• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    محاضرة عن الإحسان
    د. عطية بن عبدالله الباحوث
  •  
    ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: ﴿يوم تأتي ...
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    نصوص أخرى حُرِّف معناها
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    فضل العلم ومنزلة العلماء (خطبة)
    خميس النقيب
  •  
    البرهان على تعلم عيسى عليه السلام القرآن والسنة ...
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    الدرس السادس عشر: الخشوع في الصلاة (3)
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    القرض الحسن كصدقة بمثل القرض كل يوم
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الليلة التاسعة والعشرون: النعيم الدائم (2)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    حكم مشاركة المسلم في جيش الاحتلال
    أ. د. حلمي عبدالحكيم الفقي
  •  
    غض البصر (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    كيف تقي نفسك وأهلك السوء؟ (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    زكاة الودائع المصرفية الحساب الجاري (PDF)
    الشيخ دبيان محمد الدبيان
  •  
    واجب ولي المرأة
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    وقفات مع القدوم إلى الله (9)
    د. عبدالسلام حمود غالب
  •  
    علامات الساعة (1)
    تركي بن إبراهيم الخنيزان
  •  
    تفسير: (يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان ...
    تفسير القرآن الكريم
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / النصائح والمواعظ
علامة باركود

التقوى سبيل النجاة

الشيخ صلاح نجيب الدق

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 18/6/2015 ميلادي - 1/9/1436 هجري

الزيارات: 111753

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

التقوى سبيل النجاة


 

المقدمة:

الْحَمْدُ لِلَّهِ، الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ. والصلاة والسلام على نبينا محمد، الذي أرسله الله هادياً ومبشراً ونذيراً، وداعياً إليه بإذنه وسراجاً منيراً، أما بعد: فإن تقوى الله تعالى هي أساس الفلاح في الدنيا والآخرة، من أجل ذلك أردت أن أذكر نفسي وإخواني الكرام بفضل التقوى وآثارها المباركة.


أسألُ اللهَ تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العُلا أن يجعل هذا العمل خالصاً لوجهه الكريم، وأن يجعله ذُخْرَاً لي عنده يوم القيامة ﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾ كما أسأله سُبحانه أن ينفعَ به طلاب العَلْم. وآخرُ دعوانا أن الحمدُ لله رَبِّ العالمين.


وصلى اللهُ وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

معنى التقوى: تقوى الله: تعني مخافة الله تعالى في السر والعلانية.


أَصْلُ التَّقْوَى أَنْ يَجْعَلَ الْعَبْدُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا يَخَافُهُ وَيَحْذَرُهُ وِقَايَةً تَقِيهِ مِنْهُ، فَتَقْوَى الْعَبْدِ لِرَبِّهِ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا يَخْشَاهُ مِنْ رَبِّهِ مِنْ غَضَبِهِ وَسُخْطِهِ وَعِقَابِهِ وِقَايَةً تَقِيهِ مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ فِعْلُ طَاعَتِهِ وَاجْتِنَابُ مَعَاصِيهِ. [جامع العلوم والحكم لابن رجب جـ 2 صـ468].

 

تقوى الله وصية ربانية:

جاءت كلمة التقوى بمشتقاتها المختلفة مئتان وثماني وخمسون مرة.

[المعجم المفهرس لألفاظ القرآن صـ758: صـ761]


الكثير من آيات القرآن الكريم تأمرنا بتقوى الله تعالى، في السر والعلانية، وسوف نذكر بعضاً منها:

[1] قال الله تعالى ﴿ وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا ﴾ [النساء: 131].


[2] وقال سبحانه: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].


[3] وقال جل شأنه ﴿ الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ ﴾ [البقرة: 197].


[4] وقال سبحانه: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾. [الحشر: 18].

 

نبينا صلى الله عليه وسلم يوصينا بتقوى الله في السر والعلانية:

أمرنا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بتقوى الله تعالى في كثير من أحاديثه، منها:

[1] روى مسلمٌ عَنْ بُرَيْدَةَ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّه إِذَا أَمَّرَ أَمِيرًا عَلَى جَيْشٍ أَوْ سَرِيَّةٍ أَوْصَاهُ فِي خَاصَّتِهِ بِتَقْوَى اللَّهِ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ خَيْرًا. [مسلم حديث: 1731].


[2] روى مسلمٌ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ وَإِنَّ اللَّهَ مُسْتَخْلِفُكُمْ فِيهَا فَيَنْظُرُ كَيْفَ تَعْمَلُونَ فَاتَّقُوا الدُّنْيَا وَاتَّقُوا النِّسَاءَ فَإِنَّ أَوَّلَ فِتْنَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَتْ فِي النِّسَاءِ. [مسلم حديث 2742].


[3] روى الترمذيُّ عَنْ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ قَالَ: وَعَظَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا بَعْدَ صَلَاةِ الْغَدَاةِ مَوْعِظَةً بَلِيغَةً ذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُونُ وَوَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ فَقَالَ رَجُلٌ إِنَّ هَذِهِ مَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ فَمَاذَا تَعْهَدُ إِلَيْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ وَإِنْ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ يَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ فَإِنَّهَا ضَلَالَةٌ فَمَنْ أَدْرَكَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَعَلَيْهِ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ. [حديث صحيح] [صحيح الترمذي للألباني حديث 2157].


[4] روى الترمذيُّ عَنْ أَبِي ذَرٍّ الغفاري قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اتَّقِ اللَّهِ حَيْثُمَا كُنْتَ وَأَتْبِعْ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ. [حديث حسن] [صحيح الترمذي للألباني حديث: 1618].


أقوال السلف الصالح في التقوى والمتقين:

جاءت أقوالٌ بليغة عن سلفنا الصالح في وصف التقوى والمتقين، وسوف نذكر بعضاً منها:

[1] قَالَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ: يُنَادَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ: أَيْنَ الْمُتَّقُونَ؟ فَيَقُومُونَ فِي كَنَفٍ مِنَ الرَّحْمَنِ لَا يَحْتَجِبُ مِنْهُمْ وَلَا يَسْتَتِرُ، قَالُوا لَهُ: مَنِ الْمُتَّقُونَ؟ قَالَ: قَوْمٌ اتَّقَوُا الشِّرْكَ وَعِبَادَةَ الْأَوْثَانِ، وَأَخْلَصُوا لِلَّهِ بِالْعِبَادَةِ.


[2] قال عَبدُ الله بْنُ مَسْعُودٍ، في قوله تعالى: [اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ]، قال: أَنْ يُطَاعَ، فَلَا يُعْصَى، وَيُذْكَرَ، فَلَا يُنْسَى، وَأَنْ يُشْكَرَ، فَلَا يُكْفَرَ.


قال ابنُ رجب الحنبلي: وشكرُ الله تعالى يدخلُ فيه جميعُ فعل الطاعات. ومعنى ذِكْره سبحانه فلا يُنسى: ذِكْرُ العبد بقلبه لأوامر الله في حركاته وسكناته وكلماته فيمتثلها ولنواهيه في ذلك كله فيجتنبها.


[3] قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: تَمَامُ التَّقْوَى أَنْ يَتَّقِيَ اللَّهَ الْعَبْدُ حَتَّى يَتَّقِيَهُ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ، وَحَتَّى يَتْرُكَ بَعْضَ مَا يَرَى أَنَّهُ حَلَالٌ خَشْيَةَ أَنْ يَكُونَ حَرَامًا يَكُونُ حِجَابًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَرَامِ، فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ بَيَّنَ لِلْعِبَادِ الَّذِي يُصَيِّرُهُمْ إِلَيْهِ فَقَالَ: [فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ]فَلَا تَحْقِرَنَّ شَيْئًا مِنَ الْخَيْرِ أَنْ تَفْعَلَهُ، وَلَا شَيْئًا مِنَ الشَّرِّ أَنْ تَتَّقِيَهُ.


[4] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الْمُتَّقُونَ الَّذِينَ يَحْذَرُونَ مِنَ اللَّهِ عُقُوبَتَهُ فِي تَرْكِ مَا يَعْرِفُونَ مِنَ الْهُدَى، وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ فِي التَّصْدِيقِ بِمَا جَاءَ بِهِ.


[5] قال الحسن البصري: الْمُتَّقُونَ اتَّقَوْا مَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ، وَأَدَّوْا مَا افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ.

وقال أيضاً: مَا زَالَتِ التَّقْوَى بِالْمُتَّقِينَ حَتَّى تَرَكُوا كَثِيرًا مِنَ الْحَلَالِ مَخَافَةَ الْحَرَامِ.


[6] قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: لَيْسَ تَقْوَى اللَّهِ بِصِيَامِ النَّهَارِ، وَلَا بِقِيَامِ اللَّيْلِ، وَالتَّخْلِيطِ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ، وَلَكِنَّ تَقْوَى اللَّهِ تَرْكُ مَا حَرَّمَ اللَّهُ، وَأَدَاءُ مَا افْتَرَضَ اللَّهُ، فَمَنْ رُزِقَ بَعْدَ ذَلِكَ خَيْرًا، فَهُوَ خَيْرٌ إِلَى خَيْرٍ.


[7] قَالَ طَلْقُ بْنُ حَبِيبٍ: التَّقْوَى أَنْ تَعْمَلَ بِطَاعَةِ اللَّهِ عَلَى نُورٍ مِنَ اللَّهِ تَرْجُو ثَوَابَ اللَّهِ، وَأَنْ تَتْرُكَ مَعْصِيَةَ اللَّهِ عَلَى نُورٍ مِنَ اللَّهِ تَخَافُ عِقَابَ اللَّهِ.


[8] قال سُفيانُ الثَّوْرِي: إِنَّمَا سُمُّوا مُتَّقِينَ، لِأَنَّهُمُ اتَّقَوْا مَا لَا يُتَّقَى.


[9] قَالَ مُوسَى بْنُ أَعْيَنَ: الْمُتَّقُونَ تَنَزَّهُوا عَنْ أَشْيَاءَ مِنَ الْحَلَالِ مَخَافَةَ أَنْ يَقَعُوا فِي الْحَرَامِ، فَسَمَّاهُمُ اللَّهُ مُتَّقِينَ.


[10] قَالَ مَيْمُونُ بْنُ مِهْرَانَ: الْمُتَّقِي أَشَدُّ مُحَاسَبَةً لِنَفْسِهِ مِنَ الشَّرِيكِ الشَّحِيحِ لِشَرِيكِهِ.

[جامع العلوم والحكم لابن رجب الحنبلي جـ 1صـ471: 470].


التقوى وصية السلف الصالح:

كان سلفنا الصالح يوصي بعضهم بعضاً بتقوى الله تعالى في السر والعلانية، وسوف نذكر بعضاً من هذه الوصايا المباركة:

[1] أبو بكر الصديق:

كَانَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ فِي خُطْبَتِهِ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنِّي أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ، وَأَنْ تُثْنُوا عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، وَأَنْ تَخْلِطُوا الرَّغْبَةَ بِالرَّهْبَةِ، وَتَجْمَعُوا الْإِلْحَافَ بِالْمَسْأَلَةِ، فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَثْنَى عَلَى زَكَرِيَّا وَأَهْلِ بَيْتِهِ، فَقَالَ: ﴿ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ ﴾. وَلَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ، وَعَهِدَ إِلَى عُمَرَ، دَعَاهُ، فَوَصَّاهُ بِوَصِيَّتِهِ، وَأَوَّلُ مَا قَالَ لَهُ: اتَّقِ اللَّهَ يَا عُمَرُ.


[2] عمر بن الخطاب:

كَتَبَ عُمَرُ إِلَى ابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنِّي أُوصِيكَ بِتَقْوَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَإِنَّهُ مَنِ اتَّقَاهُ وَقَاهُ، وَمَنْ أَقْرَضَهُ جَزَاهُ، وَمَنْ شَكَرَهُ زَادَهُ، وَاجْعَلِ التَّقْوَى نُصْبَ عَيْنَيْكَ وَجَلَاءَ قَلْبِكَ.


[3] علي بن أبي طالب:

اسْتَعْمَلَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَجُلًا عَلَى سَرِيَّةٍ، فَقَالَ لَهُ: أُوصِيكَ بِتَقْوَى اللَّهِ الَّذِي لَابُدَّ لَكَ مِنْ لِقَائِهِ، وَلَا مُنْتَهَى لَكَ دُونَهُ وَهُوَ يَمْلِكُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ.


[4]كَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ إِلَى رَجُلٍ:

أُوصِيكَ بِتَقْوَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ الَّتِي لَا يَقْبَلُ غَيْرَهَا، وَلَا يَرْحَمُ إِلَّا أَهْلَهَا، وَلَا يُثِيبُ إِلَّا عَلَيْهَا، فَإِنَّ الْوَاعِظِينَ بِهَا كَثِيرٌ، وَالْعَامِلِينَ بِهَا قَلِيلٌ، جَعَلَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكَ مِنَ الْمُتَّقِينَ. وَلَمَّا وُلِّىَ خَطَبَ، فَحَمِدَ اللَّهَ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَقَالَ: أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَإِنَّ تَقْوَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ خَلَفٌ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، وَلَيْسَ مِنْ تَقْوَى اللَّهِ خَلَفٌ.


[5] قَالَ شُعْبَةُ بنُ الحجاج:

كُنْتُ إِذَا أَرَدْتُ الْخُرُوجَ، قُلْتُ لِلْحَكَمِ: أَلَكَ حَاجَةٌ، فَقَالَ: أُوصِيكَ بِمَا أَوْصَى بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ: "اتَّقِ اللَّهَ حَيْثُمَا كُنْتَ، وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا، وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ".


[6] يونس بن عبيد:

قَالَ رَجُلٌ لِيُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ: أَوْصِنِي، فَقَالَ: أُوصِيكَ بِتَقْوَى اللَّهِ وَالْإِحْسَانِ. فَإِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ. وَقَالَ لَهُ رَجُلٌ يُرِيدُ الْحَجَّ: أَوْصِنِي، فَقَالَ لَهُ: اتَّقِ اللَّهَ، فَمَنِ اتَّقَى اللَّهَ، فَلَا وَحْشَةَ عَلَيْهِ.


[7] وصية رجل من التابعين:

كَتَبَ رَجُلٌ مِنَ السَّلَفِ إِلَى أَخٍ لَهُ: أُوصِيكَ بِتَقْوَى اللَّهِ، فَإِنَّهَا أَكْرَمُ مَا أَسْرَرْتَ، وَأَزْيَنُ مَا أَظْهَرْتَ، وَأَفْضَلُ مَا ادَّخَرْتَ، أَعَانَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكَ عَلَيْهَا، وَأَوْجَبَ لَنَا وَلَكَ ثَوَابَهَا.


[8] وصية رجل آخر من التابعين:

كَتَبَ رَجُلٌ مِنْهُمْ إِلَى أَخٍ لَهُ: أُوصِيكَ وَأَنْفُسَنَا، بِالتَّقْوَى فَإِنَّهَا خَيْرُ زَادِ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى، وَاجْعَلْهَا إِلَى كُلِّ خَيْرٍ سَبِيلَكَ، وَمِنْ كُلِّ شَرٍّ مَهْرَبَكَ، فَقَدْ تَوَكَّلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِأَهْلِهَا بِالنَّجَاةِ مِمَّا يَحْذَرُونَ، وَالرِّزْقِ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُونَ.


[9] وصية رجل عند موته:

قيل لرجل من التابعين عندَ موته: أوصنا، فقال: أوصيكم بخاتمة سورةِ النحل: ﴿ إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ ﴾. [جامع العلوم والحكم لابن رجب جـ2صـ 476: 475].


صفات عباد الله المتقين:

ذكر لنا الله تعالى صفات عباده المتقين في مواضع كثيرة من القرآن، وسوف نذكر بعضهاً:

[1] قال الله تعالى: ﴿ وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ * وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ ﴾ [آل عمران: 136: 133].


[2] وقال سُبحانه: ﴿ لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآَتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 177].


[3] وقال جَلَّ شأنه: ﴿ وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا * وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا * وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا * إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا * وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا * وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا * وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا * وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا * وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا * وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا * أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا * خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا ﴾ [الفرقان: 76: 63].


تقوى الآباء تنفع الأبناء:

تظهر ُآثار التقوى على المسلم نفسه، وعلى ذريته من بعده ولأجيال عديدة. وسوف نذكر بعض النماذج على ذلك.

[1] أولاد صاحب الكنز:

قال الله تعالى: ﴿ وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا ﴾ [الكهف: 82].


قال القرطبي: قوله تعالى [وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا] فيه ما يدل على أن الله تعالى يحفظ الصالح في نفسه وفي ولده وإن بعدوا عنه وعلى هذا يدل قوله تعالى: ﴿ إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ ﴾ [الأعراف: 196] [تفسير القرطبي جـ 11 صـ43].


[2] أولاد عمر بن عبد العزيز:

دخل مَسْلَمةُ بن عبد الملك على عمر بن عبد العزيز فقال: يا أمير المؤمنين: إنك أفقرت أفواه ولدك [وكانوا اثنا عشر ولداً] من هذا المال وتركتهم عَيْلَة [فقراء] لا شيء لهم فلو وصيت بهم إلَّي [وكان مسلمة أخاً لفاطمة بنت عبد الملك، زوجة عمر بن عبد العزيز] وإلى نُظرائي من أهل بيتك. فقال عمر بن عبد العزيز: اسندوني ثم قال: أمَّا قولك أني أفقرت أفواه ولدي من هذا المال فوالله أني ما منعتهم حقاً هو لهم ولم أعطهم ما ليس لهم وأما قولك لو أوصيت بهم فإن وصيي ووليي فيهم الله الذي نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين. إن بَني أحد رجلين إما رجل يتقي الله فسيجعل الله له مخرجاً وإما رجل مكبٌ على المعاصي فإني لم أكن أقويه على معاصي الله، ثم بعث إليهم وهم بضعة عشر ذكرا، فنظر إليهم، فذرفت عيناه، أي بَني: إن أباكم خُيِّرَ بين أمرين: بين أن تستغنوا ويدخل أبوكم النار أو تفتقروا ويدخل أبوكم الجنة، فكان أن تفتقروا ويدخل الجنة أحب إليه من أن تستغنوا ويدخل النار قوموا عصمكم الله.

[صفة الصفوة لابن الجوزي جـ2صـ126: 125].


قال ابن كثير: قال بعضُ السلف: لَقَدْ رَأَيْنَا بَعْضَ أَوْلَادِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ يَحْمِلُ عَلَى ثَمَانِينَ فَرَسًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَكَانَ بَعْضُ أَوْلَادِ سُلَيْمَانَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ مَعَ كَثْرَةِ مَا تَرَكَ لَهُمْ مِنَ الْأَمْوَالِ يَتَعَاطَى وَيَسْأَلُ مِنْ أَوْلَادِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ لِأَنَّ عُمَرَ وَكَلَ وَلَدَهُ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَسُلَيْمَانُ وَغَيْرُهُ إِنَّمَا يَكِلُونَ أَوْلَادَهُمْ إِلَى مَا يَدَعُونَ لَهُمْ مِنَ الْأَمْوَالِ الْفَانِيَةِ، فَيَضِيعُونَ وَتَذْهَبُ أَمْوَالُهُمْ فِي شَهَوَاتِ أَوْلَادِهِمْ. [البداية والنهاية لابن كثير جـ9 صـ218].


تقوى الله تنفع أصحابها:

قال تعالى: ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً ﴾ [الطلاق 2: 3].


وقال جل شأنه: ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً ﴾ [الطلاق: 4].


وقال سُبحانه: ﴿ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ ﴾ [النحل: 128].


إن نُصْرَةَ الله تعالى وتأييده لعباده المتقين وتوفير الأرزاق لهم حقيقة ثابتة، وسوف نذكر بعضاً من مواقف سلفنا الصالح، والذين نحسبهم من الصالحين المتقين، والله تعالى حسيبهم، ولا نزكي على الله أحداً من الناس.


[1] أصحاب الغار:

روى الشيخانِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: خَرَجَ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ يَمْشُونَ فَأَصَابَهُمْ الْمَطَرُ فَدَخَلُوا فِي غَارٍ فِي جَبَلٍ فَانْحَطَّتْ عَلَيْهِمْ صَخْرَةٌ قَالَ فَقَالَ: بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ادْعُوا اللَّهَ بِأَفْضَلِ عَمَلٍ عَمِلْتُمُوهُ فَقَالَ أَحَدُهُمْ: اللَّهُمَّ إِنِّي كَانَ لِي أَبَوَانِ شَيْخَانِ كَبِيرَانِ فَكُنْتُ أَخْرُجُ فَأَرْعَى ثُمَّ أَجِيءُ فَأَحْلُبُ فَأَجِيءُ بِالْحِلَابِ فَآتِي بِهِ أَبَوَيَّ فَيَشْرَبَانِ ثُمَّ أَسْقِي الصِّبْيَةَ وَأَهْلِي وَامْرَأَتِي فَاحْتَبَسْتُ لَيْلَةً فَجِئْتُ فَإِذَا هُمَا نَائِمَانِ قَالَ فَكَرِهْتُ أَنْ أُوقِظَهُمَا وَالصِّبْيَةُ يَتَضَاغَوْنَ عِنْدَ رِجْلَيَّ فَلَمْ يَزَلْ ذَلِكَ دَأْبِي وَدَأْبَهُمَا حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرُجْ عَنَّا فُرْجَةً نَرَى مِنْهَا السَّمَاءَ قَالَ فَفُرِجَ عَنْهُمْ وَقَالَ الْآخَرُ اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي كُنْتُ أُحِبُّ امْرَأَةً مِنْ بَنَاتِ عَمِّي كَأَشَدِّ مَا يُحِبُّ الرَّجُلُ النِّسَاءَ فَقَالَتْ لَا تَنَالُ ذَلِكَ مِنْهَا حَتَّى تُعْطِيَهَا مِائَةَ دِينَارٍ فَسَعَيْتُ فِيهَا حَتَّى جَمَعْتُهَا فَلَمَّا قَعَدْتُ بَيْنَ رِجْلَيْهَا قَالَتْ: اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تَفُضَّ الْخَاتَمَ إِلَّا بِحَقِّهِ. فَقُمْتُ وَتَرَكْتُهَا فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرُجْ عَنَّا فُرْجَةً قَالَ: فَفَرَجَ عَنْهُمْ الثُّلُثَيْنِ وَقَالَ الْآخَرُ: اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي اسْتَأْجَرْتُ أَجِيرًا بِفَرَقٍ مِنْ ذُرَةٍ فَأَعْطَيْتُهُ وَأَبَى ذَاكَ أَنْ يَأْخُذَ فَعَمَدْتُ إِلَى ذَلِكَ الْفَرَقِ فَزَرَعْتُهُ حَتَّى اشْتَرَيْتُ مِنْهُ بَقَرًا وَرَاعِيهَا ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ يَا عَبْدَ اللَّهِ أَعْطِنِي حَقِّي فَقُلْتُ انْطَلِقْ إِلَى تِلْكَ الْبَقَرِ وَرَاعِيهَا فَإِنَّهَا لَكَ فَقَالَ أَتَسْتَهْزِئُ بِي قَالَ فَقُلْتُ مَا أَسْتَهْزِئُ بِكَ وَلَكِنَّهَا لَكَ اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرُجْ عَنَّا فَكُشِفَ عَنْهُمْ. [البخاري حديث 2215/مسلم حديث 2743].


[2] جريج العابد:

روى البخاريُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَمْ يَتَكَلَّمْ فِي الْمَهْدِ إِلَّا ثَلَاثَةٌ عِيسَى وَكَانَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ جُرَيْجٌ كَانَ يُصَلِّي جَاءَتْهُ أُمُّهُ فَدَعَتْهُ فَقَالَ أُجِيبُهَا أَوْ أُصَلِّي فَقَالَتْ: اللَّهُمَّ لَا تُمِتْهُ حَتَّى تُرِيَهُ وُجُوهَ الْمُومِسَاتِ وَكَانَ جُرَيْجٌ فِي صَوْمَعَتِهِ فَتَعَرَّضَتْ لَهُ امْرَأَةٌ وَكَلَّمَتْهُ فَأَبَى فَأَتَتْ رَاعِيًا فَأَمْكَنَتْهُ مِنْ نَفْسِهَا فَوَلَدَتْ غُلَامًا فَقَالَتْ مِنْ جُرَيْجٍ فَأَتَوْهُ فَكَسَرُوا صَوْمَعَتَهُ وَأَنْزَلُوهُ وَسَبُّوهُ فَتَوَضَّأَ وَصَلَّى ثُمَّ أَتَى الْغُلَامَ فَقَالَ مَنْ أَبُوكَ يَا غُلَامُ؟ قَالَ الرَّاعِي قَالُوا نَبْنِي صَوْمَعَتَكَ مِنْ ذَهَبٍ قَالَ لَا إِلَّا مِنْ طِينٍ. [البخاري حديث 3436].


[3] أبو مسلم الخولاني:

كان إسلام أبي مُسلم الخولاني عام حُنين، وقدم المدينة في خلافة أبي بكر الصديق.


قال شُرَحْبِيلُ بْنُ مُسْلِمٍ الْخَوْلَانِيُّ: قَالَ: تَنَبَّأَ الْأَسْوَدُ بْنُ قَيْسٍ الْعَنْسِيُّ بِالْيَمَنِ، فَأَرْسَلَ إِلَى أَبِي مُسْلِمٍ الْخَوْلَانِيِّ فَقَالَ لَهُ: أَتَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: أَتَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ؟ قَالَ: مَا أَسْمَعُ. فَأَعَادَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: مَا أَسْمَعُ. فَأَمَرَ بِنَارٍ عَظِيمَةٍ فَأُجِّجَتْ، وَطُرِحَ فِيهَا أَبُو مُسْلِمٍ فَلَمْ تَضُرَّهُ. فَقِيلَ لَهُ: لَئِنْ تَرَكْتَ هَذَا فِي بِلَادِكَ أَفْسَدَهَا عَلَيْكَ. فَأَمَرَهُ بِالرَّحِيلِ، فَقَدِمَ الْمَدِينَةَ وَقَدْ قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاسْتُخْلِفَ أَبُو بَكْرٍ، فَقَامَ إِلَى سَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي الْمَسْجِدِ يُصَلِّي، فَبَصُرَ بِهِ عُمَرُ فَقَالَ: مِنْ أَيْنَ الرَّجُلُ؟ قَالَ: مِنَ الْيَمَنِ. قَالَ: مَا فَعَلَ عَدُوُّ اللَّهِ بِصَاحِبِنَا الَّذِي حَرَقَهُ بِالنَّارِ فَلَمْ تَضُرَّهُ؟ قَالَ: ذَاكَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ ثُوَبٍ. قَالَ: نَشَدْتُكَ بِاللَّهِ أَنْتَ هُوَ؟ قَالَ: اللَّهُمَّ نَعَمْ. قَالَ: فَاعْتَنَقَهُ ثُمَّ بَكَى، ثُمَّ ذَهَبَ بِهِ حَتَّى أَجْلَسَهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، وَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمَّ يُمِتْنِي حَتَّى أَرَانِي فِي أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ فُعِلَ بِهِ كَمَا فُعِلَ بِإِبْرَاهِيمَ خَلِيلِ الرَّحْمَنِ، عَلَيْهِ السَّلَامُ. [صفة الصفوة لابن الجوزي جـ 4صـ 208].


[4] عروة بن الزبير بن العوام:

قال هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، قَالَ: خَرَجَ أَبِي إِلَى الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ فَوَقَعَ فِي رِجْلِهِ الْأَكِلَةُ [اسمٌ لمرض] فَقَالَ لَهُ الْوَلِيدُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ أَرَى لَكَ قَطْعَهَا قَالَ: فَقُطِعَ وَإِنَّهُ لَصَائِمٌ فَمَا تَضَوَّرَ وَجْهُهُ [أي لم يسخط على قَدْرِ الله تعالى] قَالَ: وَدَخَلَ ابْنٌ لَهُ أَكْبَرُ وَلَدِهِ اصْطَبْلَ الدَّوَابِّ فَرَفَسَتْهُ دَابَّتُهُ فَقَتَلَتْهُ فَمَا سُمِعَ مِنْ أَبِي فِي ذَلِكَ شَيْءٌ حَتَّى قَدِمَ الْمَدِينَةَ فَقَالَ: "اللهُمَّ إِنَّهُ كَانَ لِي أَطْرَافٌ أَرْبَعَةٌ فَأَخَذْتَ وَاحِدًا وَأَبْقَيْتَ ثَلَاثَةً فَلَكَ الْحَمْدُ وَكَانَ لِي بَنُونَ أَرْبَعَةٌ فَأَخَذْتَ وَاحِدًا وَأَبْقَيْتَ لِي ثَلَاثَةً فَلَكَ الْحَمْدُ وَايْمُ اللهِ لَئِنْ أَخَذْتَ لَقَدْ أَبْقَيْتَ وَلَئِنْ أَبْلَيْتَ طَالَمَا عَافَيْتَ".

[حلية الأولياء لأبي نعيم جـ 2صـ 179].


[5] جعفر بن محمد:

روى الفَضْلُ بنُ الرَّبِيْعِ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: د َعَانِي المَنْصُوْرُ، فَقَالَ: إِنَّ جَعْفَرَ بنَ مُحَمَّدٍ يُلحِدُ [يثير الناس ضدي] فِي سُلْطَانِي، قَتَلَنِي اللهُ إِنْ لَمْ أَقتُلْهُ. فَأَتَيْتُهُ، فَقُلْتُ: أَجِبْ أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ. فَتَطَهَّرَ، وَلَبِسَ ثِيَاباً - أَحْسِبُهُ قَالَ: جُدُداً - فَأَقبَلْتُ بِهِ، فَاسْتَأْذَنتُ لَهُ، فَقَالَ: أَدخِلْهُ، قَتَلنِي اللهُ إِنْ لَمْ أَقتُلْهُ. فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهِ مُقْبِلاً، قَامَ مِنْ مَجْلِسِه، فَتَلَقَّاهُ، وَقَالَ: مَرْحَباً بِالنَّقِيِّ السَّاحَةِ، البَرِيْءِ مِنَ الدَّغَلِ وَالخِيَانَةِ، أَخِي وَابْنِ عَمِّي. فَأَقعَدَهُ مَعَهُ عَلَى سَرِيْرِه، وَأَقْبَلَ عَلَيْهِ بِوَجْهِهِ، وَسَأَلَه عَنْ حَالِه، ثُمَّ قَالَ: سَلْنِي عَنْ حَاجَتِكَ. فَقَالَ: أَهْلُ مَكَّةَ وَالمَدِيْنَةِ قَدْ تَأَخَّرَ عَطَاؤُهُم، فَتَأْمُرَ لَهُم بِهِ. قَالَ: أَفْعَلُ. ثُمَّ قَالَ: يَا جَارِيَةُ! ائْتِنِي بِالتُّحْفَةِ. فَأَتَتْهُ بِمُدْهنٍ زُجَاجٍ فِيْهِ غَالِيَةٌ، فَغَلَّفَه بِيَدِهِ، وَانْصَرَفَ. فَاتَّبَعْتُه، فَقُلْتُ: يَا ابْنَ رَسُوْلِ اللهِ! أَتَيْتُ بِكَ وَلاَ أَشُكُّ أَنَّهُ قَاتِلُكَ، فَكَانَ مِنْهُ مَا رَأَيْتَ، وَقَدْ رَأَيْتُكَ تُحَرِّكُ شَفَتَيْكَ بِشَيْءٍ عِنْدَ الدُّخُولِ، فَمَا هُوَ؟قَالَ: قُلْتُ: اللَّهُمَّ احرُسْنِي بِعَيْنِكَ الَّتِي لاَ تَنَامُ، وَاكْنُفْنِي بِرُكنِكَ الَّذِي لاَ يُرَامُ، وَاحْفَظْنِي بِقُدرَتِكَ عَلَيَّ، وَلاَ تُهلِكْنِي وَأَنْتَ رَجَائِي، رَبِّ كَمْ مِنْ نَعمَةٍ أَنْعَمتَ بِهَا عَلَيَّ قَلَّ لَكَ عِنْدَهَا شُكرِي، وَكَم مِنْ بَلِيَّةٍ ابْتَلَيْتَنِي بِهَا قَلَّ لَهَا عِنْدَك صَبْرِي؟ فَيَا مَنْ قَلَّ عِنْدَ نِعمَتِه شُكرِي، فَلَمْ يَحرِمْنِي، وَيَا مَنْ قَلَّ عِنْدَ بَلِيَّتِهِ صَبْرِي، فَلَمْ يَخْذُلْنِي، وَيَا مَنْ رَآنِي عَلَى المَعَاصِي، فَلَمْ يَفضَحْنِي، وَيَا ذَا النِّعَمِ الَّتِي لاَ تُحصَى أَبَداً، وَيَا ذَا المَعْرُوْفِ الَّذِي لاَ يَنْقَطِعُ أَبَداً، أَعِنِّي عَلَى دِيْنِي بِدُنْيَا، وَعَلَى آخِرَتِي بِتَقْوَى، وَاحفَظْنِي فِيْمَا غِبتُ عَنْهُ، وَلاَ تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي فِيْمَا خَطَرتُ، يَا مَنْ لاَ تَضُرُّه الذُّنُوبُ، وَلاَ تَنقُصُه المَغْفِرَةُ، اغْفِرْ لِي مَا لاَ يَضُرُّكَ، وَأَعْطِنِي مَا لاَ يَنْقُصُكَ، يَا وَهَّابُ! أَسْأَلُك فَرَجاً قَرِيْباً، وَصَبراً جَمِيْلاً، وَالعَافِيَةَ مِنْ جَمِيْعِ البَلاَيَا، وَشُكرَ العَافِيَةِ. [سير أعلام النبلاء للذهبي جـ 6صـ 267: 266].


[6] ربعي بن حراش:

قال سفيان الثوري: ذكرتُ رِبعياً، أتَدْرُونَ مَنْ رِبْعِيٌّ، كَانَ رِبْعِيٌّ مِنْ أَشْجَعَ [اسم قبيلة]، زَعَمَ قَوْمُهُ أَنَّهُ لَمْ يَكْذِبْ قَطُّ، فَسَعَى بِهِ سَاعٍ إِلَى الْحَجَّاجِ بْنِ يُوسُفَ فَقَالُوا: هَهُنَا رَجُلٌ مِنْ أَشْجَعَ زَعَمَ قَوْمُهُ أَنَّهُ لَمْ يَكْذِبْ قَطُّ، وَأَنَّهُ سَيَكْذِبُ لَكَ الْيَوْمَ، فَإِنَّكَ ضَرَبْتَ عَلَى ابْنَيْهِ الْبَعْثَ فَعَصَيَا وَهُمَا فِي الْبَيْتِ. فَبَعَثَ إِلَيْهِ فَإِذَا شَيْخٌ مُنْحَنٍ، فَقَالَ لَهُ: مَا فَعَلَ ابْنَاكَ؟ قَالَ: "هُمَا هَذَانِ فِي الْبَيْتِ". قَالَ: فَحَمَلَهُ، وَكَسَاهُ، وَأَوْصَى بِهِ خَيْرًا فعفا الحجاج بن يوسف عنهما وأكرم ربعي لصدقه وتقواه لله..

[حلية الأولياء لأبي نعيم جـ 5صـ369: 368] [سير أعلام النبلاء للذهبي جـ4صـ360].


أخي المسلم الكريم: انظر إلى المبارك بن واضح كَيْفَ اتقى الله تعالى في السِّرِ وعَفَّ نفسه عن أكل رمانة من البستان، فرزقه الله تعالى الزواج من ابنة صاحب البستان.


[7] سليمان بن يسار:

خَرَجَ سُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ خَارِجًا مِنَ الْمَدِينَةِ وَمَعَهُ رَفِيقٌ لَهُ حَتَّى نَزَلُوا بِالْأَبْوَاءِ فَقَامَ رَفِيقُهُ فَأَخَذَ السُّفْرَةَ وَانْطَلَقَ إِلَى السُّوقِ يَبْتَاعُ [يشتري] لَهُمْ وَقَعَدَ سُلَيْمَانُ فِي الْخَيْمَةِ وَكَانَ مِنْ أَجْمَلِ النَّاسِ وَجْهًا وَأَرْوَعِ النَّاسِ فَبَصُرَتْ بِهِ أَعْرَابِيَّةٌ مِنْ قُلَّةِ الْجَبَلِ وَهِيَ فِي خَيْمَتِهَا فَلَمَّا رَأَتْ حُسْنَهُ وَجَمَالَهُ انْحَدَرَتْ وَعَلَيْهَا الْبُرْقُعُ وَالْقُفَّازَانِ فَجَاءَتْ فَوَقَعَتْ بَيْنَ يَدَيْهِ فَأَسْفَرَتْ [كشفت] عَنْ وَجْهٍ لَهَا كَأَنَّهُ فِلْقَةُ قَمَرٍ فَقَالَتْ: أَهَبْتَنِي؟ فَظَنَّ أَنَّهَا تُرِيدُ طَعَامًا فَقَامَ إِلَى فَضْلِ السُّفْرَةِ لِيُعْطِيَهَا، فَقَالَتْ: لَسْتُ أُرِيدُ هَذَا، إِنَّمَا أُرِيدُ مَا يَكُونُ مِنَ الرَّجُلِ إِلَى أَهْلِهِ، فَقَالَ: "جَهَّزَكِ إِلَيَّ إِبْلِيسُ" ثُمَّ وَضَعَ رَأْسَهُ بَيْنَ كُمَّيْهِ فَأَخَذَ فِي النَّحِيبِ فَلَمْ يَزَلْ يَبْكِي فَلَمَّا رَأَتْ ذَلِكَ سَدَلَتِ الْبُرْقُعَ عَلَى وَجْهِهَا وَرَفَعَتْ رِجْلَيْهَا بِأَكْوَابٍ حَتَّى رَجَعَتْ إِلَى خَيْمَتِهَا، فَجَاءَ رَفِيقُهُ وَقَدِ ابْتَاعَ لَهُمْ مَا يَرْفُقُهُمْ فَلَمَّا رَآهُ وَقَدِ انْتَفَخَتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْبُكَاءِ وَانْقَطَعَ حَلْقُهُ قَالَ: مَا يُبْكِيكَ؟ قَالَ: "خَيْرٌ ذَكَرْتُ صِبْيَتِي" قَالَ: لَا، إِنَّ لَكَ قِصَّةً، إِنَّمَا عَهْدُكَ بِصِبْيَتِكَ مُنْذُ ثَلَاثٍ أَوْ نَحْوِهَا، فَلَمْ يَزَلْ بِهِ رَفِيقُهُ حَتَّى أَخْبَرَهُ بِشَأْنِ الْأَعْرَابِيَّةِ، فَوَضَعَ السُّفْرَةَ وَجَعَلَ يَبْكِي بُكَاءً شَدِيدًا، فَقَالَ لَهُ سُلَيْمَانُ: "أَنْتَ مَا يُبْكِيكَ؟" قَالَ: أَنَا أَحَقُّ بِالْبُكَاءِ مِنْكَ، قَالَ: "فَلِمَ؟" قَالَ: لِأَنِّي أَخْشَى لَوْ كُنْتُ مَكَانَكَ لَمَا صَبَرْتُ عَنْهَا، قَالَ: فَمَا زَالَا يَبْكِيَانِ قَالَ: فَلَمَّا انْتَهَى سُلَيْمَانُ إِلَى مَكَّةَ وَطَافَ وَسَعَى أَتَى الْحِجْرَ وَاحْتَبَى بِثَوْبِهِ فَنَعَسَ فَإِذَا رَجُلٌ وَسِيمٌ جَمِيلٌ طُوَالٌ شَرْجَبٌ لَهُ شَارَةٌ حَسَنَةٌ وَرَائِحَةٌ طَيِّبَةٌ فَقَالَ لَهُ سُلَيْمَانُ: "مَنْ أَنْتَ رَحِمَكَ اللهُ؟" قَالَ: أَنَا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ: يوسُفُ الصِّدِّيقُ؟ قَالَ: نَعَمْ قُلْتُ: "إِنَّ فِي شَأْنِكَ وَشَأْنِ امْرَأَةِ الْعَزِيزِ لَشَأْنًا عَجِيبًا" فَقَالَ لَهُ يُوسُفُ: شَأْنُكَ وَشَأْنُ صَاحِبَةِ الْأَبْوَاءِ أَعْجَبُ. [حلية الأولياء لأبي نعيم جـ2صـ192: 191].


[8] منذر بن سعيد:

خَرَجَ منذر بن سعيد إلى الحج سيراً على الأقدام مَعَ قَوْمٍ رَجَّالَةٍ، فَانقَطَعُوا وَأَعوَزَهُمُ [احتاجوا] المَاءُ فِي الحِجَازِ وَتَاهُوا. قَالَ: فَأَوَيْنَا إِلَى غَارٍ نَنْتَظِرُ المَوْتَ، فَوَضَعْتُ رَأْسِي مُلْصَقاً بِالجَبَلِ، فَإِذَا حجرٌ كَانَ فِي قُبَالَتِهِ، فَعَالَجْتُهُ، فَنَزَعْتُهُ، فَانبَعَثَ المَاءُ، فَشَرِبْنَا وَتَزَوَّدَنَا. [سير أعلام النبلاء للذهبي جـ 16صـ 175].


[9] عز الدين بن عبد السلام:

قال الباجي: طلع شيخنا عز الدين بن عبد السلام مرة إلى السلطان الصالح أيوب في يوم عيدٍ إلى القلعة فشاهد العساكر مصطفين بين يديه ومجلس المملكة وما السلطانُ فيه يوم العيد من الأبَّهة وقد خرج على قومه في زينته على عادة سلاطين الديار المصرية وأخذت الأمراء تقبِّلُ الأرض بين يدي السلطان فالتفت الشيخ إلى السلطان وناداه يا أيوبُ ما حُجَّتُك عند الله إذا قال لك ألم أبوئ لك مُلكَ مصر ثم تبيح الخمور فقال هل جرى هذا؟ فقال العز بن عبد السلام: نعم الحانة الفُلانية يباع فيها الخمور وغيرها من المنكرات وأنت تتقلب في نعمة هذه المملكة يناديه كذلك بأعلى صوته والعساكر واقفون، فقال: يا سيدي السلطان: هذا أنا ما عملته، هذا من زمان أبي، فقال الشيخ: أنت من الذين يقولون [إنَّا وَجَدنا آباءَنا على أمَّة] فرسم [أصدر أمراً] السلطان بإبطال تلك الحانة.


قال الباجي: سألت الشيخ لما جاء من عند السلطان وقد شاع هذا الخبر: فقلت: يا سيدي أما خِفتَه؟ فقال: والله يا بني استحضرتُ هيبة الله تعالى فصار السلطان قدامي كالقط. [طبقات الشافعية لعبد الوَهَّاب السُّبكي جـ 8صـ212: 211].


[10] أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية:

لما استولى السلطان قازان [ملك التتار] على دمشق، ووصل الخبر إلى الشيخ ابن تيمية قام من فوره وشجع المسلمين ورغبهم في الشهادة ووعدهم على قيامهم بالنصر على التتار والظفر والأمن وزوال الخوف فانتدب منهم رجال من كُبرائهم وذوي الأحلام منهم فخرجوا معه إلى السلطان قازان، فلما رآهم السلطان قال من هؤلاء؟ فقيل هم رؤساء دمشق فأذن لهم فحضروا بين يديه، فتقدم الشيخ رضي الله عنه أولا فلما أن رآه أوقع الله له في قلبه هيبة عظيمة حتى أدناه وأجلسه، وأخذ الشيخ في الكلام معه وأخبره بحرمه دماء المسلمين وذَكَّرَه بالله ورسوله في العدل وغيره ويرفع صوته على السلطان في أثناء حديثه حتى جثا على ركبتيه وجعل يقرب منه في أثناء حديثه حتى لقد قرب إن تلاصق ركبته ركبة السلطان والسلطان مع ذلك مُقْبلٌ عليه بكليته مصغ لما يقول شاخص إليه لا يعرض عنه من شدة ما أوقع الله ما في قلبه من المحبة والهيبة لابن تيمية سأل من يخصه من أهل حضرته من هذا الشيخ وقال ما معناه إني لم أر مثله ولا أثبت قلباً منه ولا أوقع من حديثه في قلبي ولا رأيتني أَعْظَمُ انقياداً مني لأحد منه فأُخبر بحاله وما هو عليه من العلم والعمل فقال الشيخ للترجمان قل لقازان أنت تزعم أنك مسلمٌ ومعك قاضي وإمام وشيخ ومؤذن على ما بلغنا فغزوتنا وأبوك وجدك كانا كافرين وما عملا الذي عملت عاهدا فوفيا، وأنت عاهدت فغدرت وقلت فما وفيت وجُرْت. [أي: ظلمت].


وسأله قازان إن أحببت أن أُعمر لك بلد آبائك حَرَّان وتنتقل إليه ويكون برسمك [أي تتصرف فيه كما تريد] فقال لا والله لا أرغب عن مهاجر إبراهيم عليه السلام ولا أستبدل به غيره، فخرج من بين يديه مكرماً معززاً قد صنع له الله بما طوى عليه نيته الصالحة مِن بَذْله نفسه في طلب حَقْن دماء المسلمين فبلَّغه مَلِك التتار ما أراده وكان ذلك أيضاً سبباً لتخليص غالب أُسَارى المسلمين من أيديهم وردهم على أهلهم وحفظ حريمهم وهذا من أعظم الشجاعة والثبات وقوة الجأش وكان ابن تيمية يقول: لن يخاف الرجل غير الله إلا لمرض في قلبه. [الأعلام العلية للبزار ص 69].


حقاً: إن تقوى الله تعالى في السِّر والعلانية هي سبيل النجاة للمؤمنين المتقين في كل مكان وزمان.

••••


أسألُ اللهَ تعالى أن ينفعَ بهذه الرسالة إخواني، طلاب العِلْمِ الكرام، وأرجو مَنْ يقرؤها أن يدعوَ اللهَ سُبحانه لي بالإخلاصِ، والتوفيقِ،


والثباتِ على الحق، وحُسْنِ الخاتمة، فإن دعوةَ المسلمِ لأخيه بظَهْرِ الغَيْبِ مُسْتجَابةٌ.


وأختِمُ بقولِ الله تعالى: ﴿ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ ﴾ [الحشر: 10].


وآخرُ دعوانا أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.


وَصَلَّى اللهُ وسَلَّمَ عَلى نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • أثر الإيمان والتقوى في الرخاء الاقتصادي
  • التقوى
  • فضل التقوى وحال أهلها
  • حقيقة التقوى بين اليأس والإرجاء
  • إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير
  • أهمية التقوى في حياة المسلم
  • آيات عن التقوى
  • الإنفاق والتقوى
  • خطبة في الحث على التقوى وبيان حدها وفوائدها
  • النجاة في إخلاص العمل لله وترك السمعة والرياء
  • تفيض من الدمع "مقياس التقوى"
  • التقوى حياة على منهج الله تعالى
  • وقفة تدبر لحديث من السنة في بيان سبيل النجاة والفلاح
  • سبيل النجاة (خطبة)

مختارات من الشبكة

  • التقوى (أوصيكم بتقوى الله)(مادة مرئية - مكتبة الألوكة)
  • فضائل الصيام .. الصيام سبيل تحصيل التقوى(مقالة - ملفات خاصة)
  • لعلكم تتقون (خطبة)(مقالة - ملفات خاصة)
  • التقوى سبب للنجاة من النار (بطاقة)(مقالة - مكتبة الألوكة)
  • خطبة: فضائل التقوى(مقالة - موقع د. محمود بن أحمد الدوسري)
  • حقيقة التقوى وأصلها ومكانها(مقالة - آفاق الشريعة)
  • التقوى والمتقون في القرآن الكريم(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تقوى الله طريق النجاة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تقوى الله طريق النجاة(محاضرة - مكتبة الألوكة)
  • محاسبة النفس سبيل النجاة (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 9/11/1446هـ - الساعة: 17:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب