الإشارة في التشهد

تحقيق شرح سنن ابن ماجه لمغلطاي

الإشارة في التشهد

• حدَّثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثَنا وكيعٌ عن عصام بن قدامة، عن مالك بن نُمَير الخزاعي، عن أبيه قال: "رأيتُ النبي -صلى الله عليه وسلم- واضعًا يدَه اليُمنَى على فخِذه اليُمنَى في الصلاة، ويشير بإصبعه".‏

هذا حديثٌ خرَّجه أبو حاتم البُستي في صحيحه بلفظ: "رافعًا إصبعه، قدْ حناها شيئًا"[1]، وابن خزيمة أيضًا، ولفظه: "واضعًا ذِراعه اليُمنَى على فخِذه اليمنى، رافعًا إصبعه السبَّابة قد حناها شيئًا، وهو يدْعو"[2]، وعاب القطَّان على أبي محمَّد سكوتَه عنه[3]، وقال: ما مثله صحيح؛ فإنَّه لا يَروي عن نمير إلاَّ ابنُه مالك، ومالك لا تُعرَف له حال، ولا نعلم رَوى عنه غير عِصام بن قدامة، ولا نعرِف لنمير هذا إلاَّ هذا الحديث، ولا عرفت صحبته من قول غيره[4].

• حدَّثَنا عليُّ بن محمد، ثَنا عبدالله بن إدريس عن عاصِم بن كُلَيب، عن أبيه، عن وائل بن حُجر قال: "رأيتُ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- قد حلَّق بالإبهام[5] والوُسْطَى، ويرفَع التي تليهما يدْعو بها في التشهُّد".

هذا حديثٌ خرَّجه ابن حبَّان في صحيحه[6]، وكذا ابن خزيمة بإسنادِه مطولاً[7]، وقد تقدَّم بعضُه.

• حدَّثَنا محمَّد بن يحيى، والحسَن بن علي، وإسحاق بن منصور، ثَنا عبدالرزَّاق، ثنا معمرٌ عن عُبيدالله، عن نافع، عن ابن عمر: "أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- كان إذا جلَس في الصلاة، وضَع يديه على رُكبتيه، ورفَع إصبعه اليُمنى التي تلي الإبهام، فيدْعو بها، واليُسرَى على رُكبته باسطها عليها".‏

هذا حديثٌ خرَّجه مسلمٌ في صحيحه[8]، وعندَ أحمد مِن حديث كثير بن زيْد، - وفيه ضعْف - عن نافِع عنه: "أنَّه كان إذا جلَس في الصلاةِ، وضع يديه على رُكبتيه، وأشار بإصبعه، وأتبعها بصرَه، وقال: قال النبيُّ -صلى الله عليه وسلم-: ((هي أشدُّ على الشَّيْطان مِن الحديد - يعني: السبَّابة))[9]، وعندَ البخاري: ((السنَّة أن تنصِب رِجلك اليُمنى، وتَثني اليُسْرَى، فقيل له: إنَّك تفعل ذلك - يعني: التربُّع - فقال: ((إنَّ رِجليَّ لا تحملاني))[10]، وعندَ النسائي بسندٍ صحيح قال: "وأشار - يعني النبي -صلى الله عليه وسلم- بإصبعه اليُمنى التي تلِي الإبهامَ في القِبلة، ورمَى ببصره إليها أو نحوها"[11]، وفي الأوسط: "نصب يديه على رُكبتيه، ثم يرفَع إصبعه السبَّابة، وباقِي أصابعه على يَمينه مقبوضة كما هي"، وقال: لم يرْوِه عن عبيدالله بن عمرَ عن ابن دِينار إلاَّ هشام بن يوسف[12]، وفي الباب: حديث عبدالله بن الزبير: كان رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- إذا قعَد في الصلاة جعَل قدمه اليُسرَى بين فخِذه وساقه، وفرش قدمه اليُمنى، ووضع يدَه اليسرى على رُكبته اليُسرى، ووضع يدَه اليمنى على فخِذه اليُمنى، وأشار بإصبعه السبَّابة، ووضع إبهامَه على إصبعه الوسطى"؛ رواه مسلم[13]، زاد ابن خزيمة: "لا يجاوز بصره إشارته"[14]، وعند النَّسائي: "كان رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- إذا جلَس في الثِّنتين أو في الأرْبَع، يضع يديه على رُكبتيه، ثم أشار بإصبعه"[15]، وعندَ أحمد: "لم يجاوز بصرَه"[16]، وعند أبي داود: "كان النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- يشير بإصبعه إذا دعا، ولا يحرِّكها"[17]، وفي لفظ: "أنَّه رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- يدْعو كذلك، ويتحامَل بيده اليُسرَى على فخِذه اليُسرَى"[18]، وعند أبي نُعيم الحافظ: "ثم أشار بإصبعه، يدْعو ربه ويسأله، فإذا سلَّم قال: ((لا إله إلاَّ الله وحْده...)) الحديث، وحديث خُفَافِ بن إِيماء بن رَحَضَةَ: "أنَّ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- كان إذا صلَّى نصَب إصبعه السبَّابة، يوحِّد بها ربَّه تعالى"؛ رواه الإمام أحمد مِن حديث رجلٍ مجهول عنه[19]، وحديث أبي قتادَةَ مِن عنده أيضًا، قال: "كان رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- إذا جلَس في الصلاة، وضَع يدَه على فخِذه اليُمنى، وأشار بإصبعه"[20]، وحديث أبي حُمَيد المذكور قبلُ مِن ابن خزيمة بلفظ: "ثم رفَع إصبعه، فرأيتُه يحرِّكها، يدْعو بها"، وقال: لم يقلْ: "يحرِّكها" غير زائدة[21]، وحديث أبي هريرة: نظَر النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى رجل يُشير بإصبعيه، فقال: ((أَحِّد، أحِّد))؛ قال الطبراني في الأوسط: لم يروِه عن هشام بن حسَّان عن ابن سِيرين إلاَّ مخلَد بن حُسين، تفرَّد به مسلم الجرمي[22]، وحديث ابن عبَّاس: أنَّ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((هكذا الإخلاص - يُشير بإصبعه التي تلِي الإبهام - وهذا الدُّعاء - فرفَع يديه حذو منكبيه - وهذا الابتهال - فرفَع يديه مدًّا))؛ رواه أبو داود مرفوعًا، وموقوفًا[23]، قال الخطَّابي: في هذا إثباتُ الإشارة بالسبَّابة، وكان بعضُ أهل العِراق لا يرَى ذلك، وفيه إثباتُ التحليق بالإبهام والوُسطَى، وكان بعضُ أهل المدينة لا يرَى ذاك، وقال: يقبِض أصابعه الثلاث، ويشير بالسبَّابة، وكان بعضهم يرَى أن يحلِّق، فيضع أنملَه الوسطى بين عقدي الإبهام، وإنَّما السُّنة أن يحلِّق برؤوس الأنامِل من الإبهام والوُسْطَى، حتى يكونَ كالحلقة المستديرة، لا يفصِل بيْن جوانبها شيء؛ انتهى، قد تقدَّم من عند مسلِم خلاف ما ذكَره، وهو معتمَد أبي حنيفة - رحمه الله تعالى.