• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    ذكر الله عز وجل (خطبة)
    رمضان صالح العجرمي
  •  
    عناية الأمة بروايات ونسخ «صحيح البخاري»
    د. هيثم بن عبدالمنعم بن الغريب صقر
  •  
    وحي الله تعالى للأنبياء عليهم السلام
    د. أحمد خضر حسنين الحسن
  •  
    تفسير قوله تعالى: { ودت طائفة من أهل الكتاب لو ...
    الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم
  •  
    عاشوراء بين مهدي متبع وغوي مبتدع (خطبة)
    الشيخ عبدالله بن محمد البصري
  •  
    خطبة: كيف نجعل أبناءنا قادة المستقبل؟
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    الدرس الثلاثون: العيد آدابه وأحكامه
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    الحكمة من أمر الله تعالى بالاستعاذة به من
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    حسن المعاملة (خطبة)
    عبدالعزيز محمد مبارك أوتكوميت
  •  
    زكاة الفطر تطهير للصائم مما ارتكبه
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    مجالس من أمالي الحافظ أبي بكر النجاد: أربعة مجالس ...
    عبدالله بن علي الفايز
  •  
    لماذا لا نتوب؟
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    وكن من الشاكرين (خطبة)
    الشيخ محمد بن إبراهيم السبر
  •  
    حكم صيام يوم السبت منفردا في صيام التطوع مثل صيام ...
    عبد رب الصالحين أبو ضيف العتموني
  •  
    وما الصقور؟
    السيد مراد سلامة
  •  
    آيات عن مكارم الأخلاق
    الدكتور أبو الحسن علي بن محمد المطري
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / التفسير وعلوم القرآن
علامة باركود

تفسير: ويستعجلونك بالسيئة قبل الحسنة

الشيخ محمد حامد الفقي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 23/10/2016 ميلادي - 22/1/1438 هجري

الزيارات: 10973

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

تفسير: ويستعجلونك بالسيئة قبل الحسنة


تفسير قوله تعالى: ﴿ وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلاتُ وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾ [الرعد: 6]

 

قال ابن عباس رضي الله عنهما: يريد: بالعذاب قبل الرحمة، وقال أبو إسحاق الزجاج: أي يطلبون العذاب بقولهم: ﴿ اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾ [الأنفال: 32]؛ يعني الله بذلك مشركي مكة: أبا جهل والنضر بن الحارث، وأضرابهما من العتاة وأكابر مُجرميها، سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأتيهم بالعذاب؛ استهزاءً منهم بذلك!

 

والله تعالى صرف عمن بعث إليهم محمدًا صلى الله عليه وسلم عقوبة الاستئصال والاصطلام، وأخَّر عذاب مُكذبيه إلى يوم القيامة؛ قال تعالى: ﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ * مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ ﴾ [ابراهيم: 42-43]، وقال: ﴿ وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ ﴾ [الأعراف: 34]، وقال: ﴿ وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلًا ﴾ [الكهف: 58]، وقال: ﴿ وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ﴾ [النحل: 61]، وقال: ﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا * وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ﴾ [فاطر: 44-45].

 

وفي البخاري ومسلم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لما قضى الله الخلق، كتب في كتابه فهو عنده فوق العرش: إن رحمتي سبقت غضبي)، وفي البخاري عن عمر رضي الله عنه قال: (قَدِمَ على النبي صلى الله عليه وسلم سَبْيٌ، فإذا امرأة من السبي تَحلب ثَدييها تَسقي، إذا وجدتْ صبيًّا من السبي، أخذته فألصقتْه ببطنها فأرضعتْها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أترون هذه طارحة ولدها في النار؟)، قلنا: لا، وهي تقدر على أن تَطرحه، فقال: (الله أرحم بعباده من هذه بولدها)، وفي البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (جعَل الله الرحمة في مائة جزء، فأمسك عنده تسعة وتسعين جزءًا، وأنزل في الأرض جزءًا واحدًا، فمن ذلك الجزء تتراحم الخلق، حتى ترفع الفرس حافرَها عن ولدها خشيةَ أن تُصيبه).

 

قال أبو طاهر عفا الله عنهما: ففي هذه الآيات، وغيرها من آي الذكر الحكيم - وهو كثير جدًّا، وفي هذه الأحاديث وغيرها كذلك - ما يدل على أن الله سبحانه وتعالى لا يترك تعجيل العذاب لأولئك المستهزئين وأمثالهم عن عجزٍ منه سبحانه، ولا عن استخفاف بحق رسوله، وما يستحقه المستهزئون به من شديد عقاب وأليم عذاب، وإنما يُمهل أولئك الظالمين لأنفسهم بكفرهم واستهزائهم برسول الله صلى الله عليه وسلم، ويؤخرهم إحسانًا منه وتفضُّلاً؛ ليستعتبوا ويثوبوا إلى رشدهم، ويُنيبوا إلى ربهم، ويُسلموا من قبل أن يأتيَهم العذاب بغتةً وهم لا يشعرون، وهذا التأخير هو الحسنة، فهو إحسان من الله سبحانه بالإنظار والتأني بالناس، وإعطائهم الفرصة الواسعة من قبل أن يأخذهم بشديد عقوبته وأليم عذابه، ولن يأبى على الكافرين شقاؤهم وعنادهم، إلا أن يستعجلوا هذا العذاب تكذيبًا واستهزاءً، كما حكى الله عنهم في قوله في سورة الحج: ﴿ وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ * وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ ﴾ [الحج: 47، 48]، وفي سورة العنكبوت: ﴿ وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَوْلَا أَجَلٌ مُسَمًّى لَجَاءَهُمُ الْعَذَابُ وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ * يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ * يَوْمَ يَغْشَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ وَيَقُولُ ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [العنكبوت: 53 - 55]، وفي سورة الشعراء: ﴿ لَا يُؤْمِنُونَ بِهِ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ * فَيَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ * فَيَقُولُوا هَلْ نَحْنُ مُنْظَرُونَ * أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ ﴾ [الشعراء: 201 - 204]، وفي سورة الصافات: ﴿ وَأَبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ * أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ * فَإِذَا نَزَلَ بِسَاحَتِهِمْ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ ﴾ [الصافات: 175 - 177]، وفي سورة النمل: ﴿ قَالَ يَا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ [النمل: 46]، وفيها: ﴿ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ * وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ * وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ ﴾ [النمل: 72 - 74]، وفي سورة يونس: ﴿ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ * قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُهُ بَيَاتًا أَوْ نَهَارًا مَاذَا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ * أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ آلْآنَ وَقَدْ كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ ﴾ [يونس: 49 - 51].

 

يقول الله تعالى ذِكره في هذه الآيات: لقد كان الأولى والأحرى بأولئك المجرمين المستهزئين من العتاة المفسدين - ألا يستعجلوا عقوبة الله لهم وعذابه إياهم، لو كان لهم قلوب يعقلون بها، بل الأجدر والأحق بهم أن يطلبوا عفو الله ورحمته، وأن يعجل بهدايته وإنقاذهم من ظلمات جهنم، وأن يجعل لهم نورًا يهتدون به إلى صراطه المستقيم، ولكن هي الشقاوة والبغي، واستحكام أغشية الجاهلية على قلوبهم، حالت بينها وبين كل خير وهدي وعلم ونور، والعافية من الله ولا حول ولا قوة إلا بالله: ﴿ فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾ [الأنعام: 125].

 

وقوله سبحانه: ﴿ وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلَاتُ ﴾ [الرعد: 6]، تقول العرب للعقوبة: "مَثُلة"، و"مُثْلة"؛ مثل: (صَدُقة) و(صدقة)، فالأولى لغة أهل الحجاز، والثانية لغة تميم، فمن قال: "مَثُلة" بفتح الميم وضم الثاء، جمعها على "مَثُلات" بفتح الميم وضم الثاء، ومن قال: "مُثْلة" بضم الميم وسكون الثاء جمعها على "مُثُلات" بضم الميم والثاء، و"مَثُلات" بفتح الميم وضم الثاء، و"مُثْلات" بضم الميم وسكون الثاء، وهذا معنى قول الزجاج والفراء؛ قال في لسان العرب: يقول الله تعالى ﴿ وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ ﴾ [الرعد: 6]، يقول: يستعجلونك بالعذاب الذي لم أعاجلهم به، وقد علِموا ما نزل من عقوباتنا بالأمم الخالية، فلم يعتبروا بهم، ويقول: ﴿ وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ ﴾ [الحج: 47]؛ أي: يطلبون العذاب بقولهم: ﴿ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾ [الأنفال: 32]، وقولهم: ﴿ أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا ﴾ [الإسراء: 92]، وقد تقدم من العقوبات ما هو مثلة، وفيه نكال لهم لو اتَّعظوا، وكأن "الْمَثْل" بسكون الثاء مأخوذ من الْمَثَل؛ لأنه إذا شنَّع في عقوبته جعله مثلًا وعَلَمًا؛ ا.هـ.

 

وقال ابن الأنباري: "المثلة" العقوبة المبقية في المعاقب شيئًا بتغيير بعض خلقه الذي إذا أفسد قبحت معه الصورة، وهو من قولهم: مثَّل فلان بفلان، إذا شان خلقه، بقطع أنفه أو صلم أذنه، أو سمل عينه، أو بقر بطنه، يمثل به مثلًا، ثم يقال للعار الباقي والخزي اللازم: مثلة؛ ا.هـ.

 

وأصل هذا الحرف من المثل الذي هو السيئة، قال أبو عبيدة: "المثلات" هي الأمثال والأشباه والنظائر، يريد العقوبات التي تشبه بعضها بعضًا في الإهلاك؛ كعقوبات الأمم الماضية، ونحو هذا، قال ابن قتيبة وقال الزجاج: المعنى أنهم يستعجلون بالعذاب، وقد تقدم من عذاب الله للأمم الماضية ما هو مثلة، وقيل: "المثلات" العقوبات التي تزجر عن مثل ما وقعت من أجله، وقال ابن عباس: مثل الله بالمكذبين من قبلهم، والذي يدل من التفسير على ما ذكرنا من الاشتقاق، ما روى عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله تعالى: "المثلات"، قال: الأمثال، وقال في معنى "المثلات"، العقوبات يتذاكرها الناس، ويضربون بها الأمثال، فتُسمى باسم ما هو من سببها، وعلى هذا سُميت العقوبات أمثالًا؛ لما يضرب بها من الأمثال.

 

أقول - والله أعلم -: والصواب في "المثلات" أنها العقوبات الظاهرة من قولهم: مثل الشيء إذا ظهر وانتصب قائمًا، ومنه قول لبيد:

ثم أصدرناهمو في واردٍ *** صادرٍ وَهْمٍ صُواهُ قد مَثَلْ

أي: انتصب وظهر، وقد روى اللسان بيتَ لبيد هكذا:

ثُمَّ أصدرناهما في واردٍ *** صادرٍ وَهْمٍ صُواهُ قد مَثَلْ

 

و"الصوى" منار الطريق وعلاماته، وقوله: "كالمثل"؛ أي: كالقائم المنتصب، وقال الأزهري في هذه الآية: يقول الله تعالى ذكره: يستعجلون بالعذاب الذي لم أعاجلهم به، وقد علموا ما نزل من عقوباتنا بالأمم الخالية، فلم يعتبروا بها، وكان ينبغي أن يردعهم ذلك عن الكفر والظلم لنفسها؛ خوفًا أن ينزل بهم مثل الذي نزل بمن كفر قبلهم من الأمم التي كفرت، فعذبتها بذنبها، وأخذتها بظلمها أخذَ عزيزٍ مقتدر.

 

وقوله تعالى ذكره: ﴿ وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ ﴾ [الرعد: 6]، قال ابن عباس: لذو تجاوزٍ عن المشركين إذا آمنوا، ويقصد بقوله: ﴿ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾ [الرعد: 6]؛ أي: للمُصرين على الشِّرك، ونحو هذا قال الحسن: لذو مغفرة للناس على ظلمهم وعدم التوبة منه، فعلى هذا يكون المراد بالناس المشركين، وهو الظاهر؛ لأن الآية نزلت فيهم.

 

أصل المغفرة من "الغفر" بمعنى الستر والتغطية، ومنه: "المغفر" لما يُغطَّى به الرأس من آلات الحرب من الزرد وحلق الحديد، فمعنى غفر الله الذنب؛ أي: ألبس العبد من عفوه وتجاوزه ثوبًا يستره من الخزي والفضيحة يوم القيامة، وغشَّى صحيفة أعماله وكتابه الذي لا يترك صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها - من عفوه وستره وتجاوزه لعبده بتوبته، ما يخفي السيئة ويَمحو أثرها.

 

يقول الله جل ثناؤه ومخاطبًا ورسوله وحبيبه صلى الله عليه وسلم، ومشيرًا إلى خصيصته به؛ لأنه هو الذي عرَف حقَّ ربِّه وفضلَ سيده فشكَره: ﴿ وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ ﴾ [الرعد: 6]، المشركين الظالمين لأنفسهم من أهل مكة وغيرهم في كل زمن، الذين يرون من ربوبية الله سبحانه وآيات رحمته ونعمته وفضله وإحسانه إليهم - ما يغمرهم آناء الليل والنهار، وهم أبدًا محتاجون إلى بره وإحسانه، لا غنى لهم عنه سبحانه؛ لا بأنفسهم، ولا بشيء مطلقًا، وهو الغني عنهم وعن كل شيء: ﴿ وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ ﴾ [الأنعام: 133]، فإنه لا أحد أعظم إحسانًا إلى العبد من الله؛ فإن إحسانه على عبده في كل نفسه ولحظة، وهو يتقلب في إحسانه في جميع أحواله، ولا سبيل إلى ضبط أجناس هذا الإحسان فضلًا عن أنواعه وأفراده، ويكفي أن من بعض أنواع هذا الإحسان، نعمة النَّفَس التي لا تكاد تَخطر ببال العبد، فإن لله على العبد في كل يوم وليلة أربعة وعشرين ألف نعمة، فإنه يتنفس في اليوم والليلة أربعة وعشرين ألف نفس، فإذا كان أدنى نعمة لله سبحانه في كل يوم وليلة أربعة وعشرين ألفًا، فما الظن بما فوق ذلك وهو أعظم منه: ﴿ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ﴾ [النحل: 18].

 

هذا إلى ما يصرف عنه من المضرات وأنواع الأذى، ولعلها توازن النعم في الكثرة، والعبد لا شعور له بأكثرها، والله سبحانه يكلؤه منها بالليل والنهار: ﴿ قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَنِ بَلْ هُمْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُعْرِضُونَ ﴾ [الأنبياء: 42]، هذا مع غناه التام عنهم، وفقرهم التام إليه، فإنه غني عن خلقه من كل وجه، وهم فقراء إليه من كل وجه، وفي بعض الآثار يقول الله تعالى: (أنا الجواد، ومَن أعظم مني جودًا وكرمًا؟ أبيت أكلأ عبادي في مضاجعهم وهم يبارزوني بالعظائم)، وفي الترمذي أن النبي صلى الله عليه وسلم لما رأى السحاب، قال: (هذه روايا الأرض، يسوقها الله إلى قوم لا يذكرونه ولا يعبدونه)، وفي البخاري ومسلم أن صلى الله عليه وسلم قال: (لا أحد أصبر على أذًى سمِعه من الله! إنهم ليجعلون له الولد، وهو يرزقهم ويعافيهم)، وفي بعض الآثار يقول الله تعالى: (ابن آدم، خيري إليك نازل، وشرُّك إليّ صاعد، كم أتحبَّب إليك بالنعم وأنا غني عنك! وكم تتبغض إليّ بالمعاصي وأنت فقير إلي! ولا يزال الملك يعرج إليّ منك بعمل قبيح)، فمن الله سبحانه العطاء أولًا وآخرًا، والإحسان ظاهرًا وباطنًا، والعباد محل إحسانه فقط، ليس منهم شيء، إنما الفضل كله والنعمة كلها، والإحسان كله منه أولًا وآخرًا، أعطى عبده ماله، وقال: تقرَّب بهذا إليّ، أَقْبله منك، فالعبد له، والمال له، والثواب منه، فهو المعطي أولًا وآخرًا، فكيف لا يحب من هذا شأنه؟! ويتقرب إليه بالتوبة والإنابة، وإسلام الوجه والقلب له؛ لينال مغفرته ورحمته، ويستديم بره وإحسانه، وينال حسن المثوبة في الدنيا والآخرة، وينجو من شديد عقابه وأليم عذابه الذي ليس له دافع؟!

 

وإن الله تقرَّب إلى عباده بواسع رحمته وعظيم عفوه ومغفرته؛ ليحبوه أعظم المحبة وأخلصها، وهي أحد ركني العبادة، وركنها الثاني: الذل التام والخضوع الحقيقي لعظمته وكبريائه، ولا تتحقق سعادة العبد وفلاحه وفوزه إلا بإخلاص العبادة لربه سبحانه، بركنيها: غاية الحب وغاية الذل، وغاية الذل إنما تتحقق بالخوف والخشية المشار إليها بقوله: ﴿ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾ [الرعد: 6]، من أثر الإيمان بأنه شديد العقاب وسريع الحساب، وإنه لا يغفل عما يعمل الظالمون، ولا يضيع مثقال ذرة من عمل أي عاملٍ، وإن كان يُغلب رحمته وعفوه وكرمه على عقابه، فيَجزي الحسنة عشر أمثالها إلى سبعمائة ضِعف، وبالسيئة مثلها وقد يعفو ويغفر، فهو سبحانه يشملنا برحمته وعفوه؛ لنرجوه، فنسعى إلى رضوانه، ثم يتعرف إلينا بأنه شديد العقاب، وأن عذابه أليم؛ ليحول بيننا وبين التهاون بحقوقه، فنركن إلى عدونا وعدوه، وننحاز إليه وإلى حزبه، فنكون من الخاسرين، فقد جعل سبحانه هاتين الصفتين كالميزان الدقيق، يجعل المؤمن نفسه بين كفتيه بغاية الدقة، بحيث لا يغلب إحداهما على الأخرى، فيتعرض للتلف والهلاك، فهو دائمًا يمشي بين الخوف والرجاء؛ ليتخذ منهما جناحين يطير بهما إلى جنة الله ورضوانه، ومَن حافظ على التوازن بينهما ودقة مراعاته لكل واحد، كان من الذين أُوتوا الحكمة والخير الكثير، وفاز بسعادة الدنيا والآخرة، وملاحظة ذلك بالحكمة أمر يحتاج إلى منتهى العناية، فلذلك أوضحهما الله تعالى في كتابه أتَمَّ إيضاح، وعرَّفهما أبينَ تعريفٍ؛ لتقوم الحجة للموفقين وعلى الظالمين لأنفسهم؛ قال تعالى في سورة الأنعام: ﴿ فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ ﴾ [الأنعام: 147]، وقال في آخرها: ﴿ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [الأنعام: 165]، وفي سورة الأعراف: ﴿ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [الأعراف: 167]، وفي سورة السجدة: ﴿ مَا يُقَالُ لَكَ إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ وَذُو عِقَابٍ أَلِيمٍ ﴾ [فصلت: 43]، وفي سورة غافر: ﴿ غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ ﴾ [غافر: 3].

 

وفي القرآن الكريم آيات وسور كثيرة جدًّا، يقص الله فيها نبأ الأمم الخالية، وما أوقع بهم من شديد عقابه؛ تذكرة وعبرة للأمم الحاضرة والمستقبلة، وتحذيرًا لها من أن تسلك بنفسها سبيل الهلاك والشقاء، وقد قطع الله العذر وأقام الحجة؛ قال الله تعالى في سورة الأعراف: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ * ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَوْا وَقَالُوا قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ فَأَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ * وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ * أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ * أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ * أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ ﴾ [الأعراف: 94 - 99].

نسأل الله العافية من عذابه وأليم عقابه، وأن يجعلنا من الْمُؤْتَمِّين بسيد أنبيائه وصفوة رسله، صلى الله عليه وسلم تسليمًا كثيرًا.

 

مجلة الهدي النبوي - المجلد السادس - العدد (9-10) - جمادى الأولى سنة 1361هـ





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • تفسير: { إنما يستجيب الذين يسمعون والموتى يبعثهم الله ثم إليه يرجعون}
  • تفسير: (يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله والكتاب الذي نزل على رسوله)
  • تفسير: (يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله)
  • تفسير: (يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم)
  • تفسير: (يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا)
  • تفسير: (إنا نطمع أن يغفر لنا ربنا خطايانا أن كنا أول المؤمنين)
  • تفسير: (وأوحينا إلى موسى أن أسر بعبادي إنكم متبعون)
  • تفسير: (وكان في المدينة تسعة رهط يفسدون في الأرض ولا يصلحون)
  • تفسير: (تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين)
  • الوصية بإتباع السيئة بالحسنة

مختارات من الشبكة

  • تفسير: (ويستعجلونك بالسيئة قبل الحسنة وقد خلت من قبلهم المثلات)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير: (ويستعجلونك بالعذاب ولولا أجل مسمى لجاءهم العذاب...)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير: (ويستعجلونك بالعذاب ولن يخلف الله وعده وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • ويستعجلونك بالعذاب(مقالة - آفاق الشريعة)
  • لفتة مختصرة: البدعة الحسنة والسنة الحسنة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير: (قال يا قوم لم تستعجلون بالسيئة قبل الحسنة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير: (فإذا جاءتهم الحسنة قالوا لنا هذه وإن تصبهم سيئة يطيروا بموسى ومن معه)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير: (ثم بدلنا مكان السيئة الحسنة حتى عفوا وقالوا قد مس آباءنا الضراء والسراء)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • النبذة الحسنة في معنى حديث: (من سن في الإسلام سنة حسنة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • وقفات مع تفسير الآية القرآنية: {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار}(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • بعد خمس سنوات من الترميم.. مسجد كوتيزي يعود للحياة بعد 80 عاما من التوقف
  • أزناكايفو تستضيف المسابقة السنوية لحفظ وتلاوة القرآن الكريم في تتارستان
  • بمشاركة مئات الأسر... فعالية خيرية لدعم تجديد وتوسعة مسجد في بلاكبيرن
  • الزيادة المستمرة لأعداد المصلين تعجل تأسيس مسجد جديد في سانتا كروز دي تنريفه
  • ختام الدورة التاسعة لمسابقة "جيل القرآن" وتكريم 50 فائزا في سلوفينيا
  • ندوة في سارنيتسا تبحث تطوير تدريس الدين الإسلامي وحفظ التراث الثقافي
  • مشروع للطاقة الشمسية وتكييف الهواء يحولان مسجد في تيراسا إلى نموذج حديث
  • أكثر من 5000 متطوع مسلم يحيون مشروع "النظافة من الإيمان" في زينيتسا

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 12/1/1447هـ - الساعة: 14:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب