• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    كل من يدخل الجنة تتغير صورته وهيئته إلى أحسن صورة ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    محاضرة عن الإحسان
    د. عطية بن عبدالله الباحوث
  •  
    ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: ﴿يوم تأتي ...
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    نصوص أخرى حُرِّف معناها
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    فضل العلم ومنزلة العلماء (خطبة)
    خميس النقيب
  •  
    البرهان على تعلم عيسى عليه السلام القرآن والسنة ...
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    الدرس السادس عشر: الخشوع في الصلاة (3)
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    القرض الحسن كصدقة بمثل القرض كل يوم
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الليلة التاسعة والعشرون: النعيم الدائم (2)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    حكم مشاركة المسلم في جيش الاحتلال
    أ. د. حلمي عبدالحكيم الفقي
  •  
    غض البصر (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    كيف تقي نفسك وأهلك السوء؟ (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    زكاة الودائع المصرفية الحساب الجاري (PDF)
    الشيخ دبيان محمد الدبيان
  •  
    واجب ولي المرأة
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    وقفات مع القدوم إلى الله (9)
    د. عبدالسلام حمود غالب
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / خواطر إيمانية ودعوية
علامة باركود

البلاء وما للإنسان فيه من منظور إسلامي

البلاء وما للإنسان فيه من منظور إسلامي
د. الشبراوي محمد عبدالهادي الجهوري

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 14/7/2014 ميلادي - 16/9/1435 هجري

الزيارات: 25281

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

البلاء وما للإنسان فيه من منظور إسلامي


لكلمة بلاء وقع أليم لدى أغلب الناس؛ فهي تَعني عندهم الشر الذي يَنزِل بالعبد فيُصيبه في نفسه أو في أهله أو فيما يَملِك من مُتَع الحياة ومباهِجِها، ومردُّ ذلك ما يأتي:

1- ارتباط هذه الكلمة عند عامة الناس بالشدائد والمِحَن التي تحلُّ بساحة الإنسان فتُعكِّر صفو حياته، وتحوِّل سعادته إلى شقاء، وهناءَه إلى عناء.

 

2- تلك المعاني الكثيرة التي تحتويها كلمة بلاء.

 

ففي المعجم الوسيط: بلي الثوب بلى وبلاء: رثَّ، وبليَت الدار ونحوها: فنيَت، وأبلى في الأمر: اجتهد فيه وبالغ، وأبلى فلانٌ فلانًا: اختبَرَه، وابتلى الثوب: أخلقَه، وابتلاه: جرَّبه وعرفه، والبلاء المحنة تنزل بالمرء ليُختبَر[1].

 

وفي مختار الصحاح: البلية والبلوى واحد، والجمع البلايا، وبلاه: جرَّبه واختبَرَه، وبلاه الله: اختبره، ويَبلوه بلاءً بالمدِّ، وهو يكون بالخير والشر[2].

 

فالكلمة تَنطوي - كما هو مُلاحَظ - على أكثر مِن معنى: فهي تَعني الاختِبار والامتِحان والتجريب والاجتِهاد والفناء والمعرفة، والكشف والظهور، والمِحنة تَنزِل بالمرء ليُختبَر، وهذا الاختبار لا يكونُ بالشر فقط - كما يعتقِد بعض الناس - ولكنه يَكون بالخير والشر معًا.

 

كلمة بلاء في القرآن الكريم:

جاءت كلمة بلاء في القرآن الكريم بمعنى اختبار الله لعبده بالخير أو الشر، وامتِحانه له بالعطاء أو المنع؛ قال - تعالى -: ﴿ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ ﴾ [الأنبياء: 35]؛ أي: نَختبِركم بالشدة والرخاء والحلال والحرام؛ لنُعاملَكم معاملة المُختبَر، فنقف على صبركم في الشدة والضراء، وشكركم في اليسر والرخاء، واستِمساككم بالحلال، وابتعادكم عن الحرام امتثالاً لأمر الله - سبحانه وتعالى - قال تعالى: ﴿ إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا ﴾ [الإنسان: 2]؛ أي: خلقنا الجنس البشري من نطفة امتزَج فيها الماءان، ماءُ الرجلِ بماء المرأة، ونبتليه بمعنى نختبره، ومن أجل ابتلاء الله للإنسان ووضعه موضع الاختبار جعله سميعًا بصيرًا؛ لكي يستطيع التمييز بين الخير والشر، والنافع والضار.

 

وقال - تعالى -: ﴿ تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ ﴾ [الملك: 1، 2]؛ أي: الذي خلَق الموت والحياة ليَختبركم - أيها الناس - حتى يتميَّز الخبيث من الطيب، والصالح مِن الطالح.

 

قال أبو الهيثم: "البلاء يكون حسنًا، ويكون سيئًا، وأصله المِحنة، والله - تعالى - يبلو عبده بالصنيع الجميل ليَمتحِنَ شُكره، ويبلوه بالبلوى التي يَكرهُها ليمتحِن صبره، فقيل للحَسَن بلاء، وللسيئ بلاء"[3].

 

وقال القاضي عياض في تفسير قوله - تعالى -: ﴿ إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ﴾ [الكهف: 7]، وجْهُ النظْم كأنه - تعالى - يقول: يا محمد، إني خلقتُ الأرض وزيَّنتها وأخرجت فيها أنواع المنافع والمصالح، والمقصود من خلقها بما فيها من المنافع: ابتلاءُ الخَلق بهذه التكاليف، ثم إنهم يكفرون ويتمرَّدون، ومع ذلك فلا أقطع عنهم مواد هذه النعم، فأنت يا محمد ينبغي ألا تَنتهي في الحزن بسبب كفرِهم، إلى أن تترك الاشتغال بدعوتهم إلى الدِّين الحق[4].

 

هذا ولقد أتت كلمة بلاء في القرآن الكريم بمعنى الكشف والظهور؛ قال - تعالى -: ﴿ يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ * فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلَا نَاصِرٍ ﴾ [الطارق: 9، 10]؛ أي: تظهر وتبدو خفايا النفوس فيصبح السر علانية، والمكنون مشهورًا، وهذا المعنى قريب من معنى الاختبار والامتحان؛ فالذي يختبر غيره يحاول الكشف عن مكنونات نفسه، ومخبوءات ضميره، ومدى اتساقه مع مرادات المُختبِر، أو تَخالُفه مع هذه المرادات.

 

ومتى جاء البلاء فيما يحبُّ الإنسان ويتمنَّى، سُمِّي حسنة أو نعمة؛ قال - تعالى -: ﴿ وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنًا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ [الأنفال: 17]، فالبلاء هنا نعمة؛ لأنه يعني النصر والغنيمة اللذين أفاء الله بهما على المؤمنين في غزوة بدر الكبرى، ومتى جاء البلاء فيما يكرهه الإنسانُ ويُبغضه، سُمِّي مصيبة أو سيئة، وقد اجتمع الأمران في قوله - تعالى -: ﴿ وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾ [الأعراف: 168]؛ أي: اختبرناهم بالعطايا كالنِّعَم والعافية، والبلايا كالنقم والأسقام والشدائد، لعلهم يرجعون عما هم عليه من الكفر والمعاصي إلى طاعة ربهم فلم يَرجِعوا.

 

حتى يَميز الخبيث من الطيب:

على أنَّنا نودُّ أن نشير هنا إلى أن ابتلاء الله للإنسان بمعنى اختباره له لا يعني عدم عِلْمِه - سبحانه وتعالى - بما سيكون عليه الإنسان عندما تغشاه النعمة، أو تحلُّ بساحته النقمة؛ فالمولى - سبحانه وتعالى - يعلم خائنة الأعين وما تُخفي الصدور، ولكن الله - عز وجل - يَختبِر عباده ليجعل من أنفسهم شهداء على أنفسِهم، فيتحقَّق فيهِم قوله - تعالى -: ﴿ الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ [يس: 65].

 

وأيضًا ليتميَّز الخبيث من الطيب، والصالح من الطالح، والصادق الإيمان القوي العقيدة من ضعيف الإيمان مُذبذب العقيدة؛ قال - تعالى -: ﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ ﴾ [محمد: 31]، وقال - تعالى -: ﴿ وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَلَئِنْ قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ ﴾ [هود: 7]؛ أي: هو الذي خلق السموات فرفع سمكها وسيَّر أفلاكها، وخلَق الأرض فأرسى جِبالها، وأجرى أنهارها، وقدَّر فيها أقواتها؛ ليَختبركم - أيها الناس - أيُّكم أحسن عملاً، فيتميَّز المحسن من المسيء بتلك النعم، فمَن شكَر فهو المُحسن، ومَن كفَر، فهو المسيء.

 

قال القاضي عياض في تفسير قوله - تعالى -: ﴿ إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ﴾ [الكهف: 7]: إنه - تعالى - يَبلوهم ليبصرهم أيهم أطوع لله - عز وجل - وأشدُّ استمرارًا على خدمته؛ لأن مَن هذا حاله هو الذي يفوز بالجنَّة[5].

 

وجاء في تفسير الصاوي على الجلالين في تفسير قوله - تعالى -: ﴿ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ ﴾ [الملك: 2]: "ليبلوَكم: أي يُعاملكم معاملة المُبتلى المُختبَر، فدفع ما قد يتوهم من ظاهر الآية أن عِلْمَه - تعالى - يتجدَّد بتجدُّد المعلومات"[6].

 

وقال ابن جُزَي في تفسير قوله - تعالى -: ﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ﴾ [البقرة: 155]: "ولنبلونكم: أي: نختبركم"، ويواصل ابن جُزَي كلامه فيقول: "وحيثما جاء الاختِبار في حق الله - عز وجل - فمعناه أن يظهر في الوجود ما في علمه؛ لتقومَ الحُجَّة على العبد، وليس كاختبار الناس بعضهم بعضًا؛ لأن الله يعلم ما كان وما يكون"[7]، ومعنى هذا أن الله - تعالى - يريد أن يقطع الحجة على الإنسان بطريق عملي، واختبار تجريبي من خلاله يَستكشِف الإنسان نفسه، ويتبيَّن حقيقة أمره، فيتحقَّق فيه قوله - عز وجل -: ﴿ وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا * اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا ﴾ [الإسراء: 13، 14].

 

البلاء ليس وسيلة تعذيب، ولكنه وسيلة ردع وتهذيب؛ فالمولى - عز وجل - خلَق الإنسان وزوَّده بوسائل التمييز المختلفة (السمع - البصر - الفؤاد)؛ ليميز بين الخير والشر، والنافع والضار، كما أمده - سبحانه وتعالى - من واسع فضله وعظيم نِعَمه التي لا تعدُّ ولا تُحصى، ﴿ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ ﴾ [إبراهيم: 34]، ولكن الإنسان كثيرًا ما تُطغيه النعمة، فيضلُّ الطريق، ويَنحرِف عن جادَّة السبيل، فيميل مع الهوى، ويَستجيب لأهواء النفس الأمَّارة بالسوء، ويَجري وراء إغراءات الشيطان الذي آل على نفسه غواية بني آدم أجمعين، إلا عباد الله منهم المُخلَصين، وهنا يكون التقويم العملي والتذكير الرباني من الله - سبحانه وتعالى - للإنسان؛ وذلك بسلب بعضِ نعمه عنه؛ ليتذكَّر ضعفَه وحاجته إلى واهب النعم، وهو الله - سبحانه وتعالى - والمولى - عز وجل - يُعطينا مثلاً حيًّا لهذا الصنف من الناس، وهم هؤلاء الذين تُطغيهم النعمة، وتَشغلهم عن المُنعِم، وكيف أنه عاقبهم بطغيانهم وكفرانهم لنِعَمه التي لا تُعدُّ ولا تحصى، فيقول - سبحانه وتعالى -: ﴿ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ﴾ [النحل: 112]، وقد تكون وسيلة التقويم والتهذيب بإمداد الله للإنسان بمزيد من النعم، فيتذكَّر فضل الله - تعالى - عليه، فيؤوب إلى رشده، ويتجه بكلِّيَّته إلى الله - عز وجل - مُعترفًا بفضله - سبحانه وتعالى - عليه.

 

ومن هنا ندرك أن البلاء بالعطاء أو المنْع وسيلة إصلاح وتهذيب للإنسان، وليس وسيلة تعذيب؛ فالمولى - سبحانه وتعالى - غنيٌّ عن تعذيب عباده، بل إنه مُنزَّه عن تعذيبِهم؛ فهو القائل في محكم كتابه: ﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا ﴾ [النساء: 147].

 

إنَّ الله إذا أحب عبدًا ابتَلاه:

وليس معنى هذا أن البلاء خاصٌّ بالغاوين أو المُنحرِفين عن جادة الطريق، ولكن الله - تعالى - يبتلي عبده المطيع ليُمكِّن له في ساحة الإيمان، وليكون أسوة لغَيره في الصبر عندما يُبتلى بسلب النِّعمة، وأيضًا ليكون أسوة لغَيره في الشكر عندما يُبتلى بالعطاء والمِنَح، وقد جاء في الحديث الشريف عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إن الله إذا أحبَّ قومًا ابتلاهم، فمَن رضيَ فله الرِّضا، ومن سخِط فله السخط))[8].

 

ولما سُئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن أشدِّ الناس بلاءً قال: ((أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل، يُبتَلَى الرجلُ على حسب دِينه، فإن كان دينه صلبًا اشتدَّ بلاؤه، وإن كان في دينه رقة، ابتُلي على حسب دينه، فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض وما عليه خطيئة))[9].

 

إنَّنا من خلال ما قدَّمنا نجد أن البلاء باعتباره امتحانًا واختبارًا من الله - عز وجل - للعبد، له جوانب إيجابية لا بدَّ أن يفطن إليها العبد المؤمن ويعيَها جيدًا، من هذه الجوانب الإيجابية للبلاء:

1- أن البلاء يَصقُل العبد المؤمن، ويُمكِّن له في ساحة الإيمان؛ فالنفس المؤمنة من خلال ما تتعرض له من شدائد ومِحَنٍ يشتدُّ يقينها بالله - عز وجل - فتوقِن أن ما حلَّ بها من شدة وما ألَمَّ بها مِن محنة إنما هو بعلم الله - عز وجل - وإرادته؛ فهي تُردِّد قول الله - عز وجل -: ﴿ مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ﴾ [الحديد: 22].

 

2- أن البلاء يُطهِّر النفس ويُنقِّيها من الخطايا والآثام؛ فالمولى - سبحانه وتعالى - يطهِّر عباده المخلصين ويُصفِّيهم من الخطايا والذنوب بالشدائد والمِحَن، كما تُصفِّي النار الذهب مما علق به من شوائب وأدران؛ فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ما يزال البلاء بالمؤمن في نفسه وولده وماله حتى يَلقى الله وما عليه من خطيئة))[10]، وعن أبي هريرة وأبي سعيد الخدري - رضي الله عنهما - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((ما يُصيب المسلمَ من نَصَبٍ ولا وَصَبٍ ولا همٍّ ولا حَزَن ولا أذًى ولا غمٍّ حتى الشوكة يشاكها إلا كفَّر اللهُ بها من خطاياه))[11].

 

3- من خلال البلاء تظهر العبودية الصادقة لله رب العالمين؛ فالعبد الذي تحلُّ بساحته الكارثة فيضرَع إلى الله - عز وجل - بالدعاء، ويستعين بالله - تعالى - على كشف ما ألَمَّ به من شدائد دون سخط على قضاء الله - عبدٌ قوي الإيمان، ثابت العقيدة، راسخ اليقين بالله - عزَّ وجل - أما العبد الذي يفزَع ويَجزع ويَضطرِب ويسخَط على قضاء الله - عز وجل - وقدرِه عبد ضعيف الإيمان، مذبذب العقيدة، ومن هنا نقول: إنه عن طريق البلاء يميز الخبيث من الطيب، ويظهر المؤمن القوي الإيمان الثابت العقيدة من المنافق المخادع الدعيِّ على الإيمان؛ قال - تعالى -: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ ﴾ [الحج: 11].

 

4- إن البلاء والصبر على شدائد الحياة دليل محبة الله للعبد، وبرهان رضاه - سبحانه وتعالى - عليه، وهو وسيلة الوصول والرقي إلى مدارج العلى، ومنازل القرب من الله رب العالمين، فمَن أراد الوصول اجتهَد وصبَر وثابَرَ، وحاول التغلب على عثرات الطريق ومشقات السفر، وعلى قدر الصبر والمثابرة والرضا بما قضى الله وقدر، يكونُ ثواب الله - عز وجل - للعبد؛ فعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إن عِظَم الجزاء مع عِظَم البلاء، وإن الله إذا أحبَّ قومًا ابتلاهم، فمَن رضي فله الرِّضا، ومن سخط فله السخط))[12]، فيَنبغي على المؤمن أن يوطِّن نفسه على البلاء، وأن يعلم أنه اختبار وامتحان من الله - سبحانه وتعالى - فيَصبر على الشدائد والمِحَن، مُحتسبًا ثواب ذلك عند الله - عز وجل - ويشكرُه في حالة الرخاء والنِّعم، مُعترفًا بفضل الله - سبحانه وتعالى - عليه؛ فالمولى - عز وجل - يقول: ﴿ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ﴾ [إبراهيم: 7].



[1] المعجم الوسيط (1: 71)، طبعة دار المعارف.

[2] مختار الصحاح (ص: 65)، طبعة دار المعارف.

[3] تفسير القرطبي (1: 387).

[4] تفسير الفخر الرازي (21: 81) مكتبة دار الفكر.

[5] تفسير الفخر الرازي (21: 81).

[6] تفسير الصاوي على الجلالين (4: 91).

[7] تفسير ابن جزي (2: 39).

[8] رواه ابن ماجه في سننه، كتاب الفتن، باب الصبر على البلاء (ص: 1338).

[9] رواه الترمذي في سننه، كتاب الزهد، باب الصبر على البلاء (ص: 520)، وابن ماجه في سننه - كتاب الفتن، باب الصبر على البلاء (ص: 1334).

[10] رواه الترمذي في سننه، كتاب الزهد، باب الصبر على البلاء (ص: 520).

[11] متفق عليه.

[12] رواه الترمذي.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • ومن البلاء رحمة
  • خطبة المسجد النبوي 18/3/1433 هـ - لا يرفع البلاء إلا الدعاء
  • خطبة المسجد النبوي 4/7/1433 هـ - الصبر على البلاء
  • الصبر .. سلاح الإنسان في مقابلة البلاء
  • لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم
  • مرايا البلاء

مختارات من الشبكة

  • البلاء والوباء من قضاء الله وقدره(مقالة - آفاق الشريعة)
  • حقيقة الحياة الدنيا(مقالة - آفاق الشريعة)
  • (البلاء موكل بالمنطق) بين الأدلة والواقع (WORD)(كتاب - آفاق الشريعة)
  • السلوان للصبر الجميل عند البلاء (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • فائدة في صنوف البلاء(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من درر العلامة ابن القيم عن البلاء(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تجاوز الأزمات بعد البلاء(مقالة - آفاق الشريعة)
  • فوائد البلاء (2)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الحكمة من البلاء (1)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • قبل أن ينزل البلاء(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب