تحقيق تخريج مسألة (لا يفرق بين مجتمع ولا يجمع بين متفرق في الصدقة)

تحقيق تخريج مسألة

( لا يفرق بين مجتمع، ولا يجمع بين متفرق )

قال ابن أبي حاتم في كتاب العلل: وسألت أبي عن حديث رواه مروان الطاطري، عن ابن لهيعة، قال: كتب إلي يحيى بن سعيد يذكر عن السائب بن يزيد أنه سمع سعد بن أبي وقاص يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " لا يفرق بين مجتمع، ولا يجمع بين متفرق[1] في الصدقة. والخليطان: ما اجتمع على الفحل والراعي والحوض[2] ".

قال أبي: هذا حديث باطل عندي، ولا أعلم أحدًا رواه غير ابن لهيعة.

قال أبي: ويروى هذا[3] من كلام سعد فقط.

رجال الإسناد:

• مروان بن محمد بن حسان الأسدي الطَّاطَري الدمشقي (ت 210).

قال البخاري: وإنما قيل الطاطري لثياب نسب إليها. وهو ثقة متفق علي توثيقه.

ولكن ابن حزم ضعفه. وتعقبه الحافظ ابن حجر في التهذيب، فقال: ضعفه أبو محمد بن حزم فأخطأ، ولا نعلم له سلفًا في تضعيفه، إلا ابن قانع، قول ابن قانع غير مقنع.

تهذيب الكمال 27/ 398، التهذيب 10/ 95، التقريب (6573).

• ابن لهيعة: عبدالله، ضعيف، تقدمت ترجمته في المسألة رقم: 506.

• يحيى بن سعيد، هو الأنصاري، ثقة ثبت، تقدمت ترجمته في المسألة رقم 568.

• السائب بن يزيد الكندي، صحابي، تقدمت ترجمته في المسألة رقم 612.

• سعد بن أبي وقاص، صحابي جليل، تقدمت ترجمته في المسألة رقم 537.

تخريج الحديث:

روى يحيى بن سعيد هذا الحديث، واختلف عليه:

1- فرواه ابن لهيعة، عن يحيى بن سعيد، عن السائب، قال: صحبت سعد بن أبي وقاص زمانًا، فما سمعته يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا حديثًا واحدًا، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يفرق بين مجتمع، ولا يجمع بين متفرق في الصدقة...الحديث.

2- ورواه الليث بن سعد وغيره، عن يحيى، قال: " لا يفرق بين مجتمع.... ".

3- ورواه حماد بن زيد، وسليمان بن بلال، والليث بن سعد، عن يحيى، عن السائب قال صحبت سعدًا من المدينة إلى مكة، فما سمعته يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم بحديث واحد. وفي رواية: إلا حديثًا واحدًا.

وفيما يلي تفصيل ما تقدم:

أولًا: رواه ابن لهيعة، عن يحيى، عن السائب، عن سعد بن أبي وقاص، مرفوعًا:

أخرجه الدارقطني في السنن 2/ 104، رقم 1- ومن طريقه ابن الجوزي في التحقيق 2/ 29، رقم 942 -، ورواه ابن عدي في الكامل 4/ 1467، والخطيب في الفصل للوصل المدرج في النقل 1/ 338، رقم 31. من طريق الوليد بن مسلم.

والبيهقي في الكبرى 4/ 106، وفي الخلافيات (2 ق 119/ أ)، وأبو عبيد في الأموال (ص400)، رقم 1060، وفي (ص 402)، رقم 1067 - ومن طريقه الشاشي في مسنده 1/ 125، رقم 62، وابن حزم في المحلى 6/ 56، 55، والخطيب في الفصل للوصل المدرج في النقل 1/ 339، رقم 31 ـ، ورواه ابن زنجويه في الأموال 2/ 863، رقم 1522، وفي 2/ 866، رقم 1529، والخطيب في الفصل للوصل المدرج في النقل من طريق آخر 1/ 338، رقم 31. من طريق أبي الأسود.

وابن عدي في الكامل 4/ 1467، من طريق يحيى بن عبدالله بن بكير.

وذكره المصنف في هذه المسألة من رواية مروان الطاطري.

كلهم عن ابن لهيعة، عن يحيى بن سعيد، عن السائب، قال: صحبت سعد بن أبي وقاص زمانًا، فما سمعته يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا حديثًا واحدًا، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يفرق بين مجتمع، ولا يجمع بين متفرق في الصدقة... " الحديث.

ووقع في رواية أبي الأسود عند أبي عبيد، وابن زنجويه: عن ابن لهيعة، قال: كتب إلي يحيى بن سعيد، أنه سمع السائب... الخ.

وقال أبو عبيد: قال أبو الأسود: وكل شيء حدث به ابن لهيعة عن يحيى فإنما هو كتاب كتب به إليه.

وقال ابن عدي: وهذا الحديث بهذا الإسناد لا أعلم يرويه عن يحي بن سعيد غير ابن لهيعة.

وقال ابن حزم: هذا لا يصح؛ لأنه عن ابن لهيعة.

وقال الخطيب في الفصل 1/ 340: ومتنه لا يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما هو من كلام يحيى بن سعيد.

وأخرج العقيلي في الضعفاء 2/ 295 - ومن طريقه الخطيب في الفصل للوصل المدرج في النقل 1/ 340 - من طريق سعيد بن أبي مريم، قال: لم يسمع ابن لهيعة من يحيى بن سعيد شيئًا، ولكن كتب إليه يحيى، وكان فيما كتب إليه يحيى هذا الحديث، يعني حديث السائب بن يزيد بن أخت نمر: صحبت سعد بن أبي وقاص كذا وكذا سنة.

فلم أسمعه يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا حديثًا واحدًا، وكتب في عقبه على أثره: لا يفرق بين مجتمع، ولا يجمع بين متفرق في الصدقة، فظن ابن لهيعة أنه من حديث سعد، وأنه يعني بقوله: إلا حديثًا واحدًا: لا يفرق بين مجتمع ولا يجمع بين متفرق، وإنما كان هذا كلام مبتدأ من المسائل التي كتب بها إليه. انتهى.

ونقل هذا النص عن ابن أبي مريم ابن حجر في التلخيص 2/ 164، والسيوطي في المدرج ص 24، رقم 12.

وأخرج الخطيب في الفصل للوصل المدرج في النقل 1/ 341، 342، من طريق ابن معين قال: الحديث الذي حدث به ابن لهيعة عن يحيى بن سعيد عن السائب بن يزيد، صحبت طلحة بن عبيد الله وسعدًا، فلم أسمعهم يحدثون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقالوا: عن النبي صلى الله عليه وسلم: " لا يفرق بين مجتمع ". قال أبو زكريا - يعني ابن معين -: هذا باطل، إنما هذا من قول يحيى بن سعيد: لا يفرق بين مجتمع ولا يجمع بين متفرق. كذا حدث به ليث بن سعد وغيره. انتهى.

قلت: ويوضح هذا ما سيأتي من رواية حماد بن زيد، وسليمان بن بلال، والليث، حيث رووه عن يحيى، عن السائب، عن سعد، ولم يذكروا فيه متن الحديث المرفوع.

2- ورواه الليث بن سعد وغيره، عن يحيى بن سعيد، من قوله:

أخرجه أبو عبيد في الأموال (ص 402)، رقم 1068 - ومن طريقه ابن زنجويه في الأموال 2/ 866، رقم 1530، والخطيب في الفصل 1/ 343 -، عن عبدالله بن صالح.

وسحنون في المدونة 1/ 334، من طريق ابن وهب.

كلاهما عن الليث، به.

وقال أبو عبيد: ولم يسنده الليث:

وتقدم النقل عن ابن معين أنه قال: رواه الليث وغيره. (أي على هذا الوجه).

وقال الخطيب في الفصل للوصل 1/ 342: وروى الليث بن سعد الحديث عن يحيى بن سعيد في الخليطين مثل رواية ابن لهيعة، غير أن الليث جعله من قول يحيى بن سعيد.

3- ورواه حماد بن زيد، والليث بن سعد، وسليمان بن بلال، عن يحيى، عن السائب قال صحبت سعدًا، ولم يذكروا متن الحديث:

أخرجه ابن ماجه 1/ 12، في المقدمة، رقم 29، والدارمي 1/ 73، رقم 284، وابن المبارك في مسنده (ص 143)، رقم 230، والدورقي في مسند سعد (ص 220)، رقم 134، وابن سعد في الطبقات 3/ 144، والعقيلي في الضعفاء 2/ 296، والفريابي في الفوائد (المطبوع مع كتاب الصيام له ص 159)، رقم 36، والخطيب في الفصل للوصل 1/ 343. من طرق عن حماد بن زيد.

والحاكم 3/ 497، وآدم بن أبي إياس في كتاب العلم - كما في النكت الظراف 3/ 284 - من طريق الليث.

والخطيب في الفصل للوصل المدرج في النقل 1/ 342، من طريق سليمان بن بلال.

كلهم عن يحيى بن سعيد، به نحوه.

إلا أنه وقع في رواية حماد بن زيد: صحبت سعد بن أبي وقاص كذا وكذا سنة، فلم أسمعة يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثًا واحدًا. وفي بعضها: حتى رجع.

وفي رواية سليمان، والليث: صحبت سعد بن أبي وقاص كذا وكذا سنة، فلم أسمعه يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا حديثًا واحدًا.

قلت: حماد، والليث: ثقتان ثبتان. وسليمان: ثقة (التقريب 1498، 5684، 2539).

وذكر هذا الوجه عن الليث الدارقطني في العلل 4/ 377، إلا أنه قال: وروى الليث عن يحيى بن سعيد، أنه بلغه عن السائب... الخ.

النظر في المسألة:

مما تقدم يتضح أنه اختلف على يحيى بن سعيد في هذا الحديث:

1- فرواه ابن لهيعة، عن يحيى بن سعيد، عن السائب، قال: صحبت سعد بن أبي وقاص زمانًا، فما سمعته يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا حديثًا واحدًا، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يفرق بين مجتمع، ولا يجمع بين متفرق في الصدقة... " الحديث.

2- ورواه الليث بن سعد وغيره، عن يحيى، قال: " لا يفرق بين مجتمع.... ".

3- ورواه حماد بن زيد، وسليمان بن بلال، والليث بن سعد، عن يحيى، عن السائب قال: صحبت سعدًا من المدينة إلى مكة، ولم يذكر متن الحديث.

ولعل الوجهين الثاني والثالث محفوظان، إذ إن رواتهما ثقات، ولا تعارض بين الوجهين.

أما الوجه الأول فهو من رواية ابن لهيعة، وهو ضعيف كما تقدم، والذي يظهر أنه جمع بين الوجهين فجعلهما وجهًا واحدًا، وذلك أن يحيى بن سعيد كتب إليه بكتاب، وذكر فيه الوجه الثالث، ثم ابتدأ كلامًا جديدًا، فقال: " لا يجمع بين متفرق... "، فظن ابن لهيعة أنه كلام متصل، فحدث به على أنه من كلام النبي صلى الله عليه وسلم.

وهذا ما نص عليه سعيد بن أبي مريم كما تقدم النقل عنه.

ومنه يتضح صحة ما ذهب إليه أبو حاتم من أن هذا الحديث من رواية ابن لهيعة باطل.

إلا أنه قال: ويروى هذا من كلام سعد فقط.

ولكني لم أقف عليه من كلام سعد، ووقفت عليه من قول يحيى، والله أعلم.

والحديث من الوجه الثاني مقطوع؛ لأنه من قول يحيى.

ولكن ورد له شواهد مرفوعة صحيحة، منها ما أخرجه البخاري 3/ 368 (مع الفتح)، كتاب الزكاة، باب لا يجمع بين متفرق ولا يفرق بين مجتمع، رقم 1450، وغيره من حديث أنس عن أبي بكر، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا يجمع بين متفرق، ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة "، والله أعلم.