• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    طريق لا يشقى سالكه (خطبة)
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    خطبة: مكانة العلم وفضله
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    خطبة: العليم جلا وعلا
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    كل من يدخل الجنة تتغير صورته وهيئته إلى أحسن صورة ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    محاضرة عن الإحسان
    د. عطية بن عبدالله الباحوث
  •  
    ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: ﴿يوم تأتي ...
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    نصوص أخرى حُرِّف معناها
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    فضل العلم ومنزلة العلماء (خطبة)
    خميس النقيب
  •  
    البرهان على تعلم عيسى عليه السلام القرآن والسنة ...
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    الدرس السادس عشر: الخشوع في الصلاة (3)
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    القرض الحسن كصدقة بمثل القرض كل يوم
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الليلة التاسعة والعشرون: النعيم الدائم (2)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    حكم مشاركة المسلم في جيش الاحتلال
    أ. د. حلمي عبدالحكيم الفقي
  •  
    غض البصر (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    كيف تقي نفسك وأهلك السوء؟ (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / خواطر إيمانية ودعوية
علامة باركود

حرمة أهل العلم والفضل في الدين وخطورة التعدي عليهم

حرمة أهل العلم والفضل في الدين وخطورة التعدي عليهم
الشيخ محمد صديق

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 2/12/2015 ميلادي - 19/2/1437 هجري

الزيارات: 30165

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

حرمة أهل العلم والفضل في الدين

وخطورة التعدي عليهم


• إن من أعظم أسباب التفرق وأصله: بغي الأفراد بعضهم على بعض، والرمي بالبدعة والفسوق لمجرد المخالفة في الرأي دون هدى من الله، وإنما أصل بغي الفئات بغي الأفراد، وخصوصًا البغي على أهل العلم والفضل في الدين، فهم مظنة ولاية الله؛ عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله قال من عادى لي وليًا فقد آذنته بالحرب"[1].

 

• وهم أهل المعرفة الحقة بالله:

قال تعالى: ﴿ شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [آل عمران: 18].

 

• أهل العلم هم أهل حفظ الدين:

قال تعالى: ﴿ بَلْ هُوَ آَيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآَيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ ﴾ [العنكبوت: 49].

 

• وهم أهل اليقين:

﴿ وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ ﴾ [سبأ: 6].

 

• أهل العلم هم أهل خشية الله:

قال تعالى: ﴿ قُلْ آَمِنُوا بِهِ أَوْ لَا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إذا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا ﴾ [الإسراء: 107]، قال تعالى: ﴿ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آَمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [الحج: 54].

 

• وهم أهل النصيحة للعباد:

قال تعالى: ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ ﴾ [القصص: 80].

 

• حتى أنهم في الآخرة هم أهل الإرشاد:

قال تعالى: ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلَكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [الروم: 56].


وقال تعالى: ﴿ ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُخْزِيهِمْ وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ قَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ عَلَى الْكَافِرِينَ ﴾ وهم أهل الرفعة في الدرجات: قال تعالى: ﴿ يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴾ [المجادلة: 11].


عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الله لا يقبض العلم انتزاعًا ينتزعه من العباد ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالمًا اتخذ الناس رءوسًا جهالًا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا"[2].

 

• إن أهل العلم والفضل في الدين، هم رأس الأمة وعماد فلاحها، والنيل منهم نيل من الدين ومن الأمة، لذلك كانت دماؤهم وأعراضهم محلًا لسهام أعداء الله من الكافرين والمنافقين والحاسدين على مر العصور، فبهدمهم يكون هدم الدين، فبدؤوا بخيرة الخلق من الأنبياء فسفكوا دماءهم أو حاولوا ذلك، ونالوا من أعراضهم، وكان أشد أذاهم في ذلك لخير البشر محمد صلى الله عليه وسلم، فقد حاول الكافرون ثم المنافقون قتله، ولما لم يفلحوا، اتهموه في عرضه صلى الله عليه وسلم وصاحبه الصديق أبي بكر رضي الله عنه، وقتلوا عمر رضي الله عنه، وكل ذلك في كلمة واحدة يقذفها الشيطان على ألسنة أوليائه من شياطين الإنس فتتلقفها ألسنة أهل الخفة من أمة النبي صلى الله عليه وسلم، فيستطير شرها وشررها.


فهذا عبد الله بن أبي بن سلول، يتكلم بالإفك في عرض النبي صلى الله عليه وسلم، وتتلقفه ألسنة بعض الصحابة، ويشيعون الأمر، ويتزلزل المجتمع المؤمن شهرًا كاملًا، وتنكشف الغمة بنزول الوحي في وجود الرسول صلى الله عليه وسلم، وهذا عبد الله بن سبأ اليهودي المنافق، يقذف بكلمة الفتنة والقذف في عثمان رضي الله عنه، فتتلقفها ألسنة أهل الرعونة الثوريين، ويخرجون على عثمان رضي الله عنه، ثم يقتلونه ويفتح باب أعظم فتنة في تاريخ الإسلام فلا يسد بعدها، ثم يخرجون على علي رضي الله عنه، بدعوى إن الحكم إلا الله، ويكفرون الصحابة رضي الله عنهم. ثم يقتلون الحسن ثم الحسين ابنا علي رضي الله عنه، وسبطا رسول الله صلى الله عليه وسلم، رضي الله عنهما، ثم الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه، حسدا وحقدا، وهدما للأمة. وذلك كله بدايته كلمة!!


تتلقاها ألسنة بعض من استخفهم الشيطان من أمة النبي صلى الله عليه وسلم قال تعالى: ﴿ إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ * وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ * يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [النور: 15 - 17].


فهلا استبصرنا أخي الحبيب خطر تلك الفتنة العمياء!!


ولنعلم أن التعدي على الحدود بين المسلمين عامة وعلى أهل العلم والفضل في الدين خاصة هو من عمل الشيطان وأعداء الله من الكافرين والمنافقين، وسنة ماضية فيهم، فلنحذر أن نكون منهم أو نكون سلاحًا بأيديهم يضربوا به أمة الإسلام دون أن ندري.


فلا بد من تقديم حسن الظن بالمسلمين عامة وبالعلماء خاصة، بل لا بد أن يكون حسن الظن بهم مقدم على حسن الظن بالنفس، ولا بد أن يلتمس لهم العذر إذا أخطئوا. يقول الإمام ابن تيمية رحمه الله:

فيجب على المسلمين - بعد موالاة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم - موالاة المؤمنين كما نطق به القرآن. خصوصا العلماء الذين هم ورثة الأنبياء الذين جعلهم الله بمنزلة النجوم يهتدى بهم في ظلمات البر والبحر وقد أجمع المسلمون على هدايتهم ودرايتهم.


إذ كل أمة - قبل مبعث محمد صلى الله عليه وسلم - فعلماؤها شرارها إلا المسلمين فإن علماءهم خيارهم، فإنهم خلفاء الرسول في أمته والمحيون لما مات من سنته بهم قام الكتاب وبه قاموا وبهم نطق الكتاب وبه نطقوا.


وليعلم أنه ليس أحد من الأئمة المقبولين عند الأمة قبولًا عامًا يتعمد مخالفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في شيء من سنته، دقيق ولا جليل، فإنهم متفقون اتفاقًا يقينيًا على وجوب اتباع الرسول وعلى أن كل أحد من الناس يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم.


ولكن إذا وجد لواحد منهم قول قد جاء حديث صحيح بخلافه فلا بد له من عذر في تركه.[3] اهـ.


وهذا في العلماء الذين عرف تحريهم الاتباع ولا يعلم عنهم رد الدليل والمعاداة لمنهج السلف رضي الله عنهم، فكل من انتحل منهج أهل الآراء والأهواء الفاسدة علم عنه معاداته لمنهج السلف وأهله.


وقد يخطئ العالم لالتباس في الفهم، أو لعدم بلوغه البينة في المسألة.


فإذا أحسن عرض المسألة عليه رجع فيها إلى الصواب وكان فيها سيفًا للحق.

 

• ولنا أعظم القدوة في رسول الله صلى الله عليه وسلم في التواضع والاعتراف بالخطأ البشرى الفطري:

فعن عبد الله (بن مسعود) عن النبي صلى الله عليه وسلم "إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون فإذا نسيت فذكروني وإذا شك أحدكم في صلاته فليتحر الصواب فليتم عليه ثم ليسلم ثم يسجد سجدتين"[4].


عن رافع بن خديج عن النبي صلى الله عليه وسلم "إنما أنا بشر إذا أمرتك بشيء من دينكم فخذوا به وإذا أمرتكم بشيء من رأي فإنما أنا بشر"[5].


عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم "إنما أنا بشر أضيق بما يضيق به البشر فأي المؤمنين بدرت إليه مني بادرة فاجعلها له كفارة"[6].

 

• وهذا الشيخ أبو بكر الجزائري حفظه الله، وقد كان يسعى لتهوين مسائل الخلاف بين السنة والشيعة، ويلقي باللوم على من يفسقهم (وهذا أمر عظيم، ومسألة عقدية خطيرة)، فقابل هجومًا شديدًا، وما أكثر من يتلقى هذا الأمر بين نكير ونكيل، ولكن الموفق من أوتى الحكمة.


يقول الشيخ: فإني كنت - والحق يقال - لا أعرف عن شيعة آل البيت إلا أنهم جماعة من المسلمين يغالون في حب آل البيت. وأنهم يخالفون أهل السنة في بعض الفروع الشرعية بتأويلات قريبة أو بعيدة، ولذلك كنت أمتعض كثيرًا بل أتألم لتفسيق بعض الإخوان لهم، ورميهم أحيانًا بما يخرجهم من دائرة الإسلام، غير أن الأمر لم يدم طويلًا حتى أشار عليَّ أحد الإخوان بالنظر في كتاب لهذه الجماعة لاستخلاص الحكم الصحيح عليها، ووقع الاختيار على كتاب (الكافي) وهو عمدة كتب القوم في إثبات مذهبهم، وطالعته، وخرجت منه بحقائق علمية جعلتني أعذر من كان يخطئني في عطفي على القوم، وينكر عليَّ ميلي إلى مداراتهم رجاء زوال بعض الجفوة بين أهل السنة وهذه الفئة التي تنتسب إلى الإسلام.


ثم أخذ الشيخ في كشف كفرهم والرد عليهم من كتبهم ومما قال: (إن اعتقاد امرئ الاستغناء عنه - القرآن - أو عن بعضه بأي حال من الأحوال هو ردة عن الإسلام ومروق منه لا يبقيان لصاحبها نسبة إلى الإسلام، ولا إلى المسلمين، وقال: اللهم إنا لنعلم أن آل بيت رسولك براء من هذا الكذب، فالعن من كذب عليهم وافترى[7].

 

• يقول الشيخ الألباني رحمه الله: "رحم الله عبدًا دلني على خطئي، وأهدى إليَّ عيوبي؛ فإن من السهل عليَّ - بإذنه تعالى وتوفيقه - أن أتراجع عن خطأ تبين لي وجهه، وكتبي التي تطبع لأول مرة، وما يجدد طبعه منها أكبر شاهد على ذلك...


وبهذه المناسبة أقول: إني أنصح كل من أراد أن يرد عليَّ، أو على غيري، ويبين لي ما يكون قد زل به قلمي، أو اشتط عن الصواب فكري، أن يكون رائده من الرد: النصح، والإرشاد، والتواصي بالحق، وليس البغضاء والحسد، فإنها المستأصلة للدين؛ كما قال -صلى الله عليه وسلم-: "دب إليكم داء الأمم قبلكم: البغضاء والحسد، والبغضاء هي الحالقة، ليس حالقة الشعر ولكن حالقة الدين". كما هو شأن ذوي الأهواء والبدع، مع أهل الحديث، وأنصار السنة، في كل زمان ومكان"[8] أهـ.

 

• مثل يجب أن يحتذى به، خاصة بين العلماء وطلبة العلم:

وما أعظم ما جرى بين الأستاذ الجليل الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق وبين أستاذه العلامة ابن باز رحمه الله؛ إذ سعى بينهما ساع، ومن ذا الذي عصم من الخطأ دون الأنبياء، يقول الشيخ عبد الرحمن: "ووالله الذي لا إله إلا هو فإني لا أذكر أني تعمدت كذبة قط في مؤلف ألفته، أو محاضرة ألقيتها، وما تعمدت قط أن أظلم مسلمًا، أو أن أتهمه بما ليس فيه، أو أمكر به، ولست أبرئ نفسي من خطأ اللسان، وزلة القلم، وخطأ النظر والاجتهاد، مما هو به طبائع البشر، وأسأل الله الصفح والمغفرة عن كل ما بدر مني مما يخالف الحق.


ولقد كنت قد دعوت ربي سبحانه وتعالى أنني متصدق بعرضي على كل مسلم سبني أو شتمني لا أطالبه بشيء من ذلك في الدنيا والآخرة، وجعلت أجري في ذلك كله على الله... (إلى أن قال أعلى الله قدره:

وختامًا فإنني أستغفر الله وأتوب إليه من كل ذنب ارتكبته، وأرجع عن كل قول قلته يخالف كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وأعتذر إليكم وإلى جميع مشايخي وأساتذتي وإخواني من أي إساءة كانت مني لكم، والله ما تعمدت إساءة مسلم قط، ولا قصدت ظلم مسلم قط، وأعوذ بالله أن أظلم مسلمًا أو أغشه، أو أنسب إليه ما لم يقله، وإن وقع مني شيئًا من ذلك جهلًا أو نسيانًا أو خطئًا فأنا أستغفر الله وأتوب إليه سبحانه وتعالى وهو القائل قال تعالى: ﴿ وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾ [النساء: 110][9] (اهـ)


فهذا الشيخ وهو من أبرز من علم أهل السنة في هذا العصر قواعد السلفية وملأ علمه الآفاق، لا يتحرج أن يتواضع ويعترف بخطئه وقصوره مع عظم مكانته، وهذا الخلق الكريم هو الذي يريده الله منا، أن نذل أنفسنا لله بالاعتراف بالخطأ، وأن نخفض جناح الذل لإخواننا خاصة أهل العلم منهم.


قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ * إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ ﴾ [المائدة: 54 - 56].

 

* إن النيل من أعراض العلماء داء خبيث سلطه أعداء الأمة الإسلامية لاستئصال شأفتها، فيجب ألا نهوى فيه كما هوى أصحاب الإفك من الصحابة الذين نالوا من عرض أشرف الخلق، محمد صلى الله عليه وسلم، مع علو منزلتهم، وتابعوا في ذلك -جهلًا منهم- رأس الكفر والنفاق، عبد الله بن أبي بن سلول.


رغم أن منهم من كان من أهل بدر، ومنهم من كان يدافع عن النبي صلى الله عليه وسلم وينافح عنه.

 

• يقول الشيخ بكر أبو زيد رحمه الله في كتابه القيم (تصنيف الناس بين الظن واليقين): وما زالت ثائرة أهل الأهواء، توظف هذه المكيدة في ثلب علماء الأمة. فقد لجوا في الحط على شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى - لأنه عمدة في القرون المتأخرة لإحياء منهج السلف.


ونشروا في العالم التشنيع على دعوة علماء السلف في قلب الجزيرة العربية بالرجوع إلى الوحيين الشريفين، ونبزهم بشتى الألقاب للتنفير.... إلخ.


(قلت: وقاموا أيضًا بالتشنيع على علماء السلف في مصر، مصابيح الهدى، وأساطين العلم، وأسود السنة، وشموسها ونجومها في كل مكان..، الذين ملئوا الدنيا بنور العلم، ولا يخفى على كل ذي دين ذكرهم، وفي الدعوة والإصلاح أثرهم، الذي لا ينكره إلا جاحد. وكل ذي إيمان يحمد الله على أن أوجدهم في هذا العصر وجعله من طائفتهم.


وبهذه الفتنة التي نزغها الشيطان وأعداء الله بين أهل السنة، وتلقفتها ألسنة البعض منهم وأقلام البعض، واشتغل غالب طلاب العلم بها حتى وقعوا في مصيبتين عظميين:

الأولى: الغفلة عن الله وطلب القربة له، وعن الرغبة في الجنة والفرار من النار، وذلك بسبب عدم سلامة الصدر.


الثانية: الانشغال عن العدو الأكبر من الإلحاد والعري والمجون والمد الكفري والطرقي والشيعي. فهذا موقع للإلحاد وهذه قناة للعري وتلك للتنصير وهذه مجلة للتصوف.


وهذا ما يريده منا الشيطان وأولياؤه. فهلا أبصرنا ورجعنا؟؟

 

• يقول الشيخ بكر رحمه الله:

وهذا بلاء عريض، وفتنة مضلة في تقليص ظل الدين، وتشتيت جماعته، وزرع البغضاء بينهم، وإسقاط حملته من أعين الرعية، وما هنالك من العناد، وجحد الحق تارة، ورده أخرى.


صدق الأئمة الهداة: إن رمي العلماء بالنقائص، وتصنيفهم البائس من البينات، فتح باب الزندقة.

 

• ويا لله كم صدت هذه الفتنة العمياء عن الوقوف في وجه المد الإلحادي، والمد الطرقي، والعبث الأخلاقي، وإعطاء الفرصة لهم في استباحة أخلاقيات العباد، وتأجيج سبل الفساد والإفساد.


إلى آخر ما تجره هذه المكيدة المهينة من جنايات على الدين، وعلى علمائه، وعلى الأمة، وعلى ولاة أمرها...

 

ومن آحادها.... التي يأتمرون ويتلقون عليها للتصنيف:

• فلان يترحم على فلان، وهو من الفرقة الفلانية؟

فانظر كيف يتحرجون رحمه الله، ويقعون في أقوام لعلهم قد حطوا رحالهم في الجنة، إضافة إلى التصنيف بالإثم...، إنه يذكر فلانًا بالدرس وينقل عنه....

 

• ويقول في دوافع هذه الظاهرة:

أو يكون الدافع من تلبيس إبليس، وتلاعبه في بعض العباد بداء الوسواس، وكثيرًا ما يكون في هؤلاء الصالحين من نفث فيهم أهل الأهواء نفثة، فتمكنت من قلوبهم، وحسبوها زيادة في التوقي الورع، فطاروا بها كل مطار حتى أكلت أوقاتهم، واستلهمت جهودهم، وصدتهم عما هم بحاجة إليه من التحصيل، والوقوف على حقائق العلم والإيمان.


ولهذا كثرت أسئلتهم عن فلان، وفلان، ثم تنزلت بهم الحال إلى الوقوع فيهم.


وكأن ابن القيم - رحمه الله تعالى - شاهد عيان لما يجري في عصرنا إذ يقول: (ومن العجب أن الإنسان يهون عليه التحفظ والاحتراز من أكل الحرام، والظلم، والزنا، والسرقة، وشرب الخمر، ومن النظر المحرم، وغير ذلك.


ويصعب عليه التحفظ من حركة لسانه، حتى نرى الرجل يشار إليه بالدين، والزهد، والعبادة، وهو يتكلم بالكلمات من سخط الله لا يلقي لها بالا، وينزل بالكلمة الواحدة منها أبعد ما بين المشرق والمغرب.


وكم ترى من رجل متورع عن الفواحش والظلم ولسانه يفري في أعراض الأحياء والأموات ولا يبالي ما يقول). انتهى. "الداء والدواء" (ص/187).

 

• أو يكون الدافع: "داء الحسد والبغي والغيرة" وهي أشد ما تكون بين المنتسبين إلى الخير والعلم، فإذا رأى المغبون في حظه من هبوط منزلته الاعتبارية في قلوب الناس، وجفولهم عنه، بجانب ما كتب الله لأحد أقرانه من نعمة - هو منها محروم -، من القبول في الأرض، وانتشار الذكر، والتفاف الطلاب حوله، أخذ بتوهين حاله، وذمه بما يشبه المدح، فلان كذا إلا أنه.


وقد يسلك - وشتان بين المسلكين - صنيع المتورعين من المحدثين في المجروحين كحركات التوهين، وصيغ الدعاء التي تشير إلى المؤاخذات (كأصلح الله شأنه، أو هداه الله، إلخ)، والله يعلم أنه لا يريد إلا التمريض،....إلخ.

 

• أو الدافع: "عداوة دنيوية" فكم أثارت من تباغض وشحناء، ونكد، ومكابدة، فهؤلاء دائماً في غصة من حياتهم، وتحرق على حظوظهم، ولا ينالون شيئًا.


"وإنما أهلك الناس الدرهم والدينار". واللبيب يعرف شرح ذلك.

انتهى كلامه رحمه الله.

 

• فعلى كل من نصب نفسه للدعوة أو الجهاد أن يتحرى الحق، وأن يتق الله في يده ولسانه فلا يطلقهما إلا حيث يتيقن الموافقة لهدي النبي صلى الله عليه وسلم.


فكم ممن نصب نفسه للدعوة وأطلق لسانه في أهل العلم حتى لم يسلم منهم الإمام أحمد رضي الله عنه والإمام ابن تيمية والإمام محمد بن عبد الوهاب رحمهم الله..

 

.. يقول الشيخ محمد بن إسماعيل في كتابه الجليل الفائدة (حرمة أهل العلم).

• الجناية على العلماء خرق في الدين.... وقال: قال الحافظ ابن عساكر رحمه الله تعالى (واعلم يا أخي وفقنا الله وإياك لمرضاته وجعلنا ممن يخشاه ويتقيه حق تقاته، أن لحوم العلماء رحمة الله عليهم مسمومة، وعادة الله في هتك أستار منتقصيهم معلومة؛ لأن الوقيعة فيهم بما هم منه براء أمر عظيم والتناول لأعراضهم بالزور والافتراء مرتع وخيم، والاختلاف على من اختاره الله منهم لنعش العلم خلق ذميم).


وقال أيضًا رحمه الله (أي الحافظ ابن عساكر): (ومن أطلق لسانه في العلماء بالثلب، ابتلاه الله تعالى قبل موته بموت القلب).


وقال الإمام السخاوي رحمه الله (إنما الناس بشيوخهم فإذا ذهب الشيوخ فمع من العيش).....

 

• وليعلم أنه يخشى على من تلذذ بغيبة العلماء والقدح فيهم أن يبتلى بسوء الخاتمة عياذا بالله منها، فهذا قاضي فقيه شافعي....، درس وأفتى، وكثر طلابه ببلاد اليمن، واشتهر ذكره وبعد صيته، قال الجمال المصري "إنه شاهده عند وفاته وقد اندلع لسانه واسودَّ، فكانوا يرون ذلك بسبب كثرة وقيعته في الشيخ محيي الدين النووي رحمهم الله جميعا".

 

• فأقبح من تعويق وتثبيط وتزهيد حذرنا منه العلامة الشيخ طاهر الجزائري وهو على فراش الموت بكلمات حقها أن تكتب بماء العيون لا بماء الذهب، إذ قال رحمه الله: "عُدُّوا رجالكم، واغفروا لهم بعض زلاتهم، وعضوا عليهم بالنواجذ لتستفيد الأمة منهم، ولا تنفروهم لئلا يزهدوا في خدمتكم".


فإذا خلت الساحة من أهل العلم والتقى، اتخذ الناس رؤوسًا جهالًا، يفتونهم بغير علم، فإذا أفتوهم بغير علم فلا تسأل عن المحرمات التي تستباح، والدم المعصوم الذي يراق، والعرض الذي ينتهك، والمال الذي يهدر، ونظرة واحدة إلى الواقع الأليم في بعض بلاد المسلمين وما يقع فيها من مجازر ومذابح بأيدي الأدعياء الذين استبدوا برأيهم، وتأولوا بأهوائهم، وركبوا رؤوسهم، ولم يصغوا إلى نصائح العلماء "تنبئك عن مخاطر تغييب العلماء وقطع الصلة بينهم وبين الشباب".

 

• إن العلماء هم عقول الأمة، والأمة التي لا تحترم عقول علمائها غير جديرة بالبقاء. انتهى كلامه حفظه الله.

 

• لذا أخي الحبيب الواجب علينا أن نعلم أن كل طالب للعلم عليه أن ينشغل بتحصيل العلم وتزكية نفسه وتهذيبها، ولا ينشغل بقول العلماء بعضهم على بعض،


يقول ابن عباس رضي الله عنه "خذوا العلم حيث وجدتم ولا تقبلوا قول الفقهاء بعضهم على بعض فإنهم يتغايرون".


ويقول ابن القيم رحمه الله "من قواعد الشرع والحكمة أيضا: أن من كثرت حسناته وعظمت، وكان له في الإسلام تأثير ظاهر، فإنه يحتمل منه ما لا يحتمل لغيره، ويعفى عنه ما لا يعفى عن غيره، فإن المعصية خبث، والماء إذا بلغ قلتين لم يحمل الخبث، بخلاف الماء القليل فإنه لا يحتمل أدنى خبث[10].


فأوصي نفسي وإياكم، طلبة العلم خاصة، ألا ننشغل بتلك الأمور، وننشغل بتحصيل العلم والدعوة وتزكية النفس، فإن قلوبنا لا تحتمل أدنى خبث.

 

من الأدب مع العلماء:

• حسن الظن بهم بأنهم حملة الدين والمدافعين عنه.

• توقيرهم وإجلالهم وعدم تحقيرهم، فإن تحقيرهم تحقير للدين.

• الرجوع إليهم عند التباس الأمور للوقوف على الشرع البين.

• الأدب في السؤال وعدم التعنت والإلحاح، وتحمل الجفوة بأدب.

• حبهم والدعاء لهم، وإخلاص النصيحة لهم.

 

أسباب الوقيعة في المسلمين وأهل العلم:

• إن أعظم سببين لهذا الإثم العظيم هما:

(1) أنانية النفس.

(2) نزغات الشيطان.


إنه مع وضوح ذلك الأمر وشدة التشنيع في الوقوع فيه، فإن نزغات الشيطان وتزيينه لذلك الأمر واستعداد النفس لتلقيه، هو من أعظم الأسباب للوقوع فيه، ومن هنا كان الابتلاء لابن آدم. قال تعالى: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا ﴾ [الفرقان: 20].


قال ابن كثير: وقوله تعالى: ﴿ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ ﴾ أي اختبرنا بعضكم ببعض، وبلونا بعضكم ببعض، لنعلم من يطيع ممن يعصي، ولهذا قال: ﴿ أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا ﴾ أي بمن يستحق أن يوحي إليه، كما قال تعالى: ﴿ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ ﴾ ومن يستحق أن يهديه الله لما أرسلهم به ومن لا يستحق ذلك...


عن عياض بن حمار المجاشعي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عن ربه تبارك وتعالى "إنما بعثتك لأبتليك وأبتلي بك"[11].


ففتن إبليس بآدم فقال: ﴿ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ ﴾ [ص: 76]، فارتكس إلى الكفر بعدما كان خير العبَّاد.


وفتن فرعون بموسى فقال: ﴿ أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ ﴾ [الزخرف: 52]، فانتكس في النار بعدما كان ملكا على البلاد، وفتن الملأ من قريش بمحمد صلى الله عليه وسلم فقالوا ﴿ لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ ﴾ الزخرف، فقذفوا في القليب بعدما كانوا سادة على العباد.


وهكذا في كل عصر، ومع أي فضل في الدين أو الدنيا، يكون الحسد والغيرة.


عن الزبير بن العوام أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "دب إليك داء الأمم قبلكم: الحسد والبغضاء هي الحالقة، حالقة الدين لا حالقة الشعر، والذي نفس محمد بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا أفلا أنبئكم بشيء إذا فعلتموه تحاببتم أفشوا السلام بينكم"[12].


قال تعالى: ﴿ كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا * انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا ﴾ [الإسراء: 20 - 21] والعاقل من أخلص لله وكان طلبه للرفعة في الآخرة، وليس الدنيا، فقليل من أهل الشهرة الناجي، وكثير من الدهماء هم الناجون.


فليت شعري كيف حالي غدا؟ ليت أمي لم تلدني. ولكني راجٍ رحمة ربي.


﴿ تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [القصص].


وداء الحسد والغيرة جبلت عليه النفس، وكان ذلك هو سبب كفر إبليس واستحقاقه لغضب الله ولعنته، فقد استسلم للأنية النفسية، ولم يقاومها استجابة لأمر الله الحكيم العليم.


وكذلك فإن التفرق في الأمم السابقة لم يكن عن جهل بالدين بل بسبب البغي والحسد.


قال تعالى: ﴿ وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا ﴾ [الشورى: 14].


وأعظم باب للمجاهدة هو مجاهدة النفس والشيطان في هذا الباب، فالنفس دائما تريد أن تكون هي الأفضل من غيرها، فتتغافل عن عيوبها، وتتطلع لأي عيب في الآخرين، بل تبني ذلك لأوهى ظن، والشيطان الخبيث يعلم ذلك منها فيقذف لها الوساوس، ويلقي عليها التلبيسات.


عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يبصر أحدكم القذى في عين أخيه، وينسى الجذع في عينه" [13]. (القذى: العود ينصب للإبل فتحتك به أو أصل الشجرة يترك لذلك).


وقد يَسْلم الإنسان من الحسد والغيرة ولكن لا يسلم من وساوس شياطين الإنس والجن، فيصدق التهم التي تلقى على أخيه المسلم دون يقين أو تثبت، سواء كانت أخبار كاذبة على ألسنة فساق الإنس، قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ﴾ [الحجرات: 6].


أو ظنون ووساوس واهية يقذفها شياطين الجن قال تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ ﴾ [الحجرات: 12].


عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث ولا تحسسوا ولا تجسسوا ولا تناجشوا ولا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانًا"[14].


والتحسس هو تلمس الأخطاء والعيوب المستورة بالسؤال وغيره (ومنه تحسس الأخبار)، أما التجسس فبالسماع أو النظر المباشر من وراء ستار أو جدار، ثم ما يزال به الشيطان حتى يفشي ذلك الأمر، فيقع في مصيبتين.


الأولى: القول بلا علم وهو البهتان، قال تعالى: ﴿ وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا ﴾ [الإسراء: 36].


والثانية: الغيبة، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أتدرون ما الغيبة". قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: "ذكرك أخاك بما يكره". قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول، قال: "إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه فقد بهته"[15].


لذلك كله أخي الحبيب كان واجبًا على كل من أراد النجاة أن يحذر هذين العدوين القاتلين، وهما أنانية النفس والشيطان، ويجاهدهما بثلاثة أسلحة لا غنى له عنهم،

الأول: تقوى الله ومراقبته وكثرة ذكره والخوف منه.

الثاني: العلم بأدواء النفس، ومداخل الشيطان، وكيفية التغلب عليهما.

الثالث: دوام المجاهدة والصبر على ذلك.


فلذلك كان هضم النفس وحسن الظن بالآخرين، هو سبيل المتقين، فيربي النفس على عدم الخوض فيما لا يعنيه.


عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت"[16].


عن حفص بن عاصم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كفى بالمرء كذبًا أن يحدث بكل ما سمع"[17].


وذكر الشيخ عبد المحسن بن حمد العباد البدر في كتابه القيم (رفقًا أهل السنة بأهل السنة) قال الإمام أبو حاتم بن حبان البستي في كتابه روضة العقلاء ونزهة الفضلاء (ص: 45): "الواجب على العاقل أن يلزم الصمت إلى أن يلزمه التكلم، فما أكثر من ندم إذا نطق، وأقل من يندم إذا سكت، وأطول الناس شقاءً وأعظمهم بلاءً من ابتلي بلسان مطلق، وفؤاد مطبق".


وقال أيضًا (ص: 47): "الواجب على العاقل أن يُنصف أذنيه من فيه، ويعلم أنه إنما جُعلت له أذنان وفم واحدٌ ليسمع أكثر مما يقول؛ لأنه إذا قال ربما ندم، وإن لم يقل لم يندم، وهو على رد ما لم يقل أقدر منه على رد ما قال، والكلمة إذا تكلم بها ملكته، وإن لم يتكلم بها ملكها".


وقال أيضًا (ص: 49): "لسان العاقل يكون وراء قلبه، فإذا أراد القول رجع إلى القلب، فإن كان له قال، وإلا فلا، والجاهل قلبه في طرف لسانه، ما أتى على لسانه تكلم به، وما عقل دينه من لم يحفظ لسانه". اهـ


وعن معاذ عن النبي صلى الله عليه وسلم "ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟ قلت: بلى فأخذ بلسانه فقال: تكف عليك هذا قلت: يا نبي الله وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ قال: ثكلتك أمك يا معاذ وهل يكب الناس على وجوههم في النار إلا حصائد ألسنتهم"[18].



[1] رواه البخاري.

[2] رواه البخاري.

[3] مقدمة رفع الملام عن الأئمة الأعلام.

[4] البخاري 386.

[5] مسلم 4357.

[6] مسند أحمد 23620.

[7] عن مجلة التوحيد لأنصار السنة العدد رقم 3 السنة السادسة عشرة.

[8] مقدمة السلسلة الضعيفة.

[9] الردود العلمية للشيخ عبدالرحمن عبد الخالق.

[10] مفتاح دار السعادة, عن مجلة التوحيد لأنصار السنة.

[11] رواه مسلم.

[12] رواه البزار بإسناد جيد, وصححه الألباني في صحيح الجامع.

[13] تحقيق الألباني صحيح انظر حديث رقم: 8013 في صحيح الجامع.

[14] رواه البخاري ومسلم.

[15] رواه مسلم.

[16] رواه مسلم.

[17] رواه مسلم.

[18] تحقيق الألباني: صحيح, الإرواء 413.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • فضل العلم والعلماء
  • أبوة العلماء
  • مكانة العلماء ومكر السفهاء

مختارات من الشبكة

  • حرمة أهل العلم(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • التعريف بالبلد الحرام(مقالة - موقع د. محمود بن أحمد الدوسري)
  • شرح حديث: إن إبراهيم حرم مكة، ودعا لأهلها(مقالة - موقع الشيخ عبد القادر شيبة الحمد)
  • حكم صلاة الفريضة في الفنادق حول الحرم اقتداء بإمام الحرم (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • كل ما حرم فيه التفاضل حرمت فيه النسيئة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • قاعدة: ما حرم أخذه حرم إعطاؤه(مقالة - آفاق الشريعة)
  • قبسات من الحرم: فوائد منتقاة من دروس الحرم المكي (WORD)(كتاب - آفاق الشريعة)
  • قبسات من الحرم: فوائد منتقاة من دروس الحرم المكي (PDF)(كتاب - موقع الشيخ محمد بن صالح الشاوي)
  • مما يترتب على حرمة شهر الله المحرم(مقالة - ملفات خاصة)
  • منهج أهل العلم في طلب العلم(مقالة - مجتمع وإصلاح)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب