• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    كسب القلوب مقدم على كسب المواقف (خطبة)
    الشيخ عبدالله محمد الطوالة
  •  
    الإمداد بالنهي عن الفساد (خطبة)
    الشيخ محمد بن إبراهيم السبر
  •  
    سورة البقرة: مفتاح البركة ومنهاج السيادة
    د. مصطفى يعقوب
  •  
    لطائف من القرآن (3)
    قاسم عاشور
  •  
    المشتاقون إلى لقاء الله (خطبة)
    د. عبد الرقيب الراشدي
  •  
    من صفات الرجولة في القرآن الكريم
    د. حسام العيسوي سنيد
  •  
    إنسانية النبي صلى الله عليه وسلم
    محمد عبدالعاطي محمد عطية
  •  
    الكشف الصوفي
    إبراهيم الدميجي
  •  
    تفسير: ( وقالوا آمنا به وأنى لهم التناوش من مكان ...
    تفسير القرآن الكريم
  •  
    إشراقة آية {وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون ...
    علي بن حسين بن أحمد فقيهي
  •  
    تفسير قوله تعالى: { ولا يحزنك الذين يسارعون في ...
    سعيد مصطفى دياب
  •  
    حديث القرآن عن عيسى عليه السلام وأمه (خطبة)
    أ. د. حسن بن محمد بن علي شبالة
  •  
    الله الخالق الخلاق (خطبة) – باللغة النيبالية
    حسام بن عبدالعزيز الجبرين
  •  
    الوصف بالجاهلية (خطبة)
    الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل
  •  
    منهج الاستدلال بين القرآن والسنة: دراسة نقدية ...
    محمد بن عبدالله العبدلي
  •  
    تلك نتائج السرائر!
    عبدالرحيم بن عادل الوادعي
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / تفسير القرآن
علامة باركود

خطبة: وقفات مع سورة ق

خطبة: وقفات مع سورة ق
الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي التميمي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 20/7/2024 ميلادي - 14/1/1446 هجري

الزيارات: 7266

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

خطبة: وقفات مع سورة ق


الْخُطْبَةُ الْأُولَى

إنَّ الحمدَ للهِ، نَحْمَدُهُ، ونستعينُهُ، ونستغفِرُهُ، ونعوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أنفسِنَا وسيئاتِ أعمالِنَا، مَنْ يهدِ اللهُ فلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شريكَ لَهُ، تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وأشهدُ أنَّ مُحَمَّدًا عبدُهُ ورسُولُهُ، وَخَلِيلُهُ - صَلَّى اللهُ عليهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كثيرًا. أمَّا بَعْدُ... فَاتَّقُوا اللهَ- عِبَادَ اللهِ- حقَّ التَّقْوَى؛ واعلَمُوا أنَّ أَجْسَادَكُمْ عَلَى النَّارِ لَا تَقْوَى. وَاِعْلَمُوا بِأَنَّ خَيْرَ الْهَدْيِّ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ، وَأَنَّ شَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.

 

1- عِبَادَ اللهِ، نَقِفُ الْيَوْمَ مَعَ سُورَةٍ عَظِيمَةٍ مِنْ سُوَرِ الْقُرْآنِ، قَالَتْ عَنْهَا أُمُّ هَاشِمٍ، رَضْيَ اللهُ عَنْهَا: مَا حَفِظْتُ ﴿ ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ ﴾ [ق: 1] إِلَّا مِنْ فِيِّ رَسُولِ اللهِ-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – كَانَ يَقْرَؤُهَا كُلَّ يَوْمِ جُمُعَةٍ عَلَى الْمِنْبَرِ إِذَا خَطَبَ النَّاسَ" (رَوَاهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ).

 

2- عِبَادِ اللهِ، بَدَأَتْ هَذِهِ السُّورَةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ ق ﴾ لِيُبَيِّنَ اللهُ لِلْعَرَبِ، مِنْ خِلَالِ الْحُرُوفِ الْمُتَقَطِّعَةِ أَنَّ الْقُرْآنَ يَحْمِلُ لُغَتَهُمْ، وَمِنْ حُرُوفِهِم الثَّمَانِيَةِ وَالْعِشْرِينَ حَرْفاً، وَمَعَ ذَلِكَ لَا يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِهِ." وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ"؛ أَي: الْكَرِيمِ، فَكُلٌ يَأْخُذُ مِنَ الْقُرْآنِ بِقَدْرِ مَا وَهَبَهُ اللهُ وَيُنَاسِبُهُ.

 

3- ثُمَّ قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ ﴾ [ق: 2]؛ حَيْثُ عَجِبَ الْكُفَّارُ مِنْ مَبْعَثِ مُحَمَّدٍ، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَأَنْكَرُوا رِسَالَتَهُ، مَعَ أَنَّهُ مِنْهُمْ.

 

4- ثُمَّ جَاءَ عَجَبُهُمُ الثَّانِي: ﴿ أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ ﴾ [ق: 3]؛ حَيْثُ أَنْكَرُوا الْبَعْثَ، بِحُجَّةِ أَنَّ أَجْسَادَهُمْ تَحَلَّلَتْ، وَصَارَتْ تُرَاباً؛ فَرَدَّ عَلَيْهِمْ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- بِقَوْلِهِ: ﴿ بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ ﴾ [ق: 5]؛ فَبَيَّنَ اللهُ –تَعَالَى- أَنَّهُ يَعْلَمُ مَا تَأْكُلُهُ الْأَرْضُ مِنْ أَجْسَادِهِمْ بَعْدَ تَحَلُّلِهَا، فَهُوَ لَا يَضِيعُ فِي الْأَرْضِ، بَلْ هُوَ مَحْفُوظٌ، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا عَمِلُوهُ مَكْتُوبٌ وَمَحْفُوظٌ، فَلَابُدَّ مِنْ بَعْثٍ وَحِسَابٍ وَجَزَاءٍ عَلَى الْعَمَلِ.

 

5- ثُمَّ قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ ﴾ [ق: 5] أَيْ: مُخْتَلِطٍ وَمُلْتَبِسٍ عَلَيْهِمْ؛ فَهَؤُلَاءِ الْكُفَّارُ لَمْ يُؤْمِنُوا، وَكَذَّبُوا فَوَقَعُوا فِي الْاِخْتِلَافِ، فَكُلٌ مِنْهُمْ يَدَّعِي رَأْيًا، ثُمَّ خَاطَبَهُمُ اللهُ بِقَوْلِهِ: ﴿ أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ ﴾ [ق: 6]؛ فَالسَّمَاءُ مُحْكَمَةُ الْبِنَاءِ وَيَرَوْنَهَا بِأَعْيُنِهِمْ، أَلَا تَدُلُّ عَلَى وُجُودِ خَالِقٍ؟ أَلَمْ تُثِرْهُمْ زِينَةُ السَّمَاوَاتِ بِمَا فِيهَا مِنْ نُجُومٍ وَشَمْسٍ وَقَمَرٍ؟ أَلَمْ يَلْفِتْ نَظَرَهُمْ أَنَّهُ لَا يُوجُدُ فِي هَذَا الْبِنَاءِ الْعَظِيمِ الْمُعْجِزِ شُقُوقٌ وَلَا فَتَحَاتٌ. ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: ﴿ وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ ﴾ [ق: 7]، فَهَذِهِ الْأَرْضُ الَّتِي يعِيشُونَ عَلَيْهَا، وَهِيَ عَلَى مَدِّ الْأَبْصَارِ، لَيْسَ لَهَا طَرَفٌ، لِأَنَّ اللهَ مَدَّهَا وَسَطَحَها، فَكُلُّ فِرَاشٍ لَهُ طَرَفٌ إِلَّا الْأَرْضَ.

 

مَنْ ذَا الَّذِي بَسَطَ الْبَسِيطَةَ لِلْوَرَى
فَرْشًا وَتَوَّجَهَا بِسَقْفِ سَمَائِهِ؟

6- وَهَذِهِ الْأَرْضُ الْمَغْمُورَةُ بِالْمِيَاهِ، قَدْ ثُبِّتَتْ بِالْجِبَالِ الْعَظِيمَةِ الرَّاسِيَاتِ عَلَيْهَا حَتَّى لَا تَضْطَرِبَ، وَاللهُ أَنْبَتَ فِي هَذِهِ الْأَرْضِ ﴿ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ ﴾ [ق: 7] ؛ فَمِنْ كُلِّ شَكْلٍ خَلَقَ هَذِهِ النَّبَاتَاتِ الْبَهِيجَةَ، حَسَنَةَ الْمَنْظَرِ، حَيْثُ تُبْهِجُ النُّفُوسَ؛ لِاخْتِلَافِ أَلْوَانِهَا، وَطِيبِ رَائِحَتِهَا.

 

تَأَمَّلْ فِي نَبَاتِ الأَرْضِ وَانْظُرْ
إِلَى آثَارِ مَا صَنَعَ الْمَلِيكُ

7- ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: ﴿ تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ ﴾ [ق: 8]؛ فَكُلُّ مَا سَبَقَ ذِكْرُهُ يُنِيرُ الْبَصَائِرَ، وَتَتَفَتَّحُ لَهُ الْقُلُوبُ، وَيَنْتَفِعُ بِهِ كُلُّ عَبْدٍ مُنِيبٍ إِلَى رَبّهِ، رَاجِعٍ إِلَيْهِ.

 

8- ﴿ وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ ﴾ [ق: 9]؛ حيث أَنْزَلَهُ اللهُ لِيُغَذِّي الْأَشْجَارَ، وَيَمْلَأَ الْآبَارَ، وَيَشْرَبَ مِنْهُ النَّاسُ وَدَوابُّهُمْ، وَيُنْبِتَ الْحُبُوبَ الَّتِي تَحْصُدُونَهَا كَحُبُوبِ الْبُرِّ وَالذُّرَةِ وَالْأَرُزِّ وَغَيْرِهَا.

 

9- ﴿ وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ ﴾ [ق: 10] طوِيلَاتٍ ثِمَارُهَا مُتَرَاكِبٌ بَعْضُهُ فَوْقَ بَعْضٍ، ﴿ رِزْقًا لِلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ الْخُرُوجُ ﴾ [ق: 11]؛ فَهَذِهِ الْأَمْطَارُ الْمُنْهَمِرَةُ مِنَ السَّمَاءِ كَانَتْ سَبَبًا لِأَنْ يُرْزَقَ النَّاسُ، وَأَنْ تَحْيَا الْأَرْضُ الْهَامِدَةُ الْمَيِّتَةُ. فَالَّذِي أَحْيَا الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَادِرٌ عَلَى إِحْيَاءِ الْأَجْسَامِ بَعْدَ مَوْتِهَا.

 

سُبْحَانَ مُحْيي الأَرْضِ بَعْدَ مَمَاتهَا
وَكَذَاكَ يُحْيِي الْخْلْقَ يَوْمَ الْمَحْشَرِ

10- ثُمَّ قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحَابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ ﴾ [ق: 12] فَأَوَّلُ الرُّسُلِ نُوحٌ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- كُذِّبَ، وَأَصْحَابُ الرَّسِّ الَّذِينَ كَانُوا أَصْحَابَ آبَارٍ، كَذَّبُوا نَبِيَّهُمْ، فَأَلْقَوْهُ فِي الْبِئْرِ.

 

11- وَقَوْمُ ثَمُودَ كَذَّبُوا نَبِيَّ اللهِ صَالِحًا، -عَلَيْهِ السَّلَامُ- ﴿ وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوَانُ لُوطٍ * وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ ﴾ [ق: 13، 14] وَكَذَلِكَ كَذَّبَ قَوْمُ عَادٍ، نَبِيَّهُمْ هُودًا -عَلَيْهِ السَّلَامُ-، وَكَذَّبَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ مَعَهُ مُوسَى -عَلَيْهِ السَّلاَمُ-، وَكَذَّبَ قَوْمُ لُوطٍ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- بِرِسَالَتِهِ، وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ- بِلَاُدُ مَدْيَنَ الَّتِي بِالْقُرْبِ مِنْ تَبْوكٍ- كَذَّبُوا نَبِيَّ اللهِ شُعَيْبًا، -عَلَيْهِ السَّلاَمُ-، وَقَوْمُ تُبَّعٍ فِي الْيَمَنِ، كَذَّبُوا نَبِيَّهُمْ فَأَهْلَكَهُمُ اللهُ جَمِيعًا.

 

12- ثُمَّ قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ ﴾ [ق: 14]، وَهَذَا مِنْ عَجِيبِ أَلْفَاظِ الْقُرْآنِ؛ فَهَؤُلَاءِ كَذَّبُوا نَبِيهُمْ وَرُسُولَهُمْ فَقَطْ، وَلَكِنَّ اللهَ أَرَادَ أَنْ يُبَيِّنَ أَنَّ مَنْ كَذَّبَ بِرَسُولٍ وَاحِدٍ فَقَدْ كَذَّبَ بِجَمِيعِ الْأَنْبِيَاءِ وَالرُّسُلِ؛ لِأَنَّ رِسَالَةَ الْأَنْبِيَاءِ وَاحِدَةٌ فَوَقَعَ عَلَيْهِمُ الْهَلَاكُ، الَّذِي تَوَعَّدَ اللهُ بِهِ كُلَّ مَنْ كَذَّبَ الرُّسُلَ.

 

13- ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: ﴿ أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ ﴾ [ق: 15] أَيْ: هَل أَعْجَزَتْنَا نَشْأَتُكُمُ الْأُولَى حَتَّى تُكَذِّبُوا بِالْبَعْثِ؟! فَمَنْ قَدَرَ عَلَى الْإِنْشَاءِ مِنْ لَا شَيْءَ؛ فَهُوَ بِلَا شَكٍّ قَادِرٌ عَلَى الْإِعَادَةِ مِنْ شَيْءٍ؛ فَإِنْ كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ مِنْ خِلَالِ نَظَرِ الْعُقُولِ، فَالْبَعْثُ أَهْوَنُ مِنَ النَّشْأَة الْأُولَىِ.

 

14- ثُمَّ قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ ﴾ [ق: 15]، فَأَهْلُ الشِّرْكِ فِي شَكٍّ مِنَ الْبَعْثِ. فَالْتَبَسَ عَلَيْهِمْ إِعَادَةُ الْخَلْقِ بَعْدَ مَوْتِهِمْ خَلْقًا جَدِيدًا.

 

15- ثُمَّ قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ ﴾ [ق: 16]، إِنَّ الْقَلْبَ وَاللهِ لَيَرْتَجِفُ وَيَضْطَرِبُ مِنْ عِظَمِ هَذِهِ الْآيَةِ؛ فَنَفْسُ الإِنْسَانِ عِنْدَ اللهِ مَكْشُوفَةٌ لَا يَحْجِبُهَا سِتْرٌ، وَكُلُّ مَا فِيهَا مِنْ وَسَاوُسَ خَافِيَةٍ عَنِ النَّاسِ؛ فَهِيَ عِنْدَ اللهِ مَعْلُومَةٌ. فَحَرَكَاتُهُ وَأَقْوَالُهُ، وَأَحَادِيثُ نَفْسِهِ، كُلُّهَا تَحْتَ رِقَابَةِ الوَاحِدِ الأَحَدِ.

 

16- ﴿ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ﴾ [ق: 16] فَأَخْبَرَ اللهُ أَنَّهُ تَعَالَى أَقْرَبُ إِلَى عَبْدِهِ بِعِلْمِهِ وَإِحَاطَتِهِ، وَقُرْبِ مَلَائِكَتِهِ مِنْ ذَلِكَ الْعِرْقِ الْكَبِيرِ الَّذِي فِي رَقَبَتِهِ. ثُمَّ قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ ﴾ [ق: 17] فَهُنَاكَ مَلَكٌ عَنْ يَمِينِ الإِنْسَانِ يَكْتُبُ الْحَسَنَاتِ، وَمَلَكٌ عَنْ شِمَالِهِ يَكْتُبُ السَّيِّئَاتِ، فَمَا يَتَكَلَّمُ بِكَلِمَةٍ، وَمَا يَصْدُرُ منه مِنْ فِعْلٍ؛ إِلَّا وَيُبَادِرُ الْمَلَكَانِ بِتَسْجِيلِهَا: لَهُ أَوْ عَلَيْهِ. فَالْمَلَكُ مُرَاقِبٌ لأَعْمَالِكَ، وَحَافِظٌ لَهَا، وَمُعَدٌّ لِكِتَابَةِ أَفْعَالِكَ وَمُسْتَعِدٌّ للشَّهَادَةِ عَلَيْكَ.

 

17- ثَمَّ قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ ﴾ [ق: 19]، فَالْمَوْتُ بِمَا فِيهِ مِنْ ثَوَابٍ وَعِقَابٍ مُلاَقِيَنَا لا مَحَالَةَ، لَا نَسْتَطِيعُ أَنْ نَفِرَّ مِنْهُ، وَلهُ سَكْرَةٌ؛ شَعَرَ النَّبِيُّ، -صَلَّى اللهِ عَلَيه وَسَلَّمَ-، بِهَا فَقَالَ: "لَا إِلَهَ إِلَّا اللهَ إِنَّ لِلْمَوْتِ لِسكرَاتٍ" (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ)؛ فَشُعُورُ غَيْرِهِ بِهَا مِنْ بَابِ أَوْلَى. فَلَا نَسْتَطِيعُ أَنْ نَحِيدَ عَنْهُ، أَوْ نهْرُبَ وَنَرُوغَ مِنْهُ حَيْثُ جَاءَ مَا لَا يُردُّهُ دُعَاءٌ، وَلَا دَوَاءٌ.

 

وَقَدْ أَتَوْا بِطَبِيبٍ كَي يُعُالٍجَنَي
وَلَمْ أَرَ الطِّبَّ هَذَا الْيَوْمَ يَنْفَعُنِي

18- ثَمَّ قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ ﴾ [ق: 20]، فَيَوْمُ وُقُوعِ الْوَعِيدِ؛ يَنْفُخُ إِسْرَافِيلُ – عَلَيهِ السَّلَامُ نَفْخَةً عَظِيمَةً يَقُومُ مِنْ هَوْلِهَا النَّاسُ مِنْ قُبُورِهِمْ. ثُمَّ قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ ﴾ [ق: 21] يَا لِهَوْلِ الْمَوْقِفِ! سَتُسَاقُ كُلُّ نَفْسٌ لِلْمُحَاكَمَةِ، وَمَعَهَا مَنْ يَسُوقُهَا إِلَى الْمَحْشَرِ، وَمَنْ يَشْهِدُ عَلَيْهَا.

 

19- ثُمَّ قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ ﴾ [ق: 22] فَلَقَدْ كُنَتْ أَيُّهَا الْجَاحِدُ لِلْبَعْثِ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا الْمَشْهَدِ؛ فَالْيَوْمَ اِنْكَشَفَ عَنْكَ الْغِطَاءُ، وَأَرَيْنَاكَ مَا كَانَ مَسْتُورًا عَنْكَ، ﴿ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ ﴾ [ق: 22] حَيْثُ أُعْطِيتَ قُوَّةً فِي الِإبْصَارِ؛ لِتَرَى مَا أَمَامَكَ وَحَوْلَكَ مِنَ الأَهْوَالِ، وَتَنْظُرَ إِلَى الْمِيزَانِ؛ الذي تُوزَنُ به حَسَنَاتُكَ وَسَيِّئَاتُكَ بِنَظَرٍ حَادٍّ.

 

20- ثُمَّ قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ وَقَالَ قَرِينُهُ هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ ﴾ [ق: 23]، فَمَعَكَ أَيُّهَا الْمَخْلُوقُ قَرِينٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، يُبَيِّنُ أَنَّ مَعَهُ سِجِلٌّ قد كَتَبَ فِيهِ كُلَّ شَيْءٍ فَعَلْتَهُ، وَهُوَ مَعَهُ الآنَ مُعَدٌّ وَمُثْبَتٌ، وَهُوَ مُسْتَعِدٌّ للشَّهَادَةِ عَلَيْكَ. وَبَعْدَ ظُهُورِ هَذَا السِّجِلِّ يَصْدُرُ الأَمْرُ النَّافِذُ مِنَ الْقَوِيِّ الْجَبَّارِ: ﴿ أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ * مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ * الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ ﴾ [ق: 24 - 26] فَيُلْقَى فِي النَّارِ كُلُّ كَثِيرِ الْكُفْرِ بِاللهِ، كَمَنْ يَكْفُرُ بِالرُّسُلِ وَبِالْنِّعَمِ وَبِالْبَعْثِ، وَمُعَانِدٍ لِأَمْرِ اللهِ وَرَسُلِهِ، وَيَمْنَعُ الزَّكاَةَ، وَيَمْنَعُ النَّاسَ مِنَ الدُّخُولِ فِي الإِسْلَامِ، بإِثَارَةِ الشُّبَهِ، أَوْ بِقُوَّةِ سُلْطَانِهِ وَمَالِهِ، وَمَنَ يَعْتَدِي عَلَى أَعْرَاضِ النَّاسِ وَأَمْوَالِهِمْ وَدِمَائِهِمْ، فَلَا يَسْلَمُ النَّاسُ مِنْ شَرِّهِ، نَاهِيكَ عَنْ أَنَّهُ شَاكٌّ فِي الْحَقِّ. ﴿ الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ ﴾ [ق: 26] حَيْثُ جَعَلَ مَعَ اللهِ شُركاءَ وَأَنْدَادًا يَعْبُدُهُمْ مِنْ دُونِهِ؛ فَيُلْقَى كُلُّ مَنْ اِتَّصَفُ بِتِلْكَ الصِّفَاتِ، سَواءً بِوَاحِدَةٍ مِنْهَا أَمْ جَمِيعِهَا، فِي الْعَذَابِ الَّذِي وَصَفَّهُ اللهُ بِالشِّدةِ.

 

21- ثُمَّ نَقِفُ مَعَ عَجَائِبِ الْقُرْآنِ: ﴿ قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ ﴾ [ق: 27] فالْقَرِينُ فِي الآيَةِ السَّابِقَةِ الْمَلَكُ، أَمَّا الْقَرِينُ فِي هَذِهِ الآيَةِ فَهُوَ الشَّيْطَانُ. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذَا الِإنْسَانَ بَدَأَ يُلْقِي التُّهَمَ وَمُبَرِّرَاتِ ضَلَالِهِ عَلَى الشَّيْطَانِ، لِيُبَرِّئَ نَفْسَهُ؛ فَيُبَادِرُ قَرِينُهُ مِنَ الشَّيَاطِينِ إِلَى إِبْعَادِ التُّهَمِ عَنْ نَفْسِهِ، فَيُعْلِنُ بَراءَتَهُ مِنْ طُغْيَانِ هَذَا الرَّجُلِ، وَيُبَيِّنُ بِأَنَّ هَذَا الإِنسانَ أَصْلًا ضَالٌّ بِنَفْسِهِ، وَهُوَ الْمَسْؤُولُ عَنْ تَصَرُّفَاتِهِ.

 

22- ثُمَّ يَصْدُرُ الأَمْرُ الإِلَهِيُّ: ﴿ لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ ﴾ [ق: 28]، فَالْخُصُومَةُ بَيْنَ الإنسانِ وَشَيْطَانِهِ لَا فَائِدَةَ مِنْهَا الآنَ، فَكُلُّ شَيْءٍ مُسَجِّلٌ، وَلَا يُظْلَمُ أَحَدٌ؛ لِأَنَّهُمْ بَيْنَ يَدِيِ الْحَكَمِ الْعَدْلِ.

 

23- ﴿ يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ ﴾ [ق: 30]، حَيْثُ قَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "يُقَالُ لِجَهَنَّمَ: هَلِ امْتَلَأْتِ، وَتَقُولُ: هَلْ مِنْ مَزِيدٍ، فَيَضَعُ الرَّبُّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَدَمَهُ عَلَيْهَا، فَتَقُولُ: قَطْ قَطْ "، أَيْ: كَفَانِي كَفَانِي. (رَوَاهُ البُخارِيُّ وَمُسْلِمٌ).

 

24- وَهُنَا يَنْتَهِي مَشْهَدُ الْحِسَابِ الْمُفْزِعِ الشَّدِيدِ. ثُمَّ تَنْقِلُنَا هَذِهِ السَّوْرَةُ الْعَظِيمَةُ لِمَشْهَدِ آخَرَ مِنْ مُشَاهِدِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، تَشْتَاقُ لَهُ الْأَنْفُسُ؛ حَيْثُ قَالَ تَعَالَى: ﴿ وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ ﴾ [ق: 31] فَهِيَ غَيْرُ بَعِيدَةٍ عَنِ الْمُتَّقِينَ، فَهُمْ يَرَوْنَهَا، وَيَسْتَمْتِعُونَ بِقُرْبِ دُخُولِهِمْ إِيَّاهَا، وَهَذَا الْوَعْدُ آتٍ بِلَا شَكٍّ.

 

25- ثُمَّ قَال تَعَالَى: ﴿ هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ ﴾ [ق: 32] فَيَنَالُ الجنة كُلُّ رَجَّاعٍ إِلَى الْحَقِّ تَائِبٍ مِنْ الذَّنْبِ، حَافِظٍ لِحُدُودِ اللهِ فَلَا يَقَعُ فِيهَا، وَحَافِظٍ لِذُنُوبِهِ لِيَتُوبَ مِنْهَا ﴿ مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ ﴾ [ق: 33] وَالْخَوْفُ مِنَ اللهِ بِالْغَيْبِ عَنْ أَعْيُنِ النَّاسِ لَا يَكُونُ إِلَّا لِأَهْلِ الإِيمَانِ. ﴿ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ ﴾ [ق: 33]، فَيَنَالُ الْجَنَّةَ كُلُّ رَاجِعٍ إِلَى طَاعَةِ اللهِ، بَعِيدٍ عَنْ مَعْصِيَتِهِ.

 

26- ثُمَّ جَاءَ الأَمْرُ الإِلَهِيُّ تَكْرِيمًا لَلمُؤْمِنِينَ ﴿ ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ ﴾ [ق: 34] حَيْثُ سَلِمُوا مِنْ عَذَابِ اللهِ، وَمِنْ الْغُمُومِ وَالآفَاتِ، وَأَخْبَرَ اللهُ أَنَّ الْيَوْمَ يَوْمُ الْخُلُودِ؛ حَتَّى يَطْمَئِنَ أَهْلُ الْجَنَّةِ أَنَّ هَذَا النَّعِيمَ لَنْ يَزُولَ أَبَدًا.

 

27- ثُمَّ قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا ﴾ [ق: 35] فَلَهُمْ أَنْ يَسْأَلُوا رَبَّهُمْ حَتَّى تَنْتَهِيَ مَسَائِلُهُمْ، وَلَهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ الْمَزِيدُ، وَهُوَ النَّظَرُ إِلَى وَجْهِ اللهِ جَلَّ وَعَلَا؛ فَهُوَ أَعْظَمُ نَعِيمٍ فِي الْجَنَّةِ. أَعْطَانَا اللهُ وَإِيَّاكُمْ ذَلِكَ النَّعِيمَ بِفَضْلِهِ وَرَحْمَتِهِ. أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ؛ فَاِسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

 

الْخُطْبَةُ الثانية

الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى عِظَمِ نِعَمِهِ وَاِمْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شريكَ لَهُ تَعْظِيمًا لِشَانِهِ، وَأَشَهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَخَلِيلَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَأَصْحَابِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمَاً كَثِيرَاً، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].

 

أمَّا بَعْدُ... عِبَادَ اللهِ، فَاسْتَمْسِكُوا مِنَ الْإِسْلَامِ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى، وَاِعْلَمُوا أَنَّ أَجْسَادَكُمْ عَلَى النَّارِ لَا تَقْوَى.

 

28- عباد الله، ثُمَّ جَاءَ الْمَشْهَدُ الأَخِيرُ فِي هَذِهِ السُّورَةِ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشًا فَنَقَّبُوا فِي الْبِلَادِ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ ﴾ [ق: 36]، حَيْثُ تَوَعَّدَ اللهُ الكُّفَّارَ بَأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى إِهْلَاكِهِمْ كَمَا أَهْلَكَ مَنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ مِمَّنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَبَطْشًا، أُولَئِكَ الَّذِينَ نَقَّبُوا فِي الْبِلَادِ بِكَثْرَةِ الْأَسْفَارِ وَالتِّجَارَةِ؛ فَمَا مَنَعَهُمْ مِنَ الْمَوْتِ لَا كَثْرَةُ الْمَالِ، وَلَا قُوَّةُ الْحُصُونِ.

 

29- ثُمَّ قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ ﴾ [ق: 37] فَفِي مَصَارِعِ الْغَابِرِينَ ذَكْرَى وَتَذْكِرَةٌ لَا يَتَّعِظُ بِهَا إِلَّا أَصْحَابُ الْقُلُوبِ الْحَيَّةِ، الْمُسْتَمِعِينَ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ بِحُضُورِ قُلُوبِهِمْ.

 

30- ثُم قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ ﴾ [ق: 38] وَفِي هَذَا إِشَارَةٌ إِلَى سُهُولَةِ الْخَلْقِ وَالإِنْشَاءِ عَلَى اللهِ، وَإِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ إِحْيَاءَ الْمَوْتَى أَمْرٌ هَيِّنٌ بِالْقِيَاسِ عَلَى خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ، وَمَا بَيْنَهُمَا مِنَ الْخَلَائِقِ فِي هَذَا الْوَقْتِ الْيَسِيرِ؛ فَمَا أَصَابَنَا ﴿ مِنْ لُغُوبٍ ﴾ [ق: 38] أَيْ: تَعَبٍ أَوْ إِعْيَاءٍ.

 

31- ﴿ فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ ﴾ [ق: 39] فَلَا تَتَأَثَّرْ بِمَا يَقُولُونَ لَكَ؛ فَإِنًّ مَا قَالُوهُ قَدْ قِيلَ بِحَقِّ الأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِكَ كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ مَا يُقَالُ لَكَ إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ ﴾ [فصلت: 43]، ثُمَّ قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ * وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ ﴾ [ق: 39، 40] فَأَمَرَ اللهُ نَبِيَّهُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِأَنْ يُكْثِرَ مِنَ الثَّنَاءِ عَلَيْهِ، وَأَنْ يُحَافِظَ عَلَى صَلَاتَيِّ الْفَجْرِ وَالْعَصْرِ؛ لأَنَّ مَنْ حَافَظَ عَلَيْهِمَا؛ فَالْمُحَافَظَةُ عَلَى بَقِيَّةِ الْفُرُوضِ أَيْسَرُ. كَذَلِكَ أَمَرَهُ اللهُ بِالإِكْثَارِ مِنْ ذِكْرِهِ فِي هَذَينِ الْوَقْتَينِ، وَبِالْمُحَافَظَةِ عَلَى أَذْكَارِ الصَّبَاحِ وَالْمَسَاءِ، وَعَلَى الأَذْكَارِ بَعْدَ الصَّلَوَاتِ، كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ ﴾ [النساء: 103].

 

32- ثُمَّ قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ ﴾ [ق: 41] وَاسْتَمِعْ لِصَيْحَةِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مِنْ مَوْضِعٍ قَرٍيبٍ مِنَ الْمَحْشَرِ. ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: ﴿ إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ ﴾ [ق: 43] أَيْ: نُمِيتُ فِي الدُّنْيَا، ثُمَّ نُحْيِي لِلْبَعْثِ، وَإِلَيْنَا الْمَآلُ وَالْمَرْجِعُ؛ فَلَا أَحَدَ يَهْرُبُ أَوْ يَتَخَلَّفُ عَنْ أَمْرِنَا. ثمَّ قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعًا ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ ﴾ [ق: 44] فَإِذَا جَاءَ الْبَعْثُ تَشَقَّقَتْ قُبُورِهِمْ وَخَرَجُوا مِنْهَا؛ فَالْحَشْرُ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ مَعَ كَثْرَةِ النَّاسِ.

 

33- ثمَّ قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ ﴾ [ق: 45] وَفِي هَذَا تَسْلِيَةٌ للنَّبِّيِ، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، بِأَنَّ اللهَ يَعْلَمُ بِتَكْذِيبِهِمْ لَهُ، وَبِأَنَّهُ، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، لَيْسَ عَلَيْهِم ْبِجَبَّارٍ بِحَيْثُ يجْبِرُهُمْ عَلَى الْإِسْلاَمِ؛ وَإِنَّمَا بُعِثَ إِلَيْهِمْ مُذَكِّرًا، كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ ﴾ [الغاشية: 22] وَإِنَّمَا عَلَيْكَ أَنْ تُذَكِّرَهُمْ بِالْقُرْآنِ الَّذِي يُؤَثِّرُ فِي الْقُلُوبِ المُؤْمِنَةِ؛ الَّتِي لَا تَحْتَاجُ لجَبَّارٍ يُجْبِرُهَا عَلَى الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّ فِيهَا مِنْ قُوَّةِ الْإِيمَانِ مَا لَا يَمْلِكُهُ الجْبَابِرَةُ وَسِيَاطُهُمْ، وَلِمَ لَا وَهُوَ أَعْظَمُ الذِّكْرِ؟! فَإِذَا كَانُوا يَخَافُونَ مِنْ وَعِيدِ اللهِ فَسَيَرْتَدِعُونَ، لِأَنَّ الْقُرْآنَ يَنْفَعُ مَنْ فِي قَلْبِهِ خَوْفٌ مِنَ اللهِ، وَيُؤَثِّرُ فِيهِ.

 

34- عِبَادَ الله، أَلَا فَاتَّقُوا اللهَ وَخَافُوهُ، وَارجُوا رَحْمَتَهُ، وَخَافُوا عَذَابَهُ. اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَوَاصِينَا لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى. اللَّهُمَّ ارْزُقْنَا حُبَّكَ، وَحُبَّ مَنْ يُحِبُّكَ، وَحُبَّ عَمَلٍ يُقَرِّبُ إِلَى وَجْهِكَ. الَّلهُمَّ رُدَّنَا إِلَيْكَ رَدًّا جَمِيلًا، وَلَا تَجْعَلْ فِينَا وَلَا بَيْنَنَا شَقِيًّا وَلَا مَحْرُومًا، الَّلهُمَّ اِجْعَلْنَا هُدَاةً مَهْدِيينَ غَيْرَ ضَالِّينَ وَلَا مُضِلِّينَ.

 

اللَّهُمَّ اِحْمِ بِلَادَنَا وَسَائِرَ بِلَادِ الإِسْلَامِ وَالْمُسْلِمِينَ مِنَ الفِتَنِ وَالمِحَنِ، مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَن، اللَّهُمَّ اِحْفَظْ لِبِلَادِنَا أَمْنَهَا وَإِيمَانَهَا وَاِسْتِقْرَارَهَا، الَّلهُمَّ وَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا لِمَا تُحِبُ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَاصِيَتِهِ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، وَاِجْعَلْهُ هَادِيًا مَهْدِيًّا، وَأَصْلِحْ بِهِ الْبِلَادَ وَالْعِبَادَ، الَّلهُم ارْفَعْ رَايَةَ السُّنَّةِ، وَاِقْمَعْ رَايَةَ البِدْعَةِ، الَّلهُمَّ احْقِنْ دِمَاءَ الْمُسْلِمِينَ فِي كُلِّ مَكَانٍ، وَوَلِّ عَلَيْهِمْ خِيَارَهُمْ وَاِكْفِهِمْ شَرَّ شِرَارِهِمْ. اللهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا دِينَنَا الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا دُنْيَانَا الَّتِي فِيهَا مَعَاشُنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا آخِرَتَنَا الَّتِي إِلَيْهَا مَعَادُنَا، وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لَنَا فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لَنَا مِنْ كُلِّ شَرٍّ. اللهُمَّ انصُرِ الْمُجَاهِدِينَ، الَّذِينَ يُجَاهِدُونَ عَلَى حُدُودِ بِلَادِنَا. اللهُمَّ انصُرْهُمْ عَلَى عَدُوِّكِ وَعَدُوِّنَا، اللهُمَّ ثَبِّتْ أَقْدَامَهُمْ وانصُرْهُمْ عَلَى الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ، اللَّهُمَّ اخلُفْهُمْ فِي أَهْلِيهِمْ خَيْرًا، اللَّهُمَّ انصُرْ قُوَّاتِ التَّحَالُفِ عَلَى الْحُوثِيِّينَ الظَّلَمَةِ نَصْرًا مُؤَزَّرًا. اللهُمَّ أَكْثِرْ أَمْوَالَ مَنْ حَضَرُوا مَعَنَا، وَأَوْلَادَهُمْ، وَأَطِلْ عَلَى الْخَيْرِ أَعْمَارَهُمْ، وَأَدْخِلْهُمُ الْجَنَّةَ، رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ العزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلَامٌ عَلَى المُرْسَلِينَ، وَالحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ. وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَآلِهِ وَأَصْحَابِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كثيرًا. وَقُومُوا إِلَى صَلَاتِكُمْ يَرْحَمْكُمُ اللهُ.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • تأملات في سورة ق
  • تفسير سورة قريش
  • وقفات مع سورة ق
  • تفسير سورة قريش
  • فضائل سورة قل يا أيها الكافرون (خطبة)
  • تفسير سورة قريش
  • بين يدي سورة ق (الجزء الأول) (خطبة)

مختارات من الشبكة

  • الزينة في الصلاة أدب مع الله وهيبة في الوقوف بين يديه (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة: الأدب مع الخالق ورسوله ومع الخلق فضائل وغنائم(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مظاهر الأدب مع رسول الله (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • التعامل النبوي مع الفقراء والمساكين (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة: علموا أولادكم كيف نتعامل مع المعلم(مقالة - آفاق الشريعة)
  • البركة مع الأكابر (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مع بداية العام الدراسي (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة: كيف نتعامل مع الشخصية الغامضة؟(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة: كيف ننجح في التواصل مع الشباب؟(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة: كيف أتعامل مع ولدي المعاق؟(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • بحث مخاطر المهدئات وسوء استخدامها في ضوء الطب النفسي والشريعة الإسلامية
  • مسلمات سراييفو يشاركن في ندوة علمية عن أحكام زكاة الذهب والفضة
  • مؤتمر علمي يناقش تحديات الجيل المسلم لشباب أستراليا ونيوزيلندا
  • القرم تشهد انطلاق بناء مسجد جديد وتحضيرًا لفعالية "زهرة الرحمة" الخيرية
  • اختتام دورة علمية لتأهيل الشباب لبناء أسر إسلامية قوية في قازان
  • تكريم 540 خريجا من مسار تعليمي امتد من الطفولة حتى الشباب في سنغافورة
  • ولاية بارانا تشهد افتتاح مسجد كاسكافيل الجديد في البرازيل
  • الشباب المسلم والذكاء الاصطناعي محور المؤتمر الدولي الـ38 لمسلمي أمريكا اللاتينية

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 13/6/1447هـ - الساعة: 16:51
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب