حكم من رأى هلال رمضان وحده

حكم من رأى هلال رمضان وحده

اختلف الفُقهاء في حكم وجوب الصوم على مَن رأى هلال رمضان وحده، سواء أكان في صحراء فرآه، أم كان في المِصر، ولم تتوفَّر فيه شروط القبول، بأن ردَّ الإمام شهادته؛ لكونه رآه وحده في حالة الصحو - عند الحنفية - أم كان في المصْر؛ حيث إن لهم قولين باشتراط أكثر من واحد، وهو: قولهم بأنه يشترط أن يراه عدلان، وقول بأنه يشترط أن يراه جمع كثير، أم كان منفردًا، كذلك عند المالكية الذين اشترطوا رؤية عدلَين، وسواء عند المالكية العدل الواحد أو المرجو عدالته، وهو المستور الحال أو الفاسق، وكذلك رؤية الواحد عند الشافعية على القول باشتراط عدلين، وعلى القول باشتراط عدل كذلك، ولكن لم تتوفَّر فيه شروط القبول، وكذلك عند الحنابلة إذا ردَّ الإمام شهادة الواحد لفِسقٍ، على الرواية التي يُجيزون فيها رؤية الواحد، وكذلك على الرواية التي يَشترطون فيها رُؤية الاثنين، وكذلك الحال عند الظاهرية فيما إذا ردَّ الإمام شهادة الواحد.

اختلف الفقهاء في حُكم وجوب الصوم على مَن رأى هلال رمضان وحده في هذه الحالات على مذهبَين.

المذهب الأول:

يجب على من رأى هلال رمضان وحده أن يصوم، سواء أكان ممَّن تُقبل شهادته أم لا، ولا فرقَ بين أن يكون ذلك الواحد هو الإمام أو كان من عموم الناس.

وإليه ذهب جمهور الفقهاء من الحنَفية والمالكية والشافعية، والحنابلة في رواية مشهورة، وهو مذهب الظاهرية، وبه قال الليث وابن المنذر.

المذهب الثاني:

لا يجب الصوم على مَن رأى هلال رمضان وحده، وإليه ذهب الحنابلة في رواية، وهو مذهب عطاء والحسن البصري وابن سيرين وأبي ثور وإسحاق بن راهويه[1].

الأدلة:

أدلة المذهب الأول:

استدلَّ القائلون بوجوب الصوم على مَن رأى هلال رمضان وحده بالكتاب والسنَّة والمعقول.

الدليل من الكتاب:

قوله تعالى: ﴿ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ﴾ [البقرة: 185].

وجه الدلالة:

أن الله تعالى جعل شهود الشهر سببًا لوجوب الصوم على من رآه، وقد حصل شهود الشهر في حقه، فوجب أن يجب عليه الصوم[2].

الدليل من السنَّة:

ما رُوي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن غمِّي عليكم فأكملوا العدد))[3].

وجه الدلالة:

أن النبي صلى الله عليه وسلم قد علَّق الصوم في هذا الحديث على الرؤية أو إكمال العدد، فوجب أن يثبت الصوم في حق من رآه، سواء أكان واحدًا أم أكثر.

الدليل من المعقول:

1- أنه يلزمه الصوم برؤية غيره، فأن يلزَمَه برؤيته وهي متيقنة أَولى وأحرى[4].

2- أن اليقين الذي حصل له مِن رؤية نفسه أبلغ من الظن الحاصل بالبيِّنة[5].

أدلة المذهب الثاني:

استدلَّ القائلون بعدم وجوب الصوم على مَن رأى هلال رمضان وحده بما يأتي:

أن هذا اليوم محكوم به أنه من شعبان، فأشبه التاسع والعشرين[6].

مناقشة الأدلة:

ويناقش ما استدل به أصحاب المذهب الثاني بما يأتي:

أن هذا اليوم وإن كان محكومًا به أنه من شعبان، فهذا في الظاهر في حق غيره، وأما في الباطن فهو يعلم أنه من رمضان، فيلزمه صيامه[7].

الترجيح:

وبعد عرض آراء الفقهاء في المسألة وذِكْر أدلتهم وإيراد ما ورد عليها من مناقشات، فالذي يترجَّح - فيما أرى - هو ما ذهب إليه الجمهور، وهو القول بأن من رأى هلال رمضان وحده يلزمه الصوم؛ وذلك لقوة أدلتهم وسلامتها عن المعارض، والله تعالى أعلم.

إذا رأى هلال رمضان وحده وقلنا بوجوب الصوم عليه فأفطر، فهل تلزمه الكفارة[8]؟

سبق القول بأن الراجح من المذاهب هو وجوب الصوم على مَن رأى هلال رمضان وحده، ولكن إذا أفطر في هذا اليوم فهل تلزمه الكفارة بناءً على أن هذا اليوم من رمضان؟ أو أن هناك شبهة تدرأ وجوب الكفَّارة عنه؟

اختلف الفقهاء في حكم وجوب الكفارة عليه في هذه الحالة على مذهبَين:

المذهب الأول:

أن مَن رأى هلال رمضان وحده لزمه الصوم، فإن أفطرَ لم يَلزمه إلا القضاء، ولا كفَّارة عليه، وإليه ذهب الحنفية.

المذهب الثاني:

يجب على من أفطر وقد رأى هلال رمضان وحدَه: الكفَّارةُ.

وإليه ذهب المالكية فيما إذا أفطر متعمدًا[9]، وسواء أفطر بجماع أو بتناول شيء من المفطرات، وهو مذهب الشافعية والحنابلة في رواية صحيحة، إلا أن الشافعية والحنابلة[10] قالوا: إذا أفطر بجِماع يلزمه القضاء والكفارة [11].

والأدلة:

أدلة المذهب الأول:

استدلَّ أصحابُ المذهب الأول - وهم القائلون بعدم وجوب الكفارة - بما يأتي:

1- أن القاضي رد شهادته بدليل شرعي - وهو: تهمة الغلط - فأورث شبهةً، وهذه الكفارة تندرئ بالشبهات؛ لأنها أُلحقت بالعقوبات، باعتبار أن معنى العقوبة فيها أغلَب، بدليل عدم وجوبها على المعذور والمخطئ بخلاف بقية الكفارات، فإنه اجتمع فيها معنى العبادة والعقوبة، والعقوبة أغلب[12].

أدلة المذهب الثاني:

استدلَّ أصحاب المذهب الثاني - وهم القائلون بوجوب الكفارة - على من رأى هلال رمضان وحده ثم أفطر بما يأتي:

أن هذا عامد للفطر، مُنتهِك لحرمة الشهر، فعليه الكفارة، كما لو أفطر في اليوم الثاني[13].

المناقشة:

مناقشة أدلة المذهب الأول:

ويناقش ما استدل به أصحاب المذهب الأول بما يأتي:

لا نُسلِّم أن الكفارة عقوبة، ثم القياس على العقوبات ينتقض بوجوب الكفارة في السفر القصير مع وقوع الخلاف فيه.

الترجيح:

وبعد عَرْض مذاهب الفقهاء في المسألة وذكر أدلتهم وإيراد ما ورَد عليها من مناقشات، فالذي يترجَّح - فيما أرى - هو: ما ذهب إليه أصحاب المذهب الثاني، وهم القائلون بوجوب الكفارة على مَن أفطر إذا رأى هلال رمضان وحده؛ وذلك لقوة أدلتهم وسلامتها عن المعارض، والله تعالى أعلم.