• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    خطبة عيد الأضحى المبارك: لزوم الإيمان في الشدائد
    الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل
  •  
    خطبة عيد الأضحى 1446هـ
    الشيخ محمد بن إبراهيم السبر
  •  
    دروس وأسرار من دعاء سيد الاستغفار
    د. محمد أحمد صبري النبتيتي
  •  
    تفسير قوله تعالى: { وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق ...
    سعيد مصطفى دياب
  •  
    حكم الأضحية
    عبد رب الصالحين أبو ضيف العتموني
  •  
    خطبة حجة الوداع والدروس المستفادة منها (خطبة)
    مطيع الظفاري
  •  
    خطبة عيد الأضحى 1446
    د. عطية بن عبدالله الباحوث
  •  
    خطبة عيد الأضحى المبارك (الإخلاص طريق الخلاص)
    السيد مراد سلامة
  •  
    خطبة عيد الأضحى 1446هـ
    أحمد بن عبدالله الحزيمي
  •  
    خطبة عيد الأضحى 1446 هـ
    د. محمد بن مجدوع الشهري
  •  
    فضل يوم النحر
    محمد أنور محمد مرسال
  •  
    تخريج حديث: إذا أتى أحدكم البراز فلينزه قبلة ...
    الشيخ محمد طه شعبان
  •  
    تحفة الرفيق بفضائل وأحكام أيام التشريق (خطبة)
    السيد مراد سلامة
  •  
    من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: (العزيز، ...
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
  •  
    {إن أكرمكم عند الله أتقاكم}: فوائد وعظات
    د. محمد أحمد صبري النبتيتي
  •  
    إمساك المضحي عن الأخذ من الشعر والظفر في عشر ذي ...
    د. عبدالله بن يوسف الأحمد
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / عقيدة وتوحيد
علامة باركود

الإيمان بالبعث والنشور

الإيمان بالبعث والنشور
علي محمد سلمان العبيدي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 15/3/2015 ميلادي - 25/5/1436 هجري

الزيارات: 87324

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الإيمان بالبعث والنشور

 

يجب علينا الإيمانُ بالبعث، الذي هو يوم القيامة، وأن الله سيَبعث مَن في القبور ويسُوقهم إلى المحشَر للعرض الأكبر، والحساب والجزاء.

 

اعلَمْ أن وقوع البعث مِن القبور قد دلَّ عليه الكتاب والسنة، والعقل، والفطرة السليمة؛ أخبر الله عنه في كتابه العزيز، وأقام عليه الدليل، وردَّ على منكِرِيه في آيات كثيرة من القرآن العظيم، وقد أخبرت عنه جميعُ الأنبياء أمَمَها، وطالبت المنكرين بالإيمان به، ولما كان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء، وكان قد بُعث هو والساعة كهاتين - بيَّن تفصيل الآخرة تفصيلاً لا يوجد في شيء من كتب الأنبياء قبله.

 

والقيامة الكبرى معروفة عند جميع الأنبياء، من آدم إلى نوح، إلى إبراهيم وموسى وعيسى وغيرهم، عليهم الصلاة والسلام.

 

وقد أخبر الله من حين أهبَط آدم بالقيامة، فقال تعالى: ﴿ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ ﴾ [البقرة: 36]، وقال: ﴿ قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ ﴾ [الأعراف: 25]، ولما قال إبليس اللعين: ﴿ قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ * إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ ﴾ [الحجر: 36 - 38].

 

وقال نوحٌ عليه السلام لقومه: ﴿ وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا * ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا ﴾ [نوح: 17، 18].

 

وقال إبراهيم عليه السلام: ﴿ وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ ﴾ [الشعراء: 82].

 

وموسى عليه السلام قال الله له: ﴿ إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى * فَلَا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى ﴾ [طه: 15، 16].

 

وقال موسى في دعائه: ﴿ وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ ﴾ [الأعراف: 156].

 

وقد أخبَر الله أن الكفار إذا أُدخِلوا النار يُقرُّون أن رسلهم أنذرتْهم هذا اليوم؛ كما في قوله تعالى: ﴿ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ ﴾ [الزمر: 71].

 

فجميع الرُّسل أنذَروا بما أنذر به خاتَمُهم، عليهم جميعًا صلوات الله وسلامه.

 

وقد أخبَر الله تعالى أن الموتى يقومون من قبورهم إذا نفخ في الصور النفخة الثالثة؛ قال تعالى: ﴿ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ ﴾ [الزمر: 68]، وقال تعالى: ﴿ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ ﴾ [يس: 51].

 

﴿ وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ بَلَى وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ * لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كَانُوا كَاذِبِينَ * إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴾ [النحل: 38 - 40].

 

يقول تعالى مخبِرًا عن المشركين: إنهم حلفوا فأقسَموا ﴿ بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ ﴾؛ أي: اجتهَدوا في الحلِف، وغلَّظوا الأيمان على أنه ﴿ لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ ﴾؛ أي: استبعَدوا ذلك، فكذَّبوا الرُّسل في إخبارهم لهم بذلك، وحلفوا على نقيضه، فقال تعالى مكذِّبًا لهم وردًّا عليهم: ﴿ بَلَى ﴾؛ أي: بلى سيكون ذلك، ﴿ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا ﴾؛ أي: لا بد منه، ﴿ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾؛ أي: فلجهلهم يخالفون الرُّسل ويقَعون في الكفر.

 

ثم ذكر تعالى حكمته في المعاد، وقيام الأجساد يوم التناد، فقال: ﴿ لِيُبَيِّنَ لَهُمُ ﴾؛ أي: للناس ﴿ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ ﴾؛ أي: مِن كل شيء، و﴿ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاؤُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى ﴾ [النجم: 31]، ﴿ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كَانُوا كَاذِبِينَ ﴾؛ أي: في أيمانِهم وأقسامهم: لا يبعث اللهُ من يموت؛ ولهذا يُدَعُّون يوم القيامة إلى نارِ جهنمَ دعًّا، وتقول لهم الزَّبانية: ﴿ هَذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ * أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لَا تُبْصِرُونَ * اصْلَوْهَا فَاصْبِرُوا أَوْ لَا تَصْبِرُوا سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [الطور: 14 - 16].

 

ثم أخبَر تعالى عن قدرته على ما يشاء، وأنه لا يُعجِزه شيء في الأرض ولا في السماء، وإنما أمره إذا أراد شيئًا أن يقول له: كُنْ، فيكون، والمعاد من ذلك إذا أراد كونه، فإنما يأمر به مرة واحدة، فيكون كما يشاء؛ كما قال: ﴿ وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ ﴾ [القمر: 50]، وقال: ﴿ مَا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ ﴾ [لقمان: 28]، وقال في هذه الآية الكريمة: ﴿ إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴾ [النحل: 40]؛ أي: أن يأمرَ به دفعةً واحدة، فإذا هو كائن؛ كما قال الشاعر:

إذا ما أراد الله أمرًا فإنما
يقول له: كُنْ، قولة فيكونُ

 

أي: إنه تعالى لا يحتاج إلى تأكيدٍ فيما يأمر به؛ فإنه تعالى لا يُمانَع ولا يخالَف؛ لأنه هو الواحد القهار العظيم، الذي قهر سلطانُه وجبروته وعزته كلَّ شيء؛ فلا إله إلا هو، ولا ربَّ سواه.

 

وقال ابن أبي حاتم: ذكر الحسن بن محمد بن الصباح، حدثنا حجاج، عن ابن جريج، أخبرني عطاء: أنه سمع أبا هريرة يقول: قال الله تعالى: ((سبني ابنُ آدم ولم يكن ينبغي له أن يسُبَّني، وكذَّبني ولم يكن ينبغي له أن يكذبني، فأما تكذيبه إياي، فقال: ﴿ وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ ﴾ [النحل: 38]، قال: وقلت: ﴿ بَلَى وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [النحل: 38]، وأما سبُّه إياي فقال: ﴿ إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ ﴾ [المائدة: 73]، وقلت: ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ ﴾ [الإخلاص: 1 - 4])).

 

وأخرج الشيخان من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: ((ينزل من السماء ماء، فينبتون كما ينبت البقل، وليس من الإنسان شيء إلا يَبْلى، إلا عُظَيمٌ واحد، وهو عَجْبُ الذَّنَبِ، منه يركب الخَلْق يوم القيامة))، وفي روايات مسلم: ((إن في الإنسان عَظْمًا لا تأكله الأرض أبدًا، منه يُركَّب الخَلْق يوم القيامة))، قالوا: أيُّ عَظْمٍ هو يا رسول الله؟ قال: ((عَجْبُ الذَّنَبِ)).

 

قال العلماء: وعجب الذنب هو العظم الحديد الذي يكون في أسفل الصُّلب.

 

وقد جاء في الحديث أنه مِثل حبة الخردل، منه ينبت جسمُ الإنسان.

 

وقد استبعد المشركون إعادةَ الناس في حياة أخرى بعد الموت، فأنكَروا البعث والنُّشور.

 

فأمر الله نبيَّه أن يُقسِم به على وقوعه، وأنه كائن لا محالة، فقال تعالى: ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ الْغَيْبِ ﴾ [سبأ: 3]، وقال تعالى: ﴿ وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ ﴾ [يونس: 53]، وقال تعالى: ﴿ زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ﴾ [التغابن: 7].

 

وأخبر عن اقترابِ ذلك، فقال: ﴿ اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ ﴾ [القمر: 1]، ﴿ اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ ﴾ [الأنبياء: 1].

 

وذمَّ المكذِّبين بالبعث، فقال: ﴿ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ ﴾ [يونس: 45]، ﴿ أَلَا إِنَّ الَّذِينَ يُمَارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ ﴾ [الشورى: 18]، ﴿ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا * ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا وَقَالُوا أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا * أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلًا لَا رَيْبَ فِيهِ فَأَبَى الظَّالِمُونَ إِلَّا كُفُورًا ﴾ [الإسراء: 97 - 99]، وقال: ﴿ وَقَالُوا أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا ﴾ [الإسراء: 49]، فردَّ الله عليهم بقوله: ﴿ قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا * أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنَا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُوسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا * يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا ﴾ [الإسراء: 50 - 52].

 

قال في شرح الطحاوية على هذه الآيات الكريمة: فتأمَّل ما أجيبوا به عن كل سؤال على التفصيل؛ فإنهم قالوا أولاً: ﴿ أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا ﴾ [الإسراء: 49]؟! فقيل لهم في جواب هذا السؤال: إن كنتم تزعمون أنه لا خالقَ لكم ولا ربَّ لكم، فهلاَّ كنتم خَلقًا لا يُفنيه الموت؛ كالحجارة والحديد، وما هو أكبر في صدوركم من ذلك! فإن قلتم: كنا خلقنا على هذه الصفة التي لا تقبل البقاءَ، فما الذي يحول بين خالقكم ومُنشئِكم وبين إعادتكم خَلقًا جديدًا؟! وللحجة تقدير آخر هو: لو كنتم حجارة أو حديدًا أو خَلقًا أكبرَ منهما، فإنه قادر على أن يفنيَكم ويُحِيلَ ذواتِكم وينقُلَها من حال إلى حال، ومن يقدر على التصرف في هذه الأجسام مع شدتها وصلابتها بالإفناء والإحالة، فما الذي يُعجِزه فيما دونها؟! ثم أخبر أنهم يسألون سؤالاً آخر بقوله: ﴿ مَنْ يُعِيدُنَا ﴾ إذا فَنِيَت جسومنا واستحالت؟! فأجابهم بقوله: ﴿ قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ ﴾، فلما أخذتهم الحجَّة، انتقلوا إلى سؤال آخر يتعلَّلون به تعلُّل المنقطع، وهو قولهم: ﴿ مَتَى هُوَ ﴾؟! فأجابهم بقوله: ﴿ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا ﴾.

 

وأما الإيمان بما يكون يوم القيامة، فقد قال الإمام السفاريني: واعلم أن ليومِ الوقوف أهوالاً عظيمة، وشدائدَ جسيمة، تُذيب الأكباد، وتذهل المراضع، وتشيب الأولاد، وهو حق ثابت، ورَد به الكتاب والسنَّة، وانعقد عليه الإجماع، وهو يوم القيامة.

 

وقد اختلف في تسمية ذلك اليوم بـ: يوم القيامة:

قيل: لكون الناس يقومون من قبورهم؛ قال تعالى: ﴿ يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعًا ﴾ [المعارج: 43]، وقيل: لوجود أمور المحشر والوقوف ونحوها فيه، وقيل: لقيام الناس لربِّ العالَمين؛ كما روى مسلمٌ في صحيحه عن ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعًا: ﴿ يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [المطففين: 6]، قال: يقوم أحدُهم في رشحه إلى نصفِ أُذنيه.

 

إلى أن قال: وروى الإمامُ أحمد وأبو يعلى وابن حبان في صحيحه عن أبي سعيدٍ الخدريِّ رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنه قال: ﴿ يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ ﴾ [المعارج: 4]، فقيل: ما أطولَ هذا اليومَ! فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: ((والذي نفسي بيده، إنه ليُخفَّف على المؤمن، حتى يكون عليه أخفَّ من صلاةٍ مكتوبة)).

 

وقيل: إنما سمي يومَ القيامة لقيام الملائكة والرُّوح فيه صفًّا؛ قال تعالى: ﴿ يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا ﴾ [النبأ: 38].

 

إلى أن قال: وأخرج الشيخانِ عن أبي هريرةَ رضي الله عنه مرفوعًا: ((يعرَقُ الناس يوم القيامة، حتى يذهب عرقُهم في الأرض سبعين ذراعًا، ويُلجِمهم حتى يبلُغَ آذانهم))، وفي بعض ألفاظ الصحيح: ((سبعين عامًا)).

 

فأخرج مسلمٌ عن المِقداد رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إذا كان يوم القيامة أُدنِيَت الشمسُ من العباد، حتى تكونَ قدرَ مِيل أو مِيلين))، قال: ((فتصهَرُهم الشمسُ، فيكونون في العرَق كقدرِ أعمالهم، منهم من يأخذه إلى عَقِبَيه، ومنهم من يأخذه إلى حِقْوَيه، ومنهم من يُلجِمُه إلجامًا)).

 

قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ ﴾ [الحج: 1، 2].

 

قال تعالى: ﴿ وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ * يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ * وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾ [غافر: 18 - 20].

 

كما قال تعالى: ﴿ أَزِفَتِ الْآزِفَةُ * لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ ﴾ [النجم: 57، 58].

 

وقال: ﴿ اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ ﴾ [القمر: 1]، وقال: ﴿ اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ ﴾ [الأنبياء: 1]، وقال: ﴿ أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ ﴾ [النحل: 1]، وقال: ﴿ فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَقِيلَ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ ﴾ [الملك: 27].

 

وقال تعالى: ﴿ رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ * لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ [النور: 37، 38].

 

وقوله: ﴿ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ ﴾؛ أي: يومَ القيامة الذي تتقلَّبُ فيه القلوبُ والأبصار؛ أي: من شدَّةِ الفزع، وعظَمة الأهوال.

 

وقال تعالى: ﴿ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ ﴾ [إبراهيم: 42]، وقال تعالى: ﴿ وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا * إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا * فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا * وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا ﴾ [الإنسان: 8 - 12].

 

عن ابن عباس: ﴿ عَبُوسًا ﴾: ضيِّقًا، ﴿ قَمْطَرِيرًا ﴾: طويلاً.

 

﴿ وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا ﴾ [الحج: 7]؛ أي: كائنة لا شكَّ فيها ولا مِرية، ﴿ وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ ﴾ [الحج: 7]؛ أي: يُعيدهم بعد ما صاروا في قبورهم رمَمًا، ويُوجِدهم بعد العدم؛ كما قال تعالى: ﴿ وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ * الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ ﴾ [يس: 78 - 80].

 

وقال تعالى: ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِ الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [فصلت: 39].

 

فقال تعالى: ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [الأعراف: 187].

 

وكانوا يسألون عن وقت الساعة؛ استبعادًا لوقوعها، وتكذيبًا بوجودها؛ كما قال تعالى: ﴿ وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾ [الأنبياء: 38]، وقال تعالى: ﴿ يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِهَا وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ أَلَا إِنَّ الَّذِينَ يُمَارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ ﴾ [الشورى: 18].

 

وقوله: ﴿ أَيَّانَ مُرْسَاهَا ﴾ قال عليُّ بن أبي طلحة، عن ابن عباس: "منتهاها"؛ أي: متى مَحطُّها؟ وأيان آخر مدة الدنيا، الذي هو أولُ وقت الساعة؟

 

﴿ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ﴾: أمَر تعالى نبيَّه صلى الله عليه وسلم إذا سُئِل عن وقت الساعة، أن يردَّ عِلمها إلى الله تعالى؛ فإنه هو الذي يجلِّيها لوقتها؛ أي: يعلَمُ جليَّة أمرها، ومتى يكون على التحديد؛ أي لا يعلمُ ذلك أحدٌ إلا هو تعالى؛ ولهذا قال: ﴿ ثَقُلَتْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾.

 

قال عبدالرزَّاق، عن معمَر، عن قتادة في قوله: ﴿ ثَقُلَتْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾، قال: ثقل علمُها على أهل السموات والأرض أنهم لا يعلمون، قال معمَر: قال الحسن: إذا جاءت، ثقُلت على أهل السموات والأرض، يقول: كبُرت عليهم، وقال الضحاك، عن ابن عباس في قوله: ﴿ ثَقُلَتْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾ قال: ليس شيء من الخَلْق إلا يصيبه من ضررِ يوم القيامة.

 

وقال ابن جُرَيج: ﴿ ثَقُلَتْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾، قال: إذا جاءت انشقت السماءُ، وانتثَرَت النجوم، وكُوِّرت الشمس، وسُيِّرت الجبال، وكان ما قاله الله عز وجل، فذلك ثقلها.

 

واختار ابنُ جَرير - رحمه الله -: أن المراد: ثقُل عِلم وقتها على أهل السموات والأرض، كما قال قتادة.

 

وهو كما قالاه؛ كقوله تعالى: ﴿ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً ﴾، ولا ينفي ذلك ثِقل مجيئِها على أهل السموات والأرض، والله أعلم.

 

وقال السُّدِّي في قوله تعالى: ﴿ ثَقُلَتْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾، يقول: خفِيَت في السموات والأرض، فلا يعلم قيامَها حين تقومُ مَلَكٌ مقرَّب، ولا نبي مرسَل.

 

﴿ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً ﴾ قال: يبغَتُهم قيامُها، تأتيهم على غفلة.

 

وقال قتادة في قوله تعالى: ﴿ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً ﴾ قضى اللهُ أنها ﴿ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً ﴾، قال: وذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الساعة تهيج بالناس، والرجل يُصلِح حوضه، والرجل يسقي ماشيته، والرجل يقيم سلعتَه في السوق، ويخفض ميزانه ويرفَعُه)).

 

وقال البخاري: حدثنا أبو اليمان، أنبأنا شُعَيب، حدثنا أبو الزناد عن عبدالرحمن، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تقوم الساعةُ حتى تطلُعَ الشمسُ من مغربها، فإذا طلعت فرآها الناس، آمَنوا أجمعون، فذلك حين لا ينفع نفسًا إيمانُها لم تكُنْ آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرًا، ولتقومن الساعة وقد نشَر الرَّجلان ثوبهما بينهما، فلا يتبايعانه ولا يطويانه، ولتقومن الساعة وقد انصرف الرجلُ بلبَن لِقحتِه فلا يطعَمُه، ولتقومن الساعة وهو يليط حوضه فلا يسقي فيه، ولتقومن الساعة والرَّجلُ قد رفَع أُكْلَتَه إلى فيه فلا يطعَمُها)).

 

وقال مسلم في صحيحه: حدثني زهير بن حرب، حدثنا سفيان بن عيينة، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرةَ، يبلُغُ به النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: ((تقوم الساعة والرجل يحلُبُ اللِّقحة، فما يصل الإناء إلى فيه حتى تقوم الساعة، والرجلان يتبايعانِ الثوبَ، فما يتبايَعانه حتى تقوم، والرجل يلوط حوضَه فما يصدُرُ حتى تقومَ)).

 

وقوله تعالى: ﴿ يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا ﴾ اختلَف المفسِّرون في معناه، فقيل: معناه - كما قال العَوْفيُّ عن ابن عباس -: ﴿ يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا ﴾ يقول: كأنَّ بينك وبينهم مودَّة، كأنك صديقٌ لهم، قال ابن عباس: لَمَّا سأل الناسُ محمدًا صلى الله عليه وسلم عن الساعة، سألوه سؤالَ قومٍ كأنهم يرون أن محمدًا حفيٌّ بهم، فأوحى الله إليه: إنَّما عِلمها عنده، استأثر بعلمها، فلم يُطلِع اللهُ عليها مَلَكًا مقرَّبًا ولا رسولاً.

 

وقال قتادة: قالت قريشٌ لمحمد صلى الله عليه وسلم: إن بيننا وبينك قرابةً، فأسرَّ إلينا متى الساعة، فقال الله - عز وجل -: ﴿ يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا ﴾.

 

وكذا رُوي عن مجاهد، وعكرمة، وأبي مالك، والسدي، وهذا قول، والصحيح عن مجاهد - من رواية ابن أبي نجيح وغيره -: ﴿ يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا ﴾ قال: استحفيت عنها السؤال، حتى علِمت وقتها.

 

وكذا قال الضحاك، عن ابن عباس: ﴿ يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا ﴾ يقول: كأنك عالِم بها، لستَ تعلمها، ﴿ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ ﴾.

 

وقال معمَر، عن بعضهم: ﴿ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا ﴾: كأنك عالِم بها.

 

وقال عبدالرحمن بن زيد بن أسلم: ﴿ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا ﴾: كأنك عالِم بها، وقد أخفى الله عِلمها على خَلقه، وقرأ: ﴿ إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ... ﴾ الآيةَ [لقمان: 34].

 

ولَهذا القولُ أرجحُ في المعنى من الأول، والله أعلم؛ ولهذا قال: ﴿ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [الأعراف: 187].

 

ولهذا لَمَّا جاء جبريل عليه السلام في صورة أعرابيٍّ، يعلِّم الناس أمرَ دينهم، فجلس من رسول الله صلى الله عليه وسلم مجلس السائل المسترشد، وسأله عن الإسلام، ثم عن الإيمان، ثم عن الإحسان، ثم قال: فمتى الساعة؟ قال له رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((ما المسؤول عنها بأعلم من السائل))؛ أي: لستُ أعلمَ بها منك، ولا أحدَ أعلمُ بها من أحد، ثم قرأ النبي صلى الله عليه وسلم: ﴿ إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ ﴾ [لقمان: 34].

 

وفي رواية: فسأله عن أشراط الساعة، ثم قال: ((في خمسٍ لا يعلَمُهن إلا الله))، وقرأ هذه الآية، وفي هذا كله يقول له بعد كل جواب: صدقتَ؛ ولهذا عجِب الصحابة من هذا السائل، يسألُه ويصدِّقه، ثم لما انصرف قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((هذا جبريلُ أتاكم يعلِّمُكم دِينَكم)).

 

وفي رواية قال: ((وما أتاني في صورةٍ إلا عرَفتُه فيها، إلا صورته هذه)).

 

وقد ذكر الحافظ هذا الحديث بطرقه وألفاظه من الصحاح والحسان والمسانيد، في أول شرح صحيحِ البخاري، ولله الحمد والمنَّة.

 

ولما سأله ذلك الأعرابي وناداه بصوت جَهْوري فقال: يا محمد، قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((هاء)) على نحوٍ من صوته، قال: يا محمد، متى الساعة؟ قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ويحك! إن الساعة آتية، فما أعددتَ لها؟))، قال: ما أعددتُ لها كبير صلاة ولا صيام، ولكني أحبُّ اللهَ ورسوله، فقال له رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((المرءُ مع من أحبَّ))، فما فرِح المسلمون بشيء فرَحَهم بهذا الحديث.

 

وهذا له طُرق متعددة في الصحيحين وغيرهما عن جماعة من الصحابة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه قال: ((المرءُ مع من أحبَّ))، وهي متواترة عند كثيرٍ من الحفَّاظ المتقنين.

 

ففيه أنه عليه السلام كان إذا سُئِل عن هذا الذي لا يحتاجون إلى عِلمه، أرشَدهم إلى ما هو الأهمُّ في حقِّهم، وهو الاستعدادُ لوقوع ذلك، والتهيُّؤ له قبل نزوله، وإن لم يعرِفوا تعيينَ وقته.

 

ولهذا قال مسلمٌ في صحيحه: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب، قالا: حدثنا أبو أسامة، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة، رضي الله عنها، قالت: كانت الأعرابُ إذا قدِموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، سألوه عن الساعة: متى الساعة؟ فنظر إلى أحدثِ إنسانٍ منهم فقال: ((إن يعِشْ هذا لم يدرِكْه الهَرَمُ حتى قامت عليكم ساعتُكم))؛ يعني بذلك موتَهم الذي يُفضي بهم إلى الحصول في برزخ الدار الآخرة.

 

ثم قال مسلم: وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا يونس بن محمد، عن حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس، أن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الساعة، وعنده غلام من الأنصار يقال له: محمدٌ، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((إن يعِشْ هذا الغلامُ، فعسى ألا يدركَه الهَرَمُ حتى تقوم الساعةُ))؛ انفرد به مسلمٌ.

وقال تعالى: ﴿ كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ [البقرة: 28].

 

وقال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ ﴾ [البقرة: 4].

 

﴿ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ ﴾؛ أي: بالبعث والقيامة، والجنة والنار، والحساب والميزان.

 

قال تعالى: ﴿ إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ * لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ * خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ * إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا * وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا * فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا * وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً * فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ * وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ * وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ * فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ ﴾ [الواقعة: 1 - 12].

 

الواقعة: من أسماء يوم القيامة، سميت بذلك لتحقُّق كونها ووجودها؛ كما قال: ﴿ فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ ﴾ [الحاقة: 15].

 

وقوله: ﴿ لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ ﴾؛ أي: ليس لوقوعها إذا أراد الله كونَها صارفٌ يصرِفُها، ولا دافعٌ يدفعُها.

 

قال تعالى: ﴿ فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ * وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً * فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ * وَانْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ * وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ * يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ ﴾ [الحاقة: 13 - 18].

 

وقال تعالى: ﴿ إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا * وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا * وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا * يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا * بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا * يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ * فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ﴾ [الزلزلة: 1 - 8].

 

وقال الإمام أحمد: حدثنا بهز، حدثنا حماد بن سلمة، قال: أنبأنا يعلى، عن عطاء، عن وكيع بن حدس، عن عمه أبي رَزين العُقيلي، واسمه: لَقيط بن عامر، أنه قال: يا رسول الله، أكلُّنا يرى ربَّه - عز وجل - يوم القيامة، وما آيةُ ذلك في خَلقه؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أليس كلُّكم ينظُرُ إلى القمر مُخْليًا به؟))، قلنا: بلى، قال: ((فالله أعظم))، قال: قلت: يا رسول الله، كيف يحيي الله الموتى، وما آية ذلك في خَلْقه؟ قال: ((أما مرَرْتَ بوادي أهلِك مَحْلاً؟))، قال: بلى، قال: ((ثم مرَرْتَ به يهتزُّ خضرًا؟))، قال: بلى، قال: ((فكذلك يحيي اللهُ الموتى، وذلك آيتُه في خَلْقه)).

 

ورواه أبو داود وابن ماجه، من حديث حماد بن سلَمة، به.

 

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت: يا رسول الله، هل يذكُرُ الحبيب حبيبه يوم القيامة؟ قال: ((يا عائشة، أمَّا عند ثلاث، فلا؛ أما عند الميزان حتى يثقل أو يخفَّ، فلا، وأما عند تطاير الكتب فإما يعطى بيمينه أو يعطى بشِماله، فلا، وحين يخرُجُ عُنُقٌ من النار فينطوي عليهم، ويتغيَّظ عليهم، ويقول ذلك العُنُق: وُكِّلت بثلاثة، وُكِّلت بثلاثة، وُكِّلت بثلاثة: وُكِّلت بمن ادَّعى مع الله إلهًا آخر، ووكلت بمن لا يؤمن بيوم الحساب، ووُكِّلت بكل جبار عنيد، قال: فينطوي عليهم، ويرميهم في غمرات، ولِجهنَّم جِسرٌ أدقُّ من الشَّعر، وأحدُّ من السيف، عليه كلاليبُ وحَسَكٌ يأخُذْن من شاء الله، والناس عليه كالطَّرْف وكالبرق وكالرِّيح، وكأجاويد الخيل والرِّكاب، والملائكة يقولون: ربِّ، سلِّم سلِّم، فناجٍ مُسلَّمٌ، ومخدوش مُسلَّم، ومُكوَّر في النار على وجهِه)).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الإيمان بالبعث بعد الموت
  • أسباب إنكار البعث قديما وحديثا
  • البعث والجزاء في الآخرة بين الإسلام والأديان السماوية الأخرى (نقاط الاتفاق)
  • الإيمان بالبعث والنشور
  • مسائل في البعث: النفخة الأولى
  • ما هو البعث؟ وما الدليل عليه؟ ومتى يكون؟
  • الإيمان بالبعث والنشور
  • معنى البعث والنشور
  • الإيمان بالبعث والنشور

مختارات من الشبكة

  • الإيمان بالكتب السماوية(مقالة - موقع أ.د. مصطفى مسلم)
  • آيات وأحاديث عن الإيمان بالبعث والنشور(مقالة - آفاق الشريعة)
  • حلاوة الإيمان في رمضان(مقالة - ملفات خاصة)
  • مسائل في الإيمان(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الركن الخامس: الإيمان بالبعث(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الإيمان بالقرآن أصل من أصول الإيمان(مقالة - موقع الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي)
  • سلسلة أثر الإيمان: أثر الإيمان في حفظ الحقوق وأداء الأمانات (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • سلسلة أثر الإيمان: أثر الإيمان في الشوق إلى دار السلام (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • سلسلة أثر الإيمان: أثر الإيمان في توجيه السلوك (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • سلسلة أثر الإيمان: أثر الإيمان في تحقيق الأمن النفسي (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • بعد عامين من البناء افتتاح مسجد جديد في قرية سوكوري
  • بعد 3 عقود من العطاء.. مركز ماديسون الإسلامي يفتتح مبناه الجديد
  • المرأة في المجتمع... نقاش مفتوح حول المسؤوليات والفرص بمدينة سراييفو
  • الذكاء الاصطناعي تحت مجهر الدين والأخلاق في كلية العلوم الإسلامية بالبوسنة
  • مسابقة للأذان في منطقة أوليانوفسك بمشاركة شباب المسلمين
  • مركز إسلامي شامل على مشارف التنفيذ في بيتسفيلد بعد سنوات من التخطيط
  • مئات الزوار يشاركون في يوم المسجد المفتوح في نابرفيل
  • مشروع إسلامي ضخم بمقاطعة دوفين يقترب من الموافقة الرسمية

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 8/12/1446هـ - الساعة: 0:14
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب