• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    ليس من الضروري
    د. سعد الله المحمدي
  •  
    خطبة: إذا أحبك الله
    الشيخ عبدالله محمد الطوالة
  •  
    هل الخلافة وسيلة أم غاية؟
    إبراهيم الدميجي
  •  
    إساءة الفهم أم سوء القصد؟ تفنيد شبهة الطعن في ...
    د. هيثم بن عبدالمنعم بن الغريب صقر
  •  
    تعظيم شعائر الله (خطبة)
    ساير بن هليل المسباح
  •  
    كثرة أسماء القرآن وأوصافه
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    عفة النفس: فضائلها وأنواعها (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    لا تغضب
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    من مائدة السيرة: تحنثه صلى الله عليه وسلم في
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    أوصاف القرآن الكريم في الأحاديث النبوية الشريفة
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    تحريم أكل ما لم يذكر اسم الله عليه
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    المسارعة إلى الاستجابة لأمر الله ورسوله صلى الله ...
    د. أمين بن عبدالله الشقاوي
  •  
    أفضل أيام الدنيا (خطبة)
    حسان أحمد العماري
  •  
    الحج وما يعادله في الأجر وأهمية التقيّد بتصاريحه ...
    د. صغير بن محمد الصغير
  •  
    تفسير قوله تعالى: { إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم ...
    الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم
  •  
    سمات المسلم الإيجابي (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / عقيدة وتوحيد
علامة باركود

جمالية التوحيد

نور الدين قوطيط

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 15/4/2014 ميلادي - 14/6/1435 هجري

الزيارات: 15066

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

جمالية التوحيد


إنَّ المتأمل لمعطيات ومدارك التوحيد في المنهاجيَّة القُرآنيَّة لا يلبث أن يستخلص بوضوح أنَّ الهدف الأقصى للتوحيد في المنهاجيَّة الإسلاميَّة هو: توسيع مدارك عقل المؤمن، وتَفتيق إشراقات الروح فيه إلى أقصى ما يُمكن، وربط شتَّى طاقات كينونته الفطريَّة بالله، بالخلود، بالكون والحياة.

 

فالتوحيد - كما كشف القرآن - هو الخيط الناظم لمختلف حقائق الوجود ومظاهر نشاطاته وعلاقاته، ومِن ثمَّ فجماليتُه تَسري في كل شيء, سريان الروح المتوهِّج في الجسم الحي المتحرِّك؛ وذلك لأنَّ:

• التوحيد هو جوهر الدِّين في حقيقته المُطلقة؛ ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ ﴾ [الأنبياء: 25] فأبان أن غاية الدِّين تُترجم "عناية الله تعالى بإزالة الشرك من نفوس البشر وقطع دابره، إصلاحًا لعقولهم بأن يُزال منها أفظع خطَلٍ وأسخَفُ رأي"؛ "التحرير والتنوير"؛ الطاهر بن عاشور (17/ 49)، ومِن ثمَّ تجلَّت جماليَّة التوحيد في نظام الدِّين من خلال أربعة مستويات:

1- مُستوى العدل: العدل هو القيمة الكُبرى التي تَنبني عليها تعاليمُ الإسلام، فكل أصولها وفروعها مَشمولة بالعدل المُطلَق، ولا توجد أدنى شوائب الجور فيها، وهذا ما وضَّحه الحق تعالى بقوله: ﴿ لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ﴾ [الحديد: 25].

 

2- مُستوى التيسير: قامت الأدلة على أنَّ التيسير أساس التشريع في الإسلام، فكل قواعد ومقاصد الشريعة تدور في فَلَك هذه الحقيقة، وتؤكِّد عليها؛ ولهذا قرَّر الحق تعالى بوضوح أنَّ الله يُريد بهذه الأمة اليسر ولا يُريد بها العسر؛ ﴿ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ﴾ [البقرة: 185].

 

3- مستوى المصلحة الراجحة: أسس الله تعالى عالَم الدنيا على قاعدة النقص، على عكس عالم الآخرة المؤسَّس على قانون الكمال؛ ولهذا كانت الشريعة مبنية على جلب المصلحة وتكمليها، ودرء المفسدة وتقليلها.

 

4- مستوى الإحسان: أتاح المنهج الإسلامي للإنسان المؤمن المجال واسعًا للتَّسامي إلى آفاق الإحسان الجميل؛ تفكيرًا، وشعورًا، وممارسة، وقد فسَّر النبي صلى الله عليه وسلم هذا المفهوم بقوله: ((أن تعبد الله كأنَّك تراه، فإن لم تكن تراه فإنَّه يراك))؛ صحيح البخاري: 50.

 

* التوحيد هو سر الكينونة البشريَّة في معناها الفِطري؛ ﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ﴾ [الروم: 30]، فبيَّن سبحانه أنَّ تعاليم هذا الدين مفصَّلة على مقاس الفطرة البشريَّة؛ ولذا فجماليَّة التوحيد في نظام الفِطرة تتكشَّف من خلال مستويين اثنين:

1- مستوى الإقرار: الفِطرة البشريَّة تقرُّ بوجود إله مُطلَق، يتجاوز الإنسان والكون والحياة، وهذا الإقرار هو الحالة الطبيعيَّة للإنسان، ومهما جادل وعاند فيه، يُصابُ بالاختلال العقلي والأخلاقي والاجتماعي؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كلُّ مولودٍ يُولَدُ على الفطرةِ))؛ صحيح البخاري: 1385.

 

2- مُستوى الإخلاص: كل إنسان في لحظة الضَّعف عن مواجهة الأخطار، لا يجد مفرًّا - ولو لاشعوريًّا - من التوجُّه مُخلِصًا لذلك الإله الذي يشعر أنَّه وحده القادر على إنقاذه: ﴿ فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ ﴾ [العنكبوت: 65].

 

• التوحيد هو نظام مظاهر الوجود الظاهر والباطن: ﴿ تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ ﴾ [الإسراء: 44]، فوضَّحت الآية أنَّ كل شيء في الكون يُسبِّح لله بطريقته الخاصة، ومن جهة يُبرهن بدلالته على وجوده - جلَّ مَجدُه - ولذا فجمالية التوحيد السارية في أجزاء الوجود تتجلَّى في ثلاثةِ مستويات:

1- مستوى الخضوع: كل شيء في هذا العالم الظاهر والباطن خاضعٌ لجلال الله وسلطانه، بحكم مخلوقيَّته له - جل شأنه -: ﴿ أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلَالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ سُجَّدًا لِلَّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ ﴾ [النحل: 48].

 

2- مستوى الدلالة: أشكال المخلوقات على اختلاف أنواعها وأجناسها تدلُّ دلالة واضحة - بذاتها وبعلاقتها مع باقي المخلوقات - على وجود مُبدِعها - تبارك وتعالى -: ﴿ قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾ [يونس: 101].

 

3- مستوى التسخير: مضى أمر الله أن يكون كل ما في السموات والأرض مُسخَّرًا للإنسان، كيما يتفرَّغ للقيام بمهمته التي خُلقَ لها: ﴿ وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الجاثية: 13].

 

التوحيد هو لبُّ مهمَّة الإنسان في الحياة؛ ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ [الذاريات: 56]، قرَّرت الآية الكريمة أنَّ الله خلق الإنسان في هذا العالَم لأداء مهمَّة واحدة، هي إخلاص العبوديَّة له؛ ولذا فجماليَّةُ التوحيد المتدفِّقة على وظيفة الإنسان الكُبرى، تبرز من خلال خمسة مستويات:

1- الاتِّباع عقيدةً: حدَّد الله تعاليم الاعتقاد بصورة نهائيَّة؛ إذ إنَّ العقيدة هي محرِّك الكينونة البشريَّة، وعلى حسب طبيعتها تتشكل شخصيَّة الإنسان وعلاقته بخالقه وسائر نشاطاته وعلاقاته؛ ﴿ قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ [آل عمران: 95].

 

2- الافتقار وجدانًا: مِن المحال المتعسِّر على العبد أن يَصل إلى الله - فضلاً عن الدخول إلى حضرته المقدسة - إلا باعتقاد واستشعار الافتقار المُطلَق إليه - تبارك شأنه -: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ﴾ [فاطر: 15].

 

3- الاقتداء سلوكًا: ربَط الله تعالى دعوى حب الله والشوق إلى رضوانه ولقائه بمدى اقتداء المسلم بمنهج النبي صلى الله عليه وسلم في السلوك والممارسة والعمل؛ ﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [آل عمران: 31].

 

4- الالتزام تشريعًا: كشف الله تعالى أنَّ الالتزام بشرائعه القانونيَّة هو الترجمة العمليَّة لصحة العقيدة وصدق الاتباع؛ ﴿ فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [النساء: 65].

 

5- الإرادة إخلاصًا: وضَّح الله تعالى أنَّ كل عمل والتزام مهما كان صالحًا، لا قيمة له إلا بمدى إخلاص صاحبه وصدْق قصدِه لوجهه الكريم: ﴿ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ ﴾ [البينة: 5]، فلا بدَّ مِن الإخلاص والصلاح.

 

• التوحيد هو مرآةُ بدائع عالَم الآخرة: ﴿ فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [السجدة: 17]، تَكشف الآية أنَّ تشكيل عالم الآخرة يُناقض تمامًا عالم الدنيا، من جهة أنَّه مجال تفتُّق طاقات الروح بشتَّى أبعادها، ومن هنا فجمالية التوحيد المتجلية في تضاعيف عالم الآخرة تبرز من خلال أربعة مستويات:

1- الكمال المُطلَق: صرَّح القرآن بأنَّ الآخرةَ هي عالَم الكمال المتواصِل للذات الإنسانيَّة: ﴿ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ﴾ [القيامة: 22، 23].

 

2- الخلود السرمديُّ: نبَّه القرآنُ على أنَّ عالم الآخرة عالم أبدي: ﴿ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقًا ﴾ [الطلاق: 11].

 

3- السعادة الجميلة: كشف القرآن أنَّ السعادة الحقيقيَّة هي سعادة الآخرة: ﴿ وأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا ﴾ [هود:108].

 

4- الشقاء الكالح: وضَّح القرآنُ أنَّ الشقاء في الآخرة هو عذاب يجمع بين الفظاعة الهائلة والخلود الأبدي؛ ﴿ فَادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ ﴾ [النحل: 29].

 

إنَّ الثمرات اليانعات التي يَجنيها العبد المؤمن من هذه الجمالية المشرقة لحكمة التوحيد في النظام الإسلامي، تتجلَّى في خمسة أبعاد:

1- البُعد المعرفي: الإشراق الأول الذي يشع في نفسيَّة العبد المؤمن هو: المعرفة الرحيبة، وأعني بها أنَّ العبد كلما ازداد معرفةً بالله وعِلمًا بأسمائه وصفاته وأفعاله، ازدادت مداركُه العقليَّة اتساعًا وعمقًا وفهمًا لأسرار الوجود ومعاني الحياة الصحيحة.

 

2- البُعد التحرُّري: الثمرة الثانية التي يقطفها العبدُ المؤمن من التوحيد، هي: الحريَّة، وهو تحرُّر إيجابي فعَّال، يعصم العبد المؤمن من الخضوع لشتَّى أصناف الطواغيت المعنوية والمادية التي تؤثر سلبًا على طاقاته الشخصيَّة والإبداعيَّة.

 

3- البُعد الأمني: عندما يتحرَّر العبد المؤمن من قيود الطواغيت المختلفة، يشعر بالأمان والسلام من كل ما من شأنه أن يثيرَ الخوف في ذاتيته الإنسانية، هذا الأمان والسلام ناتجٌ عن عُمق صلتِه بالله تعالى، وتفاعله مع تعاليمِ شريعته.

 

4- البُعد الجمالي: شعور العبد المؤمن بصلته القويَّة بالله، وانغماسه في بحار التوحيد، يفتِّق في أعماقه حاسة الجمال، فيَحرص على تذوُّقه عقليًّا من خلال تأمل دلائل التوحيد في الأنفس والآفاق، وجدانيًّا من خلال تجاوبه مع إشراقاته في كل شيء، تطبيقًا من خلال ممارسته في مختلف نشاطاته؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ الله جميل يحبُّ الجمال))؛ صحيح مسلم: 91.

 

5- البُعد الإبداعي: امتلاء العبد المؤمن بنفحات التوحيد يولِّد فيه طاقات الإبداع: تفكيرًا وسلوكًا، مع شهوده روائع الإعجاز والإبداع الرباني في صفحات الكون والحياة والذات، ومِن ثمَّ يمارس هو نفسه هذا الإبداع إلى أقصى ما يمكنه في مختلف مجالات نشاطات حياته؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه)).

 

والإنسان بقدر ما يتعمَّق في هذه الأبعاد الخمسة، ويشهد معانيَ التوحيد سارية في المجالات الخمسة السالفة الذكر، يزدادُ سموًّا وإشراقًا في شخصيتِه، لتنعكس على شتى نشاطاته في الحياة؛ التفكير، الأخلاق، السلوك، العلاقات، الأهداف، وبهذا يكون العبد المؤمن إنسانًا رساليًّا، ذا إيجابيَّة فعَّالة في واقع الحياة ومجريات التاريخ، وصرح الحضارة الإنسانيَّة الفاضلة؛ ولهذا كان الناس تجاه هذه الحقيقة - أعني تذوق جمالية التوحيد وشهود أسراره في الكون والحياة والمصير - على ثلاثة مستويات:

1- المستوى الأول: وهو خاص بالأنبياء والصِّدِّيقين، وهم وإن كانوا مختلفين في منازل هذه المرتبة، فإنَّ اليَقين المطلَق تجاه التوحيد وشهود معانيه ودلائله وممارسة معانيه في الواقع العملي، يشملُهم جميعًا: ﴿ آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ﴾ [البقرة: 285].

 

2- المستوى الثاني: وهو خاص بعموم المؤمنين، وهم وإن كانوا أيضًا مختلفين في منازل هذه المرتبة، فإنَّ اليقين الراجحَ والاعتقاد المقلد الراسخ، وفَهْم بعض تجليات التوحيد في الكون والحياة، يَشملهم جميعًا؛ ﴿ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ﴾ [البقرة: 46].

 

3- المستوى الثالث: وهو خاص بعموم المسلمين، وهم وإن كانوا أيضًا مختلفين في منازل هذه المرتبة، فإنَّ سوءَ التصور وضبابية المعرفة وغلبة الخيالات الفاسدة على جمالية التوحيد وإشراقاته، يشملهم جميعًا، ﴿ وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ ﴾ [يوسف: 106].

 

فالمستوى الأول هم السابقون، والثاني هم المُقتصِدون، والثالث هم المقصِّرون الظالمون؛ ﴿ ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ ﴾ [فاطر: 32].

 

ولقد سلك المنهج القرآني - لترسيخ جمالية التوحيد في عقل ووجدان الإنسان المؤمن - مسلكًا جميلاً، راقيًا، يتَّسم بالحيوية والعبقرية؛ ذلك هو مسلك الدعوة للتأمل، التفكُّر والتدبر في أربعة مجالات، بعضها أعظم وأعمق من بعض، بل بقدر ما يتعمَّق العبد في التأمُّل في مجال من المجالات، ينعكس ذلك على تفاعُله وتأملاته في باقي المجالات، وهذه المجالات هي:

1- مجال الذات: ﴿ وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ ﴾ [الذاريات: 21].

2- مجال الكون: ﴿ قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾ [يونس: 101].

3- مجال الوحي: ﴿ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [النحل: 44].

4- مجال الخلود: ﴿ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ [النساء: 13].

 

إذا عرَفْنا هذه الحقائق، أدركنا أهمية النبوة في حياة الإنسان في هذا العالم، بحكم أنَّ النبوة هي اصطفاءُ الخالق لبعض أفراد البشر لتبليغ رسالةِ المنهج الرباني الذي يَرضاه الله للإنسان، ابتغاء تحقيق مقاصد الحكمة الربانية في الحياة، ومن هنا فليست أهميتها تَكمن في التنبيه على وجود الله، فتلك مهمَّة لم تأخذ حيِّزًا كبيرًا في رسالات الرسل، حتَّى قالوا: ﴿ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾ [إبراهيم: 10]، بل بالحريِّ أنَّ أهميَّتها تتجلى في ثلاثة أمور:

1- بيان المنهج الصحيح لمعرفة الله.

2- بيان النظام الحقِّ الشامل والمتكامل حول مختلف نشاطات حياة الإنسان.

3- بيان طبيعة المصير الذي ينقلب إليه الإنسان بعد مماته، سواءٌ وهو مؤمن أو وهو كافر.

 

على أنَّ هذه المقاصد الثلاثة قد شكَّلها الحق تعالى بما يناسب الفطرة الإنسانيَّة، ويحقِّقُ لها أقصى تثوير لطاقاتها المختلفة؛ ولهذا أعلن الله تعالى أنَّه لا يعذب قومًا حتَّى يبعث إليهم رسولاً؛ ﴿ وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا ﴾ [الإسراء: 15].

 

ولما كان الأمرُ كذلك، ناسَب في الحكمة الإلهيَّة الحث على طلب العلم، والتنويه بشأنه، والتعظيم لأهله؛ ﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ﴾ [فاطر: 28]، ﴿ شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [آل عمران: 18]، ولا تحسبَنَّ أنَّ الأمر مقتصرٌ على علماء الشريعة فقط، بل كل العلماء؛ أي: كل علمٍ يؤدي إلى الله ويَزيد الإنسان معرفة بالله ومحبة له وشوقًا إليه، قال أبو القاسم الراغب تعليقًا على قول الله تعالى: ﴿ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا ﴾ [آل عمران: 191]: "دلَّت هذه الآيةُ على أنَّ البحث الذي يؤدِّي إلى معرفةِ حقائق الموجودات التَّي تتضمَّن معرفة الله تعالى هو من العلوم الشريفة"،. وفي فصل آخر قال: "العلم طريق إلى الله تعالى ذو منازل، وقد وكَّل الله تعالى بكل منزل فيها حَفَظةً كحَفَظة الرباطات والثغور في طريق الحج والغزو...، وكل واحد من هؤلاء الحَفَظة إذا عرَف مقدار نفسه ومنزلته، ووفَّى حقَّ ما هو بصدده، فهو في جهاد يستوجب من الله تعالى أن يحفظ مكانه ثوابًا على قدر عمله"؛ "الذريعة إلى مكارم الشريعة"؛ الراغب الأصفهاني (ص: 155 و172) بتصرف يسير، وذلك أنَّ مصادرَ العلوم التي يَستقي منها الإنسان علومه ومعارفه، أربعةُ أقسام:

1- الفطرة الذاتيَّة:

فقد برمجَ الله تعالى الفطرة الإنسانيَّة على القدرة على معرفة الحقيقة، سواء المعرفة الوجودية الكُبرى (الله، الأخلاق، القيم)، أم المعرفة الفيزيائيَّة (قوانينها، معطياتها، ثرواتها) ﴿ وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ﴾ [البقرة: 31].

 

2- الخبرة النظرية:

الخبرة هي الأساس الثاني في تحصيل المعرفة؛ فقد مضَتْ سُنَّة الله في الإنسان بأنَّه بدون خبرة ذاتيَّة لا يستطيع الإنسانُ أن يتقدمَ خطوة إلى الأمام: ﴿ قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [العنكبوت: 20].

 

3- التَّجرِبة العملية:

لا يمكن معرفة طبيعة الشيء وإمكانيات استثمار طاقاته لصالح الإنسان إلا بالتَّجرِبة العمَلية؛ فالتَّجرِبة هي المعيار الصحيح في تقويم وتقييم النظريات التصوُّرية: ﴿ وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الجاثية: 13].

 

4- الوحي الرباني:

أرقى وأدق وأعمق مصادر المعرفة هو الوحي الرباني؛ وذلك لأنَّ مصدر هذا المنهج هو الخالق - تبارك وتعالى - الذي يعلم السر في السموات والأرض، ويُحيط علمًا بأسرار الكينونة البشرية، فلا عجب أن يكون في قمة الصدق والعدل والبيان؛ ((قدْ تركتُكم على البيضاءِ، ليلُها كنهارِها، لا يَزِيغُ عنها بعدي إلا هالكٌ))؛ [الجامع الصغير للسيوطي، 6096]، ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ﴾ [المائدة: 3]، والله أعلم.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • ثمرات التوحيد
  • التوحيد في الإسلام
  • علم التوحيد
  • التوحيد أولا (خطبة)

مختارات من الشبكة

  • عيوب الفكر(مقالة - آفاق الشريعة)
  • جماليات المنازل(مقالة - آفاق الشريعة)
  • التربية والسلامة من العيوب(مقالة - آفاق الشريعة)
  • التربية الجمالية في الإسلام ومفهومها(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • خلق التفقد جماليات وتجليات(مقالة - آفاق الشريعة)
  • كتاب: النظرية الجمالية في العروض عند المعري ـــ دراسة حجاجية في كتاب "الصاهل والشاحج" للناقدة نعيمة الواجيدي(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • جماليات التعبير بالحركة (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • الحوار في قصص القرآن الكريم: من جماليات الظاهر والمضمر في قصة فداء إسماعيل(مقالة - آفاق الشريعة)
  • جماليات قرآنية؛ (فصل التشابه والاختلاف)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • رعاة الإبل وجمالية التعامل والتربية(مقالة - حضارة الكلمة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مسجد كندي يقترب من نيل الاعتراف به موقعا تراثيا في أوتاوا
  • دفعة جديدة من خريجي برامج الدراسات الإسلامية في أستراليا
  • حجاج القرم يستعدون لرحلتهم المقدسة بندوة تثقيفية شاملة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 21/11/1446هـ - الساعة: 14:30
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب