• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    خطبة: أم سليم صبر وإيمان يذهلان القلوب (2)
    د. محمد جمعة الحلبوسي
  •  
    تحريم أكل ما ذبح أو أهل به لغير الله تعالى
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    الكبر
    د. شريف فوزي سلطان
  •  
    الفرق بين إفساد الميزان وإخساره
    د. نبيه فرج الحصري
  •  
    مهمة النبي عند المستشرقين
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    ملخص من شرح كتاب الحج (3)
    يحيى بن إبراهيم الشيخي
  •  
    ماذا سيخسر العالم بموتك؟ (خطبة)
    حسان أحمد العماري
  •  
    فقه الطهارة والصلاة والصيام للأطفال
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    ثمرة محبة الله للعبد (خطبة)
    د. أحمد بن حمد البوعلي
  •  
    خطبة: القلق من المستقبل
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    فوائد وعبر من قصة يوشع بن نون عليه السلام (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    خطبة: المخدرات والمسكرات
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    {وما النصر إلا من عند الله} ورسائل للمسلمين
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: (الرزاق، ...
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
  •  
    الأحق بالإمامة في صلاة الجنازة
    عبد رب الصالحين أبو ضيف العتموني
  •  
    فضل الصبر على المدين
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / روافد
علامة باركود

تفسير: (وإذ قلتم يا موسى لن نصبر على طعام واحد)

تفسير: (وإذ قلتم يا موسى لن نصبر على طعام واحد)
الشيخ محمد حامد الفقي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 10/11/2015 ميلادي - 27/1/1437 هجري

الزيارات: 16935

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

تفسير قوله تعالى

﴿ وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ ﴾


بسم الله الرحمن الرحيم

قول الله جل ثناؤه: ﴿ وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْراً فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ ﴾ [البقرة: 61].


هذا موقف آخر من مواقف بني إسرائيل يدل على بغيهم وعدوانهم وخبث نفوسهم وانطباعها بطابع الذلة والصغار وشدة تمكن البهيمية منها وتغلبها عليها بحيث لا تفكر إلا فيها ولا تهتم إلا بما يضر بها ويقويها من الأطعمة والأشربة الغليظة الدنيئة الخبيثة.


قال الحسن البصري رحمه الله: كانوا نتانى - جمع نتن - أهل كراث وأبصال وأعداس، فنزعوا إلى عِكرهم[1] عكر السوء، واشتقات طباعهم إلى ما جرت عليه عادتهم، فقالوا: لن نصبر على طعام واحد.


يقول الله تعالى ذكره: واذكروا يا بني إسرائيل يوم كنتم في صحراء التيه، وقد حرركم الله من استعباد فرعوا وشيعته وتفضل عليكم بعد نعمة الحرية والنجاة مما كان يسومكم فرعون من سوء العذاب - بإنزال المن والسلوى طعاماً طيباً نافعاً هنيئاً سهلاً في أرض لا سلطان عليكم فيها لأجنبي عنكم، ولا قهر لعدو ظالم باغ عليكم.


فالحياة الحرة المستقلة في هذه الصحراء القحلة المجدبة على هذا الطعام الواحد الطيب النافع الهنئ، بل على أقل منه بمرات، خير عند الأمة العاقلة الرشيدة من حياة الذلة والصغار والاستعباد في القصور الفارهة والزروع والعيون الجارية والجنات الواسعة. لكن بني إسرائيل قد سفهوا أنفسهم واستحكم الغي والفساد في عقولهم لا يقدرون نعمة الله في هذا العيش السعيد ولا يعرفون فضله سبحانه عليهم في هذه الحياة الطيبة، فهم لا يزالون ينكرون على موسى إخراجهم من مصر الزراعية التي كانوا يملؤون فيها بطونهم من أردأ الأطعمة وأقذرها: العدس والفول والبصل والثوم والكراث والخيار والقثاء وأشباهها من البقول المنشطة لشهوة الطعام المحركة لسرعة الهضم وشدة القضم، فتسمن عليها أجسامهم وتتضخم حيوانيتهم وتقوى بهيميتهم ولا يهمهم أنهم كانوا لا ينالون من بقول مصر وعدسها وبصلها وفومها لقمة ولا من نيلها العذب جرعة إلا بأبهظ ثمن من الذلة والصغار واستعباد المصريين وإسامتهم سوء العذاب.


فالإسرائيليون ومن كان على مثل خلقهم وصغار نفوسهم وحرصهم على شهوات بطونهم وفروجهم، وانهماكهم في بهيميتهم بما صرفهم عن روحهم وأخلاقهم وحريتهم واستقلالهم. الإسرائيليون وأشباههم كذلك لا يصلحون لعمارة الأرض ولا لإقامة دولة، ولا يمكن أن يقيموا مع صغراهم هذا مملكة في أرض بيت المقدس ولا في غيرها. لذلك أطال الله مدة إقامتهم في أرض التيه، ولبثهم فيها حتى فني الجيل الذي نشأ على حياة العدس والفول والبصل والثوم والكراث يرى ذلك البؤس حياة طيبة في ظل ما كان يلقى من فرعون والمصريين من سوء العذاب.


بطرت نفوس بني إسرائيل الخبيثة الحقيرة نعمة الله في المن والسلوى وهددوا موسى بالتمرد عليه والعصيان إذا لم يخرج الله لهم من هذه الصحراء القحلة والأرض المجدبة ما تهوى نفوسهم الخبيثة من البقول والفول والعدس والبصل والثوم. وهذا بلا شك أشد التعنت منهم والإيذاء لموسى عليه السلام. فإن موسى لا يملك من الأمر شيئا، وإنما هو يدعو ربه وليس ربه تحت أمره يجيب كل ما يطلب؛ وإنما يفعل الله ما يشاء ويستجيب ما يحب لا معقب لحكمه. فكيف يلجئونه هذا الإلجاء ويهددونه بقولهم ﴿ لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ ﴾ فمعنى هذا: إننا صبرنا عليك كثيراً يا موسى وتحملنا طويلاً مما ضايقنا وآذيانا. والآن قد فرغ صبرنا ولم يبق عندنا بقية من التحمل فلن نصبر بعد الآن على ما نلقى في هذه الصحراء التي أخرجتنا من مصر إليها. فهم بفساد فطريهم وطيش أحلامهم وغلبة الجاهلية عليهم. ينظرون إلى نعم الله التي أنعم عليهم بها في إنقاذهم من مصر، وما كانوا يلقون فيها من الذلة والمهانة والعذاب. وفي إنعامه عليهم بالحرية التامة يعيشون في ظل أمير منهم يحس بإحساسهم ويشعر بشعورهم ويرحم صغيرهم ويوقر كبيرهم ويحفظ حقوقهم ويرعى حمتهم ويدافع عن أعراضهم، وهو بعد ذلك عز لهم وقوة إذ صاروا أمة لها شخصية مستقلة بعد أن كانوا مندمجين متلاشين تحت قهر أعدائهم وبغيهم وظلمهم - ينظرون إلى كل هذه النعم نظراً معكوساً منكوساً فيرونها نقماً واذايات، لأنها حرمتهم من العدس والفول والبصل والثوم والكراث!!


لذلك يقرعهم موسى ويوبخهم بقارع الفول وقارصه - إن كانوا يفقهون هم وأشباههم - إذ يقول ﴿ أَتَسْتَبْدِلُونَ ﴾ عيش الذلة ومهانة الأمة ومسكنتها تحت قهر عدوها المستعبد لها الذي يسومها سوء العذاب ويخدعها عن عزتها وكرامتها بقليل العيش ورديء الطعام وحقير الوظائف وضئيل المرتبات مما هو فتات مائدته الضخمة الفخمة. وذلك العيش الذليل مهما تصوره الجبناء وظنوا أنفسهم به في مراكز عظيمة وحياة منعمة بما يملؤون بطونهم فهو العيش ﴿ الَّذِي هُوَ أَدْنَى ﴾ وأحقر وأدون ﴿ بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ ﴾ وهو العيش الهنئ السعيد حقيقة في هذه الصحراء تحت ظل الله، وفي إمارة موسى نبيكم الذي أسعدكم الله به وأنقذكم ونجاكم وفضلكم على العالمين، فإن كانت البطون لا تأخذ فيه كل حظها؛ فإن النفوس تنعم فيه بحياة العزة والحرية. وإن كانت البهيمية لا ترتع فيه في مراحها، فإن الروح والإنسانية تحيي فيه أش حياة وأقواها، وتتهيأ الأمة بذلك لمستقبل يكفل الله لها فيه الحسنيين ويعطيها ما تحب من طيبات الدنيا ومطاعمها ومقومات الأمة وحريتها وعزتها.


ثم زاد موسى عليه السلام في توبيخهم وتقريعهم وتسفيه رأيهم، وأبان عن طوايا نفوسهم وما نحن إليه من حياة المهانة والذلة في ظل العبودية وقال ﴿ اهْبِطُوا مِصْراً ﴾ انزلوا من علياء هذه العزة التي يريد الله أن يرفعكم إليها فلستم لها بأهل، انحدروا من سماء هذه الكرامة بحياة الحرية والاستقلال التي نجاكم الله بها من فرعون وشيعته، وفك عن أعناقكم أغلال الاستعباد والذلة، وعودوا إلى ما يليق بنفوسكم الحقيرة الذليلة من حياة الصغار والمهانة، ودركات المسكنة والتسفل في مصر.

وإذا كانت النفوس كباراً ♦♦♦ تعبت في مرادها الأجسامُ


ولكنكم على عكس ذلك تذلون نفوسكم لتسمن وتتضخم أجسامكم ويكثر لحمكم، كأنكم عجول تسمن للذبح. فإنكم إن هبطتم مصر بلد الفراعنة الذين كانوا يسومونكم سوء العذاب، ونزلتم من هذه الكرامة عدتم إلى ما كنتم فيه أولا ﴿ فَإِنَّ لَكُمْ ﴾ في مصر ﴿ مَا سَأَلْتُمْ ﴾ من الأطعمة الرديئة الخبيثة التي تكونون بها كالبهائم السائمة تخدع بخضرة البقول وتقاد إلى مذبحها. وهي تجري لا تعي ولا تدرك ماذا يراد بها من الموت الذريع ليكون لحمها طعاماً لذيذاً لذلك العدو المستعبد المذل لهذه الأمة؛ واللاعب بعقلها، والساخر من غباوتها وجهلها.


قال الحافز ابن كثير رحمه الله ﴿ اهْبِطُوا مِصْراً ﴾ هكذا هو منون مصروف مكتوب بالألف في المصاحب الأئمة العثمانية. وهو قراءة الجمهور بالصرف. قال ابن جرير ولا أستجيز القراءة بغير ذلك لإجماع المصاحف على ذلك. ثم ذكر عن ابن حرير أن قراءة أبي بن كعب وابن مسعود ﴿ اهبطوا مصرَ ﴾ من غير صرف. ثم روى عن أبي العالية والربيع بن أنس أنهما فسرا ذلك بمصر فرعون. وكذا رواه ابن أبي حاتم عنهما وعن الأعمش أيضاً. ورجح ابن جرير أن يكن هو مصر المعروفة لقوله تعالى ﴿ كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرائيلَ ﴾ [الشعراء: 59]، يعني مصر.


وقال الإمام ابن القيم رحمه الله في إغاثة اللهفان: ومن تلاعب الشيطان باليهود: أنهم كانوا في البرية قد ظلل الله عليهم الغمام وأنزل عليهم المن والسلوى؛ فملوا ذلك. وذكروا عيش الثوم والبصل والعدس والبقل والقثاء؛ فسألوه موسى عليه السلام. وهذا من سوء اختيارهم لأنفسهم وقلة بصرهم بالأغذية النافعة الملائمة، واستبدال الأغذية الضارة القليلة التغذية منها - إلى أن قال - فكانوا في أفسح الأمكنة وأوسعها، وأطيبها هواء، وأبعدها عن الأذى ومجاورة الأنتان والأقذار. سقفهم الذي يظلهم من الشمس: الغمام. وطعامهم السلوى وشرابهم المن - إلى أن قال- وكانوا مع ذلك ينفجر لهم من الحجر اثنا عشر عيناً من الماء، فطلبوا الاستبدال بما هو دون ذلك بكثير، فذموا على ذلك. فكيف بمن استبدل الضلال بالهدى والغي بالرشاد والشرك بالتوحيد، والسنة بالبدعة؛ وخدمة الخالق بخدمة المخلوق؛ والعيش الطيب في المساكن الطيبة في جوار الله بحظه من العيش النكد الفاني في هذه الدار؟ اهـ.


ولما كانت البهيمية قد غلبت على بني إسرائيل واستحكمت على نفوسهم حلقات الشهوات الحيوانية في البطن والفرج، حكم الله عليهم حكماً عادلاً لا معقب له وقضى فيهم قضاءً نافذاً لا مرد له ولا ناقض ولو اجتمعت الإنس والجن بكل ما تملك من قوى وأسباب، ذلك هو قوله ﴿ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ ﴾ مأخوذ من ضرب الخيمة والقبة، أي أحاطت الذلة والمسكنة بهم في أخلاقهم وأحوالهم في كل زمن وكل وطن إحاطة القبة بمن ضربت عليه، أو مأخوذ من ضرب الحاكم على اليد، أي ألزمهم الذلة والمسكنة وحملهم عليها، أو مأخوذ من ضرب النقود، أي لصقت الذلة والمسكنة بطباعهم كما تطبع الطفراء على النقود.


قال أستاذنا الإمام السيد رشيد رضا رحمه الله ورضي عنه:

الذلة والذل: خلق خبيث من أخلاق نفس الإنسان، يضاد الإباء والعزة. وأصل المادة فيها معنى اللين. فالذِّل –بالكسر- اللين، وبالضم والكسر: ضد الصعوبة. وإذا تتبعت المادة وجدتها لا تخلوا من هذا المعنى. صاحب هذا الخلق لين ينفعل لكل فاعل، ولا يأبى ضيم ضائم. غير أن هذا الخلق الذي يهون على النفس قبول كل شيء - لا يظهر أثره غالباً على البدن وفي القول إلا عند الاستذلال والقهر. وكثيراً ما ترى الأذلاء تحسبهم أعزاء، يختالون في مشيتهم من الكبرياء ويباهون بما لهم من سالف الآباء، وربما فاخروا من لا يخشون سطوته من الكبراء

وإذا ما خلا الجبان بأرض ♦♦♦ طلب الطعن وحده والنزالا


ولكن متى شعر الذليل بنية من نفس القاهر أو طاف بذهنه خيال يد تمتد إليه استخذى واستكان ظهر السكون على بدنه، واشتمل الخشوع على قوله وفعله.


وهذا الأثر الذي يسطع من النفس على البدن هو الذي يسمى "المسكنة" وإنما سمي الفقر مسكنة لأن العائل المحتاج تضعف حركته ويذهب نشاطه، فهو لعم ما يسد عوزه كأنه يقرب من عالم الجماد، فلا تظهر فيه حاجة الأحياء، فيسكن. والمشاهدة ترشدنا إلى تحقيق ما عليه أهل المسكنة في أوضاع أعضائهم وما يبدوا على وجوههم وما طبع في أقوالهم وأعمالهم. فضرب الذلة والمسكنة على اليهود هو جعل الذل وضعف العزيمة محيطين بهم كما تحيط القبة المضروبة بمن فيها. اهـ.


جرى بنو إسرائيل في طريق شهوات بطونهم وإرضاء حيوانيتهم غافلين عن نعمة ربهم عليهم، كافرين بها، محقرين لشأنها، معاندين لموسى، مؤذين له بأنواع الأذيات؛ ثم كان هذا دينهم وشأنهم مع غيره من الأنبياء إلى آخرهم وسيدهم وخاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم فاستحقوا بذلك أن يحكم الله عليهم بالذلة تصاحبهم وتلازمهم، وأن يطبعوا بطابع المسكنة في كل أدوار حياتهم إلى يوم القيامة، مهما ملكوا من حطام الدنيا ومتاعها، ومهما احتازوا من الأموال بأساليب الربا وغيره من أنواع الظلم والبغي والفساد؛ فهم أبداً في هذه الذلة والمسكنة لن تقوم لهم دولة ولن تعلو لهم إن شاء راية، ولن ينالوا من أمانيهم الكاذبة غاية. ذلك حكم الله الذي لا معقب له، ووعده الذي لا يخلف.


فهم بما حكم الله عليهم من ذلك قد ﴿ وَبَاءُوا ﴾ أي عادوا أو رجعوا من شوطهم الذي جروه لمحاربة موسى وغيره من الأنبياء، وتبعوا فيه شياطينهم من الإنس والجن أعداء الأنبياء، ورجعوا من هذا السعي الحثيث في محاربة الله ورسله ﴿ بِغَضَبٍ ﴾ وسخط ﴿ مِنَ اللَّهِ ﴾ يلازمهم ما داموا في هذا السعي الأثيم من محاربة الله ورسله وشرائعه بما يشيعون في العالم من فواحش وآثام وجرائم، وبما يسعون في الأرض بالفساد والظلم، وقلب النظم الإلهية والأوضاع الشرعية وإشاعة الفوضى والتحلل من كل روابط الشرائع والآداب والأخلاق: و ﴿ ذَلِكَ ﴾ دأبهم ودينهم وشأنهم ﴿ بِأَنَّهُمْ كَانُوا ﴾ ولعل "كان" هنا للدوام والاستمرار فيما أعتقد وفيما صدقت التجارب والحوادث في مختلف العصور والأزمنة ﴿ يَكْفُرُونَ بآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ﴾ فأنهم قتلوا زكريا ويحيى وغيرهما كثيراً من أنبيائهم، وحاولوا قتل عيسى ابن مريم لولا أن رفعه الله إليه وطهره من أيديهم الأثيمة النجسة. وحاولوا قتل أشرف المرسلين محمد صلى الله عليه وسلم وعلى جميع إخوانه الأنبياء، في المدينة لما ذهب إلى بني النضير يسألهم الوفاء بما عاهدوا عليه من المساعدة المالية في دية تحملها عن بعض أصحابه ق قتل من أمنه رسول الله؛ فأظهر بنو النظير أنهم يجيئونه بالمال، ثم تشاوروا فيما بينهم إنكم لا تجدونه أخلى منه الآن، وإنها فرصة لا تضيعوها. اقتلوه الآن واستريحوا منه. فرقى أشقاهم بحجر يريد أن يطرحه على رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فجاءه جبريل وأخبره فقام مسرعا. وكان هذا سبب إجلائهم من المدينة. لعنهم الله. وكذلك حاولوا مرة أخرى في خيبر حين قدموا إليه شاة مسمومة، فأخبره الذراع أنه مسموم، فلفظ البضعة التي كانت في فيه. وهكذا مكروا والله خير الماكرين. وحاولوا قتل دينه وشريعته بما كادوا من أنواع الفتنة والكيد، فبلغوا بعض ما أرادوا مما نرى عليه أكثر المسلمين اليوم من العقائد الشركية في القبور، ومن الطرق الخرافية الضالة التي يسمونها صوفية، فرقت الأمة شيعاً وأحزاباً وأذهبت ريحهم وهدت قوتهم ومكنت منهم عدوهم. وكل ذلك من كيد اليهود وعداوتهم للأنبياء ولخاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم. فهم حريون بما حكم الله عليهم من الذلة والمسكنة، وأن يبعث الله عليهم من يسومهم سوء العذاب إلى يوم القيامة ﴿ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ ﴾ أي إنما صنع الله بهم ذلك عدلاً منهم لأنهم عصوا ربهم وحاربوه، وتعدوا حدوده وانتهكوا حرماته وكذلك شأن الله وسنته مع كل من يعصي أوامره ويتعدى حدوده، ولو كان من أبناء محمد أشرف الخلق وسيد المرسلين صلى الله عليه وسلم.


مجلة الهدي النبوي - المجلد الرابع - العدد 49 - أول رجب سنة 1359هـ



[1] العكر - بكسر العين وسكون الكاف - العادة والديدن؛ أي نزعوا إلى عادتهم .





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • تفسير: (يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم)
  • تفسير: (يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأني فضلتكم على العالمين)
  • تفسير: (يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم وإياي فارهبون)
  • تفسير ربع: يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم (الربع الثامن من سورة البقرة)
  • تفسير: (ولقد آتينا موسى الكتاب وقفينا من بعده بالرسل)
  • تفسير: (قال رب بما أنعمت علي فلن أكون ظهيرا للمجرمين)
  • تفسير: (ولقد آتينا موسى الكتاب من بعد ما أهلكنا القرون الأولى)
  • تفسير: (ومن جاهد فإنما يجاهد لنفسه إن الله لغني عن العالمين)
  • تفسير: (وما أنتم بمعجزين في الأرض ولا في السماء)
  • تفسير: (ولما جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى قالوا إنا مهلكو أهل هذه القرية إن أهلها كانوا ظالمين)
  • تفسير: (وعادا وثمود وقد تبين لكم من مساكنهم وزين لهم الشيطان أعمالهم...)
  • { لن نصبر على طعام واحد }
  • تفسير: (أولم يتفكروا في أنفسهم ما خلق الله السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق)
  • تفسير: (قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم ثم إلى ربكم ترجعون)
  • تفسير: (أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون)

مختارات من الشبكة

  • تفسير قوله تعالى: {وإذ قلتم يا موسى لن نصبر على طعام واحد...}(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير: (وإذ قلتم يا موسى لن نصبر على طعام واحد فادع لنا ربك)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير: (وإذ قلتم يا موسى لن نصبر على طعام واحد فادع لنا ربك)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير قوله تعالى: {وإذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة...}(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير: (وإذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير: (وإذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير: (وإذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير: (وإذا أنعمنا على الإنسان أعرض ونأى بجانبه وإذا مسه الشر كان يئوسا)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • غرائب وعجائب التأليف في علوم القرآن (13)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مفسر وتفسير: ناصر الدين ابن المنير وتفسيره البحر الكبير في بحث التفسير (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 17/11/1446هـ - الساعة: 9:44
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب