• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    الأضحية ... معنى التضحية في زمن الماديات
    محمد أبو عطية
  •  
    خطبة الجمعة ليوم عيد الأضحى
    عبدالوهاب محمد المعبأ
  •  
    صلاة العيد وبعض ما يتعلق بها من أحكام
    عبد رب الصالحين أبو ضيف العتموني
  •  
    وقفات مع عشر ذي الحجة (3)
    د. عبدالسلام حمود غالب
  •  
    خطبة: أهمية اللعب والترفيه للشباب
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    عيد الأضحى: فرحة الطاعة وبهجة القربى
    محمد أبو عطية
  •  
    كيف يعلمنا القرآن الكريم التعامل مع الضغط النفسي ...
    معز محمد حماد عيسى
  •  
    أحكام الأضحية (عشر مسائل في الأضاحي)
    د. شريف فوزي سلطان
  •  
    زيف الانشغال
    أ. د. عبدالله بن ضيف الله الرحيلي
  •  
    خطبة الجمعة في يوم الأضحى
    د. صغير بن محمد الصغير
  •  
    الأخذ بالأسباب المشروعة
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    يوم العيد وأيام التشريق (خطبة)
    الشيخ عبدالله بن محمد البصري
  •  
    المقصد الحقيقي من الأضحية
    عاقب أمين آهنغر (أبو يحيى)
  •  
    خطبة الأضحى 1446 هـ (إن الله جميل يحب الجمال)
    الشيخ عبدالله محمد الطوالة
  •  
    خطبة عيد الأضحى 1446هـ
    عبدالوهاب محمد المعبأ
  •  
    لبس البشت فقها ونظاما
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / خواطر إيمانية ودعوية
علامة باركود

هل تتعارض الدنيا مع الدين؟

كمال عبدالمنعم محمد خليل

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 12/5/2015 ميلادي - 24/7/1436 هجري

الزيارات: 49953

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

هل تتعارض الدنيا مع الدين؟


كثيرٌ من الناس لديهم فهم خاطِئ عن تعامله مع الدنيا والدين؛ فهُما - من وجهةِ نظرهم - لا يجتمعان في قلبٍ واحد أبدًا، فإمَّا دنيا لا دين فيها، وإما تديُّن وزهدٌ لا يَعرف لمتاع الدنيا سبيلاً، وهذا المفهوم يتأَرْجح بين الإفراطِ والتفريط، وكلاهما سلوكٌ مذموم لم يأمر به شرعُنا، ولم يحث عليه دينُنا الإسلامي الحنيف، فلا دنيا مجرَّدة، ولا رهبانيَّة في الإسلام.

 

إن ديننا الإسلامي دينُ الوسطيَّة وهي شعاره، بل هي شعار الأمَّة بأسرها؛ قال الله تعالى: ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ﴾ [البقرة: 143]، هذه الوسطية تشمل العقيدةَ، والعبادات، والمعاملات، والحبَّ، والبغض، وغير ذلك من شتى مناحي الشريعة والحياة.

 

والذي يتدبر آي القرآن الكريم يلمس هذه الوسطيَّة في أوامر القرآنِ الكريم بشأن التعامُل مع الدنيا والآخرة؛ قال الله تعالى: ﴿ وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ﴾ [القصص: 77]، بل إن الله تعالى أشار إلى نموذج أَمْثل من دعاء المعتدلين الذين يسيرون على هذا النهج الوسطي؛ فقال سبحانه: ﴿ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾ [البقرة: 201]، ومن لطائف كتابِ الله العزيز، ورود لفظ "الدنيا" بعددٍ يماثِل لفظ "الآخرة"؛ (مائة وخمس عشرة مرَّة)، وفيه إشارةٌ لطيفة إلى ما ينبغي أن يكون عليه التوازن عند أُولي النُّهى، فلا إغفال لطرفٍ على حساب الآخر.

 

أما سنَّة النبي صلى الله عليه وسلم وتوجيهاته في هذا الشأن فمفادُها الوسطية أيضًا؛ فلا ركون إلى الدنيا، ولا زهدَ مطلَقٌ فيها، ولقد مدح رسولُ الله صلى الله عليه وسلم الدنيا في أحاديث، وذمَّها في أخرى، حتى يوجِد في أنفسنا هذا التوازنَ عند التعامل مع هذا الجانب أو ذاك، ولبلاغةِ الرسول صلى الله عليه وسلم؛ فقد جمَع في حديثٍ واحد المعنيين المشَار إليهما؛ فقد روى الإمام مسلم رحمه الله في صحيحه من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الدنيا حلوةٌ خَضِرة، وإن الله مستخلِفكم فيها، فينظر كيفَ تعملون، فاتَّقوا الدنيا واتقوا النساءَ؛ فإن فتنة بني إسرائيل كانت في النِّساء)).

 

ولو أن الدنيا تَحمل غيرَ هذا الوصف لما استنكر اللهُ تعالى تحريمَ التمتُّع بزينتها في إِطارها الطيِّب الحلال، الذي سيَكون رِزقَ أهل الجنة إن شاء الله في الآخرةِ مع الفارق في الأنواعِ والطعوم، قال الله تعالى: ﴿ قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ ﴾ [الأعراف: 32]، ولو أن الحياة الدنيا لا تحمل سوى معنى الفساد والخراب لما أمَرَنا الله تعالى بتعمير أرضها بكلِّ خيرٍ؛ قال سبحانه: ﴿ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا ﴾ [هود: 61]، وروى ابن عساكر وابن أبي الدنيا في كتاب (إصلاح المال) بسندٍ صحَّحه البعضُ وضعَّفه آخرون، وأبطلَه البعضُ أيضًا من حديث أنس بن مالك رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ليس بخيرِكم من ترك دنياه لآخرتِه، ولا من ترك آخرتَه لدنياه حتَّى ينال منها؛ فإن كلَّ واحدة منهما مبلغةٌ إلى الأخرى، ولا تكن كلاًّ على الناس)).

 

إن هذا التعامل بوسطيَّة مع أمورِ الدنيا والآخرة ظهر جليًّا في قصَّة هؤلاء الرَّهْط الذين جاؤوا يسألون عن عِبادة رسولِ الله صلى الله عليه وسلم ليقتدوا به؛ روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أنس بن مالك رضي الله عنهما قال: جاء ثلاثة رهطٍ إلى بيوت أزواجِ النبي صلى الله عليه وسلم يسألون عن عِبادة النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فلما أُخبروا كأنهم تقالُّوها - أي: عدُّوها قليلةً - فقالوا: وأين نحن من النبيِّ صلى الله عليه وسلم؟ قد غُفِر له ما تقدَّم من ذنبِه وما تأخَّر، فقال أحدهم: أمَّا أنا فأصلِّي الليلَ أبدًا، وقال آخَر: وأنا أصوم الدهرَ ولا أُفطر، وقال آخر: وأنا أعتزل النساءَ فلا أتزوج أبدًا، فجاء إليهم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فقال: ((أنتم الذين قلتم كذا وكذا، أَمَا والله إني لأخشاكم لله، وأتقاكم له، لكنَّني أصومُ وأفطر، وأصلِّي وأرقد، وأتزوج النساءَ، فمن رغب عن سنَّتي فليس مني)).

 

وروى مسلم في صحيحه من حديث عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((هلك المتنطِّعون))، قالها ثلاثًا، و(المتنطعون) الذين يُحملون أنفسَهم فوقَ طاقتِها، ويتشدَّدون في غير موضع شدَّة، سواء كان ذلك في أمور الدنيا أو أمورِ الآخرة، قال الإمام ابن القيم رحمه الله: "الشريعة عدلٌ كلُّها، رحمةٌ كلُّها، ومصالحُ كلها؛ فكلُّ مسألة خرجَت عن العدلِ إلى الجَور، وعن الرحمة إلى ضدِّها، وعن المصلحة إلى المفسدة، فليسَت من الشريعة" ا.هـ.

 

الحث على العمل دليل الوسطية:

عشرات المرات في القرآن الكريم قرَن فيها اللهُ تعالى بين الإيمان وعمل الصالحات، ووصفَ أصحابَ هذا السلوك بأجمل الأوصاف ووعدَهم بأوفى الجزاء وأحسنِه؛ من ذلك قوله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا * أُولَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا ﴾ [الكهف: 30، 31]، هذا العمل الصالح ليس المقصودُ حصرَه على العبادات والشعائرِ التعبديَّة؛ بل إنه يشمل عمل الدنيا والآخرة معًا.

 

ولقد أمر اللهُ تعالى بالعمل على وجه العموم فقال: ﴿ وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [التوبة: 105]، فمَن يستطيع أن يقصرَ ويحصُرَ هذا الأمر بالعمل على عمل الدنيا فقط، أو عمل الآخرة فقط؟! فعموم الأمر يشمل الاثنين معًا، وقد ورد عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه - وقيل: عن ابن مسعود رضي الله عنه - أنه قال: "إني أكره أن يكون المسلم سَبَهلَلاً (فارغًا)؛ لا في عمل دنياه ولا في عمل آخرته".

 

العمل والعبادة متلازمان:

كما أمر الله تعالى عبادَه بأداء العبادات والشعائرِ التعبُّدية، أمرهم في ذات الوقت بالسعيِ والكَسْبِ؛ قال الله تعالى: ﴿ فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [الجمعة: 10]، فقد جاء ذكرُ الانتشار في الأرض والسعي فيها من أجلِ الرزق محصورًا بين قضاء الصلاة، وذِكْر الله كثيرًا، وهذا توجيهٌ من الله تعالى لعباده نحو تحرِّي الحلال، ومراقبة الله، وذكرِه أثناء العمل، وفي كل الأحوال؛ لأنه دليل الفلاحِ في الدنيا والآخرة، وكذلك فيه دليلٌ وإشارة إلى هذا التوازن الذي ينبغي أن يكون في حياة المسلمِ بين عملِ الدنيا وعمل الآخرة، وكلاهما - إن تمَّ إتقانهما - يوصلان إلى الفوز والفلاح.

 

وبخصوص عبادةِ الحجِّ؛ قال الله سبحانه: ﴿ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ ﴾ [البقرة: 198]، قال المفسِّرون: الفضلُ: هو البيع والشراء، وغير ذلك من أمورِ الدنيا التي أحلَّها الله تعالى، فتدبَّر رحمني الله وإيَّاك إلى الحرص على التوازن حتى عند تأديةِ المشاعر والنُّسك، ما أجمل وما أعدل ديننا الحنيف!

 

أمَّا الصيام فقال الله تعالى عنه: ﴿ أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ ﴾ [البقرة: 187]، وقال سبحانه في نفس الآية: ﴿ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ ﴾ [البقرة: 187]، فمُعاشرةُ النساء والأكلُ والشرب من أعمالِ الدنيا التي يمارسها المسلمُ عقبَ عبادة الصيام، وهو ليس قصرًا وحصرًا، بل إنها إشارةٌ إلى أعمال الدنيا التي تلِي تلك العبادة؛ إذ لا رهبانيَّة في الإسلام، ولا صيام أبَد الدَّهر، ولقد ذمَّ الله تعالى مَن قبلنا؛ لِمَيلِهم عن الوسطيَّة في العبادة؛ فقال تعالى: ﴿ وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا ﴾ [الحديد: 27].

 

ولقد فرض الله تعالى الزكاةَ على القادرين من أجل إيجادِ التوازن الحياتي والمعيشِي بين الناس؛ حتى لا يكون المالُ في يد فئةٍ قليلة من الناس، بل يتم تداولُه بين هذا وذاك، وهذا لا يُلغي التفاوتَ والقدرات بين الناس، ولكن يوجِد تقاربًا بينهم؛ قال تعالى: ﴿ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ ﴾ [الحشر: 7].

 

والله تعالى في قرآنه الكريم وجَّهَنا توجيهًا عامًّا نحو العمل والسعي على الكَسْب، مع مراقبة الله تعالى في هذا السعي وذاك الكسب؛ لأن الإنسان لا بد أن يعود إلى ربِّه، ليحاسبه عما اكتسبه في هذه الحياة الدنيا؛ ﴿ هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ ﴾ [الملك: 15].

 

الثراء لا يتعارض مع التقوى:

لا يتعارض أبدًا أن يكون المسلم موسرًا وفي رَغدٍ من العيش، ويكون صالحًا تقيًّا؛ فسِيَر الصحابة رضوان الله عليهم تنبِّئنا بأن بعضهم بُشِّر بالجنة على وجه التخصيص والتحديد، في الوقت الذي كان فيه مِن أثرى أثرياء الجزيرة العربية، ولا تَخفى علينا مواقفُ عثمان بن عفان رضي الله عنه التي بذَل فيها الكثيرَ من مالِه، والتي تدلُّ على ثرائه وكثرةِ مالِه؛ فقد جهَّز ثلثَ جيش العُسْرة، واشترى بئر رُومة، وجعلها صَدَقة للمسلمين، وأعتق الكثيرَ من الرِّقِّ، واشترى القوافلَ التجارية ببضائعها ووهبَها للمسلمين، كذلك عبدالرحمن بن عوف رضي الله عنه الذي ورد في سيرتِه أن كلاًّ من أبنائه ورث مليونَ دينارٍ ذهبي بعد وفاته، وكذلك أبو بكر الصديق رضي الله عنه الذي لم يَسْبقه أحدٌ إلى الصَّدَقة والبرِّ أبدًا، وكذا الحال مع سعد بن أبي وقَّاص، وطلحة بن عبيدالله، والزبير بن العوام... وجميعهم من العشرة المبشَّرين بالجنة رضي الله عنهم.

 

فالدنيا كانت في أيديهم، ملَكوها ولم تَمْلِكهم، والشاهد من ذلك أن التَّقوى لا تتعارض مع الغِنى، بل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أوصى بالعمل على ترك الورَثَة في أحسن حالٍ من الناحية الماديَّة قدرَ الاستطاعة؛ فقد روى البخاريُّ ومسلمٌ في صحيحيهما من حديث سعدِ بن أبي وقَّاص رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: ((إنك أن تَذَرَ ورثتَك أغنياء، خيرٌ من أن تذرَهم عالةً يتكفَّفون الناس)).

 

أين الخَلل؟

لا يمكن أبدًا أن نشكِّك في المنهج الإلهي الذي أرشدَنا إليه ربُّ العالمين عن طريق أنبيائِه ورسلِه، فلا يبقى إلاَّ الثانية - وبكل تأكيد - وهي اتِّهامُ أنفسنا بالتقصير والحيدِ عن هذا المنهجِ القويم، ونظرةُ مقارَنَةٍ لِما كان عليه الصحابةُ والسلف الصالح وما نحن عليه الآن - تجعلك تحسُّ بالفرقِ الشاسِع والبَون الواسع؛ فقد ساسوا الدنيا وسادوها بكلِّ فضيلة، فقد كانت أخلاقهم مثالاً يُحتذى به، وفهِموا وسطيَّةَ الإسلام وطبَّقوها دون إفراطٍ أو تفريط.

 

أمَّا نحن فلم نفهم تلك الوسطيَّة فيما يخصُّ دينَنا ودنيانا؛ فبعضنا رأى الدنيا شيطانًا أكبر، لا ينبغي الاقتراب منها؛ بل عليه أن يسلك فجًّا غير فجِّها، فتراه مقطَّب الجبين، عبوس الوجهِ، يميل إلى الرَّاحة والدَّعَة والكَسَل؛ بحجَّة الذِّكر، يترك العملَ والكسب، وقد يكون عالةً على غيره، أمَّا البعض الآخر فعلى النقيضِ من ذلك؛ فالدنيا عنده أهمُّ من أبيه وأمِّه وولده! يركض فيها ركضَ الوحشِ في البرِّية، لا يبالي بالحلال جمَع مالَه أم بالحرام، يعبد الدينارَ والدِّرهم، يبيع دينَه بعَرَضٍ من الدنيا، يحزن إن فاته منها شيءٌ، ويفرح إن أقبلَت إليه! وهذا - لا شك - مسكينٌ، يُفاجَأ بعد حينٍ بالدنيا تنتهي، وبالصحائف تُنشر، وبالموازين تُنصَب، وبالسرائر تبلى، ويومها لات حين مهرب أو مفرٍّ.

 

ما العلاج إذًا؟

لقد أنشد الإمامُ النووي شعرًا وذكَره في مقدمةِ كتابه "رياض الصالحين" قال فيه:

إن لله عبادًا فُطَنَا
طلَّقوا الدنيا وخافوا الفتنا
نظروا فيها فلمَّا علِموا
أنها ليسَت لحيٍّ وطنا
جعلوها لجَّةً واتخذوا
صالحَ الأعمالِ فيها سُفُنا

 

وتطليق الدنيا الذي قصده الإمامُ النووي رحمه الله - حسب رؤيتي - هو تطليقُ ما فيها من محرَّمات، وترك ما فيها من مُنكرات، واجتناب ما فيها من شُبهات، واعتزالُ ما فيها من فِتَن ومُحدَثات، أمَّا الحلال فيها فمَرحبًا به، من أجل حياةٍ كريمة، وفعلٍ للصالحات، ونشرٍ للخيرات، فالمالُ فيها وسيلة يمكن استخدامها في كلِّ عمل صالح، لمن خلصَت نيتُه، ونقَت طويتُه، وعزم على أرشد أمرِه.

 

إن الدنيا التي ينبغي أن يَحرص عليها أُولوا الألبابِ، هي التي تعمر الأرضَ، وتحفظ العِرض، وتسمو بالأوطان، وتنشر الأخلاقَ وتَصِل بصاحبها إلى بَرِّ النجاة، فيكون من الثابتين عند لقاء الله تعالى في ختام هذه الحياة الدنيا؛ يقول الله تعالى: ﴿ يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ ﴾ [إبراهيم: 27].

 

فلا تعارُض أبدًا بين الدين والدنيا عند أولي النُّهَى، وعند أصحاب الصراط السويِّ، بل هما متكاملان متلازمان، فعَمَار الدنيا - كما بيَّن الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم - يصل بالمسلمِ إلى عَمار الآخرة؛ فالدنيا مزرعةُ الآخرة، فانظر أيَّ الزرع تحبُّ أن تحصد؟

 

اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنةً وقنا عذاب النار، اللهم آمين.

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • أسباب الثبات في الدنيا والآخرة
  • فتنة الدنيا
  • إيه في الدنيا أمل!
  • إمام الدنيا: أحمد بن حنبل

مختارات من الشبكة

  • الدنيا متاع وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • مخطوطة مجموع فيه ذم الدنيا لابن أبي الدنيا ومنتخب الزهد والرقائق للخطيب البغدادي(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • الدنيا في قصائد ديوان (مراكب ذكرياتي) للشاعر الدكتور عبد الرحمن العشماوي(مقالة - حضارة الكلمة)
  • بشرائع الدين وأحوال المكلفين يميز الله السعداء من الأشقياء في الدنيا قبل الأخرى(مقالة - موقع الشيخ عبدالله بن صالح القصيِّر)
  • الحديث عن الدنيا في ديوان عبق الأمسيات للشاعر الدكتور حمزة أحمد الشريف(مقالة - حضارة الكلمة)
  • جواب شبهة: نقصان الدين قبل نزول آية الإكمال واختلاف العلماء على مسائل الدين مع كمالها(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الدنيا.. وعابر السبيل(مقالة - آفاق الشريعة)
  • التفكر في الدنيا(مقالة - حضارة الكلمة)
  • باع دينه بعرض من الدنيا(مقالة - آفاق الشريعة)
  • القول السديد فيه صلاح الدنيا والدين(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • بعد عامين من البناء افتتاح مسجد جديد في قرية سوكوري
  • بعد 3 عقود من العطاء.. مركز ماديسون الإسلامي يفتتح مبناه الجديد
  • المرأة في المجتمع... نقاش مفتوح حول المسؤوليات والفرص بمدينة سراييفو
  • الذكاء الاصطناعي تحت مجهر الدين والأخلاق في كلية العلوم الإسلامية بالبوسنة
  • مسابقة للأذان في منطقة أوليانوفسك بمشاركة شباب المسلمين
  • مركز إسلامي شامل على مشارف التنفيذ في بيتسفيلد بعد سنوات من التخطيط
  • مئات الزوار يشاركون في يوم المسجد المفتوح في نابرفيل
  • مشروع إسلامي ضخم بمقاطعة دوفين يقترب من الموافقة الرسمية

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/12/1446هـ - الساعة: 9:5
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب