• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    كل من يدخل الجنة تتغير صورته وهيئته إلى أحسن صورة ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    محاضرة عن الإحسان
    د. عطية بن عبدالله الباحوث
  •  
    ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: ﴿يوم تأتي ...
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    نصوص أخرى حُرِّف معناها
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    فضل العلم ومنزلة العلماء (خطبة)
    خميس النقيب
  •  
    البرهان على تعلم عيسى عليه السلام القرآن والسنة ...
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    الدرس السادس عشر: الخشوع في الصلاة (3)
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    القرض الحسن كصدقة بمثل القرض كل يوم
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الليلة التاسعة والعشرون: النعيم الدائم (2)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    حكم مشاركة المسلم في جيش الاحتلال
    أ. د. حلمي عبدالحكيم الفقي
  •  
    غض البصر (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    كيف تقي نفسك وأهلك السوء؟ (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    زكاة الودائع المصرفية الحساب الجاري (PDF)
    الشيخ دبيان محمد الدبيان
  •  
    واجب ولي المرأة
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    وقفات مع القدوم إلى الله (9)
    د. عبدالسلام حمود غالب
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / سيرة
علامة باركود

مع كلمة الله تعالى: عيسى ابن مريم عليه السلام

مع كلمة الله تعالى: عيسى ابن مريم عليه السلام
د. غنية عبدالرحمن النحلاوي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 26/11/2014 ميلادي - 3/2/1436 هجري

الزيارات: 61326

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

لمحات وامضة مع خيرة الخلق من أولي العزم

(للنفوس التي أرهقتها الحدثان)


الحلقة الرابعة: مع كلمة الله تعالى: عيسى ابن مريم عليه السلام

مقدمة:

قال نبينا محمد صلى الله عليه وسلم: ((أنا أولى الناس بعيسى ابن مريم في الأولى والآخرة))، قالوا: كيف يا رسول الله؟ قال: ((الأنبياء إخوةٌ من علات، وأمهاتهم شتى، ودِينهم واحد، وليس بيننا نبي))، وقال العلماء في معنى الحديث: "أي: أنا أخص الناس بعيسى؛ لأنه كان مبشِّرًا بي قبل بعثتي، وممهدًا لقواعد مِلَّتي، ثم في آخر الزمان متابع شريعتي[1]، وقد تمثل رسولنا الكريم به وسماه "العبد الصالح"[2]، وها نحن من بعده صلى الله عليه وسلم نتعرض لنفحات، ونستجلي ومضات سريعة في سيرته عليه السلام، كما فعلنا في الحلقات السابقة مع إخوانه من أولي العزم من الرسل - عليهم صلوات ربي وسلامه.

 

وبداية قد يستغرب المرءُ كونَ عيسى عليه السلام من أولي العزم من الرسل، رغم قِصر مدة رسالته مقارنة مع نوح عليه السلام، وعدم تعرضه لابتلاءات عظيمة؛ (كالإلقاء في النار، والشروع في ذبح ولده بيده)، ورغم اقتصار دعوته على مجتمع واحد، فلا فرعون ولا قارون!

 

ولا شك أن لله تعالى حكمة إذ جعله أحدهم، حين قال عز من قائل: ﴿ وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ﴾ [الأحزاب: 7]؛ فهو تعالى ذكر الأنبياء، ثم عطف عليهم هذه المجموعة، وعطفُ الخاصِّ على العام يفيد أن للخاص زيادة في الفضل، كما قال علماؤنا[3]، وإن المتبصر في سيرة هذا النبي يجده واحدًا من أولي العزم من الرسل؛ لاعتبارات هامة، والله أعلم، نوجز بعضها عبر إضاءات في الدلالات التربوية والدعوية، مع السعي لاستلهام وتعلُّم دروس في ذلك العزم وتلك العزيمة، مكرِّرين ما بيناه في الحلقات السابقة من أن حديثنا عن نبي، ولسنا أنبياء، لا يمنَعُنا من الاقتداء والاهتداء وتجديد العزيمة:

الإضاءة الأولى: في دلالة المعجزات:

♦ أول ما يَلفِت نظرنا أنه سبحانه أجرى لعيسى - عليه السلام - من المعجزات المادية ما يذهل أولي الألباب، وأولها: أن الله تعالى - عظُم شأنه - خلَقه في رحم أمه من غير أب، وأنطقه في المهد.

 

وهذا لم يكن مدعاة للسرور أو الغرور، وما كان عيسى ليستنكفَ عن عبادة الله تعالى، ولا ليستكبر؛ قال عز من قائل: ﴿ لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ ﴾ [النساء: 172]، والله هو الذي علَّمه وجعله نبيًّا، فبدَا قمة في التواضع والتذلل لله تعالى وهو يكلم الناس في المهد وكهلاً، ثم وهو يتعرض للمساءلة الشديدة - كما سنرى - في قول الله تعالى له: ﴿ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ ﴾ [المائدة: 116]، وتلك المعجزات كانت تكليفًا ومسؤولية، وما تلاها من تأليهِ الناس له بدا عبئًا ثقيلاً، جاء الوحيُ ورسالة الإسلام بتصحيحه على مدى الزمان والمكان؛ قال تعالى: ﴿ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا ﴾ [النساء: 171]، قال المفسرون - كابن كثير -: ﴿ كَلِمَتُهُ ﴾: كن فكان، و﴿ رُوحٌ مِنْهُ ﴾: أحياه فجعله رُوحًا، وقالوا: أضيفت "الروح" إلى الله تعالى على وجه التشريف.

 

وأول ما أنبأ المسيح قومَه أنه "عبد الله" بمنتهى البشرية وتمامها، وأنه لولا أن "آتاه الله " و"جعله" و"أوصاه" لَمَا كان شيئًا؛ قال تعالى: ﴿ فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا * قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا * وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا * وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا * وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا ﴾ [مريم: 29 - 33].

 

♦ ويرتبط بتلك الإضاءة تميزُه - عليه السلام - بأنه كان أشبهَ الأنبياء، بل الخلق قاطبة، بآدمَ عليه السلام، من حيث التخلق والوجود؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ * الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ ﴾ [آل عمران: 59، 60]، عبر ومضتين من نور المشكاة:

1- فكان عيسى - عليه السلام - شاهدَ بيان حي، يجدِّد إيمان الناس ويذكِّرهم، وقد جعلهم الإِلف والعادة يغفُلون عن معجزة الخلق الأولى لآدم من تراب، ﴿ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [آل عمران: 7]!

 

ومع تذكُّر معجزة خلق آدم وعيسى - عليهما السلام - نستحضر معجزة خلقنا من جديد، وخروجنا من الأجداث كالجراد المنتشر؛ قال تعالى: ﴿ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ ﴾ [الأنبياء: 104]، فهي معجزةٌ مستمرة حتى قيام الساعة لكل من شاء أن يؤمن، ومسكين "مَن أبى"؛ ولهذا قال تعالى عن عيسى: ﴿ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ ﴾ [مريم: 21]، الناس على إطلاقهم.

 

2 - والوجه الآخر لربطِ عيسى ابن مريم - عليه السلام - بآدمَ هو الرد على من ألَّهَه عبر تساؤل مُفاده: كيف تؤمنون بخلق آدم أبي البشر من غير أم ولا أب، وتكفُرون بمعجزة خلق عيسى وبشريته التامة من أم بدون أب؟!

 

وكل هذا التشريف لم يزِدْه - عليه السلام - إلا تواضعًا، حتى وهو يعرِض عليهم معجزاته كان يجدد التذكير، ويشدد في التوجيه: أن الهدفَ هو رجوعُهم لعبادة الله وحده، وأن جميع تلك المعجزات ما كانت لتتمَّ إلا بإذن الله تعالى؛ إذ قال: ﴿ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِ الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [آل عمران: 49].

 

الإضاءة الثانية في التأهيل المبكر:

كل نبي أرسل لقومه وتلقى المهمة للصَّدْع بالرسالة في مرحلة من حياته بعد بلوغ الأشد، لكن عيسى - عليه السلام - حمل الأمانة ومسؤولية الكلمة منذ اللحظة الأولى لولادته، وطَوال حياته، وحتى رفعه الله إليه، (بل وهو جنين قد بُشِّرت أمه به)؛ قال تعالى: ﴿ إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ * وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ ﴾ [آل عمران: 45، 46].

 

وكان أول ما نطق به كلمات يطمئن بها أمَّه، حين ناداها مهدئًا من رَوعِها: ﴿ أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا ﴾ [مريم: 24]، ثم حين برَّأها وأعلن للقوم بِرَّه بها في سياق إعلان رسالتِه من المهد: ﴿ وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا ﴾ [مريم: 32]، فلا يكاد يرِدُ ذِكر المسيح في القرآن الكريم إلا مقرونًا بذكر أمه مريم، والله تعالى جعلهما: ﴿ آيَةً لِلْعَالَمِينَ ﴾ [الأنبياء: 91].

 

وهذه الإضاءة ذكرتني بحقيقة تربوية هامة، وهي أن الطفل ينطبع بما تطبعه عليه في مرحلة مبكرة، (مع الفارق طبعًا بين عيسى ابن مريم وأي طفل)، ولقد ثبت علميًّا أن التعليم المبكر جدًّا هو أمرٌ مجدٍ، وأن الرضيع يبدأ بالتلقي منذ اليوم الأول، فيتأثر سلبًا أو إيجابًا، وهو يخزن المعلومات والمفردات مع التكرار، ويحتفظ بها لحين يستطيع استعادتها بعد بلوغه العام، سبحان الله! وهذا يمكن تطبيقه على ما تشاء، ونظرًا لسلامة الفطرة في هذا العمر، فهذه هي الفترة الذهبية التي تستبق بها كمربٍّ المؤثراتِ الضارة بالنَبْتِ الغض، والمعرقلة أو المانعة أحيانًا من تمثل الغذاء التربوي الروحي، وأشير إلى أن التطبيق المعجز لذلك والمثبت عمليًّا هو أن الطفل يستفيد من سماع القرآن الكريم منذ ولادته[4]، وهنا فالإشارة الوامضة تقول: اطبَعْ مولودك على البرِّ بوالديه أبكر ما يمكن، وربِّهِ مبكرًا جدًّا على المودة في القربى، لا سيما لأشقائه، وهو أمر يهمل مع الأسف للجيل الحاضر، وغالبًا محاولات الطبع المتأخرة تبقى ناقصةً، أو تفشل!

 

الإضاءة الثالثة في دور بني إسرائيل:

مما يجعَلُك تفهم لماذا عيسى - عليه السلام - من أولي العزم من الرسل: أنه أُرسِل إلى قوم من أصعب الناس مِراسًا، وأسرعهم للغدر، هم بنو إسرائيل، كما خبَرهم كليمُ الرحمن من قبل؛ قال تعالى: ﴿ وَرَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ ﴾ [آل عمران: 49].

 

ورغم كل تلك المعجزات، ورغم نصاعة الرسالة وأنها تصديقٌ لِما قبلها مع التخفيف عليهم، ورغم وضوح الكلمة وموافقتها للفطرة السليمة، فإنهم كفروا! ولم يكتفُوا بذلك، بل بلغوا الذروة في الخسة والنذالة حينما تآمَروا لقتله بالغدر والخيانة[5]؛ قال تعالى: ﴿ فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ ﴾ [آل عمران: 52]، وكلمة "أَحَسَّ" القرآنية فيها من الدقة ما فيها؛ فهي تدل على فِراسة الأنبياء من جهة، ولكنها تدل كذلك على تلاعب بني إسرائيل ومراوغتهم وقد أسَرُّوا الغدر! وهي جِبلَّة فيهم، والعياذ بالله!

 

فكل ما أتاهم به عيسى ابن مريم، وقد أوجزته الآية الكريمة: ﴿ إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ ﴾ [آل عمران: 51]: لم يخرُجْ عن رسالة موسى - عليه السلام - من اتباع الصراط المستقيم، وعبادة الله وحده، وهو مضمون الإسلام؛ لذلك: ﴿ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 52].

 

والله تعالى كما فضح تآمر بني إسرائيل على نبيه عيسى - عليه السلام - حين أخزاهم ورفعه إليه، فهو يفضحهم المرة تلو المرة حتى قيام الساعة؛ قال المفسرون: "كان رفع عيسى من مكر الله بهم (أي: بني إسرائيل)؛ فإنه نجى نبيه ورفعه من بين أظهرهم، وترَكهم في ضلالهم يعمهون، يعتقدون أنهم قد ظفِروا بطلبتهم، وأسكن الله في قلوبهم قسوة وعنادًا للحق ملازمًا لهم، وأورثهم ذلة لا تفارقهم إلى يوم التناد؛ ولهذا قال تعالى: ﴿ وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ ﴾ [آل عمران: 54]".

 

وكم من عِبرة لنا في قصصهم وأحوالهم في القرآن الكريم، وهي عِبَر لم ترِدْ فيه لنجعل بيننا وبينها فاصلاً كأنه مسرح ونحن لا شأن لنا إلا أننا مشاهدون!، بل إن مفاصل قصصهم وتفاصيلها وردت في سور كثيرة، ومن زوايا متعددة؛ لنتبين، فنتجنب المنزلقات والمساوئ التي جعلتهم يستحقُّون غضب الله تعالى، ولعن الأنبياء بمن فيهم موسى وعيسى عليهما السلام، ناهيك عن الذلة والخزي، فهلاَّ اعتبرنا؟!

 

الإضاءة الرابعة: الصبر على الأنصار والأصحاب وشد العزيمة بتقوى الله (من دلالة "المائدة"):

قد يدهشك أن أولئك الحواريين[6] أقربَ الناس إلى المسيح عيسى ابن مريم، وأنصارَه المصدقين طلبوا منه معجزة ليصدقوه، تخيل هذا الموقف، بل وحددوها: مائدة من السماء، ليأكلوا منها ويعلموا أنه صدقهم؛ قال تعالى في سورة المائدة التي سُميت باسم هذه المعجزة: ﴿ إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ ﴾ [المائدة: 112].

 

موقف صعب، كفيلٌ بأن يجعل أي إنسان عادي يفقد توازنه.

 

وها نحن نتعلم من ذلك الرسول الكريم الصبرَ على مواجهة المصاعب (التي مهما بلغت لم تكد تقترب من هذه).

 

وهو مِن أولي العزم، والعزم يقتضي صبرًا وتقوى؛ قال تعالى: ﴿ وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ﴾ [آل عمران: 186]، والأنبياء قدوة في تقواهم، وكذلك صبرهم، وما أكثرَ ما صبر عيسى ابن مريم! فهو - عليه السلام - صبر على أعباء الدعوة، وصبر على قلة الأتباع، وكثرةِ المكذبين وحقدهم، وصبر على كفر بني إسرائيل به، وتأليبهم الناس عليه، والغدر به، علاوة على ما رمَوْا به أمَّه مريم عليها السلام زورًا وبهتانًا، (وسيلي امتدادُ صبرِه بعد الرفع على تحريف المحرفين لرسالته، الذين ما لبِثوا أن اتخذوه إلهًا).

 

وها هو يصبر على طلبات المصدقين المؤمنين به، بعد أن أَوْلاهم ثقته، واطمأن إلى صدق ومتانة إيمانهم؛ فناشَدهم بتقوى الله أن يتراجعوا عن طلب تلك المعجزة العظيمة، مشفقًا عليهم مما بعد المعجزة، لكنهم أصروا: ﴿ قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * قَالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ ﴾ [المائدة: 112، 113]، فأقبل وقد عزم المسألة متسلحًا بتقواه وصبره يسأل الله تعالى ربَّه وربهم - كما دأب على تذكيرهم -: ﴿ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ﴾ [المائدة: 114].

 

وانظُرْ ما قاله الله تعالى جل شأنه عندما أجاب طلب نبيِّه:

﴿ قَالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لَا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ ﴾ [المائدة: 115]، ويا له من وعيد مزلزل، راعب، لا يمكن للمرء مجرد تخيله، سبحانك ربي! ومن يطيق؟!

 

وهذا هو ما خشِيه المسيح على أتباعه بالضبط، وفي ذلك قال عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما: "إن أشد الناس عذابًا يوم القيامة ثلاثة: المنافقون، ومَن كفَر مِن أصحاب المائدة، وآل فرعون"، والله أعلم.

 

وبعد:

أخي القارئ، كلما حزَبك ما أهمك، وأُتِيتَ من قِبل العدو والصديق ممن تثق به، ومن تُحس غدره، لا سيما وأنت تبتغي وجه الله تعالى - تذكر عزيمة ابن مريم، "الرجل الصالح" كما سماه رسولنا، بصبره وتقواه، وتسلح بتقوى الله تعالى؛ لتحتمل الصبر، وتشد عزيمتك بهما، وأقبِلْ على مولاك سبحانه بقلب سليم، واعزم المسألة!

 

الإضاءة الخامسة: في دلالة الثبات على الحق حتى القيامة، وحكمة الرفع:

تميَّز المسيح ابن مريم - عليه السلام - بأن جهاده بالكلمة الصادقة مستمرٌّ لِما بعد رفعه على أوجه غيبية، يعطينا القرآن والسنة لمحات منها بقدر يسير يكفينا لنفهم ونتعلم ونقتدي ونتعظ:

أولها: المساءلة الأخيرة، وكلمة المسيح لأتباعه المحرِّفين:

قال تعالى يسأل المسيح: ﴿ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ ﴾ [المائدة: 116]، وفي هذه المساءلة الشديدة ما فيها من دلالة على إيذاء أتباعه له؛ إذ حرَّفوا رسالته، وغلَوْا في دِينهم فألَّهوه، وأول دليل قدمه - عليه السلام - على أنه ليس إلهًا لأولئك الضالين لو يقرؤون القرآن، هو التزامه بالحق الذي أُرسل به، ورده علمَ الغيوب لعلام الغيوب سبحانه: ﴿ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ ﴾ [المائدة: 116]، وهذه الحوارية القرآنية في سورة المائدة ترسُم لنا صورة عبدٍ تقي نقي متذلِّل لله تعالى في تجرد تام من أي حظ للنفس، أو سلطة أو مَيزة، ولكنه إلى ذلك على أشد ما تكونُ القوة والعزيمة في رفض دعوى التأليه، وردها على مَن افترَوْها عليه ونشروها، فضلُّوا وأضلوا؛ إذ يقول: ﴿ مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ ﴾ [المائدة: 117].

 

وتلك المساءلة تقيم على مشركي النصارى الحجةَ والبرهان بكلمات نبيهم الصريحة، وجوابه الواثق الصادق، والله أعلم به، وهي خيرُ تنبيه ودعوة منه - عليه السلام - لتصحيحِ عقيدتهم، عسى أن يغفرَ الله لهم، حين قال: ﴿ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ * إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [المائدة: 117، 118]، وهو سأل الله سبحانه ليس بأنه غفور رحيم، ولكن بأنه: ﴿ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ سبحانه، وبما تقتضيه "عزته وحكمته" لمن تاب وآبَ وأقرَّ بالعزة والحكمة لله وحده، وهذه الومضة تذكرنا أن في آيات القرآن العظيم تصحيحَ ضلالات الأمم الأخرى، وتبرئة الرسل مما رُمُوا به زورًا وبهتانًا؛ ولذلك كنا أمة وسَطًا، وكان الأنبياء يطلبون شهادة رسولنا وشهادتنا لهم، وفي تفسير ابن كثير: "عن ابن عباس في قوله تعالى على لسان الحواريين: ﴿ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ ﴾ [آل عمران: 53]، قال: مع أمة محمد صلى الله عليه وسلم، (قال: وهذا إسناد جيد)[7]؛ ولذلك فمسؤوليتنا في هذه الأمة عظيمة وممتدة في الدنيا وصولًا للآخرة، ثبَّتَنا اللهُ.

 

وها هو جهاد المسيح - عليه السلام - بالكلمة، وإشفاقه من مصير أتباعه إن لم يتوبوا عن تأليهه، مستمرٌّ، والباب لاستجابتهم بالتوبة مفتوح، طالما آيات القرآن الكريم تتلى في الآفاق والأصقاع، آناءَ الليل وأطراف النهار!

 

فمَن شاء منهم وأعتق نفسه من النار، فقد فاز، ومن لم يفعل فإنه سيؤمن بابن مريم إيمانًا خاليًا من الضلال، ولكن قبل موته، بعد أن يكون فات الأوان، كما نبأنا الله تعالى حين قال سبحانه: ﴿ وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا ﴾ [النساء: 159]! قال ابن عباس: "لو ضُرِبت عُنقه لم تخرج نفسه حتى يؤمن بعيسى"، عِلمًا أن للمفسرين قولاً آخرَ، هو أن المقصود موت عيسى بعد نزوله عند المنارة البيضاء شرقي دمشق[8]، ثانيها: نزول المسيح لإتمام المهمة، ونشر العدل والحق، فقد توقفت أعمال الرسل بشخوصهم، ورسالة عيسى مستمرة، وسيكون ختامها لجميع أهل الأرض قرب قيام الساعة؛ ولذلك كان - عليه السلام -: ﴿ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ ﴾ [آل عمران: 45].

 

وها هو يصدق القول بالعمل، والكلمة بالدليل، فيرجع إلى دنيانا كما أمره الله تعالى؛ ليعلن إسلامه، ويكسر الصليب، ويقتل الخنزير؛ ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((والذي نفسي بيده، ليوشكَنَّ أن ينزل فيكم ابن مريم حَكَمًا مقسطًا، فيكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، ويفيض المال حتى لا يقبله أحد، حتى تكون السجدة الواحدة خيرًا من الدنيا وما فيها))، وفي رواية: ((كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم وإمامُكم منكم؟))[9].

 

ولذلك رفَعه الله تعالى إليه، في أقوال عن أنه مات قبل الرفع أم بعده، وترجيح المفسرين: أنه لم يمت، من خلال قوله تعالى: ﴿ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا * بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا * وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا ﴾ [النساء: 157 - 159].

 

وثالثها: حكمة الرفع: إن رفع الله تعالى المسيح ابن مريم - عليه السلام - تتجلى أهميته مع التطور السريع للعلم، ومع تعاظم الإنسان في نفسه، وغروره القاروني، بضخامة ودقة ما تفتحت له من آفاق، لا سيما في علم الجينات والهندسة الوراثية، وهي كشوف جعلت البعض يؤلِّه العقل، ويغتر بالعلم، بدل أن يزداد إيمانًا وتواضعًا لِمن وهَبه ذلك العقل، وفتَح له مغاليقَ ما شاء له تحديدًا من تلك العلوم!

 

فلو لم يرفع عليه السلام - ونعلم أن الأرض لا تأكل أجسام الأنبياء[10] - لجهدوا ومشطوا الأرض طولاً وعرضًا، وغامَروا للحصول على أي نسيج من جسمه - عليه السلام - ولو بضع خلايا؛ لتحديد صيغته الخلوية، (وهو بالنص القرآني من أمٍ دون أب)، كيف تبدو؟ ومن أين جاءت جيناته؟ وكيف تبدو مورثاته؟ ولَمَا ارتاح بالهم حتى يحددوا نمط الـ: "د. ن. ا" الخاص به، بحجة تقديس الحقيقة والعلم، (ناهيك عن حجة الفضول العلمي)، بينما يكون وراء هذا ما وراءه من نوايا، ليس أقلها التشكيك بالنص القرآني، ودحض النص النبوي، وربما بدعم محسوبين على هذا الدين[11]؛ قال تعالى: ﴿ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ ﴾ [الأنفال: 30]، وما علموا أن لله الأمر من قبل ومن بعد، سبحانه عظم شأنه!



[1] الحديث متفق عليه؛ أي: ليس بيني وبينه نبي، بل جئتُ بعده؛ كما قال: ﴿ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ ﴾ [الصف: 6]، واستنبطوا من الحديث بطلان قولِ مَن قال: الحواريون كانوا أنبياءَ بعد عيسى عليه الصلاة والسلام، والأُولى والآخرة يحتمل أن يراد بهما الدنيا والآخرة، وأن يراد بهما الحالة الأولى، وهي كونه مبشرًا، والحالة الآخرة، وهي كونه ناصرًا مقويًا لدينه؛ (قاله الطيبي في مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح).

[2] عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يؤخذ برجال من أصحابي ذاتَ اليمين وذات الشمال، فأقول: أصحابي! فيقال: إنهم لم يزالوا مرتدِّين على أعقابهم منذ فارقتَهم، فأقول كما قال العبد الصالح عيسى ابن مريم: ﴿ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ * إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [المائدة: 117، 118]))؛ حديث صحيح، ومطلَعُه: ((تُحشَرون حفاةً عراةً)).

[3] وانظر الهامش رقم 2 من الحلقة الأولى، http: //www.alukah.net/sharia/0/77699

[4] ومنها تجارِبُ قامت على إسماعِ الطفل آيات القرآن الكريم منذ الولادة لمدة خمس دقائق مرتين يوميًّا، وكان من نتائجها النطقُ المبكر، مع وضوح مخارج الحروف بعمر سنة ونصف، ولقد تعمق اليابانيون فدرسوا بَدْء ملكة التعلم منذ الحياة الرحمية، واشتهرت تجرِبة الأم اليابانية التي دأبت يوميًّا على قراءة الشعر والأدب والغناء بصوت شجي لجنينها، ومخاطبته في بطنها بلغة راقية ذات مضامين مفعمة بالعاطفة، فكان ولدها عبقريًّا، تمكن في عمر سنتين من قراءة الصحف اليومية باستيعاب تام!، فإذا كان الجنين من الممكن تدريبُه علميًّا بالاتجاه الذي يراد، فأي مهمة تنتظرنا؟ وأي تعهد مبكر للزرع وفق الفطرة السليمة يجدر بنا؟! (والمزيد في: "زراعة الإنسان" مخطوط للكاتبة، ونشر بعضه في مجلة النور - بيت التمويل الكويتي - كانون الأول 2012).

[5] جاء في قصة قتل بني إسرائيل لعيسى عليه السلام بزعمهم، وإرادته بالسوء والصَّلب: أنهم تآمَروا عليه، ووشَوْا به إلى الملك الكافر، على أنه رجل يُضل الناس، ويصدهم عن طاعة الملك، ويفرق بين الأب وابنه، وأنه ولد زانية، إلى غير ذلك مما رمَوْه به كذبًا، حتى استثاروا غضب الملك، فبعث في طلبه من يأخذه ويصلبه وينكِّل به، فلما أحاطوا بمنزله وظنوا أنهم قد ظفِروا به، نجاه الله من بينهم، ورفعه من روزنة ذلك البيت إلى السماء، وألقى اللهُ شبهه على رجل كان عنده في المنزل، فلما دخل أولئك اعتقدوه في ظلمة الليل عيسى عليه السلام، فأخذوه وأهانوه وصلبوه، ووضعوا على رأسه الشوك، وكان هذا من مكرِ الله بهم؛ فإنه نجى نبيَّه، ورفعه من بين أظهرهم، وتركهم في ضلالهم يعمهون، يعتقدون أنهم قد ظفِروا بطلبتهم، وأسكن الله في قلوبهم - أي: بني إسرائيل - قسوة وعنادًا للحق ملازمًا لهم، وأورثهم ذلة لا تفارقهم إلى يوم التناد؛ ولهذا قال تعالى: ﴿ وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ ﴾ [آل عمران: 54].

[6] وقيل: سمُّوا بذلك لبياض ثيابهم، وقيل: صيادين، والصحيح: أن الحواري الناصر؛ كما ثبت في الصحيحين: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لَمَّا ندب الناس يوم الأحزاب، فانتدب الزبير، ثم ندبهم فانتدب الزبير فقال: ((إن لكل نبي حواريًّا، وحواريَّ الزبير)).

[7] ومن غلوهم أنهم كما قال تعالى: ﴿ اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ [التوبة: 31]، أما إيمانُهم بالمسيح عليه السلام عند موتهم فقد قال ابن عباس: "لا يموت اليهودي - ولغيره: الكتابي - حتى يشهَد أن عيسى عبدُالله ورسولُه، ولو عُجِّل عليه بالسلاح"، والمعنى الآخر لـ: ﴿ قَبْلَ مَوْتِهِ ﴾ [النساء: 159]؛ أي: قبل موت عيسى عليه السلام؛ أي: جميعهم يصدِّقون به عندما ينزل ويقتُل الدجال.

[8] ومن غلوهم أنهم كما قال تعالى: ﴿ اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ [التوبة: 31]، أما إيمانُهم بالمسيح عليه السلام عند موتهم فقد قال ابن عباس: "لا يموت اليهودي - ولغيره: الكتابي - حتى يشهَد أن عيسى عبدُالله ورسولُه، ولو عُجِّل عليه بالسلاح"، والمعنى الآخر لـ: ﴿ قَبْلَ مَوْتِهِ ﴾ [النساء: 159]؛ أي: قبل موت عيسى عليه السلام؛ أي: جميعهم يصدِّقون به عندما ينزل ويقتُل الدجال.

[9] وروى مسلم عن جابر رضي الله عنه، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((لا تزال طائفةٌ من أمتي يقاتِلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة، قال: فينزل عيسى ابن مريم صلى الله عليه وسلم، فيقول أميرهم: تعالَ صلِّ لنا، فيقول: لا، إن بعضكم على بعض أمراءُ، تكرمة الله هذه الأمة)).

[10] قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله عز وجل حرَّم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء))، حديث مطلعه: ((من أفضل أيامكم يوم الجمعة))، وقال الألباني: إسناده صحيح، ومع الأسف فإن الاغترار بالعلم وتقديس العقل صار ديدنَ ناسٍ حتى من المسلمين، لا سيما مَن يعيشون في الغرب، فصِرت تسمع وتقرأ عن محاكمة النصوص النبوية والقرآنية - لا سيما المتشابه منها - للعقل، ورفع مقولة: "لا مساس بالعقل"، بالتوازي مع خفض مقولات: "لا مساس بالذات الإلهية، لا مساس بشخصية الرسول، لا مساس بالثوابت الشرعية"، من خلال عرضها بصورة ساخرة، وتعمد الخلط، وتشويش القارئ العادي غير المتمكن، بحجة حريةِ الفكر، واحترام عقل ورأي هذا القارئ، ويشجعونه على أن يرد على مقولاتهم ويناقشها، بعد تشويشه أو تسطيحه برفق وملاسة الأفعى والتوائها، وهم على ثقة أنه لا يملِكُ وسائل الرد!هداهم الله وأصلحهم!

[11] قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله عز وجل حرَّم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء))، حديث مطلعه: ((من أفضل أيامكم يوم الجمعة))، وقال الألباني: إسناده صحيح، ومع الأسف فإن الاغترار بالعلم وتقديس العقل صار ديدنَ ناسٍ حتى من المسلمين، لا سيما مَن يعيشون في الغرب، فصِرت تسمع وتقرأ عن محاكمة النصوص النبوية والقرآنية - لا سيما المتشابه منها - للعقل، ورفع مقولة: "لا مساس بالعقل"، بالتوازي مع خفض مقولات: "لا مساس بالذات الإلهية، لا مساس بشخصية الرسول، لا مساس بالثوابت الشرعية"، من خلال عرضها بصورة ساخرة، وتعمد الخلط، وتشويش القارئ العادي غير المتمكن، بحجة حريةِ الفكر، واحترام عقل ورأي هذا القارئ، ويشجعونه على أن يرد على مقولاتهم ويناقشها، بعد تشويشه أو تسطيحه برفق وملاسة الأفعى والتوائها، وهم على ثقة أنه لا يملِكُ وسائل الرد!هداهم الله وأصلحهم!





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • ذلك عيسى ابن مريم قول الحق الذي فيه يمترون ( خطبة )
  • مولد عيسى ابن مريم عليه السلام
  • عيسى ابن مريم عليه السلام (خطبة)

مختارات من الشبكة

  • مخطوطة حديث عيسى ابن مريم وحديث الطير مع أبي بكر وحديث الضب مع النبي(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • مع آية: (فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • انتق كلماتك في التعامل مع أبنائك(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • إعراب البسملة إعرابا كاملا | هل عدد كلمات البسملة 10 كلمات ؟!(مادة مرئية - مكتبة الألوكة)
  • فضل التهليل بكلمة التوحيد: الكلمة الطيبة كلمة الإخلاص(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مسيرة اللغة العربية.. كلمة التاريخ وكلمة الواقع(مقالة - حضارة الكلمة)
  • قصة ست كلمات (ق.س.ك)(مقالة - حضارة الكلمة)
  • كيف يجب أن يتعامل المسلم مع أقدار الله ونعمه: نعمة الأولاد أنموذجا؟ (كلمة بمناسبة عقيقة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • وقفات وتأملات مع كلمات جامعة لـ"عبدالله بن المبارك"(مقالة - آفاق الشريعة)
  • لماذا وكيف أتدبر القرآن الكريم؟ (كلمات في العيش مع القرآن)(مقالة - آفاق الشريعة)

 


تعليقات الزوار
1- يقين أهل الكتاب بنبوة سيدنا عيسى وأنه عبدالله قبل موته
مهند النحلاوي - saudi arabia 13-04-2016 09:35 PM

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمدلله الذي بنعمته تتم الصالحات

موضوع مهم وتفصيل رائع
رقع الله قدركم د.غنية وزادكم علماً

ذكرت آية في سورة النساء
قال سبحانه: ﴿ وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا ﴾ [النساء: 159]! قال ابن عباس: "لو ضُرِبت عُنقه لم تخرج نفسه حتى يؤمن بعيسى"

أنا الحقيقة في السابق كنت أقرؤها وآخذ بالتفسير الثاني الذي تفضلت به من أقوال المفسرين وهو أن أهل الكتاب سيؤمنون به بعد نزوله في آخر الزمان وينشر العدل

ولكن بعد فترة من البحث أجد نفسي مرتاحا لقول ابن عباس

"كل أهل الكتاب سواء النصارى أو اليهود سيهتدون إلى الحقيقة بطريقة ما بمصدر ما أن عيسى هو عبدالله قبل موتهم منذ أن رفع الله سيدنا عيسى عليه السلام إلى وقت نزوله في آخر الزمان

كيف ربنا جل جلاله سيحاسب النصارى يوم القيامة ويقيم عليهم الحجة

لابد أن يأتيهم اليقين بنبوة سيدنا عيسى وأنه عبدالله فمنهم من يسلم ومنهم من يبقى ويتجاهل هذه الحقيقة خوفاً من مجتمعه أو تكبراً

والله أعلم

دمتم بألف خير
والسلام عليكم

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب