• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    البعثة والهجرة (خطبة)
    الدكتور أبو الحسن علي بن محمد المطري
  •  
    أسباب نشر الأدعية
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    كليات الأحكام
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    بين الحاج والمقيم كلاهما على أجر عظيم.. (خطبة)
    د. صغير بن محمد الصغير
  •  
    لا حرج على من اتبع السنة في الحج (خطبة)
    الشيخ عبدالله بن محمد البصري
  •  
    تخريج حديث: إنه لينهانا أن نستنجي بأقل من ثلاثة ...
    الشيخ محمد طه شعبان
  •  
    "لا تكونوا عون الشيطان على أخيكم".. فوائد وتأملات ...
    حسام بن عبدالعزيز الجبرين
  •  
    الحج: غاياته وإعجازاته
    د. زيد بن محمد الرماني
  •  
    من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: (الشهيد، ...
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
  •  
    موانع الخشوع في الصلاة (2)
    السيد مراد سلامة
  •  
    وقفات مع القدوم إلى الله (13)
    د. عبدالسلام حمود غالب
  •  
    فتنة الابتلاء بالرخاء
    أ. د. فؤاد محمد موسى
  •  
    الحج ويوم عرفة (خطبة)
    د. محمد بن مجدوع الشهري
  •  
    خطبة (المساجد والاحترازات)
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    لماذا قد نشعر بضيق الدين؟
    شهاب أحمد بن قرضي
  •  
    حقوق الأم (1)
    د. أمير بن محمد المدري
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / مواضيع عامة
علامة باركود

الأعاصير!

الشيخ إبراهيم بن صالح العجلان

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 25/6/2007 ميلادي - 9/6/1428 هجري

الزيارات: 27207

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الأعاصير!

 

الخطبة الأولى:

أما بعد..

فاتقو الله أيها المسلمون حق التقوى، واعلموا أن تقوى الله الملكِ الرحمنِ هي العصمة من البلايا، والمَنَعة من الرزايا، ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا ﴾ [الطلاق:2]، ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا ﴾ [الطلاق:4].


معاشر المسلمين:

ويخرج المصطفى صلى الله عليه وسلم من بيته إلى المسجد مسرعاً، يجرُّ إزاره خلفه، قلقاً فزعاً، ويأمر المناديَ فينادي: الصلاةُ جامعة! الصلاة جامعة!

 

ما الذي أفزعه، صلى الله عليه وسلم؟ ما الأمر؟ ما الخبر؟


لقد حدث شيء غريب في هذا الكون؛ انكسفت الشمس! تغير شكلها، ذهب ضياؤها..


ويجتمع الصحابة رضي الله عنهم في المسجد، ويصطفون خلف نبيهم صلى الله عليه وسلم في صلاة خاشعة، أطال فيها القيام والركوع والسجود، حتى إذا قضى النبي صلى الله عليه وسلم صلاته التفت إلى أصحابه فقال: (إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللهِ، لاَ يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ، وَلاَ لِحَيَاتِهِ! وَلَكِنَّهُمَا آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللهِ، يُخَوِّفُ اللهُ بِهَا عِبَادَهُ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ؛ فَادْعُوا اللهَ، وَكَبِّرُوا، وَصَلُّوا، وَتَصَدَّقُوا)، ثم قالَ: (يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ، وَاللهِ مَا مِنْ أَحَدٍ أَغْيَرُ مِنَ اللهِ؛ أَنْ يَزْنِيَ عَبْدُهُ، أَوْ أَنْ تَزْنِيَ أَمَتُهُ. يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ، لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ؛ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلاً، وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيراً).


عباد الله:

هذه إحدى الظواهر الكونية التي وقعت في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وهذا هو موقفه عليه الصلاة والسلام في التعامل معها، لم يتعامل معها تعاملاً جامداً، وتحليلاً مادياً؛ بل ربط ذلك بالخالق وتدبيره في هذا الكون، ثم حذَّر الناس - مع هذه التغيرات الكونية - من عصيان ربهم، وانتهاك محارمه.


وهكذا أهل الإيمان؛ ينبغي أن تكون نظرتهم تجاه هذه الظواهر الكونية تختلف عن غيرهم؛ لأن لهم إيمانًا يربطهم بالله تعالى، ولأن لهم عقيدة تخبرهم بما يجري في هذا الكون كلِِّه، بقدر الله، فلا يخرج شيء عن إرادته، ولا يجري شيء بدون مشيئته.


ومن الظواهر الكونية التي تستحق أن نقف معها وقفة تأمل وادِّكار، وعظة واعتبار: ظاهرةُ الريح والإعصار.


إخوة الإيمان:

الريح والإعصار رسلُ نذرٍ وإنذار، من الملك الجبار، وآية من آيات الواحد القهار، ﴿ وَمَا نُرْسِلُ بِالآياتِ إِلاَّ تَخْوِيفًا ﴾ [الإسراء:59].


خوَّف العظيمُ الجليل عبادَه بالريح العاتية، وأنذرهم بالأعاصير القاصفة، قال تعالى: ﴿ أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلاً أَمْ أَمِنْتُمْ أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ تَارَةً أُخْرَى فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفًا مِنَ الرِّيحِ فَيُغْرِقَكُمْ بِمَا كَفَرْتُمْ ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعًا ﴾ [الإسراء: 68، 69].


ولعظمة الريح وعظم شأنها؛ أقسم بها ربها، فقال جل في علاه: ﴿ وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفًا، فَالْعَاصِفَاتِ عَصْفًا، وَالنَّاشِرَاتِ نَشْرًا ﴾ [المرسلات:1 - 3].


وجعلها الله تعالى برهانًا دالاً على ربوبيته وألوهيته، قال تعالى: ﴿ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴾ [الجاثية:5].


وحينما سأل نبي الله سليمان ربَّه ملكًا لا ينبغي لأحد من بعده؛ استجاب الله لطلبه، وسخَّر له الريح طائعة لأمره، قال تعالى: ﴿ وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ ﴾ [الأنبياء:81]، وقال سبحانه: ﴿ وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ ﴾ [سبأ:12]، قال قتادة: (تَغْدُو مَسِيرَةَ شَهْرٍ إِلَى نِصْفِ النَّهَارِ، وَتَرُوحُ مَسِيرَةَ شَهْرٍ إِلَى آخِرِ النَّهَارِ).


هذه الرياح جند طائع لله تعالى، ﴿ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ ﴾ [المدثر:31]، فإذا شاء الله صيرها رحمةً، فجعلها رخاءً ولقاحًا للسحاب، فكانت مبشِّراتٍ بين يدي رحمته، ونزول نعمته، ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ ﴾ [الروم:46]، وإذا شاء الله جعل هذه الرياح نِقمةً ونكالاً، فكانت صرصراً عاصفاً، وعذاباً عقيماً، قال تعالىعن قوم عاد؛ لما كفروا واستكبروا: ﴿ وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ، مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلاَّ جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ ﴾[الذاريات:41 - 42].


هذه الريح جعلها الله سلاماً لنصرة أوليائه، فحينما زُلزِلَ المؤمنون يومَ الخندق زِلزالاً شديداً، وزاغت الأبصار، وبلغتِ القلوبُ الحناجر؛ نصر اللهُ نبيَّه وأولياءَه، فأرسل على أعدائهم ريحاً عاتيةً؛ قلعت خيامَهم، وأطفأت نارهم، وكَفَأت قدورهم،، فارتحلوا بعد ذلك صاغرين متفرقين، قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا ﴾ [الأحزاب:9]، وفي هذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (نُصِرْتُ بِالصَّبَا، وَأُهْلِكَتْ عَادٌ بِالدَّبُورِ) متفق عليه. و(الصَّبَا): هي الريح الشرقية، والدَّبُورُ: الريح الغربية.


إخوة الإيمان:

إن ظاهرة الأعاصير حدثٌ مَهيبٌ، ومنظر مَهولٌ، يُوجِل القلوب، ويدهش العقول، فحينما الناس في دنياهم غافلون، أو في لهوهم سادرون؛ إذ أذن الله لجند من جنوده أن يتحرك؛ أذن للهواء الساكن أن يضطربَ، ويهيج ويموج، ويثور ويزمجر، ثم يتوجه كالغضْبان إلى اليابسة، يجرّ معه الأمواج العالية، والسحب المفرقة، لا يقف أمامه شيء إلا ابتلعه، ولا شجر إلا اقتلعه، ولا شاخص إلا صرعه، ورماه في مكان سحيق، عروش مبعثرة، وبنايات متناثرة، وأشلاء ممزقة، وجثث متحلّلة، هنا وهناك.


يقف الناس مع لُجَّة الإعصار مكلومين مشدوهين نازحين، لا بيوت تنجيهم، ولا أبراج تؤويهم، ﴿ فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ، لا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ ﴾ [الأنبياء:12 - 13].


يحدث هذا الدمار كلُّه وذاك الخراب في لحظات سريعة خاطفة، فلا إله إلا الله! ما أعظم قدرة الجبار! مدن عامرة تدب في أرجائها الحياة لجمالها وصفاتها، وفي غمضة عين وانتباهتها يغيرها الله من حال إلى حال، فأضحت أوطاناً موحشة، ودياراً خاوية، وأطلالاً بالية، ﴿ وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ ﴾ [هود:102].


ما أكثر العبر! وما أقل الاعتبار! فهذه الأعاصير - يومَ تعصف عاصفتها - كأنما تخاطب أهل الأرض، تخاطبهم بعظمة الخالق، وعجز المخلوق وضعفه، تخاطبهم بأن الأمر لله، من قبل ومن بعد، وأن المخلوق مهما طغى وبغى، ومهما أوتي من قوة وتقدم؛ فليس بمعجزِ اللهَ في الأرض، وليس له من دون الله من ولي ولا نصير.


لقد أصابت هذه الأعاصير دولاً عظمى، فما أغنت عنهم قوتهم من شيء لما جاء أمر ربك. نعم! نجحت البشرية في رصد هذه الأعاصير، وكشف وجهتها وسرعتها؛ لكنها عجزت، مع قوتها العسكرية، وأجهزتها العلمية، وترسانتها الحربية؛ عجزت عن مواجهة هذا الجندي الإلهي، أو تغيير وجهته، وتقليل خسائره، وصدق الله، ومن أصدق من الله قيلاً: ﴿ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ ﴾ [الرعد:11].


إخوة الإيمان:

ومن الحقائق الثابتة التي نطق بها القرآن: أن هذه المصائب العامة التي تنزل بالبلاد والعباد؛ إنما هي حصائد ذنوبهم، وجزاء ما كسبت أيديهم، ﴿ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾ [الروم:41].


ويقول الله بعد أن ذكر مصارع الأمم:﴿ فَكُلاً أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ﴾ [العنكبوت:40].


ويقول تعالى: ﴿ وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلاَّ وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ ﴾ [القصص:59].

 

ولما كثرت المعاصي في هذا الزمن وتنوعت؛ كثرت بذلكم المصائب وتسارعت، ولا زلنا بين فترة وأخرى نسمع عن زلازل، وبراكين، وفيضانات، وأعاصير، وأوجاع، وأمراض..


عباد الله:

ومع هذا كله تأبى نفوسٌ أعرضت عن الله، وتعامت عن شريعته؛ أن تأخذ من هذه الأعاصير آية وعبرة ومدّكراً، فينسبون هذه الأعاصير إلى ظواهر طبيعية، وأسباب مادية، ويزعمون أنه لا علاقة لها بأفعال الناس ومعاصيهم، ولسان حالهم كما قال من سبقهم: ﴿ قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ ﴾ [الأعراف:95].


ويعظم الخطب حينما تكون هذه التحليلات المادية والنظرة العلمانية هي الصوت الأغلب للإعلام في ديار المسلمين؛ فتزرع الشكَّ في عقول الناس، وتغرّر بمفاهيمهم بهذه النظرة الخاطئة؛ فيضعف بذلك اتعاظ العباد، ويقل اعتبارُهم، يقول الله تعالى ذامّاً وموبخاً مَن لا يتّعظ بالآيات والمثلات: ﴿ فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [الأنعام:43].


نعم! لهذه الأعاصير أسباب وظواهر علمية، ولكن هذا لا يعني التعلق بهذه الأسباب، ونسيان خالقها ومسببها، فإن الله تعالىإذا أراد شيئاً؛ أوجد سببه، ورتب عليه نتيجته، كما قال سبحانه: ﴿ وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا ﴾ [الإسراء:16].

 

فهذه الأعاصير وغيرها من الكوارث هي من أقدار الله، لا تسيّر نفسها، وإنما تسير بأمر الله، ولشيء أراده الله.


إخوة الإيمان:

إن هذه الكوارث التي تنذر البشرية لَتؤكدُ لنا بجلاء ووضوح: أن حياة الإنسان رهن مشيئة الله، وأن الآجال محجوبة خلف ستار الغيب، وأن كل واحد منا - في أي لحظة - عُرضةٌ للقاء ربه، فلا يدري عبد متى تأتيه منيته، أو يحين حينه، ﴿ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ﴾ [لقمان:34].


بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بهدي سيد المرسلين...


الخطبة الثانية

الحمد لله على إحسانه، والشكر على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده، لا شريك له، تعظيماً لشأنه، واشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه، وعلى آله وصحبه، وسلم تسليماً كثيراً.


أما بعد؛ فيا عباد الله، وكان للنبي صلى الله عليه وسلم مع هذه الرياح شأن آخر، وحال مغايرة؛ كان إذا رأى مقدّماتِها؛ تغيَّرَ وجهُه، وقلقت نفسه، وتبدّلت حاله، ولا غرو في ذلك؛ فهو عليه الصلاة والسلام أعلم الناس بربه، وأخبر الخلق بأسباب العقوبات والكوارث.


تُصوِّرُ لنا أم المؤمنين عائشة حالَه بقولها: (كَانَ الرَّسُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا تَخَيَّلَتِ السَّمَاءُ؛ تَغَيَّرَ لَوْنُهُ، وَخَرَجَ وَدَخَلَ، وَأَقْبَلَ وَأَدْبَرَ، إِذَا أَمْطَرَتْ سُرِّيَ عَنْهُ، فَعَرَفْتُ ذَلِكَ فِي وَجْهِهِ، فَسَأَلْتُهُ، فَقَالَ: لَعَلَّهُ يَا عَائِشَةُ كَمَا قَالَ قَوْمُ عَادٍ: ﴿ فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [الأحقاف:24].


ومن الأحكام الشرعية مع الريح والأعاصير: أنه لا يجوز سَبُّها أو لعنها، قال صلى الله عليه وسلم: (لاَ تَسُبُّوا الرِّيحَ؛ فَإِنَّهَا تَأْتِي بِالرَّحْمَةِ وَالْعَذَابِ، وَلَكِنْ، سَلُوا اللهَ خَيْرَهَا، وَتَعَوَّذُوا مِنْ شَرِّهَا). رواه الإمام أحمد بسند حسن.


ومن الأحكام أيضاً: دعاءُ الله تعالىعند هبوبها، قالت عائشة رضي الله عنها: (كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا عَصَفَتِ الرِّيحُ؛ قَالَ: (اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ خَيْرَهَا، وَخَيْرَ مَا فِيهَا، وَخَيْرَ مَا أُرْسِلَتْ بِهِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهَا، وَشَرِّ مَا فِيهَا، وَمِنْ شَرِّ مَا أُرْسِلَتْ بِهِ). رواه مسلم في صحيحه.


إخوة الإيمان:

حري بنا - ونحن نرى نذر الجبار هنا وهناك - أن تستيقظ نفوسنا من غفلتها، وتلين قلوبنا من قسوتها، وتجري مدامعنا؛ تعظيماً وإجلالاً لله تعالى.

حري بنا - ونحن نرى هذه الفواجع - أن نتوب من خطايانا، ونصحح مسارنا، ونستغفر ربنا، وأن نذكّر أنفسنا ونذكّر الآخرين بعقوبة الجبار، وشدة بأسه، وغيرته على محارمه.

وقعت زلزلةٌ في زمن الخليفة الصالح العادل عمر بن عبد العزيز رحمه الله فكتب إلى عماله بالأمصار يأمرهم بالتوبة، ويحضّهم على الضراعة لربهم، والاستغفار من ذنوبهم.


عباد الله:

ومن أهم الأسباب التي تستدفع بها الأمةُ الكوارثَ عنها: إزالة رايات الفساد والإفساد المستعلنة، وإنكار المنكر، والأخذ على أيدي السفهاء، الذين يخرِقون سفينة مجتمعنا بمسامير الشهوات، أو بمطارق الشبهات. الأخذُ على أيديهم، ومنعُ فسادهم وإفسادِهم؛ حلقةٌ من حلقات الإصلاح، وصمام أمان من العقوبات الإلهية، ﴿ وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ ﴾ [هود:117].


أما إذا علت المنكرات، وكثر سوقها، وصلُب عودها، ولم يوجد النكير؛ فإن العقوبة عامَّةٌ؛ سيهلك الأخيار بجريرة الفجار.

تسأل زينبُ بنت جحش رسولَ الله صلى الله عليه وسلم: (أَنَهْلِكُ، وَفِينَا الصَّالِحُونَ؟! قَالَ: (نَعَمْ! إِذَا كَثُرَ الْخَبَثُ).


فاتقوا الله أيها المسلمون وانظروا إلى هذه الحوادث بعين البصر والبصيرة، والعقل والتعقل، لا بعين الشماتة، أو التزكية للنفس، فقد يصرف الله العقوبات عمن هو أفجر وأفسق إمهالاً ومكرًا بهم، ﴿ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ ﴾ [الأعراف:99].

وَلَسْتَ تَأْمَنُ عِنْدَ الصَّحْوِ فَاجِئَةً ♦♦♦ مِنَ الْعَوَاصِفِ، فِيهَا الْخَوْفُ وَالْهَلَعُ

 

عباد الله:

صلوا بعد ذلك على الهادي البشير، والسراج المنير.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • وقفات مع الأعاصير
  • "إعصار ساندي" تأملات في عناوين الأخبار!!
  • الأعاصير: أحكام وعبر
  • خطبة العواصف والأعاصير

مختارات من الشبكة

  • الإعصار آية من آيات الجبار (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • بسم الله مجراها ومرساها(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مسجد يفتح أبوابه لمتضرري إعصار بيريل بمدينة هيوستن(مقالة - المسلمون في العالم)
  • خطبة الزكاة والإعصار(مقالة - موقع د. علي بن عبدالعزيز الشبل)
  • وقفات مع زلزال المغرب وإعصار ليبيا (خطبة)(مقالة - ملفات خاصة)
  • وقفة مع أحداث زلزال المغرب وإعصار دانيال في ليبيا قراءة في شعر الدكتور عبدالرحمن العشماوي(مقالة - حضارة الكلمة)
  • الزلازل والأعاصير بين الإنذار والتبشير (خطبة)(مقالة - ملفات خاصة)
  • الزلازل والأعاصير: آية وعبرة (خطبة)(مقالة - ملفات خاصة)
  • مسلمو نيوزيلندا يغيثون المتضررين من إعصار غابرييل(مقالة - المسلمون في العالم)
  • المسلمون يغيثون متضرري إعصار فيونا بجزيرة بورتوريكو(مقالة - المسلمون في العالم)

 


تعليقات الزوار
2- دعاء
عبدو خليفة - المغرب 06-02-2015 02:23 PM

اللهم إنا نسألك أن تبقي هذه الأعاصير القاصفة والكوارث والمصائب بعيدة عن بلاد المسلمين رحمة بضعفائهم، اللهم لا تهلكنا بما يفعله السفاء منا، وهيء للمسلمين عبدا يجمعهم على كتابك تحت راية لا إله إلا الله محمد رسول الله، وتعود العزة في أرضهم لله ولكتابه ولرسوله ويومئذ يفرح المسلمون بنصر الله.

1- بارك الله فيك
أبو جهاد - تونس 12-02-2009 11:28 PM
جزاك الله عنا و عن جميع أمة محمد خيرا.
هكذا يجب أن تكون علاقة العبد بربه فللكون رب يسيره ويتحكم فيه والأمر كله بيده يعاقب من يشاء بعدله ويرحم من يشاء برحمته .
اللهم اجعلنا من الذين يعلمون ويعملون و لا تجعلنا من الذين قالوا سمعنا وهم لا يسمعون.
1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • المرأة في المجتمع... نقاش مفتوح حول المسؤوليات والفرص بمدينة سراييفو
  • الذكاء الاصطناعي تحت مجهر الدين والأخلاق في كلية العلوم الإسلامية بالبوسنة
  • مسابقة للأذان في منطقة أوليانوفسك بمشاركة شباب المسلمين
  • مركز إسلامي شامل على مشارف التنفيذ في بيتسفيلد بعد سنوات من التخطيط
  • مئات الزوار يشاركون في يوم المسجد المفتوح في نابرفيل
  • مشروع إسلامي ضخم بمقاطعة دوفين يقترب من الموافقة الرسمية
  • ختام ناجح للمسابقة الإسلامية السنوية للطلاب في ألبانيا
  • ندوة تثقيفية في مدينة تيرانا تجهز الحجاج لأداء مناسك الحج

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 3/12/1446هـ - الساعة: 23:30
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب