• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    المقاصد الربانية للعشر المباركة (خطبة)
    د. عبدالرزاق السيد
  •  
    وقفات مع عشر ذي الحجة (5)
    د. عبدالسلام حمود غالب
  •  
    خطبة عيد الأضحى لعام 1446هـ
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    وقفات مع عشر ذي الحجة (4)
    د. عبدالسلام حمود غالب
  •  
    العيد في زمن الغفلة... رسالة للمسلمين
    محمد أبو عطية
  •  
    الأضحية ... معنى التضحية في زمن الماديات
    محمد أبو عطية
  •  
    خطبة الجمعة ليوم عيد الأضحى
    عبدالوهاب محمد المعبأ
  •  
    صلاة العيد وبعض ما يتعلق بها من أحكام
    عبد رب الصالحين أبو ضيف العتموني
  •  
    وقفات مع عشر ذي الحجة (3)
    د. عبدالسلام حمود غالب
  •  
    خطبة: أهمية اللعب والترفيه للشباب
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    عيد الأضحى: فرحة الطاعة وبهجة القربى
    محمد أبو عطية
  •  
    كيف يعلمنا القرآن الكريم التعامل مع الضغط النفسي ...
    معز محمد حماد عيسى
  •  
    أحكام الأضحية (عشر مسائل في الأضاحي)
    د. شريف فوزي سلطان
  •  
    زيف الانشغال
    أ. د. عبدالله بن ضيف الله الرحيلي
  •  
    خطبة الجمعة في يوم الأضحى
    د. صغير بن محمد الصغير
  •  
    الأخذ بالأسباب المشروعة
    الشيخ محمد جميل زينو
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / الأسرة والمجتمع
علامة باركود

أمة الإسلام بين التأثر والممانعة

الشيخ عبدالله بن محمد البصري

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 26/2/2017 ميلادي - 30/5/1438 هجري

الزيارات: 10791

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

أمة الإسلام بين التأثر والممانعة

 

أَمَّا بَعدُ، فَـ ﴿ يَاأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 21].

أَيُّهَا المُسلِمُونَ، لِكُلِّ أُمَّةٍ ثَوَابِتُ وَأَخلاقٌ وَآدَابٌ، وَعِبَادَاتٌ وَعَادَاتٌ وَأَعرَافٌ، تُكَوِّنُ شَخصِيَّتَهَا وَتُمَيِّزُهَا عَن غَيرِهَا، وَتَحفَظُ لَهَا كِيَانَهَا وَتُحَافِظُ عَلَى وُجُودَهَا، وَالأَصلُ أَنَّ هَذِهِ المَبَادِئَ وَتِلكَ القِيَمَ، تَنشَأُ مِن دَاخِلِ الأُمَّةِ نَفسِهَا، وَتَتَوَارَثُهَا أَجيَالُهَا جِيلاً بَعدَ جِيلٍ، وَيَتَنَاقَلُهَا أَبنَاؤُهَا وَيُحَافِظُونَ عَلَيهَا؛ لِيَنقُلُوهَا لِمَن بَعدَهُم صَافِيَةً نَقِيَّةً. وَإِنَّهُ وَإِن كَانَتِ الأُمَمُ تَتَأَثَّرُ بِبَعضِهَا بِحُكمِ الجِوَارِ أَوِ المُخَالَطَةِ، إِلاَّ أَنَّ مِن شِبهِ المُتَّفَقِ عَلَيهِ أَنَّ قُدرَةَ الأُمَّةِ عَلَى التَّأثِيرِ في غَيرِهَا، تُعَدُّ دَلِيلًا عَلَى عُمقِ حَضَارَتِهَا وَقُوَّةِ شَخصِيَّتِهَا، كَمَا أَنَّ مَدَى قُدرَتِهَا عَلَى ضَبطِ تَأَثُّرِهَا بِغَيرِهَا وَتَرشِيحِهِ، بِحَيثُ تَقتَصِرُ مِنهُ عَلَى مَا لا بُدَّ لَهَا مِنهُ، يُعَدُّ مِقيَاسًا لِقُدرَتِهَا عَلَى النُّمُوِّ الحَضَارِيِّ وَالتَّقَدُّمِ. وَإِذَا كَانَ بَعضُ مَن لا يُقِيمُونَ لِمَبَادِئِهِم وَقِيَمِهِم وَزنًا لا يُهِمُّهُم أَن يَكُونُوا مُؤَثِّرِينَ أَو مُتَأَثِّرِينَ، بَل قَد يُنَادُونَ وَبِقُوَّةٍ إِلى التَّأَثُّرِ المُطلَقِ بِالأُمَمِ الأُخرَى وَأَخذِ كُلِّ مَا لَدَيهَا، وَخَاصَّةً في جَوَانِبِ الحَضَارَةِ المَادِّيَّةِ وَالمَعرِفِيَّةِ وَالاقتِصَادِيَّةِ وَالصِّنَاعِيَّةِ، نَاسِينَ أَو مُتَنَاسِينَ أَثَرَ ذَلِكَ في تَغيِيرِ قِيَمِ الأُمَّةِ وَأَخلاقِهَا، فَإِنَّ الَّذِينَ يَهتَمُّونَ بِأَمرِ أُمَّتِهِم وَيُحِسُّونَ بِتَمَيُّزِهَا وَتَفَرُّدِهَا، يَعلَمُونَ أَنَّ قِيَمَهَا تَتَكَوَّنُ نَتِيجَةً لِتَفَاعُلِ أَبنَائِهَا مَعَ دِينِهِم وَبِيئَتِهِم وَلُغَتِهِ، وَتَارِيخِهِم وَمُقَدَّرَاتِ أَرضِهِم، في نَسِيجٍ مُحكَمٍ مُتَمَاسِكٍ، لا يَجُوزُ أَن يُهتَكَ أَو يُختَرَقَ بِسُهُولَةٍ، فَتُضَافَ إِلى المُجتَمَعِ قِيَمٌ أُخرَى غَرِيبَةٌ، نَشَأَت بَعِيدًا عَن أُصُولِهِ وَمَبَادِئِهِ وَسِيَاقِ أَخلاقِهِ وَعَادَاتِهِ، وَإِلاَّ كَانَ هَذَا التَّحَوُّلُ نُقطَةَ ضَعفٍ في تَمَسُّكِ المُجتَمَعِ بِدِينِهِ وَتَفَاعُلِهِ مَعَ تَارِيخِهِ، وَعَلامَةَ انتِكَاسٍ لَهُ وَتَخَلٍّ مِنهُ عَن أُصُولِهِ، وَمِن هُنَا تَكُونُ الأُمَّةُ تَابِعَةً غَيرَ مَتبُوعَةٍ، بَعِيدَةً كُلَّ البُعدِ عَن التَّأثِيرِ وَالقِيَادَةِ وَالرِّيَادَةِ.

 

أَيُّهَا المُسلِمُونَ، لَقَد جَاءَ الإِسلامُ مِن عِندِ اللهِ - عَزَّ وَجَلَّ - كَامِلاً مُكَمَّلاً؛ لِتَشكِيلِ الوَاقِعِ وَتَغيِيرِهِ، لا لِلاستِسلامِ لَهُ وَالسَّيرِ عَلَى مَا يَفرِضُهُ، لَكِنَّ غِيَابَ هَذِهِ الحَقِيقَةِ أَوِ التَّغَافُلَ عَنهَا مِن قِبَلِ المُسلِمِينَ عَلَى مَرِّ عُصُورِهِم وَتَوَالي دُهُورِهِم، أَدَّى إِلى تَهَاوِي كَثِيرٍ مِن أَحكَامِ الشَّرِيعَةِ الإِسلامِيَّةِ وَقِيَمِهَا أَمَامَ سُلطَةِ الوَاقِعِ، الَّذِي فَرَضَ نَفسَهُ وَضَغَطَ عَلَى المُجتَمَعَاتِ شَيئًا فَشَيئًا، حَتى أَصبَحَ مَظهَرُ المُسلِمِينَ في بَعضِ بُلدَانِهِم لا يُعَبِّرُ عَن دِينِهِم وَلا يُمَثِّلُ تَارِيخَهُم، وَإِنَّمَا هُوَ مَزِيجٌ مِن تَنَاقُضَاتٍ بَشِعَةٍ، وَتَدَاخُلٌ بَينَ هَيئَاتٍ اجتِمَاعِيَّةٍ مُستَورَدَةٍ، وَبَينَ مُكَوَّنَاتٍ أَصِيلَةٍ بَاهِتَةٍ، تَظهَرُ حِينًا وَتَغِيبُ أَحيَانًا. وَإِنَّهُ مَهمَا يَكُنْ مِن أَسبَابِ هَيمَنَةِ الاستِعمَارِ بِمُختَلِفِ أَنوَاعِهِ، وَطُغيَانِ قِيَمِهِ الهَشَّةِ وَمُبَادِئِهِ الرَّخِيصَةِ وَأَخلاقِهِ المُنحَطَّةِ، فَإِنَّهُ لم يَكُنْ لِيُؤَثِّرَ هَذَا التَّأثِيرَ السَّلبِيَّ المَؤلِمَ، لَولا غِيَابُ المُمَانَعَةِ المُجتَمَعِيَّةِ أَو ضَعفُهَا؛ وَتَشَرُّبُ النَّاسِ لِمَا يُصَبُّ عَلَيهِم مِن مُنكَرَاتٍ وَرِضَاهُم بها ومُشَارَكَتُهُم فِيهَا، جَريًا وَرَاءَ الأَهوَاءِ المُضِلَّةِ، وَانقِيَادًا لِلرَّغَبَاتِ الجَامِحَةِ.

 

وَإِنَّنا حِينَ نَقُولُ إِنَّ المُجتَمَعَ المُسلِمَ يَجِبُ أَن يَقتَصِرَ عَلَى دِينِهِ وَبِيئَتِهِ وَتَارِيخِهِ وَمُقَدَّرَاتِ أَرضِهِ وَلُغَتِهِ في إِنتَاجِ آدَابِهِ وَأَخلاقِهِ وَعِبَادَاتِهِ وَعَادَاتِهِ وَأَعرَافِهِ، وَأَن يَرفُضَ تَبَنِّي كُلِّ مَا يُخَالِفُ ذَلِكَ، فَإِنَّنَا لا نَدعُوهُ إِلى أَن يَنكَفِئَ عَلَى نَفسِهِ وَيَتَقَوقَعَ وَيَنغَلِقَ، وَيَرفُضَ التَّأَثُّرَ بِالآخَرِينَ بَإِطلاقٍ، إِذْ إِنَّ ذَلِكَ قَد يَكُونُ ضَربًا مِنَ الخَيَالِ وَمُخَالَفَةِ الوَاقِعِ، وَلَكِنَّ المَقصُودَ - أَيُّهَا الإِخوَةُ - أَن يَكُونَ أَكثَرَ وَعيًا في التَّفَاعُلِ، وَأَشَدَّ اهتِمَامًا بِتَصفِيَةِ مَا يَرِدُ عَلَيهِ مِن قِيَمٍ خَارِجَةٍ عَنهُ، وَأَن يُغَربِلَهَا وَيَتَفَحَّصَهَا وَيُمَحِّصَهَا، فَيَأخُذَ مِنهَا مَا لا يُخَالِفُ عَقِيدَتَهُ، وَيَرفُضَ مَا فِيهِ هَدمٌ لِدِينِهِ، وَيُصَحِّحَ مَا يُمكِنُ تَصحِيحُهُ وَالانتِفَاعُ بِهِ.

 

أَجَل - أَيُّهَا الإِخوَةُ - إِنَّ المُمَانَعَةَ المُجتَمَعِيَّةَ هِيَ الوَسِيلَةُ الأَقوَى لِحِفظِ الهَيئَةِ الاجتِمَاعِيَّةِ لِلأُمَّةِ، وَصِيَانَتِهَا مِن أَن تَضمَحِلَّ أو تَذُوبَ في قِيَمٍ غَرِيبَةٍ لم تَصنَعْهَا في دَاخِلِهَا، وَلم تُنتِجْهَا بِتَفَاعُلِهَا مَعَ الأُصُولِ المُكَوِّنَةِ لِقِيَمِهَا، وَلَولا أَنَّ المُجتَمَعَاتِ تَخَلَّت عَن مَسؤُولِيَّاتِهَا في حِفظِ أَخلاقِهَا وَعِبَادَاتِهَا وَعَادَاتِهَا وَتَصَوُّرَاتِهَا، وَقَبِلَتِ التَّمَرُّدَ عَلَى فَهمِ الصَّحَابَةِ وَخَيرِ القُرُونِ لِلدِّينِ مِن وَقتٍ مُبَكِّرٍ لَمَا وَصَلَ الإِسلامُ في بَعضِ بِلادِهِ إِلى مَرحَلَةِ الغُربَةِ الَّتي أَخبَرَ عَنهَا الحَبِيبُ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - حِينَ قَالَ: "بَدَأَ الإِسلامُ غَرِيبًا وَسَيَعُودُ غَرِيبًا" وَلَمَا استَطَاعَ الغَربُ الكَافِرُ في العُصُورِ المُتَأَخِّرَةِ - بَإِرسَالِهِ قَلِيلًا مِنَ أَبنَائِهِ مِن عَسكَرِيِّينَ أَو عُمَّالٍ أَو مُستَشرِقِينَ، أَو بَثِّهِ سُمُومَهُ عَبرَ قَنَوَاتِهِ المُتَعَدِّدَةِ، أَن يُغَيِّرَ وَجهَ مُجتَمَعٍ عَرِيقٍ في قِيَمِهِ وَحَضَارَتِهِ بِهَذِهِ الصُّورَةِ السَّرِيعَةِ، فَيَجعَلَهُ في بَعضِ جِهَاتِهِ مِسخًا مُشَوَّهًا لِمُجتَمَعَاتٍ لا تَعرِفُ اللهَ وَلا تَدِينُ بِدِينٍ، أَلا فَلْنَتَّقِ اللهَ - أَيُّهَا المُسلِمُونَ - وَلْنَتَعَاوَنْ عَلَى البِرِّ وَالتَّقوَى، وَلْنَأمُرْ بِالمَعرُوفِ وَلْنَنْهَ عَنِ المُنكَرِ ﴿ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ * وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ [التوبة: 71، 72].

♦ ♦ ♦

 

أَمَّا بَعدُ، فَاتَّقُوا اللهَ - تَعَالى - وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا ﴾ [الطلاق: 2].

أَيُّهَا المُسلِمُونَ، إِنَّ الحِفَاظَ عَلَى هُوِيَّةِ الأُمَّةِ المُسلِمَةِ وَقِيَمِهَا وَأَخلاقِهَا، لَيسَ مَسؤُولِيَّةَ الحُكُومَاتِ وَحدَهَا وَلا مَسؤُولِيَّةَ الوُلاةِ، وَلا هُوَ مَسؤُولِيَّةَ العُلَمَاءِ وَحدَهُم وَلا الخُطَبَاءِ وَلا الدُّعَاةِ، وَلَكِنَّهُ مَسؤُولِيَّةُ مُجتَمَعٍ بِأَسرِهِ وَشُعُوبٍ بِجَمِيعِ أَبنَائِهَا، وَالمُجتَمَعُ المُسلِمُ يَجِبُ أَن يَكُونَ مُنفَرِدًا بِبِنَاءِ قِيَمِهِ، وَأَن يَستَمِدَّهَا مِن دِينِهِ وَمِن بِيئَتِهِ وَتَارِيخِهِ وَمُقَدَّرَاتِهِ، يَدُلُّ لِذَلِكَ مَا رَسَّخَهُ القُرآنُ في النُّفُوسِ مِن مَفهُومِ خَيرِيَّةِ هَذِهِ الأُمَّةِ وَفَضلِهَا عَلَى جَمِيعِ الأُمَمِ، وَكَونِ مَصدَرِ هَذِهِ الخَيرِيَّةِ هُوَ التِزَامَهَا بِالدِّينِ وَتَعالِيمِهِ وَقِيَمِهِ، قَالَ - سُبحَانَهُ -: ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ﴾ [البقرة: 143] وَالمُجتَمَعُ الَّذِي يَشعُرُ بِخَيرِيَّتِهِ عَلَى الأُمَمِ جِمِيعِهَا، وَإِكرَامِ رَبِّهِ لَهُ بِالشَّهَادَةِ عَلَيهَا يَومَ القِيَامَةِ، لا يُمكِنُ أَن يُستَخَفَّ إِلى مَا تُنتِجُهُ الأُمَمُ الأُخرَى مِن قِيَمٍ هَشَّةٍ مُخَالِفَةٍ لِمَا لَدَيهِ، وَأَمَّا حِينَ يَغِيبُ هَذَا الشُّعُورُ بِالخَيرِيَّةِ عَنِ المُجتَمَعِ وَخَاصَّةً في ظُرُوفِ الضَّعفِ السَّيَاسِيِّ وَالاقتِصَادِيِّ وَالعَسكَرِيِّ، فَإِنَّ نَتِيجَةَ ذَلِكَ هِيَ الشُّعُورُ بِالنَّقصِ وَالهَوَانِ أَمَامَ تِلكَ الأُمَمِ، وَمِن ثَمَّ فَتحُ القُلُوبِ وَالعُقُولِ وَالبُيُوتِ أَمَامَ كُلِّ تَغيِيرٍ يَأتِي مِن قِبَلِ تِلكَ الأُمَمِ الغَالِبَةِ. وَأَمرٌ آخَرُ يُشعِرُ بِمَسؤُولِيَّةِ الأُمَّةِ عَن نَفسِهَا، أَلا وَهُوَ رَبطُ خَيرِيَّتِهَا بِأُسلُوبٍ مِن أَسَالِيبِ المُمَانَعَةِ المُجتَمَعِيَّةِ، أَلا وَهُوَ الأَمرُ بِالمَعرُوفِ وَالنَّهيُ عَنِ المُنكَرِ، قَالَ - تَعَالى -: ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾ [آل عمران: 110] وَأَمرٌ ثَالِثٌ يَؤَكِّدُ هَذَا الارتِبَاطَ الوَثِيقَ بَينَ خَيرِيَّةِ الأُمَّةِ وَمَنَاعَةِ قِيَمِها، ذَلِكُم هُوَ مَبدَأُ التَّوَاصِي الَّذِي أُمِرَ بِهِ المُؤمِنُونَ، قَالَ - تَعَالى -: ﴿ ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ ﴾ [البلد: 17] وَقَالَ - سُبحَانَهُ -: ﴿ وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾ [العصر: 1 - 3] وَالتَّوَاصِي تَكلِيفٌ أَعَمُّ مِنَ الأَمرِ بِالمَعرُوفِ وَالنَّهيِ عَنِ المُنكَرِ، وَصِفَتُهُ: أَن يُثَبِّتَ المُؤمِنُونَ العَامِلُونَ بِالصَّالِحَاتِ وَالمُتَرَاحِمُونَ بَينَهُم بَعضُهُم بَعضًا عَلَى هَذِهِ الخِصَالِ، وَيَتَعَاهَدُوا أَحوَالَهُم فِيمَا بَينَهُم وَيُذَكِّرَ بَعضُهُم بَعضًا؛ امتِثَالاً لِقَولِ رَبِّهِم: ﴿ وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الذاريات: 55] وَأَمَّا الرَّابِعُ مِن شَوَاهِدِ مُنَادَاةِ الإِسلامِ بَالمُمَانَعَةِ المُجتَمَعِيَّةِ، فَهِيَ عَقِيدَةُ الوَلاءِ وَالبَرَاءِ، الَّتي تَدعُو إِلى بُغضِ الكَافِرِ بُغضًا يَسُوقُ القُلُوبَ المُؤمِنَةَ إِلى مُجَافَاةِ مَا يَأتي بِهِ مِن قِيَمٍ وَأَخلاقٍ، وَلا شَكَّ أَنَّ أَعدَاءَ الإِسلامِ لم يَتَمَكَّنُوا مِنِ اختِرَاقِ المُجتَمَعَاتِ الإِسلامِيَّةِ عَسكَرِيًّا أَو قِيمِيًّا وَأَخلاقِيًّا، إِلاَّ بَعدَ أَن حَطَّمُوا حَاجِزَ البَرَاءِ مِنَ الكَافِرِينَ لَدَى تِلكَ المُجتَمَعَاتِ وَاختَرَقُوهُ وَأَضعَفُوهُ. وَأَمَّا الخَامِسُ مِن شَوَاهِدِ مُنَادَاةِ الإِسلامِ بِالمُمَانَعَةِ المُجتَمَعِيَّةِ، فَهُوَ نَهيُ الحَبِيبِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - نَهيًا عَامًّا وَخَاصًّا عَن مُشَابَهَةِ الكَافِرِينَ بِجَمِيعِ أَصنَافِهِم، وَفي كُلِّ مَا قَد يُوهِمُ التِقَاءَ المُسلِمِينَ بِهِم في هَيئَةٍ أَو خُلُقٍ، قَالَ - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ -: "مَن تَشَبَّهَ بِقَومٍ فَهُوَ مِنهُم" رَوَاهُ أَحمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ، وَقَالَ - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ -: "لَيسَ مِنَّا مَن تَشَبَّهَ بِغَيرِنَا، لا تَشَبَّهُوا بِاليَهُودِ وَلا بِالنَّصَارَى " رَوَاهُ التِّرمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ الأَلبَانيُّ. وَالمُتَتَبِّعُ لأَمرِ الإِسلامِ بِمُخَالَفَةِ الكَافِرِينَ وَنَهيِهِ عَنِ التَّشَبُّهِ بِهِم، يَعلَمُ أَنَّ هَذَا لم يَكُنْ إِلاَّ صِيَانَةً لِلمُجتَمَعِ المُسلِمِ، وَتَعظِيمًا لِلحَاجِزِ بَينَ المُسلِمِينَ وَبَينَ الكُفَّارِ لِئَلاَّ يُشَابِهُوهُم؛ ذَلِكَ أَنَّ المُشَابَهَةَ في الظَّوَاهِرِ وَالعَادَاتِ وَاللِّبَاسِ وَغَيرِهَا، تُوصِلُ حَتمًا إِلى ضَعفِ الحَاجِزِ الحَضَارِيِّ بَينَ الفَرِيقَينِ، مِمَّا يُؤَدِّي إِلى زَوَالِ الهُوِيَّةِ الدَّاخِلِيَّةِ بَعدَ انكِسَارِ حَاجِزِ المُخَالَفَةِ الظَّاهِرِيَّةِ. وَمَعَ هَذَا التَّأكِيدِ المُستَمِرِّ عَلَى مُخَالَفَةِ الكُفَّارِ في العَادَاتِ وَالعِبَادَاتِ، فَقَد جَاءَ النَّصُّ عَلَى النَّهيِ عَنِ اتِّبَاعِهِم في الأَفكَارِ، قَالَ - تَعَالى -: ﴿ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ﴾ [المائدة: 48] أَلا فَلْنَتَّقِ اللهَ - أَيُّهَا المُسلِمُونَ - وَلْنُحَافِظْ عَلَى عَقِيدَتِنَا وَقِيَمِنَا وَأَخلاقِنَا، وَلْنَعتَزَّ بِإِسلامِنَا وَاستِقَامَةِ مُجتَمَعِنَا، وَحَذَارِ حَذَارِ، مِن أَن يَستَخِفَّنَا الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ، بِلَعِبٍ أَو تَرفِيهٍ أَو تَضيِيعِ أَوقَاتٍ في مُتَابَعَةِ التُّرَّهَاتِ وَالمُلهِيَاتِ، في وَسَائِلِ الاتِّصَالِ أَو بَرَامِجِ التَّوَاصُلِ أَوِ القَنَوَاتِ، أَو المَسَارِحِ أَو الحَفَلاتِ أَوِ السَّهَرَاتِ، لِنَحفَظْ أَنفُسَنَا وَأَمَانَاتِنَا، وَلْنَرعَ مَسؤُولِيَّاتِنَا وَمَن تَحتَ أَيدِينَا ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ * وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ * يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ * وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ ﴾ [الأنفال: 27 - 30].





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الإسلام بين أعدائه وأبنائه
  • وعود الإسلام بين الأمس واليوم
  • الإسلام بين العقل والنقل
  • الإسلام بين ماضيه وحاضره
  • الإسلام بين الفرد والمجتمع
  • أمة الإسلام خير الأمم

مختارات من الشبكة

  • المرأة الإعلامية بين المشاركة والممانعة (2)(مقالة - موقع مثنى الزيدي)
  • المرأة الإعلامية بين المشاركة والممانعة (1)(مقالة - موقع مثنى الزيدي)
  • سلسلة تذكير الأمة بشرح حديث: «كل أمتي يدخلون الجنة» الجزء السابع(مقالة - آفاق الشريعة)
  • سلسلة تذكير الأمة بشرح حديث: "كل أمتي يدخلون الجنة" الجزء السادس(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أمة التثليث يقابلها أمة التوحيد(محاضرة - مكتبة الألوكة)
  • سلسلة تذكير الأمة بشرح حديث: "كل أمتي يدخلون الجنة" الجزء الخامس(مقالة - آفاق الشريعة)
  • سلسلة تذكير الأمة بشرح حديث: "كل أمتي يدخلون الجنة" الجزء الرابع(مقالة - آفاق الشريعة)
  • سلسلة تذكير الأمة بشرح حديث: "كل أمتي يدخلون الجنة" الجزء الثالث(مقالة - آفاق الشريعة)
  • سلسلة تذكير الأمة بشرح حديث: "كل أمتي يدخلون الجنة" الجزء الثاني(مقالة - آفاق الشريعة)
  • سلسلة تذكير الأمة بشرح حديث: "كل أمتي يدخلون الجنة" الجزء الأول(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • بعد عامين من البناء افتتاح مسجد جديد في قرية سوكوري
  • بعد 3 عقود من العطاء.. مركز ماديسون الإسلامي يفتتح مبناه الجديد
  • المرأة في المجتمع... نقاش مفتوح حول المسؤوليات والفرص بمدينة سراييفو
  • الذكاء الاصطناعي تحت مجهر الدين والأخلاق في كلية العلوم الإسلامية بالبوسنة
  • مسابقة للأذان في منطقة أوليانوفسك بمشاركة شباب المسلمين
  • مركز إسلامي شامل على مشارف التنفيذ في بيتسفيلد بعد سنوات من التخطيط
  • مئات الزوار يشاركون في يوم المسجد المفتوح في نابرفيل
  • مشروع إسلامي ضخم بمقاطعة دوفين يقترب من الموافقة الرسمية

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 12/12/1446هـ - الساعة: 15:27
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب