• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    عقيدة الحافظ ابن عبد البر في صفات الله تعالى
    أبو عاصم البركاتي المصري
  •  
    غياب الشورى.. وأثره في تفكك البيوت وضعف المجتمعات ...
    د. مراد باخريصة
  •  
    مشاركة الصحابيات في أعمال دولة النبي صلى الله ...
    د. عبدالله بن يوسف الأحمد
  •  
    الطريق إلى معرفة ما دعا إليه رسول الله صلى الله ...
    محمد بن عبدالله العبدلي
  •  
    التوحيد: روح العبادة وأساس قبولها (خطبة)
    د. صغير بن محمد الصغير
  •  
    الإيمان بالكتب وثمراته (خطبة)
    الشيخ محمد بن إبراهيم السبر
  •  
    الكسب الحلال (خطبة)
    عبدالعزيز محمد مبارك أوتكوميت
  •  
    تفسير قوله تعالى: {إن الذين تولوا منكم يوم التقى ...
    سعيد مصطفى دياب
  •  
    الحديث الثالث: الرفق في الأمور كلها
    الدكتور أبو الحسن علي بن محمد المطري
  •  
    طاعة الزوج من طاعة المعبود، فهل أديت العهد ...
    حسام الدين أبو صالحة
  •  
    خطبة: اسم الله الحليم
    رمضان صالح العجرمي
  •  
    أسباب البركة في المال
    رمضان صالح العجرمي
  •  
    خطبة: فضل العناية باليتيم
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    من أقوال السلف في الحسبلة "حسبي الله ونعم الوكيل"
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
  •  
    يوم الحسرة (خطبة)
    الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل
  •  
    هضم النفس في ذات الله (خطبة)
    د. محمد بن عبدالله بن إبراهيم السحيم
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / السيرة والتاريخ
علامة باركود

الخليل عليه السلام (1) (ملة إبراهيم حنيفا)

الخليل عليه السلام (1) (ملة إبراهيم حنيفا)
الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 16/12/2020 ميلادي - 2/5/1442 هجري

الزيارات: 24809

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الخليل عليه السلام (1)

﴿ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا ﴾

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ؛ أَنَارَ الطَّرِيقَ لِلسَّالِكِينَ، وَأَقَامَ حُجَّتَهُ عَلَى الْعَالَمِينَ، فَاهْتَدَى بِهُدَاهُ أَهْلُ الْيَقِينِ، وَأَعْرَضَ عَنْهُ أَهْلُ التَّكْذِيبِ، وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُجْزَى الْعِبَادُ بِأَعْمَالِهِمْ، نَحْمَدُهُ كَمَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُحْمَدَ، وَنَشْكُرُهُ فَقَدْ تَأَذَّنَ بِالزِّيَادَةِ لِمَنْ شَكَرَ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ تَفَرَّدَ بِالْجَلَالِ وَالْجَمَالِ وَالْكَمَالِ، وَتَنَزَّهَ عَنِ الْأَشْبَاهِ وَالْأَمْثَالِ وَالْأَنْدَادِ؛ فَلَا رَبَّ يُعْبَدُ بِحَقٍّ سِوَاهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ جَدَّدَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ الْحَنِيفِيَّةَ إِذْ دَرَسَتْ، وَأَزَالَ بِهِ أَوْضَارَ الْوَثَنِيَّةِ حِينَ انْتَشَرَتْ؛ فَتَمَّتْ بِهِ النِّعْمَةُ، وَكَمُلَتْ بِهِ الْمِنَّةُ، وَأُقِيمَتْ بِهِ الْمِلَّةُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، وَأَسْلِمُوا لَهُ وُجُوهَكُمْ، وَأَخْلِصُوا لَهُ أَعْمَالَكُمْ، وَتَمَسَّكُوا بِدِينِكُمْ؛ فَإِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ، وَسَبَبُ نَجَاتِكُمْ فِي آخِرَتِكُمْ ﴿ وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [الزُّمَرِ: 61].

 

أَيُّهَا النَّاسُ: يَكْثُرُ فِي الْقُرْآنِ ذِكْرُ أَبِي الْأَنْبِيَاءِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، بِذِكْرِ سِيرَتِهِ مَعَ الْمُشْرِكِينَ، وَمُنَاظَرَاتِهِ لِلضَّالِّينَ، وَذِكْرِ أَوْصَافِهِ وَأَفْعَالِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ، حَتَّى كُرِّرَ ذِكْرُهُ صَرَاحَةً أَوْ إِشَارَةً فِي نَحْوٍ مِنْ ثَلَاثِينَ سُورَةً مِنْ سُوَرِ الْقُرْآنِ، وَفِي أَكْثَرَ مِنْ ثَمَانِينَ مَوْضِعًا، وَسَبَبُ ذَلِكَ -وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى- أَنَّهُ كَانَ إِمَامَ الْحُنَفَاءِ؛ وَلِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمَتَّهُ أُمِرُوا بِاتِّبَاعِ مِلَّتِهِ الَّتِي هِيَ الْحَنِيفِيَّةُ. وَهِيَ أَكْثَرُ وَصْفٍ وُصِفَ بِهِ الْخَلِيلُ فِي الْقُرْآنِ؛ مِمَّا يُحَتِّمُ عَلَى أَهْلِ الْإِيمَانِ وَالْقُرْآنِ مَعْرِفَةَ الْحَنِيفِيَّةِ، وَفَهْمَ الْآيَاتِ الْقُرْآنِيَّةِ الَّتِي وَرَدَ فِيهَا هَذَا الْوَصْفُ الْعَظِيمُ.

 

وَفِي اللُّغَةِ: «أَنَّ الْحَنَفَ: هُوَ مَيْلٌ عَنِ الضَّلَالِ إِلَى الِاسْتِقَامَةِ، وَالْجَنَفَ: مَيْلٌ عَنِ الِاسْتِقَامَةِ إِلَى الضَّلَالِ».

 

وَالْخَلِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ ابْتُلِيَ بِعَصْرٍ كَثُرَ فِيهِ الضَّلَالُ وَالِانْحِرَافُ، وَتَعَدَّدَتْ فِيهِ الْأَدْيَانُ الشِّرْكِيَّةُ؛ كَعِبَادَةِ الْأَصْنَامِ، وَعِبَادَةِ الْكَوَاكِبِ، وَابْتُلِيَ بِمَلِكٍ ادَّعَى الرُّبُوبِيَّةَ مِنْ دُونِ اللَّهِ تَعَالَى، فَمَالَ الْخَلِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَنْ كُلِّ هَذِهِ الْأَدْيَانِ إِلَى عِبَادَةِ الْوَاحِدِ الدَّيَّانِ. وَالْعَرَبُ فِي جَاهِلِيَّتِهِمْ بَقِيَ فِيهِمْ شَيْءٌ مِنْ شَعَائِرِ الْحَنِيفِيَّةِ لَكِنَّهُمْ لَوَّثُوهَا بِشِرْكِهِمْ، قَالَ الزَّجَّاجُ: «الْحَنِيفُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ مَنْ كَانَ يَحُجُّ الْبَيْتَ، وَيَغْتَسِلُ مِنَ الْجَنَابَةِ، وَيَخْتَتِنُ، فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَامُ كَانَ الْحَنِيفُ: الْمُسْلِمَ، لِعُدُولِهِ عَنِ الشِّرْكِ». وَجَاءَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَيُّ الْأَدْيَانِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ؟ قَالَ: الْحَنِيفِيَّةُ السَّمْحَةُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ. يَعْنِي: «شَرِيعَةَ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ؛ لِأَنَّهُ تَحَنَّفَ عَنِ الْأَدْيَانِ، وَمَالَ إِلَى الْحَقِّ».

 

وَبِهَذَا نَعْلَمُ أَنَّ الْحَنِيفِيَّةَ هِيَ مِلَّةُ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَأَنَّهَا الْمَيْلُ عَنِ الشِّرْكِ إِلَى التَّوْحِيدِ، وَالِانْقِيَادُ لِلَّهِ تَعَالَى بِامْتِثَالِ أَمْرِهِ وَاجْتِنَابِ نَهْيِهِ، وَالْوَلَاءُ لَهُ سُبْحَانَهُ وَلِأَتْبَاعِ دِينِهِ، وَالْبَرَاءَةُ مِنَ الشِّرْكِ وَالْمُشْرِكِينَ، وَهُوَ مَا فَعَلَهُ الْخَلِيلُ مَعَ قَوْمِهِ، فَجَعَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى أُسْوَةً حَسَنَةً لِلْحُنَفَاءِ فِي كُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ؛ كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿ قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ ﴾ [الْمُمْتَحَنَةِ: 4].

 

وَالْحَنِيفِيَّةُ مِلَّةُ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، ذُكِرَتْ فِي الْقُرْآنِ عَشْرَ مَرَّاتٍ فِي مَقَامَاتٍ عِدَّةٍ، قُرِّرَ بِهَا التَّوْحِيدُ، وَدُحِضَ بِهَا التَّنْدِيدُ، فَذُكِرَتْ فِي مَقَامِ مُنَاظَرَةِ الْخَلِيلِ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِعُبَّادِ الْكَوَاكِبِ؛ إِذْ خَتَمَ مُنَاظَرَتَهُ بِتَقْرِيرِ التَّوْحِيدِ، وَالْبَرَاءَةِ مِنَ الشِّرْكِ، فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: ﴿ إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ [الْأَنْعَامِ: 79]؛ وَلِذَا أَثْنَى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ، وَجَعَلَهُ أُمَّةً مَعَ أَنَّهُ وَاحِدٌ، وَلَكِنْ لِثَبَاتِهِ عَلَى التَّوْحِيدِ، وَدَحْضِهِ الشِّرْكَ ﴿ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ [النَّحْلِ: 120].

 

وَلَمَّا بُعِثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ دِينُهُ هُوَ الْحَنِيفِيَّةَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ، وَكُلُّ مَا خَرَجَ عَنْ دِينِهِ فَهُوَ خَارِجٌ عَنِ الْحَنِيفِيَّةِ؛ وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْتِزَامِهَا ﴿ ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ [النَّحْلِ: 123]، وَفِي آيَةٍ ثَانِيَةٍ: ﴿ قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ [آلِ عِمْرَانَ: 95]، وَفِي ثَالِثَةٍ: ﴿ قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ [الْأَنْعَامِ: 161]، وَفِي رَابِعَةٍ: ﴿ وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ [يُونُسَ: 105].

 

كُلُّهَا أَوَامِرُ رَبَّانِيَّةٌ وَاضِحَةٌ حَازِمَةٌ حَاسِمَةٌ لَا تَقْبَلُ التَّأْوِيلَ وَلَا التَّحْرِيفَ بِاتِّبَاعِ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ الَّتِي هِيَ التَّوْحِيدُ، وَأَنَّهَا هِيَ الدِّينُ الْوَحِيدُ الَّذِي يَقْبَلُهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ عِبَادِهِ، وَأَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أُمِرَ بِالْتِزَامِهَا وَالدَّعْوَةِ إِلَيْهَا، فَالْتَزَمَ بِهَا، وَدَعَا إِلَيْهَا، وَقَاتَلَ الْمُشْرِكِينَ عَلَيْهَا، فَكَانَتْ هِيَ الْحَقَّ، وَكَانَ مَا عَدَاهَا بَاطِلًا.

 

وَذُكِرَتِ الْحَنِيفِيَّةُ فِي مَقَامِ بَيَانِ زَيْفِ الْيَهُودِيَّةِ وَالنَّصْرَانِيَّةِ الْمُحَرَّفَتَيْنِ، وَأَنَّهُمَا لَيْسَتَا مِنَ الْحَنِيفِيَّةِ، وَلَا مِنْ دِينِ مُوسَى وَعِيسَى عَلَيْهِمَا السَّلَامُ، بَلْ هُمَا دِيَانَتَانِ مُبَدَّلَتَانِ مُحَرَّفَتَانِ، يَبْرَأُ مِنْهُمَا إِبْرَاهِيمُ وَمُوسَى وَعِيسَى عَلَيْهِمُ السَّلَامُ ﴿ وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 135- 136]، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ دِينَ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ وَاحِدٌ، وَهُوَ الْحَنِيفِيَّةُ السَّمْحَةُ، وَهِيَ الْإِسْلَامُ الَّذِي بَلَّغَهُ مُحَمَّدٌ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، كَمَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مُوسَى وَعِيسَى عَلَيْهِمَا السَّلَامُ كَانَا عَلَى الْحَنِيفِيَّةِ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَأَنَّهُمَا بَرِيئَانِ مِمَّا حَرَّفَهُ عُلَمَاءُ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ أَدْيَانِهِمْ وَكُتُبِهِمْ.

 

وَلَمَّا حَاوَلَ أَهْلُ الْكِتَابِ الِانْتِسَابَ لِلْخَلِيلِ عَلَيْهِ السَّلَامُ نَفَى اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ، وَبَيَّنَ سُبْحَانَهُ أَنَّ أَتْبَاعَهُ هُمْ مَنْ كَانُوا عَلَى مِلَّتِهِ الْحَنِيفِيَّةِ، وَهُمُ الْمُسْلِمُونَ فَقَطْ ﴿ مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ* إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [آلِ عِمْرَانَ: 67 - 68]. نَعَمْ... الْمُسْلِمُونَ هُمْ أَوْلَى النَّاسِ بِالْخَلِيلِ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَأَوْلَاهُمْ بِمُوسَى وَعِيسَى وَبِسَائِرِ الرُّسُلِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ؛ لِأَنَّهُمْ تَمَسَّكُوا بِالْحَنِيفِيَّةِ الَّتِي بَلَّغَهَا جَمِيعُ الرُّسُلِ، وَلَمْ يَحِيدُوا عَنْهَا إِلَى الشِّرْكِ وَالضَّلَالِ، وَلَمْ يُغَيِّرُوهَا بِإِفْكٍ وَإِثْمٍ وَافْتِرَاءٍ، بَلْ لَزِمُوهَا وَالْتَزَمُوا بِهَا، وَدَعَوُا النَّاسَ إِلَيْهَا، وَتَوَاصَوْا فِيمَا بَيْنَهُمْ بِهَا، وَصَبَرُوا عَلَى الْأَذَى فِيهَا؛ فَلَهُمُ النَّصْرُ فِي الدُّنْيَا، وَالْفَوْزُ الْأَكْبَرُ فِي الْآخِرَةِ ﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا ﴾ [النِّسَاءِ: 125].

 

وَأَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ...

 

الخطبة الثانية

الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوهُ ﴿ وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 281].

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: كَانَتِ الْحَنِيفِيَّةُ أَبْرَزَ صِفَةٍ اتَّصَفَ الْخَلِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِهَا، وَأَمْضَى حَيَاتَهُ كُلَّهَا يَدْعُو إِلَيْهَا، وَحَطَّمَ الْأَصْنَامَ لِإِقَامَتِهَا، وَنَاظَرَ الْمُشْرِكِينَ لِإِثْبَاتِهَا، وَأُلْقِيَ فِي النَّارِ بِسَبَبِهَا، وَفَارَقَ قَوْمَهُ لِأَجْلِهَا، وَهَاجَرَ لِلَّهِ تَعَالَى يَدْعُو إِلَيْهَا، وَهِيَ أَكْثَرُ شَيْءٍ أَثْنَى اللَّهُ تَعَالَى عَلَى الْخَلِيلِ بِهَا. وَلَا عَجَبَ فِي ذَلِكَ؛ فَإِنَّ الْبَشَرَ مَا خُلِقُوا إِلَّا لِأَجْلِهَا ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ [الذَّارِيَاتِ: 56]، وَلَا خُلِقَتِ الْجَنَّةُ إِلَّا ثَوَابًا لِمَنْ قَامَ بِهَا، وَلَا خُلِقَتِ النَّارُ إِلَّا عِقَابًا لِمَنْ أَعْرَضَ عَنْهَا.

 

إِنَّهَا الْحَنِيفِيَّةُ دِينُ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ الَّتِي فَطَرَ اللَّهُ تَعَالَى الْبَشَرَ عَلَيْهَا ﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [الرُّومِ: 30]. وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْحَدِيثِ الْقُدْسِيِّ: «... إِنِّي خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ كُلَّهُمْ، وَإِنَّهُمْ أَتَتْهُمُ الشَّيَاطِينُ فَاجْتَالَتْهُمْ عَنْ دِينِهِمْ، وَحَرَّمَتْ عَلَيْهِمْ مَا أَحْلَلْتُ لَهُمْ، وَأَمَرَتْهُمْ أَنْ يُشْرِكُوا بِي مَا لَمْ أُنْزِلْ بِهِ سُلْطَانًا» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

 

تِلْكَ هِيَ الْحَنِيفِيَّةُ مِلَّةُ أَبِينَا إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ الَّتِي اخْتَارَهَا اللَّهُ تَعَالَى دِينًا لِخَلْقِهِ، وَسَتَبْقَى إِلَى آخِرِ الزَّمَانِ، وَتَتَأَبَّى عَلَى الْمَحْوِ وَالْإِزَالَةِ، وَتَسْتَعْصِي عَلَى التَّحْرِيفِ وَالتَّبْدِيلِ، فَمَنْ رَامَ تَغْيِيرَهَا، أَوِ التَّعْدِيلَ عَلَيْهَا، أَوْ خَلَطَ غَيْرَهَا بِهَا، أَوْ جَمَعَهَا بِمَا يُعَارِضُهَا؛ فَإِنَّمَا يُحَارِبُ اللَّهَ تَعَالَى فِي دِينِهِ، وَيُنَاكِفُهُ فِي شِرْعَتِهِ، وَلَنْ يَسْتَطِيعَ تَغْيِيرَ قَدَرِهِ وَلَا دِينِهِ، وَغَايَةُ أَمْرِهِ أَنَّهُ يَوْبِقُ نَفْسَهُ، وَيَضُرُّ مَنْ تَبِعُوهُ فِي ضَلَالِهِ، وَقَدْ جَاءَ فِي حَدِيثِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ: «إِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي أَنْ أَقْرَأَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ، فَقَرَأَ عَلَيْهِ: ﴿ لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾ [الْبَيِّنَةِ: 1]، وَقَرَأَ فِيهَا: إِنَّ ذَاتَ الدِّينِ الْقَيِّمِ عِنْدَ اللَّهِ الْحَنِيفِيَّةُ، غَيْرُ الْمُشْرِكَةِ وَلَا الْيَهُودِيَّةِ وَلَا النَّصْرَانِيَّةِ، وَمَنْ يَفْعَلْ خَيْرًا فَلَنْ يُكْفَرَهُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.

 

فَتَمَسَّكُوا بِالْحَنِيفِيَّةِ السَّمْحَةِ الَّتِي بَلَّغَهَا أَبُونَا إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَتَبِعَهُ سَائِرُ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهَا، وَجَدَّدَهَا نَبِيُّنَا أَبُو الْقَاسِمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَرَبُّوا عَلَيْهَا أَوْلَادَكُمْ؛ فَإِنَّ الْفَوْزَ الْأَكْبَرَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَعْقُودٌ بِهَا.

 

وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ...





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الخليل إبراهيم وأرض الموعد
  • قصة الخليل إبراهيم وشيء من عبرها (1)
  • قصة الخليل إبراهيم وشيء من عبرها (2)
  • الخليل عليه السلام (2)
  • الخليل عليه السلام (3) (إن إبراهيم كان أمة قانتا لله)
  • الخليل عليه السلام (4) ﴿ جاء ربه بقلب سليم ﴾
  • الخليل عليه السلام (5) تغيير دين الخليل
  • الخليل عليه السلام (6) {إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه}
  • الخليل عليه السلام (7) ﴿ وإذ يرفع إبراهيم القواعد من الببت ﴾
  • الخليل عليه السلام (9): { ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه }
  • الخليل عليه السلام (10) {وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر أتتخذ أصناما آلهة}
  • الخليل عليه السلام (11) {ولقد جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى}

مختارات من الشبكة

  • هل كان والد إبراهيم الخليل كافرا؟ وهل آزر هو والد إبراهيم؟ وهل أسلم أبو طالب؟ (PDF)(كتاب - آفاق الشريعة)
  • الخليل عليه السلام (8): {وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن} (خطبة)(مقالة - موقع الشيخ إبراهيم بن محمد الحقيل)
  • الصفات التي اتصف بها إبراهيم الخليل -عليه السلام-(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • الخليل إبراهيم عليه السلام في الكتاب والسنة: دعوته وهجراته ورد شبه المستشرقين(رسالة علمية - مكتبة الألوكة)
  • الخليل إبراهيم عليه السلام في الكتاب والسنة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • إن إبراهيم كان أمة (يقين الخليل وتمكنه في عبادة ربه)(محاضرة - مكتبة الألوكة)
  • قصة الخليل إبراهيم وشيء من عبرها (3)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • حرص إبراهيم الخليل على أن يسلك أهله مسلكه في الطاعة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مناظرة إبراهيم الخليل للنمرود(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • ثناء النبي الكريم على الخليل إبراهيم(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • طلاب مدينة مونتانا يتنافسون في مسابقة المعارف الإسلامية
  • النسخة العاشرة من المعرض الإسلامي الثقافي السنوي بمقاطعة كيري الأيرلندية
  • مدارس إسلامية جديدة في وندسور لمواكبة زيادة أعداد الطلاب المسلمين
  • 51 خريجا ينالون شهاداتهم من المدرسة الإسلامية الأقدم في تتارستان
  • بعد ست سنوات من البناء.. افتتاح مسجد أوبليتشاني في توميسلافغراد
  • مدينة نازران تستضيف المسابقة الدولية الثانية للقرآن الكريم في إنغوشيا
  • الشعر والمقالات محاور مسابقة "المسجد في حياتي 2025" في بلغاريا
  • كوبريس تستعد لافتتاح مسجد رافنو بعد 85 عاما من الانتظار

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 4/3/1447هـ - الساعة: 16:0
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب