ما جاء في أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتختم في يمينه

مدارسة كتاب الشمائل المحمدية للترمذي رحمه الله:

12- باب ما جاء في أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتختم في يمينه

• الباب السابق في بيان صفة خاتم النبي صلى الله عليه وسلم، وفي هذا البيان بيان لكيفية لبس النبي صلى الله عليه وسلم، وموضع هذا الخاتم.

•‏ وهذه من المسائل التي اختلف فيها العلماء: هل كان النبي صلى الله عليه وسلم يتختم بيمينه، أم بشماله؛ وذلك للاختلاف في صحة الروايات، وكأنَّ الإمام الترمذي رحمه الله رجَّحَ التختُّم في اليمين.

1- عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يلبسُ خاتمه في يمينه"؛ [رواه أبو داود، والنسائي].

2- عن عبدالله بن جعفر رضي الله عنه: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتختَّم في يمينه"؛ [رواه الترمذي، وابن ماجه، والنسائي].

3- عن جابر رضي الله عنه: "أَنَّ النَّبِيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم كَانَ يَتَخَتَّمُ فِي يَمِينِهِ".

4- عن الصلت بن عبدالله قال: كان ابن عباس رضي الله عنهما يتختم في يمينه ولا إِخَالُه إلا قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتختم في يمينه"؛ [رواه أبو داود في اللباس].

• "إِخَالُه"؛ أي: أظُنُّه.

5- في الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما: "أن النبي صلى الله عليه وسلم اتخذ خاتمًا من فضة، وجعل فَصَّهُ مما يلي كفَّه، ونقش فيه: محمدٌ رسول الله، ونهى أن يَنقُشَ أحدٌ عليه، وهو الذي سقط من معيقيب في بئر أريس".

• "وجعل فَصَّهُ مما يلي كفَّه": يعني أداره لأسفل الكفِّ.

•‏ "ونهى أن ينقش أحد عليه": أن ينقش أحد (محمد رسول الله).

•‏ معيقيب: أسلم قديمًا، وشهد بَدْرًا وهاجر إلى الحبشة، وكان يلي خاتم النبي صلى الله عليه وسلم.

•‏ والجمع بين الحديثين: أنه كان في خلافة عثمان رضي الله عنه.

6- عن جعفر بن محمد، عن أبيه قال: "كان الحَسَنُ والحسينُ رضي الله عنهما يتختمان في يسارِهِما"؛ [رواه الترمذي].

7- عن أنس بن مالك رضي الله عنه: "أنه صلى الله عليه وسلم كان يتختم في يمينه"؛ [رواه الترمذي].

8- في الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "اتخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتمًا من ذهب، فكان يلبسه في يمينه، فاتخذ الناس خواتيم من ذهب، فطرحه صلى الله عليه وسلم، وقال: ((لا ألبسُه أبدًا)) فطرح الناس خواتيمَهُم".

• وذلك قبل نزول التحريم.

• والمتأمِّل في مجموع هذه الأحاديث يُلاحظ: أنَّ النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم وَضَعَ الخاتم في اليمنى أحيانًا، وأحيانًا وَضَعَه في اليسرى؛ ولذا اختلف أهل العلم في طريق الجمع بينهما، ولعلَّ أقرب المسالك: جواز وضع الخاتم في اليد اليُمْنى، أو اليُسْرى.

• ‏وهو ما قرَّره ابن عبدالبرِّ رحمه الله بقوله: "وأمَّا التَّختُّم في اليمين وفي اليسار: فاخْتَلَفتْ في ذلك الآثار عن النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، وعن أصحابِه بعده، وذلك محمولٌ عند أهل العلم على الإباحة".

• ‏قال النَّووي رحمه الله: "أجمعوا: على جواز التَّختُّم في اليمين، وعلى جوازه في اليسار، ولا كراهةَ في واحدٍ منهما، واختلفوا: أيَّتُهما أفضل؟ فتختَّم كثيرون من السَّلف في اليمين، وكثيرون في اليسار، واستحبَّ مالكٌ اليسار، وكَرِه اليمين، وفي مذهبنا وَجْهان لأصحابنا: الصَّحيحُ أنَّ اليمين أفضلُ؛ لأنَّه زينةٌ، واليمين أشرف، وأحقُّ بالزِّينة، والإكرام".

• ‏وقال ابن حجر رحمه الله: "ويظهر لي أنَّ ذلك يختلف باختلاف القصد، فإنْ كان اللُّبس للتَّزيُّن به فاليمين أفضل، وإنْ كان للتَّختُّم به فاليسار أولى؛ لأنَّه كالمُودَع فيها، ويحصل تناوله منها باليمين، وكذا وضعه فيها، ويترجَّح التَّختُّم في اليمين مطلقًا؛ لأنَّ اليسار آلةُ الاستنجاء، فَيُصان الخاتم إذا كان في اليمين، عن أن تُصيبه النَّجاسة، ويترجَّح التَّختُّم في اليسار بما أشرت إليه من التَّناول".

• ‏وجَنَحَتْ طائفةٌ إلى استواء الأمرين، وجمعوا بذلك بين مختلف الأحاديث، وإلى ذلك أشار أبو داود حيث ترجم [باب: التَّختُّم في اليمين واليسار] ثمَّ أوْرَدَ الأحاديث مع اختلافها في ذلك بغير ترجيح.

• ‏وأما لبس الساعة، فلا حرج في لبسها في اليسار؛ وذلك: لتقوم اليمين بضبطها، وتكون بعيدة عن التلف بسبب أعمال اليمين.

• في أي أصبع من أصابع اليدين يكون الخاتم؟

• الخاتم بالنسبة للرجال: في الخنصر، ويمنع من لُبسِهِ في السبَّابة والوسطى.

•‏ عن عليٍّ رضي الله عنه، قال: "نَهَانِي رَسُولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم أَنْ أَتَخَتَّمَ فِي إِصْبَعِي هَذِهِ أَوْ هَذِهِ، قَالَ: فَأَوْمَأَ إِلَى الوُسْطَى وَالَّتِي تَلِيهَا"، وفي رواية: "نَهَانِي أَنْ أَضَعَ الخَاتَمَ فِي هَذِهِ، أَوْ فِي هَذِهِ لِلسَّبَّابَةِ وَالوُسْطَى".

•‏ قال النووي رحمه الله: "أجمع المسلمون: على أنَّ السُّنَّة جَعْلُ خاتَمِ الرَّجلِ في الخِنْصر، وأمَّا المرأةُ، فلها التختُّم في الأصابع كلها، ويُكره للرَّجل جعله في الوسطى والتي تليها لهذا الحديث، وهي كراهة تنزيه".

•‏ والحكمة في كونه في الخِنْصرِ: أنَّه أبْعَدُ من الامتهان فيما يُتعاطى باليد؛ لكونه طرفًا؛ ولأنَّه لا يشغل اليد عمَّا تتناوله من أشغالها، بخلاف غير الخِنْصر.

الخلاصة: وخلاصة ما دلَّت عليه هذه الأحاديث، في (لبس الخاتم للرَّجل) ما يلي:

1- استحباب وضعه في الخِنْصر من اليد اليمنى أو اليسرى.

2- النَّهي عن وضعه في المُوَحِّدة (السَّبَّابة) والوسطى.

3- أمَّا البنْصر فَمَسكوتٌ عنها، فيبقى على أصل الإباحة، والله أعلم.

حكم دُبْلة الخطوبة:

• لبس الدُّبْلة عند الخطوبة أو الزواج عادة قديمة، وهي من التقاليد النصرانية، وقد انتشرت بين المسلمين مع الأسف، ويصحبها غالبًا اعتقادات فاسدة؛ كاعتقاد أنها تجلب المحبة، وتربط بين الزوجين، والتشاؤم بنزعها، أو تغيير موضعها.

•‏ وعادة لبسها في بنْصر اليسرى مأخوذة عن اعتقاد الإغريق أن عرق القلب يمر في هذا الإصبع؛ (نظرية: وريد الحب) فيعتقدون: أنه الإصبع الذي يمُرُّ فيه وريد الحب.