• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    طريق لا يشقى سالكه (خطبة)
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    خطبة: مكانة العلم وفضله
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    خطبة: العليم جلا وعلا
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    كل من يدخل الجنة تتغير صورته وهيئته إلى أحسن صورة ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    محاضرة عن الإحسان
    د. عطية بن عبدالله الباحوث
  •  
    ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: ﴿يوم تأتي ...
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    نصوص أخرى حُرِّف معناها
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    فضل العلم ومنزلة العلماء (خطبة)
    خميس النقيب
  •  
    البرهان على تعلم عيسى عليه السلام القرآن والسنة ...
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    الدرس السادس عشر: الخشوع في الصلاة (3)
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    القرض الحسن كصدقة بمثل القرض كل يوم
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الليلة التاسعة والعشرون: النعيم الدائم (2)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    حكم مشاركة المسلم في جيش الاحتلال
    أ. د. حلمي عبدالحكيم الفقي
  •  
    غض البصر (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    كيف تقي نفسك وأهلك السوء؟ (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / فقه وأصوله
علامة باركود

العهد مع المشركين

العهد مع المشركين
الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 3/3/2015 ميلادي - 12/5/1436 هجري

الزيارات: 39340

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

العهد مع المشركين

المرتع المشبع في مواضع من الروض المربع


قوله: (ويصح الأمان من مسلم عاقل مختار غير سكران ولو قِنّاً، أو أُنثى بلا ضرر، في عشر سنين فأقل، منجزاً ومعلقاً من إمام لجميع المشركين، ومن أمير لأهل بلدة جعل بإزائهم، ومن كل أحدٍ لقافلة وحصن صغيرين عُرفاً...) إلى آخره[1].


قال في «الإفصاح»: «واتفقوا[2] على أنه إذا عُوهد المشركون عهداً وُفِّيَ لهم به، إلا أبا حنيفة[3] فإنه شَرَط في ذلك بقاء المصلحة، فمتى اقتضت المصلحة الفسخَ نبذ إليهم العهد وفسخ.


واتفقوا[4] - فيما أعلم - على أنه لا يجوز نقضه إلا بعد نبذه.


واختلفوا في مدة العهد:

فقال أبو حنيفة[5] وأحمد[6]: يجوز ذلك على الإطلاق، إلا أن أبا حنيفة[7] قال: متى وجد للإمام قوة نبذ إليهم عهدهم وفسخ.


وقال مالك[8] والشافعي[9]: لا يجوز أكثر من عشر سنين»[10].


وقال ابن رشد: «فأما هل تجوز المهادنة؟

فإن قوماً أجازوها ابتداءً من غير سبب؛ إذا رأى ذلك الإمام مصلحة للمسلمين.


وقوم لم يجيزوها إلا لمكان الضرورة الداعية لأهل الإسلام من فتنة أو غير ذلك، إما بشيء يأخذونه منهم لا على حكم الجِزية؛ إذ كانت الجزية إنما شرطها أن تؤخذ منهم، وهم بحيث تنفذ عليهم أحكام المسلمين، وإما بلا شيء يأخذونه منهم.


وكان الأوزاعي يجيز أن يصالح الإمام الكفار على شيء يدفعه المسلمون إلى الكفَّار؛ إذا دعت إلى ذلك ضرورة فتنة أو غير ذلك من الضرورات.


وقال الشافعي[11]: لا يعطي المسلمون الكفَّارَ شيئاً؛ إلا أن يخافوا أن يصطلموا؛ لكثرة العدو وقِلَّتهم، أو لمحنة نزلت بهم.


وممن قال بإجازة الصلح إذا رأى الإمام ذلك مصلحة: مالك[12] والشافعي[13] وأبو حنيفة[14]، إلا أن الشافعي[15] لا يجوز عنده الصلح لأكثر من المدة التي صالح عليها رسول الله صلى الله عليه و سلم الكفَّار عامَ الحُديبية.


وسبب اختلافهم في جواز الصلح من غير ضرورة: معارضة ظاهر قوله تعالى: ﴿ فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ ﴾ [التوبة: 5].


وقوله تعالى: ﴿ قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآَخِرِ ﴾ [التوبة: 29]، لقوله تعالى: ﴿ وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ﴾ [الأنفال: 61] [306 ب].


فمن رأى أن آية الأمر بالقتال حتى يُسلموا أو يعطوا الجزية ناسخة لآية الصلح؛ قال: لا يجوز الصلح إلا من ضرورة.


ومن رأى أن آية الصلح مخصِّصَة لتلك؛ قال: الصلح جائز إذا رأى ذلك الإمام، وعضد تأويله بفعله ذلك صلى الله عليه وسلم، وذلك أن صُلْحه صلى الله عليه وسلم عام الحُديبية لم يكن لموضع الضرورة.


وأما الشافعي فلما كان الأصل عنده الأمر بالقتال حتى يُسلِموا أو يعطوا الجزية، وكان هذا مخصَّصاً عنده بفعله عليه السلام عام الحديبية لم يَرَ أن يزاد على المدة التي صالح عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم.


وقد اختلف في هذه المدة:

فقيل: كانت أربع سنين.

وقيل: ثلاثاً.

وقيل: عشر سنين، وبذلك قال الشافعي[16].


وأما من أجاز أن يصالح المسلمون المشركين بأن يعطوا لهم المسلمون شيئاً إذا دعت إلى ذلك ضرورة، فتنة أو غيرها فمصيراً إلى ما رُوي أنه كان عليه السلام قد همَّ أن يُعطي بعض ثمر المدينة لبعض الكفَّار الذين كانوا في جملة الأحزاب؛ لتخبيبهم، فلم يوافقه على القدر الذي كان سمح له به من ثمر المدينة حتى أفاء الله بنصره.


وأما مَن لم يجز ذلك إلا أن يخاف المسلمون أن يصطلموا فقياساً على إجماعهم على جواز فداء أسارى المسلمين؛ لأن المسلمين إذا صاروا في هذا الحد فهم بمنزلة الأسارى »[17].


وقال البخاري: «باب: أمان النساء وجوارهن، وذكر حديث أم هانئ: ذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح... الحديث، وفيه: فقلت: يا رسول الله زعم ابنُ أمي علي أنه قاتل رجلاً قد أجرتُهُ فلان ابن هُبيرة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ)[18]».


قال الحافظ: «قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على جواز أمان المرأة[19]، إلا شيئاً ذكره عبد الملك - يعني ابن الماجِشون صاحب مالك[20] - لا أحفظ ذلك عن غيره، قال: إن أمر الأمان إلى الإمام، وتأوَّل ما وَرَدَ مما يخالف ذلك على قضايا خاصة.


قال ابن المنذر: وفي قول النبي صلى الله عليه وسلم: (يسعى بذمتهم أدناهم) دلالة على إغفال هذا القائل.


قال الحافظ: وجاء عن سحنون مثل قول ابن الماجشون، فقال: هو إلى الإمام إن أجازه جاز، وإن ردَّه رُدَّ[21] »[22].


وقال البخاري أيضاً: «باب: ذِمَّة المسلمين وجوارهم واحدة يسعى بها أدناهم، وذكر حديث علي رضي الله عنه: ما عندنا كتاب نقرؤه إلا كتاب الله، وما في هذه الصحيفة... الحديث، وفيه: وذِمَّة المسلمين واحدة [307أ]، فمَن أخفَرَ مسلماً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل منه صرف ولا عدل[23]».


قال الحافظ: «ودخل فيه قوله: (أدناهم) أي: أقلهم، كل وضيع بالنص[24]، وكل شريف بالفحوى، فدخل في أدناهم: المرأةُ، والعبدُ، والصبيُّ، والمجنونُ.


فأما المرأة فتقدمَّ في الباب الذي قبله.


وأما العبد فأجاز الجمهور أمانه؛ قاتل أو لم يقاتل[25].


وقال أبو حنيفة[26]: إن قاتل جاز أمانه وإلا فلا.

 

وقال سحنون[27]: إذا أذن له سيده في القتال صحَّ أمانه، وإلا فلا.


وأما الصبي، فقال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن أمان الصبي غير جائز[28].


قال الحافظ: وكلام غيره يشعر بالتفرقة بين المراهق وغيره وكذلك المميز الذي يعقل، والخلاف عن المالكية[29] والحنابلة[30].


وأما المجنون: فلا يصح أمانه بلا خلاف كالكافر، لكن قال الأوزاعي: إن غزا الذميُّ مع المسلمين فأمَّن أحداً، فإن شاء الإمام أمضاه، وإلا؛ فليرده إلى مأمنه.


وحكى ابن المنذر[31] عن الثوري أنه استثنى من الرجال الأحرار: الأسير في أرض الحرب، فقال: لا ينفذ أمانه، وكذلك الأجير »[32].


وقال البخاري أيضاً: «باب: الموادعة والمصالحة مع المشركين بالمال وغيره، وإثم مَن لم يَفِ بالعهد، وقوله: ﴿ وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ ﴾ جنحوا: طلبوا السَّلْمَ ﴿ فَاجْنَحْ لَهَا ﴾ [الأنفال: 61]، وذكر حديث سهل بن أبي حثمة قال: انطلق عبد الله بن سهل ومحيصة بن مسعود بن زيد إلى خيبر، وهي يومئذ صلح... الحديث [33]».


قال الحافظ: «قوله: (باب: الموادعة والمصالحة مع المشركين بالمال وغيره) أي: كالأسرى.

قوله: ﴿ وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ ﴾ جنحوا: طلبوا السَّلْمَ ﴿ فَاجْنَحْ لَهَا ﴾ أي: أن هذه الآية دالة على مشروعية المصالحة مع المشركين وتفسير ﴿ جَنَحُوا ﴾ بـ (طَلَبوا) هو للمصنف.


وقال غيره: معنى ﴿ جَنَحُوا ﴾: مالوا. ومعنى الشرط في الآية أن الأمر بالصلح بما إذا كان الأحظ للإسلام المصالحة، أما إذا كان الإسلام ظاهراً على الكفر، ولم تظهر المصلحة في المصالحة فلا.


ذكر فيه حديث سهل بن أبي حَثْمة في قصة عبد الله بن سهل وقتله بخيبر، والغرض منه قوله: (انطلقت[34] إلى خيبر، وهي يومئذ صلح)، وفهم المُهلَّب من قوله في آخره: (فعقله النبي صلى الله عليه وسلم من عنده) أنه يوافق قوله في الترجمة: (والمصالحة مع المشركين بالمال)، فقال: إنما وداه من عنده استئلافاً لليهود وطمعاً في دخولهم في الإسلام!


وهذا الذي قاله يردُّه ما في نفس الحديث من غير هذه الطريق: (فكره النبيُّ صلى الله عليه وسلم أن يُبطِل دمه) فإنه مشعر بأن سبب إعطائه ديته من عنده كان تطييباً لقلوب أهله [307ب].


ويحتمل أن يكون كل منها سبباً لذلك، وبهذا تتم الترجمة.


وأما أصل المسألة فاختلف فيه:

فقال الوليد بن مسلم: سألتُ الأوزاعيَّ عن موادعة إمام المسلمين أهلَ الحرب على مال يؤدِّيه إليهم، فقال: لا يصلح ذلك إلا عن ضرورة؛ كشغل المسلمين عن حربهم، قال: ولا بأس أن يصالحهم على غير شيء يؤدونه إليهم كما وقع في الحُديبية.


وقال الشافعي[35]: إذا ضعف المسلمون عن قتال المشركين جازت لهم مهادنتهم على غير شيء يعطونهم؛ لأن القتل للمسلمين شهادة، وإن الإسلام أعز من أن يُعطى المشركون على أن يكفُّوا عنهم، إلا في حالة مخافة إصطلام المسلمين لكثرة العدو؛ لأن ذلك من معاني الضرورات، وكذلك إذا أُسِرَ رجلٌ مسلمٌ فلم يُطلق إلا بفدية جاز »[36].


وقال البخاري أيضاً: «باب: الشروط في الجهاد والمصالحة مع أهل الحرب وكتابة الشروط، وذكر حديث المِسور بن مَخْرَمة ومروان قالا: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم زمن الحديبية... الحديث بطوله، وفيه: فجاء سُهيل بن عمرو فقال: هاتِ اكتُبْ بيننا وبينكم كتاباً، فدعا النبيُّ صلى الله عليه وسلم الكاتبَ... الحديث[37] ».


قال الحافظ: «قوله: (فقال: هاتِ اكتُبْ بيننا وبينكم كتاباً) في رواية ابن إسحاق: فلما انتهى إلى النبي صلى الله عليه وسلم جرى بينهما القولُ حتى وقع بينهما الصلح على أن توضَع الحربُ بينهما عشر سنين، وأن يأمن الناس بعضهم بعضاً، وأن يرجع عنهم عامهم هذا.


تنبيه: هذا القدر الذي ذكره ابن إسحاق أنه مدة الصلح هو المعتمَد، وبه جزم ابنُ سعد[38]، وأخرجه الحاكم من حديث علي[39]، ووقع في «مغازي ابن عائذ» في حديث ابن عباس وغيره: أنه كان سنتين!


ويُجمع بينهما: بأن الذي ذكره ابن إسحاق هي المدة التي وقع الصلح عليها، والذي ذكره ابن عائذ وغيره هي المدة التي انتهى أمر الصلح فيها، حتى وقع نقضه على يد قريش.


وقد اختلف العلماء في المدة التي تجوز المهادنة فيها مع المشركين: فقيل: لا تجاوز عشر سنين على ما في هذا الحديث، وهو قول الشافعي[40] والجمهور[41].


وقيل: تجوز الزيادة.

وقيل: لا تجاوز أربع سنين.

وقيل: ثلاثاً.

وقيل: سنتين.


والأول هو الراجح، والله أعلم »[42] [308أ].


وقال في «الاختيارات»: «ويجوز عقد الهدنة مطلقاً ومؤقتاً.


والمؤقَّت لازم من الطرفين يجب الوفاء به ما لم ينقضه العدو، ولا ينقض بمجرد خوف الخيانة في أظهر قولي العلماء.


وأما المطلق فهو عقد جائز، يعمل الإمام فيه بالمصلحة»[43].


وقال ابن جرير: «القول في تأويل قوله تعالى: ﴿ وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ ﴾ [الأنفال: 58] يقول تعالى ذِكره: وإما تخافنَّ يا محمد من عدوٍّ لكَ بينكَ وبينه عهدٌ أن ينكث عهدَه، وينقض عقده، ويغدر بك، وذلك هو الخيانة والغدر؛ ﴿ فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ ﴾ يقول: فناجزهم بالحرب، وأعلمهم قبل حربك إياهم أنك قد فسخت العهد بينك وبينهم؛ بما كان منهم من ظهور آثار الغدر والخيانة منهم؛ حتى تصير أنت وهم على سواء من العلم بأنك لهم محارب، فيأخذوا للحرب آلتها، وتبرأ من الغدر إن الله لا يحب الخائنين الغادرين بمن كان منه في أمان وعهد بينه وبينه أن يغدر به فيحاربه قبل إعلامه إياه أنه له حرب، وأنه قد فاسخه العقد.


فإن قال قائل: وكيف يجوز نقض العهد بخوف الخيانة والخوف ظن لا يقين؟

قيل: إن الأمر بخلاف ما إليه ذهبتَ، وإنما معناه: إذا ظهرت آثار الخيانة من عدوِّك، وخفت وقوعهم بك، فألقِ إليهم مقاليدَ السلم، وآذنهم بالحرب، وذلك كالذي كان من بني قريظة، إذ أجابوا أبا سفيان ومن معه من المشركين إلى مظاهرتهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومحاربتهم معه بعد العهد الذي كانوا عاهدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على المسالمة، فكانت إجابتهم إيَّاه إلى ذلك موجباً لرسول الله صلى الله عليه وسلم خوفَ الغدر به وبأصحابه منهم، فكذلك حكم كل قوم أهل موادعة للمؤمنين ظهر لإمام المسلمين منهم من دلائل الغدر مثل الذي ظهر لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه من قريظة منها، فحق على إمام المسلمين أن ينبذ إليهم على سواء، ويؤذنهم بالحرب، ومعنى قوله: ﴿ عَلَى سَوَاءٍ ﴾ أي: حتى يستوي علمك وعلمهم بأن كل فريق منكم حرب لصاحبه لا سلم، وقيل: نزلت الآية في قريظة.


ذِكْر مَن قال ذلك [308ب]: حدثني محمد بن عمرو قال: حدثنا أبو عاصم قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: فانبذ إليهم على سواء قال: قريظة »[44].


وقال البغوي: «﴿ وَإِمَّا تَخَافَنَّ ﴾ أي: تعلمن يا محمد من قوم معاهدين خيانة نقض عهد بما يظهر لكم من آثار الغدر كما ظهر من قريظة والنضير؛ ﴿ فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ ﴾ فاطرح إليهم عهدهم على سواء يقول: أعلمهم قبل حربك إياهم أنك قد فسخت العهدَ بينك وبينهم حتى تكون أنت وهم في العلم بنقض العهد سواء، فلا يتوهموا أنك نقضت العهدَ بنصب الحرب معهم ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ ﴾، وساق بسنده، عن أبي الفيض عن سليم بن عامر، عن رجل من حمير قال: كان بين معاوية وبين الروم عهد، وكان يسير نحو بلادهم حتى إذا انقضى العهد غزاهم، فجاء رجُلٌ على فرس وهو يقول: الله أكبر، الله أكبر، وفاء لا غدراً، فنظروا فإذا هو عمرو بن عبسة، فأرسل إليه معاوية فسأله، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من كان بينه وبين قوم عهد؛ فلا يشد عقدةً ولا يحلها حتى ينقضي أَمَدُها، أو ينبذ إليهم عهدهم على سواء)، فرجع معاوية[45] رضي الله عنه»[46].


وقال البخاري: «باب: كيف ينبذ إلى أهل العهد، وقوله عز وجل: ﴿ وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ ﴾... الآية [الأنفال: 58].


حدثنا أبو اليمان، أخبرنا شعيب، عن الزهري، أخبرنا حميد بن عبد الرحمن، أن أبا هريرة رضي الله عنه قال: بعثني أبو بكر رضي الله عنه في من يؤذن يوم النحر بمِنىً: لا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان، ويوم الحج الأكبر يوم النَّحْر، وإنما قيل الأكبر من أجل قول الناس الحج الأصغر. فنبذ أبو بكر إلى الناس في ذلك العام، فلم يحج عام حجَّة الوداع الذي حج فيه النبي صلى الله عليه وسلم مشرك[47] ».


قال الحافظ: «قوله: (باب: كيف ينبذ إلى أهل العهد، وقول الله عز وجل: ﴿ وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ ﴾[الأنفال: 58]) أي: اطرح إليهم عهدهم، وذلك بأن يرسل إليهم من يعلمهم بأن العهد انتقض.


قال ابن عباس: أي: على مثل، وقيل: على عدل، وقيل: أعلمهم أنك قد حاربتهم حتى يصيروا مثلك في العلم بذلك.


وقال الأزهري: المعنى إذا عاهدت قوماً فخشيت منهم النقض فلا توقع بهم بمجرَّد ذلك حتى تُعلمهم [309أ]. ثم ذكر فيه حديث أبي هريرة، وقد تقدَّم شرحه في الحج، وأنه سيشرح في تفسير براءة.


قال المُهلَّب: خشي رسول الله صلى الله عليه وسلم غدر المشركين؛ فلذلك بعث من يُنادي بذلك »[48].


وقال البخاري أيضاً: «باب: قوله: ﴿ وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ﴾ إلى قوله: ﴿ الْمُشْرِكِينَ ﴾ [التوبة: 3] آذنهم: أعلمهم.


حدثنا عبدالله بن يوسف، حدثنا الليث قال: حدثني عقيل، قال ابن شهاب: فأخبرني حميد بن عبدالرحمن أن أبا هريرة قال: بعثني أبو بكر رضي الله عنه في تلك الحجَّة في المؤذنين، بعثهم يوم النحر يؤذنون بمِنىً ألّا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان.


قال حميد: ثم أردف النبي صلى الله عليه وسلم بعلي بن أبي طالب، فأمره أن يؤذن ببراءة. قال أبو هريرة: فأذَّن معنا عليٌّ في أهل مِنىً يومَ النَّحْر ببراءة، وألّا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان... [49].

 

إلى أن قال: فكان حميد يقول: يوم النَّحْر يوم الحج الأكبر من أجل حديث أبو هريرة[50] ».


قال الحافظ: «وروى سعيد بن منصور والترمذيُّ والنسائيُّ والطبريُّ من طريق أبي إسحاق، عن زيد بن يُثَيع قال: سألت علياً: بأي شيء بُعثت؟ قال: (بأنه لا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة، ولا يطوف بالبيت عريان، ولا يجتمع مسلم مع مشرك في الحج بعد عامهم هذا، ومن كان له عهد فعهده إلى مدته، ومن لم يكن له عهد فأربعة أشهر)[51].


واستدل بهذا الكلام الأخير على أن قوله تعالى: ﴿ فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ ﴾ [التوبة: 2] يختص بمن لم يكن له عهد مؤقَّت، أو لم يكن له عهد أصلاً، وأما من له عهد مؤقَّت فهو إلى مدته، فروى الطبريُّ من طريق ابن إسحاق قال: هم صنفان: صنف كان له عهد دون أربعة أشهر فأمهل إلى تمام أربعة أشهر، وصنف كانت له مدة عهد بغير أجل فقصرت على أربعة أشهر...


إلى أن قال: وقوله: (وإنما قيل: الأكبر...) إلى آخره. في حديث ابن عمر عند أبي داود - وأصله في هذا الصحيح - رَفَعَهُ: (أي يوم هذا؟) قالوا: يوم النَّحْر. قال: (هذا يوم الحج الأكبر)[52]. واختلف في المراد بالحج الأصغر فالجمهور على أنه العُمرة »[53] [309ب].



[1] الروض المربع ص 228و 229.

[2] الشرح الصغير 1/ 359، وحاشية الدسوقي 2/ 206، وتحفة المحتاج 9/ 307، ونهاية المحتاج 8/ 108، وشرح منتهى الإرادات 3/ 85، وكشاف القناع 7/ 211.

[3] فتح القدير 4/ 293، حاشية ابن عابدين 4/ 147و 148.

[4] فتح القدير 4/ 294، وبدائع الصنائع 7/ 109، والشرح الصغير 1/ 360، وحاشية الدسوقي 2/ 206، وتحفة المحتاج 9/ 307، ونهاية المحتاج 8/ 109، وشرح منتهى الإرادات 3/ 89، وكشاف القناع 7/ 214.

[5] فتح القدير 4/ 293و 294، وحاشية ابن عابدين 4/ 147و 148.

[6] شرح منتهى الإرادات 3/ 79، وكشاف القناع 7/ 194.

[7] فتح القدير 4/ 292، وحاشية ابن عابدين 147و 148.

[8] الشرح الصغير 1/ 370، وحاشية الدسوقي 2/ 206.

[9] تحفة المحتاج 9/ 305، ونهاية المحتاج 8/ 108.

[10] الإفصاح 4/ 116و 117.

[11] تحفة المحتاج 9/ 306، ونهاية المحتاج 8/ 108.

[12] الشرح الصغير 1/ 370، وحاشية الدسوقي 2/ 206.

[13] تحفة المحتاج 9/ 305، ونهاية المحتاج 8/ 106.

[14] فتح القدير 4/ 293، وحاشية ابن عابدين 4/ 147.

[15] تحفة المحتاج 9/ 305، ونهاية المحتاج 8/ 108.

[16] تحفة المحتاج 9/ 305، ونهاية المحتاج 8/ 108.

[17] بداية المجتهد 1/ 360و 361.

[18] البخاري (3171). وأخرجه أيضاً مسلم (336).

[19] الإجماع (247).

[20] حاشية الدسوقي 2/ 185، وشرح منح الجليل 1/ 726.

[21] الشرح الصغير 1/ 359، وحاشية الدسوقي 2/ 185.

[22] فتح الباري 6/ 273.

[23] أخرجه البخاري (3172)، ومسلم (1370).

[24] ليست في الأصل، واستدركت من «الفتح».

[25] الشرح الصغير 1/ 359، وحاشية الدسوقي 2/ 158، وتحفة المحتاج 9/ 266، ونهاية المحتاج 8/ 80، وشرح منتهى الإرادات 3/ 78، وكشاف القناع 7/ 192.

[26] فتح القدير 4/ 300، وحاشية ابن عابدين 4/ 145و 146.

[27] المنتقى شرح الموطأ 3/ 173.

[28] الإجماع (249).

[29] الشرح الصغير 1/ 359، وحاشية الدسوقي 2/ 185.

[30] الإنصاف مع المقنع والشرح الكبير 10/ 344و 345.

[31] الإشراف 4/ 139 (1942).

[32] فتح الباري 6/ 273و 274.

[33] البخاري (3173). وأخرجه أيضاً مسلم (1669).

[34] كذا في الأصل، وفي صحيح البخاري: «انطلق».

[35] الأم 4/ 199.

[36] فتح الباري 6/ 275و 276.

[37] البخاري (2731).

[38] الطبقات الكبرى 2/ 97.

[39] لم أقف عليه في مظانه من كتب الحاكم المطبوعة.

[40] تحفة المحتاج 9/ 305، ونهاية المحتاج 8/ 108.

[41] عند الحنفية: مدة الموادعة تدور مع المصلحة فهي قد تزيد وقد تنقص، انظر: فتح القدير 4/ 293و 194، وعند المالكية: لا حد واجب لمدتها بل على حسب اجتهاد الإمام، وندب ألّا تزيد على أربعة أشهر، انظر: حاشية الدسوقي 2/ 206، وعند الحنابلة: اشتراط مدة معلومة ولو فوق عشر سنين؛ لأنها عقد مصلحة فتدور مع المصلحة زيادة ونقصاناً، انظر: كشاف القناع 7/ 213.

[42] فتح الباري 5/ 342و 343.

[43] الاختيارات الفقهية ص315.

[44] تفسير الطبري 6/ 271 - 272.

[45] أخرجه أبو داود (2759)، والترمذي (1580)، وابن جرير في تفسيره 6/ 272.

قال الترمذي: حديث حسن صحيح.

[46] تفسير البغوي 2/ 257.

[47] البخاري (3177). وأخرجه أيضاً مسلم (1347).

[48] فتح الباري 6/ 279.

[49] البخاري (4656). وأخرجه مسلم (1347).

[50] البخاري (4656). وأخرجه مسلم (1347).

[51] سعيد بن منصور 5/ 233، والترمذي (871)، والنسائي 5/ 234، والطبري 10/ 64، من حديث زيد بن يُثَيع، به.

قال الترمذي: حديث علي حديث حسن صحيح.

[52] أبو داود (1945)، وعلَّقه البخاري بصيغة الجزم بعد الحديث (1742).

[53] فتح الباري 8/ 319و 321.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • حجة الوداع مخالفة المشركين
  • البراءة الحقة من المشركين
  • أعياد المشركين
  • أصنام المشركين.. هل ستحمى باسم الآثار؟
  • والموفون بعهدهم إذا عاهدوا (خطبة)
  • من صفات المشركين

مختارات من الشبكة

  • أساليب خصوم الدعوة الإسلامية في العهد المكي، والعهد المدني، والمجتمع المعاصر(رسالة علمية - مكتبة الألوكة)
  • دمشق الشام بين العهد العبيدي الفاطمي والعهد السلجوقي(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • الدواوين في الخلافة الإسلامية(مقالة - موقع أ. د. عبدالحليم عويس)
  • التحذير من نقض العهد(مقالة - آفاق الشريعة)
  • إشكال في أنواع (أل) العهدية(استشارة - الاستشارات)
  • رحلتي مع القران (68): العهد(مقالة - مكتبة الألوكة)
  • فائدة في التعامل مع حديثي العهد بالإسلام(استشارة - الاستشارات)
  • مرويات السيرة النبوية من مسند الإمام أحمد بن حنبل في العهد المكي جمع وترتيب ودراسة(رسالة علمية - مكتبة الألوكة)
  • مراعاة العهد في الطلاق(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • أشهر بشارات العهد الجديد بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب