تحقيق تخريج مسألة ( إن هذا المال حلوة خضرة )

تحقيق تخريج مسألة

(إن هذا المال حُلْوةٌ خَضِرةٌ)

قال ابن أبي حاتم في كتاب العِلل: وسألت أبا زرعة عن حديث رواه داود[1] بن عبدالرحمن العطار، عن إسماعيل بن أمية، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبيه، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن هذا المال حُلْوةٌ خَضِرةٌ[2]، فمن أخذه بحَقِّه بورك له فيه، ورُبَّ مُتَخَوضٍ[3] في مال الله ومال رسوله فيما اشتهت نفسه، له النار يوم يلقاه".

قال أبو زرعة: هذا خطأ؛ إنما هو سعيد المقبري، عن عُبيد سَنُوطا أبي الوليد، عن خولة بنت قيس- امرأة حمزة بن عبدالمطلب - عن النبي صلى الله عليه وسلم.

قلت لأبي زرعة: الخطأ ممن هو؟

قال: الله أعلم، هكذا رواه داود العطار.

رجال الإسناد:

• داود بن عبدالرحمن العطار، أبو سليمان المكي (ت275 تقريباً).

روى عن ابن المبارك، وابن جريج، ومعمر، وهشام بن عروة، وغيرهم.

روى عنه سعيد بن منصور، وابن وهب، والشافعي، وقتيبة بن سعيد، وغيرهم.

وثقه ابن معين - فيما رواه إسحاق بن منصور عنه -، وأبو حاتم، وأبو داود، والعجلي:

والبزار. وذكره ابن حبان في الثقات، وقال: كان متقناً من فقهاء أهل مكة.

ونقل الحاكم عن ابن معين تضعيفه. وقال الأزدي: يتكلمون فيه.

قال ابن حجر في الهدي: لم يصح عن ابن معين تضعيفه، والأزدي قررنا أنه لا يعتد به.

وقال في التقريب: ثقة، لم يثبت أن ابن معين تكلم فيه.

انظر التهذيب 3/ 192، هدي الساري (ص421)، التقريب (1798).

• إسماعيل بن أمية الأموي، ثقة ثبت، تقدمت ترجمته رقم 535.

• سعيد بن أبي سعيد المقبري، ثقة تغير، تقدمت ترجمته في المسألة رقم 582.

• أبو سعيد المقبري: كيسان، ثقة ثبت، تقدمت ترجمته في المسألة رقم 582.

• أبو هريرة - رضي الله عنه - صحابي جليل، تقدمت ترجمته في المسألة رقم 501.

• عُبيد سَنُوطا[4]، ويقال: عبيد بن سَنوطا، أبو الوليد المدني، من الثالثة.

روى عن خولة بنت قيس، وعنه سعيد المقبري، وعمر بن كثير بن أفلح.

قال العجلي: تابعي ثقة. وذكره ابن حبان في الثقات.

واحتج به ابن حبان في صحيحه، وهو دلالة توثيقه، كما تقدم في المسألة رقم 535.

وأخرج له الترمذي حديثنا هذا، وقال حسن صحيح.

قال ابن حجر في التقريب: وثقه العجلي.

قلت: فيظهر من هذا أن الرجل ثقة، لتوثيق العجلي وابن حبان، واحتجاج ابن حبان به في صحيحه، واحتجاج الترمذي بحديثه، وعدم وجود جارح له، والله أعلم.

انظر تهذيب الكمال 19/ 251، التهذيب 7/ 79، التقريب (4404).

• خولة بنت قيس بن قَهْد الأنصارية الخزرجية، أم محمد، زوج حمزة بن عبدالمطلب.

وقال ابن المديني: خولة بنت ثامر هي بنت قيس، وثامر لقب، وحكى ذلك ابن عبدالبر.

ورجحه المزي، وتبعه ابن حجر، فقالا: خولة بنت ثامر، في خولة بنت قيس.

وقال ابن الأثير: ما أقرب أن يكون ثامر لقب لقيس، فإن الحديث في الترجمتين واحد.

أسد الغابة 5/ 446، ت الكمال 35/ 163، الإصابة 12/ 230، 237، التقريب (8576).

تخريج الحديث:

روى سعيد المقبري هذا الحديث، واختلف عليه، على أحد الرواة عنه:

أولاً: رواه إسماعيل بن أمية، واختلف عليه:

1- فرواه داود العطار، عن إسماعيل، عن سعيد، عن أبيه، عن أبي هريرة.

2- ورواه داود أيضاً، عن إسماعيل، عن سعيد، عن أبي هريرة.

3- وروي عن إسماعيل، عن سعيد، عن خولة بنت قيس.

ثانياً: ورواه عدد من الثقات، عن سعيد، عن عبيد سنوطا، عن خولة بنت قيس.

وتابع سعيداً على هذا الوجه: عمر بن كثير بن أفلح.

أولاً: رواه إسماعيل بن أمية، واختلف على من دونه:

1- فرواه داود العطار، عن إسماعيل، عن سعيد، عن أبيه، عن أبي هريرة:

أخرجه أبو يعلى في مسنده 11/ 487، رقم 6606، عن عبدالأعلى (وهو ابن حماد).

وابن أبي عاصم في الزهد، رقم 151، عن عباس النرسي.

كلاهما عن داود العطار، عن إسماعيل بن أمية، به.

وذكره الدارقطني في العلل 10/ 385، من رواية عبدالأعلى، وعباس، عن داود.

قلت: وعبدالأعلى: لا بأس به، وعباس: ثقة. (التقريب3730، 3193).

2- ورواه داود أيضاً، عن إسماعيل، عن سعيد، عن أبي هريرة:

ذكره الدارقطني في العلل 10/ 386، فقال بعد ذكره للوجه الأول: وغيرهما - يعني غير عبدالأعلى وعباس - يرويه عن داود العطار، عن إسماعيل بن أمية، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة، ولا يقول: عن أبيه، وكلاهما وَهْم. وإنما روى هذا الحديث المقبري، عن عبيد، عن خولة بنت قهد، عن النبي صلى الله عليه وسلم.

قلت: ولم أقف على من رواه عن داود على هذا الوجه، ولم يذكره الدارقطني لنرى هل يقوى على معارضة الوجه الأول أم لا.

وعليه فلعل الوجه الأول أرجح عن داود؛ حيث رواه ثقة وصدوق كذلك، والله أعلم.

3- وروي عن إسماعيل، عن سعيد، عن خولة بنت قيس:

ذكره الدارقطني في العلل (5ق231/ أ)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (2ق344/ ب).

قلت: ولم أقف على من رواه كذلك، ولم يذكرا من رواه عن إسماعيل، لنرى هل هو أقوى من داود أم لا.

وعليه فلعل الوجه الأول هو أرجح هذه الأوجه عن إسماعيل، والله أعلم.

ثانياً: ورواه عدد من الثقات، عن سعيد، عن عبيد سنوطا، عن خولة بنت قيس:

أخرجه الترمذي 4/ 587، كتاب الزهد، باب ما جاء في أخذ المال، رقم 2374- ومن طريقه ابن عساكر في الأربعين البلدانية (ص90)، رقم 14 -، ورواه أحمد 6/ 378.

والطبراني في الكبير 24/ 228، رقم 578 - ومن طريقه المزي في تهذيب الكمال 19/ 252 -، ورواه البخاري في التاريخ الكبير 5/ 451، وابن أبي الدنيا في إصلاح المال (138)، رقم 2، وابن عساكر في الأربعين البلدانية (ص91)، رقم 14. من طريق الليث.

والطبراني في الكبير 24/ 228، رقم 579، وابن الأعرابي في الزهد رقم 99، والبيهقي في شعب الإيمان 7/ 279، رقم 10304[5]، وأبو عبيد في غريب الحديث 1/ 361، من طريق محمد بن عمرو بن علقمة.

والطبراني في الكبير 24/ 227، رقم 577، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني 6/ 55، رقم 3259، وأبو نعيم في الحلية 2/ 64، وفي معرفة الصحابة (2ق344/ ب)، من طريق أبي معشر.

والبخاري في التاريخ الكبير 5/ 450، وابن الأثير في أسد الغابة 5/ 446، من طريق عبدالحميد بن جعفر.

والبخاري في التاريخ الكبير 5/ 450، من طريق ابن عجلان.

كلهم عن سعيد المقبري، عن عبيد، عن خولة بنت قيس.

وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.

وتوبع سعيد على هذا الوجه:

أخرجه ابن حبان 7/ 150، رقم 2892، و10/ 370، رقم 4512، والبخاري في التاريخ الكبير 5/ 450، وأحمد 6/ 364، 410، والحميدي 1/ 171، رقم 353- ومن طريقه الطبراني في الكبير 24/ 229، رقم 582، وأبو نعيم في الحلية 7/ 311-، ورواه عبد بن حميد (المنتخب ص459، رقم 1588)، وعبدالرزاق 4/ 95، رقم 2962- ومن طريقه الطبراني في الكبير 24/ 229، رقم 580، وابن الأعرابي في الزهد رقم 96 (ومن طريقه القضاعي في مسند الشهاب[6] 2/ 182، رقم 1143) -، ورواه ابن أبي شيبة 13/ 242- ومن طريقه الطبراني في الكبير 24/ 229، رقم 582، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني 6/ 57، رقم 3262، وابن عبدالبر في جامع بيان العلم وفضله 1/ 737، رقم 1353[7] -، ورواه الطبراني في الكبير 24/ 229، 230، رقم 581، 587، وفي الأوسط 6/ 154، رقم 5314، وابن أبي عاصم في الزهد، رقم 152، وفي الآحاد والمثاني 6/ 56، رقم 3260، 3261، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (2ق344/ ب)، وابن الأعرابي في الزهد رقم 97، وابن حجر في الأمالي المطلقة (ص188).

كلهم من طريق يحيى بن سعيد، عن عمر بن كثير بن أفلح، عن عبيد، عن خولة[8].

قلت: وعمر بن كثير: ثقة (التقريب4960).

النظر في المسألة:

مما تقدم يتضح أنه اختلف على سعيد المقبري في هذا الحديث، وعلى من دونه، وخلاصة ما تقدم من الاختلاف عليه ما يلي:

1- رواه إسماعيل بن أمية - في الراجح عنه - عن سعيد، عن أبيه، عن أبي هريرة.

2- ورواه إسماعيل أيضاً - في وجه مرجوح عنه -، عن سعيد، عن أبي هريرة.

3- ورواه إسماعيل أيضاً - في وجه مرجوح عنه -، عن سعيد، عن خولة بنت قيس.

4- ورواه عدد من الثقات، عن سعيد، عن عبيد سنوطا، عن خولة بنت قيس.

وتابع سعيداً على هذا الوجه: عمر بن كثير بن أفلح، وهو ثقة.

والوجه الرابع أرجح هذه الأوجه؛ حيث رواه عدد من الثقات عن سعيد كذلك.

وأما الأوجه الباقية فأرجحها كما تقدم هو الوجه الأول، وهو من رواية داود العطار عن إسماعيل، وداود ثقة، وإسماعيل ثقة ثبت. وعليه فلعل الحمل فيه على داود.

ومن ذلك يتضح أن هذا الوجه شاذ، لمخالفته عدداً من الثقات.

وقد سأل ابن أبي حاتم أبا زرعة: الخطأ ممن هو؟ فقال أبو زرعة: الله أعلم، كذا رواه داود العطار.

قلت: ولعل الخطأ من داود إذ إن إسماعيل أوثق منه، كما تقدم. ولعل عدم جزم أبي زرعة؛ لأن كليهما ثقة. ولكن تقدم أن إسماعيل أثبت، والله أعلم.

والحديث من وجهه الراجح إسناده صحيح، فقد توبع سعيد عليه، وعبيد تقدم أنه ثقة على الراجح.

كما أن له طريقاً أخرى عند البخاري، وغيره، من طريق النعمان بن أبي عياش، عن خولة، نحوه.

انظر البخاري 6/ 251 (مع الفتح)، كتاب فرض الخمس، باب قول الله تعالى: ﴿ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ ﴾ [الأنفال: 41]، رقم 3118. والله أعلم.