تحقيق تخريج مسألة ( احضروا الجمعة وادنوا منها )

تحقيق تخريج مسألة ( احضروا الجمعة وادنوا منها )

للإمام الحافظ أبي محمد عبدالرحمن بن أبي حاتم الرازي

قال ابن أبي حاتم في كتاب العِلل: وسمعت أبي وذكر حديث الحكم بن عبد الملك، عن قتادة[1] عن الحسن عن سمرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((احضروا الجمعة وادنوا منها، فإن الرجل ليتخلف عن الجمعة، حتى إنه ليتخلف عن الجنة وإنه من أهلها)).

قال أبي: رواه[3] بعض حفاظ أصحاب قتادة، عن قتادة، عن أبي أيوب الأزدي، عن سمرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم.

قيل لأبي: أيهما أشبه؟

قال: عن أبي أيوب، عن سمرة، أشبه.

قلت لأبي: فإن سعيد بن بشير روى هذا الحديث عن قتادة، عن أبي أيوب: يحيى بن المنكدر، عن سمرة!

قال: أخطأ في ذلك؛ إنما هو أبو أيوب العتكي: يحيى بن مالك.

رجال الإسناد:

• الحكم بن عبد الملك القرشي البصري، نـزلَ الكوفة، من السابعة.

متفق على تضعيفه. قال أبو حاتم: مضطرب الحديث، وليس بقوي في الحديث.

انظر تهذيب الكمال 7/110، التهذيب 2/231، التقريب (1451).

• قتادة بن دعامة، ثقة يدلس، من الثالثة، تقدمت ترجمته في المسألة رقم 556.

• الحسن البصري، ثقة يدلس، من الثانية، تقدمت ترجمته في المسألة رقم 570.

• سمرة بن جندب، صحابي جليل، تقدمت ترجمته في المسألة رقم 551.

• أبو أيوب الأزدي المَرَاغي العتكي: يحيى، ويقال: حبيب بن مالك (ت بعد 80).

ثقة، متفق على توثيقه.

انظر تهذيب الكمال 33/60، التهذيب 12/16، التقريب (7949)[4].

• سعيد بن بشير الأزدي مولاهم، أبو عبدالرحمن الشامي (ت 168 تقريبًا).

روى عن قتادة، والأعمش، والزهري، وعمرو بن دينار، وغيرهم.

روى عنه ابن مهدي، وعبد الرزاق، وابن عيينة، ووكيع، وغيرهم.

قال دُحيم: كان مشيختنا يوثقونه. وقال الدارمي: سمعت دُحيمًا يوثقه. وقال البزار مرة: صالح ليس به بأس، حسن الحديث. وقال ابن معين: مأمون[5].

وقال ابن عيينة: كان حافظًا. وقال شعبة مرة: صدوق الحديث. ومرة: صدوق اللسان.

ومرة: صدوق اللسان في الحديث.

وقال ابن أبي حاتم: سمعت أبي وأبا زرعة، وذكرا سعيد بن بشير، فقالا: محله الصدق عندنا. قلت لهما يُحتج بحديثه؟ قالا: يُحتج بحديث ابن أبي عروبة والدستوائي، هذا شيخ يُكتب حديثه. قال: وسمعت أبي: يُنكر على من أدخله في كتاب الضعفاء وقال: يحول منه.

وقال ابن عدي: ولا أرى بما يروى عن سعيد بن بشير بأسًا، ولعله يهم في الشيء بعد الشيء ويغلط، والغالب على حديثه الاستقامة، والغالب عليه الصدق.

وقال البزار مرة: لا يحتج بما انفرد به. وقال الدارقطني: ليس بقوي في الحديث.

وقال أبو مُسْهر: لم يكن في جندنا أحفظ منه، وهو ضعيف منكر الحديث. وقال غير واحد: كان ابن مهدي يحدث عنه ثم تركه. وقال الميموني: رأيت أبا عبدالله يضعف أمره. وقال ابن معين ـ في أربع روايات عنه ـ، وابن المديني، والنسائي، وأبو داود: ضعيف. وقال ابن معين أيضًا ـ في روايتين عنه ـ: ليس بشيء. وقال البخاري: يتكلمون في حفظه، وهو يحتمل. وقال أبو أحمد الحاكم: ليس بالقوي عندهم.

وقال ابن حبان: كان رديء الحفظ فاحش الخطأ، يروي عن قتادة ما لا يتابع عليه، وعن عمرو بن دينار ما ليس يعرف من حديثه.

وقال ابن نمير: منكر الحديث، ليس بشيء، ليس بقوي في الحديث، يروي عن قتادة المنكرات، ذكره أبو زرعة في كتاب الضعفاء، ومن تكلم فيه من المحدثين.

وقال الساجي: حدث عن قتادة بمناكير.

قال ابن حجر: ضعيف.

قلت: لعل الأولى أن يقال صدوق يخطئ، جمعًا بين من وثقه، وبين من ضعفه، مع أن درجة الموصوف بهما واحدة، والله أعلم.

تاريخ دمشق 21/22، التهذيب 4/8، التقريب (2276)، الجامع في الجرح 1/291.

• أبو أيوب: يحيى بن المنكدر.

لم أقف له على ترجمة، ولعله ليس في الرواة أحد بهذا الاسم، وإنما أخطأ فيه سعيد بن بشير كما سيأتي، وسعيد ضعيف كما تقدم، والله أعلم.

تخريج الحديث:

روى قتادة هذا الحديث، واختلف عليه وعلى أحد الرواة عنه:

أولًا: رواه الحكم بن عبدالملك، عن قتادة، عن الحسن، عن سمرة.

ثانيًا: ورواه هشام الدستوائي، واختلف على الرواة دونه:

1- فرواه أبو داود، والإمام أحمد، عن ابن المديني، عن معاذ بن هشام، قال: وجدت في كتاب أبي بخط يده، ولم أسمعه منه، ثنا قتادة عن يحيى بن مالك، عن سمرة.

2- ورواه إسماعيل بن إسحاق القاضي، عن علي بن المديني، ثنا معاذ بن هشام، حدثني أبي، عن قتادة، عن يحيى بن مالك، عن سمرة.

3- وروي عن هشام عن قتادة، عن رجل، عن سمرة.

ثالثًا: ورواه سعيد بن بشير، عن قتادة، عن أبي أيوب: يحيى بن المنكدر، عن سمرة.

وفيما يلي تفصيل ما تقدم:

أولًا: رواه الحكم بن عبد الملك، عن قتادة، عن الحسن، عن سمرة:

أخرجه البيهقي في الكبرى 3/238، وفي شعب الأيمان 3/106، رقم 3018، والطبراني في الكبير 7/206، رقم 6854، من طريق محمد بن العباس المؤدب.

والبيهقي في الكبرى 3/238، وفي شعب الإيمان 3/106، رقم 3018، من طريق محمد بن غالب.

والبيهقي في الكبرى 3/238، من طريق محمد بن الحسن بن شهريار.

وأحمد 5/11.

والبزار (كشف الأستار 1/309، رقم 645)، عن محمد بن يحيى الأزدي.

وابن أبي شيبة في مسنده (المطالب العالية 1/282، رقم 705).

والطبراني في الكبير 7/206، رقم 6854، وفي الصغير 1/216، رقم 346، وقوام السنة في الترغيب والترهيب 1/394، رقم 913، من طريق الحسن بن المتوكل البغدادي.

والبيهقي في شعب الإيمان 3/106، رقم 3018، من طريق عبدالله بن أبي سعيد.

وأبو عبيد الكاتب في المناهي وعقوبات المعاصي (ق 182/أ)، من طريق بكر[6].

كلهم عن سُريج بن النعمان، عن الحكم بن عبد الملك، به نحوه.

وقال الطبراني في الصغير: لم يروه عن قتادة إلا الحكم، تفرد به سريج بن النعمان.

ثانيًا: ورواه هشام الدستوائي، واختلف على من دونه:

1- فرواه أبو داود، والإمام أحمد، عن ابن المديني، عن معاذ بن هشام، قال: وجدت في كتاب أبي بخط يده ولم أسمعه منه، ثنا قتادة، عن يحيى بن مالك، عن سمرة: أخرجه أبو داود 1/663، كتاب الصلاة، باب الدنوّ من الإمام عند الموعظة، رقم 1108- ومن طريقه البيهقي في الكبرى 3/238 -.

وأحمد 5/11.

كلاهما عن علي بن عبدالله المديني، حدثنا معاذ بن هشام، به.

2- ورواه إسماعيل بن إسحاق القاضي، عن علي بن المديني، ثنا معاذ بن هشام، حدثني أبي، عن قتادة، عن يحيى بن مالك، عن سمرة:

أخرجه الحاكم 1/289 - وعنه البيهقي في الكبرى 3/238 -، عن أبي بكر بن محمد بن حمدان الصيرفي، عن إسماعيل بن إسحاق القاضي، به.

وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي.

وقال البيهقي: ولا أحسبه إلا واهمًا في ذكر سماع معاذ عن أبيه هو أو شيخه، فأما إسماعيل القاضي فهو أجل من ذاك، والله أعلم.

3- ورواه هشام، عن قتادة، عن رجل، عن سمرة:

ذكره البزار (كشف الأستار 1/309، رقم 645)، ولم أقف على من أخرجه.

قلت: والوجه الأول أرجح هذه الأوجه؛ حيث رواه ثقتان حافظان كذلك، وأما الوجه الثاني فلعل الحمل فيه على شيخ الحاكم، ولم أقف له على ترجمة، وأما الوجه الثالث فلم يذكر البزار من رواه عن هشام كذلك، ولعل الرجل المبهم هو يحيى، فيكون عائدًا على الوجه الأول، والله أعلم.

وقد توبع هشام في روايته عن قتادة:

ذكر ذلك أبو حاتم في هذه المسألة، حيث قال: رواه بعض حفاظ أصحاب قتادة، عن قتادة عن أبي أيوب الأزدي ـ يعني يحيى بن مالك ـ، عن سمرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم.

ثالثًا: ورواه سعيد بن بشير، عن قتادة، عن أبي أيوب: يحيى بن المنكدر، عن سمرة:

ذكره المصنف في هذه المسألة من رواية سعيد بن بشير، به.

وأخرجه الطبراني في الأوسط 5/188، رقم 4368، وفي مسند الشاميين 4/75، رقم 2767، من طريق سعيد بن بشير، عن قتادة، عن أبي أيوب، عن سمرة.

ولم يذكر اسم أبي أيوب أو نسبته.

وقال الطبراني: لم يرو هذا الحديث عن قتادة إلا سعيد بن بشير، تفرد به محمد بن بكار.

قلت: ولعل رواية الطبراني هي التي أشار إليها أبو حاتم، وذلك لأن الطبراني نص على تفرد سعيد بن بشير بهذا الإسناد، مع أنه قد رواه هشام وبعض حفاظ أصحاب قتادة، عن قتادة، عن أبي أيوب: يحيى بن مالك، عن سمرة، ولو كان أبو أيوب الوارد في رواية سعيد، هو يحيى بن مالك، لما قال الطبراني هذا الكلام؛ لنصه المتقدم بتفرد سعيد، ويستبعد أن يكون الطبراني لم يقف على رواية أصحاب قتادة السابقة.

إضافة إلى أن أبا حاتم جزم بأن رواية سعيد على هذا الوجه، بعد ذكره لرواية أصحاب قتادة عن يحيى بن مالك، ونص على خطأ سعيد فيه، وعليه فتحمل روايته عن أبي أيوب على أن المراد منه هو يحيى بن المنكدر، كما نص عليه أبو حاتم، والله أعلم.

وعلى احتمال أن أبا أيوب الوارد في رواية الطبراني هو يحيى بن مالك، فيكون سعيد بن بشير رواه على الوجهين، ويقدم منهما ما وافق فيه الثقات، والله أعلم.

النظر في المسألة:

مما تقدم يتضح أنه اختلف على قتادة، وعلى أحد الرواة عنه، وخلاصة ما تقدم ما يلي:

1- رواه الحكم بن عبد الملك، عن قتادة، عن الحسن، عن سمرة.

2- ورواه هشام الدستوائي، وبعض حفاظ أصحاب قتادة، عن قتادة، عن أبي أيوب الأزدي: يحيى بن مالك، عن سمرة.

3- ورواه هشام أيضًا - في وجه مرجوح عنه - عن قتادة، عن رجل، عن سمرة.

4- ورواه سعيد بن بشير، عن قتادة، عن أبي أيوب: يحيى بن المنكدر، عن سمرة.

والوجه الثاني أرجح هذه الأوجه، حيث رواه أكثر من ثقة عن قتادة كذلك، في حين أن رواته في الوجهين الأول والرابع ضعيفان، وأما الوجه الثالث فهو مرجوح، كما تقدم.

ومنه يتضح صحة ما ذهب إليه أبو حاتم من ترجيحه للوجه الثاني، وقوله عنه إنه أشبه.

والحديث من وجهه الراجح إسناده صحيح، وإن كان فيه قتادة وهو مدلس من الثالثة، ولم يصرح بالسماع، إلا أنه من رواية هشام الدستوائي عنه وهو من أثبت الناس فيه، حتى قال شعبة: كان هشام أحفظ مني عن قتادة، وكان أعلم بحديث قتادة مني.

(التهذيب 11/44)، والله أعلم.

وقد أورده الشيخ الألباني في الصحيحة برقم 365، والله أعلم.