الدعوة إلى العلم

الدعوة إلى العلم

(المحصول الجامع لشروح ثلاثة الأصول)

الشرح الإجمالي:

المسألة (الثالثة) من المسائل الأربع التي يجب علينا تعلمها: أن العبد إذا منَّ الله عليه وحصَّل علمًا، وعمل بالعلم، فعليه بـ (الدعوة إليه)؛ أي: الدعوة إلى العلم الذي تعلَّمه[1]، والمراد الدعوة إلى الله؛ لأنه لا يوصل إلى الله إلا العلم[2].

الشرح التفصيلي:

قال المصنف: (الثالثة: الدعوة إليه): أي: الدعوة إلى ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم من شريعة الله تعالى[3]، وهذا يتضمن الدعوة إلى دين الإسلام[4]؛ فإذا حصل للمكلف بتوفيق الله العلم بدين الإسلام، والعمل به، فيجب عليه السعي في الدعوة إليه[5].

وقيل: الضمير في قوله: (الدعوة إليه) يعود إلى المتقدم من العلم والعمل[6]؛ أي: الدعوة إلى العلم والعمل به[7]؛ وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم أرسله الله بالهدى ودين الحق، والهدى هو العلم النافع، ودين الحق هو العمل الصالح، وإليهما دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدعا إلى العلوم النافعة، ودعا إلى الأعمال الصالحة التي هي ثمرة العلم، فقوله: (الدعوة إليه) يعود إلى الأمرين المتقدمين[8].

وقيل المقصود بقوله: (الدعوة إليه): الدعوة إلى العمل بالعلم[9].

والأظهر أن المراد بقوله: (الدعوة إليه)؛ أي: الدعوة إلى العلم، والمراد بها الدعوة إلى الله تعالى؛ لأنه لا يوصل إلى الله تعالى إلا العلم، فمن دعا إلى الله تعالى وفق المنهج النبوي فإنما يدعو إلى العلم [10].

وإذا قلنا إن الضمير في قوله: (إليه): يعود إلى العلم، فإن هذا يتضمن الدعوة إلى المذكور من المعارف الثلاث، فيشمل الدعوة إلى: معرفة الله، ومعرفة رسوله، ومعرفة دين الإسلام؛ لأن العلم شرعًا مشتمل على المعارف الثلاث التي تقدمت، فالداعي إلى العلم يدعو إلى الله تعالى أصالة، وإلى النبي صلى الله عليه وسلم، ودين الإسلام تبعًا، فمن دعا إلى العلم وفق خطاب الشرع، فإنه يدعو إلى الله تعالى؛ لأن العلم مرده للمعارف الثلاث، وأسها المعظم ورأسها المقدم معرفة الله، فتقدير الجملة (الدعوة إليه)؛ أي: الدعوة إلى الله تعالى[11]، والدعوة إلى الله شرعًا هي: طلب الناس كافة إلى اتباع سبيل الله تعالى على بصيرة [12].

والدعوة قد تكون بالمقال، وقد تكون بالفعال؛ لأن الامتثال بالفعل دعوة، فإذا امتثل المسلم لما أُمر به، فإن هذا يجعله يرشد غيره إرشادًا صامتًا إلى أن هذا الفعل مطلوب.

وأما الدعوة بالقول باللسان، فقد تكون واجبة، وقد تكون مستحبة، فيتفرع عن الدعوة باللسان أنواع منها: الدعوة بالكتابة بالقلم في تأليف، أو في رسائل ونحو ذلك، ومنها النصائح المختلفة، والمواعظ، ونحو ذلك[13].

ولا بد لهذه الدعوة من علم بشريعة الله عز وجل حتى تكون الدعوة عن علم وبصيرة، فإذا عرف الإنسان معبوده، ونبيه، ودينه، ومنَّ الله عليه بالتوفيق لذلك؛ فإن عليه السعي في إنقاذ إخوانه بدعوتهم إلى الله عز وجل[14].

وأعلى مراتب الدعوة: الدعوة إلى التوحيد ونفي الشرك، فإنه ما من نبي بُعث إلى قومه إلا ودعاهم إلى طاعة الله وإفراده بالعبادة، ونهاهم عن الشرك ووسائله وذرائعه، ثم يبدأ الداعية بعد ذلك بالأهم فالأهم من شرائع الإسلام [15].