• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    كل من يدخل الجنة تتغير صورته وهيئته إلى أحسن صورة ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    محاضرة عن الإحسان
    د. عطية بن عبدالله الباحوث
  •  
    ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: ﴿يوم تأتي ...
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    نصوص أخرى حُرِّف معناها
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    فضل العلم ومنزلة العلماء (خطبة)
    خميس النقيب
  •  
    البرهان على تعلم عيسى عليه السلام القرآن والسنة ...
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    الدرس السادس عشر: الخشوع في الصلاة (3)
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    القرض الحسن كصدقة بمثل القرض كل يوم
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الليلة التاسعة والعشرون: النعيم الدائم (2)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    حكم مشاركة المسلم في جيش الاحتلال
    أ. د. حلمي عبدالحكيم الفقي
  •  
    غض البصر (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    كيف تقي نفسك وأهلك السوء؟ (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    زكاة الودائع المصرفية الحساب الجاري (PDF)
    الشيخ دبيان محمد الدبيان
  •  
    واجب ولي المرأة
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    وقفات مع القدوم إلى الله (9)
    د. عبدالسلام حمود غالب
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / الرقائق والأخلاق والآداب / في النصيحة والأمانة
علامة باركود

الغيبة مرعى اللئام ( خطبة )

الشيخ محمد كامل السيد رباح

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 16/2/2014 ميلادي - 15/4/1435 هجري

الزيارات: 134921

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الغيبة مرعى اللئام


الحمد لله رب العالمين ونشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له ونشهد أن محمدا عبده ورسوله وبعد أيها المسلمون: إن من الظواهر الخطيرة الطوام والآفات الكبيرة في مجالسنا: الغيبة، والمقصود بها ذكرك أخاك بما يكره في النيل من عرضه، والكلام من خلفه بما لا يرضاه في بدنه أو نسبه، أو في خلقه أو فعله أو قوله، أو في دينه أو دنياه، أو في ثوبه وداره ودابته، قال -صلى الله عليه وسلم-: "أتدرون ما الغيبة؟!"، قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: "ذكرك أخاك بما يكره"، قيل: أرأيت إن كان في أخي ما أقوله؟! قال: "إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه فقد بهته". رواه مسلم.

 

قال الحسن -رحمه الله-: "ذكر الغير ثلاثة: الغيبة والبهتان والإفك، وكل في كتاب الله، فالغيبة: أن تقول ما فيه، والبهتان: أن تقول ما ليس فيه، والإفك: أن تقول ما بلغك".

 

عباد الله:

إن كبائرَ الذنوب هي سببُ كلِّ شقاء وشرٍّ وعذاب في الدنيا وفي الآخرة، وشرُّ الذنوب والمعاصي ما عظم ضرره، وزاد خطره. وإن من كبائر الذنوب والمعاصي الغيبةَ والنميمة، وقد حرمها الله في كتابه وعلى لسان رسوله -صلى الله عليه وسلم-؛ لأنها تفسد القلوبَ، وتباعد بينها، وتزرع الشرورَ، وتورِث الفتن، وتجرُّ إلى عظيمٍ من الموبقات والمهلكات، وتوقع بصاحبها الندمَ في وقت لا ينفعه الندم، وتوسِّع شقةَ الخلاف، وتنبت الحقدَ والحسد، وتجلب العداواتِ بين البيوت والجيران والأقرباء، وتنقص الحسناتِ، وتزيد بها السيئات، وتقود إلى الهوان والمذلَّة.

 

ذو الغيبة ذلق اللسان، صفيق الوجه، لا يحجزه عن الاغتياب إيمانٌ، ولا تحفظه للمكارم مروءة. إذا وجد متنفسًا أشبع طبيعته النزقة الجهول. ينطلق على وجهه في المجالس لا ينتهي له حديث، ولا يتوقف له كلام. يسكب من لفظه ما تشمئز منه آذان أهل الإيمان، وأفئدة أهل التقى.

 

أَلا وَإِنَّ الغِيبَةَ مِن أَخطَرِ آفَاتِ اللِّسَانِ الَّتي تَفعَلُ الكَلِمَةُ فِيهَا في القُلُوبِ الأَفَاعِيلَ، وَقَد تَكُونُ كَالقَذِيفَةِ المُسَدَّدَةِ لِلأَفئِدَةِ، فَتُفسِدُ وُدًّا قَدِيمًا، أَو تَمحُو حُبًّا مُتَمَكِّنًا، أَو تَقتُلُ ثِقَةً مُتَبَادَلَةً أَو تَقطَعُ علاقَةً مُحكَمَةً، إِنَّهَا الآفَةُ المُستَشرِيَةُ وَالمَرَضُ الفَتَّاكُ، الَّذِي مَا انتَشَرَ في مُجتَمَعٍ إِلاَّ قَامَت فِيهِ سُوقُ الظُّنُونِ السَّيِّئَةِ، وَنَبَتَ فِيهِ التَّحَسُّسُ وَالتَّجَسُّسُ، وَظَهَرَ فِيهِ الحِقدُ وَالحَسَدُ وَالتَّشَفِّي، وَرُبَّمَا بَلَغَ أَثَرُهَا في إِفسَادِ المُجتَمَعِ مَا لم تَفعَلْهُ بَعضُ الغَارَاتِ وَالحُرُوبِ.

 

فالغيبة خيانة وهتك ستر وغدرٌ وإيذاءٌ للمسلمين، وهي زادُ الخبيث، وطعامُ الفاجر، ومرعَى اللئيم، وضيافةُ المنافق، وفاكهةُ المجالس المحرمة.

 

يقول بعض السلف:

أدركنا السلف الصالح وهم لا يرون العبادة في الصوم والصلاة ولكن في الكف عن أعراض الناس.

 

فالله يتوعد المغتاب بالويل؛ فكيف أغتابك -أيها المؤمن- بعد هذا الوعيد؟! نعم، لن أغتابك -أيها المؤمن- لأن الله سبحانه قد زجر ونفّر عن الغيبة، وكره إلينا فعلها والوقوع فيها، بما لا يبقي للنفس لها ارتياحًا، فقال سبحانه واصفًا مشبهًا حال المغتاب لأخيه المؤمن: ﴿ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ ﴾ [الحجرات: 12]، هذه الآية الخاصة في تصوير مشهد الغيبة لابد من وقفة معها، يقول ابن كثير في تفسيرها: "أي كما تكرهون هذا طبعًا، فاكرهوا ذاك شرعًا؛ فإن عقوبته أشد من هذا، وهذا من التنفير عنها والتحذير منها".

 

وقال الآلوسي: "كنى عن الغيبة بأكل الإنسان للحم مثله؛ لأنها ذكر المثالب وتمزيق الإعراض المماثل لأكل اللحم بعد تمزيقه، وجعله ميتًا لأن المغتاب لا يشعر بغيبته".

 

وقال الزمخشري: "في الآية مبالغات شتى؛ منها: الاستفهام الذي معناه التقرير، ومنها جعل ما هو في الغاية من الكراهة موصوفًا بالمحبة، ومنها أنه لم يقتصر على تمثيل الاغتياب بأكل لحم الإنسان، حتى جعل الإنسان أخًا، ومنها أن لم يقتصر على أكل لحم الأخ حتى جعل ميتًا".

 

قال الحافظ ابن حجر: "الذي دلت عليه الدلائل الكثيرة الصحيحة الظاهرة أن الغيبة كبيرة". وقال النووي: "الغيبة والنميمة محرمتان بإجماع المسلمين، وقد تظاهرت الأدلة على ذلك".

 

يقول ابن حجر الهيتمي عن الغيبة: "إنّ فيها أعظم العذاب، وأشد النّكال؛ فقد صح فيها أنها أربى الربا، وأنها لو مُزجت بماء البحر لأنتنته وغيّرت ريحه، وأن أهلها يأكلون الجِيَف في النار، وأن لهم رائحة منتنة فيها، وأنهم يعذبون في قبورهم، وبعض هذه كافية في كون الغيبة من الكبائر، فكيف إذا اجتمعت؟! وكلُّ هذا في الأحاديث الصحيحة".

 

قال تعالى: ﴿ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ ﴾ [الحجرات: 11].

 

قال ابن عباس في تفسير اللمز: لا يطعن بعضكم على بعض، ونقل مثله عن مجاهد وسعيد وقتادة ومقاتل بن حيان.

 

قال ابن كثير ﴿ لا تلمزوا أنفسكم ﴾: أي لا تلمزوا الناس، والهماز واللماز من الرجال مذموم ملعون كما قال الله ﴿ وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ ﴾ [الهمزة: 1].

 

فالهمز بالفعل، واللمز بالقول.

 

قال الشنقيطي: الهمز يكون بالفعل كالغمز بالعين احتقاراً أو ازدراءً، واللمز باللسان، وتدخل فيه الغيبة.

 

وعن ابى برزة الأسلمي - رضى الله عنه - قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يا معشر ممن ءامن بلسانه ولم يدخل الايمان قلبه لا تغتابوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم فانه من اتبع عوراتهم يتبع الله عورته ومن يتبع الله عورته يفضحه في بيته " رواه ابو داود "4880" وقال الحافظ العراقي في الاحياء اسناده جيد 3- 104 وعن ابى بكرة رضى الله عنه قال مر النبي صلى الله عليه وسلم بقبرين فقال انهما ليعذبان وما يعذبان في كبير اما احدهما فيعذب في البول واما الاخر فيعذب في الغيبة " رواه احمد في المسند وقال الحافظ ابن حجر في الفتح " 1- 485" اخرجه احمد والطبراني بإسناد صحيح ورُوِيَ أن رجلاً قال لعبد الملك بن مروان: إني أريد أن أُسِرَّ إليكَ حديثًا، فأشار الخليفة إلى أصحابه بالانصراف، فلما أراد الرجل أن يتكلم قال الخليفة: قِفْ، لا تَمْدحني، فأنا أعلم بنفسي منك، ولا تَكْذِبْني فأنا لا أعفو عن كذوب، ولا تَغْتَبْ عندي أحدًا فلستُ أسمع إلى مغتاب. فقال الرجل: هل تأذن لي في الخروج؟! فقال الخليفة: إن شئت فاخرج.

 

(قال الحسن البصريّ- رحمه اللّه-: «واللّه للغيبة أسرع في دين الرّجل من الأكلة في الجسد».

 

(وقال أيضا- رحمه اللّه-: «يا بن آدم إنّك لن تصيب حقيقة الإيمان حتّى لا تعيب النّاس بعيب هو فيك، وحتّى تبدأ بصلاح ذلك العيب فتصلحه من نفسك، فإذا فعلت ذلك كان شغلك في خاصّة نفسك. وأحبّ العباد إلى اللّه من كان هكذا») يقول البخاري -رحمه الله-: "ما اغتبت أحدًا قط منذ علمت أن الغيبة حرام".

 

(قال الغزاليّ- رحمه اللّه-: «كان الصّحابة- رضي اللّه عنهم- يتلاقون بالبشر ولا يغتابون عند الغيبة ويرون ذلك أفضل الأعمال ويرون خلافه عادة المنافقين» وعن عدي بن حاتم: الغيبة مرعى اللئام.

 

وعن كعب الأحبار: الغيبة تحبط العمل

 

وسمع علي بن الحسين رجلاً يغتاب فقال: إياك والغيبة فإنها إدام كلاب الناس.

 

وقال أبو عاصم النبيل: لا يذكر الناس بما يكرهون إلا سفلة لا دين له.

 

أَيُّهَا المُسلِمُونَ:

وَإِذَا كَانَتِ الغِيبَةُ تَحمِلُ كُلَّ هَذَا السُّوءِ، فَإِنَّ ثَمَّةَ نَوعًا مِنهَا أَعظَمَ ذَنبًا وَأَكبَرَ جُرمًا، إِنَّهُ البُهتَانُ، حِينَ يَظلِمُ المَرءُ أَخَاهُ بِذِكرِهِ مَا لَيسَ فِيهِ، وَهِيَ الكَبِيرَةُ الَّتي حَذَّرَ المَولى -جَلَّ وَعَلا- عِبَادَهُ مِنهَا حَيثُ قَالَ: ﴿ وَالَّذِينَ يُؤذُونَ المُؤمِنِينَ وَالمُؤمِنَاتِ بِغَيرِ مَا اكتَسَبُوا فَقَدِ احتَمَلُوا بُهتَانًا وَإِثمًا مُبِينًا ﴾ [الأحزاب: 58].

 

وَقَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: "خَمسٌ لَيسَ لَهُنَّ كَفَّارَةٌ: الَشِّركُ بِاللهِ، وَقَتلُ النَّفسِ بِغَيرِ حَقٍّ، وَبَهتُ المُؤمِنِ، وَالفِرَارُ مِنَ الزَّحفِ، وَيَمِينٌ صَابِرَةٌ يَقتَطِعُ بها مَالاً بِغَيرِ حَقٍّ". رَوَاهُ أَحمَدُ وَحَسَّنَهُ الأَلبَانيُّ.

 

وَقَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: "وَمَن قَالَ في مُؤمِنٍ مَا لَيسَ فِيهِ أَسكَنَهُ اللهُ رَدغَةَ الخَبَالِ حَتَّى يَخرُجَ مِمَّا قَالَ". رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَغَيرُهُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ. وَرَدغَةُ الخَبَالِ هِيَ: عُصَارَةُ أَهلِ النَّارِ.

 

قال بشّار بن برد:

خير إخوانك المشارك في المرّ
وأين الشّريك في المرّ أينا
الّذي إن شهدت سرّك في الحيّ
وإن غبت كان أذنا وعينا
مثل سّر الياقوت إن مسّه نا
ر جلاه البلاء فازداد زينا
أنت في معشر إذا غبت عنهم
بدّلوا كلّ ما يزينك شينا
وإذا ما رأوك قالوا جميعا
أنت من أكرم البرايا علينا

 

عن عبداللّه بن المبارك رحمه اللّه - قال:

«قال بعضهم في تفسير العزلة: هو أن تكون مع القوم، فإن خاضوا في ذكر اللّه فخض معهم وإن خاضوا في غير ذلك فاسكت "

 

ايها المسلمون:

آن لنا أن نتذاكر فيما بيننا الأسباب التي تعين المسلم وكل محب لله وطامع في رضاه، تعينه على اجتناب هذا الداء العظيم.

 

أولها: الالتجاء إلى الله والافتقار إليه ودعاؤه سبحانه بأن يقينا شرور أنفسنا، فإن الأحمق كل الأحمق هو من يثق بنفسه ويبرئها من العيوب، مع أنّ الله تعالى قال: ﴿ إِنَّ النَّفْسَ لأمَّارَةٌ بِالسُّوء ﴾ [يوسف: 53]. فعلينا أن لا يفتر لساننا عن الدعاء بالشفاء لهذه النفس من أمراضها، وقد روى أحمد أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يقول: "اللهم قني شر نفسي، واعزم لي على أرشد أمري"، وروى كذلك عن عائشة قالت: افتقدت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذات ليلة فوجدته ساجدًا يقول: "اللهم آت نفسي تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها". فينبغي لكل من يريد أن يتخلص حقًّا من هذا العيب أن يسأل الله تعالى، ﴿ إِن يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا ﴾ [الأنفال: 70].

 

السبب الثاني: تعظيم هذا الذنب، وتذكير النفس بأنه من أفظع العيوب في حق المسلم، قال الفضيل: "بقدر ما يصغر الذنب عندك يعظم عند الله"، وليعلم المغتاب أنه بالغيبة يتعرض لسخط الله ومقته وغضبه، وكيف يأمن على نفسه وهو يسمع قوله تعالى: ﴿ فَلَمَّا ءاسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ ﴾ [الزخرف: 55]، فبقاؤك وإصرارك على الغيبة أعظم من الغيبة، وفرحك وسرورك بالغيبة أعظم من الغيبة، وضحكك وأنت لا تدري ما الله فاعل بك أعظم من الغيبة.

 

وإذا أردت أن تعلم عظم الذنب الذي أنت عليه فتذكر الحديث الذي رواه مسلم عن أبي هريرة مرفوعًا: "أتدرون من المفلس؟!"، قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، فقال: "إن المفلس من أمتي يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي قد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يُقضى ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه، ثم طرح إلى النار"، فمتى استحضر المسلم هذا كفّ لسانه عن الغيبة، ورحم الله الحسن البصري، فقد بلغه أن فلانًا يغتابه، فذهب إليه وأهدى له طبقًا من التمر الجيد وقال له: "لو وجدت أحسن من هذا لكافأتك به لما تهديه إليّ من الحسنات".

 

ويؤيد ذلك السببُ الثالث: التزام الصمت، فإن الكلمة لك ما لم تخرج من فيك، فإذا خرجت كانت عليك، وفي الحديث: "من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة". رواه البخاري. وقال معاذ للنبي -صلى الله عليه وسلم-: أخبرني بعمل يدخلني الجنة، فذكر له النبي شعائر الدين ثم قال له: "ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟!"، قلت: بلى يا نبي الله، فأخذ بلسانه قال: "كف عليك هذا"، فقلت: يا نبي الله: وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟! فقال: "ثكلتك أمك يا معاذ، وهل يكب الناس في النار على وجوههم -أو قال: على مناخرهم- إلا حصائد ألسنتهم؟!". رواه الترمذي.

 

ومن أكبر الأسباب الواقية من الغيبة الاهتمام بالنفس وعدم الاهتمام بالناس، فقد روى الترمذي وابن ماجه عن أبي هريرة مرفوعًا: "من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه". فما يعنيني إذا اشترى فلان أو باع؟! وما يعنيني إذا تزوج فلان بمن هي أصغر منه؟! وما يعنيني إذا طلق فلان زوجه؟! وهذا الأمر يقصد به الرجال والنساء معًا، فقد كان الفضول قديمًا من صفاتهن، ولكن كثير من الرجال أشبهوهن في ذلك.

ولا عجب أن النساء ترجلت
ولكن تأنيث الرجال عجيب

 

﴿ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ ﴾ [المدثر: 38]، والسعيد من شُغل بنفسه، وأنت -أيها الطالب للعلم- اشتغل بالعلم النافع والعمل الصالح، واعلم أن سكوتك أحسن من كلامك، وكلامك بالأدب واللطف أحسن، فإن كثيرًا منا يظن أنه يجب عليه الكلام وكأنه إمام عصره وفريد دهره (أطرق كرا فإن النعام في القرى).

 

إن لنا عيوبًا احترنا في كيفية التخلص منها، فتذكر ذلك. فإن الذي يتذكر عيوب نفسه ويشتغل بإصلاحها يستحي أن يعيب الناس:

فإن عبت قومًا بالذي فيك مثله
فكيف يعيب الناس من هو أعور
وإن عبت قومًا بالذي ليس فيهم
فذاك عند الله والناس أكبر

 

ولا يمكن ذلك إذا كنا عن السبب الرابع والخامس غافلين وهو: القيام من مجلس الغيبة، فاعلم أن المستمع للغيبة شريك فيها، والسامع أحد الشاتمين، ﴿ وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِى ءايَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِى حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴾ [الأنعام: 68]، فلا تنجو من الإثم إلا إذا أنكرت بلسانك، فإن خفت واستحييت فاقطع الكلام بكلام آخر، وإلا لزم عليك القيام من ذلك المجلس.

 

السبب السادس: أن يعاقب نفسه ويشارطها حتى تقلع عن الغيبة.

 

قال حرملة: سمعت رسول ابن وهب يقول: نذرت أني كلما اغتبت إنساناً أن أصوم يوماً فأجهدني، فكنت أغتاب وأصوم.

 

فنويت أني كلما اغتبت إنساناً أني أتصدق بدرهم، فمن حب الدراهم تركت الغيبة.

 

قال الذهبي: هكذا والله كان العلماء، وهذا هو ثمرة العلم النافع.

 

ونختم حديثنا بكلام نفيس للإمام القيم عن كفارة الغيبة قَالَ الإِمَامُ ابنُ القَيِّمِ في كلامٍ لَهُ عَن كَفَّارَةِ الغِيبَةِ: "وَهَذِهِ المَسأَلَةُ فِيهَا قَولانِ لِلعُلَمَاءِ -هُمَا رِوَايَتَانِ عَنِ الإِمَامِ أَحمَدَ- وَهُمَا: هَل يَكفِي في التَّوبَةِ مِنَ الغِيبَةِ الاستِغفَارُ لِلمُغتَابِ؟! أَم لا بُدَّ مِن إِعلامِهِ وَتَحلِيلِهِ؟! وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لا يَحتَاجُ إِلى إِعلامِهِ، بَل يَكفِيهِ الاستِغفَارُ وَذِكرُهُ بمَحَاسِنِ مَا فِيهِ في المَوَاطِنِ الَّتي اغتَابَهُ فِيهَا. وَهَذَا اختِيَارُ شَيخِ الإِسلامِ ابنِ تَيمِيَّةَ وَغَيرِهِ. وَالَّذِينَ قَالُوا لا بُدَّ مِن إِعلامِهِ جَعَلُوا الغِيبَةَ كَالحُقُوقِ المَالِيَّةِ، وَالفَرقُ بَينَهُمَا ظَاهِرٌ؛ فَإِنَّ الحُقُوقَ المَالِيَّةِ يَنتَفِعُ المَظلُومُ بِعَودِ نَظِيرِ مَظلَمَتِهِ إِلَيهِ، فَإِنْ شَاءَ أَخَذَهَا وَإِنْ شَاءَ تَصَدَّقَ بها، وَأَمَّا في الغَيبَةِ فَلا يُمكِنُ ذَلِكَ، وَلا يَحصُلُ لَهُ بِإِعلامِهِ إِلاَّ عَكسُ مَقصُودِ الشَّارِعِ، فَإِنَّهُ يُوغِرُ صَدرَهُ وَيُؤذِيهِ إِذَا سَمِعَ مَا رَمَى بِهِ، وَلَعَلَّهُ يُهَيِّجُ عَدَاوَتَهُ وَلا يَصفُو لَهُ أَبَدًا، وَمَا كَانَ هَذَا سَبِيلَهُ فَإِنَّ الشَّارِعَ الحَكِيمَ لا يُبِيحُهُ وَلا يُجَوِّزُهُ فَضلاً عَن أَن يُوجِبَهُ وَيَأمُرَ بِهِ، وَمَدَارُ الشَرِيعَةِ عَلَى تَعطِيلِ المَفَاسِدِ وَتَقلِيلِهَا، لا عَلَى تَحصِيلِهَا وَتَكمِيلِهَا". انتَهَى كَلامُهُ.

 

نسال الله العظيم رب العرش العظيم ان يقينا واياكم شر الغيبة وان يحفظنا من الوقوع فيها





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • مرض الغيبة
  • آفات تفسد الأخبار .. الغيبة
  • الغيبة بلية ومصيبة
  • الغيبة
  • لا تغتابوا المسلمين (خطبة)
  • أقوال عن الغيبة

مختارات من الشبكة

  • التخلص من الغيبة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تحريم الغيبة (أتدرون ما الغيبة؟)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطورة الغيبة على الفرد والمجتمع(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من صور الغيبة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خمس من آفات اللسان(مقالة - آفاق الشريعة)
  • حفظ اللسان من الغيبة(مقالة - موقع عرب القرآن)
  • حالات إعراب الضمائر: (كاف الخطاب – هاء الغيبة – ياء المتكلم)(مقالة - حضارة الكلمة)
  • أجر من ذب عن أخيه في الغيبة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الغيبة (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة آفات اللسان "الغيبة"(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 9/11/1446هـ - الساعة: 17:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب