• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    طريق لا يشقى سالكه (خطبة)
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    خطبة: مكانة العلم وفضله
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    خطبة: العليم جلا وعلا
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    كل من يدخل الجنة تتغير صورته وهيئته إلى أحسن صورة ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    محاضرة عن الإحسان
    د. عطية بن عبدالله الباحوث
  •  
    ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: ﴿يوم تأتي ...
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    نصوص أخرى حُرِّف معناها
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    فضل العلم ومنزلة العلماء (خطبة)
    خميس النقيب
  •  
    البرهان على تعلم عيسى عليه السلام القرآن والسنة ...
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    الدرس السادس عشر: الخشوع في الصلاة (3)
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    القرض الحسن كصدقة بمثل القرض كل يوم
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الليلة التاسعة والعشرون: النعيم الدائم (2)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    حكم مشاركة المسلم في جيش الاحتلال
    أ. د. حلمي عبدالحكيم الفقي
  •  
    غض البصر (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    كيف تقي نفسك وأهلك السوء؟ (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / التفسير وعلوم القرآن
علامة باركود

تأملات في آيات من سورة هود

أ. د. عباس توفيق

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 1/4/2014 ميلادي - 30/5/1435 هجري

الزيارات: 71662

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

تأملات في آيات من القرآن الكريم

سورة هود


1- ﴿ وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ ﴾ [هود: 3]، ووردت في الآية 52 على لسان سيدنا هود عليه السلام: ﴿ وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ ﴾ [هود: 52].

قدَّم الاستغفار على التوبة؛ لأنه دعوة للمشركين لِأَنْ يتخلَّوا عن شِركهم، ويستغفروا منه، فإذا فعلوا فقد انتقلوا إلى دائرة الإيمان، ومِن ثَمَّ يتوبون، وهم مؤمنون، بإظهار التبرُّؤِ من الغير، وذكَر الطبريُّ رحمه الله أن المشركين كانوا يظنُّون أنهم يعمَلون بطاعة الله مع شِركهم؛ ولهذا فإن الله تعالى أمَرهم بالاستغفار؛ أي: بترك الشِّرك، ثم العمل بالطاعة؛ (تفسير الطبري 15: 229)، وذكَر البيضاوي أن من الجائز أن يكون "ثُم لتفاوت ما بين الأمرين"؛ (تفسير البيضاوي 1: 449)، وأورد القُرطُبي رأيًا مُفاده: أن التوبةَ سببٌ للوصول إلى المغفرة، ولكن ذكْر الاستغفار تقدَّم؛ لأن المغفرةَ هي الغرض المطلوب من الإنابة كلِّها؛ (تفسير القرطبي 9: 7).

 

﴿ وَإِنْ تَوَلَّوْا ﴾ يحتمل أن يكون ماضيًا، فيكون المعنى: ﴿ وَإِنْ تَوَلَّوْا ﴾ فقُلْ لهم: إني أخاف عليكم، ويجوز أن يكون مستقبَلاً حُذِفتْ منه إحدى التاءينِ، والمعنى: قل لهم: إن تتولَّوا فإني أخاف عليكم؛ (تفسير القرطبي 9: 8).

 

2- ﴿ وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ﴾ [هود: 6].

و﴿ مِنْ ﴾ في ﴿ وَمَا مِنْ دَابَّةٍ ﴾ للاستغراق والشُّمول، والمراد بالمستقرِّ مكان الدَّابِّين من الأرض، وبالمستودع حيث كان قبل الاستقرار من صُلْب أو رحِم أو بيضة؛ (تفسير الكشاف 2: 283).

 

وفي هذه الآية حصرٌ للرِّزق على الله تعالى، حتى وإن بدا أنه آتٍ من مصادرَ دنيوية؛ فهي أسبابٌ يهيِّئُها اللهُ تعالى لتوزيع الرِّزقِ على العباد.

 

3- ﴿ وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَلَئِنْ قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ ﴾ [هود: 7].

والأرض جزءٌ من السموات، وجِرم من أجرامِها، وتخصيصها بالذِّكر يشير الى المدرك الحسي والمخلوقات الحسية، والسموات تُشير إلى المدرك الغيبي والمخلوقات العُلوية، ومع أن السموات والأرض محسوساتٌ للإنسان الذي يُفتَرضُ فيه أن يتأملَها في بحثِه عن الحق، فإنه يصدَحُ بالإنكار: ﴿ وَلَئِنْ قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ ﴾ [هود: 7]؛ أي: إن هذا الذي تعِدُنا به من البعث بعد الموت باطلٌ، شأنُه شأنُ السِّحر الذي لا يخفى بطلانُه على الناس!

 

4- ﴿ وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ ﴾ [هود: 8].

والأمَّة بمعنى السنين، والأصل في الأمَّة: الجماعةُ من الناس تجتمع على مذهبٍ ودِين، وعُبِّر عن السنين بالأمَّة التفاتًا إلى ما في السنين من أممٍ.

 

5- ﴿ وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ * وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ * إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ ﴾ [هود: 9 - 11].

قد تنصرفُ الرَّحمة الى النعمة وبسطِ الدنيا والرخاء، ولأن هذا هو المعنى الأكثر شيوعًا للرحمة أو النعمة، فقد خص اللهُ تعالى عائديَّتَها بذاته سبحانه مرتين في ﴿ أَذَقْنَا ﴾ و ﴿ مِنَّا ﴾ عطاءً، وفي ﴿ نَزَعْنَاهَا ﴾ استردادًا؛ لئلا يظنَّ الإنسان أن ما تهيَّأ له أو تحقَّق كان ثمرةَ اجتهاده وتدبيره وعِلمه، ولكي يدركَ أنها لو كانت منه هو لحافَظَ عليها، ولَمَا زالت عنه.

 

وعند خاصة المتعبِّدين: فإن النعمةَ نعمة، والبلاء نعمة ورحمة يكفِّرُ اللهُ تعالى بها السيئات، ويُعلِي الدرجات، وهم يستقبلون ما يعرض لهم بالشكر والصبر والرضا.

 

وقد أسند الباري عز وجل إذاقةَ النَّعماء إلى ذاته الشريفة في الآيتين التاسعة والعاشرة، وأسند المسَّ إلى الضراء؛ لأن النعمة تكون منه سبحانه مباشرةً وغير مباشرة، وأما إسناد المس إلى الضراء فمن باب المجاز المرسل، وفي الأغلب فإن الضرَّ مما تجرُّه النفسُ على الإنسان، وأصلُ الإذاقة إدراكُ الطَّعْم باللسان، ولكنه هنا ينقل الرحمةَ التي هي حالة شعورية والتي يكون إدراكها قلبيًّا إلى حالة مادية يتحسسُها الإنسان كما يتحسس الطَّعْم، وأما الضراء فإنها في الأغلب حالة محسوسة ماديًّا وبدنيًّا؛ ولهذا استعمل لها المس، للإشارة إلى الملابسة البدنية للمعاناة، وعلاوة على ذلك فإن هناك اختلافًا في درجة الإحساس مع هذين الفعلين؛ فالنعمة لا لذْعَ فيها، وأثرُها يكون في التفاخر والتعالي، بينما يكون الشُّعور بالضر أقوى وأدوَم، ويتجاوز تأثيرُه الإيلامَ البدني إلى الأذى النفسي.

 

وجاز استثناء: ﴿ الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ﴾ مِن الإنسان؛ لأن الإنسان بمعنى الجنس ومعنى الجمع؛ (تفسير الطبري 15: 258).

 

6- ﴿ أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [هود: 13، 14].

 

الأمر بصيغة المفرد: ﴿ قُلْ ﴾، وفي بيان حال عدم استجابتهم في الآية التالية جاء الضمير: ﴿ لَكُمْ ﴾ بصيغة الجمع، وهذا إما لتعظيم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وإما لأنه خطاب للمؤمنين الذين كانوا مشمولينَ بتحدي المشركين في أن يأتوا بسورةٍ تُشبِه سُوَرَ القرآن الكريم.

 

7- ﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [هود: 16].

قد يبدو الفِعلان "صنَع، وعمِل" مترادفين، ولكنَّ بينهما فَرْقًا دقيقًا، وهو أن "صنَعَ" فِعلُ العاقل، وقد ينصرف إلى الفعل المتقن، و"عمِلَ" فعلٌ يشترك فيه العاقل وغير العاقل، كما أن "صنَع" أوسعُ دلالة؛ فقد يكون دالاًّ على إنجاز شيء مادي؛ كقولنا مثلاً: صنَع كرسيًّا، وعلى إنجاز ما هو معنوي؛ كقولنا: صنع معروفًا، أو التربية والعناية، وهما معنويَّان أيضًا؛ كقوله تعالى: ﴿ وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي ﴾ [طه: 39]، وأما "عمِلَ" فهو إنجاز أمرٍ تم التفكيرُ فيه، سواء كان ماديًّا أم معنويًّا، وقوله سبحانه: ﴿ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا ﴾ [هود: 16]؛ أي: كل ما فعلوه في هذه الحياة الدنيا من أمور معنوية أو تربوية أو مادية وبالَغوا في إجادتها، واستعمل الفعل الماضي "حَبِطَ" للدلالةِ على حتمية لاجَدْوى ما قاموا به، وهذه الصيغة الماضيَة تشير إلى المستقبل الذي هو الآخرة؛ حيث سيُدرك الكافرون فيها أنهم كانوا في ضلال، وأما ﴿ وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [هود: 16]، فقد تقدَّم فيه الخبر وهو "بَاطِلٌ" على المبتدأ، وهو ﴿ مَا كَانُوا ﴾ لتصيرَ العبارة تقريرية تبيِّن أن ما كان الكافرون يفكِّرون فيه ويعملونه باطل على الحقيقة والدوام الآن ومستقبلاً، ولكنَّ الكافرين لا يدركون ذلك في حياتهم، بل لا يكتشِفونه إلا في يوم القيامة حين يتبيَّنون أنْ قد "حَبِطَ" ما كانوا يصنعون في أيامهم الخالية.

 

8- ﴿ أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلَا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾ [هود: 17].

 

و"يتلو" بمعنى يقرأ وبمعنى يتبع، و﴿ مَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ ﴾: هو رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأما الشاهدُ فقد نقَل الطبريُّ له تأويلاتٍ مختلفةً عن العلماء، فمنهم من قال: إنه لسان النبي صلى الله عليه وآله وسلم؛ فلسانه جزء منه، ومنهم من قال: إنه عليٌّ رضي الله عنه، فهو منه؛ لأنه من أهل بيتِه عليه الصلاة والسلام، ومنهم من قال: إنه القرآن، ومنهم من قال: إنه جبريل عليه السلام، وقد رجَّح الطبريُّ هذا الأخير؛ لأنه عليه السلام تلا القرآنَ، وتلا مِن قبله كتاب موسى عليه السلام؛ (تفسير الطبري 15: 270 - 276).

 

وبالالتفات إلى ﴿ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ ﴾ [هود: 17] وهو جمعٌ، كما هو واضح فإن "شَاهِدٌ" يشمل رسولَ الله صلى الله عليه وآله وسلم، وجبريلَ عليه السلام، وعليًّا رضي الله عنه، وإذا أُخذ "يتلو" بمعنى يتبع، فإن "شَاهِدٌ" هو القرآن، ومِن قبله كان كتاب موسى شاهدًا.

 

9- ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَخْبَتُوا إِلَى رَبِّهِمْ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ [هود: 23].

 

ويتعدى أخبت بـ: إلى، فيقال: أخبت إلى، وباللام فيقال: أخبت لـ.

 

﴿ وَأَخْبَتُوا إِلَى رَبِّهِمْ ﴾ معناه: أنابوا إلى ربهم، وخضَعوا له، وتواضَعوا وخشَعوا.

 

والفعل أخبت هو المناسبُ في هذا الموضع؛ ليقابل معنى الكِبْر والصُّدود اللذينِ أشارت الآياتُ السابقة إلى اتصافِ الكافرين بها.

 

10- ﴿ وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا ﴾ [هود: 27].

وأرادوا بالأراذل: الفقراءَ والمساكين؛ لأنهم كانوا يعتبرون الشَّرَفَ في الغِنَى، ولم يكن نظرُهم إلى الإنسان بحسَب قلبه ولسانِه، بل بحسَب جاهه وماله، ولأن هذا النظر قاصرٌ عن معرفة الحقيقة التي يتم بها القياسُ، فقد نسبهم نوحٌ عليه السلام في ردِّه عليهم إلى الجهل فقال: ﴿ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ ﴾ [هود: 29].

 

11- ﴿ وَلَا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللَّهُ خَيْرًا اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا فِي أَنْفُسِهِمْ ﴾ [هود: 31].

والازدراءُ يكون بالنظرةِ العابرة المستعلية وغير المتدبرة، ولعل الازدراء كان بالعين؛ أي إن الكافرين كانوا في قرارةِ نفوسهم يشعُرون بنقاء هذه الفئة، ولكن كِبْرهم وعنادهم منَعاهم من التسليم، ودفَعاهم إلى إظهارِ الاستهانة بالطائفة المؤمنة، شأنهم شأن مَن قال فيهم تبارك وتعالى: ﴿ وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا ﴾ [النمل: 14]، وأولئك الذين كانوا يجادِلون نوحًا عليه السلام هم الملأ: ﴿ فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ ﴾ [هود: 27]، والملأ - كما نقل القُرطبيُّ عن أبي إسحاقَ الزَّجَّاج - هم الرُّؤَساءُ؛ (تفسير القرطبي 9: 23)، وهم فئةٌ قليلة متسلِّطة؛ ولهذا استُعملت لهم أعيُنُكم بصيغة القِلَّة، كما أن "أنفس" وردت أيضًا بصيغة القلة؛ لتقابلَ الأعين في الصيغة، ولتشير إلى قلةِ مَن آمَن بنوحٍ عليه السلام.

 

12- ﴿ وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا ﴾ [هود: 37].

عبر بكثرة آلة الحس "أَعْيُن" مبالغة في الحفظ والرعاية على طريق التمثيل.

 

13- ﴿ وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ ﴾ [هود: 59].

وعادٌ عصَتْ رسولاً واحدًا، هو هودٌ عليه السلام، وذكر الباري عز وجل الرسلَ بصيغة الجمع؛ لأن عصيانَ الواحدِ منهم وتكذيبَه هو عصيانٌ لجميع الرُّسل، وتكذيبٌ لهم.

 

14- ﴿ وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ ﴾ [هود: 69].

و﴿ سَلاَمًا ﴾ منصوب على أنه مفعول: ﴿ قَالُوا ﴾؛ أي: قالوا ما كان فيه سلام وتطمين، أو أنه منصوب على أنه مفعولٌ مطلَق لفعل محذوف، تقديره: نسلِّم سلامًا، وبحسب المعنى الأول فإن الطمأنينةَ التي أثاروها في نفس إبراهيم عليه السلام تتناسب مع البُشرى التي ساقوها إليه، وبحسب التأويل الثاني فإن السلامَ يتجدَّد ما دام فِعله متكرِّرًا ومتجدِّدًا، وأما ﴿ سَلاَمٌ ﴾ في جواب إبراهيم عليه السلام، فإنه مرفوعٌ؛ لكونه مبتدأ محذوفَ الخبر، وبه يكون السلامُ على المرسلين دائمًا وثابتًا وأكثرَ تأكيدًا.

 

ومستوى السلامين في هذه الحالة واحد؛ فسلامُ الملائكة متجدِّد ومتكرِّر، وسلامُ إبراهيم عليه السلام دائمٌ باقٌ، وهو بهذا ردَّ السلامَ بمِثله، أو أن الجملة الاسمية آكدُ من الفعلية، فيكون ردُّه من باب الردِّ الأجمل في السلام، وأما البِشارة فقد كانوا يحملونها، ولكنهم لم يُعلِنوها إلا فيما بعد.

 

15- ﴿ وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ ﴾ [هود: 71].

وُجِّهت البِشارةُ إليها لا إلى إبراهيم عليه السلام؛ للدلالةِ على أن الولدَ سيكون منها هي؛ لأنها كانت عقيمةً حريصة على الولد؛ (تفسير البيضاوي 1: 463)، ولئن كانت البِشارة موجَّهةً إلى إبراهيم، لظنَّ هو أو امرأته أو كلاهما عليهما السلام أن الولدَ المبشَّرَ به سيكون من الزوجة الأخرى الصالحة للإنجاب هاجَرَ عليها السلام.

 

16- ﴿ قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ ﴾ [هود: 72].

والبَعْل هو الزوج، وورد استعماله في القرآن الكريم عدة مرات للدلالة على الرجلِ من بين الزوجين في سورة البقرة والنساء والنور، وفي الحالات التي تكون العلاقةُ الزوجية فيها سليمةً، أو من الأَوْلى فيها أن تكون سليمة، ومن معاني البَعْل: ربُّ الشيء ومالكه، واستعماله للرجل؛ لِما يُلمح فيه من معنى القوامة، وأما الزوج فقد ورد استعمالُه للدلالة على المرأة في الأغلب، مع وروده للدلالة على الرجل، في سورة البقرة مثلاً: ﴿ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ ﴾ [البقرة: 230]؛ فالزوج هنا رجل، ولكنه غير معين أو محدد، والملاحظ أن الزوج بدلالته على الرجل لم يرِدْ في القرآن الكريم إلا إذا كانت المرأة غيرَ منتقلة إلى عصمته بعدُ، أو إذا كان هناك خلل في العلاقة الزوجية، كهذه الحالة في سورة البقرة التي تبيِّن الحُكم الشرعي من انقطاع العلاقة بين الزوجين بالطلاق الباتِّ، وكقول المشتكيَة من مُظاهَرة زوجها منها في سورة المجادلة: ﴿ قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ * الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ ﴾ [المجادلة: 1، 2]، فقد كانت العلاقةُ قبل نزول الآية بين تلك المرأة وزوجها علاقةَ انفصام، فناسبت كلمةُ الزوج ذلك المقامَ.

 

17- ﴿ قَالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ ﴾ [هود: 79].

﴿ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ ﴾؛ أي: ما لنا في بناتك من حاجةٍ.

 

18- ﴿ وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ وَلَا تَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ * وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ ﴾ [هود: 84، 85].

 

وقوله: ﴿ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ ﴾ توكيد لقوله: ﴿ وَلَا تَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ ﴾، وقد عمَّم بعد هذا التخصيص بقوله: ﴿ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ ﴾، وفي هذا التعميم توسيعٌ لرقعة الإيفاء في ألا يكونَ في البيع والشراء وحسب، بل في الشؤون كلها، وفي كل ما تتحمله كلمتا: ﴿ لَا تَبْخَسُوا ﴾، و﴿ أَشْيَاءَهُمْ ﴾ من معنى، و﴿ النَّاسَ ﴾ عام، ودافَع عنهم شعيب عليه السلام مع أن معظمهم كان ممن لَم يؤمن به، والمصلِح يأمر بالمعروف، ومنافعُ أمرِه تشمل الجميع؛ المؤمنين بدعوته، والرافضين لها، ويكون لهذا الأمر مردودُه الدعوي الإيجابي لدى الذين كان يدافع عنهم، لولا أنهم في معظمهم كانوا مستكينين لبطشِ جبابرتهم، فلربما انضمُّوا إليه وآمنوا به، ولئن بقُوا على عقيدتهم، فإن الضعفَ كان يدبُّ في نفوس الصف الكافر بخلخلة وحدتهم، بتبصير مظلوميهم بما كان يفعله الظالِمون من بَخْسٍ وهضمٍ للحقوق.

 

19- ﴿ بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [هود: 86].

أي: ما أبقاه الله لكم من الحلال، وهذه الخيريَّةُ مشروطة بإيمانهم، وأما إذا لم يكونوا مؤمنين، فإنهم ما كانوا يتورَّعون عن الحرام، وقد استساغوا هَضْمَ حقوق الناس، وينطوي سؤالُهم لشُعَيب في قوله سبحانه: ﴿ قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ ﴾ [هود: 87]، على الاستهزاءِ وردِّ ما كانوا يسمعون منه إلى صلاتِه، لا إلى نبوَّته ورسالته، وكأنهم قالوا له بصورة غير مباشرة: إن المسلك الذي اخترته إنما اخترتَه لنفسك بنفسك، وليس لأنك مكلَّف بتبليغه.

 

وفي قولهم: ﴿ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا ﴾ تَكرار لِما قال سابِقوهم لنبيِّ الله صالحٍ عليه السلام: ﴿ أَتَنْهَانَا أَنْ نَعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ ﴾ [هود: 62]، وورد لديهما جميعًا: ﴿ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا ﴾ باستعمال الفعل المضارع، مع أن آباءهم مضَوا، ولم يقل: ما عبَد آباؤنا؛ لأن الفعل الماضيَ يدل على انقضاء الحدث وانتهائه، ولئن كان الآباء قد مضى زمنُهم بهم، فإن فعلهم كان ما يزال ساريًا في أبنائهم، ومن ثَم فإن قوله سبحانه عنهم: ﴿ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا ﴾ يشير إلى ديمومةِ المنهج الذي توارَثه المتكلِّمون عن آبائهم، وبقائِهم متمسِّكين به، وعدم إظهار نيَّتِهم في التخلي عنه.

 

لقد كان استهزاء قوم شعيب به عليه السلام جليًّا واستفزازيًّا، وخاصة في قولهم له: ﴿ إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ ﴾ [هود: 87]؛ فهو استفهامٌ إنكاري لنَفْي الحِلْمِ والرشاد عنه، أو تعبيرٌ تقريري يراد به نقيضُ ظاهره، ولكنَّ شُعَيبًا عليه السلام لَم يتأثَّرْ بأسلوبِهم في المخاطَبة، وظلَّ على هدوء الداعي الذي يريد الخيرَ لمجتمعه، فخاطبهم بقوله: "يَا قَوْمِ" في الآيتين التاليتين بما في اللفظة ونسبتها إلى نفسِه من بيان للصلة الرابطة بينه وبينهم، وأوضَح لهم المراد والمنهج الذي دعا إليه، ولكن لرغبتِهم في إيذائِه معنويًّا زعَموا أنهم لا يفقَهون كثيرًا مما يقولُ: ﴿ قَالُوا يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا وَلَوْلَا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ ﴾ [هود: 91]، وقاسُوا دعوتَه بمقياسهم البشَري الماديِّ، كأسلافِهم الذين واجَهوا نوحًا عليه السلام؛ أي: اعتبَروها دعوة ضعيفة؛ لأنه كان فيهم ضعيفًا، وهم كانوا ينيطون الاعتبار بالأغنياء والأقوياء، وقد قالوا له قولتهم من باب الاستهزاء أو الاستهانةِ به.

 

20- ﴿ أَلَا بُعْدًا لِمَدْيَنَ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ ﴾ [هود: 95].

ربَط بين مَدْيَنَ وثمودَ مع أنه تعالى ذكر قصة ثمود في الآيات 61 - 68، وفصَل بينها وبين مَدْيَنَ بقصة ضيف إبراهيم، وقصة قوم لوط في الآيات 69 - 83، والجمع بين مدينَ وثمود مردودٌ إلى أن القومينِ أُخِذا بعذابٍ واحد، وهو الصيحة، وأن نوعَ مآلهم كان واحدًا، فقال في قوم ثمود: ﴿ وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ ﴾ [هود: 67]، وقال في قوم مدين ﴿ وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ ﴾ [هود: 94].

 

21- ﴿ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ * وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ ﴾ [هود: 107، 108].

 

و﴿ مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ ﴾ تعبير عن التأبيد؛ فالسموات والأرض باقياتٌ وإن كانت ستتبدَّل؛ فهناك أرض غير هذه الأرض، وسماء غير هذه السماء، وقد يكون الاستثناءُ في المعذَّبِين منصرِفًا إلى الفُسَّاق الموحِّدين الذين يُخرَجون من النار، وأما الاستثناء في ﴿ الَّذِينَ سُعِدُوا ﴾ ففيه تنبيه على أن الثواب غيرُ منقطع؛ لأن السمواتِ والأرضَ باقيةٌ لا تزول، بل قد يكون زيادة عما كان قبله ﴿ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ ﴾.

 

22- ﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ ﴾ [هود: 114].

ذكَر الطبري وآخَرون أن أحدَ الأقوال في طرَفي النهار هو الغَداة والعَشي؛ (تفسير الطبري 15: 502، تفسير البغوي 4: 204، فتح القدير للشوكاني 1: 678)، وذكَر الطبري اختلافَ العلماء في المراد بالعَشي؛ فمنهم من عَنَى به الظهر والعصر، ومنهم من عنى به المغربَ، وقد اختار هو هذا الرأي متابعةً لابن عباس رضي الله عنهما (15: 505).

 

ولكن المغرب هو أولُ الليل، ودخوله إيذانٌ بانقضاء النهار، وعنده يُفطِر الصائم، ولعل العصر - بناءً على هذا - هو أحدُ طرَفي النهار، وأن طرَفه الآخر هو الفجر، والله أعلم.

 

23- ﴿ وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ﴾ [هود: 118، 119].

والاختلافُ هو نقيض الاتِّفاق، ويعني النزاعَ وافتراقَ السبيل، ولو أراد الله لرفَع الاختلاف بين الناس، ولكنه لم يفعَلْ سبحانه، ومِن ثَم فإن على الإنسان أن يُعمِل ما وهَبه الله له من بصيرة وفَهْم وإدراك لتبيانِ الطريق الحقِّ واتباعِه، لا أن يتمسَّك بما ورِث من غير برهانٍ شرعي حقيقي، ولأن الناس مختلفون طوائفَ وأممًا وعقائدَ، فإن الاختلاف حاصلٌ بينهم، وليس من الصواب أن يكونوا جميعًا على صوابٍ، أو على مستوًى واحدٍ من مستويات الصواب؛ ولهذا قال سبحانه: ﴿ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ ﴾ [هود: 119]؛ فالمستثنَوْنَ هم الباحثون عن الحق، المتَّبِعون له، وهم الذين يرحَمُهم ربهم، ﴿ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ ﴾؛ أي: للرحمةِ خلَقهم، ولكنهم بمجانبة طريق الرحمة واتخاذ طريق الضلالة تؤُولُ بهم الحال إلى جهنَّمَ والعياذ بالله.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • تأملات في آيات من القرآن الكريم .. سورة الفاتحة
  • تأملات في آيات من القرآن الكريم .. سورة البقرة
  • تأملات في آيات من القرآن الكريم .. سورة آل عمران
  • تأملات في آيات من القرآن الكريم .. سورة النساء
  • تأملات في آيات من القرآن الكريم .. سورة الأنعام
  • تأملات في آيات من القرآن الكريم .. سورة الأعراف
  • تأملات في آيات من القرآن الكريم .. سورة الأنفال
  • تأملات في آيات من القرآن الكريم .. سورة التوبة
  • تأملات في آيات من القرآن الكريم .. سورة يونس
  • تأملات في آيات من القرآن الكريم (سورة الإسراء)
  • تأملات في آيات من القرآن الكريم (سورة الكهف)
  • مقاصد سورة هود
  • هدايات سورة هود (خطبة)

مختارات من الشبكة

  • تأملات في سورة هود (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تأملات في بعض آيات سورة النازعات (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تأملات في آيات من القرآن الكريم - سورة النحل(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تأملات في آيات من القرآن الكريم .. سورة الرعد(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تأملات في آيات من القرآن الكريم .. سورة يوسف(مقالة - آفاق الشريعة)
  • سلسلة تأملات تربوية في بعض آيات القرآن الكريم: (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) ...(مقالة - موقع أ. د. فؤاد محمد موسى)
  • تأملات في آيات الله الكونية في فصل الشتاء(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تأملات في آيات بينات(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تأملات في آيات(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تأملات في آيات من القرآن الكريم (8)(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب