• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    بيان الخصائص التي اختص الله تعالى بها الأنبياء ...
    د. أحمد خضر حسنين الحسن
  •  
    تفسير سورة الشرح
    أبو عاصم البركاتي المصري
  •  
    أشراط الساعة والرد على الشبهات المتعلقة بها (PDF)
    رند بنت عبدالحميد عبد الله الزامل
  •  
    فقه اليقين بموعود رب العالمين (خطبة)
    د. عبدالرزاق السيد
  •  
    لا يستوي الخبيث والطيب
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    تحريم النذر لله بمكان يشرك فيه بالله أو يعصى فيه
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    الدرس الرابع والعشرون: صفات اهل الجنة
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    البخل بالإنفاق سبب الخسران والشقاء
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الاستقامة وأثرها في حسن الخاتمة
    الدخلاوي علال
  •  
    {وقولوا للناس حسنا} خطبة
    ساير بن هليل المسباح
  •  
    "من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه.." ماذا بعد ...
    د. صغير بن محمد الصغير
  •  
    من رعاة غنم إلى قادة أمم.. (خطبة)
    الشيخ عبدالله محمد الطوالة
  •  
    ظاهرة التشقيق في الأحكام الفقهية
    د. عبدالله بن يوسف الأحمد
  •  
    فضل التبكير إلى الصلوات (2)
    د. أمين بن عبدالله الشقاوي
  •  
    من عظم أمر الله أذل الله له عظماء خلقه (خطبة)
    حسان أحمد العماري
  •  
    ثمرات الاستقامة
    السيد مراد سلامة
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / النصائح والمواعظ
علامة باركود

مقصد الإصلاح في التوبة إلى الله

مقصد الإصلاح في التوبة إلى الله
عبدالقادر دغوتي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 16/2/2023 ميلادي - 26/7/1444 هجري

الزيارات: 7720

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

مقصد الإصلاح في التوبة إلى الله


مقدمة:

جاء الحثُّ على التوبة إلى الله تعالى في آيات وأحاديث كثيرة، منها قوله سبحانه: ﴿ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [النور: 31]، وقوله: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا ﴾ [التحريم: 8]، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((أيُّها الناس، توبوا إلى الله واستغفروه؛ فإنِّي أتوبُ في اليوم مائةَ مرةٍ))[1]، وقد أعلن الله سبحانه محبَّته للتوَّابين ترغيبًا لهم في التوبة، فقال جل وعلا: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ﴾ [البقرة: 222]، وأخبر نبيَّه المصطفى صلى الله عليه وسلم بأن الله يفرح بتوبةِ عبده، فقال: ((للهُ أفرحُ بتوبةِ عبده من رجلٍ نزل منزلًا وبه مهلكة، ومعه راحلته، عليها طعامُه وشرابُه، فوضَعَ رأسَه، فنامَ نومةً، فاستيقظ وقد ذهبت راحلتُه، حتى إذا اشتدَّ عليه الحَرُّ والعطشُ أو ما شاء الله، قال: أرجعُ إلى مكاني، فرجع فنام نومةً، ثم رفعَ رأسَه، فإذا راحلتُه عنده))[2].

 

ثم إنه سبحانه وعد التائبين بقبول توبتهم ومغفرة جميع ذنوبهم مهما بلغت، فقال جل جلالُه: ﴿ قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ [الزمر: 53]، وقال في الحديث القدسي: ((يا بن آدم، إنك ما دعوتني ورجوتني؛ غفرت لك على ما كان منك ولا أُبالي، يا بن آدم، لو بلغَتْ ذنوبُك عنان السماء، ثم استغفرتني؛ غفرتُ لك، يا بن آدم، إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا، ثم لقيتني لا تُشْرِك بي شيئًا؛ لأتيتُك بقرابها مغففرةً))[3].


وبعد كل هذا التيسير والترغيب والتبشير؛ فإنه لا يُصِرُّ على المعصية ويعرض عن التوبة، إلا ظالمٌ جاهلٌ، قال الحق سبحانه: ﴿ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾ [الحجرات: 11]، قال ابن القيم رحمه الله: "قسَم العباد إلى تائب وظالم، وما ثَمَّ قسمٌ ثالث البتة، وأوقع اسم الظالم على مَنْ لم يتُبْ، ولا أظلم منه لجهله بربِّه وبحقِّه وبعيب نفسه"[4].


هذا وإن للتوبة إلى الله تعالى مقاصد جليلة، منها: مقصد "الإصلاح" المستفاد من استقراء كتاب الله تعالى، وله تجليات كثيرة ومتعدِّدة.

 

أولًا: لا توبة بلا إصلاح:

يعتبر الإصلاح مقصدًا عظيمًا من مقاصد التوبة في الإسلام، يدلُّ عليه استقراء كتاب الله تعالى، حيث اقترنت التوبة بـ "الإصلاح" و بـ "العمل الصالح" في عدد من الآيات:

(أ) ـ آيات اقترنت فيها التوبة بالإصلاح:

• قال الله تعالى: ﴿ فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ ﴾ [المائدة: 39].

 

• وقال سبحانه: ﴿ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [الأنعام: 54].

 

• وقال عز وجل: ﴿ فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ تَوَّابًا رَحِيمًا ﴾ [النساء: 16].

 

• وقال: ﴿ إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ ﴾ [البقرة: 160].

 

• وقال: ﴿ إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [آل عمران: 89].

 

• وقال: ﴿ إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [النساء: 146].

 

• وقال: ﴿ ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا ﴾ [النحل: 119].

 

• وقال: ﴿ إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [النور: 5].

 

(ب) ـ آيات قرنت فيها التوبة بالعمل الصالح:

• قال الله تعالى: ﴿ إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئًا ﴾ [مريم: 60].

 

• وقال جل وعلا: ﴿ وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى ﴾ [طه: 82].

 

• وقال عز وجل: ﴿ إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ ﴾ [الفرقان: 70].

 

• وقال: ﴿ وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا ﴾ [الفرقان: 71].

 

• وقال: ﴿ فَأَمَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَعَسَى أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ ﴾ [القصص: 67].

 

فيتضح من خلال هذه الآيات الكريمة أن الإصلاح مقصدٌ شرعيٌّ من مقاصد التوبة إلى الله، وأنه شرطٌ من شروط كمالها وتمامها، فلا توبة بلا إصلاحٍ؛ أي: لا توبة صادقة تامة، إن لم تُثْمر إصلاحًا.

 

ثانيًا: من تجليات الإصلاح في التوبة إلى الله تعالى:

(أ) ـ إصلاح المذنب التائب:

إن من أهم معاني الإصلاح المقصودة بالتوبة إلى الله تعالى: إصلاح التائب نفسه، وذلك بإخراجه من سجن المعصية، وتحريره من قيود النفس الأمَّارة بالسوء، وإنقاذه من شرك الشيطان اللعين، ونقله إلى واحة الإيمان، ورحاب العمل الصالح، وسعة رحمة الله تعالى؛ فينجو من شَرِّ أعدائه: الشيطان والنفس والهوى والشهوات، قال الله تعالى: ﴿ قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ ﴾ [ص: 82، 83]، وقال سبحانه: ﴿ وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 168، 169]، وقال: ﴿ وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [يوسف: 53].


وإنَّ هؤلاء الأعداء لا يزالون يتربَّصون به، حتى يوقعوه في فخِّ الذنب والمعصية، فيأسروه ويمنعوه من السير إلى الله تعالى، أو يعيقوه عن الوصول إليه، قال ابن القيم رحمه الله: "إن العاصي دائمًا في أسْرِ شيطانه وسجن شهواته، وقيود هواه؛ فهو أسير مسجون مقيد، ولا أسير أسوأ حالًا من أسيرٍ أسرَه أعْدى عدوٍّ له، ولا سجن أضيق من سجن الهوى، ولا قيد أصعب من قيد الشهوة؛ فكيف يسير إلى الله والدار الآخرة قلب مأسور مسجون مقيد؟! وكيف يخطو خطوةً واحدةً؟![5].


فمن رحمة الله تعالى وعظيم نعمته وإحسانه أن فتح باب التوبة أمام كل مذنب عاصٍ، ليدخل من خلاله على ربِّه ومولاه، فينقذه من شرِّ أعدائه، ويُحرِّره من أسرهم واستعبادهم له، فلو لم تكن هناك توبة لظَلَّ العُصاةُ في سجن المعصية أسرى مُصفَّدين بأصفاد وقيود الشيطان والشهوة والهوى؛ روى الحسن البصري رحمه الله تعالى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((لما أهبط اللهُ عز وجل إبليسَ عليه اللعنة، قال: بعزَّتِك، إني لا أفارق ابن آدم حتى تفارق رُوحُه جسدَه، قال الربُّ تعالى: وعزتي وعظمتي، لا أحجب التوبة عن عبدي حتى يُغرغر بها))[6].


فالحاصل: أن التوبة إصلاحٌ للتائب، فهي تنشئه إنشاء؛ إذ تصهره بحرارة الندم، وتغسله بدموع الخشية، فيخرج خلقًا آخر، قد زال عنه ما تراكم على نفسه من أدْرانِ المعاصي، وتخلَّص ممَّا علا قلبَه من ران، وتحرَّر من الشهوات الطينيَّة التي تُثقله وتشدُّه إلى الأرض، فإذا بروحه تنطلق في الآفاق الرحبة تذكر ربَّها وتُسبِّح بحمده، وتستشعر العِزَّة والكرامة، وتجد الطُّمَأْنينة والسكينة.

 

ب ـ إصلاح آثار الذنب والمعصية:

إن المعصية فسادٌ وإفسادٌ؛ فهي معول هدم وتخريب للإيمان والأخلاق الكريمة والقيم السامية، كما أنها جناية في حقِّ النفس والغير؛ لما فيها من مسٍّ وانتهاكٍ للحقوق المادية والمعنوية.

 

وحين يُقْلِع التائب عن المعصية، يكون قد خلَّف وراءه حجمًا من الدمار والخراب والإفساد، بقدر حجم ونوع معصيته، فهل يترك هذا الدمار الذي أحدثه ويمضي مستغفرًا بلسانه متوهِّمًا أن هذا كافٍ، وأنه قد تاب وأناب؟!

 

كلا، بل إن مقتضى التوبة أن يُراجع ماضي الذنب والمعصية، وينظُر فيما أحدثه بسبب ذنوبه ومعاصيه من فسادٍ وإفسادٍ في الأرض، سواء في حقِّ النفس أو في حق الغير، وسواء كان فسادًا وإفسادًا ماديين أو معنويين، ثم يعزم على العمل بجدٍّ لإزالة آثار ذلك، وجبر ما تم كسره، ورقع ما تم خرقه، وإنجاز ما يغطي ذلك ويقوم مقامه من عمل صالح.

 

فيكون العمل الصالح الذي يعمله بعد التوبة جبرًا للكسور التي أحدثتها المعصية، وإزالةً للأدْران والأوساخ التي خلَّفَتْها، وفي هذا يقول الله تعالى: ﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ ﴾ [هود: 114]، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((اتق الله حيثما كنت وأتْبِع السيئةَ الحسنةَ تَمْحُها وخالق الناس بخُلُقٍ حسن))[7].


ويُحبَّذ أن يكون العمل الصالح الذي يجتهد فيه التائب بعد التوبة، من جنس المعصية التي اقترفها، "فمن كانت سيئته مثلًا الغيبة لشخص معين؛ فالحسنة ينبغي أن تكون مدحه أمام مَن اغتابه عنده، أو الاستغفار له، ومن كانت سيئته السخرية بالناس؛ فلتكن حسنته توقيرهم، وإكرامهم وذكرهم بكل خير، ومن كانت سيئته ظلم الناس والعدوان على الضعفاء وعلى حرماتهم وحقوقهم المادية والأدبية؛ فلتكن حسنته الحرص على إقامة العدل، وإنصاف المظلومين، والوقوف بجانب المستضعفين والدفاع عنهم، ورد ما أمكن من الحقوق إليهم... وهكذا ينبغي أن تكون الحسنة التي يمحو بها التائب سيئته ما استطاع: مناقضة لها، مزيلة لأثرها، مطهرة للنفس من رواسبها، وذلك بسلوك طريق المضادة.


فالحاصل: أن التائب لا يبلغ حقيقة التوبة وكمالها، حتى يصلح ما أفسده بذنبه ومعصيته، ويعيد بناء وترتيب ما هدمه وخرَّبه، وهذا معنى من معاني الإصلاح الذي هو من مقاصد التوبة.

 

ج ـ إصلاح الأنفس والأعراض والأموال:

بمعنى حفظها وصونها، وهو ضد إفسادها وإتلافها، فلو لم تكن هناك توبة لتمادى العاصي في فساده وإفساده، ولاستمر في عدوانه على الأنفس والأعراض والأموال، هذا ناهيك عن كون المعصية بحد ذاتها إيذاءً لخَلْق الله، وإفسادًا في أرضه، قال ابن القيم رحمه الله: "ومن آثار الذنوب والمعاصي: أنها تحدث في الأرض أنواعًا من الفساد في المياه والهواء والزروع والثمار والمساكن، قال تعالى: ﴿ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾ [الروم: 41][8].

 

فمن رحمة الله وحكمته؛ أنه شرع التوبة لإصلاح العصاة والمذنبين، وكفِّهم عن التمادي في الشرِّ وإيذاء الخَلْق؛ ومِن ثَمَّ يتحقَّق ما فيه صلاح الناس بحفظ أنفسهم وأعراضهم وأموالهم.

 

فكم من مجرمٍ طاغٍ وقاتلٍ معتدٍ أصلحته التوبة؛ فصار يصل الناس بخيره، بعدما كان يصلاهم بشَرِّه! فلو لم تكن هناك توبة لتمادى في غيِّه وشرِّه؛ لكن من رحمة الله وعظيم نعمته أنه فتح له باب الأمل في الإصلاح فاستراح وأراح.

 

وأظهر مثال لهذا المقصد الجليل، ما جاء في قصة القاتل الذي قتل تسعةً وتسعين نفسًا؛ بل مائة نفس، ثم تاب فتاب الله عليه! فلنقرأ القصة بلفظها كما جاءت عن النبي صلى الله عليه وسلَّم، حيث قال: ((كان فيمن كان قبلكم رجلٌ قتل تسعةً وتسعينَ نَفْسًا، فسأل عن أعلم أهل الأرض، فدُلَّ على راهب، فأتاه فقال: إنه قتل تسعةً وتسعينَ نَفْسًا، فهل له من توبةٍ؟ فقال: لا؛ فقتله فكمل به مائة، فسأل عن أعلم أهل الأرض، فدُلَّ على رجل عالم، فقال: إنه قتل مائةَ نفسٍ؛ فهل له من توبةٍ؟ قال: نَعَم، ومَن يحول بينه وبين التوبة؟ انطلق إلى أرض كذا وكذا ؛ فإن بها أناسًا يعبدون الله تعالى فاعبد الله معهم، ولا ترجع إلى أرضِك؛ فإنها أرض سوء، فانطلق حتى إذا نصف الطريق أتاه الموتُ، فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب، فقالت ملائكة الرحمة: جاء تائبًا مُقبِلًا بقلبه إلى الله تعالى، وقالت ملائكة العذاب: إنه لم يعمل خيرًا قطُّ، فأتاهم ملكٌ في صورة آدمي؛ فجعلوه بينهم- أي: حكمًا - فقال: قيسوا ما بين الأرضين، فإلى أيهما كان أدنى؛ فهو له، فقاسوا فوجدوه أدنى إلى الأرض التي أراد؛ فقبضته ملائكة الرحمة))[9].

 

فانظر إلى حال هذا الرجل لمَا صُدَّ عن التوبة؛ كيف تمادى في غيِّه وقَتَل نفسًا أخرى بعد التسعة والتسعين، فأتمَّ قَتْل مائة نفس كاملة!

 

ثم انظر إليه لما أُعِين على التوبة وأُعلِم بأنَّ بابَها مفتوحٌ، لا يُغلَق ولا يُصَدُّ عنه أحَدٌ مهما اقترف من آثام، ما لم يُغرغر، وما لم تطلُعِ الشمسُ من مغربها؛ هنالك دخل باب التوبة النصوح إلى رحمة الرب الغفور، فتحرر من قبضة الشيطان، وتخلَّص من قيد المعصية، وحسنت حالُه، وسلم من شرِّ نفسِه الأمَّارة بالسوء، وسلم الخلق من شرِّه، وغفر الله له، وتاب عليه، ورزقه حسن الخاتمة، وأدخله الجنة، فأي عاقبة حسنة جميلة للتوبة إلى الله!

 

خاتمة:

• "الإصلاح" مقصدٌ جليلٌ من مقاصد التوبة إلى الله تعالى، وثمرة من ثمارها، وأثر من آثارها الدالة على صدقها وكمالها وتمامها.

 

• ومن تجلياته: إصلاح التائب باطنًا وظاهرًا، خلقًا وسيرةً؛ إذ تنقله التوبة من حال إلى حال أفضل وأسمى، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "التوبة المقبولة الصحيحة لها علامات، منها: أن يكون العبد بعد التوبة خيرًا ممَّا كان قبلها"[10].



[1] صحيح مسلم، رقم الحديث: 2702/42.

[2] اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان، رقم الحديث: 174.

[3] سنن الترمذي، رقم الحديث: 3540، وقال: حديث حسن.

[4] مدارج السالكين: 1/ 137، صحَّحه وخرَّج أحاديثه محمد عبدالله، دار التقوى، مصر، بدون تاريخ.

[5] الجواب الكافي، ابن القيم، ص100، المكتبة العصرية لبنان: 1424هــ ـ 2003م.

[6] حسنه الألباني في صحيح الجامع، رقم الحديث:1650.

[7] سنن الترمذي، رقم الحديث: 1987، وقال: حديث حسن.

[8] الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي، ص: 79، اعتنى به وراجعه: عبدالكريم الفضيلي، المكتبة العصرية، صيدا، بيروت، 1424هـ/2003م.

[9] صحيح البخاري3470، وصحيح مسلم 2766.

[10] كتاب التوبة، ص:30، شيخ الإسلام أحمد بن عبدالحليم بن تيمية، حقَّقَه واعتنى به: أبو عبدالرحمن فواز أحمد زمرلي، دار ابن حزم، بيروت ـ لبنان، ط1: 1425 ـ 2004م.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • وجوب التوبة إلى الله
  • إعانة العصاة على التوبة إلى الله
  • التوبة إلى الله تعالى وشروطها
  • خطبة عن التوبة إلى الله تعالى
  • كلمة عن التوبة إلى الله
  • الزلازل ووجوب التوبة إلى الله والاستقامة على دينه
  • لا تحسبن التوبة كلمة تقال أو حجرة عثرة متى شئت تقال
  • التوبة إلى الله جل جلاله (خطبة)
  • يا رياح التوبة هبي
  • التوبة إلى الله تعالى (خطبة)
  • ليعلم العباد مدى افتقارهم إلى الله تعالى
  • حكم إصلاح القاضي بين الخصمين
  • شروط التوبة
  • سنة التدافع بين الحق والباطل

مختارات من الشبكة

  • أنواع المقاصد باعتبار مدى الحاجة إليها(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مقاصد الشريعة الإسلامية في أحكام الأسرة والنكاح(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أنواع المقاصد باعتبار تعلقها بعموم الأمة وخصوص أفرادها(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أهمية مقاصد الزواج في تحقيق الأمن المجتمعي(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • مقاصد الصيام (2) مقاصد التربية (خطبة)(مقالة - ملفات خاصة)
  • مقاصد الزكاة وأثرها في أحكامها الشرعية: مقصد المواساة أنموذجا (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • مقاصد السيرة النبوية (1) مقاصد النسب الشريف للنبي صلى الله عليه وسلم(مقالة - آفاق الشريعة)
  • متن في المقاصد (غنية القاصد لعلم المقاصد) (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • المقاصد الجزئية والمقاصد الخاصة (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • بين (مقاصد الشريعة) و(مقاصد النفوس)!(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • بعد 3 سنوات أهالي كوكمور يحتفلون بإعادة افتتاح مسجدهم العريق
  • بعد عامين من البناء افتتاح مسجد جديد في قرية سوكوري
  • بعد 3 عقود من العطاء.. مركز ماديسون الإسلامي يفتتح مبناه الجديد
  • المرأة في المجتمع... نقاش مفتوح حول المسؤوليات والفرص بمدينة سراييفو
  • الذكاء الاصطناعي تحت مجهر الدين والأخلاق في كلية العلوم الإسلامية بالبوسنة
  • مسابقة للأذان في منطقة أوليانوفسك بمشاركة شباب المسلمين
  • مركز إسلامي شامل على مشارف التنفيذ في بيتسفيلد بعد سنوات من التخطيط
  • مئات الزوار يشاركون في يوم المسجد المفتوح في نابرفيل

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 19/12/1446هـ - الساعة: 23:20
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب