• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    خطبة عيد الأضحى لعام 1446هـ
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    وقفات مع عشر ذي الحجة (4)
    د. عبدالسلام حمود غالب
  •  
    العيد في زمن الغفلة... رسالة للمسلمين
    محمد أبو عطية
  •  
    الأضحية ... معنى التضحية في زمن الماديات
    محمد أبو عطية
  •  
    خطبة الجمعة ليوم عيد الأضحى
    عبدالوهاب محمد المعبأ
  •  
    صلاة العيد وبعض ما يتعلق بها من أحكام
    عبد رب الصالحين أبو ضيف العتموني
  •  
    وقفات مع عشر ذي الحجة (3)
    د. عبدالسلام حمود غالب
  •  
    خطبة: أهمية اللعب والترفيه للشباب
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    عيد الأضحى: فرحة الطاعة وبهجة القربى
    محمد أبو عطية
  •  
    كيف يعلمنا القرآن الكريم التعامل مع الضغط النفسي ...
    معز محمد حماد عيسى
  •  
    أحكام الأضحية (عشر مسائل في الأضاحي)
    د. شريف فوزي سلطان
  •  
    زيف الانشغال
    أ. د. عبدالله بن ضيف الله الرحيلي
  •  
    خطبة الجمعة في يوم الأضحى
    د. صغير بن محمد الصغير
  •  
    الأخذ بالأسباب المشروعة
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    يوم العيد وأيام التشريق (خطبة)
    الشيخ عبدالله بن محمد البصري
  •  
    المقصد الحقيقي من الأضحية
    عاقب أمين آهنغر (أبو يحيى)
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / النصائح والمواعظ
علامة باركود

حال الدنيا

حال الدنيا
أ.د. عبدالحكيم الأنيس

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 13/7/2017 ميلادي - 19/10/1438 هجري

الزيارات: 17864

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

حال الدنيا

 

(كنتُ أقيّد ما يمرُّ بي في أثناء النظر في الكتب ما يتعلق بحال الدنيا وتقلُّبها، ثم رأيتُ الحافظ ابن رجب -رحمه الله- قد أورد كلامًا رائعًا في ذلك في كتابه "لطائف المعارف فيما لمواسم العام من الوظائف"، ولعله أفاد فيه من ابن الجوزي - رحمه الله -، فأحببتُ إفرادَه والتنبيهَ عليه، ولفتَ النظرِ إليه.

وهذا هو الفصل المراد، مضبوطًا، مُفقّرًا، مفصولًا بين نقولاته؛ لتُقرأ براحةٍ ويُتأمّلَ فيها، مُعلقًا عليه تعليقات يسيرة.

وأدعو مَنْ يقرأه أن يُضيفَ إليه، ويزيدَ عليه، مما قرأ، أو رأى، أو سمع.

نبّهنا اللهُ مِنْ رقدة الغافلين، وجعلنا من الـمُتّعظين.

وجزى اللهُ ابنَ رجب خيرَ الجزاء على هذا الجمع المفيد، والتوجيه السديد).


قال رحمه الله:

"وفي القرآن نظيرُ هذا وهو التعريضُ بذمِّ الدنيا وفنائِها، مع مدح الآخرة وذكرِ كمالها وبقائِها، كما قال تعالى: ﴿ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ * قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ ﴾[آل عمران: 14، 15].

 

وقال اللهُ تعالى: ﴿ إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا ﴾ [يونس: 24] الآية ثم قال: ﴿ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ [يونس: 25، 26].

 

وقال اللهُ تعالى: ﴿ وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ ﴾ [العنكبوت: 64] الآية.

وقال اللهُ تعالى: ﴿ وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا * الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا ﴾.

 

وقال اللهُ تعالى: ﴿ اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ﴾ [الحديد: 20] إلى قوله: ﴿ سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ﴾ [الحديد: 21].

 

وقال اللهُ تعالى: ﴿ بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى ﴾ [الأعلى: 16، 17].

وقال اللهُ تعالى: ﴿ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ ﴾ [التوبة: 38].

 

وقال اللهُ تعالى عن مؤمن آل فرعون أنه قال لقومه: ﴿ يَاقَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ ﴾ [غافر: 39].

والمتاع: هو ما يتمتعُ به صاحبُهُ برهةً ثم ينقطع ويفنى.

 

فما عِيبتْ الدنيا بأكثر مِنْ ذكر فنائِها وتقلُّب أحوالها، وهو أدلُّ دليلٍ على انقضائها وزوالها، فتتبدلُ صحتُها بالسقم، ووجودُها بالعدم، وشبيبتُها بالهرم، ونعيمُها بالبؤس، وحياتُها بالموت، -فتفارق الأجسامُ النفوس-، وعمارتُها بالخراب، واجتماعُها بفرقة الأحباب، وكلُّ ما فوق التراب تراب.

♦♦♦♦♦


قال بعضُ السلف في يوم عيدٍ -وقد نظرَ إلى كثرةِ الناسِ وزينة لباسهم-: هل ترون إلا خرقًا تبلى، أو لحمًا يأكله الدودُ غدًا؟

♦♦♦♦♦


كان الإمامُ أحمد -رضي الله عنه- يقول: يا دارُ تخربين ويموتُ سكانُك.

♦♦♦♦♦


وفي الحديث: عجبًا لمن رأى الدنيا وسرعةَ تقلُّبِها بأهلها كيف يطمئنُّ إليها![1]

♦♦♦♦♦


قال الحسنُ: إنَّ الموتَ قد فضحَ الدنيا فلم يدعْ لذي لبٍّ بها فرحًا.

♦♦♦♦♦


وقال مطرِّف: إنَّ هذا الموتَ قد أفسدَ على أهل النعيم نعيمَهم، فالتمِسوا نعيمًا لا موتَ فيه.

♦♦♦♦♦


وقال بعضُهم: ذهبَ ذكرُ الموت بلذةِ كلِّ عيشٍ، وسرورِ كلِّ نعيمٍ. ثم بكى وقال: واهًا لدارٍ لا موتَ فيها.

♦♦♦♦♦


وقال يونسُ بن عبيد: ما ترك ذكرُ الموتِ لنا قرةَ عينٍ في أهلٍ ولا مالٍ.

♦♦♦♦♦


وقال يزيدُ الرَّقاشي: أمنَ أهلُ الجنة الموتَ فطابَ لهم العيش، وأمنوا الأسقام، فهنيئًا لهم في جوار الله طولُ المقام.

♦♦♦♦♦


عيوبُ الدنيا بادية، وهي بعِبرِها ومواعظِها مُنادية، لكنَّ حبَّها يعمي ويصم فلا يَسْمع محبُّها نداءَها، ولا يرى كشفَها للغير و إيذاءها.

قد نادت الدنيا على نفسِها
لو كان في العالم مَنْ يَسْمعُ
كم واثقٍ بالعُمْرِ أفنيتُهُ
وجامعٍ بدَّدتُ ما يجمعُ

كم قد تبدَّل نعيمُها بالضر والبوس؟

كم أصبح مَنْ هو واثقٌ بملكها وأمسى وهو منها قنوط يؤوس؟

♦♦♦♦♦


قالتْ بعضُ بنات ملوك العرب الذين نُكبوا: أصبحنا وما في الأرضِ أحدٌ إلا وهو يحسدنا ويخشانا، وأمسينا وما في العربِ أحدٌ إلا وهو يرحمنا. ثم قالتْ:

وبينا نسوسُ الناسَ والأمرُ أمرُنا
إذا نحنُ فيهم سُوقةٌ ليس نُنْصفُ
فأفٍّ لدارٍ لا يدومُ نعيمُها
تُقلبُ تاراتٍ بنا وتُصرَّفُ

♦♦♦♦♦


دخلتْ أمُّ جعفر بن يحيى البرمكي على قومٍ في عيد أضحى تطلبُ جلدَ كبشٍ تلبسه، وقالت: هجمَ عليَّ مثلُ هذا العيد[2] وعلى رأسي أربعُ مئة وصيفة[3] قائمة وأنا أزعمُ أنَّ ابني جعفرًا عاقٌّ لي.

♦♦♦♦♦


كانتْ أختُ أحمد بن طولون -صاحبِ مصر- كثيرةَ السَّرف في إنفاق المال حتى إنها زوَّجتْ بعضَ لُعبها[4] فأنفقتْ على وليمةِ عرسها مئة ألف دينار، فما مضى إلا قليلٌ حتى رُؤيتْ في سوقٍ من أسواقِ بغداد وهي تسألُ الناسَ.

♦♦♦♦♦


خُلِعَ بعضُ خلفاء بني العباس، وكُحلَ، وحُبسَ، ثم أُطلقَ فاحتاجَ إلى أن وقفَ يومَ جمعةٍ في الجامعِ وقالَ للناس: تصدَّقوا عليَّ فأنا مَنْ قد عرَفتم[5].

♦♦♦♦♦


اجتاز بعضُ الصالحين بدارٍ فيها فرحٌ، وقائلةٌ تقولُ في غنائها:

ألا يا دارُ لا يَدْخلْك حزنٌ *** ولا يُزري بصاحبك الزمانُ

ثم اجتاز بها عن قريبٍ وإذا البابُ مُسودٌّ، وفي الدار بكاءٌ وصراخ، فسأل عنهم؟ فقيل: مات ربُّ الدار. فطرق البابَ وقال: سمعتُ مِنْ هذه الدار قائلةً تقول كذا وكذا، فبكت امرأة وقالت: يا عبدَالله إن الله يغيِّرُ ولا يتغيرُ، والموتُ غاية كلِّ مخلوقٍ. فانصرَفَ مِنْ عندهم باكيًا.

♦♦♦♦♦


بعث أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- في خلافته وفدًا إلى اليمن فاجتازوا في طريقهم بماء مِنْ مياه العرب عنده قصورٌ مشيدةٌ، وهناك مواشٍ عظيمةٌ ورقيقٌ كثيرٌ، ورأوا نسوةً كثيرةً مجتمعات في عُرسٍ لهن، وجاريةً بيدها دفٌّ تقول:

معاشرَ الحسّادِ موتوا كمَدا *** كذا نكونُ ما بقينا أبدا


فنزلوا بقربهم، فأكرَمَهم سيدُ الماء واعتذرَ إليهم باشتغاله بالعُرس، فدعوا له وارتحلوا، ثم إنَّ بعضَ أولئك الوفد أرسلهم معاوية إلى اليمن، فمروا بالقرب من ذلك الماء، فعدلوا إليه لينزلوا فيه، فإذا القصور المشيدة قد خربتْ كلها، وليس هناك ماء ولا أنيس، ولم يبق من تلك الآثار إلا تلٌّ خرابٌ، فذهبوا إليه فإذا عجوز عمياء تأوي إلى نَقْبٍ في ذلك التل، فسألوها عن أهل ذلك الماء، فقالتْ: هلكوا كلهم. فسألوها عن ذلك العرس المتقدم فقالت: كانت العروس أختي، وأنا كنتُ صاحبة الدف. فطلبوا أن يحملوها معهم، فأبتْ وقالتْ: عزيزٌ عليَّ أن أفارقَ هذه العظام البالية حتى أصيرَ إلى ما صارتْ إليه. فبينما هي تحدِّثُهم إذ مالتْ فنزعتْ نزعًا يسيرًا ثم ماتتْ، فدفنوها وانطلقوا.

♦♦♦♦♦


حُمِلَ إلى سليمان بن عبدالملك في خلافته مِنْ خراسان ستةُ أحمالِ مسكٍ إلى الشام، فأُدخلتْ على ابنه أيوب وهو وليُّ عهده، فدخل عليه الرسولُ بها في داره، فدخلَ إلى دار بيضاء وفيها غلمانٌ عليهم ثيابٌ بياضٌ وحليتهم فضة، ثم دخل إلى دار صفراء فيها غلمانٌ عليهم ثيابٌ صفرٌ وحليتهم الذهب، ثم دخل إلى دار خضراء فيها غلمانٌ عليهم ثيابٌ خضرٌ وحليتهم الزمرد، ثم دخل على أيوب وهو وجاريته على سريرٍ فلم يعرفْ أحدَهما من الآخر لقرب شبههما، فوضع المسك بين يديه فانتهبه كلَّه الغلمانُ، ثم خرج الرسولُ فغابَ بضعة عشر يومًا ثم رجعَ فمرَّ بدار أيوب وهي بلاقعُ فسألَ عنهم؟ فقيل له: أصابهم الطاعون فماتوا.

♦♦♦♦♦


كان يزيدُ بنُ عبدالملك -وهو الذي انتهت إليه الخلافة بعد عمر بن عبدالعزيز- له جارية تسمى حَبَابة، وكان شديدَ الشغف بها، ولم يقدرْ على تحصيلها إلا بعد جهدٍ شديدٍ، فلما وصلتْ إليه خلى بها يومًا في بستانٍ وقد طار عقلُهُ فرحًا بها فبينما هو يلاعبُها ويضاحكُها إذ رماها بحبة رمانٍ أو حبة عنبٍ -وهي تضحك- فدخلتْ في فيها فشرقتْ بها فماتت، فما سمحت نفسُهُ بدفنها حتى أراحتْ[6]، فعُوتِبَ على ذلك فدفنها، ويُقال: إنه نبشها بعد دفنها.

 

ويُروى أنه دخل بعد موتها إلى خزائنها ومقاصيرها ومعه جاريةٌ لها فتمثلتْ الجارية ببيت:

كفى حزنًا بالواله الصبِّ أن يرى *** منازلَ مَنْ يهوى معطلةً قفرا

فصاح وخرَّ مغشيًا عليه، فلم يفق إلى أن مضى هويٌّ من الليل، ثم أفاق فبكى بقية ليلته ومِنَ الغد، فدخلوا عليه فوجدوه ميتًا.

♦♦♦♦♦


قال بعضُ السلف: ما مِنْ حَبْرةٍ إلا يتبعها عَبرة، وما كان ضحكٌ في الدنيا إلا كان بعده بكاء.

♦♦♦♦♦


مَنْ عرَفَ الدنيا حقَّ معرفتها حقرَها وأبغضها كما قيل:

أما لو بِيعتْ الدُّنيا بفلسٍ *** أنفتُ لعاقلٍ أنْ يشتريها

ومَنْ عرَفَ الآخرة وعظمَتها رغبَ فيها.

 

عبادَ الله:

هلموا إلى دارٍ لا يموتُ سكانُها، ولا يخربُ بنيانُها، ولايهرمُ شبّانُها، ولا يتغيرُ حسنُها وإحسانُها، هواؤُها النسيمُ، وماؤُها التسنيمُ، يتقلَّبُ أهلُها في رحمةِ أرحمِ الراحمين، ويتمتعون بالنظرِ إلى وجههِ كلَّ حين: ﴿ دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [يونس: 10].

♦♦♦♦♦


قال عونُ بن عبدالله بن عتبة: بنى ملكٌ ممَّنْ كان قبلنا مدينة فتنوّق في بنائها[7]، ثم صنعَ طعامًا ودعا الناسَ إليه، وأقعدَ على أبوابها ناسًا يسألون كلَّ مَنْ خرجَ: هل رأيتم عيبًا؟ فيقولون: لا. حتى جاء في آخر الناس قومٌ عليهم أكسيةٌ فسألوهم: هل رأيتم عيبًا؟ فقالوا: عيبين. فأدخلوهم على الملك فقال: هل رأيتم عيبًا؟

فقالوا: عيبين.

قال: وما هما؟

قالوا: تخربُ، ويموتُ صاحبُها.

قال: فتعلمون دارًا لا تخربُ، ولا يموتُ صاحبُها؟

قالوا: نعم. فدعوه، فاستجابَ لهم، وانخلعَ مِنْ ملكه، وتعبَّدَ معهم.

 

فحدَّث عونٌ بهذا الحديث عمرَ بن عبدالعزيز، فوقع منه موقعًا حتى همَّ أن يخلع نفسَه مِنَ الملكِ، فأتاه ابنُ عمّه مَسْلمةُ فقال: اتقِ اللهَ يا أميرَ المؤمنين في أمة محمد فو اللهِ لئن فعلتَ ليقتتلُنَّ بأسيافهم[8]. قال: ويحك يا مَسْلمة حُمِّلتُ ما لا أطيق. وجعلَ يردِّدها ومسلمة يناشده حتى سكن.

♦♦♦♦♦


بنى بعضُ ملوكِ العرب الخورنقَ والسديرَ فنظرَ إلى ملكه يومًا فقال: هل علمتم أحدًا أُوتيَ مثلَ ما أوتيتُ؟

فقالوا: لا. ورجلٌ منهم ساكتٌ فقال: أيها الملكُ إنْ أذنتَ لي تكلمتُ.

فقال: تكلَّمْ.

قال: أرأيتَ ما جمعتَ أشيءٌ هو لك لم يزل ولا يزول، أم هو شيءٌ كان لمن قبلك وزال عنه وصار إليك وكذلك يزول عنك؟

قال: بل كان لمنْ قبلي وصارَ لي ويزولُ عني.

قال: فسُررتَ بشيءٍ تزولُ عنك لذتُهُ، وتبقى تبعتُهُ عليك، تكونُ فيه قليلًا وتُرْتَهنُ به طويلًا؟! فبكى وقال: أين المهربُ؟

قال: إمّا أنْ تقيم وتعمل بطاعة ربك، وإمّا أن تنخلعَ من ملكك، وتقيم وحدك، وتعبد ربك حتى يأتيك أجلك. قال: فإذا فعلتُ ذلك فما لي؟

قال: حياةٌ لا تموتُ، وشبابٌ لا يهرمُ، وصحةٌ لا تسقمُ، وملكٌ جديدٌ لا يبلى.

فقال: فأي خيرٍ فيما يفنى؟ والله لأطلبنَّ عيشًا لا يزول أبدًا. فانخلع مِنْ ملكهِ، وسار في الأرض، وفيه يقول عديُّ بنُ زيد أبياته المشهورةَ السائرةَ:

أيها الشامتُ المُعيّرُ بالده
رِ أأنتَ المبرأُ الموفورُ
أم لديكَ العهدُ الوثيقُ مِنَ
الأيامِ بل أنتَ جاهلٌ مغرورُ
مَنْ رأيتَ المنونَ أخلدنَ أم مَنْ
ذا عليه مِنْ أنْ يُضامَ خفيرُ
أين كسرى كسرى الملوكِ أنوشر
وان أم أين قبلَهُ سابورُ
وبنو الأصفرِ الكرامُ ملوكُ ال
رومِ لم يبقَ منهمُ مذكورُ
وأخو الحَضْرِ إذ بناهُ وإذ دج
لةُ تُجْبى إليهِ والخابورُ
شادَهُ مَرْمرًا وجلَّله كل
سًا فللطيرِ في ذراهُ وكورُ
لم يهبْهُ ريبُ المنونِ فبادَ ال
مُلكُ عنه فبابُهُ مهجورُ
وتذكَّرْ ربَّ الخورنقِ إذ أش
رفَ يومًا وللهُدى تفكيرُ
سرَّهُ مالُهُ وكثرةُ ما يم
لكُ والبحرُ مُعْرِضًا والسديرُ
فارعوى قلبُهُ وقالَ وما غِب
طةُ حيٍّ إلى المماتِ يصيرُ
ثم أضحوا كأنهمْ ورقٌ جفَّ
فألوتْ به الصَّبا والدّبورُ
ثم بعدَ الفلاحِ والملكِ
والإمةِ وارتهمُ هناكَ القبورُ)[9]

 

 



[1] روى البيهقي في "شعب الإيمان" (213) عن علي بن أبي طالب في قول الله عز وجل:

﴿ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا ﴾ [الكهف: 82] قال: كان لوح من ذهب مكتوب فيه: لا إله إلا الله محمد رسول الله، عجبًا لمن يذكر أن الموت حق كيف يفرح!

عجبًا لمن يذكر أن النار حق كيف يضحك!

عجبًا لمن يذكر أن القدر حق كيف يحزن!

وعجبًا لمن يرى الدنيا وتصرفها بأهلها حالًا بعد حال كيف يطمئنُّ إليها!".

وروى الطبراني في "الدعاء" (1629) مثله عن ابن عباس.

[2] دخل عليَّ مثل هذا العيد.

[3] جارية.

[4] يقصد رصيفاتها اللائي كانت تلعب معهن أو جواريها؟ يُنظر.

[5] المقصود القاهر بالله. ويُنظر "تاريخ الخلفاء" ص 335.

[6] تغيرت رائحتها.

[7] بالغَ في إتقانها وتزيينها وتحسينها.

[8] فلا بد للناس مِنْ حاكم يضبط أمورهم، ويؤمن سبلهم، وإذا جمَعَ إلى القوة العدلَ فذاك الغاية.

[9] لطائف المعارف، تحقيق: ياسين محمد السواس، دار ابن كثير، ط5 (1420هـ-1999م)، ص 69-76.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • حال الدنيا
  • أجمل أيام الدنيا

مختارات من الشبكة

  • الدنيا متاع وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • مخطوطة مجموع فيه ذم الدنيا لابن أبي الدنيا ومنتخب الزهد والرقائق للخطيب البغدادي(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • الدنيا في قصائد ديوان (مراكب ذكرياتي) للشاعر الدكتور عبد الرحمن العشماوي(مقالة - حضارة الكلمة)
  • خطبة أحوال النبي مع أمته في الدنيا (3)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة أحوال النبي مع أمته في الدنيا (2)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة أحوال النبي مع أمته في الدنيا (1)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • عموم الرضا بالزمان والمكان واللون والجنس والنسب والزوج والولد والرزق وسائر أحوال الدنيا (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الحال في الدنيا(مقالة - آفاق الشريعة)
  • حال المؤمن في الدنيا وعند الموت وفي قبره(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تأملات في حديث الأحوال الثلاث التي من حصلها كأنما حيزت له الدنيا(مادة مرئية - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)

 


تعليقات الزوار
5- ذكرى الموت
د.رعد الكيلاني - العراق 13-07-2017 08:52 PM

كتب الله لك أجر السبق.
جمعت في ثمانينات القرن الماضي مجموعة رقائق عن الموت من آيات قرانية، وأحاديث نبوية، وآثار للصحابة والتابعين، وأسميته:
ذكرى الموت من معالم طريق السالكين.
ولكن لم يبق عندي نسخة منه.
فأنا أستمتع بكل ما يذكرني بالموت.
فجزاكم الله خيرا.

4- إضافة
محمد المصطفى - موريتانيا 13-07-2017 08:47 PM

تذكر هنا قصة الخليفة الأموي الذي نظر إلى نفسه في المرآة وقال : كان الخليفة الفلاني كذا .. والخليفة الفلاني كذا .... وأنا الخليفة الشاب. فما أتى عليه إلا يسير حتى توفي ...

3- راقية
د.رعد الكيلاني - العراق 13-07-2017 08:45 PM

موضوعها رائع ورقائقها راقية
جزيت خيرا

2- دعاء
حسن الجميلي - العراق 13-07-2017 06:47 PM

اللهم ألهمنا رشدنا في أمرنا كله
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة و قنا عذاب النار

1- مؤثر
د.محمد عيد المنصور - سورية 13-07-2017 06:11 PM

الدنيا فتّانة غرارة..
جميل إقبالها.. مؤلم إدبارها
هنيئا لمن مشى في افيائها دون أن يتعلق بها..


كلمات وقصص مؤثرة
اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار

سلمت يمناك شيخنا الحبيب

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • بعد عامين من البناء افتتاح مسجد جديد في قرية سوكوري
  • بعد 3 عقود من العطاء.. مركز ماديسون الإسلامي يفتتح مبناه الجديد
  • المرأة في المجتمع... نقاش مفتوح حول المسؤوليات والفرص بمدينة سراييفو
  • الذكاء الاصطناعي تحت مجهر الدين والأخلاق في كلية العلوم الإسلامية بالبوسنة
  • مسابقة للأذان في منطقة أوليانوفسك بمشاركة شباب المسلمين
  • مركز إسلامي شامل على مشارف التنفيذ في بيتسفيلد بعد سنوات من التخطيط
  • مئات الزوار يشاركون في يوم المسجد المفتوح في نابرفيل
  • مشروع إسلامي ضخم بمقاطعة دوفين يقترب من الموافقة الرسمية

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 12/12/1446هـ - الساعة: 15:27
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب