• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    حديث: مره فليراجعها
    الشيخ عبدالقادر شيبة الحمد
  •  
    حقوق الانسان (1)
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    إرشاد الأحباب إلى ما به يحصل تهوين المصاب
    الدخلاوي علال
  •  
    خطبة عيد الأضحى المبارك لعام 1430هجرية (PDF)
    وائل بن علي بن أحمد آل عبدالجليل الأثري
  •  
    مصطلح (حسن الرأي فيه) مرتبته، وأثره في الحكم على ...
    د. وضحة بنت عبدالهادي المري
  •  
    خطبة: الصداقة في حياة الشباب والفتيات
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    حين تمر بنا القبور دون شواهد
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    أهمية الأوقاف وضرورة المشاريع الاستثمارية الوقفية ...
    د. أبو عز الدين عبد الله أحمد الحجري
  •  
    سورة الإخلاص
    يوسف بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن السيف
  •  
    شدة المقت الإلهي: تحليل لغوي وشرعي لآية "كبر مقتا ...
    د. هيثم بن عبدالمنعم بن الغريب صقر
  •  
    فضل (الصدق) وأثره على الفرد والمجتمع
    محمد الساخي
  •  
    من مائدة الفقه: الوضوء
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    {يردوكم على أعقابكم}
    د. خالد النجار
  •  
    مبدأ التخصص في الإسلام (خطبة)
    حسان أحمد العماري
  •  
    نجاح موسم الحج بفضل الله وبرحمته (خطبة)
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    التحذير من المغالاة في المهور والإسراف في حفلات ...
    سماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / النصائح والمواعظ
علامة باركود

المداومة على الطاعات: فضائلها - ثمراتها - أسبابها

عادل عبدالوهاب عبدالماجد

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 13/7/2015 ميلادي - 27/9/1436 هجري

الزيارات: 361991

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

المداومة على الطاعات

فضائلها - ثمراتها - أسبابها


بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد:

فإن العبادةَ والاجتهادَ فيها لا يَنحَصِرانِ في رمضان؛ فإن ربَّ رمضان هو رب سائر الشهور، ويُقال لمن يَترك العبادة ويهجر المساجد بعد رمضان: "مَن كان يعبد رمضان فإن رمضان قد فات، ومن كان يَعبد الله فإنَّ الله حيٌّ لا يموت"، ورمضانُ ما هو إلا محطة كبرى للتزوُّد بالوقود الإيماني لسائر العام، فبُعدًا لمن يفصل رمضانَ عن سائر العام ويدعو إلى عَلمَنة رمضان؛ (فصل رمضان عن سائر الشهور)، وشعار الجهَّال بعد رمضان قولُ الشاعر:

رمضانُ ولَّى هاتِها يا ساقي ♦♦♦ مُشتاقةٌ تَسعى إلى مشتاقِ

 

فالكون كلُّه محرابٌ للعبادة، ولا علمانيَّةَ في الاسلام، والاستمرار على الأعمال الصالحة له فضائلُ وثِمار ومعينات نذكرها بإيجاز بعون الله.

 

فضل المداومة على الطاعات:

المداومة على الطاعات لها فضلٌ عظيم وخصائصُ جليلة؛ منها:

1- أنها من صفات المؤمنين الجادين ﴿ الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ ﴾[المعارج: 23]، قال السعدي رحمه الله: "أي: مُداومون عليها في أوقاتها بشروطها ومكملاتها، وليسوا كمَن لا يَفعلها، أو يَفعلها وقتًا دون وقت، أو يفعلها على وجهٍ ناقص"، فالمداومة على الطاعات - وعلى رأسها الصلاة - من صفات عباد الله الموفَّقين.

 

2- هي وصية الله عز وجل لخير خلقه وهم الأنبياء صلوات ربِّنا وسلامه عليهم؛ حيث جاء في القرآن قولُ عيسى عليه السلام: ﴿ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا ﴾ [مريم: 31]، وقد أمَر الله سيِّد البشر بذلك، فقال له: ﴿ وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ ﴾ [الحجر: 99]؛ أي: حتى يأتيك الموت، قال ابن كثير: "ويستدل من هذه الآية الكريمة على أن العبادة كالصلاة ونحوها واجبةٌ على الإنسان ما دام عقله ثابتًا، فيصلي بحسب حاله، كما ثبت في صحيح البخاري عن عِمران بن حُصين رضي الله عنهما أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (صَلِّ قائمًا؛ فإن لم تستطع فقاعدًا؛ فإن لم تستطع فعلى جَنْب)، ويستدل بها على تخطئة مَن ذهَب مِن الملاحدة إلى أن المراد باليقين المعرفة، فمتى وصل أحدُهم إلى المعرفة سقط عنه التكليف عندهم. وهذا كفرٌ وضلالٌ وجهل؛ فإن الأنبياء عليهم السلام كانوا هم وأصحابهم أعلمَ الناس بالله وأعرفَهم بحقوقه وصِفاته، وما يستحق من التعظيم، وكانوا مع هذا أعبدَ الناس وأكثرَ الناس عبادة ومواظبةً على فعل الخيرات إلى حين الوفاة. وإنما المراد باليقين هاهنا الموت" اهـ.

 

3- هي أحب الأعمال إلى الله تعالى: عن عائشة أنها قالت: كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم حصيرٌ، وكان يُحجِّره بالليل فيصلِّي فيه، ويَبسُطه بالنهار فيجلس عليه، فجعل الناس يَثوبون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يُصلُّون بصلاته حتى كَثُروا، فأقبل فقال: (يا أيها الناس، خُذوا من الأعمال ما تطيقون؛ فإن الله لا يَملُّ حتى تملُّوا، وإن أحبَّ الأعمال إلى الله ما دام وإن قل)؛ زاد في رواية عبدالوهَّاب الثَّقفي: "وكان آل محمد صلى الله عليه وسلم إذا عَمِلوا عملاً أثبَتوه"؛ أخرجاه في الصحيحين.

 

ثمرات المداومة:

1 - زيادة الإيمان: فكل عمل صالح يَزيد الإيمانَ بحسَبِه؛ إن كان صغيرًا أو كبيرًا، قليلاً أو كثيرًا. وكل طاعة تجرُّ إلى غيرها؛ عن عبدالله بن مسعودٍ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (عليكم بالصِّدق؛ فإن الصدق يَهدي إلى البر، وإن البرَّ يَهدي إلى الجنة، وما يزال الرجل يَصدُق ويتحرى الصدق حتى يُكتب عند الله صدِّيقًا، وإياكم والكذب؛ فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يُكتب عند الله كذَّابًا)؛ متفق عليه. ويقول شدَّاد: إذا رأيتَ الرجل في طاعة الله فاعلَم أنَّ عنده أخَواتِها، وإذا رأيتَ الرجل في معصية الله فاعلم أن عنده أخواتِها.

 

2- البُعد عن الغفلة: وقد ذمَّ الله الغفلة وأهلَها، ونهى عن الاتِّصاف بها؛ فقال: ﴿ وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ ﴾ [الأعراف: 205]، وعن عبدالله بن عمرٍو وأبي هريرة أنهما سَمعا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على أعواد مِنبَرِه: (لينتهيَنَّ أقوامٌ عن وَدْعِهم الجمُعات، أو ليَختمَنَّ الله على قلوبهم ولَيَكونُنَّ مِن الغافلين)؛ رواه مسلم، وعن عبدالله بن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من قام بعشر آيات لم يُكتَب من الغافلين، ومن قام بمائة آية كُتب من القانتين، ومن قام بألف آية كتب من المقَنطرين)؛ رواه أبو داود وصححه الألباني.

 

فالمداومة على الطاعات وقايةٌ من الغفلة التي تَقود إلى الهلاك والخُسران، والنفس إن لم تَشغَلها بالطاعة شغلَتك بالمعصية، وصدَق من قال:

وما المرءُ إلاَّ حيثُ يَجعَلُ نفسَه ♦♦♦ ففي صالحِ الأعمال نفسَك فاجعلِ

 

3- أنها سببٌ لمحبة الله عز وجل؛ حيث يقول الله عز وجل في الحديث القدسي: (ولا يَزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبَّه)؛ أخرجه البخاريُّ من حديث أبي هريرة.

 

4- هي سببٌ للنجاة في الشدائد: قال تعالى عن يونس عليه السلام: ﴿ فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ ﴾ [الصافات: 143 - 145]، والمعنى: لولا ما تقدَّم له من العمل في الرَّخاء؛ كما اختاره ابن جرير.

 

وقد جاء في الحديث عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: (يا غلام، إنِّي أُعلمك كلمات: احفظ الله يحفَظك، احفظ الله تجِدْه تُجاهك، إذا سأَلتَ فاسأَل الله، وإذا استعنتَ فاستعن بالله، واعلم أن الأُمة لو اجتمعت على أَن ينفعـوك بشيءٍ لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيءٍ لم يَضرُّوك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رُفعت الأقلام وجفَّت الصحف)؛ رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح. وفي رواية الإمام أحمد: (احفظ الله تجده أَمامك، تعرَّفْ إلى الله في الرَّخاء يَعرِفْك فـي الشدة، واعلم أَن ما أَخطأَك لم يكن ليُصيبك، وما أَصابك لم يكن ليُخطئك، واعلم أَن النصر مع الصبر، وأنَّ الفرَج مع الكرب، وأن مع العسرِ يُسرًا). ولله در القائل:

فاشدُد يدَيك بحَبلِ الله معتصِمًا
فإنه الرُّكن إن خانَتك أركانُ
مَن يتَّقِ اللهَ يُحمَدْ في عَواقبِه
ويَكفِه شرَّ مَن عَزُّوا ومَن هانوا

 

5 - ثبات الأجر عند العجز: فقد روى البخاريُّ عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا مَرض العبدُ أو سافر كُتِب له ما كان يَعمل مُقيمًا صحيحًا)؛ قال ابن حجَر: هذا في حقِّ مَن كان يَعمل طاعةً فمُنِع مِنها، وكانت نيَّتُه لولا المانعُ أن يَدوم عليها. اهـ.

 

وعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ما مِن امرِئٍ تَكون له صلاةٌ بلَيل، فغَلَبَه عليها نوم، إلا كَتب الله له أجرَ صلاته، وكان نومه صدقةً عليه)؛ رواه أبو داود والنَّسائي وصححه الألباني.

 

6 - أنها سببٌ لمحوِ الذنوب: فعن ابن مسعود رضي الله عنه أن رجلاً أصاب مِن امرأةٍ قُبلةً، فأتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم فأخبرَه، فأنزل الله تعالى: ﴿ أَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ﴾ [هود: 114]، فقال الرجل: ألي هذا؟ قال: (لجميع أمَّتي كلهم)؛ متفقٌ عليه، وعن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (الصَّلَوات الخمس، والجمعةُ إلى الجمعة، كفَّارةٌ لما بينهن، ما لم تُغشَ الكبائر)؛ رواه مسلم.

 

7- هي سببٌ لحسن الخاتمة: وهي أمنيَّة الجميع، والأعمال بالخواتيم، ومَن شبَّ على شيء شاب عليه، ومن شاب على شيء مات عليه، لكن متى وأين وكيف تكون هذه الخاتمة؟ هذا هو الجانب المخيف؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ﴾ [لقمان: 34].

 

والمداومة على الطَّاعة تَقود إلى حسن الخاتمة؛ لأن مَن مات على شيء بُعث عليه، ومَن داوم على الطاعة اطمأنَّ إليها؛ كما قال تعالى: ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾ [الرعد: 28]، وهؤلاء هم أصحاب النُّفوس المطمئنَّة التي تُنادى عند الموت: ﴿ يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي ﴾ [الفجر: 27 - 30].

 

والنهاية لا بد آتية، والعاقل الحريص يَعمل مِن أجل تحسينها وتأمينها؛ قال تعالى: ﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ ﴾ [آل عمران: 185].

 

﴿ فَمَنْ زُحْزِحَ ﴾ [آل عمران: 185]؛ أي: أُبعِد بجهد ومشقَّة، فالأمر يحتاج إلى اجتهادٍ ومجاهَدة، ومُصابَرة ومرابَطة. وصدق الشاعر حين قال:

تزوَّدْ للذي لا بدَّ مِنهُ
فإن الموتَ ميقاتُ العبادِ
وتُبْ مما جنَيتَ وأنتَ حيٌّ
وكُن مُتَنبِّهًا قبلَ الرُّقادِ
ستَندمُ إن رحَلتَ بغيرِ زادٍ
وتَشقى إذ يُناديك المنادِي
أتَرضى أن تَكون رفيقَ قومٍ
لهم زادٌ وأنت بغيرِ زادِ؟

 

8 - أنها سبب لدخول الجنة: قال تعالى: ﴿ وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ * وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ ﴾ [آل عمران: 133 - 136].


أسباب المداومة على الطاعات:

هناك مُعينات وأسبابٌ تُعين على المداومة على الطاعات؛ منها:

1 - معرفة ثَمراتها: فمعرفة ثمرات الشيء والإحاطةُ بفوائده تُعين على الثبات عليه والتمسُّك به؛ كما قال الخَضِر لموسى عليهما السلام: ﴿ وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا ﴾ [الكهف: 68]، قال السِّعدي: "أي: كيف تَصبر على أمرٍ ما أحَطتَ بباطنِه وظاهره، ولا علمتَ المقصودَ منه ومآلَه؟!".

 

2 - الخوف من سوء الخاتمة: قال تعالى: ﴿ وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ * وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ [المنافقون: 10، 11].

 

قال ابن رجب رحمه الله كما في "جامع العلوم والحكم" (صـ50):

"وفي الجملة: فالخواتيم ميراثُ السوابق، فكل ذلك سبق في الكتابِ السابق، ومن هنا كان يَشتدُّ خوف السلف من سوء الخاتمة، ومنهم مَن كان يَقلقُ من ذِكر السوابق، وقد قيل: إن قلوب الأبرار معلَّقة بالخواتيم؛ يقولون: بماذا يُخْتم لنا؟ وقلوب المقرَّبين معلقة بالسوابق، يقولون: ماذا سبَق لنا؟


وكان سفيانُ الثوري رحمه الله يشتدُّ قلقُه من السوابق والخواتم، فكان يبكي ويقول: أخاف أن أكون في أمِّ الكتاب شقيًّا، ويَبكي ويقول: أخاف أن أُسلَب الإيمان عند الموت، وكان مالك بن دينار رحمه الله يقوم طولَ لَيلِه قابضًا على لحيته، ويقول: يا رب، قد علمتَ ساكنَ الجنة من ساكنِ النار، ففي أي الدارين منزلُ مالك؟"؛ اهـ باختصار.


وقال سهلٌ التُّستَري رحمه الله: خوفُ الصدِّيقين من سوء الخاتمة عند كلِّ خطرة، وعند كل حركة، وهم الذين وَصفَهم الله تعالى؛ إذ قال: ﴿ وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ ﴾ [المؤمنون: 60]؛ (إحياء علوم الدين: 3 /272).

 

وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يتعوَّذ بعد التشهُّد الأخير في الصلاة من أربعٍ، فيقول: (اللهم إني أعوذُ بك من عذاب النار، وعذاب القبر، وفتنة المحيا والممات، وشرِّ فتنة المسيح الدجال)؛ رواه البخاريُّ من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وفتنةُ المَحيا: هي التي يتَعرَّض لها العبدُ في هذه الحياة الدنيا، وهي فتنة متنوِّعة، وفتنة الممات: هي الفتنة التي تَنزل بالمرء عند السَّكَرات والكُرُبات، والإقبال على ربِّ الأرض والسموات، نسأل الله الثبات عند الممات.


3 - البيئة الصالحة: فالإنسان ابن بيئتِه كما قيل، ولقد وصَّى الله رسولَه صلى الله عليه وسلم بقوله: ﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا ﴾ [الكهف: 28]؛ قال السعديُّ رحمه الله: "يأمر تعالى نبيَّه محمدًا صلى الله عليه وسلم - وغيرُه أُسوتُه في الأوامر والنواهي - أن يَصبِر نفسه مع المؤمنين العباد المنيبين ﴿ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ ﴾ [الكهف: 28]؛ أي: أولَ النهار وآخِرَه يريدون بذلك وجهَ الله، فوصفَهم بالعبادة والإخلاص فيها، ففيها الأمرُ بصحبة الأخيار، ومجاهدةُ النفس على صحبتهم، ومخالطتهم وإن كانوا فقراء؛ فإن في صحبتهم من الفوائد ما لا يُحصى.

 

﴿ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ ﴾ [الكهف: 28]؛ أي: لا تُجاوزهم ببصرك، وترفع عنهم نظرك؛ ﴿ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾ [الكهف: 28] ؛ فإن هذا ضارٌّ غير نافع، وقاطعٌ عن المصالح الدينية؛ فإن ذلك يوجب تعلُّق القلب بالدنيا، فتصير الأفكار والهواجس فيها، وتَزول من القلب الرغبةُ في الآخرة؛ فإن زينة الدنيا تَروق للناظر، وتسحر العقل، فيغفل القلب عن ذِكر الله، ويُقبل على اللذَّات والشهوات، فيضيع وقته، ويَنفرط أمره، فيخسَر الخسارة الأبدية، والندامة السَّرمدية.

 

ولهذا قال: ﴿ وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا ﴾ [الكهف: 28] غَفل عن الله، فعاقبه بأن أغفلَه عن ذكره، ﴿ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ ﴾ [الكهف: 28]؛ أي: صار تبعًا لهواه؛ حيث ما اشتهَت نفسُه فعَلَه، وسعى في إدراكه، ولو كان فيه هلاكُه وخُسرانه، فهو قد اتخذ إلهه هواه، كما قال تعالى: ﴿ أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ ﴾ [الجاثية: 23]؛ الآية.

 

﴿ وَكَانَ أَمْرُهُ ﴾ [الكهف: 28]؛ أي: مصالح دينه ودنياه ﴿ فُرُطًا ﴾ [الكهف: 28]؛ أي: ضائعة معطَّلة. فهذا قد نهى الله عن طاعته؛ لأن طاعته تدعو إلى الاقتداء به، ولأنه لا يدعو إلا لما هو متَّصف به، ودلت الآية على أن الذي ينبغي أن يُطاعَ ويكونَ إمامًا للناس - مَن امتلأ قلبه بمحبة الله، وفاض ذلك على لسانه، فلهج بذكر الله، واتبع مَراضيَ ربِّه، فقدَّمها على هواه، فحفظ بذلك ما حفظ من وقته، وصَلحت أحواله، واستقامت أفعاله، ودعا الناس إلى ما منَّ الله به عليه، فحقيقٌ بذلك أن يُتَّبع ويُجعل إمامًا، والصبر المذكور في هذه الآية هو الصبر على طاعة الله، الذي هو أعلى أنواع الصبر، وبتمامه تتمُّ باقي الأقسام.

 

وفي الآية استحبابُ الذكر والدعاء والعبادة طرَفَي النهار؛ لأن الله مدَحهم بفعله، وكلُّ فعل مدح الله فاعلَه دلَّ ذلك على أن الله يحبه، وإذا كان يحبه فإنه يأمر به، ويُرغِّب فيه"؛ اهـ.

 

4 - الاقتصاد في العبادة: والمعنى عدمُ الإثقال على النفس بأعمال تؤدِّي إلى المشقَّة المفضِيَة إلى السَّآمة والملل من العبادة وتركِها، وقد ثبت في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم سُئل: أي الأعمال أحبُّ إلى الله؟ قال: (أدوَمُها وإن قلَّ). وقال: (اكْلَفوا من الأعمال ما تُطيقون).

 

5 - الدعاء: فقد أثنى الله تعالى على الراسخين في العلم بأنهم يقولون: ﴿ رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ ﴾ [آل عمران: 8]، وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: كان من دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اللهم إني أسألُك موجباتِ رحمتك، وعزائمَ مغفرتك، والسلامةَ من كل إثمٍ، والغنيمةَ من كل بِرٍّ، والفوزَ بالجنة، والنجاة من النار)؛ رواه الحاكم أبو عبدالله، وقال: حديثٌ صحيح على شرط مسلم.

 

وعن معاذِ بن جبل رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: (أوصيك يا معاذ: لا تدَعنَّ دُبرَ كل صلاة أن تقول: اللهم أعنِّي على ذِكرك وشُكرك وحسن عبادتك)؛ رواه أحمد، وأبو داود، والنَّسائي بسند قوي.

 

نسأل الله أن يجعلنا من المداومين على الطاعات، وأن يُعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • المداومة على العمل الصالح
  • الحث على المداومة على طاعة الله تعالى بعد رمضان
  • أسباب المداومة على الأعمال الصالحة
  • من أسباب محبة الله تعالى عبدا ( المداومة على العمل الصالح، والإكثار منه )
  • البعد عن أسباب سوء الخاتمة والمداومة على ذكر الله
  • البشرى لمن؟ (خطبة)
  • اغتنام العمر بأنواع الطاعات والفرائض

مختارات من الشبكة

  • المداومة على الأعمال (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • هدي النبي صلى الله عليه وسلم في المداومة على العمل الصالح: أدلته، دلائله، فضائله، أسبابه، آثاره(محاضرة - موقع الشيخ عبدالرحمن بن سعد الشثري)
  • المداومة على الطاعات بعد رمضان(محاضرة - موقع الشيخ عبدالله بن محمد بن سعد آل خنين)
  • ثمرات المداومة على العمل الصالح (خطبة)(مقالة - موقع د. محمود بن أحمد الدوسري)
  • خطبة عن ثمرات ووسائل المداومة على العمل بعد رمضان(مقالة - موقع د. صغير بن محمد الصغير)
  • من أسباب صلاح القلوب (1) المداومة على العمل الصالح (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • المداومة على صلاة الضحى سبب لمغفرة الذنوب (بطاقة دعوية)(مقالة - مكتبة الألوكة)
  • من أسباب محبة الله تعالى عبدا ( المداومة على مدح الله بالتسبيح والحمد )(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الوصية بـ (المداومة على العمل الصالح)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • المداومة على العمل الصالح لماذا وكيف؟(مقالة - آفاق الشريعة)

 


تعليقات الزوار
2- دعاء
عادل عبدالوهاب عبدالماجد - السودان 16-07-2015 05:55 AM

وفيكم بارك الله

1- شكراً
عبدالكريم بن عبدالحميد - الجزائر 15-07-2015 05:01 AM

بارك الله فيكم

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • بعد عامين من البناء افتتاح مسجد جديد في قرية سوكوري
  • بعد 3 عقود من العطاء.. مركز ماديسون الإسلامي يفتتح مبناه الجديد
  • المرأة في المجتمع... نقاش مفتوح حول المسؤوليات والفرص بمدينة سراييفو
  • الذكاء الاصطناعي تحت مجهر الدين والأخلاق في كلية العلوم الإسلامية بالبوسنة
  • مسابقة للأذان في منطقة أوليانوفسك بمشاركة شباب المسلمين
  • مركز إسلامي شامل على مشارف التنفيذ في بيتسفيلد بعد سنوات من التخطيط
  • مئات الزوار يشاركون في يوم المسجد المفتوح في نابرفيل
  • مشروع إسلامي ضخم بمقاطعة دوفين يقترب من الموافقة الرسمية

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 17/12/1446هـ - الساعة: 10:11
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب