أحاديث في جواز استعمال ما فضل من وضوء المرأة وغسلها من ماء

أحاديث الأحكام

أحاديث في جواز استعمال ما فضل من وضوء المرأة وغسلها من ماء

• وعن عمرو بن دينار قال: عِلمي والذي يخطر على بالي: أن أبا الشعثاء. أخبرني أن ابن عباس رضي الله عنهما أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يغتسل بفضل ميمونة» رواه مسلم.

• وعن سماك بن حرب عن عكرمة عن ابن عباس قال «اغتسل بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في جفنة؛ فجاء النبي صلى الله عليه وسلم ليتوضأ منها أو يغتسل، فقالت له: يا رسول الله إني كنت جنباً، فقال صلى الله عليه وسلم: إن الماء لا يجنب» رواه أحمد وأبو داود وهذا لفظه والترمذي والنسائي وابن ماجه؛ وصححه الترمذي وابن خزيمة وابن حبان والحاكم. وقال أحمد: أتقيه، لحال سماك، ليس أحد يرويه غيره. وقد احتج مسلم بسماك، والبخاري بعكرمة. والله أعلم.

حديث عمرو بن دينار قال النووي: رواه مسلم متابعة، لا أنه قصد الاعتماد عليه. ا.هـ وذلك لأنه رواه متابعة لحديث أبي الشعثاء - الذي رواه قبل هذا مباشرة - عن ابن عباس قال «أخبرتني ميمونة أنها كانت تغتسل هي والنبي صلى الله عليه وسلم في إناء واحد» وذلك لأن سياق عمرو بن دينار وقوله «علمي والذي يخطر على بالي» يدل على أنه غير متأكد التأكيد كله من خبر أبي الشعثاء له عن ابن عباس بخلاف الحديث الأول فإنه قال "عن عمرو بن دينار عن أبي الشعثاء" - بالجزم والقطع - وميمونة: هي زوج النبي صلى الله عليه وسلم - بنت الحارث خالة ابن عباس. أخت أمه أم الفضل بنت الحارث. وكان ابن عباس يكثر التردد على خالته في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويبيت عندها. وهي المقصودة في الحديث الثاني من «بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم» والجفنة: القصعة الكبيرة.

قال الخطابي: قوله صلى الله عليه وسلم «لا يجنب» معناه. لا ينجس، وحقيقته: أنه لا يصير بمثل هذا الفعل إلى حال يجتنب فلا يستعمل. وأصل الجنابة: البعد، ولذلك قيل للغريب: جنب، أي بعيد. وسمي المجامع جنباً لمجانبته الصلاة وقراءة القرآن؛ كما سمى الغريب جنبا لبعده عن أهله ووطنه. ا هـ.

والحديثان يدلان على جواز استعمال ما فضل من وضوء المرأة وغسلها من ماء. قال أبو عيسى الترمذي: وهو قول الثوري ومالك والشافعي.

وقال البخاري: باب وضوء الرجل مع امرأته؛ وفضل وضوء المرأة. وتوضأ عمر بالحميم - أي بالماء الساخن - ومن بيت نصرانية. ثم روى بسنده عن ابن عمر «أنه كان الرجال والنساء يتوضؤون في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم جميعا» ا هـ وأثر عمر في وضوئه من جرة النصرانية. رواه البيهقي عن سفيان قال: حدثونا عن زيد بن أسلم ولم أسمعه عن أبيه قال «لما كنا بالشام أتيت عمر بماء فتوضأ منه. فقال: من أين جئت بهذا؟ فما رأيت ماء بئر ولا ماء سماء أطيب منه. قال: قلت: من بيت هذه العجوز النصرانية. فلما توضأ أتاها. فقال: أيتها العجوز اسلمي تسلمي. بعث الله بالحق محمداً صلى الله عليه وسلم. قال: فكشفت رأسها. فإذا مثل الثغامة قالت: وأنا أموت الآن؟ فقال عمر: اللهم اشهد» قال الحافظ في الفتح (ج1ص209) ورواه أيضا الشافعي موصولا وعبد الرزاق وغيرهما عن ابن عيينة عن زيد بن أسلم عن أبيه قال الحافظ. وهو مناسب لقوله «وفضل وضوء المرأة» لأن عمر توضأ بمائها ولم يستفصل إلى أن قال: ففيه دليل على جواز التطهر بفضل وضوء المرأة المسلمة. لأنها لا تكون أسوأ حالا من النصرانية. وفيه دليل على جواز استعمال مياه أهل الكتاب من غير استفصال.

وقال الشافعي في الأم: لا بأس بالوضوء من ماء المشرك وبفضل وضوئه ما لم تعلم فيه نجاسة. وقال ابن المنذر: انفرد إبراهيم النخعي بكراهة فضل المرأة إذا كانت جنبا. ثم قال الحافظ في شرح حديث ابن عمر: ونقل الطحاوي ثم القرطبي والنووي الاتفاق على جواز اغتسال الرجل والمرأة من إناء واحد، وفيه نظر لما حكاه ابن المنذر عن أبي هريرة: أنه كان ينهى عنه. وكذا حكاه ابن عبد البر عن قوم. وهذا الحديث - أي حديث ابن عمر –حجة عليهم. ونقل النووي أيضا: الاتفاق على جواز وضوء المرأة بفضل الرجل، دون العكس، وفيه نظر أيضا، فقد أثبت الخلاف فيه الطحاوي. وثبت عن ابن عمر والشعبي والأوزاعي المنع، ولكن مقيدا بما إذا كانت حائضاً. وأما عكسه فصح عن عبد الله بن سرجس الصحابي، وسعيد بن المسيب؛ والحسن البصري: أنهم منعوا التطهر بفضل المرأة. وبه قال أحمد وإسحاق، لكن قيداه بما إذا صلت به. لأن أحاديث الباب ظاهرة في الجواز إذا اجتمعا. ونقل الميموني عن أحمد: أن الأحاديث الواردة في منع التطهير بفضل المرأة، وفي جواز ذلك مضطربة. قال. لكن صح عن عدة من الصحابة المنع فيما إذا صلت به. وعورض بصحة الجواز من جماعة من الصحابة؛ منهم ابن عباس. والله أعلم. وأشهر الأحاديث في ذلك من الجهتين: حديث الحكم بن عمرو الغفاري في المنع؛ وحديث ميمونة في الجواز: أما حديث الحكم فأخرجه أصحاب السنن؛ وحسنه الترمذي وصححه ابن حبان، وأغرب النووي فقال: اتفق الحفاظ على تضعيفه وأما حديث ميمونة فأخرجه مسلم، لكن أعله قوم لتردد وقع في رواية عمرو بن دينار حيث قال «علمي والذي يخطر على بالي أن أبا الشعثاء أخبرني - فذكر الحديث» وقد ورد من طريق حميد بن عبد الرحمن الحميري قال «لقيت رجلا من أصحاب النبي أربع سنين، فقال: نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن تغتسل المرأة بفضل الرجل، أو يغتسل الرجل بفضل المرأة، وليغترفا جميعا» ورجاله ثقات، ولم أقف لمن أعله على حجة قوية. ودعوى البيهقي أنه في معنى المرسل مردودة، لأن إبهام الصحابي لا يضر وقد صرح التابعي بأنه لقيه. ودعوى ابن حزم أن داود راويه عن حميد بن عبد الرحمن - هو ابن يزيد الأودي وهو ضعيف - مردودة، فإنه ابن عبد الله الأودي وهو ثقة؛ وقد صرح باسم أبيه أبو داود وغيره.

ومن أحاديث الجواز: ما أخرجه أصحاب السنن والدارقطني، وصححه الترمذي وابن خزيمة وغيرهما من حديث ابن عباس عن ميمونة - ثم ساقه كما ساقه صاحب المحرر - إلا أن لفظه عند الدارقطني الذي ساقه الحافظ فيه «الماء ليس عليه جنابة. واغتسل منه» قال الحافظ: وقد أعله قوم بسماك بن حرب راويه عن عكرمة، لأنه كان يقبل التلقين، لكن قد رواه عنه شعبة، وهو لا يحمل عن مشايخه إلا صحيح حديثهم. وقول أحمد: إن الأحاديث من الطريقين مضطربة، إنما يصار إليه عند تعذر الجمع، وهو ممكن، بأن يحمل أحاديث النهي على ما تساقط من الأعضاء. والجواز على ما بقي من الماء؛ وبذلك جمع الخطابي؛ أو يحمل النهي على التنزيه جمعاً بين الأدلة والله أعلم. ا هـ.

قال أبو طاهر: ويظهر لي - والله أعلم - أن حديث الحكم إنما يعني الفضلة إذا خلت به المرأة، وكانت الفضلة قليلة. وحديث ابن عباس عني غير ذلك لأنه قال "في جفنة" وهي القصعة الكبيرة والماء الذي يبقى فيها بعد اغتسال المرأة لا يكون قليلاً، يسمى فضلة أو سؤراً - وعلى كل حال فإذا كان قليلاً وقد خلت به فالمنهي عنه الاكتفاء به وحده، فإذا زاده ماء جديداً وكثره به فقد انتقل عن حكم الفضلة ورجع إلى أصله. وفي حديث ابن عمر الذي رواه البخاري «كان النساء والرجال يتوضؤون جميعًا ما يدل على أن اغتراف المرأة بيدها أو الرجل من الإناء لا يجعله مستعملاً، سواء نوى الاغتراف أو لم ينوِ، بل نية الاغتراف هذه لا معنى لها ولا أصل لها في السنة؛ والله الموفق والهادي.