• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    ذكر الله عز وجل (خطبة)
    رمضان صالح العجرمي
  •  
    عناية الأمة بروايات ونسخ «صحيح البخاري»
    د. هيثم بن عبدالمنعم بن الغريب صقر
  •  
    وحي الله تعالى للأنبياء عليهم السلام
    د. أحمد خضر حسنين الحسن
  •  
    تفسير قوله تعالى: { ودت طائفة من أهل الكتاب لو ...
    الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم
  •  
    عاشوراء بين مهدي متبع وغوي مبتدع (خطبة)
    الشيخ عبدالله بن محمد البصري
  •  
    خطبة: كيف نجعل أبناءنا قادة المستقبل؟
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    الدرس الثلاثون: العيد آدابه وأحكامه
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    الحكمة من أمر الله تعالى بالاستعاذة به من
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    حسن المعاملة (خطبة)
    عبدالعزيز محمد مبارك أوتكوميت
  •  
    زكاة الفطر تطهير للصائم مما ارتكبه
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    مجالس من أمالي الحافظ أبي بكر النجاد: أربعة مجالس ...
    عبدالله بن علي الفايز
  •  
    لماذا لا نتوب؟
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    وكن من الشاكرين (خطبة)
    الشيخ محمد بن إبراهيم السبر
  •  
    حكم صيام يوم السبت منفردا في صيام التطوع مثل صيام ...
    عبد رب الصالحين أبو ضيف العتموني
  •  
    وما الصقور؟
    السيد مراد سلامة
  •  
    آيات عن مكارم الأخلاق
    الدكتور أبو الحسن علي بن محمد المطري
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / الرقائق والأخلاق والآداب
علامة باركود

سلوة اليوم (خطبة)

سلوة اليوم (خطبة)
د. محمد بن عبدالله بن إبراهيم السحيم

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 12/6/2023 ميلادي - 24/11/1444 هجري

الزيارات: 8437

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

سلوةُ اليومِ


الحمدُ للهِ شارحِ الصدورِ، ومُقدِّرِ الآجالِ ومُيسِّرِ الأمورِ، منَّ على أوليائه بفيضِ السرورِ. وأشهدُ ألا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له ولا نظيرَ. وأشهدُ أنّ محمداً عبدُه ورسولُه، صلى اللهُ وسلمَ عليه وعلى آله وصحبِه إلى يومِ النشورِ.

 

أما بعدُ. ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ ‌حَقَّ ‌تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: 102]

 

أيها المؤمنون!

إنّ من أمضِّ الهمومِ التي كثيراً ما يُذيقُ بها الشيطانُ العبادَ مرارةَ الغمِّ والحَزَنِ همّيْ البلاءِ والرزقِ والتخويفَ بما غُيِّبَ من أمرهِما في المستقبلِ؛ لِيحملَهم من خلالِها على ارتكابِ القبائحِ التي بلغتْ في الشناعةِ مبْلغَ الفحشاءِ، كما قال اللهُ -تعالى-: ﴿الشَّيْطَانُ ‌يَعِدُكُمُ ‌الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ﴾[ البقرة: 268].

 

والنجاةُ من ذلك الفخِّ الشيطانيِّ إنما يَكْمنُ في الاعتصامِ بالهدي الربانيِّ الذي ضَمِنَ اللهُ لمتَّبِعِه الهدى والأمانَ من المخاوفِ والهمومِ، كما قال تعالى: ﴿فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ ‌فَلَا ‌خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ [البقرة: 38]. ألا وإنَّ من مفرداتِ ذلك الهدى المعصومِ الذي يكونُ به السلوُّ والاطمئنانُ وتجاوزُ البلاءِ بثباتٍ وفألٍ أنْ يعيشَ المؤمنُ همَّ البلاءِ والرزقِ يومَه وليلتَه؛ فلا يتجاوزَ ذلك الهمُّ حدودَ الأربعِ وعشرين ساعةً؛ فذاك -لَعَمْرُ اللهِ- سرٌ من أسرارِ السعادةِ والسلوانِ عجيبٌ! أدركَه ذوو الألبابِ من أهلِ العلمِ بنفاذِ البصيرةِ التي اختصَّ بها مَن عَقَلَ عن اللهِ شرعَه؛ فقد كانوا يقطِّعونَ همومَهم بحدِّ التفكيرِ اليوميِّ الذي لا يدخلُ فيه همُّ غدٍ فضلاً عن همِّ السنين؛ إذ لكلِّ يومٍ شأنٌ، كما قال أحدُهم: " تَرَجَّ مِنَ الدُّنْيَا ‌يَوْمًا ‌بِيَوْمٍ "، وحين سُئلَ أحدُهم عن حَاله وَعِيَاله، فَقَالَ: هُوَ ذَا ‌نقطِّعُ ‌الدُّنْيَا يَوْمًا بِيَوْم؛ فَيومٌ لَا يرزقُنا اللهُ، وَيَوْمٌ يرزقُنا اللهُ. وقال آخرُ: " ‌العارفُ ‌يدافعُ عيشَه يوماٍ بيومٍ، ويأخذُ عيشَه يوماً بيومٍ ".

 

وذاك ما أشارَ إليه خالقُ الخلقِ وراحمُهم والعالمُ بمصالحِهم والحكيمُ في أمرِه وقدَرِه؛ إذ يُخبرُ عن عظيمِ تقديرِه البالغِ في الغيبِ مبْلغَه بقولِه: ﴿‌يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ ‌يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ﴾ [الرحمن: 29]، قال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "قَالَ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ-: ﴿‌كُلَّ ‌يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ﴾قَالَ: "مِنْ شَأْنِهِ أَنْ ‌يَغْفِرَ ‌ذَنْبًا، وَيُفَرِّجَ ‌كَرْبًا، وَيَرْفَعَ قَوْمًا، وَيَضَعَ آخَرِينَ " رواه ابنُ ماجه وحسَّنَه البوصيريُّ والألبانيُّ. وَقَالَ ‌قَتَادَةُ: " لَا يستغني عنه أهلُ السماواتِ وَالْأَرْضِ، يُحْيِي حَيًّا، وَيُمِيتُ مَيِّتًا، وَيُرَبِّي صَغِيرًا، وَيَفُكُّ أَسِيرًا، وَهُوَ مُنْتَهَى حَاجَاتِ الصَّالِحِينَ وَصَرِيخُهُمْ، وَمُنْتَهَى شَكْوَاهُمْ ". وحين أرشدَ اللهُ أهلَ الطلاقِ الرجعيِّ بالمُكْثِ في المنزلِ وعدمِ الخروجِ منه علَّلَ ذلك بقولِه:﴿لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ ‌يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا﴾ [الطلاق: 1]،" وهيَ لمسةٌ موحيةٌ مؤثِّرةٌ؛ فمَن ذا الذي يعلمُ غيبَ اللهِ وقدَرَه المخْبُوءَ وراءَ أمرِه بالعِدَّةِ، وأمرِه ببقاءِ المطلَّقاتِ في بيوتِهن. إنه يَلُوحُ هناك أملٌ، ويُوَصْوِصُ هناك رجاءٌ، وقد يكونُ الخيرُ كلُّه، وقد تتغيرُ الأحوالُ وتتبدلُ إلى هناءةٍ ورضى؛ فقدَرُ اللهِ دائمُ الحركةِ، دائمُ التغييرِ، ودائمُ الأحداثِ. والتسليمُ لأمرِ اللهِ أولى، والرعايةُ له أوفقُ، وتقواه ومراقبتُه فيها الخيرُ يلوحُ هناك! والنفسُ البشريةُ قد تستغرقُها اللحظةُ الحاضرةُ، وما فيها من أوضاعٍ وملابساتٍ، وقد تُغْلِقُ عليها منافذَ المستقبلِ، فتعيشُ في سجنِ اللحظةِ الحاضرةِ، وتشعرُ أنها سَرْمَدٌ، وأنها باقيةٌ، وأنَّ ما فيها من أوضاعٍ وأحوالٍ سيرافقُها ويطاردُها. وهذا سجنٌ نفسيٌّ مغْلقٌ مُفْسِدٌ للأعصابِ في كثيرٍ من الأحيانِ. وليستْ هذه هي الحقيقةَ؛ فقدَرُ اللهِ دائماٍ يَعملُ، ودائماً يُغَيِّرُ، ودائماً يُبَدِّلُ، ودائماً يُنشئُ ما لا يَجولُ في حُسبانِ البَشرِ من الأحوالِ والأوضاعِ؛ فرجٌ بعد ضيقٍ، وعُسرٌ بعد يُسرٍ، وبَسْطٌ بعد قَبْضٍ، واللهُ كلَّ يومٍ هو في شأنٍ، يُبديه للخلقِ بعد أن كان عنهم في حجابٍ. ويريدُ اللهُ أنْ تستقرَّ هذه الحقيقةُ في نفوسِ البشرِ؛ لِيَظلَّ تطلعُهم إلى ما يُحدِثُه اللهُ من الأمرِ متجدِّداً ودائماً، ولِتظلَّ أبوابُ الأملِ في تغييرِ الأوضاعِ مفتوحةً دائمةً، ولِتظلَّ نفوسُهم متحركةً بالأملِ، نديةً بالرجاءِ، لا تُغْلُقُ المنافذُ، ولا تعيشُ في سجنِ الحاضرِ، واللحظةُ التاليةُ قد تحملُ ما ليس في الحسبانِ؛ ﴿لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ ‌يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا﴾[الطلاق: 1]".

 

وحَصْرُ الهمِّ في حدودِ اليومِ والليلةِ من أسبابِ هناءِ العيشِ؛ إذ جعلَه النبيُّ صلى الله عليه وسلم ظرْفَ حيازةِ القُوتِ الذي لا يفوتُ بإدراكِه نعيمُ الدنيا إنِ اقترنَ بالأمنِ والعافيةِ، كما قال: " مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ، مُعَافًى فِي جَسَدِهِ، ‌عِنْدَهُ ‌قُوتُ ‌يَوْمِهِ؛ فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا " رواه الترمذيُّ وحسَّنَه الألبانيُّ. وقال الإمامُ مالكٌ: بلَغني أنَّ عيسى بنَ مريمَ -عليهما السلامُ- كان يقولُ: لا تحمِلوا هَمَّ سَنةٍ على يومٍ، حَسْبَ كلَّ يومٍ بما فيه، قيلَ له: وما تفسيرُ ذلك عندَكَ؟ قال: يقولُ: لا تهتمُّوا برزقِ السَّنةِ وطلبِه، ولكنْ ‌يوماً ‌بيومٍ. وقال عليٌّ -رضيَ اللهُ عنه-: " لا تجعلْ همَّ يومِك لغدِك؛ فإنَّ غدَك إنْ كان من أَجَلِك يأتي اللهُ برزقِك". وقال حكيمٌ: " إذا طالبَتْك نفسُك برزقِ غدٍ؛ فقل: هاتِ كفيلاً بالغدِ ".

 

وبذلك الهمِّ اليوميِّ كان العقلاءُ يُصابِرون بلاءَهم، ويرجون فرَجَهم، فقد حَبَسَ مَلِكِ فارسٍ أحدَ وزرائه الحكماءِ ظلماً زمناً طويلاً ولم يُرَ عليه أثرُ الحبسِ حين أُطْلِقَ، فسُئِلَ عن ذلك، فقال: إنّي صنعتُ ‌علاجاً من ستّة أخلاطٍ، آخُذُ منه كلَّ يومٍ شيئاً؛ فهو الذي أبقاني على ما تَرونَ، فقالوا: صِفْهُ لنا، قال: الخِلْطُ الأوّلُ: الثّقةُ باللهِ -تعالى-، الثاني: علمي بأنَّ كلَّ مقدورٍ كائنٌ، الثالثُ: الصّبْرُ خيرُ ما استعملَه المُمْتَحَنُ، الرّابعُ: إنْ لم أصبرْ فأيُّ شيءٍ أعملُ؟! الخامسُ: قد يُمكِنُ أنْ أكونَ في شرٍّ ممّا أنا فيه، السّادسُ: من ساعةٍ إلى ساعةٍ فَرَجٌ! وأَمَرَ أحدُ الولاةِ بإحضارِ رجلٍ من السجنِ، فلما حضرَ أمرَ بضربِ عُنقِه، فقال: يا أيها الأميرُ، أخِّرني إلى غدٍ، قال: وأيُّ فَرَجٍ لك في تأخيرِ يومٍ واحدٍ؟! ثمَّ أمرَ بردِّه إلى السجنِ، فسمِعَه وهو يُذْهَبُ به إلى السجنِ يقولُ:

عسى فرَجٌ يأتي به اللهُ إنَّه
له كلَّ يومٍ في خليقتِه أمْرُ

 

فقال: واللهِ ما أخذَه إلا من كتابِ اللهِ! ﴿‌كُلَّ ‌يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ﴾، وأَمَرَ بإطلاقِه ". وبتناقصِ الأيامِ والليالي يَتقلَّصُ أَمَدُ البلاءِ، وتدنو لحظاتُ الفرَجِ، ويزدادُ سُلُوُّ المكْلومِ. كتبَ أحدُهم إلى ظالمِه قائلاً: " إنَّ ‌كلَّ ‌يومٍ ‌يَمضي من بُؤسي يَمضي من نعمتِك بمثلِه، والموعدُ المحشرُ، والحَكَمُ الدَّيَّانُ! ". وقد أدركَ تلك الحقيقةَ مَن ذاقَ من نعيمِ الدنيا أطيبَه وأنعمَه؛ تجربةً مَخَّضَتَها الأحداثُ، بل تمنَّاها حين عاينَ حقيقةَ الدنيا ساعةَ الاحتضارِ، قال الخليفةُ المأمونُ: " مَن أرادَ أنْ يَطيبَ عيشُه؛ ‌فلْيدفعِ ‌الأيامَ ‌بالأيامِ".

مَن كَانَ يرغَبُ فِي لذَاذَة عَيِشه
فَليَدفَعِ ‌الأيَّامَ ‌بالأَيَّامِ

 

ولما نزلَ الموتُ بأحدِ الخلفاءِ جَعَلَ يَلُومُ نَفْسَهُ، وَيَضْرِبُ بِيَدِهِ عَلَى رَأْسِهِ ويقول: " وَدِدْتُ أَنِّي كُنْتُ أَكْسِبُ يَوْمًا بِيَوْمٍ مَا ‌يَقُوتُنِي، وَأَشْتَغِلُ بِطَاعَةِ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ- ". وبلزومِ الهمِّ اليوميِّ كان يُضرَبُ المَثَلُ في هناءِ عيشِ الطيورِ؛ إذ لا يتجاوزُ همُّ رزقِها حدَّ يومِها، كما صيّرَها القائلُ عزاءً له ومَثَلاً:

إنّي لَأحيا على عُسري وتيسيري
يوماً بيومٍ كما تحيا العصافيرُ

 

عبادَ اللهِ!

إنما كان حَصْرُ الفكرِ اليوميِّ بَلْسَماً في معالجةِ همِّ الرزقِ والبلاءِ، وهناءً تطيبُ به الحياةُ؛ لأنَّ اليومَ هو الظرفُ الذي تتعلقُ به القدرةُ، ويقعُ عليه التكليفُ، كما قال أبو حازمٍ: " الْأَيَّامُ ثَلَاثَةٌ: فَأَمَّا أَمْسِ فَقَدِ انْقَضَى عَنِ ‌الْمُلُوكِ نِعْمَتُهُ، وَذَهَبَتْ عَنِّي شِدَّتُهُ، وَإِنِّي وَإِيَّاهُمْ مِنْ غَدٍ لَعَلَى وَجَلٍ، وَإِنَّمَا هُوَ الْيَوْمُ؛ فَمَا عَسَى أَنْ يَكُونَ؟! "، وقال ابنُ حزْمٍ: " إِذا حقَّقَتَ مُدَّة الدُّنْيَا لم تجدْها إِلَّا الْآنَ الَّذِي هُوَ فصْلُ ‌الزَّمانينِ فَقَط، وأمّا ما مضى وما لم يَأْتِ فمعدومان، كَمَا لم يكن؛ فَمَنْ أضلُّ مِمَّن يَبِيعُ بَاقِياً خَالِداً بِمدَّةٍ هِيَ أقلُّ مِن كَرِّ الطَّرْفِ؟! ".

مَا مَضَى فَاتَ وَالمُؤَمَّلُ غَيْب
وَلَكَ ‌السَّاعَةُ ‌الَّتِي أَنْتَ فِيْهَا

 

والعيشُ بهمِّ اليومِ تعاملٌ واقعيٌّ راشدٌ مع فريضةِ اليومِ الواجبةِ وضَعْفِ حِيلةِ المخلوقِ وسُنَّةِ الكَبَدِ التي صُبِغَتْ بها الدنيا؛ إذ حَسْبَه من الهمِّ همُّ يومِه. قال شُميطُ بنُ عجلانَ:" إنَّ المؤمنَ يقولُ لنفسِه: إنما هيَ أيامٌ ثلاثةٌ؛ فقد مضى أمسِ بما فيه، وغداً أملٌ لعلَّك لا تدركُه، إنّك إنْ كنتَ مِن أهلِ غدٍ فإنَّ غداً يَجيءُ برزقٍ غدٍ، إنَّ دونَ غدٍ يوماً وليلةً تُخترمُ فيه أنفسٌ كثيرةٌ، لعلَّك المخترَمُ فيها. كفى كلَّ يومٍ همُّه. ثم قد حَمْلتَ على قلبِك الضعيفِ همَّ السنينَ والأزمنةِ، وهمَّ الغلاءِ والرُّخْصِ، وهمَّ الشتاءِ قبل أنْ يجيءَ الشتاءُ، وهمَّ الصيفِ قبل أنْ يجيءَ الصيفُ، فماذا أبقيتَ من قلبِك الضعيفِ لآخرتِه؟! ". وقال عليٌّ -رضيَ اللهُ عنه-: " اعملْ لكلِّ يومٍ بما فيه تُرْشَدْ ". وقال صِلَةُ بْنُ الْأَشْيَمِ: " ‌طَلَبْتُ ‌الرِّزْقَ ‌مِنْ ‌مَظَانِّهِ فَأَعْيَانِي إِلَّا رِزْقَ يَوْمٍ بِيَوْمٍ؛ فَعَلِمْتُ أَنَّهُ خَيْرٌ لِي. وَإِنَّ امْرَئً جُعِلَ رِزْقُهُ يَوْمًا بِيَوْمٍ فَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ خَيْرٌ لَهُ لَعَاجِزُ الرَّأْيِ ".

 

الخطبة الثانية

الحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ.

أما بعدُ، فاعلموا أنَّ أصدقَ الحديثِ كتابُ اللهِ...

 

أيها المؤمنون!

والعيشُ بالهمِّ اليوميِّ توحيدٌ للهِ؛ إذ هو إفرادٌ للهِ بحقيقةِ التدبيرِ والرزقِ، وتحقيقٌ عمليٌّ لحُسنِ الظنِّ به، وتوقُّعِ الخيرِ منه، واللهُ عند ظنِّ عبدِه به. قال ابنُ القيمِ: " مَن تركَ الاختيارَ والتدبيرَ في طلبِ زيادةِ دُنيا أو جاهٍ أو في خوفِ نقصانٍ أو في التخلُّصِ من عدوٍّ؛ توكُلًا على اللهِ، وثقةً بتدبيرِه له وحُسْنِ اختيارِه له، فألقى كنفَهُ بين يديه، وسلَّم الأمرَ إليه، ورضيَ بما يقضيه له؛ ‌استراحَ ‌من ‌الهمومِ والغُمومِ والأحزانِ. ومَن أبى إلَّا تدبيرَهُ لنفسِه؛ وقعَ في النَّكَدِ والنَّصَبِ وسُوءِ الحالِ والتعبِ؛ فلا عيشَ يصفو، ولا قلبَ يفرحُ، ولا عملَ يزكو، ولا أملَ يقومُ، ولا راحةَ تدومُ.

 

واللهُ -سبحانه- سهَّلَ لخلْقِه السبيلَ إليه، وحجبَهم عنه بالتدبيرِ؛ فمَن رضيَ بتدبيرِ اللهِ له، وسكنَ إلى اختيارِه، وسلَّمَ لحُكمِه؛ أزالَ ذلك الحجابَ، فأفضى القلبُ إلى ربِّه، واطمأنَّ إليه، وسَكَنَ ". فتبيَّنَ أنَّ العيشَ في حدودِ اليومِ يُعْقِبُ رُشْدَ العملِ، وراحةَ القلبِ وسَلْوتَه، واتزاناً في التعاملِ مع البلاءِ. قال ابنُ الجوزيِّ: " فمَن تلمَّحَ ‌بحرَ ‌الدنيا، وعَلِمَ كيف تُتلقَّى الأمواجُ، وكيف يُصْبَرُ على مدافعةِ الأيامِ، لم يستهونْ نزولَ بلاءٍ، ولم يفرحْ بعاجلِ رخاءٍ ".

أحسنِ الظَّن بِرَبٍّ عوَّدَك
حَسَناً أمسِ وَسوَّى أَوَدَك
إِن رَبًّا كَانَ يَكْفِيك الَّذِي
كَانَ بالْأَمْسِ سيكفيكَ غدَك

 

ومَن تنكَّبَ جادَّةَ الهمِّ اليوميِّ، وترَكَ ما يلزمُه فيها؛ باتَ في حالِ السُّخْطِ والحَزَنِ متردِّدَاً، وباءَ بالشقاءِ النفسيِّ؛ فـمن أسبابِ" شقاءِ الإنسانِ أنه دائماً يَزهَدُ في سعادةِ يومِه، ويلهو عنها بما يتطلعُ إليه من سعادةِ غدِه، فإذا جاء غدُه اعتقدَ أنَّ أمسَه كان خيراً من يومِه؛ فهو لا يَنْفَكُّ شقياً في حاضرِه وماضيه ". هذا، وليس من معارضةِ لزومِ همِّ اليومِ التخطيطُ للمستقبلِ، والاحتياطُ له، كلا؛ فإنَّ ذاك من الحزْمِ الذي يُمدح به العاقلُ؛ فقد كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يُحْرِزُ نفقةَ أهلِه مدةَ عامٍ، ولكنَّ الشأنَ أنْ يكونَ هذا همَّاً مُلازِماً يُناكِدُ سعادةَ اليومِ، ويَمنعُ من أداءِ فرْضِه، وحُسْنِ استغلالِه في التزودِ الأخرويِّ الباقي. قال ابنُ القيمِ: " العبدُ مِن حينِ استقرَّت قدَمُه في هذه الدارِ فهو مسافرٌ إلى ربِّه، ومدَّةُ سفرِه هي عمرُه الذي كُتِبَ له. فالعمرُ هو مدَّةُ سفرِ الإنسانِ في هذه الدارِ إلى ربِّه -تعالى-.

 

ثُمَّ قد جُعلتِ الأيامُ والليالي مراحلَ لسفرِه، فكلُّ يومٍ وليلةٍ مرحلةٌ من المراحلِ، فلا يزالُ يَطْويها مرحلةً بعد مرحلةٍ حتَّى ينتهيَ السفرُ. فالكَيِّسُ ‌الفَطِنُ هو الذي يجعلُ كلَّ مرحلةٍ نَصْبَ عينيه، فيهتمُّ بقطْعِها سالمًا غانمًا، فإذا قطَعَها جعل الأخرى نَصْبَ عينيه. ولا يطولُ عليه الأمدُ، فيقسو قلبُه، ويمتدُّ أملُه، ويَحْضُرُه التسويفُ والوعدُ والتأخيرُ والمَطْلُ؛ بل يَعُدُّ عُمُرَه تلك المرحلةَ الواحدةَ، فيجتهدُ في قطْعِها بخيرِ ما بحضْرتِه.

 

فإنَّه إذا تيقَّنَ قِصَرَها وسرعةَ انقضائِها هانَ عليه العملُ، وطوَّعتْ له نفسُه الانقيادَ إلى التزوُّدِ؛ فإذا استقبلَ المرحلةَ الأخرى من عمرِه استقبلَها كذلك. فلا يزالُ هذا دَأَبَه حتَّى يطويَ مراحلَ عُمُرِه كلَّها، فيَحْمَدَ سعيَه، ويبتهجَ بما أعدَّه ليومِ فاقتِه وحاجتِه. فإذا طلعَ صُبْحُ الآخرةِ، وانقشعَ ظلامُ الدنيا، فحينئذٍ يَحْمَدُ سُرَاه، ويَنجلي عنه كَراه. فما أحسنَ ما يَستقبِلُ يومَه، وقد لاحَ صباحُه، واستبانَ فلاحُه! "





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • العنف الأسري (خطبة)
  • حماية المستهلكين (خطبة)
  • النهي عن الإسراف (خطبة)
  • النهي عن المسألة (خطبة)

مختارات من الشبكة

  • أيام الله المعظمة: يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق(مقالة - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • ويا سلوة الأيام موعدك الحشر (قصة قصيرة)(مقالة - حضارة الكلمة)
  • يوم عرفة يوم من أيام الله (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة عيد الأضحى (اليوم يوم التضحية)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • ما الحكم إذا اجتمع يوم العيد ويوم الجمعة في يوم واحد؟(مقالة - آفاق الشريعة)
  • حديث: طعام أول يوم حق، وطعام يوم الثاني سنة، وطعام يوم الثالث سمعة(مقالة - موقع الشيخ عبد القادر شيبة الحمد)
  • يوم من أيام الله عزوجل (خصوصية يوم عرفة)(مادة مرئية - موقع د. علي بن عبدالعزيز الشبل)
  • يوم من أيام الله عزوجل (تحقيق الدعوة يوم عرفة)(مادة مرئية - موقع د. علي بن عبدالعزيز الشبل)
  • يوم من أيام الله عزوجل (أنه يوم الدعاء)(مادة مرئية - موقع د. علي بن عبدالعزيز الشبل)
  • تفسير: (أسمع بهم وأبصر يوم يأتوننا لكن الظالمون اليوم في ضلال مبين)(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • بعد خمس سنوات من الترميم.. مسجد كوتيزي يعود للحياة بعد 80 عاما من التوقف
  • أزناكايفو تستضيف المسابقة السنوية لحفظ وتلاوة القرآن الكريم في تتارستان
  • بمشاركة مئات الأسر... فعالية خيرية لدعم تجديد وتوسعة مسجد في بلاكبيرن
  • الزيادة المستمرة لأعداد المصلين تعجل تأسيس مسجد جديد في سانتا كروز دي تنريفه
  • ختام الدورة التاسعة لمسابقة "جيل القرآن" وتكريم 50 فائزا في سلوفينيا
  • ندوة في سارنيتسا تبحث تطوير تدريس الدين الإسلامي وحفظ التراث الثقافي
  • مشروع للطاقة الشمسية وتكييف الهواء يحولان مسجد في تيراسا إلى نموذج حديث
  • أكثر من 5000 متطوع مسلم يحيون مشروع "النظافة من الإيمان" في زينيتسا

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 12/1/1447هـ - الساعة: 14:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب