• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    الأضحية ... معنى التضحية في زمن الماديات
    محمد أبو عطية
  •  
    خطبة الجمعة ليوم عيد الأضحى
    عبدالوهاب محمد المعبأ
  •  
    صلاة العيد وبعض ما يتعلق بها من أحكام
    عبد رب الصالحين أبو ضيف العتموني
  •  
    وقفات مع عشر ذي الحجة (3)
    د. عبدالسلام حمود غالب
  •  
    خطبة: أهمية اللعب والترفيه للشباب
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    عيد الأضحى: فرحة الطاعة وبهجة القربى
    محمد أبو عطية
  •  
    كيف يعلمنا القرآن الكريم التعامل مع الضغط النفسي ...
    معز محمد حماد عيسى
  •  
    أحكام الأضحية (عشر مسائل في الأضاحي)
    د. شريف فوزي سلطان
  •  
    زيف الانشغال
    أ. د. عبدالله بن ضيف الله الرحيلي
  •  
    خطبة الجمعة في يوم الأضحى
    د. صغير بن محمد الصغير
  •  
    الأخذ بالأسباب المشروعة
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    يوم العيد وأيام التشريق (خطبة)
    الشيخ عبدالله بن محمد البصري
  •  
    المقصد الحقيقي من الأضحية
    عاقب أمين آهنغر (أبو يحيى)
  •  
    خطبة الأضحى 1446 هـ (إن الله جميل يحب الجمال)
    الشيخ عبدالله محمد الطوالة
  •  
    خطبة عيد الأضحى 1446هـ
    عبدالوهاب محمد المعبأ
  •  
    لبس البشت فقها ونظاما
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / التفسير وعلوم القرآن / عون الرحمن في تفسير القرآن
علامة باركود

تفسير قوله تعالى: (يا أيها الناس كلوا مما في الأرض حلالا طيبا)

تفسير قوله تعالى: (يا أيها الناس كلوا مما في الأرض حلالا طيبا)
الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 3/12/2022 ميلادي - 10/5/1444 هجري

الزيارات: 9750

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

تفسير قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا ﴾


قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ * وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ ﴾ [البقرة: 186، 171].

 

قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ﴾.

 

قوله: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ ﴾ «يا»: حرف نداء، وتصدير الخطاب بالنداء للتنبيه والعناية والاهتمام «أي»: منادى مبني على الضم في محل نصب؛ لأن المنادى مفعول به، و«ها» للتنبيه، و﴿ النَّاسُ﴾: صفة لـ«أي».

 

و﴿ النَّاسُ﴾ هم البشر «بنو آدم»، فالخطاب لجميع الناس مؤمنهم وكافرهم.

 

و﴿ النَّاسُ﴾ أصلها: الأناس، فحذفت الهمزة منها تخفيفًا؛ كما قال الشاعر:

إن المنايا يطلعن
على الأناس الآمنينا

وقد تقدم الكلام على اشتقاقه في أول السورة[1].

 

﴿ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ﴾ الأمر للإباحة، ﴿ مِمَّا﴾ مكونة من «مِن» التي لبيان الجنس و«ما» الموصولة التي تفيد العموم، أي: كلوا من كل الذي في الأرض، من زروع وثمار وبقول، وحيوان، وغير ذلك، كما قال تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ﴾ [البقرة: 29].

 

ويحتمل أن تكون «من» تبعيضية، أي: كلوا من بعض ما في الأرض، والأمر للوجوب فيما يحفظ النفس، وللندب، والإباحة فيما عدا ذلك.

 

﴿ حلالًا ﴾ حال من «ما» أي: حال كونه حلالًا، أي: حلالًا في كسبه، كما قال تعالى: ﴿ وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا ﴾ [البقرة: 275].

 

﴿ طيبًا ﴾ حال ثانية، أي: حال كونه طيبًا في ذاته وعينه، وفي هذا بيان علة تحليله، وهي كونه طيبًا في ذاته، تستطيبه النفوس، وليس بخبيث، كالميتة والدم المسفوح ولحم الخنزير، والخبائث كلها، مما يضر بالأبدان والعقول، قال تعالى: ﴿ قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ ﴾ [الأنعام: 145]، وقال تعالى في الخمر: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [المائدة: 90].

 

وفي قوله: ﴿ حلالًا ﴾ امتنان عليهم، كما أن فيه تعريضًا باعتداء المشركين وافترائهم في تحريم ما أحل الله كالبحيرة والسائبة والوصيلة والحام كما قال تعالى في معرض رده عليهم: ﴿ مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ ﴾ [المائدة: 103].

 

وقال تعالى: ﴿ وَقَالُوا هَذِهِ أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لَا يَطْعَمُهَا إِلَّا مَنْ نَشَاءُ بِزَعْمِهِمْ وَأَنْعَامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُهَا وَأَنْعَامٌ لَا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا افْتِرَاءً عَلَيْهِ سَيَجْزِيهِمْ بِمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ ﴾ [الأنعام: 138]، وقال تعالى: ﴿ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلَادَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا مَا رَزَقَهُمُ اللَّهُ افْتِرَاءً عَلَى اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ ﴾ [الأنعام: 140].

 

﴿ وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ﴾، أمر الله عز وجل الناس بالأكل مما في الأرض حلالًا طيبًا، ثم عطف على ذلك بنهيهم عن اتباع خطوات الشيطان في تحريم ما أحل الله لهم، وفي تزيين الكفر والشرك والمعاصي.

 

قرأ نافع وأبو عمرو وحمزة وخلف وأبو بكر عن عاصم بإسكان الطاء: «خُطْوات»، وقرأ الباقون بضمها: ﴿ خُطُوَاتِ ﴾، و«خطوات»: جمع: «خطوة»، وهي في الأصل ما بين قدمي الماشي.

 

أي: ولا تتبعون خطى الشيطان وطرقه ومسالكه ووساوسه وعمله وتزيينه فيما أضل به أتباعه من تحريم ما أحل الله كالبحيرة والسائبة والوصيلة والحام ونحو ذلك، وفيما يأمر به من الكفر والفسوق والظلم والعصيان كما قال تعالى: ﴿ وَمِنَ الْأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشًا كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ﴾ [الأنعام: 142]، وقال تعالى: ﴿ أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ﴾ [يس: 60].

 

وعن عياض بن حمار رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يقول الله تعالى: «كل مال نحلته عبدي حلال، وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم، وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم، وحرمت عليهم ما أحللت لهم، وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانًا...»[2].

 

و«أل» في ﴿ الشَّيْطَانَ﴾ للعهد، فيكون المراد إبليس لعنه الله، وهو أصل الشياطين ورأسهم، وقد تكون «ال» للجنس.

 

و﴿ الشَّيْطَانَ﴾ مشتق من شطن بمعنى بعد عن رحمة الله وعن كل الخير؛ ولهذا سمي إبليس؛ لأنه أبلس من رحمة الله - تعالى, وجنته.

 

وله أتباع من شياطين الإنس والجن، بل ومن الحيوانات، كما قال تعالى: ﴿ شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا ﴾ [الأنعام: 112].

 

وقال صلى الله عليه وسلم: «الكلب الأسود شيطان»[3].

 

﴿ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ﴾ الجملة تعليل للنهي السابق، أي: ﴿ وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ﴾؛ لأنه ﴿ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ﴾، و«إنَّ» للتوكيد، فيها توكيد شدة عداوة الشيطان للناس، و«العدو»: ضد «الولي»، كما قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ ﴾ [الممتحنة: 1].

 

والعدو من يحب لك الشر ويكره لك الخير، ومن يسر ويفرح بمساءتك وحزنك، ويغتم ويحزن بفرحك وسرورك.

 

﴿ مُبِينٌ ﴾: بيِّن العداوة ظاهرها، من «أبان» اللازم بمعنى «بان» أي: ظهر، كما قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ﴾ [البقرة: 208]، وقال تعالى: ﴿ إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ ﴾ [فاطر: 6]، وقال تعالى: ﴿ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا ﴾ [الكهف: 50].

 

وعداوته لبني آدم متأصلة وقديمة فهو عدو أبويهما الذي أخرجهما من الجنة، كما قال تعالى: ﴿ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ ﴾ [الأعراف: 22]، وقال تعالى: ﴿ يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾ [الأعراف: 27].

 

ولهذا فهو ساعٍ ما استطاع لإغواء بني آدم وإهلاكهم؛ كما قال تعالى: ﴿ قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ ﴾ [الأعراف: 16، 17]، وقال تعالى: ﴿ لَعَنَهُ اللَّهُ وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا * وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا * يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا ﴾ [النساء: 118 - 120].

 

وهو في المقابل ولي الكافرين، كما قال تعالى: ﴿ ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ ﴾ [الأعراف: 17]، وقال تعالى: ﴿ فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ ﴾ [الأعراف: 30]، وقال تعالى: ﴿ اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ [البقرة: 257].

 

قوله تعالى: ﴿ إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 169].

استئناف بيان وتعليل لما قبله؛ أي: بيان وتفصيل لخطوات الشيطان، وبيان سبب اعتباره عدوًا لنا.

 

قوله: ﴿ إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ﴾ «إنما»: أداة حصر، أي: ما يأمركم إلا بالسوء والفحشاء، أي: ما يأمركم الشيطان أيها الناس إلا بالسوء والفحشاء، كما قال تعالى: ﴿ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ﴾ [النور: 21].

 

و«السوء»: الشر، ويدخل في ذلك جميع المعاصي، وسمي ذلك بالسوء؛ لأنه يسوء صاحبه في الحال والمآل، وقد يسوء غيره، إما مباشرة إذا كان متعديًا، وإما مساءة غير مباشرة؛ لأن للذنوب والمعاصي آثارها السيئة العامة على البلاد والعباد.

 

كما قال تعالى: ﴿ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾ [الروم: 41]، وقال تعالى: ﴿ وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا ﴾ [فاطر: 45]، وقال تعالى: ﴿ وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ ﴾ [النحل: 61].

 

و«الفحشاء» معطوف على السوء من عطف الخاص على العام؛ لأن الفحشاء من السوء، وهي ما تناهى قبحه كالزنا والقذف والقتل وشرب الخمر والبخل ونحو ذلك، مما يستفحش في الشرع وعرف المسلمين، ولدى ذوي العقول السليمة والفطر المستقيمة.

 

ويحتمل أن يكون المراد بالسوء كل ما يسوء من المعاصي والذنوب الصغيرة «السيئات».

 

و«الفحشاء» المعاصي الكبيرة وما يستفحش في الشرع، وعرف المسلمين كالزنا ونحوه، قال تعالى: ﴿ إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا ﴾ [النساء: 31].

 

وقدم السوء وهو المعاصي الصغيرة لكثرة وقوع الإنسان فيها؛ ولأنها إذا اجتمعت وتراكمت تعظم وتكبر، وقد تؤدي إلى ارتكاب الكبائر؛ ولهذا قال ابن عباس رضي الله عنهما: «لا صغيرة مع الإصرار ولا كبيرة مع الاستغفار»[4].

 

﴿ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾، معطوف على قوله: ﴿ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ ﴾ من عطف الخاص على العام؛ لأنه داخل في السوء والفحشاء.

 

و«أن» والفعل بعدها في تأويل مصدر في محل جر، أي: والقول على الله ما لا تعلمون، و«ما»: موصولة، أو نكرة موصوفة.

 

والتقدير: ويأمركم بالقول على الله الذي لا تعلمون، أو شيئًا لا تعلمونه، بأن تنسبوا لله تعالى ما لا تعلمون أنه من عنده، وأن الله قاله أو أمر به، وذلك يعم القول على الله بلا علم في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله وأحكامه الكونية والشرعية من التحليل والتحريم والإيجاب وعدمه وغير ذلك.

 

وهو من أعظم المحرمات بل جعله الله في المرتبة العليا منها فقال تعالى: ﴿ قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [الأعراف: 33].

 

وقال تعالى: ﴿ وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [النحل: 116، 117].

 

قال السعدي[5]: «ومن أعظم القول على الله بلا علم أن يتأول المتأول كلامه أو كلام رسوله على معانٍ اصطلح عليها طائفة من طوائف الضلال، ثم يقول: إن الله أرادها، فالقول على الله من أكبر المحرمات وأشملها وأكبر طرق الشيطان التي يدعو إليها».

 

ومما ينبغي أن يعلم أن الشيطان قد يأمر بما ظاهره الخير أحيانًا؛ لتفويت خير أعظم من ذلك، أو للوصول إلى شر أعظم من ذلك.

 

قال ابن القيم[6]: «إن الشيطان قد يأمر بسبعين بابًا من أبواب الخير، إما ليتوصل بها إلى باب واحد من الشر، وإما ليفوت بها خيرًا أعظم من تلك السبعين بابًا وأجل وأفضل».

 

وقد قيل:

وقد يأمر الشيطان بالخير قاصدًا
وصولًا إلى باب من الشر أعظم

فكثير مما أحدث في الدين من الابتداع مما لم ينزل الله به من سلطان هو من قبيل تزيين الشيطان، فيجب الحذر من هذا، فإن الخير كل الخير في الاتباع، والشر كل الشر في الابتداع.

 

قوله تعالى: ﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ ﴾ [البقرة: 170].

 

أمر الله عز وجل الناس في الآيتين السابقتين بالأكل مما في الأرض حلالًا طيبًا ونهاهم عن اتباع خطوات الشيطان، وبيَّن لهم عداوته الظاهرة، وأنه لا يأمر إلا بالسوء والفاحشة والقول على الله بلا علم، ثم ذم عز وجل المشركين والكفار بمتابعتهم له بتقليد آبائهم من غير حجة.

 

قوله: ﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ﴾ أي: وإذا قيل لهؤلاء المشركين والكفار المتبعين لخطوات الشيطان ﴿ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ ﴾ «ما»: موصولة تفيد العموم، أي: اتبعوا جميع الذي أنزل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم اعتقادًا وقولًا وعملًا.

 

والذي أنزل الله يشمل الكتاب والسنة؛ لأن كلا منهما وحي من عند الله تعالى، كما قال تعالى: ﴿ وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ﴾ [النجم: 3، 4].

 

﴿ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا ﴾ «بل» للإضراب الإبطالي فأضربوا عن قول الرسول صلى الله عليه وسلم لهم: ﴿ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ ﴾، وأعرضوا عنه وأبطلوه بلا حجة إلا أنه مخالف لما عليه آباؤهم، ولهذا قالوا: ﴿ بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا ﴾ تعصبًا لآبائهم، وتقليدًا لهم.

 

و«ما» في قوله: ﴿ مَا أَلْفَيْنَا ﴾: موصولة، و﴿ مَا أَلْفَيْنَا ﴾: وجدنا، أي: بل نتبع الذي وجدنا عليه آباءنا وأجدادنا من الشرك وعبادة الأصنام والأنداد، والاعتقاد والقول والعمل حقًا كان أو باطلًا، كما قال تعالى عنهم: ﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ ﴾ [لقمان: 21]، وقال الله تعالى: ﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ ﴾ [المائدة: 104]، وقال تعالى: ﴿ بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ * وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ ﴾ [الزخرف: 22، 23].

 

وهذه شبهة واهية لرد الحق، ولهذا قال تعالى ردًّا عليهم:

﴿ أوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ ﴾ [البقرة: 170] كقوله تعالى في سورة المائدة: أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ} [المائدة: 104].

 

قوله: ﴿ أوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ ﴾ الهمزة للاستفهام والإنكار عليهم والتعجب من فعلهم، والواو للحال، أي: أيتبعون ما ألفوا عليه آباءهم والحال أن آباءهم ﴿ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا﴾؛ أي: لا يفهمون شيئًا.

 

و﴿ شَيْئًا ﴾: نكرة في سياق النفي فتعم أي شيء، أي: لا يعقلون ولا يفهمون ولا يعلمون أي شيء من أمر الدين، من معرفة الله عز وجل، ومعرفة ما ينفعهم في دينهم وآخرتهم.

 

فالعقل الذي لا شيء عندهم منه عقل الرشد الذي هو مناط المدح، أما عقل الإدراك الذي يعرفون به النافع والضار في أمر دنياهم فهو موجود لديهم، ولولاه سقط عنهم التكليف.

 

﴿ وَلَا يَهْتَدُونَ ﴾؛ أي: ولا يهتدون إلى شيء من العمل بما ينفعهم في أمر دينهم.

 

فانتفى عنهم الرشد في العلم بنفي العقل عنهم، وانتفى عنهم الرشد في العمل بنفي الهداية عنهم، فصار المعنى: أيتبعون آباؤهم ولو كان آباؤهم أجهل الخلق وأشدهم ضلالًا، لا يعقلون ولا يعلمون شيئًا من الدين، ولا يهتدون للعمل به لا بأنفسهم، ولا باتباع من يهديهم إلى الحق والصواب فيه.

 

قوله تعالى: ﴿ وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ ﴾ [البقرة: 171].

 

ذكر عز وجل في الآية السابقة رد المشركين قول من يدعوهم إلى اتباع ما أنزل الله، واستبدال ذلك بالتقليد الأعمى لآبائهم، ثم ذكر مثلهم في هذا، فقال: ﴿ وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾ الآية.

 

قوله: ﴿ وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾؛ أي: شبههم وصفتهم حين يُنادون ويُدعون إلى الإيمان، فيعرضون، ويتبعون ما عليه آباؤهم ﴿ كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ﴾؛ أي: كشبه وصفة الذي ﴿ يَنْعِقُ﴾ والنعيق: دعاء الراعي الغنم، أي: كمثل الراعي الذي يدعو وينادي.

 

﴿ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً﴾ «ما»: موصولة، أي: بالذي لا يسمع إلا دعاءً ونداءً، أي: بالغنم التي لا تسمع إلا دعاءه ونداءه، ولا تفقه من ذلك إلا مجرد سماع الصوت أو مجرد الدعاء والنداء لها من غير فهم لما يراد بها، فقد ينادي بها ويدعوها لنحرها وذبحها.

 

والفرق بين الدعاء والنداء أن الدعاء يكون لشيء معين باسمه كأن يسمي بعض البهائم ويدعوها بأسمائها، فتقبل، والنداء يكون للجميع.

 

والمعنى: ومثل الذين كفروا في عدم فهمهم من داعي الحق والإيمان إلا مجرد الصوت الذي تقوم به عليهم الحجة ولا ينتفعون بذلك كحال البهائم مع الناعق لها وبئس المثل، وصدق الله العظيم إذ يقول: ﴿ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [النحل: 60].

 

قال ابن كثير[7]: «﴿ وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾ أي: فيما هم فيه من الغي والضلال والجهل كالدواب السارحة التي لا تفقه ما يقال لها، بل إذا نعق بها راعيها، أي: دعاها على ما يرشدها، لا تفقه ما يقول ولا تفهمه، بل إنما تسمع صوته فقط».

 

وقيل المعنى: ومثل هؤلاء الكفار في دعائهم آلهتهم التي لا تفقه دعاءهم كمثل الذي ينعق بما لا يسمع من البهائم إلا أصواتًا مجردة، كما قال الخليل عليه السلام لأبيه: ﴿ إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا ﴾ [مريم: 42].

 

﴿ صُمٌّ﴾: خبر المبتدأ محذوف، أي: هم صم، و﴿ صُمٌّ﴾ جمع أصم، وهو الذي لا يسمع، أي: صم عن سماع الحق، فلا يسمعونه سماع فهم وانتفاع، كما قال تعالى: ﴿ وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا ﴾[الأعراف: 179]؛ أي: لا يسمعون بها سماع فهم وانتفاع.

 

﴿ بُكْمٌ ﴾: خبر ثان، وهو جمع «أبكم» وهو الذي لا ينطق، أي: بكم وخرس عن النطق بالحق والإقرار به.

 

﴿ عُمْيٌ﴾: خبر ثالث، وهو جمع، «أعمى» وهو الذي لا يبصر، أي: عُمي عن رؤية الحق والهدى فلا يبصرونه ولا يعقلونه.

 

﴿ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ ﴾ أي: لا ينتفعون بعقولهم، فكأنهم لا عقول لهم؛ لأن العقل عقلان؛ عقل هو مناط التكليف، وهذا موجود عندهم، ولولاه ما كلفوا، وعقل هو مناط المدح، وهو الذي ينتفع به صاحبه، فيحمله على فعل الخير ويحجزه عن الشر، كما قال تعالى: ﴿ هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ ﴾ [الفجر: 5]؛ أي: لذي عقل يحجر صاحبه عما لا ينبغي.

 

وهذا هو العقل الذي نفاه الله عنهم، كما نفى عنهم قبل ذلك السمع والبصر، وهما وسيلتا وصول العلم إلى العقل، ونفى عنهم النطق، وهو وسيلة الإقرار بالحق وإعلانه.

 

فشبههم في تقليدهم الأعمى لآبائهم بالبهائم التي تتبع صوت دعاء ونداء الراعي، بلا فهم ولا عقل، فتسير وراءه، حتى لو كان يقودها لحتفها، كما قال الشاعر:

والناس في غفلة عما يراد بهم كأنهم غنم في بيت جزار[8]



[1] عند تفسير قول الله تعالى: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آَمَنَّا بِاللَّهِ ﴾ [الآية: 8].

[2] أخرجه مسلم في الجنة وصفة نعيمها وأهلها (2865).

[3] سبق تخريجه.

[4] أخرجه الطبري في «جامع البيان» (8/ 245)- الأثر (9207) تحقيق شاكر.

[5] في «تيسير الكريم الرحمن» (1/ 200).

[6] انظر: «بدائع التفسير» (5/ 458)، «التفسير القيّم» ص(613).

[7] في «تفسيره» (1/ 293).

[8] انظر: «الأمثال الواردة» ص (436).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • تفسير قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون)
  • تفسير قوله تعالى: (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد افترى إثما عظيما)
  • تفسير قوله تعالى: (وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك وليأخذوا أسلحتهم)
  • تفسير قوله تعالى: (قال رب إني لا أملك إلا نفسي وأخي فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين)
  • تفسير قوله تعالى: (من يصرف عنه يومئذ فقد رحمه وذلك الفوز المبين)
  • تفسير قوله تعالى: كذبت ثمود بالنذر
  • تفسير قوله تعالى: {ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم}
  • كلوا مما في الأرض حلالا طيبا (خطبة)

مختارات من الشبكة

  • تفسير: (يا أيها الناس كلوا مما في الأرض حلالا طيبا...)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • فوائد وأحكام من قوله تعالى: {يا أيها الناس كلوا مما في الأرض حلالا طيبا}(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير: (ومن الأنعام حمولة وفرشا كلوا مما رزقكم الله)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير آية: {يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم}(مقالة - موقع الشيخ عبد القادر شيبة الحمد)
  • تفسير: (يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير: (كلوا من طيبات ما رزقناكم ولا تطغوا فيه فيحل عليكم غضبي)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير: (كلوا وارعوا أنعامكم إن في ذلك لآيات لأولي النهى)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير: (يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم...)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • غرائب وعجائب التأليف في علوم القرآن (13)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مفسر وتفسير: ناصر الدين ابن المنير وتفسيره البحر الكبير في بحث التفسير (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • بعد عامين من البناء افتتاح مسجد جديد في قرية سوكوري
  • بعد 3 عقود من العطاء.. مركز ماديسون الإسلامي يفتتح مبناه الجديد
  • المرأة في المجتمع... نقاش مفتوح حول المسؤوليات والفرص بمدينة سراييفو
  • الذكاء الاصطناعي تحت مجهر الدين والأخلاق في كلية العلوم الإسلامية بالبوسنة
  • مسابقة للأذان في منطقة أوليانوفسك بمشاركة شباب المسلمين
  • مركز إسلامي شامل على مشارف التنفيذ في بيتسفيلد بعد سنوات من التخطيط
  • مئات الزوار يشاركون في يوم المسجد المفتوح في نابرفيل
  • مشروع إسلامي ضخم بمقاطعة دوفين يقترب من الموافقة الرسمية

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/12/1446هـ - الساعة: 9:5
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب