• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    محاضرة عن الإحسان
    د. عطية بن عبدالله الباحوث
  •  
    ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: ﴿يوم تأتي ...
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    نصوص أخرى حُرِّف معناها
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    فضل العلم ومنزلة العلماء (خطبة)
    خميس النقيب
  •  
    البرهان على تعلم عيسى عليه السلام القرآن والسنة ...
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    الدرس السادس عشر: الخشوع في الصلاة (3)
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    القرض الحسن كصدقة بمثل القرض كل يوم
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الليلة التاسعة والعشرون: النعيم الدائم (2)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    حكم مشاركة المسلم في جيش الاحتلال
    أ. د. حلمي عبدالحكيم الفقي
  •  
    غض البصر (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    كيف تقي نفسك وأهلك السوء؟ (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    زكاة الودائع المصرفية الحساب الجاري (PDF)
    الشيخ دبيان محمد الدبيان
  •  
    واجب ولي المرأة
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    وقفات مع القدوم إلى الله (9)
    د. عبدالسلام حمود غالب
  •  
    علامات الساعة (1)
    تركي بن إبراهيم الخنيزان
  •  
    تفسير: (يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان ...
    تفسير القرآن الكريم
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / الرقائق والأخلاق والآداب / في محاسن الإسلام
علامة باركود

هل استشعرت نعم الله عليك؟

هل استشعرت نعم الله عليك؟
الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 15/10/2014 ميلادي - 20/12/1435 هجري

الزيارات: 83393

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

هل استشعرت نعم الله عليك؟


إن الحمد لله نحمده ونستعينه، ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مُضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، ومَن تبِعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

 

أمَّا بعدُ:

فأُوصيكم ونفسي بتقوى الله جل وعلا، فإنها وصية الله للأوَّلين والآخرين؛ قال الله عز من قائل: ﴿ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ ﴾ [النساء: 131].

 

ألا وإن من تقوى الله جل وعلا أن يتبصَّر المؤمن أنواع النعم التي منَحه الله إياها، فالإنسان يتقلب في أنواع من النعم التي لا تُعد ولا تحصى، والتي ربما يتوقف عندها العقل، ويتأملها الفكر، لكن أكثرها لا يمكن أن يتأمَّله الإنسان، ولا يُحيط به.

 

وقد امتنَّ الله جل وعلا على عباده، فقال عز من قائلٍ سبحانه: ﴿ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ ﴾ [إبراهيم: 34].

 

وأخبر سبحانه وتعالى أن هذه النعم ستكون محلاًّ للسؤال يوم القيامة، وأنها لن تَمضي دون مساءلة بين يديه جل وعلا، فقد قال ربُّنا سبحانه: ﴿ ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ ﴾ [التكاثر: 8].

 

فأي نعيمٍ سيكون السؤال عنه يوم القيامة، قد يذهب الذهن والفكر إلى أن هذا النعيم مما يعيش فيه أصحاب الثروات وأصحاب النعم الوفيرة، التي ربما يتخيَّل كلُّ أحدٍ أن المخاطب بهذا مَن هو فوقه، ولكن في حقيقة الأمر أنه ما من مخلوق إلا وهو يتقلَّب في أنعُم الله جل وعلا، وسيُسأل عن هذه النعم، وإذا زِيدَ له في نعمةٍ ما، فإن السؤال يكون عنها مزيدًا يوم القيامة، ولذلك جاء في حديثٍ رواه الإمام مسلمٌ في صحيحه عن النبي صلى الله عليه وسلم أن فقراء المهاجرين يكونون أسبق دخولًا للجنة من أغنيائهم، ما الذي أخَّر هؤلاء، وقدم أولئك؟ هو مساءلتُهم عن الأموال التي مُنحِوا إياها!

 

ولكن يبقى السؤال لكل أحد عن أنواع النعم التي أُوتيها، وكثيرٌ من الناس لا يتأمل هذه النعم التي يتقلب فيها، مما يدركه وما لا يدركه، ولهذا في كثيرٍ من الأحيان يتوجه الظن إلى أن السؤال عن النعم بين يدي الله جل وعلا، إنما هو لفئةٍ خاصة من العباد، ولكنه في حقيقة الأمر سيكون السؤال لكل أحدٍ بحسب ما أُوتي من أنواع نعم الله جل وعلا ومِنَنه.

 

جاء في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم خرج يومًا من داره، فوجد بعض أصحابه رضي الله عنه وقد خرجوا من دُورهم لا يجدون طعامًا، ونبيهم محمد صلى الله عليه وسلم كان كذلك، حتى هيَّأ الله له مَن يدعوهم ويُضيِّفهم، فلما تناوَلوا ما تناوَلوا من الطعام الذي سدُّوا به رَمقهم، وارتفع به جوعهم - قال النبي صلى الله عليه وسلم: ﴿ ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ ﴾ [التكاثر: 8]، أو كما ثبَت عليه الصلاة والسلام، فأي أحدٍ منا اليوم يخرج من داره وهو لا يجد الطعام، لا يجد الشراب أيامًا متواليات، إن ذلك في زماننا لقليلٌ وإن وُجِد، ولكن هكذا كان الأمر في هذه المناسبة لنبينا صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وفي مناسبات متكررة.

 

ألم تقل أم المؤمنين رضي الله عنها: "لقد كان يمر بنا الهلال، ثم الهلال، ثم الهلال، ثلاثة أهلة في شهرين، لا يُوقد في بيتٍ من بيوت رسول الله صلى الله عليه وسلم نارٌ".

 

والمقصود أيها الأخوة الكرام أنه ينبغي أن يكون حاضرًا لدى كل أحدٍ منا، أنه سيُسأل عما أنعم الله جل وعلا عليه، حتى شربة الماء البارد سوف يُسأل عنها، هل أدَّى شكرَها؟ أم أنها كانت بخلاف ذلك؟ فالشاكر لأنعُم الله، المبادر لحمده سبحانه - سيكون جزاءَه شكرُ الله له، فإن الله سبحانه غفور شكور، ومن جزاء الله له أن يُبارك الله له في ما أنعَم عليه، وأن يضع عنه تَبعة هذا الأمر المُنعَم به، وأيضًا أن الله تعالى يزيد في هذه النعم، يزيد فيها، ويُواليها جل وعلا؛ كما قال سبحانه: ﴿ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ﴾ [إبراهيم: 7].

 

أيها الأخوة الكرام، إن التوفيق لشكر نعم الله تعالى، وتأمُّلها والإحاطة بشيءٍ منها، إن التوفيق لذلك من دلائل خضوع العبد لربه، وإذعانه له، وإخباته له جل وعلا، وتوكُّله عليه سبحانه، بخلاف مَن قد يجعل الشيطان في أذهانهم هذا المسلك الإبليسي الذي يعترض فيه الإنسان على ربه جل وعلا في ملكه وفي عطائه وإنعامه، إن هذا المسلك الإبليسي يحمل المرء على أن يعترضَ، وعلى أن يستصغرَ ما أُنعِم عليه به من ربه سبحانه، وعلى أن ينظر إلى أن الله تعالى قد حرَمه، سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علوًّا كبيرًا، هذا المنهج الإبليسي الذي ابتدأه عدوُّ أبينا آدم، وعدوُّنا من بعد أبينا عليه السلام، حينما اعترض على إنعام الله جل وعلا، بعد أن أُمِر بالسجود، قال - لما أمره الله تعالى بالسجود، فأبَى: ﴿ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ ﴾ [الأعراف: 12].

 

فكان هذا الاعتراض الحامل عليه الحسد الذي أخرجه من الجنة، وأخرجه من دائرة عباد الله المصطَفين، إلى أن يكون عدوًّا لله جل وعلا، خالدًا مخلدًا في النار، هو ومَن اتَّبعه وأطاعه، وارتضى أمره في الإعراض عن طاعة الله جل وعلا.

 

وقد حثَّ النبي صلى الله عليه وسلم الناس على منهجيةٍ تساعدهم على أن يكونوا أقربَ لشكر الله جل وعلا، والبعد عن التنكُّر للنعم، أو تسخُّطها، فقال عليه الصلاة والسلام حاثًّا على هذا المنهج الكريم في شأن المقابلة والنظر إلى ما أُنعِم به على غيرنا، قال في أمور الدنيا: ((انظروا إلى من هو دونكم؛ فإنه أجدر ألا تَزدروا نعمة الله عليكم)).

 

كلما كنت في يومٍ من الأيام ترى أنك قد ضُيِّق عليك، أو لم تنَل من الدنيا ما نال غيرُك، فتأمل مَن هو دونك، إن كنت تعاني من أمرٍ معين وضائقةٍ من الضوائق، وترى أن غيرك قد أُعطي من الدنيا ما لم تعطَ أنت، فتأمَّل الآخرين؛ فإن كنت تنظر هذا النظر، وهذا الأمر لا يكاد ينفك عن إنسان، وهو أنه يقارن ويُؤمِّل أن يكون في مكانٍ وحالٍ ومالٍ أكثر مما هو عليه، ينبغي أن يقارن حينئذٍ بمَن هو دونه، فبذلك تسكن نفسه، ويرضى عن ربه جل وعلا، ويُدرك أنه يتقلب في نعم الله سبحانه، فإن كان قد أُعطي غيره ما أُعطي، فينظر أن الله تعالى أنعم عليه بأنواعٍ من النعم التي حُرِمها الآخرون؛ نعمة البصر، وقبل ذلك نعمة الإسلام، نعمة العافية، نعمة الذرية والزوجة والولد، نعمة الأمن، وغير ذلك من أنواع النعم التي كما قال سبحانه: ﴿ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ ﴾ [إبراهيم: 34].

 

إن هذه النعم التي نتقلب فيها، تخفى على كثيرٍ من الناس، وربما يكون البعض عارفًا لها، ولكنه في لحظةٍ أو في أوقاتٍ عديدة لا يستحضر هذه النعم، ولذلك يُجاوزها وينظر إلى أنواعٍ من النعم الأخرى التي يعطيها غيره، فيرى أنه محروم، وأن غيره قد أُعطي ما أراد؛ ولذلك قال ربنا سبحانه: ﴿ وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ ﴾ [طه: 131].

 

وتأمَّل هذا الوصف القرآني العظيم: ﴿ لَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ ﴾، كأن هذا الذي ينظر إلى ما أنعم الله تعالى به على غيره، خرَج عن الجادة، وجاوَز الطبيعة الإنسانية المستقرة، كأن عينيه خرجتا من حدقتيه، وتأمَّل هذا المشهد كأنما العينان قد خرجتا من هذا المكان الطبيعي لهما، والتفتتا يمينًا ويسارًا، إنه منظرٌ بشع يُنبئ حسيًّا ومعنويًّا عن أن هذا الشخص قد جاوز الصراط المستقيم، وخرج عن ما ينبغي له، ولذلك فإن المؤمن ينبغي له في كل حينٍ وفي كل حال أن يَستحضر أنعم الله عليه؛ ليُدرك أنه في نعمٍ عظيمة، وخيراتٍ كثيرة، والمأمور به هو أن يكون شاكرًا لله، سائلًا الله سبحانه وتعالى المزيدَ، وطريقه للمزيد هو شكر الله جل وعلا؛ كما قال سبحانه في هذه الآية الكريمة: ﴿ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ﴾ [إبراهيم: 7].

 

بارَك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بهدي النبي الكريم، أقول ما سمعتم وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

♦♦♦♦


الحمد لله ربِّ العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، وصلى الله وسلم على عبد الله ورسوله نبينا وإمامنا محمد بن عبدالله صلى الله عليه وعلى آله وصحْبه، ومَن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

 

أمَّا بعدُ:

فيا أيها الأخوة الكرام، إن عدم استحضار الإنسان لما أنعَم الله به عليه، وتطلُّع نفسه إلى أنها محرومةٌ ممنوعة - يقودها إلى حقيقة الحرمان، فسيحرم الإنسان حينئذٍ من أن يشكر الله تعالى ويَحمده؛ لأنه يرى أنه مُقتَّرٌ عليه، مُنقصٌ عنه، فيُحرم من هذه المنزلة العالية منزلة الشاكرين، وهم المرضيون عند ربهم جل وعلا، وسُيحرم أيضًا من رضاه عن ربه جل وعلا؛ لأن المؤمن رضي عن ربه، فأرضاه الله جل وعلا، لكن المتسخط، فإنه يُبقَى على تسخُّطه، ويُبقَى على هذا الإثم العظيم الذي فيه اعتراضه على ربه جل وعلا، وحسبكم بذلك إثمًا ومقتًا وبُعدًا عن الرب جل وعلا، ومن العواقب السيئة لهذه النظرات الضيِّقة، أن كثيرًا من الناس قد ينظر إلى أن الإنعام مقياسه هو أمور الدنيا، ولا ينظر إلى أن حقيقة الإنعام وصدقه، هو في أمور الدين، بعد أن هُدِي الإنسان إلى الإسلام أن يوفِّق لمزيد القرب من ربه جل وعلا، فإنه لا يوفق إلى القرب من الله، إلا من أراد الله به الخير، ووالَى الله عليه النعم وتابعها، فالدنيا قد مُنِعها كثيرٌ من خيار عباد الله، بل قد مُنع كثيرًا منها نبينا محمدٌ صلى الله عليه وسلم، مع أنه قد خُيِّر أن يعيش عبدًا نبيًّا أو ملكًا نبيًّا، فتواضع وارتضى مقام العبودية، ولذلك مرَّ عليه من آلام هذه الدنيا وفجائعها العديدُ والعظيمُ، مما يدركه أهل الإسلام؛ فقَد أحبَّته، وأُوذي من قِبَل قومه، مَرِض وقُوتِل، وتعرَّض لأنواع الأمراض، ولكنه صلى الله عليه وسلم ارتضى هذه المنزلة العالية والوعد الرباني الكريم: ﴿ وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى ﴾ [الضحى: 5].

 

وكما قال عليه الصلاة والسلام: ((أشد الناس ابتلاءً الأنبياء، ثم الأمثل، فالأمثل، يُبتلى المرء على قدر دينه)).

 

فالواجب على المؤمن أن ينظر إلى أن حقيقة الإنعام، هي توفيقه لطاعة الرحمن جل وعلا، ولذلك كان من هديه عليه الصلاة والسلام في شأن المقارنة، أن الإنسان في أمور الدين يُقارن نفسه بمَن فوقه، يقارن نفسه بمن سبقوا إلى الرب جل وعلا بطاعته، والإقبال عليه سبحانه وتعالى، بما يحبه ويرضاه، ومما يُعين أيضًا على تجاوُز هذه الإشكالية الكبرى أن يتأمل الإنسان فيمَن قُتِّر عليه، وفيمَن أُصيب وابتُلِي، وأنه في خيرٍ كثير، ولم ينله ما نال كثيرًا من الناس، وهو في نعمةٍ وعافية كلما أُصيب بمصيبة، أو تعرَّض لبلاء أو نقصٍ، فهو ينظر إليه إلى أنه أهون وأقل ممن أُوذِي بمثل ذلك، وأيضًا ينظر إلى أن في هذا رفعةً في درجاته، وقربًا من ربه سبحانه وتعالى، ولذلك جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أن المؤمن تكون له الدرجة في الدنيا لا يبلغها بعمل، ولكن بمصائب هذه الحياة الدنيا، ثم أيضًا مما ينبغي أن يُلاحَظ في هذا المقام أيها الأخوة الكرام أن الذين لم يقنعوا بأنعُم الله عليهم، رجعوا على ربهم بالملامة وبسوء الظن، وحسبكم بذلك إثمًا، وحسبكم بذلك سوء أدبٍ مع الله جل وعلا، ولهذا ندَّد الله سبحانه بأصحاب هذا المسلك البغيض، فقال جل وعلا: ﴿ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ ﴾ [آل عمران: 154].

 

إن ظن الجاهلية أن يظنَّ الإنسان بربه أنه منَعه الخيرات، وأنه عرَّضه للحرمان، وأنه لم يُعطه ما ينبغي أن يُعطى مُثله، وهذا من أعظم الفسق وأعظم الفجور، وأعظم الإعراض عن الرب جل وعلا، فالمؤمن يظن بربه دائمًا الخيرات، يظن بربه سبحانه أنه يختار له ما فيه الخير، أنه يختار له ما فيه الرفعة، ولو كان ظاهر ما يصيبه فيه نوعٌ من النقص أو نوعٌ مما تأباه النفس، لكن العاقبة لمن ظنَّ بالله الخير عاقبةٌ حميدة، وهذا أمرٌ مشاهد، فلكم أن تتأمَّلوا على سبيل المثال هذا الرجل، وهذا العبد، وهذا النبي الكريم، الذي أُجِّجت النار لإحراقه ولقتله وإهلاكه، ما الظن في هذه اللحظات؟ أن يُجعل له المنجنيق ليُرمى به في نارٍ عظيمة، هل يمكن أن يتسلل إلى النفس في هذه اللحظات إلا أحد ظنين؛ إما ظن المؤمن، أو ظن المتُشكك؟

 

أما ظن المؤمن، فإبراهيم عليه السلام ظنَّ بربه الخير، وأنه لا يُسلمه لأعدائه، وأما الآخرون فيظنون أنه مُهلَك، ولكن كانت العاقبة:﴿ قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ ﴾ [الأنبياء: 69].

 

وتأمَّلوا أيضًا في هذه اللحظات الحرجة التي يُحاصر فيها موسى ومن معه، وقومه يقولون: ﴿ إِنَّا لَمُدْرَكُونَ ﴾ [الشعراء: 61]، لكنه هو يقول وقد كان البحر من أمامه والعدو من ورائه: ﴿ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ ﴾ [الشعراء: 62].

 

فكانت المعجزات والآيات البيِّنات أن يُفلق البحر لموسى، فيمشي على قعره يَبسًا، لا يخشى دركًا ولا بللًا، ولا غير ذلك من الأذى.

 

وتستمر هذه السلسلة الكريمة في حسن الظن بالله جل وعلا، حتى تبلغ أشرف الأنبياء وأعلاهم درجةً محمدًا صلى الله عليه وسلم في مراحل عديدة ومواقف متنوعة، ومن ذلك ما سجله القرآن الكريم: ﴿ إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ﴾ [التوبة: 40].

 

أبو بكرٍ رضي الله عنه يقول لنبيِّنا صلى الله عليه وسلم مَقولة الخائف على النبي الكريم: (يا رسول الله، لو أن أحدهم - يعني قريشًا الذين خرجوا لتتبُّعه عليه الصلاة والسلام - نظر موضع قدميه لأبصرنا"، فقال له نبينا صلى الله عليه وسلم: ((ما ظنك باثنين الله ثالثهما)).

 

فأنزل الله سكينته على رسوله، فتأمل حسن العاقبة وحُسن النجاة، وهكذا مَن أراد مسلك الأنبياء، أنه في اللحظات الحرجة لا ينظر إلا إلى الفرج، وإلى حسن العاقبة، هكذا المؤمن، ولذلك قال ربنا: (أنا عند ظن عبدي، فليظن بي ما شاء).

 

فالذين قلَّ إيمانُهم إذا لاحت اللحظات الحرجة، ظنوا بالله الظن السيِّئ، وإذا اشتد المرض لاح أمامهم الموت، وإذا اشتد الفقر لاحت أمامهم الفجائع، وإذا لاحت أمامهم أنواع مصائب الدنيا ظنوا الظن السيئ، لكن المؤمن يظن بالله الخير، ويظن بالله أن عنده الفرج، ويظن أيضًا أنه مهما قضى الله له، فإنه خيرٌ وعقبى حميدة، وإن كان ظاهرها مما قد يظنه الناس سيئًا، ألم يقل ربنا سبحانه - فيما قد يصل إليه مُنتهى العقل البشري، وهو انتهائه من هذه الحياة الدنيا -: ﴿ وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ ﴾ [آل عمران: 158].

 

إلى الله تُرجعون، تتركون هذه الدنيا وغوائلها وشرورها إلى جنةٍ عرضها السموات والأرض، فبمثل هذا الميزان تطيب الحياة، ويطمئن الإنسان، ولا يأْبه بأي عارضٍ يَعرِض له في هذه الدنيا مما يُكدِّره، فيعلم أن العقبى حميدة عند ربٍّ كريمٍ شكورٍ، ملِكٍ وهَّاب، نسأله سبحانه المزيد من فضْله.

 

ألا وصلوا وسلموا على الهادي البشير، وسيد المتوكلين، وإمام المتقين محمد بن عبدالله؛ فقد أمرنا الله بذلك في كتابه الكريم، فقال عز من قائل: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56].

 

اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم؛ إنك حميدٌ مجيد.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الكفر والكافرين.

اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات؛ الأحياء منهم، والأموات.

اللهم اجعل هذا البلد آمنًا مطمئنًا، وسائر بلاد المسلمين.

اللهم أصلح أئمَّتنا ووُلاة أمورنا، وافتح على قلوبهم، ووفِّقهم للخيرات يا ربِّ العالمين.

اللهم احقن دماء إخواننا المسلمين في كل مكان؛ في فلسطين والعراق، وفي أفغانستان والباكستان، وفي ليبيا وسوريا واليمن، وغيرها من البلاد.

اللهم اجعل لهم من كربهم وشدائدهم مخرجًا.

اللهم آمِّنا وآمِّنهم في الأوطان يا رب العالمين.

اللهم عليك بكل مُعتدٍ على المسلمين.

اللهم عليك بكل معتدٍ ظالمٍ للمسلمين.

اللهم اشدُد وطأَتَك عليهم، واكفِ المسلمين شرورهم يا رب العالمين.

اللهم وعجِّل بهلاك المحتلين لبلاد المسلمين.

اللهم أنزِل بهم الفجائع، وشرِّد بهم مَن خلفهم، واجعلهم غنيمةً للمسلمين يا قوي يا عزيز.

اللهم بمنِّك وفضلك لا تدَع لنا في مقامنا هذا ذنبًا إلا غفرته ولا همًّا إلا فرَّجته، ولا كربًا إلا نفَّستَه، ولا دَينًا إلا قضيتَه، ولا مريضًا إلا شفيتَه، ولا سائلًا إلا أعطيتَه برحمتك يا أرحم الراحمين.

 

سبحان ربك ربِّ العزة عما يصفون، وسلامٌ على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • كيف ينظر العبد إلى نعم الله؟
  • لماذا لا تستثمر نعم الله تعالى فيما خلقت له؟
  • في شكر نعم الله والتحذير من الوقوع في المعاصي
  • في شكر نعم الله بمناسبة عطلة الصيف
  • من أعظم النعم
  • التأمل والتفكر في نعم الله علينا
  • نعم الله بين الحاضر والماضي (خطبة)

مختارات من الشبكة

  • هل استشعرت نعم الله عليك ؟(محاضرة - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • حديث: لو أن امرأ اطلع عليك بغير إذن فحذفته بحصاة ففقأت عينه، ما كان عليك جناح(مقالة - موقع الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك)
  • سلام لعينيك البعيدتين(مقالة - حضارة الكلمة)
  • حديث: فكيف نصلي عليك؟(مقالة - موقع الشيخ عبد القادر شيبة الحمد)
  • أدب الحوار مع الناس(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من سورة الأنعام: أبلغ الحق ولا عليك ممن كفر به(مقالة - آفاق الشريعة)
  • المال نعمة لك أو نقمة عليك(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير: (وكذلك يجتبيك ربك ويعلمك من تأويل الأحاديث ويتم نعمته عليك وعلى آل يعقوب)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة عليك بتلاوة القرآن(مقالة - آفاق الشريعة)
  • لماذا أكذب عليك؟(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 9/11/1446هـ - الساعة: 17:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب