• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    الحج وما يعادله في الأجر وأهمية التقيّد بتصاريحه ...
    د. صغير بن محمد الصغير
  •  
    تفسير قوله تعالى: { إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم ...
    الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم
  •  
    سمات المسلم الإيجابي (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    المصافحة سنة المسلمين
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    الدرس الثامن عشر: الشرك
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    مفهوم الموازنة لغة واصطلاحا
    د. أحمد خضر حسنين الحسن
  •  
    ملخص من شرح كتاب الحج (5)
    يحيى بن إبراهيم الشيخي
  •  
    من نفس عن معسر نجاه الله من كرب يوم القيامة
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    خطر الظلمات الثلاث
    السيد مراد سلامة
  •  
    تذكير الأنام بفرضية الحج في الإسلام (خطبة)
    جمال علي يوسف فياض
  •  
    حجوا قبل ألا تحجوا (خطبة)
    الشيخ عبدالله بن محمد البصري
  •  
    تعظيم المشاعر (خطبة)
    الشيخ محمد بن إبراهيم السبر
  •  
    من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: (الرفيق، ...
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
  •  
    وقفات مع القدوم إلى الله (10)
    د. عبدالسلام حمود غالب
  •  
    القلق والأمراض النفسية: أرقام مخيفة (خطبة)
    د. محمد بن مجدوع الشهري
  •  
    آفة الغيبة.. بلاء ومصيبة (خطبة)
    رمضان صالح العجرمي
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / الآداب والأخلاق
علامة باركود

القيم الإسلامية .. نتائج وخلاصات

القيم الإسلامية .. نتائج وخلاصات
أ. د. جابر قميحة

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 16/7/2014 ميلادي - 18/9/1435 هجري

الزيارات: 112866

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

القيم الإسلامية

نتائج وخلاصات


(1) كان المجتمع الجاهلي غاصًّا بالمفاسد: عبادة الأوثان، شُرب الخمر، الظُّلم والقهر، الاحتكام إلى السيف في حلِّ القضايا، حتى كانت الحروب تستمر عشرات السنين لأتفهِ الأسباب.

 

وبعض هذه الأمراض الاجتماعية والخُلقية كان عامًّا كالذي ذكرنا، وبعضها كان خاصًّا ببعض قبائل العرب الضعيفة، مثل: وأد البنات، على أنه من الحقائقِ التي يجب أن نعيَها بالنسبة للمجتمعِ الجاهلي في الجزيرة العربية:

أ- أنه لم يكن أسوأ المجتمعات؛ فقد كانت المجتمعاتُ التي تحيط به - وبخاصة مجتمعا الفُرس والروم - أشدَّ سقوطًا وتكالبًا على المفاسد والرذائل، وهذا يقتضينا أن نفسرَ المجتمع الجاهلي تفسيرَه الصحيح ليشملَ كل المجتمعات السابقة والمزامنة لبعثة الرسول صلى الله عليه وسلم، وهذا يتفقُ مع طبيعة الرسالة المحمدية، خاتمة الرِّسالات التي جاءت للناس عامة؛ عربيِّهم وعجميِّهم، في كل الأوطان وكل الأزمان.

 

ب- أنه لم يخلُ من الفضائلِ الإنسانية؛ من شجاعة وكرَم، ونجدة وإغاثة الملهوف، يدل على ذلك:

حِلف الفُضول الذي حضره محمدٌ صلى الله عليه وسلم شابًّا، وأثنى عليه نبيًّا، وهو حِلفٌ عُقد في الجاهلية لنَجْدة المظلوم.

 

نقض بعض الجاهليين - وهم كفَّار - لصحيفة مقاطعة قريش للنبي صلى الله عليه وسلم وآله من بني هاشم، وإمدادهم بالطعام والكساء في ظُلمة الليل سرًّا.

 

استنكار هندِ بنت عتبة أن يكون هناك الحُرَّةُ الزانية؛ فالزانيات كن جماعةً من الإماء المحترفات، لا يزيد عددُهن عن ست أو سبع.

 

إنقاذ بعض كرام الجاهليين للوليدات اللائي يحاول آباؤُهن وَأْدَهن بشِرائهن من مالِهم الخاص؛ حرصًا على حياتهن.

 

وكانت هذه الفضائل هي البقيةَ الباقية مِن بصمات الأديان في النفس العربية: الإبراهيمية، واليهودية، والمسيحية، واستجابة لصوتِ الفطرة التي يُولَدُ عليها كلُّ مولود.

 

(2) وجاء الإسلام فكان له ثلاثةُ مواقف من القِيَم الجاهلية؛ شرِّها وخيرِها:

الموقف الأول هو التحريم:

فقد حرَّم ما غصَّ به المجتمعُ الجاهلي من شرور وموبقات:

حرَّم الشركَ بالله أول ما حرَّم، ودعا إلى عبادةِ الواحد الديان، الفرد الصمد، وحرَّم وَأْدَ البنات، وحرَّم الظُّلم والعدوان، وحرَّم الخمر والميسِرَ والأزلام.

 

الموقف الثاني هو الإقرار:

فقد أقرَّ البقية الباقية في المجتمع الجاهلي من فضائل؛ كالكرم، والشجاعة، والنَّجْدة، حتى إن النبي صلى الله عليه وسلم أثنى على حِلف جاهلي، هو حلف الفضول، وقال: إنه لو دُعِي به في الإسلام لأجابه.

 

الموقف الثالث: التسامي أو الإعلاء:

ويتلخَّص في الإبقاء على "المنبع القِيَمي" مع تحويل مسارِه من "الانحراف الخُلقي" إلى الوجهة السوية الصحيحة، فاستغلَّ الطاقةَ الشعرية في الدفاع عن الدِّين، والإشادة بمكارم الأخلاق، وحوَّل غريزةَ الغضب وحب القتال والعدوان إلى تعشُّق الجهاد؛ حرصًا على نشر الدين، وإعلاء كلمة الله، ومن أشهر الشعراء الذين سما الإسلام بطاقتهم الشِّعرية عبدُالله بن الزِّبَعْرَى الذي صار شاعرَ حقٍّ وصِدق ودِين عندما أسلم.

 

(3) والقيم الإسلامية نوعان:

أ - القِيَم السلبية أو قيم التخلِّي: وتظهر في ترك الموبقات والشرور؛ كالخمر، والغَدْر، والظلم، وأَكْلِ السُّحت.

ب - القِيَم الإيجابية أو قِيَم التحلِّي، مثل: الصدق، والرحمة، والأمانة، والكرم... إلخ.

 

وهذه القِيَم في مجموعها تتَّسِم بسمات ثلاث:

السمة الأولى: التدرج التكليفي:

بمعنى أن هذه القِيَم بصورتيهما لم يأتِ التكليف بها طفرة واحدة، وإلا ملَّ الناس وعجَزوا عن أَخْذِ أنفسهم بها، ولكنها جاءت بالتدريج تبعًا للأحداث، والاحتياجات، ومقتضيات الأحوال.

 

والتدرُّج سِمة كونية في الخَلق والحياة، بالنسبة للإنسان والحيوان والنبات.

 

وأهم ما حقَّقه الإنسان بهذا التدرُّج فائدتان:

(أ) ضمان تنفيذ العمل والاستجابة للشرعِ أمرًا ونهيًا.

(ب) ترسيخ التكاليف والقِيَم في نفوس المؤمنين.

 

وقد ظهَر هذا التدرُّج التشريعي في كلِّ التكاليف الإسلامية على وجهِ التقريب؛ كالصلاة والصيام، ولكن أشهر مثال لهذا التدرُّج هو تحريمُ الخَمر التي لم تحرَّمِ التحريم القاطع إلا بعد تمهيدٍ نفسي قرابة عشر سنوات، فلما حسم القرآن المسألة بآية المائدة: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ... ﴾ [المائدة: 90] إلخ، كانت الإجابة العمليَّة للمسلمين: "انتهينا انتهينا".

 

وقيمة التدرُّجِ تظهَرُ إذا ما عرَفْنا أن أمريكا أخفقت إخفاقًا ذريعًا في تحريمِ الخمر حين فرَضت فجأةً في مطلع العَقد الثالث من هذا القرن قانونَ تحريم الخمر، وأنفقتْ عليه مئاتِ الملايين من الجنيهات، واستخدمت القوةَ والسَّطوة دون جدوى، فعادت إلى إباحةِ الخمر مرة ثانية.

 

السمة الثانية: الوسطية العادلة:

فبعد إغراق اليهودية في المادية العاتية، وبعد إغراق المسيحية في الرُّوحانية والرَّهبانية، جاء الإسلامُ على فترةٍ من الأديان، وجاء محمدٌ صلى الله عليه وسلم على فترةٍ من الرسل، ليصنَع "الأمَّة الوسَط"، وكانت الأخلاقُ الإسلامية بعيدةً عن حَدَّيِ الغلوِّ: الإيغال في المادية، والإيغال في الرُّوحانية، وكان المنطِقُ والمُنطَلق الأخلاقي الإسلامي هو قوله تعالى: ﴿ وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ﴾ [القصص: 77].

 

ولكن الإسلام لم يقِفْ من الأخلاقِ اليهودية والأخلاق المسيحية موقفَ العدَاء؛ فقد أقرَّت الشريعةُ الإسلامية أحكامًا كانت موجودةً في الشرائع السابقة، مثل: الصوم، والأُضحية، ورَجْم الزاني، وتحريم الخمر، ومن سَماحة الإسلام أنه يمجِّد "القيمة الأخلاقية" في ذاتِها، ألم يمجِّد حِلف الفضول: حلف العدل والنَّجدة والأريحية قبل الإسلام وبعد الإسلام، وهو الحِلف الذي عقَده جاهليُّون كانوا على دِين الشِّرك وعبادة الأصنام؟!

 

وشرع مَن قبلنا يُعَدُّ مصدرًا من مصادر التشريع في الإسلام فيما سكت عنه دينُنا ولم يتعارَضْ مع قواعده، ولكن "المفهوم القِيَمي الإسلامي" - كمفهومٍ خالدٍ غيرِ مرحلي - ابتعَد كما قلتُ عن الإيغالِ في ماديَّة اليهودية، والإيغال في رَهبانيَّة المسيحية، والتزم الحدَّ الوسَط في الفضائل، فكانت المثاليَّةُ الإسلامية بهذه الوسطية "مثالية واقعية"، وإن شئتَ فقُلْ: "مثالية أرضية" قادرة على "المُعايَشة" والبقاءِ والخلود.

 

والمسلم بهذه "الوسطية الأخلاقية" إنما يحقِّقُ "التوازن الهرموني" بين العناصر الثلاثة للنسيج البشري، وهي: العقل، الجسد، الرُّوح، وهذا التوازن يعني في حقيقتِه القيامَ بعملية "توفيق" بين مطالبِ العقلِ مِن عِلم ومعرفة، ومطالب الرُّوح مِن عبادةٍ وصفاء وإيمان، ومطالب الجسد من طعامٍ وشرابٍ وجِنس مشروع.

 

والجَوْر على حقِّ العقل في الإشباع يؤدي إلى الجهالة الحيوانية.

 

والجور على حق الرُّوح في الإرواء يؤدي إلى الجمود والتحجُّر النفسي.

 

والجور على حق الجسد يؤدي إلى الاصطدام بالفطرة الإنسانية.

 

وعملية "التوفيق" بين مطالبِ العناصر الثلاثة تحقيقًا للوسَطية العادلة، تختلف في جوهرها عن عملية "التلفيق"؛ فالتلفيق يعتمد على الافتعال والتعسُّف والتعنُّت والمظهرية دون مراعاة لمقتضيات التناسب الإشباعي لهذه العناصر الثلاثة.

 

السمة الثالثة للقيم الإسلامية هي الهيمنة التشريعية:

وأعني بهذه السِّمة أن الطابعَ الأخلاقي والدافع الإنساني وراء كل قاعدة من قواعد الشريعة الإسلامية، سواء أكانت قاعدةً كلية أو قاعدة جزئية، من هنا جعَل الإسلام المقام الأول "للنية" في تكييف الأعمال والأقوال وتقييمها.

 

وقد قرَّر النبي عليه السلام هذه القاعدةَ في حديثه المشهور: ((إنما الأعمالُ بالنِّيات، وإنما لكل امرئٍ ما نوى)).

 

وتظهر "الهيمنة التشريعية" للطوابع الأخلاقية الإسلامية بصفةٍ خاصة في جانبين:

أ - العبادات الإسلامية:

من صلاة وصيام وزكاةٍ وحج؛ فكلُّ هذه العبادات لها جانبانِ؛ الجانب الشكلي المظهري، وهو جانب الأداء بالألفاظ والشَّكل والصورة التي نصَّ عليها الشارع، والجانب الموضوعي الغائي، وهو أن تحقِّقَ هذه العبادات ما شُرِعت من أجلِه، وهو تربية الضمير، وتنقيةُ الوجدان، وحُسن معاملة الآخَرين؛ لذلك أمَر القرآن بإقامة الصلاة لا "أدائها"، والإقامة أكملُ وأرقى من الأداء، وهذا يتفق مع الهادفية الأخلاقيَّة للصلاة التي لخَّصها الله - سبحانه وتعالى - في قوله: ﴿ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ﴾ [العنكبوت: 45].

 

والصوم تربية للنفس على الصبرِ والانتصار على عبودية "العادة"، واستشعار آلام الآخَرين بالجوع والعطش، والإحسان إلى الناس بالمعاملة الطيبة، فلا جهالةَ ولا رَفَثَ حين يكونُ المنطق الحاكم هو: "اللهم إني صائمٌ".

 

والزكاة إنما شُرِعت تطهيرًا للنفس وتزكية للمال: ﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا ﴾ [التوبة: 103]، فإذا أصبحت الصدقةُ مَنًّا أو أذًى، فقد حبِط العمل، وبطَل الثواب.

 

ب - القواعد القانونية:

حيث تحرص الشريعةُ على أن تبنى هذه القواعدُ على أُسُسٍ أخلاقية، وأن تراعي الجانب الإنساني عند الاقتضاء، وتنعكسُ هذه المراعاة في نظريتين مشهورتين: الأولى: هي (نظرية التعسُّف في استعمال الحق)، فتملك الحق لا يكون مطلقًا، بل هو مقيَّد باحترامِ حقوق الآخَرين، وعدم الإضرار بهم، وإلا كان هذا تعنُّتًا وتعسُّفًا يتعارض مع أمرِ الرسول عليه السلام، بأنه "لا ضرَرَ ولا ضِرارَ".

 

وقد وضَع الفقهاء المسلمون للحق قواعدَ وضوابط ما زالت حتى الآن تمثِّل أرقى ما عرَفتْه البشريةُ في هذا المجال.

 

أما النظريةُ الثانية التي تدل على أخلاقيةِ القواعد القانونية الإسلامية، فهي (نظرية الضرورة)، ولها تطبيقاتٌ كثيرة جدًّا نصَّ عليها الفقهاء، وكلها تطبيقاتٌ تراعي الجانبَ الإنساني:

منها مثلاً: أن الضرورات تبيحُ المحظورات، فحِرصًا على حياة مَن لا يجد إلا الخمرَ لدفعِ الظمأ القاتل، يبيح له الإسلامُ شُربَ الخمر، ولكن بقدرِ ما يدفع عن نفسه الهلاكَ.

 

والمَدين الذي هلَك ماله بفعل قهري لا دخل له فيه، يُمهَل إلى ميسرة، أو يخفَّف عنه الالتزام بسبب الضرورة الحالَّةِ التي أضرَّت بالمدينِ، وأهلَكَتْ ماله.

 

وقد كان لهذه النظرية الإسلامية تأثيرُها البالغ في القانون الوَضْعي فيما يتعلَّقُ بنظرية القوة الظاهرة أو الحوادث الطَّارئة.

 

(4) وتقرير القِيَم لا يُغني عن وجود المَثَل الحي الذي تتجسَّد فيه هذه القِيَم، ويتمثل به الناس أقوالاً وأفعالاً، وقد كان محمد صلى الله عليه وسلم هو هذا المَثَل الأعلى الذي تمثَّلت فيه قِيَم الحبِّ والسماحة والرحمة والوفاء والصبر، والزهد فيما يتهالَكُ عليه الناس ويتكالَبون ويتقاتلون.

 

لقد تحلى - عليه السلام - بكل المناقب الجديرة بخاتم الأنبياء، وكل منقبة من هذه المناقب كانت في أرقى صورةٍ وأشمل مفهوم؛ فرحْمتُه - على سبيل المثال - اتَّسَعت لأحبابه وأصحابه، واتسعت لأعدائه، فدعا لهم بالهداية، واتسعت للطفلِ الصغير وللشيخ الكبير، واتسعت للحيوان الأعجَمِ.

 

وما يقال عن الرحمة يقال عن الوفاء والعَفْو والحِلم، والصبر والعزة والتواضع، إلى آخرِ قِيَم الإنسانِ الكامل.

 

وإذا كانت بلاغة الأقوال في مراعاة مقتضى الحال، فبلاغة الأعمال في استخدام الصفةِ الخُلقية في الموقفِ الذي تتناسب معه؛ فمِن الخطَل وَضْع النَّدَى في موضع السيف، ومن الخطل كذلك وَضْع السيف في موضع النَّدى، وقد كان عليه السلام يحلُمُ ويعفو حينما يكون الحِلْمُ والعفو بميزانِ العقل والشعور "ضرورة إنسانية" لا بديلَ لها.

 

وكان عليه السلام يشتدُّ - في غير ظلم - إذا كانت الشدة انتصارًا لحقٍّ ودِين؛ فعفا عن الأعرابيِّ الجافي الذي أساء إليه وجذَبه من ثوبه الخشن جذبة أثَّرت في عنقه، ولكنه لم يَلِنْ لمُسَيلِمة الكذاب حينما جاء إلى المدينة "يساوم" على مركز "الخلافة" بعد الرسول صلى الله عليه وسلم، إنها عبقريةُ المعاملة والأفعال التي كانت المظهرَ التجسيديَّ لعبقرية الخصائص والصِّفات.

 

(5) ولَم يكُنْ محمد "ملاكًا" هبط من السماء، إنما كان بشَرًا مِثلَهم، يوحى إليه، وكان هذا الإعلانُ القرآني يدل دلالةً قاطعة على أن المثاليةَ المحمدية هي "مثالية الإمكان" وليست "مثاليةُ الإعجاز"، هي "مثالية الواقع" وليست "مثالية الخيال اليوتوبي".

 

وكان هو القدوةَ الصالحة التي تدل على هذا الإمكان: ((صلُّوا كما رأيتُموني أُصلِّي))، كان دائمًا يتقدم أصحابه في السِّلم والحرب، بالقول الصادقِ والعمل المُخلص الشجاع ليتمثلوا به ويقتدوا، فلهم فيه الأسوة الحسنة دائمًا.

 

وكانت هذه القدوةُ هي الملمحَ الأول في منهج محمدٍ صلى الله عليه وسلم في التربيةِ الأخلاقية.

 

وببراعةِ النبي الملهَم صلى الله عليه وسلم لم يكن يترُك حدَثًا - خاصًّا أو عامًّا - إلا واعتصر منه دلالته، واستخلص منه عِبرته، وعلَّم المسلمين الدروس التي تتعلقُ به وترتبط.

 

وهو في دروسه يستعين كثيرًا بما يحبب ويشوق: يستعينُ بالتشبيهات والتصوير والحِكَم والأمثال، وهو في تعاليمه لا يفضح المخطئين، بل يجعل التوجيهاتِ غيرَ مباشرة تدلُّ على موضعِ "العيب"، ولا يُهِم موضع المَعِيب، المهم "الناتج الأخلاقي"، لا "التشهير الفاضح"؛ فهو لم يُبعَثْ لعَّانًا ولا شتَّامًا صلى الله عليه وسلم.

 

ثم كانت قاعدة أو قاعدتا "السؤال والجواب".

 

يسأله المسلمون، وعليه أن يجيب ويُرشِد ويوجِّه.

 

وهو بدوره يسأل المسلمين سؤالَ العارف والعالِم الذي يسأل تلاميذه ومُرِيديه؛ تنشيطًا لهم، وتفتيحًا لأذهانهم، واختبارًا لقدر ِما يعلَمون، ثم تكون له الكلمة الحاسمة بعد ذلك؛ لأنه كان - على أمِّيَّته - أعلمَ العلماءِ.

 

وكانت هذه الملامح - ابتداءً من القدوة العملية الصالحة، وانتهاءً بقاعدة "السؤال والجواب" - هي أهمَّ عناصرِ "المنهج المحمَّدي" في غرس القِيَم الأخلاقية في نفوس المسلِمين.

 

(6) والعَلْمانية التي تسود الوطن العربي والإسلامي تعزِلُ الدِّين عن الدولة، بل تعزِلُ القِيَم الخُلقية عن الدِّين، مع أن الدِّين هو أعمقُ منابع هذه القيم وأثراها، كما أن قِيَم الدِّين ثابتة أصيلة وإن اتسعَتْ للمرونة والسَّماحة والتجدُّد.

 

والأخلاق الدِّينية لا تُجافي الفطرةَ الإنسانية، بل تسايرها وتتفقُ معها، كما أنها أخلاقٌ لها ما يؤيِّدُها من السنَّة النبوية العملية ومِن عمَلِ السلفِ الصالح رضوان الله عليهم.

 

والتحلِّي بالأخلاق الدِّينية، واستلهام رُوح الدِّين في القولِ والعمل يُعَدُّ استجابةً لأمر الله، ومِن ثَم يضمَنُ لنا رضوانه ونصرَه.

 

ولكن العَلْمانيين يواجِهون الحقائقَ السابقة بشبهات تهدفُ في مجموعها إلى التهوين مِن قيمة الدِّين كطاقةٍ بنَّاءة تولِّد النصر والاستقرار وسعادةَ المجتمع، ومن هذه الشبهات:

• انتصار الشيوعين الملاحدة في فيتنام على الأمريكان وهم أهلُ دينٍ سماويٍّ وكتابٍ.

 

ونحن نقول: إنهم انتصروا بحماسة المظلوم المغصوب ضد الظالم الغاصب، لا بحماسة الإلحاد في مواجهةِ الإيمان.

 

وإذا صح ما يدَّعون، فالحُجَّة مردودة عليهم؛ لأن حماسةَ الإيمان أقوى بكثير من كل حماسات الإلحادِ وطاقاتِه.

 

• أمريكا هي أقوى دولة في العالم مع أنها تمُوج بالمفاسد الخُلقية مِن خَمر ومُخدِّرات وإباحية جنسية.

 

ونحن نقول:

(أ) لا يستطيع أحد أن يزعمَ أن هذه المفاسد هي "سر القوة الأمريكية".

(ب) وهناك في أمريكا أصوات قوية تنادي بالقضاءِ على هذه المفاسد.

(جـ) وفي أمريكا مِن عوامل التعويض المادي والمعنوي ما يخفِّفُ مِن أثرِ هذه المفاسد.

(د) ولو تصوَّرْنا أمريكا وقد تخلَّصت مِن هذه المآثم، فلا شكَّ أنها ستكون أقوى بكثيرٍ مما هي عليه الآنَ.

 

• إسرائيل - دولة اللاأخلاق - سجَّلت أقوى الانتصارات على أمَّةِ العروبة والإسلامِ والأخلاق.

 

ونحن نقول:

(أ) الخيرية أو الأفضلية إنما تكونُ بالعمل والالتزام الدِّيني، وهذا ما فرَّطَتْ فيه الأمَّة العربية.

 

(ب) الله قد يسلِّط على عبادِه العصاة - بعصيانهم - مَن هم شرٌّ منهم، كما سلَّط المجوسَ عَبدةَ النار على اليهود - وهم أهل كتاب - لَمَّا عمِلوا بمساخط الله.

 

• الدولة الإسلامية نفسُها سجَّلت أزهى انتصاراتها وتقدُّمها العلمي والاقتصادي في العصر العباسي مع وجودِ الخمر والمفاسد، ومع تهتُّكِ الخلفاء؛ كهارونَ الرشيد.

 

ونحن نقول:

(أ) إن حقائقَ التاريخ الإسلامي قد نالها من التشويه الشيءُ الكثير على أيدي أعداءِ الإسلام، وللأسف على أيدي كثيرٍ من مؤرِّخي العربِ أنفسِهم قديمًا وحديثًا.

 

(ب) والثابت أن هارونَ الرشيد بالذات كان مثالاً للتقوى والصلاحِ والهَيْبة والقوَّة والعَدْل.

 

وليس أمام الأمَّةِ الإسلامية - حتى تستعيدَ مكانتَها العظمى - إلا العودةُ إلى الدِّين، في كل مجالاتها؛ السياسية، والاقتصادية، والتربوية؛ فرصيدُه من الواقع التاريخي يقرِّرُ أن العربَ لَم ينتصروا إلا به حتى في أشدِّ العهود ضعفًا وظلامًا.

 

ورصيدُه من المبادئ والقواعد الأصيلة السباقة فيها الغَناء الكاملُ عن كل أيديولوجية أو قانون وَضْعي.

 

والإسلام لا يجافي الوطنيةَ، ولا يتعارَض مع القومية، بل إن رُوحَه تتَّسِع لهما، ما كان طابعهما الاعتزازَ والحبَّ، والتضحية والإنسانية، والبُعدَ عن التعصب.

 

والذين يخشون من الإسلام والشريعة الإسلامية على وَحْدة الصف بعنصرَيْهِ: (الإسلامي والمسيحي)، نقول لهم: تذكَّروا أن الإسلامَ هو الدِّينُ الوحيد الذي لا يعترف بالمسلم مسلمًا إذا كفَر بالمسيحية أو اليهودية، وأنكَر عيسى أو موسى، أو أنبياء الله وكُتبه، وتذكَّروا أن نصارى مصرَ لم يذوقوا في حياتهم عدلاً كالذي عاشوه في ظل الحُكم الإسلامي.

 

وتبقى العَلمانية بعد ذلك فلسفةً هُلامية هروبية تدلُّ على العجزِ والقصور، والسطحية والأنانية.

 

ويأتي إخفاقُ الفلسفات والأيديولوجيات الوضعية صرخةً قوية في وجوهنا: عليكم بإسلاميةِ الكيان، لا بالترميم والتحايل والتظاهر والطلاء، بل بالبناءِ الثابت الرَّاسخ، إن كنتم جادِّينَ حقًّا في أن تكونوا - من جديد - خيرَ أُمَّةٍ أُخرِجت للناس.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • جابر قميحة وكتابه " المدخل إلى القيم الإسلامية "
  • مدخل إلى البحث في القيم الإسلامية
  • تمهيد في خصائص القيم الإسلامية
  • القيم الإسلامية وترجمتها إلى واقع ملموس
  • سلسلة القصص الواقعية لتعزيز القيم الإسلامية: ابنتي حورية

مختارات من الشبكة

  • دور الإعلام في ترسيخ القيم وتفعيل المنهج النبوي في تعزيز القيم الإسلامية (WORD)(كتاب - ثقافة ومعرفة)
  • التربية على القيم(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • سيادة القيم المادية وتهميش القيم الروحية(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • تفاعل القيم بين التصور والتصديق: درس اللغة بالثانوي الإعدادي نموذجا(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • مجموع الرسائل لابن القيم ( رسالة ابن القيم إلى أحد إخوانه ) (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • تصنيف القيم: الواقع والمأمول "رؤية"(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • القيم أية قيم ؟ (PDF)(كتاب - موقع أ. حنافي جواد)
  • القيم المعرفية والقيم الصحية والترويحية في أناشيد الأطفال(مقالة - حضارة الكلمة)
  • القيم الإنسانية والقيم الشخصية في أناشيد الأطفال(مقالة - حضارة الكلمة)
  • القيادة بالقيم(مقالة - ثقافة ومعرفة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • دفعة جديدة من خريجي برامج الدراسات الإسلامية في أستراليا
  • حجاج القرم يستعدون لرحلتهم المقدسة بندوة تثقيفية شاملة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 21/11/1446هـ - الساعة: 10:16
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب