• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    التحذير من المغالاة في المهور والإسراف في حفلات ...
    سماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز
  •  
    اشتراط الحول والنصاب في الزكاة
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    من فضائل الدعاء
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    لا أحد أحسن حكما من الله
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    دلالة السنة والنظر الصحيح على أن الأنبياء عليهم ...
    د. أحمد خضر حسنين الحسن
  •  
    تفسير: (فقالوا ربنا باعد بين أسفارنا وظلموا ...
    تفسير القرآن الكريم
  •  
    الدرس الثالث والعشرون: لماذا نكره الموت
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    الإنفاق على الأهل والأقارب بنية التقرب إلى الله ...
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الإسلام يدعو إلى المؤاخاة
    الشيخ ندا أبو أحمد
  •  
    خطبة عيد الأضحى: عيدنا طاعة وعبادة
    محمد بن عبدالله بن فياض العلي
  •  
    خطبة عيد الأضحى: الامتثال لأوامر الله
    محمد بن عبدالله بن فياض العلي
  •  
    أقسام المشهود عليه
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    الشهادتان - شهادة: أن لا إله إلا الله
    تركي بن إبراهيم الخنيزان
  •  
    تحريم النذر لغير الله تبارك وتعالى
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    تخريج حديث: أن ابن مسعود جاء إلى النبي صلى الله ...
    الشيخ محمد طه شعبان
  •  
    تفسير قوله تعالى: {وما محمد إلا رسول قد خلت من ...
    سعيد مصطفى دياب
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / فقه وأصوله
علامة باركود

حماية رئيس الدولة لمبدأ استقلالية القضاء في الإسلام

حماية رئيس الدولة لمبدأ استقلالية القضاء في الإسلام
د. عبدالمنعم نعيمي


تاريخ الإضافة: 29/2/2016 ميلادي - 21/5/1437 هجري

الزيارات: 5989

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

حماية رئيس الدولة لمبدأ استقلالية القضاء في الإسلام


بتاريخ الأحد 27 يناير/ جانفي 2016، تمَّت المصادقة على تعديل الدستور الجزائري عن طريق البرلمان بغرفتيه (مجلس الأمة والمجلس الشعبي الوطني)، في جلسةٍ عامَّة واستثنائية عقَدَها بقصر المعارض بالجزائر العاصمة، وقد حاز التعديل أغلبيةَ أصوات النواب بـ 499 صوتًا.

 

من بين التعديلات التي جاء بها هذا التعديل الدستوري نَصُّ الفقرة الثانية من المادة 138، التي تقول: "رئيس الجمهورية ضامن استقلال السلطة القضائية"؛ أي: إنَّه هو الضامِن الحقيقي الذي يُشرِف على تَجسيد وتكريس وتعزيز استقلاليَّة القضاء؛ عضويًّا ووظيفيًّا، ومع التسليم بأنَّ عبارة النصِّ يَشوبها بعضُ الإشكال، الذي أوضحتُه في مقالي: "العدالة في الجزائر كما يراها دستور 2016"، وملخصه: أنَّ العبارة توحي بأنَّ رئيس الدولة هو أهمُّ ضامن لاستقلاليَّة القضاء؛ ما يُقلِّل ربَّما من قيمة الضمانات الماديَّة الأخرى التي تُعزِّز المركزَ القانوني للقاضي، خاصَّة في ظلِّ النُّظم القانونية والدستورية والسياسية الوضعيَّة، التي قد لا يَسلم فيها القضاء من تأثيرات السُّلطة التنفيذيَّة، بخلاف بعض قليل من النُّظم الإسلاميَّة؛ (كالنظام الدستوري والسياسي والتشريعي السعودي).


من خلال هذا المقال، أحبُّ أن أستعرِض نماذج من تاريخ القَضاء الإسلامي، نتبيَّن منها تعامل رئيس الدولة أو الخليفة في دَولة الإسلام مع القضاء، ودوره في ضمان استقلاليَّته وتعزيزها ضدَّ كلِّ ما من شأنه أن يحيق بها ويُؤثِّر فيها.

 

وفيما يلي طرفٌ من هذه النماذج:

• هذا عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه رُوي أنَّه كان بينه وبين أبيِّ بن كعب رضي الله عنه مُنازعة وخصومة في حائط، فقال له عمر: "بَيني وبينك زيدُ بن ثابت رضي الله عنه"، فأتياه فضرَبا عليه الباب، فخرج فقال: يا أميرَ المؤمنين، ألا أرسلتَ إليَّ حـتى آتيك؟ فقال لـه عمر رضي الله عنه: "في بيته يُؤتى الحَكَم"، فأخرج زيدٌ رضي الله عنه وسادة فألقاها، فقال لـه عمر رضي الله عنه: "هذا أوَّل جَوْرك"، وأبى أن يجلِس عليها، فتكلَّما، فقال زيد لأبيِّ بن كعب رضي الله عنهما: "بيِّنتُك، وإنْ رأيتَ أن تُعفي أميرَ المؤمنين من اليمين فأَعفِه؟"، فقال عمر رضي الله عنه: "يقضي عليَّ باليمين ولا أحلف؟!"، فحلف[1].

 

ووجه الفائدة من هذه الواقعة: أنَّ "القاضي يَنبغـي لـه أن يكون كما أراد عمر في زيد بن ثابتٍ رضي الله عنهما؛ إذا جاءته قضية يصرِف نظرَه وفكرَه إليها، دون النَّظر إلى مَنزلة الخصوم، فيتَّخذ الطريقةَ الشرعيَّة في البتِّ فيها..."[2]، ودون خشية لسطوَة الحاكِم أو تدخُّله، ثمَّ إن قول عمر رضي الله عنه: "يقضي عليَّ باليمين ولا أحلف؟!" أيضًا فيه دليل على تكفُّل الخليفة (رئيس الدولة) نفسه بحِماية استِقلال قضاة دولته؛ وذلك بالامتِناع عن التدخُّل في صلاحياتهم، يُؤكِّده أيضًا ما وقع في بعض الرِّوايات أنَّ عمر قال لزيد رضي الله عنهما: "فاقضِ بيننا كما تَقضي بين الناس"[3]؛ أي: سواء جرى الحُكم لمصلحة الخليفة عمر رضي الله عنه أو لِمصلحة خصمه.

 

يُستفاد أيضًا من هذه الواقعة: "أنَّ خليفة المسلمين وأمير المؤمنين، الذي كان يملِك سياسةَ الدنيا والدين في ممالِك العرب، والذي كانت لـه السطوة والحزم، وكان مجده عاليًا إثْر الفتوحات الواسعة - هذا الخليفة رضخ لحكم القضاء، ولم يتدخَّل في عمل القاضي زيدٍ رضي الله عنه الذي كان مستقلًّا؛ فلم يتأثَّر إلَّا بحكم الشريعة الإسلاميَّة من دون مراعاة لمكانة المدَّعى عليه"[4].

 

• في واقعةٍ أخرى: أنَّ رجلًا كان مع أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، وكان ذا صوتٍ ونكاية في العدوِّ، فغنموا، فأعطاه أبو موسى الأشعري رضي الله عنه بعضَ سهمه، فأبى أن يأخذ إلَّا جميعَها، فضربه عشرين سَوطًا وحلق رأسَه، فجمع شعرَه ورحل إلى عمر رضي الله عنه فدخل عليه، قال جرير بن عبدالله: "وأنا أقرب النَّاس مجلسًا من عمر رضي الله عنه"، فأخرج شعرَه فضرب به صدرَ عمر رضي الله عنه، وقال: "أما والله لولا!"، فقال عمر رضي الله عنه: "لولا ماذا؟ صدَق واللهِ لولا النَّار"، فقـال: "كنتُ ذا صوتٍ ونكاية في العدو"، ثم قصَّ قصَّتَه على عمر رضي الله عنه، فكتَب عمر إلى أبي موسى الأشعري رضي الله عنهما: "إنَّ فلانًا قدِم عليَّ فـأخبرني بكذا وكذا؛ فإن كنتَ فعلتَ ذلك به، فعزمتُ عليك إن كنتَ فعلتَ به ذلك في ملَأ من الناس، فعزمتُ عليك لَما جلستَ له في ملأ من النَّاس حتى يقتصَّ منك، وإن كنتَ فعلتَ به ذلك في خلاء، لَما جلستَ له في خلاء حتى يقتصَّ منك"، فقال لـه النَّاس: "اعف عنه"، فقال: "لا والله لا أدعه لأحدٍ"، فلمَّا قعد أبو موسى رضي الله عنه للقِصاص، رفع الرجل رأسَه إلى السماء وقال: "اللهمَّ قد عفوتُ عنه"[5].

 

• وحُكِيَ (أنَّ المأمون كان يجلِس للمظالِم في يوم الأحد في موضعٍ أعدَّه للحُكم، فمشى إليه يومًا، فتلقَّتْه امرأة في ثياب رثَّة...، فقال لها المأمون: "مَن خصمك؟"، قالت: "هو القائم على رأسك، العباس بن أمير المؤمنين"، فقال المأمون لقاضيه يحيى بن أكثم: "أجلِسها معه وانظر بينهما"، فأجلسَها ونظر بينهما بحضرة المأمون، فجعل كلامها يَعلو على كلام العباس، فزجرها بعض الحُجَّاب، فقال لـه المأمون: "ويحك خلِّها؛ فإنَّ الحق أنطَقَها والباطلَ أخرسَه"، وأمر بردِّ ضيعتها)[6].

 

يُستفاد من واقعة أبي موسى الأشعري رضي الله عنه وواقعة العباس بن المأمون أمير المؤمنين: أنَّ القاضي في الإسلام كان مستقلًّا تمامَ الاستقلال، بل إنَّ الخليفة قد يتولَّى بنفسه ضمانَ ذلك؛ فكونه القاضي الأول في البلاد يَجعله ملاذًا للمظلومين، الذين قد يَلجؤون إليه ليُنصفَهم من القضاة في حال تَقصيرهم في واجب الاستِقلال عند إصدار الأحكام، وقد اتَّضح لنا كيف أنَّ عمر رضي الله عنه نبَّه أبا موسى الأشعري رضي الله عنه وهو قاضي البَصرة وواليها إلى خطَئه ومَكْمن تقصيره؛ حرصًا منه رضي الله عنه على ضمان الاستقلاليَّة في أسمى صوَرها.

 

أيضًا يُستفاد من تَعامل المأمون الخليفة مع خصومَةِ المرأة مع ابنه العباس: أنَّ الخليفة كان لا يَرى نفسَه وذويه أمامَ القاضي إلَّا كأحد الرعايا العاديِّين؛ فما يَجري عليهم من أحكامٍ يجري على الخليفة وأهلِه وأقاربِه، ولو كان القاضي غير مستقلٍّ لكان بمقدور المأمون التدخُّل منذ البداية في عمل قاضيه يحيى بن أكثم، والتأثير على حُكمه بما يخدم مصلحةَ ابنه، ولكنَّه لم يفعل ذلك، على الرغم من أنَّه خليفة المسلمين وليس مجرَّد والٍ على إقليم.

 

• حُكي أيضًا: أنَّ (المصعب بن عمران قاضي الأمير هشام بن عبدالرحمن الداخل كان صلبًا في أحكامه، لا يَرعى فيها سوى ربه، فقد شكا رجلٌ إليه أحدَ حاشيـة الأمير، وذكـر أنَّه اغتصب دارًا ليسَت له، وقدَّم إليه ما يُثبِت كلامَه، فحكـم له بداره، وأن يُخْليها توًّا هذا المغتصِب لها، ولجأ المغتصِب إلى الأمير هشام يتوسَّل إليه أن يأمر القاضي بوقف حكمه، فقال له الأمير هشام: "والله لو حكم عليَّ بخروجي عن مَقعدي هذا وسلطاني، لخرجتُ عنه"، ونفَّذ الرجل الحكمَ صاغرًا) [7]، فدلَّ ذلك على نَفاذ حكم القاضي على الحاكم والمحكوم عليه.

 

• وذكر محمد بن خلف وكيع: "أنَّ واليَ المدينة الذي غصب مالَ قوم، أراد التدخُّل في القضاء الذي قَضى عليه به القاضي سعيد بن سليمان، فحاول عزلَه، فما استطاع، فعُزل الوالي من أجله"[8].

 

كلُّ هذه الوقائع وشبهها تدلُّ على أنَّ للقاضي في الإسلام استقلالًا حقيقيًّا؛ "فبمجرد تَعيينه يصبح مستقلًّا بنفسه، ويُصبح الأمير عاجزًا عن توجيهه في أحكامه أيَّ وجهة يريدها، حتى لو تعلَّق الأمر به أو بأُمراء الأسرة أو بأحد حواشيه في القصر"[9]، وفي حالاتٍ أخرى قد يُعزِّر الخليفة مَن يفعل ذلك من أمراء وولاة أقاليمه إذا ما حاولوا التدخُّل في عمَل القضاة؛ إمَّا بتقريعهم أو عزْلِهم.

 

• إضافة إلى ما تقدَّم، حكى لنا تاريخُ القضاء الإسلامي ردَّ القاضي شُريح تدخُّلَ أحد الولاة في أحكامه؛ فقد ورد (أنَّه قضى مرَّة على رجل فحبسَه في السجن، فعلم بذلك والي البصرة والكوفة بشر بن مروان أخو الخليفة الأموي عبدالملك بن مروان، فأرسل إلى شُريح طالبًا إليه أن يُخلي سبيلَ الرَّجل، فأجابه شريح: "السجن سجنك، والبوَّاب بوَّابك، وأمَّا أنا، فإنِّي رأيتُ عليه الحق فحبستُه لذلك"، ثمَّ أبى أن يخلي عنه)[10].

 

• وفي قصَّة قاضي قضاة مصر عز الدين بن عبدالسلام مثالٌ رائع لاستقلاليَّة القاضي وحصَانته ضد أي تدخل في عمله؛ "فقد قضى ببيع المماليك من أُمراء مصر، وعلى رأسهم نائب السُّلطان، ونادى عليهم واحدًا واحدًا، وغالى في ثمَنهم، وقبضه وصرَفه في وجوه الخير"[11]، دون أن يستجرِئ أحدٌ من ملوك الأرض هؤلاء أن يتدخَّل في عمله.

 

• أيضًا حُكي أنَّ معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه والي فلسطين مـن قِبَل عمر بن الخطاب رضي الله عنه - اختلَف مع قاضيها عبادة بن الصَّامت رضي الله عنه في أمْرٍ، فأغلَظ معاوية رضي الله عنه القولَ لعُبَادة رضي الله عنه، فقال عبادةُ رضي الله عنه لـه: "لا أساكِنك بأرضٍ واحدة أبدًا"، وترَك فلسطين ورجع إلى المدينة المنورة، فلمَّا قابله عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه، قال: "ما أقدمَك؟"، فأخبره بالأمر، فقال عمرُ رضي الله عنه: "ارجع إلى مكانك، قبَّح الله أرضًا خلَت من أمثالك"، ثمَّ كتَب إلى معاوية رضي الله عنه: "لا إمرة لك على عبادة رضي الله عنه"[12].

 

والذي يُستفاد من هذه الحادِثة: أنَّ القاضي ملزَم بألَّا يَنصاع لأيِّ تدخُّل مهما كان شكله، وأن يكون شأنه شأن شريح جريئًا في أحكامه، وعلى ذِكر الجرأة أختم بما روي عن القاضي ابن شبرمة أنَّه "كان مستقلًّا في قضائه، جريئًا في أحكامه؛ فقد قضى مرَّةً على أحد القوَّاد، وقال لـه: "إيَّاك والله لئن هربتَ لأُتبعنَّك القضاء"، وقال لخصمه: "خذ منه كفيلًا أو وكيلًا"[13].

 

ولعلَّكم لاحظتُم أنَّ ما سبق ذِكره من وقائع نَستبين منها إجمالًا: الاستقلاليَّة التي كان يتمتَّع بها القاضي في دولة الإسلام، ومدى مساهمة الحكَّام وأولياء الأمور في تَكريسها وتعزيزها في الواقع.

 

• مسألة:

• على ضوء ما تقدَّم، "لو صادف القاضي تدخُّلًا من وليِّ الأمر يُخِلُّ باستقلاليَّته في إصدار الحكم، ولم يَستطع أن يقاومَه أو أن يدفعه، فإنَّ عليه أن يَستقيل من وظيفته؛ يتنحَّى ويعزل نفسه"[14]، واحترازًا من وقوع مثل ذلك قرَّر الفقهاءُ قاعدة: "إذا نهى وليُّ الأمر القاضيَ عن الحُكم في مسألة، فله الحكم بها"[15].

 

قلتُ: وتُحمل دلالة هذه القاعِدة على حالة ما إذا قصَد وليُّ الأمر مِن نهْي القاضي عن الحكم في نِزاع معين - التملُّصَ من تَنفيذ الأحكام التي تتعارض ومصالحَه.

 

أيضًا قرَّروا قاعـدة: "الأصل أنَّ وليَّ الأمر إذا عيَّن القاضي، وجبَت عليه إعانته على ما أهَّلَه إليه من القيام بخطَّته، ويمضي أحكامه"[16].

 

والأهمُّ من ذلك: أنَّ الفقهاء اهتمُّوا ببيان مواصفات مَن يتولَّى القضاء، ولعلَّ أهم تلك المواصَفات التي تَتناسب مع الذي ذُكِر: "أنَّ القاضي يكون مستخفًّا بالأئمَّة؛ غير هيوب لهم"[17]، "وأن يكون غير مستحيٍ باللَّائمة، غير هائب في الحقِّ لومة لائم"[18].

 

واعلم أنَّه لا خلاف - فيما أعلمه - بين قول الفقهاء: "أن يستخفَّ القاضي باللَّائمة"، وقولهم: "أن يستخفَّ بالأئمَّة"؛ لأنَّ كِلا مدلول كل منهما يتَّصل بالآخر ويرتبط به ويُكمِّله؛ فالقاضي يستخفُّ بلومة اللائم له وإن كان من الأئمَّة والحكَّام، أو من جهة وسائطهم، فضلًا عن عامَّة النَّاس.

 

• استقلالية القضاء تُبتلى بخُلفاء السوء:

على الرغم من هذه الصَّفحات المشرِقة للقضاء الإسلامي التي امتدَّت إلى الفترة الذهبيَّة من العصر العباسي، إلَّا أنَّ دوام الحال من المحال؛ فقد بدأ هامِش حريَّة القضاة واستقلاليتهم يَنحسر ويَضيق؛ لمَّا أكثر السَّلاطين والأمراء من التدخُّل في صلاحيات قضاتهم، ومحاولة التأثير على أحكامهم؛ "فحَمَلوا القضاةَ في أغلب الأحيان على السَّير وفق رغباتهم، وقد اتَّخذوا لذلك أساليبَ متنوعة: بالإغراء مرَّة، وبالتوعُّد مرَّة أخرى حتى عند تعيينهم، كما حدَث مع الإمام أبي حنيفة النُّعمان رحمه الله تعالى؛ حينما أراد الخليفة العبَّاسي المنصور أن يوليه القضاءَ، فأبى وأصرَّ على عدم قبوله، فتوعَّده أبو جعفر ثمَّ ضرَبه وأطلقَه، ليسجنه فيما بعد حتى مات رحمه الله رحمةً واسعة"[19].

 

واستشرى خطَر السَّلاطين أكثر على استقلاليَّة القُضاة فيما تلا الدولة العباسية من مماليك: "كالذي حَصَل في العهد المملوكي لمَّا طلب الأمير منكوتمر من القاضي ابن دقيق العيد أن يَحكم في ميراثٍ دون بيِّنةٍ واضحة، وعندما رفَضَ القاضي المالكي بدر الدين التنسي طلب السلطان "جمقمق" أن يَحكم بتكفير الشَّريف أسد الدين محمد لاشتِغاله بصناعة الكيمياء"[20].

 

خلاصة:

كان الهدَف من سرْد هذه النماذج: التأكيد على أنَّ رئيس الدَّولة في الإسلام كان بحقٍّ القاضيَ الأول في البلاد وصفًا وتوصيفًا وممارسةً، وأنَّ إشكاليَّة تأثير رئيس السلطة التنفيذية (رئيس الدولة) على القضاء لم يكن مطروحًا على نحو ما تَطرحه اليوم النُّظُم السياسية والدستورية الوضعيَّة الرَّاهنة، وأنَّه عبْرَ تاريخ دولة الإسلام كان راعيًا فعليًّا وضامنًا حقيقيًّا لاستقلاليَّة القضاء، بل كان يَرعاها ويحميها حتى من القُضاة أنفسِهم؛ فكان يُرشدهم ويَهديهم إلى مسالك القضاء الشَّرعي الصَّحيحة، وينعت لهم أخطاءهم ويُكاشفهم في ذلك ويُراقبهم، وربَّما عاقبَهم بالعزل أو النَّقل عقوبة ونكاية، فيكونون عبرةً لغيرهم، ولا يَقدح في ذلك ما وقع من بعض السَّلاطين الذين باعوا أساسَ مُلكِهم (العدل)؛ فزال مُلْكُهم، والله تعالى المستعان.



[1] سنن البيهقي، كتاب آداب القاضي، باب إنصاف الخصمين في المدخل عليه والاستِماع منهما والإنصاتِ لكلِّ واحدٍ منهما حتى تنفد حجَّته وحسن الإقبال عليهما (10 / 136)، وكتاب آداب القاضي، باب ما جاء في التحكيم (10 / 145).

[2] يُنظر: د / غالب بن عبدالكافي القريشي: "أوليات الفاروق في الإدارة والقضاء"، مكتبة الجيل الجديد، صنعاء، مؤسسة الكتب الثقافية، بيروت ط 1، 1410 هـ - 1990 م (2 / 590، 591).

[3] يُنظر: محمد بن خلف وكيع: "أخبار القضاة"، عالم الكتب، بيروت، د ط، د ت (1 / 109).

[4] يُنظر: د / صبحي محمصاني: "تراث الخلفاء الراشدين في الفقه والقضاء"، دار العلم للملايين، بيروت، لبنان، ط 1، شباط / فبراير، 1984 م، ص (158).

[5] يُنظر: أبو محمد علي بن حزم: "المحلى بالآثار"، تحقيق: د / عبدالغفار سليمان البنداري، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، د ط، د ت (8 / 439، 440)، أبو الفرج عبدالرحمن بن الجوزي: "تاريخ عمر بن الخطاب"، الزهراء للنشر والتوزيع، طبع المؤسسة الوطنية للفنون، الجزائر، ط 1، 1990 م، ص 70.

[6] يُنظر: أبو القاسم بن رضوان المالقي: "الشهب اللامعة، في السياسة النافعة"، تحقيق: د / علي سامي النشار، الشركة الجديدة، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، ط 1، 1404 هـ - 1984 م، ص (90 - 92)، أبو الحسن علي بن محمد الماوردي: "الأحكام السلطانية والولايات الدينية"، تحقيق: سمير مصطفى رباب، صيدا، بيروت، المكتبة العصرية، ط 1، 1421هـ - 2000 م، ص (102)، وأبو الوليد سليمان بن خلف الباجي: "فصول الأحكام، وبيان ما مضى عليه العمل عند الفقهاء والحكَّام"، تحقيق وتقديم: د / محمد أبو الأجفان، مكتبة التوبة، الرياض، دار ابن حزم للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، ط 1، 1422 هـ - 2002 م، ص 110.

[7] يُنظر: أ.د / شوقي ضيف الله البطاينه: "استقلال القضاء في الأندلس"، مجلة الدارة، دارة الملك عبدالعزيز، السعودية، ع 1، شوال / ذو الحجة 1409 هـ - مايو / يوليو 1989 م، ص (19).

[8] يُنظر: محمد بن خلف وكيع: المرجع السابق، (1 / 167، 168). يُنظر: محمد بن خلف وكيع: المرجع السابق، (1 / 167، 168).

[9] يُنظر: أ.د / شوقي ضيف الله: المرجع السابق، ص 19.

[10] يُنظر: محمد بن خلف وكيع: المرجع السابق (2 / 279، 111)، ود / صبحي محمصاني: المجتهدون في القضاء (مختارات من أقضيه السلف)، د م ن، د د ن، ط 1، تشرين الأول / أكتوبر، 1980 م، ص (37).

[11] يُنظر: تاج الدين السبكي: "طبقات الشافعية الكبرى"، تحقيق: عبدالفتاح محمد الحلو ومحمود محمد الطناحي، دار إحياء الكتب العربية، هجر للطباعة والنشر والتوزيع والإعلان، مصر، ط 2، 1413 هـ - 1992 م، (2 / 217).

[12] يُنظر: عز الدين أبو الحسن علي بن الأثير: "أسد الغابة في معرفة الصحابة"، تحقيق: محمد إبراهيم البنا، محمد أحمد عاشور، محمود عبدالوهاب فايد، د م ن، دار الشعب، د ط، د ت، (3 / 190)، وأبو عمر يوسف بن عبدالبر: "الاستيعاب في معرفة الأصحاب"، تحقيق: علي محمد البجاوي، د م ن، د د ن، ط 1، 1412 هـ - 1992 م، (3 / 808).

[13] يُنظر: محمد بن خلف وكيع: المرجع السابق (2 / 279، 111)، ود / صبحي محمصاني: المرجع السابق، ص (37).

[14] يُنظر: د / عبدالكريم زيدان: "نظام القضاء في الشريعة الإسلامية"، مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، ط 3، 1421 هـ - 2000 م، ص (61)، ود / فؤاد عبدالمنعم أحمد، والحسين علي غنيم: "الوسيط في التنظيم القضائي في الفقه الإسلامي مع التطبيق الجاري في المملكة العربية السعودية ومصر والكويت"، مؤسسة شباب الجامعة للطباعة والنشر والتوزيع، الإسكندرية، د ط، د ت، ص (96).

[15] يُنظر: منصور البهوتي: "كشاف القناع على متن الإقناع"، راجعه وعلق عليه: هلال مصيلحي ومصطفى هلال، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، د ط، 1406 هـ - 1982 م، (6 / 292)، أبو يعلى الفراء: "الأحكام السلطانية"، صححه وعلَّق عليه: محمد حامد الفقي، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، د ط، 1403 هـ - 1983 م، ص (64)، والماوردي: المرجع السابق، ص (85).

[16] يُنظر: أبو الحسن النباهي: "تاريخ قضاة الأندلس، أو المرقبة العليا فيمن يستحق القضاء والفتيا"، تحقيق: لجنة إحياء التراث العربي في دار الآفاق الجديدة، منشورات دار الآفاق الجديدة، بيروت، لبنان، د ط، 1400 هـ - 1980 م، ص 51.

[17] يُنظر: ابن عبدالرفيع: "معين الحكام على القضايا والأحكام"، تحقيق: د / محمد بن قاسم بن عباد، دار الغرب الإسلامي، بيروت، لبنان، د ط، 1989 م، (1 / 608)، منصور البهوتي: المرجع السابق (6 / 310)، موفق الدين أبو محمد عبدالله بن قدامة: "المغني"، ويليه "الشرح الكبير"؛ للإمام شمس الدين قدامة المقدسي، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، د ط، د ت (11 / 385)، له أيضًا: "الكافي في فقه الإمام المبجل أحمد بن حنبل"، تحقيق: زهير الشاويش، المكتب الإسلامي للطباعة والنشر، بيروت، لبنان، ط 3، 1402 هـ - 1982 م، (4 / 434 - 435)، محمد بن علي الخرشي: "حاشيته على مختصر خليل"، وبهامشه حاشية الشيخ علي العدوي، دار صادر، بيروت، د ط، د ت، 4 / 7 / 141، أبو الوليد محمد بن أحمد بن رشد: "المقدمات الممهدات لبيان ما اقتضَته رسوم المدونة من الأحكام الشرعيات والتحصيلات المحكمات لأمَّهات مسائلها المشكلات"، تحقيق: أ / سعيد أحمد أعراب، دار الغرب الإسلامي، بيروت، لبنان، ط 1، 1408 هـ - 1988 م، ج 2، ص (252)، وأبو الحسن النباهي: المرجع السابق، ص (62).

[18] يُنظر: برهان الدين أبو الوفاء إبراهيم بن فرحون: "تبصرة الحكام في أصول الأقضية ومناهج الأحكام"، خرَّج أحاديثه وعلَّق عليه وكتب حواشيه الشيخ: جمال مرعشلي، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط 1، 1416 هـ - 1995 م، (1 / 23، 24)، أبو عمر يوسف بن عبدالبر: "الكافي في فقه أهل المدينة المالكي"، دار الكتب العلمية، ط 2، 1413 هـ - 1992 م، ص (497)، وشمس الدين أبو بكر محمد السرخسي: "المبسوط"، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط 1، 1414 هـ - 1993 م، 8 / 16 / 71.

[19] يُنظر: ناصر بن محمد بن شمري الغامدي: "الاختصاص القضائي في الفقه الإسلامي مع بيان التطبيق الجاري في المملكة العربية السعودية"، مكتبة المرشد للنشر والتوزيع، الرياض، السعودية، ط 1، 1420 هـ - 2000 م، ص (106)، فتحي عثمان: "الفكر القانوني الإسلامي بين أصول الشريعة وتراث الفقه"، القاهرة، مصر، مكتبة وهبة، د ط، د ت، ص (331)، شهاب إبراهيم بن أبي الدم: "أدب القضاء أو الدُّرر المنظومات في الأقضية والحكومات"، تحقيق: محمد عبدالقادر عطا، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط 1، 1407 هـ - 1987 م، ص (26، 27)، وشمس الدين أبو بكر محمد السرخسي: المرجع السابق، 8 / 16 / 68 - 69.

[20] يُنظر: د / محمد زغلول سلام: "الأدب في العصر المملوكي"، منشأة المعارف، الإسكندرية، د ط، 1994 م، (1 / 228)، ود / محمد الرحيل غرابية: "مبدأ استقلال القضاء ومدى مراعاته في العهد المملوكي"، ص (196).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


مختارات من الشبكة

  • العلمانية والدعوة إلى الدولة المدنية(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • الفتوحات في عهد الخليفة أبي بكر الصديق: زيادة وتأمين رقعة نفوذ بلاد الإسلام(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • سويسرا: القضاء يؤيد نشاطات مجموعة مناهضة للإسلام ويطالب بحمايتها(مقالة - المسلمون في العالم)
  • الحرب في الإسلام لحماية النفوس وفي غير الإسلام لقطع الرؤوس: غزوة تبوك نموذجا(مقالة - آفاق الشريعة)
  • استقلال القضاء: ورقة مقدمة لندوة دور القضاء في حماية حقوق الإنسان (PDF)(كتاب - موقع الشيخ د. عبدالمجيد بن عبدالعزيز الدهيشي)
  • استقلال القضاء: ورقة مقدمة لندوة دور القضاء في حماية حقوق الإنسان (WORD)(كتاب - موقع الشيخ د. عبدالمجيد بن عبدالعزيز الدهيشي)
  • اهتمام الإسلام بالمسنين(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • وقفة تدبر مع دولة بني عثمان وحالنا الآن(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • معركة حران سنة 497 هـ(مقالة - موقع د. محمد منير الجنباز)
  • الإسلام وحقوق المعاقين: دراسة فقهية في كيفية حماية حقوق المعاقين في المجتمعات الإسلامية وفق الشريعة(مقالة - آفاق الشريعة)

 


تعليقات الزوار
1- تصويب
د. عبد المنعم نعيمي - الجزائر 29-02-2016 10:25 PM

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته ورحماته،
فقد وقع سهوا خطأ في تاريخ المصادقة على الدستور الجزائري الجديد للعام الجاري (2016)وهو: 2è يناير/ جانفي 2016، والصواب: الأحد 7 فبراير/ فيفري 2016
مع خالص اعتذاراتي
الكاتب صاحب المقال.

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • بعد عامين من البناء افتتاح مسجد جديد في قرية سوكوري
  • بعد 3 عقود من العطاء.. مركز ماديسون الإسلامي يفتتح مبناه الجديد
  • المرأة في المجتمع... نقاش مفتوح حول المسؤوليات والفرص بمدينة سراييفو
  • الذكاء الاصطناعي تحت مجهر الدين والأخلاق في كلية العلوم الإسلامية بالبوسنة
  • مسابقة للأذان في منطقة أوليانوفسك بمشاركة شباب المسلمين
  • مركز إسلامي شامل على مشارف التنفيذ في بيتسفيلد بعد سنوات من التخطيط
  • مئات الزوار يشاركون في يوم المسجد المفتوح في نابرفيل
  • مشروع إسلامي ضخم بمقاطعة دوفين يقترب من الموافقة الرسمية

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 15/12/1446هـ - الساعة: 18:22
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب