• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    فتاوى الطلاق الصادرة عن سماحة مفتي عام المملكة ...
    أ. د. عبدالله بن محمد الطيار
  •  
    عناية النبي بضبط القرآن وحفظه في صدره الشريف
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    على علم عندي
    عبدالسلام بن محمد الرويحي
  •  
    عظمة الإسلام وتحديات الأعداء - فائدة من كتاب: ...
    د. هيثم بن عبدالمنعم بن الغريب صقر
  •  
    خطبة: أهمية التعامل مع الأجهزة الإلكترونية
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    نصيحتي إلى كل مسحور باختصار
    سلطان بن سراي الشمري
  •  
    الحج عبادة العمر: كيف يغيرنا من الداخل؟
    محمد أبو عطية
  •  
    تفسير سورة البلد
    أبو عاصم البركاتي المصري
  •  
    فضل يوم عرفة
    محمد أنور محمد مرسال
  •  
    خطبة: فضل العشر الأول من ذي الحجة
    يحيى سليمان العقيلي
  •  
    خطبة: اغتنام أيام عشر ذي الحجة والتذكير بيوم عرفة
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    حقوق الأم (2)
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    وقفات مع عشر ذي الحجة
    د. عبدالسلام حمود غالب
  •  
    من مائدة العقيدة: شروط شهادة أن لا إله إلا الله
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    تحريم صرف شيء من مخلوقات الله لغيره سبحانه وتعالى
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    الله يخلف على المنفق في سبيله ويعوضه
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / السيرة والتاريخ / السيرة
علامة باركود

الهجرة إلى الحبشة (خطبة)

الهجرة إلى الحبشة (خطبة)
حامد عبدالخالق أبو الدهب

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 5/12/2024 ميلادي - 4/6/1446 هجري

الزيارات: 1752

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الهِجْرةُ إلى الحَبَشَةِ


الخطبة الأولى

1-ابتلاءُ المُؤمنين الأوائل فى مَكَّةَ وإذنُ النبي لأصحابه بالهجرة إلى الحبشة: مِنْ حِكمَةِ الله تعالى أنْ يبتلي عِباده المُؤمِنِينَ بالشدائد ليرى صبرهم، قال تعالى: ﴿ أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ ﴾ [الْبَقَرَة: 214]، وقال: ﴿ ألم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكاذِبِينَ ﴾ [العنكبوت: 1- 3].

 

في (البداية والنهاية): (عنْ أُمِّ سَلَمَةَ، رَضِيَ الله عنها، أنها قالتْ: لما ضاقتْ مَكَّةُ وَأُوذِيَ أَصْحَاب رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفُتِنُوا وَرَأَوْا مَا يُصِيبُهُمْ مِنَ الْبَلَاءِ وَالْفِتْنَةِ فِي دِينِهِمْ، وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَسْتَطِيعُ دَفْعَ ذَلِكَ عَنْهُمْ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ فِي مَنَعَةٍ مِنْ قَوْمِهِ، وَمِنْ عَمِّهِ لَا يَصِلُ إِلَيْهِ شَيْءٌ مِمَّا يَكْرَهُ وَمِمَّا يَنَالُ أَصْحَابَهُ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ مَلِكًا لَا يُظْلَمُ أَحَدٌ عِنْدَهُ فَالْحَقُوا بِبِلَادِهِ حَتَّى يَجْعَلَ اللَّهُ لَكُمْ فَرَجًا وَمَخْرَجًا مِمَّا أَنْتُمْ فِيهِ» فَخَرَجْنَا إِلَيْهَا أَرْسَالًا حَتَّى اجْتَمَعْنَا بِهَا، فَنَزَلْنَا بِخَيْرِ دَارٍ إِلَى خَيْرِ جَارٍ آمِنِينَ عَلَى دِينِنَا، وَلَمْ نَخْشَ فِيهَا ظُلْمًا).

 

2-رَدُّ فَعلِ قُريشٍ واحتيالُهُم: تُكمِلُ أُمُّ سَلَمَة قائلًة: (فَلَمَّا رَأَتْ قُرَيْشٌ أَنَّا قد أصبنا دارًا وأمنًا، غاروا منا، فاجتمعوا عَلَى أَنْ يَبْعَثُوا إِلَى النَّجَاشِيِّ فِينَا لِيُخْرِجُونَا مِنْ بِلَادِهِ، وَلِيَرُدَّنَا عَلَيْهِمْ؛ فَبَعَثُوا عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ وَعَبْدَاللَّهِ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ، فَجَمَعُوا لَهُ هَدَايَا وَلِبَطَارِقَتِهِ، فَلَمْ يَدَعُوا مِنْهُمْ رَجُلًا إلا هيئوا لَهُ هَدِيَّةً عَلَى حِدَةٍ، وَقَالُوا لَهُمَا: ادْفَعُوا إِلَى كُلِّ بِطْرِيقٍ هَدِيَّتَهُ قَبْلَ أَنْ تَتَكَلَّمُوا فِيهِمْ، ثُمَّ ادْفَعُوا إِلَيْهِ هَدَايَاهُ. فَإِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ يَرُدَّهُمْ عَلَيْكُمْ قَبْلَ أَنْ يُكَلِّمَهُمْ فَافْعَلُوا. فقدما عَلَيْهِ فَلَمْ يَبْقَ بِطْرِيقٌ مِنْ بَطَارِقَتِهِ إِلَّا قدموا إليه هديته، فكلموه، فقالوا لَهُ: إِنَّمَا قَدِمَنَا عَلَى هَذَا الْمَلِكِ فِي سُفَهَائِنَا، فَارَقُوا أَقْوَامَهُمْ فِي دِينِهِمْ، وَلَمْ يَدْخُلُوا فِي دِينِكُمْ. فَبَعَثَنَا قَوْمُهُمْ لِيَرُدَّهُمُ الْمَلِكُ عَلَيْهِمْ، فَإِذَا نَحْنُ كَلَّمْنَاهُ فَأَشِيرُوا عَلَيْهِ بِأَنْ يَفْعَلَ، فَقَالُوا: نَفْعَلُ. ثُمَّ قَدَّمُوا إِلَى النَّجَاشِيِّ هَدَايَاهُ، وَكَانَ مِنْ أَحَبِّ مَا يُهْدُونَ إِلَيْهِ مِنْ مَكَّةَ الْأُدُمُ- وَذَكَرَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ أَنَّهُمْ أَهْدَوْا إِلَيْهِ فَرَسًا وَجُبَّةَ دِيبَاجٍ- فَلَمَّا أَدْخَلُوا عَلَيْهِ هَدَايَاهُ. قَالُوا لَهُ: أَيُّهَا الْمَلِكُ، إِنَّ فِتْيَةً مِنَّا سُفَهَاءَ فَارَقُوا دِينَ قومهم، ولم يدخلوا في دينك، وجاءوا بدين مُبتدَعٍ لا نعرفه، وقد لجئوا إِلَى بِلَادِكَ، وَقَدْ بَعَثَنَا إِلَيْكَ فِيهِمْ عَشَائِرُهُمْ، آباؤهم وأعمامُهم وقومُهم لتردهم عليهم، فإنهم أعلا بِهِمْ عَيْنًا، فَإِنَّهُمْ لَنْ يَدْخُلُوا فِي دِينِكَ فَتَمْنَعَهُمْ لِذَلِكَ).

 

3-رَدُّ فِعل النَّجاشي: قالتْ أُمُّ سَلَمَةَ: (فَغَضِبَ ثُمَّ قَالَ: لَا. لَعَمْرُ اللَّهِ، لَا أَرُدُّهُمْ عَلَيْهِمْ حَتَّى أَدْعُوَهُمْ، فَأُكَلِّمَهُمْ وأنظر ما أمرهم، قوم لجئوا إِلَى بِلَادِي، وَاخْتَارُوا جِوَارِي عَلَى جِوَارِ غَيْرِي. فَإِنْ كَانُوا كَمَا يَقُولُونَ، رَدَدْتُهُمْ عَلَيْهِمْ، وَإِنْ كَانُوا عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ مَنَعْتُهُمْ وَلَمْ أَدْخُلْ بينهم وبينهم، ولم أنعم عَيْنًا-[وَذَكَرَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ أَنَّ أُمَرَاءَهُ أَشَارُوا عَلَيْهِ بِأَنْ يَرُدَّهُمْ إِلَيْهِمْ. فَقَالَ: لَا وَاللَّهِ، حَتَّى أَسْمَعَ كَلَامَهُمْ وَأَعْلَمَ عَلَى أَيِّ شَيْءٍ هُمْ عَلَيْهِ؟).

 

الخطبة الثانية

4-6- رَدُّ المُسلمِين على حِيلةِ عمروٍ وصاحِبه، وخُطبةُ جَعفَر-رضي اللهُ عنه-، ورَدُّ فَعلِ النَجَاشِي بعد سماع الخُطبة: قالتْ: فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ سَلَّمُوا وَلَمْ يَسْجُدُوا لَهُ. فَقَالَ: أَيُّهَا الرَّهْطُ، أَلَا تُحَدِّثُونِي مَا لَكُمْ لَا تُحَيُّونِي كَمَا يُحَيِّينِي مَنْ أتانا مِنْ قومكم؟ فأخبروني مَاذَا تَقُولُونَ فِي عِيسَى؟ وَمَا دِينُكُمْ؟ أَنَصَارَى أَنْتُمْ؟ قَالُوا: لَا. قَالَ: أَفَيَهُودٌ أَنْتُمْ؟ قَالُوا: لَا. قَالَ: فَعَلَى دِينِ قَوْمِكُمْ؟ قَالُوا: لَا. قَالَ: فَمَا دِينُكُمْ؟ قَالُوا الْإِسْلَامُ. قَالَ: وَمَا الْإِسْلَامُ؟ قَالُوا: نَعْبُدُ اللَّهَ لَا نُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا. قَالَ: مَنْ جَاءَكُمْ بِهَذَا؟ قَالُوا: جَاءَنَا بِهِ رَجُلٌ مِنْ أَنْفُسِنَا، قَدْ عَرَفْنَا وَجْهَهُ وَنَسَبَهُ، بَعَثَهُ اللَّهُ إِلَيْنَا كَمَا بَعَثَ الرُّسُلَ إِلَى مَنْ قَبْلنا، فَأَمَرَنَا بِالْبَرِّ وَالصَّدَقَةِ وَالْوَفَاءِ وَأَدَاءِ الْأَمَانَةِ، وَنَهَانَا أَنْ نَعْبُدَ الْأَوْثَانَ، وَأَمَرَنَا بِعِبَادَةِ اللَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، فَصَدَّقْنَاهُ وَعَرَفْنَا كَلَامَ اللَّهِ وَعَلِمْنَا أَنَّ الَّذِي جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، فَلَمَّا فَعَلْنَا ذَلِكَ، عَادَانَا قَوْمُنَا، وَعَادَوُا النَّبِيَّ الصَّادِقَ، وَكَذَّبُوهُ، وَأَرَادُوا قَتْلَهُ، وَأَرَادُونَا عَلَى عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ، فَفَرَرْنَا إِلَيْكَ بِدِينِنَا وَدِمَائِنَا مِنْ قَوْمِنَا. قَالَ: وَاللَّهِ، إِنَّ هَذَا لَمِنَ الْمِشْكَاةِ الَّتِي خَرَجَ مِنْهَا أَمْرُ مُوسَى. قَالَ جَعْفَرٌ: وَأَمَّا التَّحِيَّةُ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَنَا أَنَّ تَحِيَّةَ أَهْلِ الْجَنَّةِ السَّلَامُ، وَأَمَرَنَا بِذَلِكَ فَحَيَّيْنَاكَ بِالَّذِي يُحَيِّي بَعْضُنَا بَعْضًا. وَأَمَّا عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ فَعَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ وَابْنُ الْعَذْرَاءِ الْبَتُولِ. فَأَخَذَ عُودًا وَقَالَ: وَاللَّهِ مَا زَادَ ابْنُ مَرْيَمَ عَلَى هَذَا وَزْنَ هَذَا الْعُودِ. فَقَالَ عُظَمَاءُ الْحَبَشَةِ: وَاللَّهِ لَئِنْ سَمِعَتِ الْحَبَشَةُ لَتَخْلَعَنَّكَ. فَقَالَ: وَاللَّهِ لَا أَقُولُ فِي عِيسَى غَيْرَ هَذَا أَبَدًا، وَمَا أَطَاعَ اللَّهُ النَّاسَ فِيَّ حِينِ رَدَّ عَلَيَّ ملكي فأطيع النَّاسَ فِي دِينِ اللَّهِ. مَعَاذَ اللَّهِ مِنْ ذَلِكَ. وَقَالَ يُونُسُ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمُ النَّجَاشِيُّ فَجَمَعَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ أَبْغَضَ لِعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَعَبْدِاللَّهِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ مِنْ أَنْ يَسْمَعَ كَلَامَهُمْ، فَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولُ النَّجَاشِيِّ، اجْتَمَعَ الْقَوْمُ فَقَالُوا: مَاذَا تَقُولُونَ؟ فَقَالُوا: وَمَاذَا نَقُولُ، نَقُولُ وَاللَّهِ مَا نَعْرِفُ، وَمَا نَحْنُ عَلَيْهِ مِنْ أَمْرِ دِينِنَا، وَمَا جَاءَ بِهِ نَبِيُّنَا- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كائن مِنْ ذَلِكَ مَا كَانَ، فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ كَانَ الَّذِي يُكَلِّمُهُ مِنْهُمْ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. فَقَالَ لَهُ النَّجَاشِيُّ: مَا هَذَا الدِّينُ الَّذِي أَنْتُمْ عَلَيْهِ؟ فَارَقْتُمْ دِينَ قَوْمِكُمْ وَلَمْ تَدْخُلُوا فِي يَهُودِيَّةٍ، وَلَا نَصْرَانِيَّةٍ؟ فَقَالَ لَهُ جَعْفَرٌ: أَيُّهَا الْمَلِكُ، كُنَّا قَوْمًا عَلَى الشِّرْكِ نَعْبُدُ الْأَوْثَانَ، وَنَأْكُلُ الْمَيْتَةَ، وَنُسِيءُ الجوار، يستحل المحارم بعضُنا مِنْ بعضٍ في سفك الدماء وغيرها، لا نُحِلُّ شَيْئًا وَلَا نُحَرِّمُهُ. فَبَعَثَ اللَّهُ إِلَيْنَا نَبِيًّا مِنْ أَنْفُسِنَا، نَعْرِفُ وَفَاءَهُ وَصِدْقَهُ وَأَمَانَتَهُ، فَدَعَانَا إِلَى أَنْ نَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ له، ونَصِل الأرحام، ونحمي الْجِوَارَ، وَنُصَلِّيَ للَّه عَزَّ وَجَلَّ، وَنَصُومَ لَهُ، وَلَا نَعْبُدَ غَيْرَهُ. وَقَالَ زِيَادٌ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: فَدَعَانَا إِلَى اللَّهِ لِنُوَحِّدَهُ وَنَعْبُدَهُ وَنَخْلَعَ مَا كُنَّا نَعْبُدُ نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِنْ دُونِهِ مِنَ الْحِجَارَةِ وَالْأَوْثَانِ، وَأَمَرَنَا بِصِدْقِ الْحَدِيثِ وَأَدَاءِ الأمانة وصلة الأرحام وَحُسْنِ الْجِوَارِ، وَالْكَفِّ عَنِ الْمَحَارِمِ وَالدِّمَاءِ، وَنَهَانَا عَنِ الْفَوَاحِشِ وَقَوْلِ الزُّورِ وَأَكْلِ مَالِ الْيَتِيمِ وَقَذْفِ الْمُحْصَنَةِ، وَأَمَرَنَا أَنْ نَعْبُدَ اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا، وَأَمَرَنَا بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصِّيَامِ. قَالَ: -فَعَدُّوا عَلَيْهِ أُمُورَ الْإِسْلَامِ- فَصَدَّقْنَاهُ وَآمَنَّا بِهِ وَاتَّبَعْنَاهُ عَلَى مَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، فَعَبَدْنَا اللَّهَ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَلَمْ نُشْرِكْ بِهِ شَيْئًا، وَحَرَّمْنَا مَا حَرَّمَ عَلَيْنَا، وَأَحْلَلْنَا مَا أَحَلَّ لَنَا، فَعَدَا علينا قومُنا فعَذَّبونا ليفتنونا عن ديننا ويردونا إِلَى عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ مِنْ عِبَادَةِ اللَّهِ، وَأَنْ نَسْتَحِلَّ مَا كُنَّا نَسْتَحِلُّ مِنَ الْخَبَائِثِ، فَلَمَّا قَهَرُونَا وَظَلَمُونَا وَضَيَّقُوا عَلَيْنَا وَحَالُوا بَيْنَنَا وَبَيْنَ دِينِنَا خَرَجْنَا إِلَى بِلَادِكَ وَاخْتَرْنَاكَ عَلَى مَنْ سِوَاكَ، وَرَغِبْنَا فِي جِوَارِكَ، وَرَجَوْنَا أَلَّا نُظْلَمَ عِنْدَكَ أَيُّهَا الْمَلِكُ. قَالَتْ فَقَالَ النَّجَاشِيُّ: هَلْ مَعَكَ شَيْءٌ مِمَّا جَاءَ بِهِ؟ وَقَدْ دَعَا أَسَاقِفَتَهُ فَأَمَرَهُمْ فَنَشَرُوا الْمَصَاحِفَ حَوْلَهُ. فَقَالَ لَهُ جَعْفَرٌ! نَعَمْ: قَالَ: هَلُمَّ فَاتْلُ عَلَيَّ مِمَّا جَاءَ بِهِ، فَقَرَأَ عَلَيْهِ صَدْرًا مِنْ ﴿ كهيعص ﴾ فَبَكَى وَاللَّهِ النَّجَاشِيُّ حَتَّى اخْضَلَّتْ لِحْيَتُهُ، وَبَكَتْ أَسَاقِفَتُهُ حَتَّى أَخْضَلُوا مَصَاحِفَهُمْ. ثُمَّ قَالَ: إِنَّ هَذَا الْكَلَامَ لَيَخْرُجُ مِنَ الْمِشْكَاةِ الَّتِي جَاءَ بِهَا مُوسَى، انْطَلِقُوا رَاشِدِينَ. لَا وَاللَّهِ، لَا أردهم عليكم ولا أنعمكم علينا. فخرجنا من عنده وكان أبقى الرجلين فينا عبدالله بن رَبِيعَةَ.

 

7-مُعَاودَةُ وفدِ قُريشٍ الاحتيال ورَدُّ فعل النَّجَاشي: (فَقَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ: وَاللَّهِ لَآتِيَنَّهُ غَدًا بِمَا أَسْتَأْصِلُ بِهِ خَضْرَاءَهُمْ، وَلَأُخْبِرنَّهُ أَنَّهُمْ يزعمون أنَّ إلهه الّذي يعبد عيسى بن مَرْيَمَ عَبْدٌ. فَقَالَ لَهُ عَبْدُاللَّهِ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ: لَا تَفْعَلْ فَإِنَّهُمْ- وَإِنْ كَانُوا خالفونا-، فإنَّ لهم رَحِمًا، وَلَهُمْ حَقًّا. فَقَالَ: وَاللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ! فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ، دَخَلَ عَلَيْهِ فَقَالَ: أَيُّهَا الْمَلِكُ، إِنَّهُمْ يَقُولُونَ فِي عِيسَى قَوْلًا عَظِيمًا، فَأَرْسِلْ إِلَيْهِمْ فَسَلْهُمْ عَنْهُ. فَبَعَثَ وَاللَّهِ إِلَيْهِمْ وَلَمْ يَنْزِلْ بِنَا مِثْلُهَا، فَقَالَ بَعْضُنَا لِبَعْضٍ: مَاذَا تقولون له في عيسى إن هو يسألكم عَنْهُ؟ فَقَالُوا: نَقُولُ وَاللَّهِ الَّذِي قَالَهُ اللَّهُ فِيهِ، وَالَّذِي أَمَرَنَا نَبِيُّنَا أَنْ نَقُولَهُ فِيهِ. فَدَخَلُوا عَلَيْهِ وَعِنْدَهُ بَطَارِقَتُهُ فَقَالَ: مَا تَقُولُونَ في عيسى بن مَرْيَمَ؟ فَقَالَ لَهُ جَعْفَرٌ: نَقُولُ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ وَرُوحُهُ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ الْعَذْرَاءِ الْبَتُولِ. فَدَلَّى النَّجَاشِيُّ يَدَهُ إِلَى الْأَرْضِ فَأَخَذَ عُودًا بَيْنَ أُصْبُعَيْهِ فَقَالَ: مَا عَدَا عيسى بن مريم مما قلتَ هذا العويد. فتناخرت بطراقته. فَقَالَ: وَإِنْ تَنَاخَرْتُمْ وَاللَّهِ! اذْهَبُوا فَأَنْتُمْ سُيُومٌ في الأرض- السيوم الْآمِنُونَ فِي الْأَرْضِ، مَنْ سَبَّكُمْ غَرِمَ، مَنْ سَبَّكُمْ غَرِمَ، مَنْ سَبَّكُمْ غَرِمَ، ثَلَاثًا مَا أُحِبُّ أَنَّ لِي دَبْرًا وَأَنِّي آذَيْتُ رَجُلًا مِنْكُمْ- وَالدَّبْرُ بِلِسَانِهِمُ الذَّهَبُ. وَقَالَ زِيَادٌ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: مَا أُحِبُّ أَنَّ لِي دَبْرًا من ذهب. قال ابن هشام: ويقال زبرًا وهو الجبل بلغتهم. ثم قال النجاشي: فو الله مَا أَخَذَ اللَّهُ مِنِّي الرِّشْوَةَ حِينَ رَدَّ عَلَيَّ مُلْكِي، وَلَا أَطَاعَ النَّاسَ فِيَّ فَأُطِيعَ الناس فيه. رُدُّوا عليهما هداياهما فَلَا حَاجَةَ لِي بِهَا. وَاخْرُجَا مِنْ بِلَادِي فَخَرَجَا مَقْبُوحَيْنِ مَرْدُودًا عَلَيْهِمَا مَا جَاءَا بِهِ. قَالَتْ: فَأَقَمْنَا مَعَ خَيْرِ جَارٍ فِي خَيْرِ دار).

 

8- في هذه الهِجْرةِ عِدَّةُ مَعَانٍ وفوائد. أذكُرهما إجمالًا: منها:

1- أهمية الصبر على البلاء وأنَّه سبَبٌ للفَرَجِ.

 

2- تَأَذِّي المؤِمِنِ بما يراه أو يبلغه مِمَّا يُصِيبُ غيره مِنَ الأذى كما فعل النبى-صلى الله عليه وسلم-حين رأى ما يُصيبُ أصحابَه مِنَ الأذى.

 

3- 4- البحثُ عَنْ مَخْرجٍ مِنَ الشدائد، ومعرفة الواقع جَيَّدًا حين أرشد النبيُّ أصحابه إلى ملك الحبشة لِمعرفته بعدله سواء كانت هذه المعرفةُ بوَحْيٍ أو بغيره.

 

5- أخذُ الاحتياط اللازم، فالصحابةُ خَرَجُوا أرسالًا؛ أي: أشتاتًا.

 

6- تصديق خبر النبي، فالصحابةُ-وهُمْ بالحبشة-لم يخشوا ظُلْمًا لثقتهم وتصديقهم بما أخبرهم به النبي.

 

7-8- خُوفُ أعداء الله مِنْ إظهار كلمة الله ودِينه، فوفدُ قُريش كانُوا حريصينَ عَلى أَلَّا يستمع النجاشيُّ إلى المُسلمينَ، واستخدامُهم الرشوة للصَّدِّ عن دِينِ الله، ووصف أتباع الدِّينِ بالسفاهة والابتداع.

 

9- أهميةُ اختيار الدَّاعية الفاهم الواثق مِنْ نفسه ومِنْ دِينِه. ويظهرُ ذلك من خلال اختيار الصحابة جعفر ليعرض الإسلام فألقى أمام النَّجاشي خُطْبةً جامعةً رائعةً لَخَّصت روعة وجمال هذا الدين وبشاعة الشرك وأهله.

 

10- أهميةُ قُوَّةِ العقيدة: ويظهرُ ذلك في ترك الصحابة السجود للنجاشي على الرغم مِنْ كونهم في ضيافته ولاجئين إليه. فلم يقولوا مَثَلًا: لا بأس أن نسجد له حَتَّى يقبلنا عنده ولا يردَّنَا إلى قُريشٍ. بل قال جَعْفَرُ-مُتَحَدِّثُهُم الرَّسميُّ-: لَا نَسْجُدُ إِلَّا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. وكذلك في عرضهم العقيدة الإسلامية الصحيحة في عيسى عليه السلام. فالإسلامُ لا يعترفُ بالنفعية، ولا بالغاية التي تُبَرِّرُ الوسيلة.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الهجرة إلى الحبشة
  • الهجرة إلى الحبشة
  • الهجرة إلى الحبشة: دروس وعبر (1)
  • الهجرة إلى الحبشة: دروس وعبر (4)

مختارات من الشبكة

  • قصة الهجرة النبوية - ليلة الهجرة ووداع الوطن الحبيب(مقالة - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • قصة الهجرة النبوية - ليلة الهجرة ووداع الوطن الحبيب(مادة مرئية - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • قصة الهجرة النبوية - ليلة الهجرة ووداع الوطن الحبيب(محاضرة - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • رمضان بين الهجرة والهجر(مقالة - ملفات خاصة)
  • للمبتعث الهجرة لله والهجرة المضادة لها(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • دعوة للهجرة في ذكرى الهجرة(مقالة - ملفات خاصة)
  • الهجرة فريضة على هذه الأمة من بلد الشرك إلى بلد الإسلام(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الهجرة الأولى إلى الحبشة ونبذة عن الملك الصالح النجاشي أصحمة (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • نموذج تطبيقي لتنمية المجتمع المحلي الإسلامي(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • إمام دار الهجرة (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • بعد عامين من البناء افتتاح مسجد جديد في قرية سوكوري
  • بعد 3 عقود من العطاء.. مركز ماديسون الإسلامي يفتتح مبناه الجديد
  • المرأة في المجتمع... نقاش مفتوح حول المسؤوليات والفرص بمدينة سراييفو
  • الذكاء الاصطناعي تحت مجهر الدين والأخلاق في كلية العلوم الإسلامية بالبوسنة
  • مسابقة للأذان في منطقة أوليانوفسك بمشاركة شباب المسلمين
  • مركز إسلامي شامل على مشارف التنفيذ في بيتسفيلد بعد سنوات من التخطيط
  • مئات الزوار يشاركون في يوم المسجد المفتوح في نابرفيل
  • مشروع إسلامي ضخم بمقاطعة دوفين يقترب من الموافقة الرسمية

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 7/12/1446هـ - الساعة: 2:15
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب