• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    خطبة (المساجد والاحترازات)
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    لماذا قد نشعر بضيق الدين؟
    شهاب أحمد بن قرضي
  •  
    حقوق الأم (1)
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    الدرس الواحد والعشرون: غزوة بدر الكبرى
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    أهم مظاهر محبة القرآن
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    تفسير سورة المسد
    يوسف بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن السيف
  •  
    الحديث: أنه سئل عن الرجل يطلق ثم يراجع ولا يشهد؟
    الشيخ عبدالقادر شيبة الحمد
  •  
    التجارب
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    خطبة مختصرة عن أيام التشريق
    رمضان صالح العجرمي
  •  
    قالوا عن "صحيح البخاري"
    د. هيثم بن عبدالمنعم بن الغريب صقر
  •  
    ملخص من شرح كتاب الحج (12)
    يحيى بن إبراهيم الشيخي
  •  
    عشر أيام = حياة جديدة
    محمد أبو عطية
  •  
    من مائدة الحديث: فضل التفقه في الدين
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    خطبة: فما عذرهم
    أحمد بن علوان السهيمي
  •  
    خطبة: وسائل السلامة في الحج وسبل الوقاية من ...
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    العشر من ذي الحجة وآفاق الروح (خطبة)
    حسان أحمد العماري
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / روافد
علامة باركود

الإسلام أساس صالح للتشريع الحديث

الإسلام أساس صالح للتشريع الحديث
الشيخ عبدالوهاب خلاف

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 28/2/2016 ميلادي - 19/5/1437 هجري

الزيارات: 7947

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الإسلام أساس صالح للتشريع الحديث[1]


لما عقدت معاهدة الصداقة والتحالف بين مصر وبريطانيا، جاء في الفقرة السادسة من ملحق المادة الثالثة عشرة ما نصه "يصرح صاحب الجلالة ملك مصر بمقتضى هذا أن أي تشريع مصري يطبق على الأجانب، لن يتنافى مع المبادئ المعمول بها على وجه العموم في التشريع الحديث".

 

ولذا بعث وزير الخارجية المصرية خطابًا إلى الدول ذوات الامتياز لعقد مؤتمر مونتير، جاء في خطابه ما نصه: "والحكومة الملكية تعلن في الوقت نفسه أنها تنوي الاستمرار في تطبيق المبادئ المعمول بها في التشريع الحديث".

 

وقد ظن بعض الناس أن المقصود مما جاء في تلك الفقرة وهذا الخطاب، ألا تكون الشريعة الإسلامية أساسًا للتشريع في مصر؛ لأن من أحكامها ما يتنافى مع المبادئ المعمول بها في التشريع الحديث.

 

وأنا أحمد الله إذ أتاحت لي رابطة الإصلاح الاجتماعي هذه الفرصة، لأقيم البرهان على أن هذا الظن إثم، وأن الشريعة الإسلامية خير أساس يبنى عليه التشريع العادل، وأنها لا تتنافى مع أي مبدأ تشريعي حق، وأن الإصلاح التشريعي في مصر لا يتم إلا إذا استمدت قوانينها من شريعة لازمتها قرونًا عديدة، وكانت قوًى عاملة في تكوين عاداتها وتقاليدها وميولها، وكل شأن من شؤون حياتها.

 

وسأبرهن على هذه النظرية بنظرات في هذه الشريعة من نواح متعددة:

النظرة الأولى: في الشريعة الإسلامية من ناحية غايتها والحكم التي شرعت أحكامها من أجلها:

من استقرأ أحكام الشريعة في مختلفة أبوابها، من عقائد وعبادات ومعاملات وعقوبات وغيرها، واستقرأ الحكم التشريعية التي شرعت هذه الأحكام من أجلها - سواء أكانت الحكم التي نطقت بها النصوص، أم الحكم التي استنبطها العلماء - تبيَّن له أن غاية الشريعة أمران: تحقيق مصالح الناس، وإقامة العدل بينهم.

 

يتجلى المقصد الأول - وهو تحقيق مصالح الناس - مما صرح به القرآن وصحيح السنة من تعليل الأحكام الشرعية بمصالح العباد؛ كقوله تعالى: ﴿ وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ ﴾ [البقرة: 179]، وقوله سبحانه: ﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ﴾ [العنكبوت: 45]، وقوله: ﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 183]، وقوله: ﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا ﴾ [التوبة: 103]، وقوله: ﴿ وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ ﴾ [الحج: 27]، وقول الرسول صلى الله عليه وسلم في تحريم الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها: (إنكم إن فعلتم ذلك، قطعتم أرحامكم)، وقوله في تحريم بيع الثمر قبل أن يبدو صلاحه: (أرأيت إذا منع الله الثمرة، بِمَ يستحل أحدكم مال أخيه؟)، إلى غير ذلك مما لا يدع مجالًا للريب في أن المقصود من أحكام هذه الشريعة جلب النفع للناس، ودفع الضر عنهم، واليُسر بهم؛ ﴿ يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا ﴾ [النساء: 28]..

 

وقد قرر علماء أصول الفقه الإسلامي أن مصلحة أي فرد أو مجتمع تتكون من عناصر ثلاثة: من أمور ضرورية لا تقوم حياة الفرد أو المجتمع إلا بها، ومن أمور حاجية لا تسهل الحياة ويرتفع حرجها إلا بها، ومن أمور كمالية لا تكتمل الحياة ويتم نظامها إلا بها.

 

وقرروا أن كل حكم في الشريعة لا يعدو أن يكون مقصودًا به حفظ عنصر من هذه العناصر الثلاثة، وقرروا أن الله سبحانه شرع لكل نوع من هذه الثلاثة نوعين من الأحكام: أحكام توجده وتحققه، وأحكامًا تحفه وتكفل بقاءه، ودفع العدوان عنه، وبهذا كفل مصالح الناس ورفع عنهم الحرج، والإمام أبو إسحاق الشاطبي في الجزء الثاني من الموافقات بعد أن استشهد لها بأمثلة كثيرة من مختلف الأحكام في مختلف الأبواب، قال ما نصه: "إن الظواهر والعمومات والمطلقات والمقيدات في وقائع مختلفة، وفي أبواب مختلفة من أبواب الفقه - يؤخذ منها أن التشريع دائر حول حفظ هذه الثلاث التي هي أساس مصالح الناس".

 

وقرر في عدة مواضع أن مصالح الناس هي مقصود الشارع مما شرعه، وأنه حيثما وجدت المصلحة، فثَمَّ شرع الله، وقرر أن كل حكم شرعه الله، ففيه حقان: حق للعباد من جهة أنه ما شرع إلا لمصلحتهم، وحق لله من جهة أن لله على عباده حق اتباع ما شرعه.

 

واتفق جمهور المسلمين على أن القياس أصل من أصول الدين، وما أساس القياس إلا المصلحة التي شرع الحكم المنصوص عليه من أجلها، واعتبر كثير من العلماء المصلحة المرسلة مصدرًا مصادر التشريع، فلا ريب في أن المقصد الأول مما شرعه الله هو تحقيق مصالح الناس.

 

وأما إقامة العدل بينهم، فهو غاية من لوازم المقصد الأول؛ لأنه لا تتحقق مصالح الناس إلا بالعدل، ولا تنتظم حياتهم إلا بالعدل؛ ولهذا جاء في القرآن الكريم: ﴿ لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ﴾ [الحديد: 25]، وأمر الله المؤمنين بالعدل ولو على أنفسهم أو الوالدين والأقربين، وأمرهم بالعدل مع أعدائهم: {وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [المائدة: 8]، وأمرهم بالعدل إذا حكموا: ﴿ وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ ﴾ [النساء: 58]، وإذا نطقوا: ﴿ وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا ﴾ [الأنعام: 152].

 

ومن استقرأ ما في القرآن والسنة من حث على العدل، ونهي عن الظلم، وتحذير من عاقبة الظالمين - يؤمن إيمانًا لا ريب فيه بأن هذه الشريعة هي العدل المطلق في كل فعل أو قول، مع أي إنسان مؤمن أو غير مؤمن، قريب أو بعيد، ولهذا قال الإمام ابن القيم في كتابه الطرق الحكمية: "إن الله ما أرسل رسله ولا أنزل كتبه إلا لقوم الناس بالقسط، وهو العدل الذي قامت به السموات والأرض".

 

من هذه النظرة الأولى - التي تبيَّن منها أن غاية الشريعة تحقيق مصالح الناس والعدل بينهم -: يتبين أن غاية هذه الشريعة تتفق والغاية من كل تشريع عادل، وأنها وهذه غايتها لا يتصور أن تتنافى مع أي مبدأ تشريعي قويم، وإنه إذا بدت لنا مصلحة في تشريع خالفها، فهذا منشؤه غلبة أهوائنا على عقولنا واختلال مقياس تقديرنا وحكمنا، والإنسان ما أوتي من العلم إلا قليلاً، وقد كان وما يزال ظلومًا جهولًا، والحكيم العليم الذي لا تعزب عن عمله مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء أعلم بما يحقق مصالح عباده، وبما يقيم العدل بينهم.

 

النظرة الثانية في الشريعة الإسلامية من ناحية مبادئها العامة:

على ضوء الغاية المقصودة من التشريع الإسلامي، وتحقيقنا لما يقتضيه إصلاح حال الناس والعدل بينهم، استمد علماء الفقه الإسلامي وأصوله من نصوص الشريعة وروحها ومعقولها - مبادئ تشريعية عامة تعتبر في الشريعة دستور المشروع في تشريعه والقاضي في قضائه، وأسس الاستنباط والتطبيق في كل باب من أبواب الأحكام.

 

من هذه المبادئ التشريعية: المبادئ الخاصة بدفع الضرر التي أساسها قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا ضرر ولا ضرار)، وأشهرها: الضرر شرعًا يزال، الضرر لا يزال بالضرر، يرتكب الضرر الخاص لاتقاء الضرر العام، يرتكب أخف الضررين لاتقاء أشدهما، دفع المضار مقدَّم على جلب المنافع، الضرورات تُبيح المحظورات، الضرورات تُقدَّر بقدرها.

 

ومنها: المبادئ الخاصة برفع الحرج التي أساسها قوله تعالى: ﴿ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ﴾ [الحج: 78]، وأشهرها: الحرج شرعًا مرفوع، المشقة تجلب التيسير، الحاجات تنزل منزلة الضرورات في إباحة المحظورات.

 

ومنها المبادئ الخاصة بسد الذرائع التي أساسها قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (من حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه)، وأشهرها: ما يفضي إلى المحظور فهو محظور، ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.

 

ومنها المبادئ الخاصة بالبراءة الأصلية التي أساسها قوله تعالى: ﴿ خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ﴾ [البقرة: 29]، وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (كل مولود يُولَد على الفطرة)، وأشهرها: الأصل في الأشياء الإباحة، الأصل في الإنسان البراءة، ما ثبت باليقين لا يزول بالشك، إلى غير ذلك من المبادئ التشريعية التي تَمتُّ بأسباب وثيقة إلى إصلاح حال الناس، وإقامة العدل بينهم، والتي تفرع عنها في المعاملات إيجاب الوفاء بالعقود، وأداء الأمانات إلى أهلها، واحترام العهود، وتنفيذ الشروط، وفي العقوبات إيجاب الاحتياط في تحقيق الجنايات؛ حتى لا يفلت مجرم، ولا يُظْلَم بريء، ودرء الحدود بالشبهات، ومجازاة سيئة بسيئة مثلها، وفي المرافعات إلزام المدعي بالبينة، والمساواة بين الخصوم، والاحتياط للخصم الغائب، وغير ذلك مما تفرع عن هذه المبادئ من الأحكام الكلية والجزئية في مختلف الوقائع والعصور.

 

فكما أن غاية الشريعة الإسلامية تتفق وغاية كل شريعة عادلة، فمبادئ التشريع الإسلامي العامة تتفق وكل المبادئ التشريعية العادلة.

 

النظرة الثالثة: في الشريعة الإسلامية من ناحية النتائج العملية التي أسفر عنها تطبيقها في الماضي والحاضر.

من نظر في تاريخ الدولة الإسلامية منذ نشأتها، يرى أن هذه الدولة في عصرها الذهبي بلغت من السعة والحضارة، ووفرة العمران مبلغًا عظيمًا، وسمت إلى ذروة المجد في الغنى والقوة والعلم، وكل مظاهر العظة والعظمة، انتظمت في ذلك العهد ولايات متعددة في آسيا وإفريقيا وأوروبا، وامتدت رقعتها من بلاد الصين شرقًا إلى جبال إسبانيا غربًا، وكان البحر الأبيض المتوسط بحيرة إسلامية تخفق الراية الإسلامية على ممالكه وشعوبه وثغوره.

 

وكان في هذه الدولة الواسعة المتباعدة الأطراف عدة أجناس من الأمم من عرب وروم وفرس وبربر وغيرهم، وكان لهذه الشعوب المختلفة أديان متعددة ومصالح وعادات، للبدو ما تقتضيه البداوة، ولغيرهم ما ورثوه من عهد الإمبراطورية الرومانية، وما ورثوه من عهد الإمبراطورية الفارسية، وما بني في أجيال طويلة من عوامل عديدة.

 

وقد دُبِّرت شؤون هذه الدولة على سعتها واختلاف أممها بقوانين من الشريعة الإسلامية، ولم تضق بحاجة من حاجات تلك الأمم، ولم تقصر عن مصلحة من مصالحها، وقد حدثنا التاريخ أن الوليد بن عبدالملك استقدم عمالًا من الروم لعمارة المسجد الأمور بدمشق، وأن المأمون استورد من اليونان كتبًا في المنطق والفلسفة، وأن كثيرًا من الخلفاء استخدموا الفرس وغيرهم في تنظيم الدواوين وترجمة العلوم والفنون، وما حدثنا التاريخ أن حكومة إسلامية في عهد من العهود استعانت على إدارة شؤونها بتشريع أجنبي، أو احتاجت في تقنين قانون لها إلى مشرع أجنبي، بل كان مرجعها التشريعي في مختلف عصورها كتاب الله وسنة رسوله، واجتهاد الأئمة فيما لا نص فيه، وكلما فتح الله للمسلمين بلدًا أو أمصارًا، وأدان لهم أممًا وشعوبًا، فتح الله لمشرعيهم أبوبًا من التشريع والتقنين، وهذه موسوعات الفقه في مختلف مذاهب الأئمة، تنطق بما بذله المشرعون من جهد، وما وفِّقوا إليه من مسايرة أحوال الدولة وتطورات الاجتماع، حتى إن منهم من كان يسبق الحوادث، ويستنبط أحكام لوقائع فرضية وأقضية لم تحدث، وما صدروا في هذا التشريع الفياض عن مصادر أجنبية أو مبادئ غير مبادئهم التشريعية.

 

ومن نظر في حال الدولة الإسلامية الحاضرة، يرى أن بعض الدول الإسلامية في عصرنا الحاضر لا تصدر حكومتها في تشريعها إلا عن الشريعة الإسلامية، وهي ناجحة في سياستها، سائرة في سبيل الرقي، تضرب الأمثال باستتباب الأمن فيها، وانتشار الثقة والطمأنينة في ربوعها كالمملكة السعودية وولاية اليمن وغيرها مما تصدر في تشريعها عن دينها، وما وقف هذا التشريع في سبيل إصلاح أو إقامة عدالة.

 

وفي مصر تطبق أحكام هذه الشريعة في مواد الأحوال الشخصية والوقف والميراث بالمحاكم الشرعية، وتطبق أحكام ومواد الشفعة والهبة والوصية، وأصل الوقف والأهلية بالمحاكم الأهلية والمختلطة، وقد أسفر تطبيقها عن نجاح وما وقفت في سبيل عدل أو مصلحة، وما كان القضاء في الخصومات التي تطبق فيها الأحكام دون القضاء في الخصومات الأخرى في حسم النزاع وإحقاق الحق وإقامة العدل، وقد وجد رجال القضاء بأنواعه في آراء فقهاء المسلمين وبحوثهم الناجحة ميدانًا للبحث ومتسعًا للتعمق في نظريات كثيرة، ولا يعقل أن تكون أحكام الشريعة الواحدة المؤسسة على مبادئ واحدة متفقة ومبادئ العدالة في بعض أبوابها ومختلفة وإياها في بعضها الآخر، ورب سائل يقول: لماذا إذًا أخذت قوانيننا المصرية عن القوانين الفرنسية؟


والجواب أن سبب هذا الأجانب في مصر والامتيازات، وذلك أن نوبار باشا لما فكر في عهد الخديوي إسماعيل في إنشاء المحاكم المختلطة أعد كل الوسائل التي ترضي الأجانب عن هذه المحاكم وتكسب ثقتهم، وكانت أولى هذه الوسائل أن يأخذ قوانينها عن القوانين الفرنسية والقضاء الفرنسي، فعهد إلى الأستاذ مانور أحد المحامين الفرنسيين بالإسكندرية أن يضع قوانين المحاكم المختلطة من قوانين فرنسا وقضائها، فوضع القوانين الستة: القانون المدني والقانون التجاري، والقانون التجاري البحري، وقانون العقوبات، وقانون تحقيق الجنايات، وقانون المرافعات، وبدأت المحاكم المختلطة تقضي بهذه القوانين الفرنسية من سنة 1875م في أرض مصر، وفي خصومات طرفين أحدهما مصري، ولكن أُهمِلت مصر والطرفُ المصري لمصلحة هذا الطرف الأجنبي ورضاه.

 

ولما فكرت الحكومة في عهد الخديوي إسماعيل في إنشاء المحاكم الأهلية، قدرت أنها لو أخذت القوانين الستة التي تقضي بها المحاكم المختلطة للقضاء بها في المحاكم الأهلية، لكان هذا وسيلة إلى رضا الأجانب بإحلالها محل المحاكم المختلطة، وتوحيد القضاءين، فقررت أخذها وعهِدت إلى مترجمين، فترجموها إلى العربية ترجمة حرفية في أكثر موادها، وبدأت المحاكم الأهلية تقضي بهذه القوانين الفرنسية على المصريين الذين أُهمِل جانبهم في التقنين لهم، وما رُوعيت شريعتهم ولا عاداتهم ولا ميولهم، بل فرضت عليهم قوانين غيرهم فرضًا، وقسروا على أن يلبسوا ما لا يصلح لهم، وأرغموا على أن يرضوا بما ينافي دينهم وشعورهم، وفقدوا استقلالهم التشريعي، وعاشوا عالة على قوانين فرنسا وشروحها وأقضيتها، وصارت هذه المجموعة مرجع القضاة والمحامين المصريين للقضاء بين المصريين في أرض مصر.

 

ومن هذا يتبيَّن أنه حين التقنين لنا ما درست شريعتنا، وتبين أنها غير صالحة لأن تكون مصدرًا للتقنين، أو أن مبادئها قورنت بمبادئ غيرها، فكانت مبادئ غيرها أصلح وأعدل، أو أن تطبيقها أسفر عن فشلها في بعض القوانين، أو أن علماء طلبوا منهم أن يستمدوا قوانين منها فعجزوا.

 

ما كان من ذلك كله شيء، وإنما هي الامتيازات الأجنبية والحرص على رضا الأجانب ودولهم قضت بأن تهمل الأمة المصرية في التشريع لها، وبأن تقهر على قوانين غيرها، وبأن يضع لها قوانينها أجنبي عن شريعتها وعرفها وبيئتها.

 

النظرة الرابعة: في الشريعة من ناحية بعض أحكامها التي يظن أنها تنافي مبادئ التشريع الحديث:

الحدود الشرعية أكثر ما يعترض بها على صلاحية الشريعة الإسلامية مصدرًا للتشريع الحديث. وجملة القول في هذا أن الحدود الشرعية هي عقوبات مقدرة على خمس جرائم، وهي المبينة في آيات القرآن:

عقوبة القتل العمد في قوله تعالى: ﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى ﴾ [البقرة: 178]، وعقوبة البغي والسعي في الأرض بالفساد، ومحاربة الله ورسوله في قوله تعالى: ﴿ إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ﴾ [المائدة: 33]، وعقوبة السرقة في قوله تعالى: ﴿ وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ ﴾ [المائدة: 38]، وعقوبة الزنا في قوله تعالى: ﴿ الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ ﴾ [النور: 2]، وعقوبة قذف المحصنات المؤمنات في قوله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً ﴾ [النور: 4].

 

فأما عقوبة القتل العمد وعقوبة البغي والسعي في الأرض بالفساد، فلا اختلاف فيها بين الشريعة الإسلامية والتشريع الحديث.

 

وأما عقوبة السرقة فتختف فيها الشريعة الإسلامية عن تشريعنا الحاضر، ولست في حاجة إلى إثبات أن العقوبة الإلهية أعدل وأصلح وأردع للسارق، وهذه الأرقام تنطق بأن الدولة التي فقد فيها العقاب الإلهي للسارق والسارقة استتب فيها الأمن وسادت الطمأنينة، وكادت تنعدم فيها السرقة.

 

ففي بلاد العرب حيث تدعو إلى السرقة مئات من الدواعي، قطعت في خمس عشرة سنة إحدى عشر يدًا من أيد السارقين، وفي مصر تزداد عداد السرقات عامًا بعام، ولا يأمن على ماله غني في قصره، ولا ريفي في حقله، وهذه إحصائية من إدارة الإحصاء بوزارة العدل تنطق بأن قانون عقوباتنا فشل في ردع السارقين، وهي خاصة بإحصاء السرقات التي هي جنايات بعود.

♦ في سنة 34 – 35     عدد السرقات الجنائية بعود      804

♦ في سنة 35 – 36     عدد السرقات الجنائية بعود      872

♦ في سنة 36 – 37     عدد السرقات الجنائية بعود      939

♦ في سنة 37 – 38     عدد السرقات الجنائية بعود      1023

 

وهذه شهادة ناطقة بأنْ لا صلاح لأمتنا إلا إذا قررنا أول مادة في باب السرقة: "تقطع يد السارق والسارقة".

وأما عقوبة الزنا فتختلف فيها الشريعة الإسلامية عن شريعتنا الحاضرة؛ لأن الزنا في الشريعة جريمة؛ لأنه قتل للنفس وإضاعة للنسل، وهتك للعرض، ومضيعة للشرف، وفي تشريعنا الحاضر الزنا غير جريمة، وإنما الجريمة الإكراه عليه أو الاعتداء على حق الزوج به، حتى لو زنى الرجل بامرأة غير متزوجة لا عقوبة عليهما، وفي ظل هذا التشريع رخص بالبغاء، وفي ظله اتخذت إجراءات لرقابة البغايا.

 

وأنا أربأ بالشريعة الإسلامية أن أقارنها بهذا التشريع، وما هذا التشريع إلا أثر من آثار أخذ قوانيننا عن فرنسا، بدون مراعاة شعور ولا دين ولا غيره.

 

المعاملات الربوية: أكثر ما يعترض به على الشريعة الإسلامية: تحريم الربا، وتحريم عقود كثيرة من عقود الخطر والغرر؛ كعقود التأمين على الحياة وعقود البيع بالكنتراتات وأشباهها، والشريعة الإسلامية تتفق مع التشريع الحاضر في أن هذه العقود حسب نظريات العقد العامة غير صحيحة؛ لأن التعاقد فيها؛ إما على معدوم، أو مجهول وقت التعاقد، وأساس صحة العقود التراضي والتراضي إنما يكون بموجود معلوم.

 

فالشريعة الإسلامية بتحريم الربا لم تعطل مصلحة للناس، وإنما دفعت في وجه أطماع الأغنياء الذين يبتزون أموال الناس ويخربون بيوتهم.

 

والشريعة الإسلامية بتحريم عقود الخطر والغرر، سدت أبواب المقامرات والمغامرات التي تنتهي بالناس إلى شرح النتائج.

 

وفي ظل تشريعنا الحاضر ابتز المرابون أموال الناس وأثقلوهم بالديون، وفي ظله رخص بالمغامرات والمراهنات وكثير من طرق أكل أموال الناس بالباطل.

 

فإذا كان المقصود بمنافاة الشريعة الإسلامية مبادئ التشريع الحديث منافاتها لإباحة الزنا؛ والترخيص بالبغاء وإباحة الربا، والترخيص بحانات الخمور، ودور المغامرات، ومراهنات السباق، وأمثال هذه المنكرات، فلنا الفخر والشرف بمنافاة شريعتنا لهذه المفاسد، والله يهدينا إلى الرشاد، ويقيض لهذه الأمة وشريعتها من ينهض بهما من كبوتهما.

 

مجلة الهدي النبوي: المجلد الخامس، العدد 6-7، أول ربيع الثاني سنة 1360هـ



[1] محاضرة فضيلة الأستاذ الشيخ عبدالوهاب خلاف، مدرس الشريعة بكلية الحقوق، التي ألقاها في الجلسة الثالثة من جلسات مؤتمر الإسلام والإصلاح الاجتماعي بالجمعية الجغرافية الاقتصادية في مساء الجمعة 28 ربيع الأول سنة 1360.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • التشريع والأخلاق
  • إنسانية التشريع .. السماح بتزويج الصغير مثالا
  • التشريع والتحليل والتحريم حق خالص لله

مختارات من الشبكة

  • الإسلام والغرب (مراحل الحديث عن الإسلام في الغرب)(مقالة - ملفات خاصة)
  • الإسلام دين جميع الأنبياء، ومن ابتغى غير الإسلام فهو كافر من أهل النار (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مكانة المرأة في الإسلام: ستون صورة لإكرام المرأة في الإسلام (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • الحرب في الإسلام لحماية النفوس وفي غير الإسلام لقطع الرؤوس: غزوة تبوك نموذجا(مقالة - آفاق الشريعة)
  • لماذا اختيار الإسلام دينا؟ الاختيار بين الإسلام والمعتقدات الأخرى (كالنصرانية واليهودية والهندوسية والبوذية..) (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • لو فهموا الإسلام لما قالوا نسوية (منهج الإسلام في التعامل مع مظالم المرأة)(مقالة - ملفات خاصة)
  • كلمات حول الإسلام(مقالة - آفاق الشريعة)
  • اليابان وتعاليم الإسلام وكيفية حل الإسلام للمشاكل القديمة والمعاصرة (باللغة اليابانية)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • مقاييس جمال النص في صدر الإسلام وموقف الإسلام من الشعر(مقالة - حضارة الكلمة)
  • الإسلام (بني الإسلام على خمس)(مادة مرئية - مكتبة الألوكة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الذكاء الاصطناعي تحت مجهر الدين والأخلاق في كلية العلوم الإسلامية بالبوسنة
  • مسابقة للأذان في منطقة أوليانوفسك بمشاركة شباب المسلمين
  • مركز إسلامي شامل على مشارف التنفيذ في بيتسفيلد بعد سنوات من التخطيط
  • مئات الزوار يشاركون في يوم المسجد المفتوح في نابرفيل
  • مشروع إسلامي ضخم بمقاطعة دوفين يقترب من الموافقة الرسمية
  • ختام ناجح للمسابقة الإسلامية السنوية للطلاب في ألبانيا
  • ندوة تثقيفية في مدينة تيرانا تجهز الحجاج لأداء مناسك الحج
  • مسجد كندي يقترب من نيل الاعتراف به موقعا تراثيا في أوتاوا

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 2/12/1446هـ - الساعة: 8:23
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب