• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    خطبة: عشر ذي الحجة فضائل وأعمال
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    علام يقتل أحدكم أخاه؟! خطورة العين وسبل الوقاية ...
    رمضان صالح العجرمي
  •  
    أحكام القذف - دراسة فقهية - (WORD)
    شهد بنت علي بن صالح الذييب
  •  
    إلهام الله لعباده بألفاظ الدعاء والتوبة
    خالد محمد شيت الحيالي
  •  
    الإسلام يدعو لحرية التملك
    الشيخ ندا أبو أحمد
  •  
    تفسير قوله تعالى: ﴿ قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في ...
    سعيد مصطفى دياب
  •  
    تخريج حديث: جاءني جبريل، فقال: يا محمد، إذا توضأت ...
    الشيخ محمد طه شعبان
  •  
    قصة الرجل الذي أمر بنيه بإحراقه (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    الإيمان بالقدر خيره وشره
    تركي بن إبراهيم الخنيزان
  •  
    الأمثال الكامنة في القرآن
    قاسم عاشور
  •  
    ملخص من شرح كتاب الحج (6)
    يحيى بن إبراهيم الشيخي
  •  
    من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: السميع
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
  •  
    سفيه لم يجد مسافها
    محمد تبركان
  •  
    ليس من الضروري
    د. سعد الله المحمدي
  •  
    خطبة: إذا أحبك الله
    الشيخ عبدالله محمد الطوالة
  •  
    هل الخلافة وسيلة أم غاية؟
    إبراهيم الدميجي
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / روافد
علامة باركود

المجالس النيابية على ضوء القرآن

المجالس النيابية على ضوء القرآن
محمد علي العمار

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 25/2/2015 ميلادي - 6/5/1436 هجري

الزيارات: 5604

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

المجالس النيابية على ضوء القرآن

(آداب، أخلاق، تحليل، تاريخ)


المجلس النيابي، وما أدراك ما المجلس النيابي؟! هو مجلس يضم في بَهْوه نُخبة صالحة، وثُلة مختارة من عقلاء الأمة ومفكريها، وعلمائها ومثقفيها، تُنيبهم الأمة عن نفسها، لتسيير دَفَّة الأعمال طبقًا لرغائبها، وحرصًا على نجاحها، وجعْلها في المستوى اللائق من العلم والمجد والقوة، إزاء غيرها من الأمم الراقية، وهو أمر عظيم النجاح، جليل الفائدة، إذا سارت فيه رؤساء الأمة وقوَّادها وَفق التعاليم الإسلامية، ونهجت فيه منهج الإصلاح والإخلاص، أما إذا سُلِّم زمام الحكم لرجل واحد دون رقيب عليه، وضع الشكيمة في حلوق الأمة، وسَيَّرها أنَّى شاء، وكيف يهوى، وبعدئذ تراه قد استعبدها، وصرف أموالها في مطامعه وشهواته، وغَدواته ورَوحاته، وأذلَّها وأضعَفها بينما غيرُهم يتسنَّم ذِروة المجد والقوة، كما حصل في عهد ملوك فرنسا قبل الثورة الكبرى - فإن السلطة كانت بيد ثلاث طبقات؛ طبقة رؤساء الإقطاعات، وطبقة الأشراف، وطبقة رجال الكنيسة، كل هؤلاء قد أخذوا بخِناق الشعب المسكين الذي يئنُّ أنين الثَّكلى من جَوْر ضرائبهم الفادحة، حتى أحصى العقلاء والمفكرون أنواع الضرائب، فبلغ ما يؤخذ من كل فرد 85 في المائة، ولا سيما في عهد آخر ملوكهم لويس السادس عشر، فقد ازداد الظلم والجور في زمنه ازديادًا لا تُطاق معه الحياة، فانتقد حينئذ الشعراء والكتاب - كجان جاك روسو، و(مونتيسكيو)، وغيرهم - أعمال الاستبداد والاستعباد بصورة حماسية هائلة، الأمر الذي أهاج النفوس، وأشعل نيران الثورة الدامية عام 1789، وبسببها قضى الشعب الفرنسي على الجور والاستبداد، وجعل حكمه تحت تصرُّفه، يُسيِّره حسبما تُوحيه المصلحة العامة، والنجاح المأمول، وذلك إنما حصل بتشكيل المجالس النيابية التي انْتُخِبت أفرادها من عقلاء الأمة ومُريدي إصلاحها - انتخابًا سار مع الحرية والديمقراطية التامة، هذا ما عرَفه الغرب عنها منذ قرنين تقريبًا، أما المسلمون فقد عرَفوها من قرآنهم الحكيم، وقانونهم السماوي المبين، منذ أشرقت شمسه على ظلام هذا الوجود، فاستنار العالم بضوئه ما شاء أن يَستنير، فكان من ذلك ما كان؛ من مدنيَّات وحضارات، وانتفاع فيه في الحياة وبعد الممات، عرَفوها حينما وضع الله قواعدها، وأنزل خُططها على قلب سيد العالم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم مخاطبًا إياه بقوله عز من قائل: ﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ﴾ [آل عمران: 159].

 

إذا وضعت هذه الآية في بَوتقة النظر، وسبَرتها بمسبار العقل، خرَج لك منها كنوز عظيمة من الفوائد والمباحث، لا تعثر عليها في قوانين الدول، ولا في كتب الحكماء، وإليك هي:

أولًا: تُعلمنا هذه الآية أن يكون الرئيس مسلمًا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم هو الرئيس الأعظم، وجميع الرؤساء والحكام بعده نوابه في الحكم والإدارة، والنائب بحسب العقل والمنطق لا يكون إلا من جنس المنوب عنه، وإلا فكيف يخاطب بقواعد الشرع الإسلامي إذا قصَّر في مصالح الأمة؟!

 

ثانيًا: هذه الآية تُعلم الملوك والرؤساء بعد أن يكونوا مسلمين أن يكون واحدهم ذا قلبٍ رحيم، يعطف على الأمة في مصالحها العامة، متواضعًا، ليِّن الجانب، غير متكبِّر عليها، ولا متعجرف؛ لأنها هي التي رفَعته إلى منصة الحكم والرئاسة، وإلا بأن كان فظًّا غليظ القلب، غير ناظر لمصالح الأمة في عين الشفقة والرحمة، تنفض الأمة من حوله، ويهوي في مهلكة السقوط، ويَتيه في مَهامه الفناء والاضمحلال، وهذا معنى قوله تعالى لنبيِّه: ﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ﴾ [آل عمران: 159]، مع أنه عليه الصلاة والسلام كما عُلِم من سيرته الشريفة بالاستقراء التام، لم يكن فظًّا ولا غليظ القلب، ولكن من باب: (إياك أعني فاسمعي يا جارة)؛ أي: ليسمع الرؤساء هذا الخطاب القويم، ويعملوا بما فيه من حِكَمٍ وأسرار.

 

ثالثًا: تعلُّم الرؤساء والحكام العفو عن بعض الهفوات، التي تصدُر من أحد أفراد الأمة بسبب قلة احترامه لشخص الرئيس، ولا سيما في مجلس التشاور؛ لأن ذلك يرفعه إلى أعلى درجة من الاحترام عند الله والخلق، وتَزداد محبته في قلوبهم؛ لأنهم عرفوا أنه لا يقصد من الرئاسة كبرًا ولا تفاخرًا، بل يريد نفع الأمة ليس إلا، وهذا من مستلزمات معنى قوله تعالى: ﴿ وَاعْفُ عَنْهُم ﴾.

 

رابعًا: تُعلمنا هذه الآية أيضًا أنه يجب على الرئيس أن يُشاور الأمة فيما يصدُر من مراسيم وأحكام؛ لئلا يقع في الخطأ والظلم، ولَما كان يتعذر مشاورة الأمة جمعاءَ بمشاورة كل فرد من أفرادها، فوجب حينئذ أن تنصرف الأمة إلى اختيار الأكْفاء الصالحين؛ لينوبوا عنها في مصالحها العامة، وإعطاء الرأي السديد بعد المشاورة المستندة إلى تعاليم القرآن الحكيم والسنة الصحيحة، ومِن ثَم يأمر الرئيس بتنفيذه حسبما قرَّ قرار نواب الأمة لنفع الأمة، وهذا معنى قوله تعالى في الآية نفسها: ﴿ وَشَاوِرْهُم فِي الأَمْرِ ﴾، والأمر حسب القواعد الأصولية الإسلامية ينصرف للوجوب إن لم يكن هناك قرينة صارفة، ولا قرينة صارفة هنا، فوجبت إذًا المشاورة من الطرفين - الرئيس والمرؤوس - كما وجب الحكم بالقسطاس المستقيم، وهذه هي بعينها خطط المجالس النيابية في الممالك الراقية في هذه العصور - (عصور العلم والعمران) - ولأجل بيان هذه القاعدة القرآنية والحض على العمل بها، قال مَن لا ينطق عن الهوى: ((ما خاب مَن استخار، ولا نَدِم مَن استشار)).

 

خامسًا: تُعلمهم الركون إلى الدين، والاعتصام بحبْله المتين، فإن خالفه أحد من الأمة أو نوَّابها، أمروه بالعدول عن مخالفته، وطلبوا له المغفرة من الله تعالى؛ لئلا يقع الكل في غضبه، ومتى حل غضب الله في قوم أذاقهم شديد العذاب ومُرَّ النَّكال، وهذا معنى قوله تعالى: ﴿ واسْتَغْفِرْ لَهُم ﴾.

 

سادسًا: تُعلمهم أنه متى حصل اتفاق بين الرئيس ونواب الأمة على شيء - (بعد التشاور والتناصح)، وأرادوا تنفيذه - أن يتَّكلوا على الله تعالى الذي وفَّقهم لأن يكونوا هُداةَ الأمة في تقدُّمها ونبراسها في إصلاحها؛ لأن الله يحب المتوكلين عليه على هدًى وبصيرة، وهذا معنى آخر الآية: ﴿ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ﴾.

 

القرآن يدعو المجالس النيابية إلى الخير:

ومن القواعد المتينة والأُسس الركينة للمجالس النيابية - قول الله عز وجل في القرآن الحكيم: ﴿ وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [آل عمران: 104].

 

هذه الآية الكريمة تُعلم المسلمين أمورًا يُحفظ بها كِيان الأمة، وبها يكون لها حظ من القوة والمجد، والفلاح في الدنيا والآخرة.

 

أولًا: وجوب اتخاذ مجلس نيابي؛ لتتشاور فيه الأمة على مصالحها ونجاحها، وهذا معنى صدر الآية: ﴿ وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ ﴾؛ لأن الأمر للوجوب.

 

ثانيًا: وجوب الدعوة في هذا المجلس إلى الخير، والخير معنى جامع لكل ما فيه خير وصلاح للأمة؛ سواءً أكان في تحسين حالتها الاقتصادية - من تجارة وزراعة وصناعة - أو في تحسين قوتها الدفاعية من جميع نواحيها في طياراتها الجوية، وفي أساطيلها البحرية، وفي مدافعها، وفي دباباتها، وفي تنظيم جيوشها، وجعلها في أتَم استعداد؛ لتدافع عن البلاد والعباد دون عجزٍ ولا خَوَرٍ، أو في تَقْوِيَة رابطتها الأخلاقية والاجتماعية؛ حتى تكون الأمة كجسم واحد إذا اشتكى منه عضو، تألَّم سائر الأعضاء، وبالإجمال الدعوة إلى كل خير ينفع الأمة في حاضرها ومستقبلها، وهذا معنى القسم الثاني من الآية: ﴿ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ ﴾.

 

ثالثًا: الأمر بالمعروف على مقتضى قواعد الشرع الإسلامي في كل ما ينفع الأمة في دينها ودنياها.

 

رابعًا: النهي عن المنكر؛ أي: عن كل منكر لا يرضاه الدين، وتَأْباه قواعد الشرع، ولا شك أن كل منكر نهى عنه الدين هو مُضر للأمة في أخلاقها وفي دينها وفي مالها، ومُذهِب لكِيانها، ومُضعِف لقوتها، وهذا معنى القسم الثالث والرابع من الآية: ﴿ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ﴾.

 

خامسًا: وعد الله الأمة بالفلاح والنجاح في الدنيا والآخرة، لمن مشى على هذه الطرق المستقيمة، والقواعد القويمة على وجه التأكيد والتأبيد، كما يُفهَم من الجملة الخبرية، وضمير الفصل، وتعريف الطرفين، وهذه الأسرار لا يعلمها إلا الراسخون، وهذا معنى آخر الآية: ﴿ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾.

 

المبادئ الإسلامية في التاريخ:

التاريخ هو المذياع الصامت، الذي يُسمعك حوادث الدهر، ومجريات الأيام، ويصل الماضي بالحاضر، والغائب بالشاهد، ويتكلم عن المحاسن والمساوئ، ولا يخشى من الناس لومة لائم، وها إني أضعه بين يديك؛ ليُسمعك صوته الرنَّان الذي ملأ الشرق والغرب - في المُثُل العليا - بالعدل والمساواة، وتواضُع الرؤساء أمام الشعب ونوَّاب الأمة؛ مما يدلك دلالة واضحة على نفوس أبيَّة، تَميل مع الحق حيث مال، ولا تبغي به بديلاً، حينما لحق النبي صلى الله عليه وسلم بالرفيق الأعلى، انتخبت الأمة نوابًا، وتُرِك الأمر إلى ذوي المكانة السابقة في الإسلام؛ لتَنتخب الرئيس بعده، فانتخبوا، واجتمعت كلمتهم على سيدنا أبي بكر رضي الله عنه؛ لِما له من الأيادي البيضاء في نُصرة الدين، وإخلاصه العظيم للأمة، ولحكمته ودِرايته في الحكم مما اكتسبه من النبي صلى الله عليه وسلم، وقواعد القرآن العظيم، ولِما أن وضعت قلادة الرئاسة في عُنقه، قبِلها ونفسه تأْباها؛ لِما يعلم من أنها أمرٌ عظيم تَزِل فيها الأقدام، وبعد القبول قام في جمع مُحتشد من الأمة ونوابها، وخطب قائلاً كلمته الذهبية التي كانت مثالًا قويمًا لسير الحكام والرؤساء على جادة الحق والنفع العام، فقال: "أيها الناس، قد وُلِّيتُ عليكم ولستُ بخيركم، فإن أحسنتُ فأعينوني، وإن أخطأت فقوِّموني، الصدق أمانة، والكذب خيانة، والضعيف فيكم قوي عندي حتى آخذ له حقه، والقوي فيكم ضعيف عندي، حتى آخَذ الحق منه إن شاء الله، لا يدَع أحدكم الجهاد، فإنه لا يدعه قوم إلا ضربهم الله بالذل، أطيعوني ما أطعت الله ورسوله، فإذا عصيتُ فلا طاعة لي عليكم"؛ ا .هـ.

 

وقبل انتقاله إلى الدار الباقية بقليل - أي: حينما مرِض مرَضَ الموت - عَهِد بالرئاسة إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ذاك الرجل الذي ملأ الأرض عدلًا وحرية، كما ملأها إخلاصًا ويقينًا، ولَما أَنِسَ أبو بكر بلقاء ربه، تسلَّم عمر زمام الحكم بإجماع المسلمين، وحينما وجد أن البيعة لزمته ولا محيص له عنها، قام في المسلمين خطيبًا على مثال سلفه وقال كلمته العظيمة التي تُعَد بحق قانون العدل ونبراس الإخلاص، قال:

"أيها الناس، إنما الخليفة منكم يُخطئ ويصيب، فمن رأى منكم فيّ اعوجاجًا، فليُقوِّمه، فقام رجل وقال: لو رأينا فيك اعوجاجًا لقوَّمناه بسيوفنا، فقال عمر: الحمد لله الذي جعل في المسلمين من يقوِّم اعوجاج عمر".

 

أنموذج من المجالس النيابية في عصر نزول القرآن:

إليك صورة واضحة ومرآة جلية من مجالسهم النيابية في عصر الإسلام الأول - عصر نزول القرآن - وكيف أنها أُسِّست على التقوى، وبُنِيت على الإخلاص، وشُيِّدت على حب النفع لخلق الله، لا لتفاخر ولا لجاه أو منصب؛ رُوِي في التاريخ الإسلامي أن بعض القبائل كان يظن أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يموت، وكان بعضها يظن أن الإسلام ينتهي أمره بموته، فلما توفِّي رجعت هذه القبائل عن الدين الإسلامي، وارتدَّت على أدبارها إلى أديانها القديمة، ثم امتنعت بعض القبائل أيضًا عن إطاعة الخليفة أبي بكر، ولم تُقِر له بالرئاسة، ورفضت أن تدفع إلى بيت مال المسلمين زكاة المواشي والزرع ظنًّا منهم أنها جزية، والعربي يَأْنَف أن يدفع الجزية؛ لأنها ضريبة يدفعها الضعيف للقوي، والمغلوب للغالب، وقد ظهر حينئذ في أنحاء الجزيرة أربعة رجال وامرأة، قاموا يُقلدون النبي صلى الله عليه وسلم وادَّعوا كذبًا أنهم أنبياء يَنزل عليهم الوحي من السماء، وأخذوا يدعون قبائلهم إلى الإيمان بهم، وعدم اتباع الخليفة، ولما رأى أبو بكر هذه الفوضى قامت على قدمٍ وساق، وأن ليس لإخماد هذه النيران المتأججة إلا الحزم في السياسة وحُسن الإدارة، اهتم بهذه الحوادث اهتمامًا عظيمًا منذ بادئ أمرها قبل أن تَستشريَ، فجمع رؤساء المسلمين - الذين هم نواب الأمة يومئذ في مجلس كالمجلس النيابي اليوم - وشاوَرهم فيما يجب عمله، فرأوا بعد تبادُل الآراء أنهم إذا تركوا المرتدين، سرى عملهم إلى غيرهم، وإذا لم يهتموا بأمر المتنبئين الكاذبين، أثروا في القبائل، فيَضعُف حينئذ أمر الإسلام والمسلمين بعد أن جاهدوا مع النبي صلى الله عليه وسلم مدة طويلة في تَقْوِيته وإعلاء شأنه، فقرَّروا حينئذ محاربة القبائل المرتدة والممتنعة عن الزكاة، والمتنبئين إلى أن تَعلوَ كلمة الله، وترجع هذه القبائل إلى طريق الحق والصواب، فقام في المجلس جمع من الصحابة، وعارضوا هذا الرأي؛ منهم أبو عبيدة، وسالم مولى أبي حذيفة، وغيرهم، وعلى رأسهم عمر بن الخطاب، وأدلَى ببيانه، فكان منه قوله للرئيس أبي بكر: "تألَّف الناس وارفُق بهم، فإنهم بمنزلة الوح"، فرد عليه أبو بكر بقوله: "رجوتُ نُصرتك، وجئتني بخَذْلك، أجبَّار في الجاهلية وخوَّار في الإسلام؟! قد انقطع الوحي، وتَمَّ الدين، أينقص وأنا حيٌّ، لأُجاهد فيهم مهما استمسك السيف بيدي، وإن منَعوني عقالًا".

 

فقال عمر: وإنما شحت العرب على أموالها، فلو تركت للناس صدقة هذه السنة، فأبى إلا قتالهم، وقال له أيضًا: كيف نقاتل الناس وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أُمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله محمد رسول الله، فإذا قالوها عصموا مني دماءَهم وأموالهم))؟! فقال له أبو بكر: أليس قد قال: ((إلا بحقِّها))، ومن حقها إقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، والله لو منعوني عقالًا كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، لقاتَلتهم على منْعه، ولو خذَلني الناس كلهم لجاهدتهم بنفسي.

 

وبينما هم في المشاورة قام (خالد بن الوليد)، وقال: إني أقدِّم نفسي لهذا الجهاد، وأعاهد الله أن أرسل سيفي هذا - وسلَّ سيفه - فلا أُغمده حتى تهدَأ هذه الفتنة، ويرجع الإسلام إلى قوته وعزه، أو أموت شهيدًا، فأقضي واجبي نحو الله وديني، ففرِح المسلمون في هذا المجلس فرحًا عظيمًا من كلام خالد الخالد؛ لأنهم يعرفون فيه البطولة والشجاعة، حينئذ شكره الخليفة وقال له: صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث سمَّاك (سيف الله المسلول)، وإني منذ الآن قد عيَّنتك قائدًا لجيوش المسلمين في هذه الحروب، وحارب المسلمون وقتئذ جيوش أهل الردة، وانتصروا انتصارًا باهرًا، وقَوِيت شوكة الإسلام بفضل حزم أبي بكر، ولَمَّا رأى عمر صواب رأْيه وقوة حزمه، أقرَّ بخطئه؛ إذ قال: "والله لقد رجَح إيمان أبي بكر بإيمان هذه الأمة".

 

على هذه القواعد المتينة والمبادئ السامية، مشى المسلمون ونوابهم ورؤساؤهم في عصورهم الذهبية الأولى، وبهذا نالوا ما نالوه من قوة عظيمة ومجد يُناطح هام الثُّريَّا.

 

أما اليوم فنحن على أبواب عهد جديد، ألا فليَقتدِ نوابنا بأولئك النواب الأحرار، وليَقتدِ رؤساؤنا برؤساء العدل والإخلاص؛ ليُحيوا تلك الرسوم الدارسة، وليُعيدوا تلك السيرة الطاهرة، وليرجعوا ذلك المجد المؤثل والعز الرفيع.

 

يا مَن ألقت إليكم الأمة مقاليد الحكم، ها هي أرواح السلف الطاهرة مُطِلَّة عليكم، تُراقب سَيْركم وإخلاصكم، فإن سِرتُم بسَيْرهم نجحتم، وأحْيَيتم أُمة مسكينة ذاقت ألَم العذاب ومُرَّ الهوان دهورًا متطاولة، وناءت بحبل الاستعباد قرونًا متتالية، كونوا مثالًا حيًّا لسلفكم الصالح، تكونوا مثالًا صادقًا للأجيال المقبلة، فالعدل العدل، والإخلاص الإخلاص، والرحمة الرحمة، ارحموا مَن في الأرض يَرحمكم من في السماء، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه.

 

المصدر: مجلة التمدن الإسلامي، السنة الثالثة، العدد الأول، 1356هـ - 1937م





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • السيرة في ضوء القرآن الكريم
  • المجالس وآدابها

مختارات من الشبكة

  • المجالس النيابية وعلاقتها بالشورى في الإسلام (ملخص)(رسالة علمية - مكتبة الألوكة)
  • مخطوطة بهجة المجالس وأنس المجالس (النسخة 3)(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • مخطوطة بهجة المجالس وأنس المجالس(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • مخطوطة بهجة المجالس وأنس المجالس(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • السرية في المجالس (أسرار المجالس)(مقالة - موقع أ. د. علي أبو البصل)
  • تصرفات القاضي وأحكامه النيابية وتطبيقاتها القضائية(رسالة علمية - مكتبة الألوكة)
  • عرض لكتاب: (العزل عن الولايات النيابية في الفقه الإسلامي)(رسالة علمية - مكتبة الألوكة)
  • عرض لكتاب: (العزل عن الولايات النيابية في الفقه الإسلامي)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مجالس سماع (صحيح مسلم) بمدينة الخبر(مقالة - موقع أ. أيمن بن أحمد ذوالغنى)
  • ألمانيا: حزب الخضر: الإسلام جزء من مدينة فوبرتال(مقالة - المسلمون في العالم)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • ندوة تثقيفية في مدينة تيرانا تجهز الحجاج لأداء مناسك الحج
  • مسجد كندي يقترب من نيل الاعتراف به موقعا تراثيا في أوتاوا
  • دفعة جديدة من خريجي برامج الدراسات الإسلامية في أستراليا
  • حجاج القرم يستعدون لرحلتهم المقدسة بندوة تثقيفية شاملة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 22/11/1446هـ - الساعة: 16:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب