صلوا أرحامكم

صلوا أرحامكم

المقدمة:

الحمد لله الذي بشَّر الواصلين الأرحام، وأنذر القاطعين، والصلاة والسلام على محمد الأمين صلى الله عليه وسلام وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم التناد.

أما بعد:

فإن الإسلام أمر المسلمين بالوَحْدة الجسديَّة والروحيَّة، كما أنه حثَّنا على التعاون والتضامن والتعاضد، خصوصًا بين ذوي الأرحام؛ فإحسان بعضهم إلى بعض أولى من كل شيء، والتقاطع والتباغض فيما بينهم من أشنع الأفعال؛ لذا قمت بجمع بعض الآيات والأحاديث؛ لنعرف قيمة صلة الرحم حتى نتمسَّك بأرحامنا، وخطورةَ قطيعة الرحم فنحذر منها.

واللهَ أسأل أن يهدينا إلى صراط مستقيم.

صلة الرحم اصطلاحًا:

الإحسان إلى ذوي الأرحام بالقول أو بالفعل.

حكم صلة الرحم: واجب.

الدليل على وجوب صلة الرحم في القرآن الكريم:

قال تعالى: ﴿ وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ﴾ [النساء: 36]، وقال أيضًا: ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ﴾ [النساء: 1].

والدليل على وجوب صلة الرحم في السنة النبويَّة:

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((مَن كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليُكرِمْ ضيفَه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فلْيَصلْ رَحِمَه، ومن كان يؤمن بالله واليوم والآخر، فليقل خيرًا أو ليصمت))؛ رواه البخاري.

قطيعة الرَّحِم اصطلاحًا:

الإساءة إلى ذوي الأرحام بالقول أو بالفعل.

حكم إيذاء ذوي الأرحام: حرام.

الدليل على تحريم إيذاء ذوي الأرحام في الكتاب والسنة:

عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله خلق الخَلْق حتى إذا فرغ منهم قامت الرَّحِمُ، فقالت: هذا مقام العائذ من القطيعة، قال: نعم، أما ترضين أن أَصِل من وصلك، وأقطع من قطعك؟ قالت: بلى، قال: فذاك لك. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اقرؤوا إن شئتم: ﴿ فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ ﴾ [محمد: 22، 23])).

الحكمة في صلة الرحم:

1-تأليف القلوب بين ذوي الأرحام.

2-غرس روح المحبة بينهم.

3-نشر الرحمة فيما بينهم.

من الذين يجبُ صلتُهم؟

اختلف فيه العلماء،

1- قيل: المحارم فقط.

2- وقيل: الوارثون فقط.

3- وقيل: كلُّ من له قرابة من النسب من جهة الأب أو الأم، سواء ممن يَرِثون أو لا يرثون، وهو الصحيح.

من هم أولى بالصلة؟

1- الأم:

وقد صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لما سأله سائلٌ: من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: ((أمُّك)) قال: ثم مَن؟ قال: ((أمك)) قال: ثم من؟ قال: ((أمك)) قال: ثم من؟ قال: أبوك، ثم الأقرب فالأقرب))؛ رواه مسلم.

2-الأب.

3-الابن.

ثم الأقرب فالأقرب.

سألت الشيخ عبدالله باه - إمام المركز الإسلامي للدعوة إلى الكتاب والسنة بدكار - عن صلة الرحم:

فقال: قبل أن تَصِل أيَّ رحم فصلْ رَحِمك، وقبل أن تصلح أيَّ رحم فابدأ بصلة رحمك؛ لقوله تعالى: ﴿ وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّه ﴾ [الأنفال: 75].

هل الصهر من ذوي الأرحام؟

الجواب:

لا؛ لأن القرآن الكريم فرَّق بين النسب والصهر في سورة الفرقان قال تعالى: ﴿ وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا ﴾ [الفرقان: 54].

فضل صلة الرحم:

1- صلة الرحم من الإيمان:

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((مَن كان يؤمنُ بالله واليوم الآخر، فليكرم ضيفه، ومن كان يؤمن بالله واليوم، الآخر فلْيَصِلْ رَحِمَه، ومن كان يؤمن بالله واليوم والآخر، فليقل خيرًا أو ليصمت))؛ رواه البخاري.

2- صلة الرَّحِم أمر من أوامر الله سبحانه وتعالى:

قال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ ﴾ [الرعد: 21].

3- صلة الرحم من وصيِّة الله للناس:

قال تعالى: ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ﴾ [النساء: 1].

4- صلة الرحم تزيد في العمر، وتبارك في الرزق:

عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((مَن أحبَّ أن يُبسَطَ له في رزقه، ويُنسَأ له في أثره - فلْيَصِلْ رَحِمَه))؛ رواه البخاري ومسلم.

5- صلة الرحم تعمِّر الدِّيار:

أخرج الإمام أحمد في مسنده، والبيهقي عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((صلة الرحم، وحسن الخلق، وحسن الجوار، يُعمِّرْن الديار، ويزدن في الأعمار))؛ صححه الألباني.

6- صلة الرحم سبب من أسباب دخول الجنة:

قال صلى الله عليه وسلم: " أَطِبِ الكلام، وأَفشِ السلام، وصِلِ الأرحام، وصلِّ بالليل والناس نيام، تَدخُلِ الجنةَ بسلام))؛ رواه ابن حبان، وصححه الألباني.

7- واصل الرَّحِم موصول من الله عز وجل:

عن عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((قال الله عز وجل: أنا الله، وأنا الرحمن، خلقت الرَّحِم، وشققت لها اسمًا من اسمي، فمَن وصَلَها وصلته، ومن قطعها قطعته - أو قال: بَتَتُّه؛ أي: قطعته))؛ متفق عليه.

8- واصل الرحم منصور من عند الله:

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلا قال: يا رسول الله، إن لي قرابةً أَصِلُهم ويقطعوني، وأُحسِنُ إليهم ويسيئون إليَّ، وأحلم عنهم ويجهلون عليَّ؟

فقال: ((لئن كنتَ كما قلتَ فكأنما تُسفُّهم المَلَّ، ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمتَ على ذلك))؛ رواه مسلم.

عقوبة قطيعة الرحم:

1- قاطع الرحم قصير العمر، ولا بركة في ماله:

عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((مَن أحبَّ أن يُبسَطَ له في رزقه، ويُنسَأ له في أثره - فلْيَصِلْ رَحِمَه))؛ رواه البخاري ومسلم.

نفهم من الحديث:أن مَن لم يصل رَحِمَه لا يُبارَكُ في ماله، ولا يُزادُ في عمره.

2- قاطع الرحم ملعون:

قال تعالى: ﴿ فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ ﴾ [محمد: 22، 23].

3- قاطع الرحم من الفاسقين الخاسرين:

قال تعالى: ﴿ وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ * الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ﴾ [البقرة: 26، 27].

4- قاطع الرحم معاقب في الدنيا قبل الآخرة:

عن أبي بكر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ما من ذنب أجدر أن يُعجِّلَ الله لصاحبه بالعقوبة في الدنيا، مع ما يُدَّخَر له في الآخرة من البغي وقطيعة الرحم))؛ رواه أبو داود، والترمذي، وابن ماجه.

5- قاطع الرحم لا يُرفَعُ له عمل ولا يقبل:

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت النبيَّ صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن أعمال بني آدم تُعرَضُ على الله تبارك تعالى عَشية كل خميس؛ ليلة الجمعة، فلا يُقبَلُ عملُ قاطع الرحم))؛ رواه أحمد، ورجاله ثقات، وحسَّنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب.

6- تأخذ الرَّحم حقَّها من قاطع الرحم فوق الصراط؛ أي: الجسر يوم القيامة:

عن أبي حذيفة رضي الله عنه في حديث الشفاعة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((وترسل الأمانة والرحم، فتقومان جنبتي الصراط يمينًا وشمالاً))؛ رواه مسلم.

وهذا الحديث يدل على أن الأمانة والرحم تطالبان كلَّ مارٍّ قصَّر في حقهما.

7- قاطع الرحم في النار:

قال صلى الله عليه وسلم: ((لا يدخل الجنة قاطعُ رَحِم))؛ وراه مسلم.

أسباب انقطاع الرحم:

1- الحسد: وهذا حدث بين قابيل وهابيل.

2- الجهل والتكبر.

3- النفاق.

طرق الإحسان لصلة الرحم:

1-الدعاء: لا يوجد في التاريخ إنسان دعا لرَحِمه مثل ما دعا موسى عليه الصلاة والسلام لأخيه هارون عليه الصلاة والسلام، حتى نال مرتبة النبوة.

2- إفشاء السلام: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابُّوا، أَوَلا أدلُّكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟

أفشوا السلام بينكم))؛ رواه مسلم.

3- الزيارات:

جاء في الحديث الذي رواه الإمام أحمد، ومسلم، والبخاري في الأدب المفرد وهو قوله عليه الصلاة والسلام: ((زار رجل أخًا له في الله في قرية، فأرصد الله له ملكًا على مدرجته، فقال: أين تريد؟ قال: أخًا لي في هذه القرية، فقال: هل له عليك من نعمة ترُبُّها؟ قال: لا، إلا أني أحبُّه في الله، قال: فإني رسول الله إليك أن الله أحبَّك كما أحبَبْتَه)).

4- التعاون بالمال أو بالبدن:

قال تعالى: ﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ﴾ [المائدة: 2].

5- إرسال الرسائل عبر الجوال والإنترنت.

6- الاتصالات عبر التقنيات الحديثة.

7- الكلمة الطيبة.

قال تعالى: ﴿ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا ﴾ [البقرة: 83].

8-الصبر والعفو فيما بينهم.

الخاتمة:

فإن أردنا إصلاح مجتمعنا فنَصِلُ رَحِمنا بقدر استطاعتنا، والله يحبُّ الواصلين.

وصلِّ اللهم على محمد، وسلِّم تسليمًا كثيرًا.