغالب، ما لم يقصد إلى الاجتهاد في رصدها وتعليمها من السلف للخلف،وسبب ذلك فإن مجرد الفصل في الخصومات يمثل الجانب الإجرائي للقضاء وهو الجانب الذي تحكمه أنظمة الدولة ومنها نظام القضاء ونظام المرافعات والتعليمات القضائية والإدارية من الجهات المختصة وجميع  ذلك مفصح عنها،في حكم اللغة المنطوقة، وهي الغالبة ولأجل ذلك فقد تؤدي إلى الانشغال عن المعرفة المضمرة.

 

وجانب العدل في الفصل في الخصومات تدخل فيه المعارف الثلاث يدخل فيه المعرفة المنطوقة من جهة جميع المواد المكتوبة مثل نصوص الشريعة وكل ما يدخل في الحكم القضائي ويعتبر المنطوق بأقسامه في أصول الفقه أحد الأدوات المعرفية في استنباط الأحكام والاستدلال وهو باختصار  المنطوق: "وهو مَا دَلَّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ فِي مَحَلِّ النُّطْقِ. فَإِنْ أَفَادَ مَعْنًى لَا يَحْتَمِلُ غَيْرَهُ: فنص ودلالته قَطْعِيةٌ. وَإِلا فظاهر ودلالته ظَنِّيةٌ. قِيلَ: وَمِنْهُ العَامُ. ثُمَّ النص. وإما صَرِيحٌ: وَهُوَ مَا وُضِعَ لَهُ اللَّفْظُ بخصوصه. وإما غَيْرُ صَرِيحٍ: وَهُوَ مَا يَلْزِمُ عَنْهُ. فَإِنْ قُصِدَ وَتَوَقَّفَ الصدق أو تَوَقَّفَ الصِّحَّةُ العَقْلِيةُ أَوِ الشَّرْعِيَّةُ عَلَيْهِ فَدَلَالَةُ اقْتِضَاء.مِثْلُ: ((رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ))، ﴿ وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ ﴾ [يوسف: 82] وَاعْتِقْ عَبْدَكَ عَنِّي بِأَلْفٍ. وَإِنْ لَمْ يَتَوَقَّفْ، وَقُرِنَ بِحُكْمٍ لَوْ لَمْ يَكُنْ لِتَعْلِيلِهِ لَكَانَ بَعِيداً: فَتَنْبِيهٌ، وَإِيمَاءٌ. نَحْوُ: عَلَيْكَ الكَفَّارَةُ. جَوَاباً لِمَنْ قَالَ: جَامَعْتُ أَهْلِي فِي رَمَضَانَ. (إِنَّهَا لَيْسَتْ بِسَبُعٍ). (أَرَأَيْتَ لَوْ تَمَضْمَضْتَ بِمَاءٍ). وَإِنْ لَمْ يُقْصَدْ: فَدَلَالَةُ إِشَارَةٍ." (الفتوحي، 1409هـ، ابن قدامة 1413هـ، الشنقيطي، د.ت.ن، الجيزاني، 1416هـ) أخرجه ابن ماجه في كتاب الطلاق - باب طلاق المكره والناسي (2043)، (2045)، وابن حبان في «صحيحه» (7219)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (7/ 356)، (10/ 61)، والطبراني في «المعجم الكبير» (11/ 133/ 11274)، وفي «المعجم الصغير» (765).

 

وللمفهوم في أصول الفقه تقسيمات عدة، يستخدمها القاضي كأدوات ووسائل معرفية للفهم والاستنباط وأقسام وتعريف المفهوم باختصار:"المَفْهُومُ: مَا دَلَّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ لَا فِي مَحَلِّ النُّطْقِ.وَهُوَ نَوْعَانِ:

الأَوَّلُ: مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَيُسْمَّى مَفْهُومَ المُوَافَقَةِ. وَهُوَ: أَنْ يَكُونَ المَسْكُوتُ عَنْهُ مُوَافِقاً لِلْمَنْطُوقِ بِهِ فِي مَحَلِّ الحُكْمِ.فَإِنْ كَانَ فِيهِ مَعْنَى الأَوْلَى، فَهُوَ فَحْوَى الخِطَابِ. نَحْو: ﴿ فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا ﴾ [الإسراء: 23]، فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِ الضَّرْبِ بِطَرِيقِ الأَوْلَى. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَعْنَى الأَوْلَى: فَهُوَ لَحْنُ الخِطَابِ. نَحْو: ﴿ إنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ ﴾ [سورة الأنفال: 65]؛ فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ ثَبَاتِ الوَاحِدِ لِلْعَشَرَةِ. لَكِنْ لَا بِطَرِيقِ الأَوْلَى.

 

وَالثَّانِي: مُخْتَلَفٌ فِيهِ، وَيُسَمَّى مَفْهُومَ المُخَالَفَةِ. وَهُوَ: أَنْ يَكُونَ المَسْكُوتُ عَنْهُ مُخَالِفاً لِلْمَنْطُوقِ فِي الحُكْمِ. وَيُسَمَّى دَلِيلُ الخِطَابِ، وَهُوَ أَقْسَامٌ: مَفْهُومُ اللَّقَبِ. وَهُوَ أَضْعَفُهَا، وَالأَخْذُ بِهِ قَلِيلٌ. وَمَفْهُومُ الصِّفَةِ. وَهُوَ أَقْوَى، وَالأَخْذُ بِهِ أَكْثَرُ. وَمَفْهُومُ الشَّرْطِ. وَهُوَ فَوْقَهُمَا. وَمَفْهُومُ الغَايَةِ. وَهُوَ أَقْوَى مِنْهُمَا. وَمَفْهُومُ العَدَدِ، وَمَفْهُومُ إِنِّمَا. وَقِيلَ: هُمَا مَنْطُوقَانِ. وَشَرْطُ الأَخْذِ بِمَفْهُومِ المُخَالَفَةِ عَلَى القَوْلِ بِهِ: أَنْ لَا يَخْرُجَ الكَلَامُ مَخْرَجَ الأَغْلَبِ، وَلَا لِسُؤَالٍ وَحَادِثَةٍ مُتَجَدِّدَةٍ أَوْ تَقْدِيرِ جَهَالَةٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَقْتَضِي تَخْصِيصَ المَذْكُورِ بِالذِّكْرِ". (الطوفي، 1410هـ، الفتوحي،  1409 هـ، ابن قدامة 1413هـ، الشنقيطي د.ت.ن.، الجيزاني 1416هـ).

 

وخير مثال لها في عمل القاضي مما يدخل في المعارف المضمرة هو الحكم وفق دليل الاستحسان الذي فيه العدول عن النظائر المكتوبة الموثقة وتمثل المعرفة المنطوقة إلى خلافه، ويقصد به المعرفة المضمرة التي لا يتمكن صاحبها من صياغتها وتوصيفها وعند الفقهاء في استنباط الأحكام والقضاء بالمعرفة المضمرة في الاستحسان عدة تعريفات منها ما يلي: الدليل ينقدح في نفس المجتهد وتعسر عبارته عليه. (الآمدي، 1374هـ، الأسنوي، 1343هـ؛ التفتازاني، 1957م، ابن الحاجب، 1317هـ، ابن السبكي، د.ت.ن.، الشوكاني،1327، الغزالي، 1322هـ، الشاطبي، 1323هـ).

 

وهذا المعنى المجمل يحتاج إلى ضبط فهو يجمع بين المعرفة المضمرة، التى تبنى على الوهم والمعرفة المضمرة التي تبنى على التجربة والفراسة ولأجل ذلك تعرض هذا التعريف إلى انتقاد الكثير من العلماء له، لكون ما لا يقدر على التعبير عنه لا يدري أنه وهم أو خيال أو تحقيق، ولا بد من ظهوره ليعتبر بأدلة شرعية لتصححه الأدلة أو تزيفه، أما الحكم بما لا يدري ما هو فمن أين يعلم جوازه؟ بضرورة العقل ونظره أو بسمع متواتر أو آحاد؟ ولا وجه لدعوى شيء من ذلك (الأسنوي، 1343هـ: 168) فاحتاج إلى ضبط وتفصيل لتظهر أن المعلومات المضمرة المقصودة وهي ما بنيت على الأدلة الصحيحة والخبرة النافعة، ومما يدركه أهل العلم إمكان أن يكون المراد في التعريف: عدم قدرة المجتهد في الفقهيات بالملكة على توصيف العمل الفقهي بما يناسبه من مصطلح أصولي دقيق، لتنازع المسألة بين دليل النظائر ودليل القطع عن النظائر وهو ما يستطيع الفقيه الأصولي التعبير عنه كالتعليل بالاستحسان مع بيان وجه الاستحسان الذي هو المستند الشرعي الحقيقي لقطع المسألة محل الاستحسان عن النظائر.

 

وتعريف أبي الحسن البصري: "هو ترك وجه من وجوه الاجتهاد غير شامل شمول الألفاظ لوجه أقوى منه، وهو في حكم الطارئ على الأول". (الآمدي، 1374هـ: 3/ 137؛ التفتازاني، 1957م: 2/ 81؛ القرافي، 1306هـ: 2/ 170)، والشاهد على معنى المعرفة المضمرة في هذا التعريف هو وصف الحسن البصري دليل الاستحسان: بأنه غير شامل شمول الألفاظ، أي أن صياغة الدليل في ألفاظ غير ممكن، فهو يريد إخراج العموم.

 

ويشهد لذلك مدلول الاستحسان عند الحنفية، حيث يعدون ما استثني بالدليل على خلاف الأصل نوعًا من الاستحسان، ويعبرون عنه بالاستحسان بالنص، وهذه  سمة من سمات المعرفة المضمرة، وتقيد الاستحسان بالدليل الأقوى، وهو للاحتراز من الاستحسان بالهوى.

 

أما التعريف المختار لتوصيف المعرفة المضمرة في القضاء فهو تعريف الاستحسان عند يعقوب الباحسين وهو:

"العدول عن حكم مسألة عن مثل نظائرها إلى خلافه، لوجه يقتضي التخفيف، ويكشف عن وجود حرج عند إلحاق تلك الجزئية بنظائرها في الحكم" (الباحسين، 1428هـ: 288)، ويتم ذلك وفق إجراءات تعبر عن ممارسة للمسؤولية المعرفية مثل أن يفصح الفقيه الأصولي عن الاستحسان حين يعلل به، ويفصح عن مستنده حين يذكر وجه الاستحسان ويبين العلاقة بين حكم المسألة ووجه التعليل بالاستحسان.

 

ومحصلة ما سبق: هي أن المعرفة المضمرة أقرب ما تكون إلى (الدَرَبَةِ)، وربما كانت تطبيقات الاستحسان أقرب أمثلة لأثر الدربة أي أنه تشبه ما يعرف بـ(الملكة الفقهية القضائية) ومما يدخل فيها التطبيقات التي لا تقعد، وهي التطبيقات الفقهية التي يتعمد الفقهاء عدم التقعيد لها، خشية أن يطرِّدها بعض المتفقهة الصغار، فيفتون بما لا يتفق مع أصول الفتيا الشرعية، فتترك لأهل العلم الكبار، لصعوبة تقديرها، ومن ذلك بعض ما يسمى بصور التخصيص بالمصلحة.

 

إن ما سبق يعتبر من المدخلات والأدوات للعمليات الذهنية ذات العلاقة بالجانب المعرفي للقضاء مثل  توصيف الأقضية واستنباط واستدلال وتسبيب وتنقيح المناط وتخريجه وتحقيقه وجميع ذلك يدخل في تصنيف الأحكام التي يصدرها القاضي من حيث عدد العمليات الاستنباطية والذهنية التي يستخدمها القاضي في سبيل الوصول للحكم، والتي تعتبر مؤشرًا على تحديد مستوى برمجة الحكم وكلما كان الحكم مكررًا ونمطيًا، كان مبرمجًا ويتطلب حدًا أدنى من المعرفة والعكس صحيح، فكلما كان الحكم غير مكرر وغير نمطي، كان غير (مبرمج)، ويتطلب حدًا أعلى من المعرفة وتترتب الأحكام حسب درجة العمل المعرفي اللازمة لإصدارها، وذلك على النحو التالي:

أولاً الحكم غير (المبرمج): والذي يتطلب تنقيح مناطه وتخريجه وتحقيقه: مثاله النظر في النوازل الجديدة التي ليس لها سابق مثيل، فذلك يتطلب تنقيح المناط من حيث تنقيح الأوصاف الصالحة لتكون علة، ومن ثم تخريجها من حيث الأصل التي تعود إليه هذه الأوصاف، ثم تحقيقها من حيث مدى تحقق هذه الأوصاف كل حسب أصله، وما يترتب عليه، ولا بد من أن يصار إلى ذكر النص النظامي مستندًا للحكم مع التسبيب بالدليل الدال على الحكم النظامي إذا كان غير مخالف للشرع، أي : أن أصول تفسير الأنظمة تفيد دستوريتها ومن ثم إعمالها، أو عدم دستوريها ومن ثم إعمال الرقابة القضائية عليها، وهي من المتغيرات التي جرت على القضاء ولا سيما الإداري، وهذا يجعله من الأحكام  الابتكارية التي تتطلب درجة عالية من العمل المعرفي.

 

ثانياً الحكم قليل (البرمجة): والذي يتطلب تنقيح مناطه وتحقيقه: مثاله النظر في النوازل الجديدة التي لها سابق مثيل يقاس عليه، فذلك يتطلب تنقيح المناط فقط من حيث تنقيح الأوصاف الصالحة لتكون علة، بينما تخريجها من حيث الأصل التي تعود إليه واضح وجلي، ويبقى التأكد من وجود العلة في الفرع لتعديه الحكم إليه، وهو تحقيق المناط، وهذا يجعله من الأحكام الجديدة التي تتطلب درجة عالية من العمل المعرفي.

 

ثالثاً الحكم متوسط (البرمجة): والذي يتطلب تخريج المناط وتحقيقه: ومثال نظر القاضي في أمور متجددة في الخصومات التي عِلَّتها معروفة وواضحة، وبقي تخريج الدليل - تخريج المناط - على صحة الحكم الذي سيقضي به، ثم التحقق من وجوده في الفرع - تحقيق المناط، لذا فهذا النوع من الأحكام التأصيلية يتطلب درجة متوسطة من العمل المعرفي.

 

رابعاً: القرار عالي البرمجة: والذي يتطلب تحقيق المناط فقط: مثاله  نظر قاضي التنفيذ في تنفيذ الأحكام والأنظمة التي ليس فيه تنقيح مناط أو تخريجه، وحكمه عبارة عن تقرير أن الحكم السابق أو القرار واجب التنفيذ؛ لذا فهو حكم تنفيذي يتطلب أدنى درجات العمل المعرفي. (آل سعود، 1426هـ).

 

ويطلب العلم لأجل العمل، ومجرد العلم بأنواع المعارف ودرجات (برمجة) الأحكام لا يكفل الاستفادة منها ما لم يتم تفعيلها في الجانب الإجرائي المتعلق بالعمل القضائي اليومي، بالإضافة إلى توجيه السياسات العامة للعمل الإداري، وفي الرسم الآتي صورة شمولية لذلك:

 

الأعمال التي تمثل الجانب المعرفي للتقاضي ويؤديها القاضي هي المختزلة في توصيف الأقضية، وتمر في ست مراحل هي: سماع الوقائع وتحديد الطلبات. ثم تنقيح الوقائع وتوصيفها ابتداءً. فإثبات الوقائع المنقحة ابتداءً. ثم دراسة الوقائع من دعوى وبينات، وتنقيحها، وتقرير التوصيف النهائي للواقعة. ثم فحص التوصيف. فتقرير الحكم القضائي الملاقي للواقعة الموصفة. (2/ 499: 1423هـ) ابن خنين.

 

وبتنزيل إطار للتفكير في المعرفة من منظور إدارة المعرفة على توصيف الأقضية تتضح العلاقة بين إدارة المعرفة وعمل القاضي وهي على النحو الآتي: توقيت الأسئلة التي يطرحها القاضي يمثل المعرفة الإفصاحية والإجرائية لديه، وهي مثل من يسأل ومتى وكيف يسأل وبأي ترتيب وصيغة، بينما بقية الموجودين من أطراف القضية مشغولين في استنباط واستنتاج موقف القاضي من القضية فهم لا يستطيعون رؤية عمله المعرفي فالأفكار لا ترى ولكن تدرك وتفهم، وبالنسبة للمتقاضين المعرفة المتوسطة الأهمية تكمن في المعرفة المفهومة عن القاضي وأهم منها بالنسبة إليهم هي المعرفة المضمرة لدية والمعرفة المنطوقة تعتبر مهمة فقط على قدر دلالتها على المفهوم والمضمر، ومن بين هذه المعارف، المعرفة التي لها قيمة تنبؤية عل مستقبل القضية تعطى الأهمية القصوى في مقابل المعلومات التي لها قيمة تقويمية لما سبق حدوثه، وتفصيل ذلك على واقع عمل القاضي هو وفق أنواع التوصيف القضائي التي ذكرها فضيلة الشيخ عبدالله بن خنين (1423هـ) في كتابه توصيف الأقضية وهي:

التوصيف الموضوعي: كأن يقال بأن الواقعة القضائية المتنازع فيها جعالة، أو إجارة، أو بيع، أو غصب، أو قتل عمد أو خطأ، ونحو ذلك فالتوصيف منصب على موضوع النزاع لا على إجراءات الدعوى، وينقسم التوصيف الموضوعي إلى توصيف ابتدائي وتوصيف نهائي. (67-70: 1423هـ، بن خنين).

 

التوصيف الابتدائي: إذا فرغ من استجواب الطرفين لا بد له من تحديد الوقائع المؤثرة في الحكم والتي يتوجه عليها الإثبات، وحذف الأوصاف الطردية التي لا يترتب على وجودها أو فقدها ثمرة.. وهذا التوصيف الابتدائي قد يتضاد فيكون للدعوى توصيف وللإجابة توصيف آخر، وذلك سائغ، ولكن المعتد به التوصيف النهائي الذي تنتفي فيه المضادة.

 

التوصيف النهائي: وهو المراد بالتوصيف عند الإطلاق. ويأتي بعد إفصاح القاضي عن الأوصاف التي يراها مؤثرة ومنتجة في القضية و بعد مرحلة استخدام جميع أنواع المعارف في الأعمال التي يؤديها، والتوصيف النهائي يمثل مجموعة المؤثرات المعرفية على القاضي سواء المنطوق منها أو المفهوم أو المضمر. وسمي نهائيًا لأنه بعد استيفاء جميع ما يلزم للحكم في القضية من دعوى، وإجابة، ودفوع، و بينات، وطعن، وإعذار مراعى فيه الطلبات وأصول التوصيف، وهو المعتمد في الحكم القضائي.

 

التوصيف الإجرائي: ومن ذلك توصيف الدعوى بالصحة لاستكمال شروطها، أو بأن الدعوى ناقصة ويمكن تصحيح السير فيها، أو بأن الدعوى باطلة لتخلف بعض شروطها التي لا يمكن استيفاؤها أو توصيف صحة انعقاد الاختصاص للقاضي أو عدم انعقاده، أو توصيف المدعي الذي يتوجه عليه الإثبات حتى تطلب منه البينة، أو توصيف المدعى عليه الذي لا يتوجه عليه شيء من ذلك، ونحو ذلك.

 

التوصيف الفرعي: ومن ذلك الذي يحصل لأجل الرد على البينات غير الموصلة، مثل توصيف شهادة الشاهد عند ردها بأنها ادعاء للحوالة وليس شهادة. (ابن خنين، 1423هـ: 65-66).

 

تأتي مهمة إدارة المعرفة في الربط بين جميع أعمال القاضي وبين الأدوات والوسائل والإجراءات التي توفرها جهة الإدارة لتهيئة الأمور لتحقيق ثلاثة أهداف، هي: جمع واختزان ونقل المعارف المنطوقة وتحويل المعارف المفهومة إلى معارف منطوقة. وتنمية المعرفة الإجرائية وهي المتعلقة بالدرجة الأولى بالمعرفة المضمرة كونها تؤخذ مباشرة من العمل دون المرور بمرحلة النطق فالمعرفة المضمرة هي المختزنة في العمل نفسه. وتنمية وتحفيز نقل المعرفة المضمرة من شخص لآخر، لما أنها لا يمكن أخذها إلا بالتعلم وليس بالدراسة.

 

وتقتضي الإدارة المعرفية على الجهات المسؤولة عن إدارة أو مساندة القضاء - مثل المجلس الأعلى للقضاء وديوان المظالم ومثل وزارة العدل - وضع السياسات المعرفية والتقنية وتصميم الإجراءات اللازمة والإمكانيات لاقتناص المعارف بجميع أنواعها ومستوياتها واختزانها وتوزيعها وضمان انتقالها من كل قاضٍ إلى بقية القضاة ومن السلف إلى الخلف.

 

الإغراق المعرفي: بقي التحرز من الإفراط في الاستثمار في المعرفة، فقد تجمع جهة الإدارة معارف كثيرة جدًا ومفيدة ولكن تغفل حقيقة وهي أن حاجة كل قاضٍ للمعرفة تختلف في الكم والنوع ووقت الحاجة لها، لذا فقد تزل الإدارة في فخ الأكثر أفضل وهذا غير صحيح، فالإغراق المعرفي يحدث بدفع كميات هائلة من المعارف المخزنة إلى القضاة فتوزع معارف الجميع على الجميع الأمر الذي قد يشغل القضاة عن عملهم بأمور ليست من صلب مهامهم، لذا يحسن التفريق بين المعرفة التي تدفع باتجاه القاضي وقد لا يحتاج إليها والمعرفة التي يجلبها القاضي لنفسه وهو يعلم أنه يحتاج إليها، فالمعلومات التي تدفع دفعاً للمستهلك قد لا تكون مفيدة للعمل المراد إنجازه، بينما في الغالب الأعم أن المعلومات التي تجلب جلباً من قبل المستهلك أن تكون مفيدة ومنتجه في العمل المراد إنتاجه، لذا فمن المفيد العمل على زيادة  الجهل بما ليس فيه نفع أو يكون غير منتج في العمل، ولست بحاجة أن تعلم كلاًّ كل شيء (Stewart, 1997).

 

الاستثمارات الضخمة في تقنية المعلومات أسهمت في تطوير أنظمة المعلومات ولكنها أفرزت إشكاليات في إيجاد الطرق المثلى لاستعمال المعلومات اللازمة لأخذ القرارات الناجعة. بينما أنظمة تقنيات المعلومات السائدة تنتج بيانات غنية ولكن جانب المعلومات فقير من حيث الجودة وهذا يعيق صانعي القرار ويؤدي إلى العزلة والإخلال بتوازن أبعاد الأعمال مع البيئة الخارجية ويتسبب في نقص المعلومات وإلى التقليل من قيمة المهم منها وتعظيم قيمة غير المهم منها. خماخم (1432هـ، ج: 2).

 

ومن السياسات الناجحة في تجنب الإغراق المعرفي ثلاثة أمور هي:

التعليم المتخصص: وهو أن يكون التعلم أكبر ولكن في مجال أضيق فيستبدل عمق المعرفة بسعة المعرفة لتصبح المعرفة أفضل، ولكن في مجال أكثر تخصصًا. وهو ما سيحدث فعلًا في القضاء استجابة لمتطلبات النظام القضائي الجديد الذي زاد تقسيم المحاكم وفق تخصصات جديدة، ويعنى هذا أن عملية دفع المعلومات صار أقل، فعوضًا عن إرسال كل معلومة عن القضاء للقضاة في لمحاكم غير المتخصصة، ترسل فقط المعلومات المتعلقة بتخصص القاضي.

 

وتسهيل الإجراءات: لكل عمل درجة معينة من التعقيد، وتسهيل الإجراءات يستهدف التقليل من درجة تعقيد العمل بقصد تخفيف أعباء القيام به عبر تقليل عمليات التنسيق والتكامل المطلوبة في العمل المعرفي، وبصفة عامة فإن نظام المرافعات هو نوع من أنواع نمذجة الإجراءات بقصد تيسير العمل، فهو يخدم وظيفة التقليل من الحاجة إلى التنسيق بين العاملين لإنجاز العمل، ويترتب على ذلك تقليل الكلفة والتكلفة التي يتم بها القيام بالمهام.

 

المَكْننة وإدارة المخزون المعرفي: استخدام المكننة في منع دفع المعلومات التي لا يحتاج إليها القاضي، وتيسر جذب أي معلومات يحتاج إليها في عمله، للتخلص من مشكلة الإغراق المعرفي وترشيد تكلفة رأس المال المعرفي وذلك باعتماد مبدأ جلب معلومات المعرفة من قبل المستفيد مقابل دفع المعلومات إلية، فالأصل أن تكون المعلومات بالصورة المناسبة للعمل المعرفي من حيث الكم والكيف والوقت، وأفضل معيار لذلك هو معيار الفقهاء في بيان الحكم الشرعي؛ فالأصل هو بيانه في أول وقت الحاجة إليه، ففي أول وقت الحاجة للمعلومة أو المعرفة يصح للذي يدفع المعلومة أن يدفع بها إلى المستفيد وللذي يجلب المعلومة أن يجلبها للاستفادة منها.

 

ذكاء الأعمال في مجال القضاء:

ذكاء الأعمال هو مصطلح عام للتطبيقات، والأرضيات والأدوات والتقنيات التي تدعم مساق استكشاف بيانات الأعمال وعلاقاتها، واتجاهاتها؛ من هنا نعرف أن مصطلح ذكاء الأعمال يتطلب الفهم العميق لتطبيقات و أرضيات وتقنيات للحصول على البيانات اللازمة و تحويلها إلى معلومات وخبرة و حكمة، خماخم (1432هـ، أ: 6).

 

مجرد المعرفة القضائية المتخصصة ليس لها أي قيمة ما لم يترتب عليها عمل، فالمعرفة المتخصصة بذاتها لا تنتج شيئاً، وتصبح المعرفة منتجة فقط في حال وجهت إلى عمل محدد لتحقيق مقصد معين، فالمعرفة توجد فقط في التطبيق.

 

وكل معرفة مطبقة مهما كان مصدرها أو مجالها لا بد أن تكون متخصصة؛ لذا فهي غير صالحة للتطبيق في مجالات أخرى، فمعارف المتخصص في القضاء لا تصلح للتطبيق في مجال التشغيل والصيانة لمبنى المحكمة، لذا فالعمل القضائي بحاجة لأعمال متخصصة أخرى يكمل بعضها بعضًا، ولا يمكن ذلك إلا عبر منشآت إدارية، لذا فالمنشآت الإدارية خصيصة من خصائص العمل المعرفي، وتعتبر السمة البارزة في مجتمع المعرفة الذي نعيشه اليوم الذي يمثل مجتمع المنشآت الإدارية، (دركر، 2009م: 1-19).

 

جميع المنشآت الإدارية مهما تنوعت أنواعها وأشكالها وأحجامها لها مهمة واحدة فقط وهي:

توجيه الأفراد بمعارفهم المتخصصة للتكامل مع الأعمال المحددة لتحقيق أهداف تختص بها المنشأة الإدارية. وكلما كانت المعرفة متخصصة بدرجة أكبر وموجهة لأعمال محددة  كانت المنشأة فعالة بدرجة أكبر؛ لأجل ذلك فالعمل المعرفي لا بد له من أن يكون متخصصاً وأن يوجه لأعمال محددة وأن يكون في مجموعات أو فرق عمل وأن يكون مرتبط بمنشأة إدارية. دركر (2009م:1-19)؛ وبناءً على ذلك فقيمة المعرفة القضائية تساوي مقدار نجاح الإدارة إلى توجيه مجموع القضاة بمعارفهم القضائية المتخصصة لأعمال قضائية محددة لتحقيق مقاصد قضائية معينة.

 

تقطع المعرفة أشواطا طويلة ومراحل عديدة لتتبلور بالشكل المتعارف عليه و لتصبح بالمضمون الّذي نستطيع فهمه. فالمعلومة بشكلها الخام لا يمكن أن تكون أساسًا أو حتى مساعدًا على اتخاذ القرار، فبالرغم من أن المعلومة بشكلها المنفرد لها معنى مفيد وواضح، غير أنّه لا بدّ لها أن تندرج في إطار معرفي أوسع لتكتسب مرّة أخرى قيمة مضافة الأمر الذي يتطلب إعادة ترتيب و تنظيم وفق مجموع المصادر الخارجيّة و الداخليّة لها ثم إدراجها في منظومة معرفيّة أوسع من معرِّفات الحكم القضائي وهذا هو المقصود بالذكاء المعرفي الذي تستند معظم "أنظمة المساعدة على اتخاذ القرار"(DSS)، خماخم (1432هـ، ب: 1-5).

 

إن الحصول على حقائق خام مثل  تفاصيل الدعوى القضائية، ودفع المدعى عليه يمثل البيانات، فإذا أدرجت في معرفات الحكم عبر توصيف القضية  وطرد جميع الأوصاف غير المنتجة أو مؤثرة، تحولت البيانات إلى معلومات، فإذ تم توجيه القضية إلى اتخاذ الحكم الذي يقتضيه الفصل في النزاع، تحولت المعلومات إلى معرفة، فإذا روعي الطريقة المثلى للفصل في النزاع بعدل، ارتقت المعرفة إلى الحكمة. خماخم (1432هـ، أ: 3-6) وذكاء الأعمال هو مساق منظم ونظامي - يشمل تجمع تحليل ونمذجة وتوجيه ومشاركة واقتسام - لمعلومات دقيقة وعملية - فعالة يمكن استعمالها لأخذ قرارات - من أجل اكتساب رؤى لأنشطة أعمال التقاضي و التي تستخدم إلى حد كبير لصنع قرارات وأقضيه أفضل وأسرع ويمكن وصف عمل ذكاء الأعمال بأنه: جمع معلومات تنفيذية ومعرفتها و تحليلها ممثلة في سؤال: ما الذي يحدث؟، ومعلومة تكتيكية ممثلة في سؤال: ما الذي حدث؟، ومعلومة استراتيجية ممثلة في سؤال: ما الذي  يحتمل حدوثه؟ بهدف استثمارها في تحقيق مقاصد الجهات القضائية.

 

يساعد ذكاء الأعمال على الإجابة على أسئلة بعيدة المدى مثل سؤال: ماذا تتوقع أن يحصل في القضاء بعد عشر سنوات؟ لا بد أن تكون الجهات القضائية سباقة في أخذ قراراتها بما يتضمن النظر إلى المآل البعيد لمصالح ومقاصد القضاء وما يتضمن  ذلك من نظرة استشرافية طويلة المدى. ويمكن أيضا توفير معلومات تكتيكية لمعرفة معلومات عن النتائج التي توصلت إليها المؤسسة في الماضي وفي مستويات معينة. ومن المعلومات المهمة التي نتحصل عليها عن طريق ذكاء العمال هي المعلومات التنفيذية التي تخبرنا بما يحدث في النشاطات على المستويات السفلى للمؤسسة.

 

الهيكل الإداري القضائي وإدارة المعرفة:

تستثمر الدول مبالغ طائلة في تجهيز المباني الفخمة للمحاكم والعناية بتجهيزها بكل ما يعطي الانطباع بالقوة والرصانة والدقة والإتقان، ومع ذلك جميع هذه الأمور ليست سوى ترتيبات محيطة بالعمل الأساس الذي أركانه هي: القاضي والقضية والمتقاضين والتقاضي، وغير ذلك ليس أكثر من جهاز مساندة  والقاضي بين هذه الأركان هو أهمها، ولا يمكن أن يستقيم الأمر دونه فهو الناقل لكل هذا الاستثمار من حيز المواد والتجهيزات إلى حيز العلم والخدمات، لأجل ذلك يجدر تأهيل القاضي على أفضل وجه ليسهم في تقديم أفضل خدمة للمجتمع في الفصل في الخصومات بعدل، وهذا يتطلب أن ينظر للقاضي بصفته العنصر الأساس للإنتاج في المؤسسة القضائية، ويجب أن يعامل على ضوء ذلك، بحيث يفرغ تمامًا لعملة المعرفي فلا يكلف بأي أعمال ثانوية سوى عمله الأساس وهو المداومة على إعمال الفكر بنور العلم في القضايا المنظورة لديه، فهذه هي صنعة القضاء على التحقيق، ويكمن الإشكال في أن تقسيم العمل حسب الواقع الحالي مبني على أساس الهيكل الإداري العمودي بصورته التقليدية، وأيضًا في أن جميع العاملين وفي جميع المستويات موزعون بين جهات إدارية مختلفة ممثلة في المجلس الأعلى للقضاء ووزارة العدل وديوان المظالم، وترتب على ذلك أربعة أمور:

الأول: أن الهيكل الإداري العمودي - مثال الذي عليه العمل في الأجهزة القضائية - يصلح للأمر والضبط فقط، بينما استثمار المعرفة يتطلب هيكلاً إداريّاً أفقيّاً يعزز التنسيق والتكامل فهو أساس إدارة المعرفة التي قوامها هو تحفيز تبادل العلم والمعرفة بين أصحاب التخصص والمعرفة (1999 :149 Wah).

 

الثاني: أن انفصال المرجعية الإدارية بين القضاة وأعوانهم، بين المجلس الأعلى للقضاء ووزارة العدل، جعل لكل جهة مقاصد إدارية تختلف عن مقاصد الجهة الأخرى الأمر الذي يؤدي إلى تفتيت وتشتيت الموارد الذهنية والمادية المخصصة لمساندة العملية القضائية وإدارتها.

 

الثالث: إشغال القاضي بأن يتولى هو بنفسه أعباء التنسيق والتكامل بين المقاصد والأهداف المختلفة وذلك في إدارته للجلسات أو في إجراءاته التي يتنازعها جهتان إداريّتان ومنها موارده البشرية.

 

الرابع: ترتب على ذلك أن أصبح في كل جلسة من جلسات التقاضي  تنافس بين إجراءين، إجراء و(سلّم) نظامي خاص بالقضاة، وإجراء و(سلّم) نظامي آخر خاص بأعوان القاضي.

 

تأتي هذه المعضلات من جهة أن أغلب التنظيمات الإدارية الحكومية بحكم طبيعتها الورقية والسلطوية تميل إلى التنظيم البيروقراطي الذي يعتمد على المركزية وعدم تفويض المهام، وتركيز سلطات إصدار القرار في الجهات العليا، وضعف مشاركة الإدارات التنفيذية في صناعة القرارات، كما أن التنظيم الحكومي البيروقراطي يقصي الكثير من المحاولات التطويرية نظراً لتدخل الجهات العليا في أمور تفصيلية تنفيذية وإجراءات تعيق المشاريع التطويرية وتصيب العاملين عليها بالإحباط، فلا يتاح للعامل المعرفي المختص بالمرونة بالعمل فلا يسمح له باتخاذ كافة القرارات اللازمة، أو ببناء منظومة المعرفة دون موافقات مسبقة ولاحقة من الجهات الإدارية العليا.

 

بالإضافة إلى أن التنظيم الحكومي البيروقراطي يؤدي بالضرورة إلى الحد من تدفق المعلومات؛ نتيجة للهياكل العمودية الجامدة والالتزام بشبكات الاتصال الرسمي والمرجعيات المباشرة، والاعتماد على الاتصال الورقي، مما يعقد مهمة العامل المعرفي (الحارثي، 1430هـ: 3).

 

ولاستثمار موظفي المعرف بصورة مثلى يفضل أن يكون الهيكل الإداري أفقيًا، ويحفز التنسيق والتكامل، لأن التراكم المعرفي الذي يعطي نتيجة أكبر من مجموع المعارف المشتتة (Galbraith, 2002: 38-55) بين القضاة يتطلب تصميم الإجراءات الإدارية والأعمال بحيث تزيد من التفاعل بين القضاة بعضهم مع بعض بحيث تنتقل المعرفة بينهم من الواحد إلى الآخر بأكبر قدر ممكن وأن يكون الشغل الشاغل للمجلس الأعلى للقضاء ورؤساء المحاكم هو تفريغ القضاة لأعمالهم وتخفيف الأعباء الإدارية عنهم ومساندتهم، وفي المقابل وتعاملًا مع الواقع، لابد من تنشغل وزارة العدل ومديرو المحاكم بتفريغ أعوان القضاة لتقديم أفضل عون ممكن للقضاة، وعدم إشغالهم بأي أعمل لا تخدم القاضي بصورة مباشرة، ومساندتهم في سبيل ذلك، ولأجل تعذر إلحاق أعوان القاضي بكادر القضاء في الوقت الحالي من الناحية النظامية، ولتعذر تغيير الهيكل الإداري العمودي إلى هيكل إداري أفقي لنفس السبب، لم يبق من الخيارات المناسبة لتثمير العمل المعرفي في قطاع القضاء سوى تبني مفهوم الهرم الإداري المقلوب الذي من شأنه أن يجعل من القضاة وأعوانهم هم الرؤساء في مجالهم في جلسات التقاضي في المحاكم ويتمثل في أن ينظر للقاضي وأعوانه أنهم الأساس وغيرهم مساند وخادم لأعمالهم وأدائهم.

 

إن انتقال القوة من جهة الإدارة إلى موظف المعرفة وما يقتضيه العمل المعرفي، جميع ذلك يتطلب إعادة الهيكلة من الهيكل العمودي إلى الهيكل الأفقي الذي يعزز التنسيق والتكامل والاستثمار الأمثل للمعرفة وموظفي المعرفة (Burke, 1997).

 

وقد جاء في دراسة "أنموذج مقترح لتطبيق إدارة المعرفة في القطاع الحكومي في المملكة العربية السعودية" للحارثي (1430هـ: 13)، التأكيد على جعل تطوير المعرفة في قمة الهرم الإداري، واقترح مراحل للتحول إلى الهيكل الإداري المعرفي بعد تكيفه ليتناسب مع عمل القضاء على النحو الآتي:

أولًا: إنشاء البُنى التحتية وتهيئتها لإدارة المعرفة: وتشمل إيجاد القيادة الإدارية الداعمة، ثم الهيكل الإداري الأفقي والإجراءات المساعدة على التنسيق والتكامل بحيث تصبح جميع الاتصالات الإدارية محفزة ومشجعة لانتقال المعارف القضائية، ثم إعادة تأهيل القضاة وأعوانهم على صناعة المعرفة واستثمارها في أعمالهم القضائية.

 

ثانيًا: تنفيذ عمليات إدارة المعرفة: وتشمل تشخيص المعرفة القضائية وتحديد أهدافها، ثم اكتساب المعرفة، ويليها تنظيم وتخزين واسترجاع المعرفة، ثم نشر وتوزيع وتطبيق المعرفة.

 

ثالثًا: قياس المعرفة: وتشمل تقدير رأس المال الفكري في القضاء وإدارته على الوجه الأمثل.

 

رابعًا: تطوير المعرفة: ويتمثل في توجيه التكامل والتنامي المعرفي إلى إضافة قيمة عدلية إلى المهمات والأعمال القضائية.

 

وحاصل الأمر:

أن قوة المعرفة ليست في احتكارها كما كانت في السابق، وإنما في سرعة انتقالها وقوته، وهذا يعني أن طبيعة المعلومات في المنشآت الإدارية في هذا العصر، وهذا يعني توجيه إعادة هندسة الأعمال إلى تحويل المنشآت الإدارية من منشأة  متخصصة في تدفق الأشياء إلى منشآت متخصصة في تدفق المعلومات دركر (19/ 1/ 2009) بحيث تكون جلَّ عملياتها الإدارية  تدور على رحى تحويل المعلومة إلى معرفة.

 

خاتمة البحث

إذا أردنا أن نرجع جميع ما كتب في هذا البحث إلى فكرة جوهرية واحدة يجب أن تحفر وتنقش في ذهن كل من له دور في خدمة القضاء فستكون العقيدة المعرفية التي يجب أن يؤمن بها الجميع هي: " ممارسة أعلى قدر من المسؤولية المعرفية وتوجيهها لإنجاز المهام الصحيحة في العمل" بحيث يسأل كل شخص نفسه: ما الذي أعرفه؟ ومن يحتاج إلى معرفته؟  ومتى؟ وكيف؟ وأين؟ ثم يجعل من كل سؤال قيمة معلوماتية تنظَّم بقصد توجيهها لأعمل ومهام محددة، ثم بعد ذلك يعتبر نفسه مسؤولًا باتجاه إعلام وإبلاغ وتعريف الآخرين بما لديه من معلومات نافعة أو تجارب صالحة والتعاون عبر استثمار العلاقات الإنسانية  لتنزيل هذه المعرفة على الأداء السليم بقصد إنجاز الأعمال المناطة بالقضاء لتحقيق مقاصده.

 

في ختام هذا البحث أخلص إلى التوصيات الآتية :

أولًا: تنمية وتحفيز نقل المعرفة المضمرة بين القضاة وذلك بالمفاعلة والاحتكاك حيث أن هذا النوع من المعرفة لا ينتقل عبر التدريس أو التدريب.

 

ثانيًا: تسخير العمل الإداري والإجراءات في القضاء لجعله مكملًا وعونًا للجانب المعرفي للقضاة لا عبئًا عليها أو معيقًا لها.

 

ثالثاً: ضم الموارد القضائية في منظومة إدارية أفقية وموحده وتصميمها لمساندة الأعمال القضائية وليس للتحكم والسيطرة.

 

هذا ما وفَّقَ الله إلى تدوينِه وإيرادِه، وآخرُ دَعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على أشرفِ الأنبياءِ والمُرسلين، سيِّدنا محمدٍ، وعلى آلهِ وصحبِه أجمعين.

 

مراجع البحث:

أولاً: المراجع العربية:

1- ابن السبكي، تاج الدين عبد الوهاب بن علي، توفي 771هـ (د.ت.ن.): جمع الجوامع، الطبعة الأولى، مصر: دار إحياء الكتب العربية.

2- ابن عبدالسلام، عبدالعزيز بن عبد السلام بن القاسم (1421هـ 2000م): القواعد الكبرى الموسوم بقواعد الأحكام في إصلاح الأنام، تحقيق: نزيه حماد وعثمان ضميرية، الطبعة الأولى، دمشق: دار القلم  جزء 2، ص: 249.

3- ابن قدامة، موفق الدين عبد الله بن محمد المقدسي (1413هـ): روضة الناظر وجنة المناظر: تحقيق عبد الكريم بن علي بمن محمد النملة، الطبعة الأولى، الرياض: مكتبة الرشد للنشر والتوزيع.

4- ابن القيم، محمد بن أبي بكر (1987): أعلام الموقعين عن رب العالمين، تحقيق: محي الدين عبد الحميد، الطبعة الأولى، بيروت: المكتبة العصرية.

• زاد المعاد في هدي خير العباد، الطبعة 27، بيروت - مكتبة المنار الإسلامية، الكويت، الطبعة السابعة والعشرون، (جزء 3).

• مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين، الطبعة الأولى، دار الكتب العلمية، بيروت لبنان، (1/ 292).

5- التفتازاني، سعد الدين مسعود بن عمر، توفي792هـ (1957): التلويح في كشف حقائق التنقيح، الطبعة الأولى، مصر: دار العهد الجديد للطباعة، تمت الطباعة في مطبعة محمد علي صبيح.

6- الحسن، عبد العزيز بن عبد الرحمن، الصبيح، حمد بن عبد العزيز (1425هـ): التنظيم والإجراءات والنماذج في الإدارة القضائية، ورقة عمل ضمن ندوة القضاء والأنظمة العدلية، التي نظمتها وزارة العدل بالمملكة العربية السعودية، صفر 1425هـ - إبريل2004م. (أوراق العمل، المجلد الخامس، الطبعة الثانية، 1425هـ).

7- آل خنين، عبد الله بن محمد بن سعد (1423هـ - 2003م): توصيف الأقضية في الشريعة الإسلامية، الطبعة الأولى، المملكة  العربية السعودية، الرياض: (الحقوق محفوظة).

8- آل سعود، عبد العزيز بن سطام بن عبد العزيز (1431هـ): النظام الاجتماعي للتقاضي: دراسة المؤثرات الاجتماعية في التقاضي من منظور علم اجتماع القانون، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية: مجلة العلوم الشرعية، العدد السابع عشر شوال 1431هـ.

9- الأسنوي، الشيخ جمال الدين عبد الرحمن بن الحسن الشافعي، توفي 772هـ - (1343هـ): نهاية السول في شرح منهاج الأصول، الطبعة الأولى، مصر: المطبعة السلفية.

10- الآمدي، سيف الدين علي بن محمد، توفي 631هـ (1347هـ): الإحكام في أصول الأحكام، الطبعة الأولى، مصر: مطبعة محمد على صبيح.

11- الباحسين، يعقوب (1428هـ): الاستحسان: حجيته، حقيقته، أنواعه، تطبيقاته المعاصرة، الطبعة الأولى، الرياض: مكتبة الرشد.

12- ابن الحاجب، جمال الدين أبو عمر عثمان بن عمر المالكي، توفي 646هـ (1317م): مختصر المنتهى، الطبعة الأولى، مصر: بولاق: المطبعة الأميرية.

13- الجيزاني، محمد بن حسين بن حسن (1416هـ): معالم أصول الفقه عند أهل السنة والجماعة، الطبعة الأولى، الرياض: دار ابن الجوزي للنشر والتوزيع.

14- الحسن، د.عبدالعزيز بن عبدالرحمن و الصبيح، حمد بن عبدالعزيز (1425هـ)  "التنظيم والإجراءات والنماذج في الإدارة القضائية"، ندوة القضاء والأنظمة العدلية، الرياض.

15- خماخم، عبداللطيف بن عبدالعزيز (1432هـ): محاضرات غير منشورة بعنوان: "ما يجب أن يعرفه رجل الأعمال عن ذكاء الأعمال" .

16- رضا، إبراهيم صالح (1430هـ): رأس المال الفكري ودوره في تحقيق الميزة التنافسية للمنظمات، ورقة عمل مقدمة إلى: المؤتمر الدولي للتنمية الإدارية: نحو أداء متميز في القطاع الحكومي، معهد الإدارة العامة، الرياض، 13 - 16 ذوالقعدة 1430 هـ، د.

17- الحارثي، سعد عويض (1430هـ): أنموذج مقترح لتطبيق إدارة المعرفة في القطاع الحكومي في المملكة العربية السعودية، معهد الإدارة العامة، جدة.

18- الشاطبي، إبو إسحاق إبراهيم بن موسى بن محمد اللخمي الغرناطي، توفي 279هـ، (1322هـ): الاعتصام، الطبعة الأولى، مصر: المطبعة التجارية.

19- الشنقيطي، محمد الأمين (توفي 1393هـ) (د.ت.ن.):

• آداب البحث والمناظرة، الطبعة الأولى، القاهرة: دار ابن تيمية للطباعة والنشر.

• مذكرة الشنقيطي - مذكرة في أصول الفقه، (د.ت.ن.)، المدينة المنورة: المكتبة السلفية.

20- الشوكاني، محمد بن علي، توفي 1255هـ، (1327هـ): إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول، الطبعة الأولى، مصر: مطبعة السعادة.

21- الطوفي، نجم الدين أبو الربيع سليمان بن عبد القوي (توفي 716هـ) (1410): شرح مختصر الروضة: تحقيق: عبد الله بن عبد المحسن التركي، الطبعة الأولى، بيروت: مؤسسة الرسالة.

22- الغزالي، أبو حامد محمد بن محمد الطوسي،توفي 505هـ (1322هـ):

• المستصفى من علم الأصول، الطبعة الأولى، مصر بولاق: المطبعة الأميرية.

• المخول من تعليقات الأصول، الطبعة الأولى، مصر: مطبعة دار الفكر.

23- الفتوحي، محمد بن أحمد بن عبد العزيز، المعروف بابن النجار (توفي972هـ ) (د.ت.ن.): شرح الكوكب المنير، تحقيق: محمد لرحيلي، ونزيه حماد، مكة المكرمة: كلية الشريعة.

24- القرافي، شهاب الدين أبو العباس أحمد بن إدريس المالكي، توفي 684هـ (1306هـ): شرح تنقيح الفصول،الطبعة الأولى، مصر: المطبعة الخيرية.

 

ثانيًا: المراجع الأجنبية:

25- Bahrami, Evans (1997) Tomorrow’s HR Management, (In :48 Thought leaders call for Change, 1st. Ed. 7, NEW YORK:. John Wiley & sons, INC.)

26- Burke,      (1997) DESIGNING ORGANIZATIONS , 1st. , Ed.   USA:  Jossey-Bass A Wiley Imprint, San Francisco.

27- Cortada, James & Woods, John A.(Editors) (2000) The Knowledge Management Yearbook 2000 – 2001, 1st., Ed., USA, MA, Butterworth-Heinemann.

28- Daft ,Richard L. (2007) Organization Theory And Design ,9th. Ed.,USA: Thomson, South West. 29.   Davenport, Thomas H. and Smith, David E. (1999) Knowledge Directions", The Journal of the Institute for Knowledge Management, spring.

30- Drucker,Peter F

• The Coming of The New Organization, in Harvard Business Review On Knowledge Management,1st. Ed., USA: Harvard Business School Press.

• Management Challenges for 21st. Century, 1st. Ed. .(2001), USA: Harverd Business, New York, An Imprint of Harber - Collins Publishers.

• (2009) Managing in A Time of Great Change,1st. ed. .USA: Boston : Harvard Business Press.

31- Galbraith (2002) Designing Orgnisation,1st., ed.,  Harvard Business Review on Knowledge Management

32- Harel Alon, and Segal, Uzi (1999), "Criminal Law and Behavioral Law and Economics:

Observations on the Neglected Role of Uncertainty in Deterring Crime" American Law and Economics Review, pp446-458.

33- Hesketh, Neal (1999) In:

Tomorrow’s HR Management :48 Thought leaders call for Change, 1st. Ed. 7, NEW YORK:,. David Ulrich. John Wiley&sons, INC.

34- Millmore,Mike,&others (2007) Strategic Human Resource Management ,1st., Ed.England:  Essaex.

35- Mintzberg,Henry  (1979) The Structuring of Organizations, Englewood Cliffs, USA ,N.J, Prentice Hall.

36- Nickols, Fred (1983), "What Is" in the World of Work and Working Some Implications of the Shift to Knowledge Work, Journal of Performance & Instruction.

37- Quinn Anderson & Finkelstin (1998) (Managing Professional  Intellect: Making \The of the Best pp 181- 205,An Article in; Harvard Business Review on Knowledge Management

38- Robbins,Stephen P.& Judge ,Timothy A.,(2009) Organizational Behavior, 13th. ,Ed., USA: New Jersey,  Pearson Education ,Inc.Upper Saddle River.

39- Rothwell,William J. ,Prescott ,Robert K., & Taylor ,Maria W.(1998) Strategic Human Resource Leader, 1st., Ed., USA: California: Davies - Black Publishers.

40- Salas,Eduardo & Cannon-Bowers , Sanis (2000) In LOCKE, WIN,AHANDBOOK  OF PRINCIPLES OF ORGANIZATIONAL BEHAVIOR, 1st. ,Ed. ,Great Britain: Blackwell Publishers, Printed  by MPG Books, Bodmin Cornwall.

41- Skinner, David C., (1995) Introduction to Decision Analysis, 2nd. Ed. USA: Probabilistic Stewart, Thomas A.  (1997) Intellectual Capital :The New Wealth Of Organization, 2nd., Ed., USA: New York, Doubleday Dell  Publishing Group, Inc.

42- Ulrich, Dave, Losey, Michael R. & Lake, Gerry (Editors) (1997) HR Tomorrow's Management, (IN 48:  Thought Leaders Call for Change, USA: John Wiley &Sons, Inc.)

43- Wah,Louisa (1999) Making Knowledge stick  In  Cortada, James & Woods, John  A. (Editors) (2000) The Tacit   and Explicit Nature of Knowledge (pp145 -156) The owledge Management Yearbook 200 - 2001,1st., Ed., USA, MA, Butterworth-  Heinemann.





 نسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


مختارات من الشبكة

  • تطبيقات الإدارة الإلكترونية في الإدارة المدرسية ومتطلبات تطويرها من وجهة نظر مديري المدارس الثانوية بمدينة الرياض(رسالة علمية - مكتبة الألوكة)
  • إدارة الذات للوقت: مقترح عملي في الإدارة الإسلامية(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • الإدارة الإستراتيجية وتحديات القرن الحادي والعشرين للجنابي(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • أخلاقيات الإدارة من المنظور الإسلامي والإداري (PDF)(كتاب - موقع موقع الدكتور خالد بن عبدالرحمن بن علي الجريسي)
  • واقع الإدارة والمسلمين(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • أوكرانيا: هدايا من مسلمي القرم للأطفال ضعاف البصر(مقالة - المسلمون في العالم)
  • روسيا: صندوق إسلامي خيري لمساعدة أطفال الشوارع(مقالة - المسلمون في العالم)
  • أوكرانيا: السلطات تساعد المسلمين على استرداد مسجد(مقالة - المسلمون في العالم)
  • مفهوم الإدارة في الإسلام(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • التسمية بقاضي القضاة، ملك الأملاك، ملك الملوك(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • بعد عامين من البناء افتتاح مسجد جديد في قرية سوكوري
  • بعد 3 عقود من العطاء.. مركز ماديسون الإسلامي يفتتح مبناه الجديد
  • المرأة في المجتمع... نقاش مفتوح حول المسؤوليات والفرص بمدينة سراييفو
  • الذكاء الاصطناعي تحت مجهر الدين والأخلاق في كلية العلوم الإسلامية بالبوسنة
  • مسابقة للأذان في منطقة أوليانوفسك بمشاركة شباب المسلمين
  • مركز إسلامي شامل على مشارف التنفيذ في بيتسفيلد بعد سنوات من التخطيط
  • مئات الزوار يشاركون في يوم المسجد المفتوح في نابرفيل
  • مشروع إسلامي ضخم بمقاطعة دوفين يقترب من الموافقة الرسمية

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 9/12/1446هـ - الساعة: 17:59
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب