الخلع على بعض المنافع والحقوق

الخلع على بعض المنافع والحقوق

• اتفق جمهورُ الفقهاء على أن كلَّ ما يصح مهرًا، فهو يصلح عِوَضًا في الخُلْع؛ لحديث النبي صلى الله عليه وسلم لامرأة ثابت بن قيس: ((أتردِّين عليه حديقته؟))، قالت: نعم، وكانت قد قبِلَتْها مهرًا.

• ولما كان فريق من الفقهاء يرى جواز أن يكون صداقُ المرأة منفعةً من المنافع، فقد ثار الخلاف عند الحديث عن العِوَض في الخُلْع، هل تصحُّ المنافع عِوَضًا للخُلْع من عدمه؟!

• ونتناول فيما يلي أهمَّ المنافع التي يمكن أن تكون عِوَضًا للخُلْع، مع بيان آراء الفقهاءِ فيها:

أولاً: الخُلْع على نفقة المختلعة ومهرها:

• فبعد أن تكلَّمنا عن العِوَض وما يشترط فيه، وبيَّنَّا مقداره، نتكلَّم عن حُكم لو خالَع الرجل زوجتَه على نفقتها أو مهرها.

يرى جمهور الفقهاء[1] أن الخُلْع يقع صحيحًا إذا كان العِوَض فيه سقوطُ مَا على المخالع من نفقة، سواء كانت حالَّة أو ماضية، واجبة عليه لزوجته أو مستقبلة؛ كنفقةِ عدتها، ما دام أن فترة النفقة معلومة، وكذا إذا كان عِوَض الخُلْع هو مهرها، سواءٌ كان الخُلْع قبل الدخول أو بعده.

كما جاء بكشاف القناع ما نصه: (ولو خالعها الزوج بنصف صداقها قبل الدخول، صحَّ ذلك، وصار الصداق كله له، نصفُه له بالطلاق قبل الدخول، ونصفُه له بالخُلْع؛ أي: عِوَضًا له..... ولو قالت المرأة له - أي: لزوجها، قبل الدخول وقبل قَبْض الصَّداق -: اخلَعْني بما يسلم إليَّ من صداقي، أو اخلعني على أنْ لا تبعةَ عليك في المهر، ففعَل - أي: خلَعها على ذلك - صحَّ الخُلْع؛ لأنه بمعنى سؤالها الخُلْع على نصف الصداق، وبرِئ الزوج من جميعه، نصفه بالخُلْع، ونصفه بجَعْله عِوَضًا له)[2].

وفي البدائع من حالات سقوط المهر: (الخُلْع عليه قبل الدخول وبعده، فإن لم يكن مقبوضًا، سقَط عن الزوج، وإن كان مقبوضًا ردَّتْه على الزوج، وإن كان خالَعَها على مال سوى المهرِ يلزمُها ذلك المال، ويبرأ الزوجُ عن كل حقٍّ وجَب لها عليه بالنكاح؛ كالمهر، والنفقة الماضية في قول أبي حنيفة؛ لأن الخُلْع وإن كان طلاقًا بعِوَض عندنا، لكن فيه معنى البراءة)[3].

فإذا تخالَعَت المرأة على نفقتها أو على مهرها، سقَط عن الزوج حقُّها في ذلك، وبرِئَت ذمَّتُه، وليس للزوجة مطالبتُه بشيء من ذلك، هذا إذا خالَعَها الزوجُ وهو يعلم أن لها مهرًا وأن لها نفقة، أما إذا خالَعَها على شيءٍ من ذلك وهو يعلمُ أنْ لا مهر لها، أو أنْ لا نفقة لها عليه، وقَع الطلاق بائنًا - دون عِوَض - عند الحنفية، أما عند الشافعية، فللزوجِ مهرُ المِثْل على زوجته[4].

ثانيًا: الخُلْع على نفقة الصغير وأجرة حضانته:

119 - ويرى جمهورُ الفقهاء[5] جوازَ المخالعة إذا كان العِوَض في الخُلْع هو نفقةَ الصغير، أو إرضاعَه، أو أجرةَ حضانته.

ولَم يخالِفْ في هذا إلا الظاهرية[6]، فقد قالوا بعدم جواز ذلك.

وحجَّة الظاهرية: أنه غير معلوم القدر، وقد يزيد الأجرُ وقد ينقص، فيؤدي ذلك إلى المنازَعة، ثم إنه حال الخُلْع لم يجب للزوجة شيءٌ من ذلك؛ فمخالعتُها بما لا تملِكُه باطلٌ وظلم.

وحجة الجمهور: أنه ليس في ذلك مساس بحق الصغير، وأن الجهالة هنا يسيرةٌ محتملة، غير متفاحشة، فلو خالَع الرجلُ زوجته على أن ترضع ولدَها منه مدة الرضاعة بلا أجر، فقبِلَت، لزِمها أن ترضعَه إلى أن تنتهي مدة الرضاعة، وهي عامان، أو حتى تنتهي المدة المتفق عليها بينهما، فإذا لم تقُمِ الزوجة بذلك، كان للزوج أن يرجع عليها عند جمهور الفقهاء بأجرة إرضاع الطفل، أو ما بقِيَ من المدَّة المحددة، وكذلك الحال إذا مات الطفلُ أو هربت الزوجةُ قبل أن تنتهي فترة الرَّضاع، ويرجع الزوج إلى تركتها إذا ماتت حتى لو استغرق كلَّ التركة؛ لأن الدَّيْنَ يقدَّمُ على جميعِ الورَثة[7].

• ويرى المالكيةُ أنه إذا أخذ مقدار ما بقي من مدة الرَّضاع من ترِكةِ الزوجة، فإن هذا الحق يوقف؛ لاحتمال موت الطفل قبل تمام فترة الرَّضاع، فكلما مر شهرٌ أو أسبوع، أخَذ أجرته حتى تنتهي المدة، فإذا مات الطفلُ قبل نهاية مدَّةِ الرَّضاع، ردَّ الباقيَ إلى ورَثةِ الزوجة[8].

• كما يرى الشافعية - في أظهرِ القولين عندهم -: أن الطفلَ إذا امتنع عن الرَّضاع، أو مات قبل تمام فترة الإرضاع، يرجع الزوجُ على الزوجة بقسط المدة الباقية من مهر المِثْل، وإذا خالعها على أن تقوم بحضانة ولدها مجانًا مدة الحضانة، لزِمها ذلك، وليس لها الحقُّ في مطالبته بأجرة هذه الحضانةِ، وتُلزَم بالإنفاق على الطفل من مالها طيلة هذه المدة، فإن تقاعسَت أو هربت، رجع عليها بمثل ما بقي، كما مر في النفقة، وإذا اختلعت الزوجةُ من زوجها على أن تُرضِعَ حملها الذي في بطنِها بعد ولادتِه إلى انتهاء مدة إرضاعه، صحَّ ذلك، ويلزمُها إرضاعُ المولود بعد ولادته، فإذا لم تحدد فترة الرَّضاع، كان عليها أن تُرضِعَه حَوْلينِ كاملين، أما إذا تبيَّنَ أنها ليست حاملاً، لزِمها دفعُ أجرة المِثل في الإرضاع عن مدَّةِ الرَّضاعة للزوج[9].

• ويلاحظ - في كل ما سبق - أن القولَ بجواز الخُلْع على نفقةِ الصغير، أو أجرةِ حضانته، لا يعني إسقاطَها عن الأب؛ وإنما يعني تحمُّل المرأة لها، بمعنى أنها إذا لم تقُمْ بالنفقة عن الصغير، لزِم ذلك الأبَ، وعاد عليها بما التزمت به، وهو ما يأتي بيانُه - بإذن الله - عند الحديثِ عن آثار الخُلْع.