• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    الإسلام يأمرنا بإقامة العدل وعدم الظلم مع أهل ...
    الشيخ ندا أبو أحمد
  •  
    ذكر الله عز وجل (خطبة)
    رمضان صالح العجرمي
  •  
    عناية الأمة بروايات ونسخ «صحيح البخاري»
    د. هيثم بن عبدالمنعم بن الغريب صقر
  •  
    وحي الله تعالى للأنبياء عليهم السلام
    د. أحمد خضر حسنين الحسن
  •  
    تفسير قوله تعالى: { ودت طائفة من أهل الكتاب لو ...
    الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم
  •  
    عاشوراء بين مهدي متبع وغوي مبتدع (خطبة)
    الشيخ عبدالله بن محمد البصري
  •  
    خطبة: كيف نجعل أبناءنا قادة المستقبل؟
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    الدرس الثلاثون: العيد آدابه وأحكامه
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    الحكمة من أمر الله تعالى بالاستعاذة به من
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    حسن المعاملة (خطبة)
    عبدالعزيز محمد مبارك أوتكوميت
  •  
    زكاة الفطر تطهير للصائم مما ارتكبه
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    مجالس من أمالي الحافظ أبي بكر النجاد: أربعة مجالس ...
    عبدالله بن علي الفايز
  •  
    لماذا لا نتوب؟
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    وكن من الشاكرين (خطبة)
    الشيخ محمد بن إبراهيم السبر
  •  
    حكم صيام يوم السبت منفردا في صيام التطوع مثل صيام ...
    عبد رب الصالحين أبو ضيف العتموني
  •  
    وما الصقور؟
    السيد مراد سلامة
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / الرقائق والأخلاق والآداب
علامة باركود

السكينة (خطبة)

السكينة (خطبة)
د. محمد بن عبدالله بن إبراهيم السحيم

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 2/1/2024 ميلادي - 21/6/1445 هجري

الزيارات: 13590

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

السكينةُ


الحمدُ للهِ واهبِ العطاءِ، دافعِ البلاءِ، وأشهدُ ألا إلهَ إلا اللهُ وحدَه؛ لا شريكَ له في الأرضِ ولا في السماءِ، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه، صلى اللهُ وسلمَ عليه وعلى آلِه وصحبِه الأوفياءِ.

 

أما بعدُ. ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102]...

 

أيها المؤمنون!

السكينةُ منزلةٌ إيمانيةٌ يصطفي اللهُ لها مَن أحبَّ مِن عبادِه. يكونُ بها القلبُ ساكنًا مطمئنًا، يسري أثرُ سكونِه على بقيةِ الجوارحِ تُؤدةً، ووقارًا، وحُسْنَ اتخاذِ الرأيِ والموقفِ، وتسريةً عند اضطرابِ الأمورِ وتقلُّبِ النَّفْسِ واشتدادِ المخاوفِ والنكباتِ. وتلك من خاصةِ السكينةِ التي تزدادُ وتعظمُ مع ما حلَّ في القلبِ من سكينةِ الإيمانِ العامةِ؛ فيزدادُ بها الإيمانُ إيمانًا، كما قال -تعالى-: ﴿ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ ‌السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ ﴾. وبزيادةِ الإيمانِ بالسكينةِ يكونُ رسوخُ الجَنانِ وثباتُ القدَمِ وإنْ بلغتِ الأحداثُ في الاضطرابِ مَبْلَغَها؛ وذلك من حِكَمِ إنزالِ اللهِ الملائكةَ على المؤمنين في مواطنِ الشدائدِ، كما قال -سبحانه-: ﴿ إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا ﴾ [الأنفال: 12]، وقال عن نبيِّه الذي أعدَّ قومَه لملاقاةِ جالوتَ وجنودِه: ﴿ وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [البقرة: 248]. والسكينةُ بصيرةٌ يُهدى بها العبدُ للصوابِ في فعلِه وقولِه وموقفِه، وتُزيحُ عنه حُجُبَ الشبهاتِ والالتباسِ؛ وذاك ما كان يعزو الصحابةُ إليه صوابَ عمرَ -رضيَ اللهُ عنه-، كما قال عليٌّ -رضيَ اللهُ عنه-: "إِذَا ذُكِرَ الصَّالِحُونَ فَحَيَّهَلَا بِعُمَرَ، مَا كُنَّا نُبْعِدُ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم أَنَّ السَّكِينَةَ ‌تَنْطِقُ ‌عَلَى ‌لِسَانِ ‌عُمَرَ" رواه الطبرانيُّ وحسَّنَهُ الهيثميُّ. والسكينةُ بلسمُ إيمانٍ يُفيضُ على القلبِ السرورَ والسلوَّ إنْ دَهَمَتْهُ جيوشُ الأحزانِ؛ "فهيَ -كما قال ابنُ القيِّمِ- سلوةُ المحزونِ، ومُذْهِبةُ الهمومِ والغمومِ"، "وإذا ترحَّلتْ عنه ‌السكينةُ ترحَّلَ عنه السرورُ والأمنُ والدَّعةُ والراحةُ وطِيبُ العيشِ". والسكينةُ يُمْنٌ يُكسِبُ صاحبَه لُطْفًا في التعاملِ مع الخلْقِ؛ لسكونِ نفْسِه، ورضاها؛ وذاك من أدعى أسبابِ محبةِ الناسِ له، وأُنْسِهم به. والسكينةُ من أقوى أسبابِ الصبرِ الذي به يتنزلُ النصرُ؛ بل أَسْماها بعضُ العلماءِ آيةَ النصرِ؛ أيْ علامةَ تَنزَُّلِه، كما هي علامةُ كشفِ الكَرْبِ.

 

عبادَ اللهِ!

إنَّ السكينةَ من منازلِ المواهبِ التي يَمُنُّ اللهُ بها، لا من منازلِ المكاسبِ التي يُحقِّقُها العبدُ بكسبِه. وقد جعلَ اللهُ لتوفيقِ عبدِه لها أسبابًا، يأتي في مُقَدَّمِها إقامةُ الصلاةِ كما أَمَرَ اللهُ؛ فهيَ العاصمةُ مِن الشَّطَطِ النَّفْسيِّ للإنسانِ حالَ الهلعِ والجزعِ وحالَ غُدوقِ النِّعمِ عليه، كما قال -تعالى-: ﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا * إِلَّا الْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ ﴾ [المعارج: 19 - 23]. فالصلاةُ موطنُ تَنَزُّلِ السكينةِ ومراعاتِها من خروجِ المصلي لها، يقولُ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَلَا تَأْتُوهَا تَسْعَوْنَ، وَأْتُوهَا تَمْشُونَ ‌وَعَلَيْكُمُ ‌السَّكِينَةُ. فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا، وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا "رواه البخاريُّ ومسلمٌ واللفظُ له. وهكذا هو شأنُ مراعاةِ السكينةِ في أداءِ العباداتِ حين تُؤدَّى بتَأَنٍ وتُؤدَةٍ؛ كما أكَّدَ ذلك النبيُّ صلى الله عليه وسلم مُشيرًا بيمناه لما رأى جَلَبَةَ إسراعِ الناسِ نُفْرةَ عرفةَ قائلًا: "أَيُّهَا النَّاسُ، ‌السَّكِينَةَ ‌السَّكِينَةَ" رواه مسلمٌ. والرضا عن اللهِ بَحْبُوبَةُ السكينةِ التي تَتَربَّعُ فيها. قال ابنُ القيِّمِ: "مِن أعظمِ نِعمِ اللهِ على عبدِه تنزيلُ ‌السكينةِ عليه، ومن أعظمِ أسبابِها الرضا عنه في جميعِ الحالاتِ"، وهل ذاك إلا جزاءُ إحسانٍ مِن اللهِ لعبدِه حينَ رضيَ عنه؟! والقرآنُ مَنْجَمُ السكينةِ الرويُّ؛ فنزولُ السكينةِ قرينُ قراءةِ القرآنِ واستماعِه كما هو قرينُ نزولِ الملائكةِ، فقد بوَّبَ البخاريُّ في صحيحِه: "بابٌ: نزولُ ‌السكينةِ والملائكةِ عند قراءةِ القرآنِ"، وروى أنَّ رجلًا من أصحابِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم قرأَ سورةَ الكهفِ، وفي الدارِ الدابةُ، فجعلتْ تَنْفِرُ، فسلَّمَ، فإذا ضَبابةٌ، أو سحابةٌ غَشِيَتْهُ، فَذَكَرَهُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: "اقرأْ فلانُ؛ فإنها ‌السكينةُ نزلتْ للقرآنِ، أو تنزَّلتْ للقرآنِ"، وفي روايةٍ له: "تلك الملائكةُ دَنَتْ لصوتِكَ، ولو قرأتَ لأصبحتْ يَنظرُ الناسُ إليها، لا تَتوارى منهم". وقد كان بعضُ أهلِ العلمِ يُعالِجُ نفسَه عند اضطرابِها بتلاوةِ آياتِ السكينةِ، وهيَ ستُّ آياتٍ؛ قولُه تعالى: ﴿ وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ ﴾ [البقرة: 248]، وقولُه تعالى: ﴿ لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ * ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا ﴾ [التوبة: 25، 26]، وقولُه تعالى: ﴿ إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا ﴾ [التوبة: 40]، وقولُه تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا ﴾ [الفتح: 4]، وقولُه تعالى: ﴿ لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا ﴾ [الفتح: 18]، وقولُه تعالى: ﴿ إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا ﴾ [الفتح: 26]. يقولُ ابنُ القيِّمِ: "وكان شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ - رحمهُ اللهُ - إذا اشتدَّتْ عليه الأمورُ قرأَ آياتِ السكينةِ. وسمعتُه يقولُ في واقعةٍ عظيمةٍ جَرَتْ له في مرضِه، تعجزُ العقولُ والقُوى عن حملِها؛ من محاربةِ أرواحٍ شيطانيةٍ ظهرتْ له إذ ذاك في حالِ ضَعْفِ القوةِ ــ قالَ: فلمَّا اشتدَّ عليَّ الأمرُ قلتُ لأقاربي ومَن حولي: اقرؤوا آياتِ السكينةِ، قال: ثُمَّ أَقلعَ عني ذلك الحالُ، وجلستُ وما بي قَلَبَةٌ. وقد جرَّبتُ أنا قراءةَ هذه الآياتِ عند اضطرابِ القلبِ مما يَرِدُ عليه، فرأيتُ لها تأثيرًا عظيمًا في سكونِه وطمأنينتِه". والدعاءُ بإنزالِ السكينةِ من أقربِ ما يكونُ به إنزالُها، وذاك ما كان الصحابةُ -رضيَ اللهُ عنهم- يطلبونَها به حتى في أشعارِهم، كما قال عبدُاللهِ بنُ رواحةَ -رضيَ اللهُ عنه- في رَجْزِه:

‌‌وَاللَّهِ لَوْلَا اللَّهُ مَا اهْتَدَيْنَا
وَلَا تصدقنا وَلَا صَلَّيْنَا
‌فَأَنْزِلَنْ ‌سَكِينَةً عَلَيْنَا
وَثَبِّتِ الْأَقْدَامَ إن لاقينا
إن الأُلى قَدْ بَغَوْا عَلَيْنَا
إِذَا أَرَادُوا فِتْنَةً أَبَيْنَا

 

والاستمساكُ بعروةِ الصبرِ عند الصدمةِ الأولى من أسبابِ تنزلِ السكينةِ؛ إذ ذاك من آثارِ مَعِيَّةِ اللهِ للصابرين، كما قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّمَا الصَّبْرُ عِنْدَ ‌الصدمة ‌الأولى" رواه البخاريُّ. هذا، وإنَّ مِن جوالبِ الرزانةِ والسكينةِ صحبةَ ذوي السكينةِ والطباعِ الهادئةِ؛ إذ طباعُ المصاحبةِ مُعْدِيَةٌ وإنْ كانت من حيوانٍ بهيمٍ، كما قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: "الفخرُ والخُيلاءُ في أهلِ الخيلِ والإبلِ والفدَّادين أهلِ الوبرِ، ‌والسكينةُ في أهلِ الغَنَمِ" رواه البخاريُّ ومسلمٌ. وإذا كان هذا أثرَ الصحبةِ؛ فكيف يكونُ أثرُ العيشِ وإدمانِ النظرِ في سِيَرِ روَّادِ السكينةِ من الأنبياءِ وأتباعِهم وقتَ تعرُّضِهم للأزماتِ، كَالسَّكِينَةِ الَّتِي حَصَلَتْ لِإِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ وَقَدْ أُلْقِيَ فِي الْمَنْجَنِيقِ مُسَافِرًا إلَى مَا أَضْرَمَ لَهُ أَعْدَاءُ اللَّهِ مِنْ النَّارِ، فَلِلَّهِ تِلْكَ السَّكِينَةُ الَّتِي كَانَتْ فِي قَلْبِهِ حِينَ ذَلِكَ السَّفَرِ! وَكَذَلِكَ السَّكِينَةُ الَّتِي حَصَلَتْ لِمُوسَى وَقَدْ غَشِيَهُ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ مِنْ وَرَائِهِمْ وَالْبَحْرُ أَمَامَهُمْ وَقَدْ اسْتَغَاثَ بَنُو إسْرَائِيلَ: يَا مُوسَى، إلَى أَيْنَ تَذْهَبُ بِنَا؟! هَذَا الْبَحْرُ أَمَامَنَا وَهَذَا فِرْعَوْنُ خَلْفَنَا، وَكَذَلِكَ السَّكِينَةُ الَّتِي حَصَلَتْ لَهُ وَقْتَ تَكْلِيمِ اللَّهِ لَهُ نِدَاءً وَنِجَاءً كَلَامًا حَقِيقَةً سَمِعَهُ حَقِيقَةً بِأُذُنِهِ، وَكَذَلِكَ السَّكِينَةُ الَّتِي حَصَلَتْ لَهُ وَقَدْ رَأَى الْعَصَا ثُعْبَانًا مُبِينًا، وَكَذَلِكَ السَّكِينَةُ الَّتِي نَزَلَتْ عَلَيْهِ وَقَدْ رَأَى حِبَالَ الْقَوْمِ وَعِصِيَّهُمْ كَأَنَّهَا تَسْعَى فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً، وَكَذَلِكَ السَّكِينَةُ الَّتِي حَصَلَتْ لِنَبِيِّنَا صلى الله عليه وسلم وَقَدْ أَشْرَفَ عَلَيْهِ وَعَلَى صَاحِبِهِ عَدُوُّهُمَا وَهُمَا فِي الْغَارِ فَلَوْ نَظَرَ أَحَدُهُمْ إلَى تَحْتِ قَدَمَيْهِ لَرَآهُمَا، وَكَذَلِكَ السَّكِينَةُ الَّتِي نَزَلَتْ عَلَيْهِ فِي مَوَاقِفِهِ الْعَظِيمَةِ وَأَعْدَاءُ اللَّهِ قَدْ أَحَاطُوا بِهِ كَيَوْمِ بَدْرٍ وَيَوْمِ حُنَيْنٍ وَيَوْمِ الْخَنْدَقِ وَغَيْرِهِ.

وعليه مِن ‌نورِ ‌السكينةِ حُلَّةٌ
وَثِقَ الزمانُ بأَنَّها لا تُسْلَبُ

وبوجهٍ عامٍّ؛ فإنَّ تَنَزُّلَ السكينةِ على العبدِ يكونُ بمقدارِ مراقبتِه ربَّه واستشعارِه مَعِيَّتَهُ؛ تصديقًا بخبره، وأداءً لأمره، كما حكى اللهُ حالَ نبيِّه حين قال لصاحبِه في الغارِ: ﴿ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ ﴾ [التوبة: 40]. فمنشأُ السكينةِ -كما قال أهلُ العلمِ- "اسْتِيلَاءُ مُرَاقَبَةِ الْعَبْدِ لِرَبِّهِ -جَلَّ جَلَالُهُ- حَتَّى كَأَنَّهُ يَرَاهُ، وَكَلَّمَا اشْتَدَّتْ هَذِهِ الْمُرَاقَبَةُ أَوْجَبَتْ لَهُ مِنْ الْحَيَاءِ وَالسَّكِينَةِ وَالْمَحَبَّةِ وَالْخُضُوعِ وَالْخُشُوعِ وَالْخَوْفِ وَالرَّجَاءِ مَا لَا يَحْصُلُ بِدُونِهَا، فَالْمُرَاقَبَةُ أَسَاسُ الْأَعْمَالِ الْقَلْبِيَّةِ كُلِّهَا وَعَمُودُهَا الَّذِي قِيَامُهَا بِهِ، وَلَقَدْ جَمَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أُصُولَ أَعْمَالِ الْقَلْبِ، وَفُرُوعَهَا كُلَّهَا فِي كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ، وَهِيَ قَوْلُهُ فِي الْإِحْسَانِ: «أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ». فَتَأَمَّلْ كُلَّ مَقَامٍ مِنْ مَقَامَاتِ الدِّينِ، وَكُلَّ عَمَلٍ مِنْ أَعْمَالِ الْقُلُوبِ، كَيْف تَجِدُ هَذَا أَصْلَهُ وَمَنْبَعَهُ؟".

 

وبعدُ، فذاك قَبَسٌ من فقهِ السكينةِ التي كان عمرُ -رضيَ اللهُ عنه- يوصي بتعلُّمِه إذ يقولُ: "تَعَلَّمُوا الْعِلْمَ، ‌وَتَعَلَّمُوا لِلْعِلْمِ ‌السَّكِينَةَ وَالْحِلْمَ"؛ جلاءً لمكانتِها وحقيقتِها، وإبرازًا لآثارِها وأسبابِها. فاللهمَّ أنزلنْ سكينةً لا تغادرُ قلوبَنا؛ فإنها من جزيلِ هِباتِك، يا كريمُ!

وهِباتُ ربي للعبادِ كثيرةٌ
وسكينةُ الإيمانِ رأسُ هباتِه





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • مع القرآن لاستنزال السكينة
  • خطبة: آيات السكينة
  • التربية على السكينة (2)
  • خطبة: السكينة (1)
  • خطبة: السكينة (2)

مختارات من الشبكة

  • السكينة (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من أقوال السلف في السكينة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • السكينة الخلق المفقود: أسبابها - موانعها - ثمرتها (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • السكينة في المنزل مطلب عزيز(استشارة - الاستشارات)
  • إذا سمعتم الإقامة فامشوا إلى الصلاة وعليكم السكينة والوقار(مقالة - موقع الشيخ عبد القادر شيبة الحمد)
  • الدكتور خالد بن حمد الجابر في محاضرة: تحصيل السكينة النفسية في نفوسنا وبيوتنا(مقالة - موقع الشيخ عبدالله بن عبدالعزيز بن عقيل العقيل)
  • نفحات السكينة من الروضة الشريفة(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • السكينة والاطمئنان في آيات من القرآن(مقالة - آفاق الشريعة)
  • التربية على السكينة (1)(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • ألمانيا: ممثلة تؤكد أن ارتداء الحجاب حقق لها السكينة(مقالة - المسلمون في العالم)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • بعد خمس سنوات من الترميم.. مسجد كوتيزي يعود للحياة بعد 80 عاما من التوقف
  • أزناكايفو تستضيف المسابقة السنوية لحفظ وتلاوة القرآن الكريم في تتارستان
  • بمشاركة مئات الأسر... فعالية خيرية لدعم تجديد وتوسعة مسجد في بلاكبيرن
  • الزيادة المستمرة لأعداد المصلين تعجل تأسيس مسجد جديد في سانتا كروز دي تنريفه
  • ختام الدورة التاسعة لمسابقة "جيل القرآن" وتكريم 50 فائزا في سلوفينيا
  • ندوة في سارنيتسا تبحث تطوير تدريس الدين الإسلامي وحفظ التراث الثقافي
  • مشروع للطاقة الشمسية وتكييف الهواء يحولان مسجد في تيراسا إلى نموذج حديث
  • أكثر من 5000 متطوع مسلم يحيون مشروع "النظافة من الإيمان" في زينيتسا

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 12/1/1447هـ - الساعة: 14:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب