• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    طريق لا يشقى سالكه (خطبة)
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    خطبة: مكانة العلم وفضله
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    خطبة: العليم جلا وعلا
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    كل من يدخل الجنة تتغير صورته وهيئته إلى أحسن صورة ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    محاضرة عن الإحسان
    د. عطية بن عبدالله الباحوث
  •  
    ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: ﴿يوم تأتي ...
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    نصوص أخرى حُرِّف معناها
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    فضل العلم ومنزلة العلماء (خطبة)
    خميس النقيب
  •  
    البرهان على تعلم عيسى عليه السلام القرآن والسنة ...
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    الدرس السادس عشر: الخشوع في الصلاة (3)
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    القرض الحسن كصدقة بمثل القرض كل يوم
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الليلة التاسعة والعشرون: النعيم الدائم (2)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    حكم مشاركة المسلم في جيش الاحتلال
    أ. د. حلمي عبدالحكيم الفقي
  •  
    غض البصر (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    كيف تقي نفسك وأهلك السوء؟ (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / التفسير وعلوم القرآن
علامة باركود

قضية الخمر في المجتمع العربي وكيف عالجها القرآن الكريم

د. أورنك زيب الأعظمي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 24/3/2015 ميلادي - 3/6/1436 هجري

الزيارات: 12689

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

قضية الخمر في المجتمع العربي

وكيف عالجها القرآن الكريم


القرآن كتاب سماوي، نزل كدليل للبشر في مختلف مجالات حياتهم؛ في الأمور الدينية، في الشؤون الاجتماعية، في القضايا الاقتصادية، وفي العلاقات بين المرء والمرء، وبين الدولة والدولة، فكأنه دليل حاضر في كل أمر وشأن، يهدي البشر حيثما ضلوا الطريق، ولم يهتدوا إلى سواء السبيل.

 

وكل ما ينطق به القرآن ينطق به عن جهة اجتماعية لا علمية؛ فالبحث عن وجوه العلم في قضية يتناولها القرآن أمر غير ضروري، بل إجبار على أفكاره وآرائه.

 

وفي هذه العجالة نتحدث عن إرشاد القرآن الكريم عن الخمر، واعترافه بأهميتها في المجتمع البشري، لاسيما المجتمع العربي؛ فقال تعالى في غضون الحديث عن الإنفاق: ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ ﴾ [البقرة: 219].

 

خلفية هذه الآية:

قبل أن أقدم شيئًا أودُّ أن أتحدث عن أهمية الخمر في المجتمع العربي الجاهلي؛ فالقرآن يتناول ما عم هذا المجتمع، فيهدي أفراده إلى سواء السبيل في كل ما شاع وذاع، والخمر أحد التقاليد الشائعة فيهم.

 

فقد كانت الخمر عامة في المجتمع العربي الجاهلي عمومَ الماء خلال الطعام؛ فلم يكن عربي إلا يشربها، أو يصنعها، أو يتجر فيها، وكانت تجارتها شائعةً فيهم، إلى حد أنهم كانوا يسمون بائع الخمر "تاجرًا"[1]؛ ولذا فإن تنفَّر أحدٌ منها أو لم يشربها، سمَّوْه حنيفًا، ولم يكن عمر شربها محددا فيهم.

 

فكان أولادهم يشربون الخمر، كما كان الشباب والشيوخ يشربونها، وكانوا يذكرونها مفتخرين بعادتهم هذه؛ فيقول عمرو بن كلثوم في قصيدته المعلقة:

ألا هبِّي بصحِنك فاصبَحينا
ولا تُبقي خمورَ الأندَرينا
مشعشعة كأنَّ الحُصَّ فيها
إذا ما الماء خالَطها سخينا

 

ويمضي قائلاً:

صددت الكأس عنا أمَّ عمرو
وكان الكأسُ مجراها اليمينا
وكأس قد شربت ببعلبك
وأخرى في دمشق وكاسرينا[2]

 

والحال: أن عمرًا كان ابنَ ست عشرة سنة حينما كتب هذه القصيدة؛ فكأنه جعل يشرب الخمر قبل أن يبلغ الحُلم.

 

ويقول طرَفة بن العبد في معلقته:

وإن تبغني في حلقة القوم تلقني
وإن تقتنصني في الحوانيت تصطَدِ[3]

 

وقال:

متى تأتني أصبحك كأسًا روية
وإن كنت عنها غانيًا فاغن وازدد[4]

 

وليس هذا فحسب، بل كانوا يشربون في جماعة، وبيدي قينة، فيقول الشاعر المذكور أعلاه:

نداماي بيض كالنجوم وقينة
تروح علينا بين برد ومجسد
رحيب قطاب الجيب منها رقيقة
بجس الندامى بضة المتجرد
إذا نحن قلنا: أسمعينا، انبرت لنا
على رسلها مطروفة لم تشدد[5]

 

وبالرغم من عموم هذه العادة في كل جلسة أو ندوة، فهي كانت من أشد الدوافع وأهم البواعث على الجود والسخاء في مجتمعهم، لا سيما في موسم الشتاء، وفي أيام الجدب والسنين، حينما كان العرب كلُّهم يعانون من ضغط شديد من قِبَل هذه الآفة السماوية، وكاد أن يجرهم الجوع الأغبر إلى الهلاك، والدمار الشامل، ففي هذه الحالة الخطرة والحرجة كان أغنياء العرب وأسخياؤهم يشمِّرون عن ساقهم لصيانة إخوانهم من أيدي الموت الظالمة.

 

والطريقة التي كانوا يختارونها لهذا الهدف السامي كانت هي أنهم كانوا يشربون الخمر في مجلس من المجالس، ولما غمرهم السُّكر أقبلوا إلى ناقة ظفروا بها فنحروها، ونثروا لحمها على كل من نقت عصافير بطنه، مؤدين قيمتها مهما علَتْ، واعتبروا هذا النوع من الجود أفضل شيء، وأفخره لديهم؛ فيقول حسان بن ثابت الأنصاري:

وإنا من القوم الذين إذا
أزم الشتاء مخالف الجدب
أعطى ذوو الأموال معسرهم
والضاربين بموطن الرعب[6]

 

وله ما يلي:

وإني لمعطٍ لو وجدت وقائل
لموقد ناري ليلة الريح: أوقد
وإني لقوَّال لذي البث: مرحبًا
وأهلاً إذا ما جاء من غير مرصد
وإني ليدعوني الندى فأجيبه
وأضرب بيض العارض المتوقد[7]

 

وله أيضًا:

المطعمون إذا سنو
ن المَحْل تصبح جامده
فمع النوامك في جفا
ن الحور تصبح جامده[8]

 

ويقول كعب بن سعد الغنوي يرثي أخاه:

أخو شتوات يعلم الحي أنه
سيكثر ما في قدره ويطيب

 

ويمضي قائلاً:

ولم يدع فتيانًا كرامًا لميسر
إذا اشتد من ريح الشتاء هبوب
يبيت الندى يا أمَّ عمرو ضجيعه
إذا لم يكن في المنقيات حلوب[9]

 

ويقول زهير بن أبي سُلْمى يمدح هرم بن سنان المري:

أليس بفياض يداه غمامة
ثمال اليتامى في السنين محمد[10]

 

وقال أيضًا يمدح هرمًا المري:

إذا السنة الشهباء بالناس أجحفت
ونال كرام المال في الجحرة الأكل
رأيت ذوي الحاجات حول بيوتهم
قطينًا بها، حتى إذا نبت البقل
هنالك إن يستخبلوا المال يخبلوا
وإن يسألوا يعطوا، وإن ييسروا يغلوا[11]

 

ويقول أمية بن أبي الصَّلت في شعر له ما يلي:

المطعمون الطعام في السنة الأز
مة والفاعلون للزكوات[12]

 

فالبديهي أن هذه المناسبات كانت أشدَّ مناسبة وأخطرها على المجتمع العربي، فمن قام بالجود والسخاء فيها كان يعتبر أجود رجل وأسخاه، وعلى هذا، فقد كان الشعراء يمدحون مَن قام فيها بصرف الأموال على المعانين من هذه البلية السماوية، وكفى دليلاً على دعوانا هذه شعر الحسين بن مطير الأسدي، الذي أطرى جَوَادًا في أبياته التالية:

له يوم بؤس فيه للناس أبؤس
ويوم نعيم فيه للناس أنعم
فيمطر يوم الجود من كفه الندى
ويمطر يوم البأس من كفه الدم
ولو أن يوم البأس خلى عقابه
على الناس لم يصبح على الأرض مجرم
ولو أن يوم الجود خلَّى يمينه
على الناس لم يصبح على الأرض معدم[13]

 

وليس هذا فحسب، بل كانوا ينفقون الأموال بعدما شربوا؛ كما قال عنترة بن معاوية بن شداد العبسي:

فإذا شربت فإنني مستهلك
مالي وعرضي وافر لم يكلم
وإذا صحوت فما أقصر عن ندى
وكما علمت شمائلي وتكرمي[14]

 

وعلى هذا فمن لم يكن يحضر هذه المجالس كانوا يعدونه بخيلاً ضنينًا، ناحتين له كلمة خاصة، ألا وهي "برم" فيقول مجنون ليلى:

ألا يا ليل إن ملكت فينا
خيارك فانظري لمن الخيار
ولا تستبدلي مني دنيًّا
ولا برمًا إذا حب القتار
يهرول في الصغير إذا رآه
وتعجزه ملمات كبار[15]

 

ويقول حجر بن خالد:

وإذا هلكت فلا تريدي عاجزًا
غسًّا ولا برمًا ولا مِعزالا[16]

 

ويقول دريد بن الصِّمَّة في رثاء أخيه:

فإن يك عبدالله خلَّى مكانه
فما كان وقافًا ولا طائش اليد
ولا برمًا إذا الرياح تناوحت
برطب العضاه والهشيم المعضد[17]

 

ويقول عربي جاهلي حينما سئل عن أبغض الرجال إليه:

"البرم اللئيم، المستخذي للخصيم، المبطان النهيم، العيس البكيم، الذي إن سئل منع، وإن هدد خضع، وإن طلب جشع"[18].

 

فالخمر كان لها دور قيادي في إثارة البشر على الجود والسخاء في مختلف المناسبات، لا سيما في الأوضاع الحرجة؛ كالجَدْب والسنين.

 

الخمر تضر بخلق المرء وخلقه:

وبجانب هذه الفائدة الكبرى للمجتمع العربي، فقد كانت الخمر - وما شابهها - توجه أنواعًا من الضرر الفادح إلى العرب ومجتمعهم، وكان العرب أنفسهم يعرفون هذه المضار خيرَ معرفة؛ ولذا كانوا يمنعون أقاربهم وأدانيهم من شربها، أو إدمانها؛ فمثلاً: النعمان بن ثواب العبدي يوصي ابنه سعدًا بهذا الشأن:

"يا بني، إن كثرة الشراب تفسد القلب، وتقلل الكسب، وتجد اللعب؛ فأبصر نديمك، واحمِ حريمَك، وأعِنْ غريمك"[19].

 

ويقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "ما الخمر صرفًا بأذهبَ للعقول من الطمع"[20].

 

ويصرح شاعر عربي عن أثر الخمر في العقول، معتبرًا إياها إثمًا:

شربت الإثمَ حتى ضلَّ عقلي
كذاك الإثمُ تَذهبُ بالعقولِ[21]

 

ومن ذهاب الخمر بعقول الناس ما يلي من قول المنخل اليشكري:

ولقد شربتُ من المدا
مة بالصغير وبالكبير
وشربت بالخيل الإنا
ث وبالمطهمة الذكور
فإذا سكرت فإنني
رب الخورنق والسدير
وإذا صحوت فإنني
رب الشويهة والبعير[22]

 

ويقول حسان بن ثابت الأنصاري:

ونشربها فتتركنا ملوكًا
وأسدًا ما ينهنهنا اللقاء[23]

أي: الخمر تذهب بعقل المرء؛ فلا يقدر المرء بعد شُربها على التمييز بين الصحيح والغلط.

 

ويقول عمرو بن كلثوم عما تفعل الخمر بالإنسان بعدما يذوقها:

تجور بذي اللبانة عن هواه
إذا ما ذاقها حتى يلينا[24]

أي: الخمر تَثْني صاحبَ الحاجة عن حاجته.

 

ويقول طَرَفة بن العبد في معلقته مشيرًا إلى تبذير ماله في هذا الأمر، ونفيه من قِبل أفراد أسرته:

وما زال تشرابي الخمور ولذتي
وبيعي وإنفاقي طريفي ومتلدي
إلى أن تحامتني العشيرةُ كلها
وأُفردتُ إفراد البعير المعبد[25]

 

فإنفاق المال فوق المستطاع مما لا يُسيغه العقل، ولا يصبر عليه الأهل والأقرباء، ويعود نفعه ضررًا على فاعله، ونظرًا لهذا الأمر قال زهير بن أبي سلمى يمدح حسن بن حذيفة بن بدر فيبرِّئه عن هذا العيب:

أخي ثقة لا تتلف الخمر ماله
ولكنه قد يهلك المال نائله
تراه، إذا ما جئته، متهلِّلاً
كأنك تعطيه الذي أنت سائله[26]

 

وبما أن الخمر تضرُّ بالعقل فتذهله، فعندما يشربها أحد يعرف بضنه بالمال، يجعله ينفق فقد جاء في المثل العربي السائر: "الخمر تعطي من البخيل"[27].

 

وبالجملة: فما تسببه الخمر باسم خير أو شر كله يعود شرًّا - ولو أنه يبدو خيرًا لوقت محدد - وهكذا، فهي مفتاح كل نوع من الشر، وعلى هذا، فيقول حكيم عرب الجاهلية أكثم بن صيفي: "الخمر مفتاح كل شر"[28]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((الخمر جماع الإثم))[29].

 

كيف عالج القرآن الكريم هذه القضية:

ولما رأى الله تعالى خوض العرب في هذه الآفة، منَعهم عنها، مشيرًا إلى كدورتها؛ فقال فيما يلي:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [المائدة: 90].

 

فأشار إلى أن الخمر مثل الميسر والنصب والزلم، وهي كلها رجس، ولا يرتكبه إلا من يتبع الشيطان، فمن يؤمن بالله فليجتنبه.

 

ومن ثمَّ أشار إلى كون الخمر سببًا لوجود العداوة والبغضاء في البشر، وهو شيء ذو خطورة في المجتمع البشري، فقال تعالى:

﴿ إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ ﴾ [المائدة: 91].

 

وقد أثبتت العلوم الجديدة هذه الحقيقة؛ فلما قرأها الدكتور كلينتون هردج بروفيسور علم الحياة في جامعة كولارك، قام بإعداد البحث عن هذه القضية، فأخذ أربعة كلاب، وقام بتجربتها، فأشربها الخمر، وبعد أيام جعلت الكلاب يخاصم بعضها بعضًا بأشد مما كانوا يتخاصمون، وبرزت فيها قساوة أشد من ذي قبل[30].

 

وذلك لأن شاربها يفقِد من ميزات البشر ما يقدر به على التمييز بين الصحيح والغلط، الحق والباطل؛ فيرتكب ما ينال من عزته، وربما من عزة الآخرين، وعلى هذا، فمنع القرآن المؤمنين أن يحضروا المصلَّى وهم سكارى؛ فقال ما يلي:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ ﴾ [النساء: 43].

وليس هذا فقط، بل قد قرنها بأنواع من النجاسة[31].

 

فبالرغم من قلة المنافع الخلقية وكثرة المضار الاجتماعية إذا سأل أحد عن اتخاذ الخمر وسيلة للإنفاق فهل يسمحه الله تعالى لها أم يمنعه عنها؟ الحق أنه تعالى يمنعه عنها مع الاعتراف إلى وجود بعض المنافع الموقتة، فيقول القرآن الكريم حينما سأل العربُ رسولهم العربي عن اتخاذ الخمر وما شابهها وسيلة للإنفاق:

﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ... ﴾ [البقرة: 219].

 

ففي هذه الآية استخدم القرآن كلمة تتطلب منا أن نتوقف لديها وقفة يسيرة، فنتفكر في استخدامها لدى العرب، وهي ستفيدنا في فهم معنى هذه الآية، ومن ثَمَّ في فهم الهدف الأصلي وراء نزول القرآن الكريم؛ فالكلمة التي تتطلب منا التفكُّر فيها هي "الإثم".

 

فالإثم: كلمة عربية لا تستخدم للضرر البدني، بل هي دائمًا تستخدم للضرر الخلقي؛ فيقول شاعر حماسي:

وأنت امرؤ إما ائتمنتك خاليًا
فخنت وإما قلت قولاً بلا علم
فأنت من الأمر الذي كان بيننا
بمنزلة بين الخيانة والإثم[32]

فعبر عن عدم الشهادة بالإثم، وهذه سيئة خلقية.

 

ويقول الله عز وجل:

﴿ فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [البقرة: 182].

 

فالجنَف يعني: التحيز، بينما الإثم يعني التغشم، وهذا يتعلق بالمعاملة، وكذا اعتَبَر كتمان الشهادة إثمًا؛ فقال:

﴿ وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 283].

 

وكذا عدَّ الإثم مضادَّ البر؛ فقال تعالى:

﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَاب ﴾ [المائدة: 2].

 

وهكذا اعتبر الشرك إثمًا عظيمًا؛ فقال جل جلاله:

﴿ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا ﴾ [النساء: 48].

 

ففي كافة الآيات اعتبر الإثم ما يضر بالأخلاق والمعاملات لا بالأبدان.

 

وعلى هذا فقد اعتبر الشاعر العربي الخمر إثمًا؛ لأنها تضر بالأخلاق أكثر مما تضر بالأبدان؛ فهو يقول:

شربت الإثمَ حتى ضلَّ عقلي
كذاك الإثم تذهب بالعقول[33]

 

وفي هذه المناسبة نشير إلى معنى كلمة "العفو"؛ لكي تتضح فلسفة الإنفاق في القرآن الكريم؛ فالعفو يعني: ما زاد على الحاجة، فقال زهير بن أبي سلمى يمدح هرم بن سنان المري:

هو الجواد الذي يعطيك نائله
عفوًا ويظلم أحيانًا فيظَّلِم
وإن أتاه خليلٌ يوم مسألة
يقول: لا غائبٌ مالي ولا حرم[34]

 

فالعفو هو المال الذي زاد على الحاجة؛ ولذا إذا ألحَّ السائل في الطلب، ولم يكن لديه ما يزيد على حاجته شعر بالسآمة من قِبل السائل، فيمنعه أو يدفعه، وهذا الذي يسميه ظلمًا، فسؤاله ظلم على المعطي، كما أن دفع المعطي ظلم على السائل، إلا أنه لا يبخل بما في يديه في أيام الشتاء حينما يعم البؤس؛ ولذا سُمِّي في البيت الثاني بـ: "يوم مسألة"، فآنذاك يحل كل ما يمتلكه من غثٍّ أو ثمين لصاحب حاجة، و"الخليل" هنا يعني "صاحب خلة"؛ أي: فقر.

 

وبالجملة فبدا من هذه الدراسة الوجيزة:

1- أن القرآن لا يسمح لإنسان أن يشرب الخمر ولو لحسنة يريدها؛ كالإنفاق في أيام السنين.

 

2- وأنه يرجح المنافع على المضار؛ فكل ما ضرره أكثر من نفعه حرامٌ استخدامه.

 

3- وأن محاسن الأخلاق هي التي يستهدفها القرآن في آياته، وبناءً على هذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في ذاته: إنه بعث كمعلم للأخلاق.

 

4- وإن ما يروج فينا هذه الأيام من عقد مجالس الرقص وما شابهها لجمع التبرعات للمعانين من البلايا السماوية ليس بصحيح.

 

5- وأن الإنفاق يكون مما زاد على الحاجة، لا كل ما يمتلكه الإنسان.

 

المصادر والمراجع:

♦ القرآن الكريم.

♦ أبو الفضل أحمد بن محمد النيسافوري الميداني: مجمع الأمثال، منشورات دار مكتبة الحياة، بيروت، 1961م.

♦ أبو تمام: ديوان الحماسة (شرح العلامة التبريزي)، تفاصيل المطبع لم تذكر.

♦ أحمد زكي صفوت: جمهرة خطب العرب في عصور العربية الزاهرة، المكتبة العلمية، بيروت، 1933م.

♦ بهجة عبدالغفور الحديثي: أمية بن أبي الصلت، حياته وشعره، دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد، 1991م.

♦ ديوان دريد بن الصِّمَّة (جمع وتحقيق: محمد خير البقاعي)، دار قتيبة، دمشق، 1401ه.

♦ ديوان زهير بن أبي سلمى، دار بيروت للطباعة والنشر، 1979م.

♦ ديوان سيدنا حسان بن ثابت الأنصاري، مطبعة الإمام بشارع مسجد البنات بمصر، 1321ه.

♦ ديوان مجنون ليلى (شرح الدكتور يوسف فرحات)، دار الكتاب العربي، 1993م.

♦ شعر عمرو بن معديكرب الزبيدي (مطاع الطرابيشي)، مجمع اللغة العربية بدمشق، دمشق، 1974م.

♦ عبدالخالق الشهير بابن الخواجة: مختارات شعراء العرب، المطبعة العامرة بشارع المغربلين، 1360ه.

♦ العلامة التبريزي: شرح القصائد العشر، دار الكتب العلمية، بيروت، 1985م.

♦ علي بن سلطان محمد القاري: مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح، دار الفكر، 2002م.

♦ عمر الدسوقي: النابغة الذبياني، دار الفكر العربي، 1975م.

♦ كتاب شتى: المنجد في اللغة، دار المشرق، بيروت، 1973م.

♦ مجلة "الهلال" الأسبوعية الصادرة عن كولكاتا، وقد صدرت طبعتها الجديدة من أكاديمية أوترابراديش الأردوية في لكناؤ في 1988م.



[1] المنجد، مادة: ت،ج، ر.

[2] شرح القصائد العشر، ص: 254 - 256.

[3] المصدر نفسه، ص: 98.

[4] المصدر نفسه والصفحة ذاتها.

[5] المصدر نفسه، ص: 99 - 101.

[6] ديوان سيدنا حسان بن ثابت الأنصاري، ص: 15.

[7] المصدر نفسه، ص: 28.

[8] المصدر نفسه، ص: 36.

[9] ديوان مختارات شعراء العرب، ص: 29.

[10] ديوان زهير بن أبي سلمى، ص: 23.

[11] المصدر نفسه، ص: 62.

[12] أمية بن أبي الصلت حياته وشعره، ص: 165.

[13] ديوان الحماسة، 2/ 271.

[14] القصائد العشر، ص: 234.

[15] ديوان مجنون ليلى، ص: 76.

[16] ديوان الحماسة، 1/ 131.

[17] ديوان دريد بن الصمة، ص: 274.

[18] جمهرة خطب العرب، 1/ 21.

[19] المصدر نفسه، 1/ 127.

[20] المصدر نفسه، 1/ 446.

[21] لم أجد اسم قائله ولا مصدره، ولقد ضبطته على تفسير "تدبر قرآن" حينما كنت طالبًا.

[22] النابغة الذبياني، ص: 177.

[23] ديوان سيدنا حسان بن ثابت الأنصاري، ص: 9.

[24] شرح القصائد العشر، ص: 255.

[25] شرح القصائد العشر، ص: 101 - 102.

[26] ديوان زهير بن أبي سلمى، ص: 68.

[27] مجمع الأمثال، 1/ 342.

[28] جمهرة خطب العرب، 1/ 137.

[29] مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح، رقم الحديث: 5212.

[30] مجلة "الهلال" الأسبوعية، 3/ 239.

[31] السورة نفسها: ما بعد الآية.

[32] ديوان الحماسة، 2/ 15.

[33] تفسير تدبر قرآن، 1/ 515.

[34] ديوان زهير بن أبي سلمى، ص: 91.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • مضار الخمر والتحذير منه
  • لماذا حرمت الخمرة؟
  • التدرج في تحريم الخمر
  • لا تشرب الخمر فإنها مفتاح كل شر

مختارات من الشبكة

  • اليوم خمر وغدا خمر!(مقالة - آفاق الشريعة)
  • شرح حديث: سئل عن الخمر تتخذ خلا(مقالة - موقع الشيخ عبد القادر شيبة الحمد)
  • حديث: أيها الناس، إنه نزل تحريم الخمر وهي من خمسة: من العنب، والتمر، والعسل(مقالة - موقع الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك)
  • زوجي يهددني بالطلاق إذا ذهبت إلى أهلي(استشارة - الاستشارات)
  • حد المسكر في الإسلام(مقالة - موقع الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك)
  • رسالة في بيان حد شارب الخمر لابن كمال باشا(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الخمر.. آفة المجتمعات اليوم(مقالة - آفاق الشريعة)
  • علامات الساعة الصغرى: استحلال الخمر(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الأربعون حديثا في تحريم وخطر الخمر والمخدرات (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • الخمر والميسر نظرة دينية اقتصادية(مقالة - آفاق الشريعة)

 


تعليقات الزوار
1- مشاركة
أبو عمر الرياض 26-03-2015 10:58 PM

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((الخمر جماع الإثم)). مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح، رقم الحديث: 5212.
قال أبو عمر -عفا الله عنه-:العزو لمشكاة المصابيح، أو أحد شروحها، لا يفيد شيئاً؛ لأن العزو فائدته معرفة من روى الحديث، أو ذكره، ولو رجعنا إلى مشكاة المصابيح، نجده قال عن هذا الحديث:"ذكره رزين". أي في كتابه :"تجريد الصحاح". قال الإمام الألباني في "الضعيفة"(1/ 373):"فاعلم أن كتاب رزين هذا جمع فيه بين الأصول الستة: " الصحيحين " و" موطأ مالك " و" سنن أبي داود " والنسائي والترمذي، على نمط كتاب ابن الأثير المسمى " جامع الأصول من أحاديث الرسول " إلا أن في كتاب " التجريد " أحاديث كثيرة لا أصل لها في شيء من هذه الأصول كما يعلم مما ينقله العلماء عنه مثل المنذري في "الترغيب والترهيب"".
وقال أيضاً في "غاية المرام"(ص/209):"ورزين معروف بالاغراب في الزيادات والروايات".
والذي يظهر أن هذا الحديث لا أصل له مرفوعاً عن حذيفة رضي الله عنه، فقد قال الحافظ المنذري في "الترغيب والترهيب" (3751):"وعن حذيفة رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الخمر جماع الإثم والنساء حبائل الشيطان وحب الدنيا رأس كل خطيئة.ذكره رزين ولم أره في شيء من أصوله".وقال العجلوني في "كشف الخفاء" (1/ 439-440):"قال المنذري: ولم أره في شيء من أصوله عن حذيفة".
وقال الألباني في "ضعيف الترغيب والترهيب" (1414) :"ضعيف".

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب