• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    كل من يدخل الجنة تتغير صورته وهيئته إلى أحسن صورة ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    محاضرة عن الإحسان
    د. عطية بن عبدالله الباحوث
  •  
    ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: ﴿يوم تأتي ...
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    نصوص أخرى حُرِّف معناها
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    فضل العلم ومنزلة العلماء (خطبة)
    خميس النقيب
  •  
    البرهان على تعلم عيسى عليه السلام القرآن والسنة ...
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    الدرس السادس عشر: الخشوع في الصلاة (3)
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    القرض الحسن كصدقة بمثل القرض كل يوم
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الليلة التاسعة والعشرون: النعيم الدائم (2)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    حكم مشاركة المسلم في جيش الاحتلال
    أ. د. حلمي عبدالحكيم الفقي
  •  
    غض البصر (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    كيف تقي نفسك وأهلك السوء؟ (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    زكاة الودائع المصرفية الحساب الجاري (PDF)
    الشيخ دبيان محمد الدبيان
  •  
    واجب ولي المرأة
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    وقفات مع القدوم إلى الله (9)
    د. عبدالسلام حمود غالب
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / دراسات شرعية / علوم حديث
علامة باركود

زمن الهرج

زمن الهرج
محمود بن أحمد أبو مسلّم

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 9/2/2014 ميلادي - 8/4/1435 هجري

الزيارات: 103075

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

زمن الهرج


بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، صلّى الله عليه وآله وصحبه ومن والاه وبعد، فهذه رسالة كنت كتبتها في الكلام على حديث الهرج، سميتها "ارتقاء الدرج"، ثم بان لي أن أسميها "زمن الهرج"، لما يحويه الحديث من علامات، وآيات، تمس واقعنا الآن.

 

والله أسأل أن يرحم ويعفو عن صاحبها ومن قرأها ونشرها.. آمين.

 

وحديث الهرج أعني به حديث، "لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَقْتَتِلَ فِئَتَانِ عَظِيمَتَانِ يَكُونُ بَيْنَهُمَا مَقْتَلَةٌ عَظِيمَةٌ، دَعْوَتُهُمَا وَاحِدَةٌ، وَحَتَّى يُبْعَثَ دَجَّالُونَ كَذَّابُونَ قَرِيبٌ مِنْ ثَلَاثِينَ، كُلُّهُمْ يَزْعُمُ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ، وَحَتَّى يُقْبَضَ الْعِلْمُ، وَتَكْثُرَ الزَّلَازِلُ، وَيَتَقَارَبَ الزَّمَانُ، وَتَظْهَرَ الْفِتَنُ، وَيَكْثُرَ الْهَرْجُ: وَهُوَ الْقَتْلُ، وَحَتَّى يَكْثُرَ فِيكُمُ الْمَالُ فَيَفِيضَ حَتَّى يُهِمَّ رَبَّ الْمَالِ مَنْ يَقْبَلُ صَدَقَتَهُ وَحَتَّى يَعْرِضَهُ عَلَيْهِ، فَيَقُولَ الَّذِي يَعْرِضُهُ عَلَيْهِ: لَا أَرَبَ لِي بِهِ، وَحَتَّى يَتَطَاوَلَ النَّاسُ فِي الْبُنْيَانِ، وَحَتَّى يَمُرَّ الرَّجُلُ بِقَبْرِ الرَّجُلِ، فَيَقُولُ: يَا لَيْتَنِي مَكَانَهُ، وَحَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا، فَإِذَا طَلَعَتْ وَرَآهَا النَّاسُ، يَعْنِي آمَنُوا أَجْمَعُونَ، فَذَلِكَ حِينَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا، وَلَتَقُومَنَّ السَّاعَةُ وَقَدْ نَشَرَ الرَّجُلَانِ ثَوْبَهُمَا بَيْنَهُمَا، فَلَا يَتَبَايَعَانِهِ، وَلَا يَطْوِيَانِهِ، وَلَتَقُومَنَّ السَّاعَةُ وَقَدِ انْصَرَفَ الرَّجُلُ بِلَبَنِ لِقْحَتِهِ فَلَا يَطْعَمُهُ، وَلَتَقُومَنَّ السَّاعَةُ وَهُوَ يُلِيطُ حَوْضَهُ فَلَا يَسْقِي فِيهِ، وَلَتَقُومَنَّ السَّاعَةُ وَقَدْ رَفَعَ أُكْلَتَهُ إِلَى فِيهِ فَلَا يَطْعَمُهَا ".

 

وهذه الرواية الطويلة رواها البخاري في صحيحه وقطعها على طول الصحيح، ولم يذكر رواية الحديث المطولة هذه إلا في آخر طريق للحديث في كتاب الفتن 7121، وهذا من فنون البخاري في صحيحه.

 

والهرج، القتل كما فسره رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وقد كثر القتل في هذا الزمان حتى أصبح خبره عادة على الآذان، ولا تتحرك أغلب النفوس عند سماعه، ولا تهتز له الأبدان، وذلك من كثرته، وانتشاره، بين المسلمين، وغير المسلمين، وحديث الهرج، هو تصديق لقول الله تعالى ﴿ قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ ﴾ [الأنعام: 65]، وفي هذه الآية جاء حديث جابر عند البخاري 7313 " لَمَّا نَزَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم ﴿ قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ ﴾ [الأنعام: 65]، قَالَ: أَعُوذُ بِوَجْهِكَ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ، قَالَ: أَعُوذُ بِوَجْهِكَ، فَلَمَّا نَزَلَتْ ﴿ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ ﴾ [الأنعام: 65]، قَالَ: هَاتَانِ أَهْوَنُ أَوْ أَيْسَرُ ".

 

فكان من قدر هذه الأمة أن يكون عذابها من نفسها،لنفسها، فسُلّط بعضها على بعض، يسبي بعضهم بعضا، ويقتل بعضهم بعضا، وكأن هذا أهون وأيسر من أن يبعث الله عزّ وجل خسفا، أو عذابا، يهلك به الأمة جميعها، صالحها وطالحها، وقد روى الترمذي 2175، من حديث خباب بن الأرت رضي الله عنه، وقال حديث حسن صحيح غريب،، قَالَ: صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم صَلَاةً فَأَطَالَهَا، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، صَلَّيْتَ صَلَاةً لَمْ تَكُنْ تُصَلِّيهَا، قَالَ: أَجَلْ " إِنَّهَا صَلَاةُ رَغْبَةٍ وَرَهْبَةٍ إِنِّي سَأَلْتُ اللَّهَ فِيهَا ثَلَاثًا، فَأَعْطَانِي اثْنَتَيْنِ وَمَنَعَنِي وَاحِدَةً، سَأَلْتُهُ أَنْ لَا يُهْلِكَ أُمَّتِي بِسَنَةٍ فَأَعْطَانِيهَا، وَسَأَلْتُهُ أَنْ لَا يُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ فَأَعْطَانِيهَا، وَسَأَلْتُهُ أَنْ لَا يُذِيقَ بَعْضَهُمْ بَأْسَ بَعْضٍ فَمَنَعَنِيهَا ".

 

والسنة هي القحط العام، كالمجاعات والأوبئة، التي تهلك الأمم، عافانا الله منها، وهي إذا حدثت في طائفة من الأمة، لم تحدث في سائرها، فلله الحمد والمنة، وأعطانا ربنا بسؤال نبينا، ألا يسلّط علينا عدوا يستأصلنا، وهذا من المبشرات ولله الحمد، فدين الله وأمته باقية إلى قيام الساعة، وشواهد ذلك كثيرة لا تخفى، لكنه سبحانه منعه، عليه الصلاة والسلام، ألا يُسلّط بعضنا على بعض، ويقتل بعضنا بعضا، فكان ذلك أهون الأمور الثلاثة.

 

وجاء هذا الخبر، عند مسلم من حديث عامر بن سعد عن أبيه، ومن حديث ثوبان رضي الله عنه 2891 قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم: " إِنَّ اللَّهَ زَوَى لِي الْأَرْضَ، فَرَأَيْتُ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا، وَإِنَّ أُمَّتِي سَيَبْلُغُ مُلْكُهَا مَا زُوِيَ لِي مِنْهَا، وَأُعْطِيتُ الْكَنْزَيْنِ الْأَحْمَرَ وَالْأَبْيَضَ، وَإِنِّي سَأَلْتُ رَبِّي لِأُمَّتِي أَنْ لَا يُهْلِكَهَا بِسَنَةٍ عَامَّةٍ، وَأَنْ لَا يُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ سِوَى أَنْفُسِهِمْ فَيَسْتَبِيحَ بَيْضَتَهُمْ، وَإِنَّ رَبِّي قَالَ يَا مُحَمَّدُ: إِنِّي إِذَا قَضَيْتُ قَضَاءً، فَإِنَّهُ لَا يُرَدُّ وَإِنِّي أَعْطَيْتُكَ لِأُمَّتِكَ أَنْ لَا أُهْلِكَهُمْ بِسَنَةٍ عَامَّةٍ، وَأَنْ لَا أُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ سِوَى أَنْفُسِهِمْ يَسْتَبِيحُ بَيْضَتَهُمْ، وَلَوِ اجْتَمَعَ عَلَيْهِمْ مَنْ بِأَقْطَارِهَا، أَوَ قَالَ: مَنْ بَيْنَ أَقْطَارِهَا حَتَّى يَكُونَ بَعْضُهُمْ يُهْلِكُ بَعْضًا وَيَسْبِي بَعْضُهُمْ بَعْضًا "، وسيأتي معنا من حديث ابن عمر أيضا، وجاء في هذا الباب عن أنس، ومعاذ بن جبل، وأبي سعيد الخدري، وحذيفة بن اليمان، وأبي هريرة، وعلي بن أبي طالب، وخالد الخزاعي، رضي الله عنهم جميعا.

 

وها نحن نرى بأعيننا في هذا الوقت، كيف تضيع دماء المسلمين يمنة ويسرة، بلا أي مبالاة، أو خوف من الله، وعدم نظر إلى عواقب الأمور، وما تجنيه من شرور، حتى لا يكاد الناس في بعض الدول، يأمنوا على أنفسهم القتل في وضح النهار، داخل بيوتهم، فضلا عن سواد الليل، وإنا لله وإنا إليه راجعون.

 

وأغلب ما جاء في الحديث وقع، فالتطاول في البنيان أمر مشهور الآن معروف عند العرب بل يتفاخرون ويتنافسون به حتى أصبح عندهم من البنيان ما هو الأطول في العالم، ومن عجيب الأثر الوارد في ذلك، ما أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف 38228 عن شُعْبَةَ، عَنْ يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كُنْتُ آخِذًا بِلِجَامِ دَابَّةِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، فَقَالَ: " كَيْفَ أَنْتُمْ إِذَا هَدَمْتُمُ الْبَيْتَ فَلَمْ تَدَعُوا حَجَرًا عَلَى حَجَرٍ؟ " قَالُوا: وَنَحْنُ عَلَى الْإِسْلَامِ؟ قَالَ: " وَأَنْتُمْ عَلَى الْإِسْلَامِ "، قَالَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: " ثُمَّ يُبْنَى أَحْسَنَ مَا كَانَ، فَإِذَا رَأَيْتُ مَكَّةَ قَدْ بُعِجَتْ كَظَائِمَ، وَرَأَيْتُ الْبِنَاءَ يَعْلُو رُءُوسَ الْجِبَالِ، فَاعْلَمْ أَنَّ الْأَمْرَ قَدْ أَظَلَّكَ "، وهذا إسناد حسن، وسلسلة شعبة عن يعلى عن أبيه عن ابن عمرو، الموقوفة، سلسلة حسنة أو صحيحة، ومعنى بعجت كظائم يعني شقت فيها الأنفاق والطرق، وظني أن البناء في مكة الآن من الفنادق أو غيره ربما يعلو رؤوس الجبال، وقوله "فاعلم أن الأمر قد أظلك" يعني اقتربت الساعة جدا، فالله المستعان.

 

وهذا مصداق قول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في حديث جبريل المشهور لما سأله عن أشراط الساعة أخبره رسول الله عن أشراطها فكان منها "إِذَا وَلَدَتِ الْأَمَةُ رَبَّهَا، وَإِذَا تَطَاوَلَ رُعَاةُ الْإِبِلِ الْبُهْمُ فِي الْبُنْيَانِ"، فهذا من الأشراط الصحيحة للساعة، التطاول في البنيان.

 

وقد حدث قتال الفئتان بين علي ومعاوية رضي الله عنهما، وظهر دجالون كذابون كثر زعموا أنهم أنبياء، لكن يحتاج عددهم إلى تتبع، ووالله ما من يوم إلا ونسمع فيه الرجل يمر بقبر الرجل فيقول "يا لحظه" ويقول "هم استراحوا وليتنا معهم"... الخ.

 

وأما تقارب الزمان، فقيل هو من قلة البركة، فما عاد يوجد بركة في اليوم، من كثرة الأشغال، والانشغال بالدنيا، وقيل بل معناه التسارع الحقيقي للوقت، فتمر أوقات الليل والنهار، بسرعة لم يعتد عليها الناس، يعني مثلا يكون اليوم أقل من أربع وعشرين ساعة، وهذا لم يحصل بعد، فالله أعلم.

 

رواية أبي هريرة:

وأما ما لم يذكر في رواية أبي هريرة المطولة من حروف في روايات أخرى:

فمنها قوله "ويظهر الجهل"، عند البخاري 85:

• عَنْ سَالِمٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ: " يُقْبَضُ الْعِلْمُ، وَيَظْهَرُ الْجَهْلُ وَالْفِتَنُ، وَيَكْثُرُ الْهَرْجُ، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا الْهَرْجُ؟ فَقَالَ: هَكَذَا بِيَدِهِ، فَحَرَّفَهَا كَأَنَّه يُرِيدُ الْقَتْلَ "، ظهور الجهل أوضح ما يكون في هذا الوقت، والمقصود بالجهل ههنا الجهل بأحكام الدين والإيمان، وإلا فالتقدم التقني قد بلغ مداه، وقد وصل الجهل ببعض الناس أنه ربما وصل لعقده السابع وهو لا يعرف كيف يتوضأ، والغريب، مع انتشار هذا الكم الرهيب، من منافذ المعلومات المرئية، والمسموعة والصوتية، ووجود شبكة معلومات، لم تعرف ضخامتها على مر التاريخ، إلا أن الناس في دوامة الدنيا، وساقية اللهو والانشغال بها، انشغلوا عما ينفعهم، ولقد فتحت الدنيا على المسلمين، فنسوا الدين، وأصبحوا يتنافسونها، فنسوا الموت، والآخرة، وما يقرب إليها من قول وعمل، والعجيب أنك تجد أغلب الناس الآن يتنافس على تحصيل شهادة ماجستير أو دكتوراة في علم من العلوم التجريبية أو الإنسانية أو الاجتماعية، وهو أحوج ما يكون إلى معرفة كيف يقرأ كتاب ربه، قال سبحانه ﴿ يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ ﴾  [الروم: 7]، وقال عليه الصلاة والسلام كما في الصحيح "فَوَاللَّهِ مَا الْفَقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُمْ وَلَكِنِّي أَخْشَى أَنْ تُبْسَطَ عَلَيْكُمُ الدُّنْيَا كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا وَتُهْلِكَكُمْ كَمَا أَهْلَكَتْهُمْ ".

 

ومنها:" وينقص العمل، ويلقى الشح" أخرجها البخاري - 6037، أَخْبَرَنِي حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِالرَّحْمَنِ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم: " يَتَقَارَبُ الزَّمَانُ وَيَنْقُصُ الْعَمَلُ وَيُلْقَى الشُّحُّ وَيَكْثُرُ الْهَرْجُ " قَالُوا: وَمَا الْهَرْجُ؟ قَالَ: " الْقَتْلُ الْقَتْلُ ".

 

ونقص العمل، قرين الجهل، ونقص العلم، بل والأمر من ذلك، أن يكون صاحب علم بلا عمل، وهذا من نقص العمل، وبلايا آخر الزمن، فما فائدة علم بلا عمل؟!، وجاء عن ابن مسعود رضي الله عنه موقوفا، كما في الموطأ 418، والأدب المفرد 789، والإبانة لابن بطة 368، بسند صحيح: " إِنَّكَ فِي زَمَانٍ كَثِيرٌ فُقَهَاؤُهُ (يعني من يعمل بما يعلم هذا هو الفقيه)، قَلِيلٌ قُرَّاؤُهُ يُحْفَظُ فِيهِ حُدُودُ الْقُرْآنِ، وَيُضَيَّعُ حُرُوفُهُ (يعني قد لا يحفظون الكثير من القرآن لكنهم يراعون حدوده من الأمر والنهي)، قَلِيلٌ مَنْ يَسْأَلُ، كَثِيرٌ مَنْ يُعْطِي، يُطِيلُونَ فِيهِ الصَّلَاةَ، وَيَقْصُرُونَ مِنْهُ الْخُطْبَةَ (لكفايتهم بالقليل من الوعظ ليقظة قلوبهم)، يُبَدونَ فِيهِ أَعْمَالَهُمْ قَبْلَ أَهْوَائِهِمْ (وفي رواية: الْعَمَلُ فِيهِ قَائِدٌ لِلْهَوَى)، وَسَيَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ قَلِيلٌ فُقَهَاؤُهُ كَثِيرٌ قُرَّاؤُهُ، يُحْفَظُ فِيهِ حُرُوفُ الْقُرْآنِ، وَيُضَيَّعُ حُدُودُهُ، كَثِيرٌ مَنْ يَسْأَلُ، قَلِيلٌ مَنْ يُعْطِي، يُطِيلُونَ فِيهِ الْخُطْبَةَ، وَيَقْصُرُونَ الصَّلَاةَ، ويُبَدونَ فِيهِ أَهْوَاءَهُمْ قَبْلَ أَعْمَالِهِمْ (وفي رواية: الْهَوَى فِيهِ قَائِدٌ لِلْعَمَلِ ).

 

وفي رواية: فَإِذَا رَأَيْتَهُمْ شَرَّفُوا الْبِنَاءَ (تطاولوا فيه)، وَجَارُوا فِي الْحُكْمِ، وَقَبِلُوا الرُّشَا، فَالنَّجَاةَ النَّجَاةَ، قيلَ: فَمَاذَا يُنْجِينِي يَا ابْنَ مَسْعُودٍ؟ قَالَ: تَأْخُذُ حِلْسًا مِنْ أَحْلاسِ بَيْتِكَ فَتَلْبَسْهُ، وَتَكُفُّ لِسَانَكَ وَيَدَكَ، قَالَ: فَإِنْ لَمْ أُتْرَكْ (يعني لم يدعوني)، قَالَ: وَمَا أَرَاكَ تُتْرَكُ (يعني لن يدعوك)، فَإِنْ طَلَبُوا دَمَكَ وَدِينَكَ فَابْذُلْ دَمَكَ، وَاحْرُزْ دِينَكَ ". قَالَ: قُتِلْتُ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ،قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: هِيَ هِيَ أَوِ النَّارُ، هِيَ هِيَ أَوِ النَّارُ ". انتهى.

 

وأما الشح، فهو درجة أشد من البخل، وهو شدة الحرص على الشيء، والمبالغة في تحصيله، والمبالغة في منعه، ولذلك حذر منه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كما عند مسلم 2581 عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ: " اتَّقُوا الظُّلْمَ، فَإِنَّ الظُّلْمَ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَاتَّقُوا الشُّحَّ، فَإِنَّ الشُّحَّ أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ حَمَلَهُمْ عَلَى أَنْ سَفَكُوا دِمَاءَهُمْ وَاسْتَحَلُّوا مَحَارِمَهُمْ "، وليس داء أدوا من البخل، فما بالك بالشح، الذي يجعل الإنسان بخيلاً ليس على أقرب الناس، بل على نفسه التي بين جنبيه، وللسلف كلام في تفسير الشح، ففي معالم التنزيل للبغوي في تفسير قوله تعالى ﴿ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ قال:

وَالشُّحُّ فِي كَلامِ الْعَرَبِ: الْبُخْلُ وَمَنْعُ الْفَضْلِ، وَفَرَّقَ الْعُلَمَاءُ بَيْنَ الشُّحِّ وَالْبُخْلِ، رُوِيَ أَنَّ رَجُلا، قَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ: إِنِّي أَخَافُ أَنْ أَكُونَ قَدْ هَلَكْتُ. فَقَالَ: وَمَا ذَاكَ؟ قَالَ: أَسْمَعُ اللَّهَ يَقُولُ: ﴿ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [الحشر: 9] وَأَنَا رَجُلٌ شَحِيحٌ لا يَكَادُ يَخْرُجُ مِنْ يَدَيَّ شَيْءٌ. فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: لَيْسَ ذَاكَ بِالشُّحِّ الَّذِي ذَكَرَ اللَّهُ عزّ وجلّ فِي الْقُرْآنِ، وَلَكِنَّ الشُّحَّ أَنْ تَأْكُلَ مَالَ أَخِيكَ ظُلْمًا، وَلَكِنَّ ذَلِكَ الْبُخْلُ، وَبِئْسَ الشَّيْءِ الْبُخْلُ. وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: لَيْسَ الشُّحُّ أَنْ يَمْنَعَ الرَّجُلُ مَالَهُ، إِنَّمَا الشُّحُّ أَنْ تَطْمَحَ عَيْنُ الرَّجُلِ إِلَى مَا لَيْسَ لَهُ. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: الشُّحُّ هُوَ أَخْذُ الْحَرَامِ وَمَنْعُ الزَّكَاةِ. وَقِيلَ: الشُّحُّ هُوَ الْحِرْصُ الشَّدِيدُ الَّذِي يَحْمِلُهُ عَلَى ارْتِكَابِ الْمَحَارِمِ. قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: مَنْ لَمْ يَأْخُذْ شَيْئًا نَهَاهُ اللَّهُ عَنْهُ، وَلَمْ ي يَدْعُهُ الشَّحُّ إِلَى أَنْ يَمْنَعَ شَيْئًا مِنْ شَيْءٍ أَمَرَهُ اللَّهُ بِهِ، فَقَدْ وَقَاهُ اللَّهُ شُحَّ نَفْسِهِ. انتهى.

 

ومنها:"وحتى تعود أرض العرب مروجا وأنهارا" عند مسلم: - 1014، عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ: " لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَكْثُرَ الْمَالُ وَيَفِيضَ، حَتَّى يَخْرُجَ الرَّجُلُ بِزَكَاةِ مَالِهِ، فَلَا يَجِدُ أَحَدًا يَقْبَلُهَا مِنْهُ، وَحَتَّى تَعُودَ أَرْضُ الْعَرَبِ مُرُوجًا وَأَنْهَارًا "، والمراقب لكم السيول والأمطار، وكثر مياه الآبار، في جزيرة العرب، يدرك تمام الإدارك، أنه سيأتي وقت ستتزين الجزيرة، بالبساتين، والأنهار، والخضرة، والأزهار، وما هذا إلا مسألة وقت وقد أعدت أبحاث مناخية وجغرافية في هذا الصدد فلتراجع في مظانها.

 

ورواها أحمد 8615 وزاد حرفا "حتى يسير الراكب بين العراق ومكة.. "، من طريق، - سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم: " لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَعُودَ أَرْضُ الْعَرَبِ مُرُوجًا وَأَنْهَارًا، وَحَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ بَيْنَ الْعِرَاقِ وَمَكَّةَ لَا يَخَافُ إِلَّا ضَلَالَ الطَّرِيقِ، وَحَتَّى يَكْثُرَ الْهَرْجُ "، قَالُوا: وَمَا الْهَرْجُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: " الْقَتْلُ " ومنها:"ويكثر الكذب، ويتقارب الأسواق" - وهي عند أحمد 10346 بسند صحيح، من طريق ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ سِمْعَانَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ: " لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَظْهَرَ الْفِتَنُ، وَيَكْثُرَ الْكَذِبُ، وَيَتَقَارَبَ الْأَسْوَاقُ، وَيَتَقَارَبَ الزَّمَانُ، وَيَكْثُرَ الْهَرْجُ "، قِيلَ: وَمَا الْهَرْجُ؟ قَالَ: " الْقَتْلُ "، والكذب هو شعار هذا الزمان بلا منازع، انتشر الكذب بين الناس، حتى تكاد رائحته تزكم الأنوف، ورأس هذا الكذب ما يعرف بوسائل الإعلام، والقنوات الإخبارية، وما يعرف ببرامج الـ "توك شو"، والجرائد الصفراء، فهؤلاء وأمثالهم يكذبون الكذبة يتبعهم عليها الناس، ويروجون الإشاعات، وهي أقبح الكذب، وبسببه تقع الفتن بين الناس، وتسفك الدماء، ويظلم الأبرياء، ويضيع حق المظلوم، وتزيف الحقائق، لدرجة أن الناس أصبحت تصدق أي خبر مصحوب بصورة!!

 

وأما تقارب الأسواق، فذلك أوضح من أن يُشرح، فالبضائع الآن، تباع في قارة وتشترى من قارة في لحظة، بالضغط على زر، وتصل للمشتري ربما في أيام معدودة، فهذا واقع ولم يعد غريبا على الناس.

 

ومنها،" يكثر القراء ويقل الفقهاء.. " أخرجها الطبراني في الأوسط 3277 من طريق:

• ابْنُ لَهِيعَةَ، قَالَ: نا دَرَّاجٌ، عَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ حُجَيْرَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ: " سَيَأْتِي عَلَى أُمَّتِي زَمَانٌ، يَكْثُرُ الْقُرَّاءُ، وَيَقِلُّ الْفُقَهَاءُ، وَيُقْبَضُ الْعِلْمُ، وَيَكْثُرُ الْهَرْجُ "، قَالُوا: وَمَا الْهَرْجُ؟ قَالَ: " الْقَتْلُ بَيْنَكُمْ، ثُمَّ يَأْتِي بَعْدَ ذَلِكَ زَمَانٌ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ رِجَالٌ لا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ، ثُمَّ يَأْتِي زَمَانٌ يُجَادِلُ الْمُنَافِقُ الْمُشْرِكُ الْمُؤْمِنَ "، قال الطبراني: لَمْ يَرْوِ هَذَا الْحَدِيثَ عَنِ ابْنِ حُجَيْرَةَ إِلا دَرَّاجٌ، تَفَرَّدَ بِهِ: ابْنُ لَهِيعَةَ ا. هـ.

 

قلت، لم ينفرد به ابن لهيعة، بل تابعه عليه عمرو بن الحارث أبو أيوب المصري، وهو ثقة حافظ حديثه عند الجماعة، ولفظ الحديث في المستدرك 8478:

• سَيَأْتِي عَلَى أُمَّتِي زَمَانٌ، تَكْثُرُ فِيهِ الْقُرَّاءُ، وَتَقِلُّ الْفُقَهَاءُ، وَيُقْبَضُ الْعِلْمُ، وَيَكْثُرُ الْهَرْجُ "، قَالُوا: وَمَا الْهَرْجُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: " الْقَتْلُ بَيْنَكُمْ، ثُمَّ يَأْتِي بَعْدَ ذَلِكَ زَمَانٌ، يَقْرَأُ الْقُرْآنَ رِجَالٌ، لا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ، ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ زَمَانٌ، يُجَادِلُ الْمُنَافِقُ الْكَافِرُ الْمُشْرِكُ بِاللَّهِ الْمُؤْمِنَ، بِمِثْلِ مَا يَقُولُ ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ. ا. هـ.

 

وقال الشيخ الوادعي في تعليقه على الحديث في المستدرك:"أصل الحديث عندهما، ويخشى أن تكون هذه الزيادات من أوهام دراج"ا. هـ.

 

والقلب يميل إلى قول الشيخ الوادعي، فدراج روايته متكلّم فيها، وخاصة روايته عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد، وذكر له ابن عدي روايات لم يتابع عليها من هذه السلسلة، وكذا من روايته عن ابن حجيرة الأكبر، الذي معنا في هذا الإسناد، فالزيادة هذه عندي أميل لكونها ضعيفة، والله أعلم.

 

قوله " يَقْرَأُ الْقُرْآنَ رِجَالٌ، لا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ" يعني لا يعملون به، ولا يتقبل منهم تلاوته، وهو مثل قوله صلى الله عليه وسلّم في الخوارج كما في البخاري 3611 " يَأْتِي فِي آخِرِ الزَّمَانِ قَوْمٌ حُدَثَاءُ الْأَسْنَانِ سُفَهَاءُ الْأَحْلَامِ، يَقُولُونَ: مِنْ خَيْرِ قَوْلِ الْبَرِيَّةِ يَمْرُقُونَ مِنَ الْإِسْلَامِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ لَا يُجَاوِزُ إِيمَانُهُمْ حَنَاجِرَهُمْ فَأَيْنَمَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ فَإِنَّ قَتْلَهُمْ أَجْرٌ لِمَنْ قَتَلَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ"، وجاء في رواية مسلم "، يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ، فَإِنَّ فِي قَتْلِهِمْ أَجْرًا لِمَنْ قَتَلَهُمْ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ".

 

وهذا الصنف من الناس موجود إلى الآن بيننا، ولا شك، ويحمل ما ورد في الأمر بقتلهم، على ما يكون من الحاكم، العالم بأمر الله، الحاكم بشرعه، المهدي بهدي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ويكون باجتهاد منه ومن بطانته الصالحة من العلماء، وأما غير ذلك، فلا يحمل الأمر على الأفراد بتنفيذه فيمن يرونه من الخوارج، فليس رأي الأفراد كرأي العلماء، وليس ما يحق للسلطان يحق للأفراد، والله أعلم.

 

ومنها زيادة عند أبي يعلى 6293، حَدَّثَنَا أَبُو مَعْشَرٍ الْمَدَنِيُّ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، وَمُوسَى بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم: " لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَكْثُرَ الْهَرْجُ "، قَالُوا: وَمَا الْهَرْجُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: " الْقَتْلُ ثَلاثَ مَرَّاتٍ "، قَالُوا: كُلَّ عَامٍ نَقْتُلُ أَلْفًا أَوْ أَلْفَيْنِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، قَالَ: " لا أَعْنِي ذَاكَ، وَلَكِنْ يَقْتُلُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا "، قَالُوا: وَنَحْنُ أَحْيَاءٌ وَنَفْعَلُ؟ قَالَ: " يُمِيتُ اللَّهُ قُلُوبَ أَهْلِ ذَلِكَ الزَّمَانِ كَمَا يُمِيتُ أَبْدَانَهُمْ ".

 

قلت: ابو معشر المدني، نجيح بن عبدالرحمن السندي ضعيف، في الجملة، لكن قال أحمد:"أكتب حديثه أعتبر به"، وفي رواية، "كان صدوقا"، والجمهور على تضعيفه، لكن كما قال أحمد يعتبر به، وهذه الرواية لها شاهد من حديث أبي موسى الأشعري، وقد رويت مرفوعة وموقوفة، أما المرفوعة:

• فقال أحمد، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، عَن يُونُسَ، عَن الْحَسَنِ، أَنَّ أَسِيدَ بْنَ الْمُتَشَمِّسِ قَالَ: أَقْبَلْنَا مَعَ أَبِي مُوسَى مِنْ أَصْبَهَانَ، فَتَعَجَّلْنَا، وَجَاءَتْ عُقَيْلَةُ، فَقَالَ أَبُو مُوسَى: أَلَا فَتًى يُنْزِلُ كَنَّتَهُ؟ قَالَ: يَعْنِي: أَمَةٌ الْأَشْعَرِيَّ، فَقُلْتُ: بَلَى، فَأَدْنَيْتُهَا مِنْ شَجَرَةٍ، فَأَنْزَلْتُهَا، ثُمَّ جِئْتُ، فَقَعَدْتُ مَعَ الْقَوْمِ، فَقَالَ: أَلَا أُحَدِّثُكُمْ حَدِيثًا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم يُحَدِّثُنَاهُ، فَقُلْنَا: بَلَى، يَرْحَمُكَ اللَّهُ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم يُحَدِّثُنَا: " أَنَّ بَيْنَ يَدَيْ السَّاعَةِ الْهَرْجَ "، قِيلَ: وَمَا الْهَرْجُ؟ قَالَ: " الْكَذِبُ وَالْقَتْلُ "، قَالُوا: أَكْثَرُ مِمَّا نَقْتُلُ الْآنَ؟ قَالَ: " إِنَّهُ لَيْسَ بِقَتْلِكُمْ الْكُفَّارَ، وَلَكِنَّهُ قَتْلُ بَعْضِكُمْ بَعْضًا، حَتَّى يَقْتُلَ الرَّجُلُ جَارَهُ، وَيَقْتُلَ أَخَاهُ، وَيَقْتُلَ عَمَّهُ، وَيَقْتُلَ ابْنَ عَمِّهِ "، قَالُوا: سُبْحَانَ اللَّهِ! وَمَعَنَا عُقُولُنَا؟ قَالَ: " لَا، إِلَّا أَنَّهُ يَنْزِعُ عُقُولَ أَهْلِ ذَاكُمِ الزَّمَانِ حَتَّى يَحْسَبَ أَحَدُكُمْ أَنَّهُ عَلَى شَيْءٍ، وَلَيْسَ عَلَى شَيْءٍ ".

 

وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَقَدْ خَشِيتُ أَنْ تُدْرِكَنِي وَإِيَّاكُمْ تِلْكَ الْأُمُورُ، وَمَا أَجِدُ لِي وَلَكُمْ مِنْهَا مَخْرَجًا، فِيمَا عَهِدَ إِلَيْنَا نَبِيُّنَا صلّى الله عليه وسلّم إِلَّا أَنْ نَخْرُجَ مِنْهَا كَمَا دَخَلْنَاهَا، لَمْ نُحْدِثْ فِيهَا شَيْئًا. انتهى.

 

قلت، وهذا اسناد صحيح، رجاله ثقات، وأسيد بن المتشمس، يوثق، لقول ابن معين: "اذا روى الحسن عن رجل فسماه فهو ثقة يحتج بحديثه" التهذيب 1/347، ولذلك وثقه في التقريب، والحديث عند ابن ماجة أيضا 3959.

 

• وأخرجه أحمد 19055 من حديث حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ حِطَّانَ بْنِ عَبْدِاللَّهِ الرَّقَاشِيِّ، عَنِ الْأَشْعَرِيِّ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ: " إِنَّ بَيْنَ يَدَيْ السَّاعَةِ الْهَرْجَ "، قَالُوا: وَمَا الْهَرْجُ؟ قَالَ: " الْقَتْلُ "، قَالُوا: أَكْثَرُ مِمَّا نَقْتُلُ؟ إِنَّا لَنَقْتُلُ كُلَّ عَامٍ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِينَ أَلْفًا، قَالَ: " إِنَّهُ لَيْسَ بِقَتْلِكُمْ الْمُشْرِكِينَ، وَلَكِنْ قَتْلُ بَعْضِكُمْ بَعْضًا "، قَالُوا: وَمَعَنَا عُقُولُنَا يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: " إِنَّهُ لَتُنْزَعُ عُقُولُ أَهْلِ ذَلِكَ الزَّمَانِ، وَيُخَلَّفُ لَهُ هَبَاءٌ مِنَ النَّاسِ، يَحْسِبُ أَكْثَرُهُمْ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ، وَلَيْسُوا عَلَى شَيْءٍ "، قَالَ عَفَّانُ فِي حَدِيثِهِ: قَالَ أَبُو مُوسَى: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، مَا أَجِدُ لِي وَلَكُمْ مِنْهَا مَخْرَجًا إِنْ أَدْرَكَتْنِي وَإِيَّاكُمْ، إِلَّا أَنْ نَخْرُجَ مِنْهَا كَمَا دَخَلْنَا فِيهَا، لَمْ نُصِبْ مِنْهَا دَمًا وَلَا مَالًا. انتهى.

 

هباء من الناس يعني قليلي العقل والحكمة، وعلي بن زيد بن جدعان، ضعيف، كما أنه منقطع بين ابن جدعان وحطان، ورواه حماد بن سلمة عن غير علي:

• أخرجه ابن حبان 6710 من طريق، حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ يُونُسَ، وَثَابِتٍ، وَحُمَيْدٍ، وَحَبِيبٍ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ حِطَّانَ بْنِ عَبْدِاللَّهِ الرَّقَاشِيِّ، عَنْ أَبِي مُوسَى، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ: " يَكُونُ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ الْهَرْجُ "، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا الْهَرْجُ؟ قَالَ: " الْقَتْلُ "، قَالُوا: أَكْثَرُ مِمَّا نَقْتُلُ؟ قَالَ: " إِِنَّهُ لَيْسَ مِنْ قَتْلِكُمُ الْمُشْرِكِينَ، وَلَكِنْ قَتْلُ بَعْضِكُمْ بَعْضًا "، قَالَ: وَمَعَنَا عُقُولُنَا؟ قَالَ: " إِِنَّهُ لَتُنْزَعُ عُقُولُ أَهْلِ ذَلِكَ الزَّمَانِ "، قلت وحطان الرقاشي، ثقة، لكن خولف حماد في ذلك،، وروي موقوفا، فروى الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ حُمَيْدًا، ثَنَا الْحَسَنُ، حَدَّثَنِي حِطَّانُ بْنُ عَبْدِاللَّهِ الرَّقَاشِيُّ، أَنَّهُمْ أَقْبَلُوا مَعَ أَبِي مُوسَى غُزَاةً، فَلَمَّا نَزَلُوا مَنْزِلا، قَالَ: " كُنَّا نَتَحَدَّثُ أَنَّ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ هَرْجًا، قَالُوا: وَمَا الْهَرْجُ أَيُّهَا الأَمِيرُ؟ قَالَ: الْقَتْلُ، قُلْنَا: أَكْثَرُ مَا نَقْتُلُ إِنَّا نَقْتُلُ فِي السَّنَةِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ أَكْثَرَ مِنْ مِائَةِ أَلْفٍ، قَالَ: لَيْسَ قَتْلُكُمُ الْمُشْرِكِينَ، وَلَكِنْ قَتْلُ بَعْضِكُمْ بَعْضًا، قَالَ: قُلْنَا: وَمَعَنَا عُقُولُنَا يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ أَبُو مُوسَى: " تُنْزَعُ عُقُولُ أَكْثَرِ ذَلِكَ الزَّمَانِ، وَيُخَلَّفُ هَبَاءً مِنَ النَّاسِ، يَحْسَبُ أَكْثَرُهُمْ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ، وَلَيْسُوا عَلَى شَيْءٍ، وَاللَّهِ مَا أَجِدُ لِي وَلَكُمْ إِنْ هِيَ أَدْرَكَتْنِي وَإِيَّاكُمْ فِيمَا نَقْرَأُ مِنْ كِتَابِ رَبِّنَا، وَفِيمَا عَهِدَ إِلَيْنَا نَبِيُّنَا، أَنْ لا نَخْرُجَ مِنْهَا كَمَا دَخَلْنَا فِيهَا ". قال الحاكم في مستدركه 8652، هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُا. هـ.

 

ولعل الموقوف أصح، لكن له حكم الرفع على أي حال، فلا يقال ذلك من قبل الرأي. والله أعلم.

 

ثم وقفت على تلخيص من روائع البخاري في الكبير 2/12/1530 لعلة هذا الحديث، ورجح فيه الموقوف، فلله الحمد على فضله، فقال:

• "أسيد بْن المتشمس بْن معاوية، ابْن عم الأحنف بْن قيس السعدي الْبَصْرِيّ. قَالَ لَنَا عُثْمَانُ: حَدَّثَنَا عَوْفٌ، عَنِ الْحَسَنِ، سَمِعَ أُسَيْدَ بْنَ الْمُتَشَمِّسِ، عَنْ أَبِي مُوسَى، عَنِ النَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلّم: " بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ الْهَرْجُ "، وَقَالَ لَنَا مُسَدَّدٌ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، سَمِعَ يُونُسَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أُسَيْدٍ، سَمِعَ أَبَا مُوسَى، عَنِ النَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلّم،  وَقَالَ لَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ: عَنْ مُبَارَكٍ، مِثْلَهُ، وَقَالَ لَنَا مُوسَى: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ يُونُسَ، وَحُمَيْدٌ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ حِطَّانَ بْنِ عَبْدِاللَّهِ، وَلَمْ يَصِحْ حِطَّانُ، وَقَالَ لَنَا حَجَّاجٌ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ حِطَّانَ، عَنْ أَبِي مُوسَى، عَنِ النَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلّم.

 

وقال لِي ابْنُ أَبِي الأَسْوَدِ: حَدَّثَنَا مُعْتَمَرُ، حَدَّثَنِي حُمَيْدٌ، سَمِعَ الْحَسَنَ، عَنْ حِطَّانَ، سَمِعَ أَبَا مُوسَى: كُنَّا نُحَدِّثُ، فَلَمْ يَرْفَعْهُ. "انتهى.

 

قلت، قول البخاري "ولم يصح حطان" يعني رواية حطان المرفوعة، والله أعلم.

 

وهناك علة أخرى، لمن رواه عن الحسن عن أبي موسى مباشرة، قال ابن أبي حاتم في علله:

• وَسألت أبي عَنْ حديث رَوَاهُ حَزْمٌ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُوسَى الأَشْعَرِيُّ، أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ: " إِنَّ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ الْهَرْجَ " قَالُوا: مَا الْهَرْجُ؟، قَالَ: " الْقَتْلُ " قَالُوا: مَا يَكْفِينَا أَنْ يُقْتَلَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ كُلَّ عَامٍ كَذَا وَكَذَا. قَالَ: " لَيْسَ بِذَاكَ، وَلَكِنْ قَتْلُكُمْ أَنْفُسَكُمْ "، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ. قَالَ أَبِي: هَذَا وَهْمٌ بِهَذَا الإِسْنَادِ، رَوَاهُ عَوْفٌ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَسِيدِ بْنِ الْمُتَشَمِّسِ، عَنْ أَبِي مُوسَى، عَنِ النَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلّم. قُلْتُ: سَمِعَ الْحَسَنُ مِنْ أَبِي مُوسَى؟ قَالَ: لا. انتهى.

 

فقد أفادنا أبو حاتم أن الحسن لم يسمع من أبي موسى أصلا،وفي العلل للدارقطني 1317:

• وَسُئِلَ عَنْ حَدِيثِ أَسِيدِ بْنِ الْمُتَشَمِّسِ، عَنْ أَبِي مُوسَى، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم: " إِنَّ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ الْهَرْجَ. قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الْهَرْجُ؟ قَالَ: الْقَتْلُ " الْحَدِيثَ بِطُولِهِ، فَقَالَ: يَرْوِيهِ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ عَنْهُ، وَاخْتُلِفَ عَنْهُ، فَرَوَاهُ قَتَادَةُ، وَعَوْفٌ الْأَعْرَابِيُّ، وَمُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ، وَيُونُسُ بْنُ عُبَيْدٍ، وَاخْتُلِفَ عَنْهُ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَسِيدِ بْنِ الْمُتَشَمِّسِ، عَنْ أَبِي مُوسَى، قَالَ ذَلِكَ يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، وَابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ يُونُسَ، وَاخْتُلِفَ عَنْ مُبَارَكِ بْنِ فَضَالَةَ، فَقَالَ الْهَيْثَمُ بْنُ جَمِيلٍ عَنْهُ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَسِيدِ ابْنِ عَمِّ الْأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ أَبِي مُوسَى، وَقَالَ مُؤَمَّلُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ مُبَارَكِ بْنِ فَضَالَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَسِيدٍ، عَنِ الْأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ أَبِي مُوسَى، وَرَوَاهُ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ يُونُسَ، وَحُمَيْدٍ الطَّوِيلِ، وَحَبِيبِ بْنِ الشَّهِيدِ، وَثَابِتٍ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ حِطَّانَ الرَّقَاشِيِّ، عَنْ أَبِي مُوسَى، وَكَذَلِكَ قَالَ مُعْتَمِرٌ، عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ حِطَّانَ، وَقَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَبِي مُوسَى، لَمْ يَذْكُرْ بَيْنَهُمَا أَحَدًا، وَكَذَلِكَ قَالَ حَزْمُ بْنُ أَبِي حَزْمٍ الْقُطَعِيُّ، وَيَزِيدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ التُّسْتَرِيُّ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَبِي مُوسَى، وَالْمَحْفُوظُ قَوْلُ مَنْ قَالَ: عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَسِيدِ بْنِ الْمُتَشَمِّسِ، وَمَنْ قَالَ: عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ حِطَّانَ فَقَوْلُهُ مَدْفُوعٌ، يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْحَسَنُ أَخَذَهُ عَنْهُمَا جَمِيعًا، وَمَنْ قَالَ: عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَبِي مُوسَى فَإِنَّهُ أَرْسَلَ الْحَدِيثَ فَلَا حُجَّةَ لَهُ وَلَا عَلَيْهِ. انتهى.

 

قد تحقق هذا الحديث في كثير من بلدان المسلمين، أصبح يقتل بعضهم بعضا، ويستحل بعضهم دماء بعض، دون المشركين، بل ربما وصّل اجتهاد أحدهم المريض، أن إعلان الحرب على المسلمين "المرتدين من وجهة نظره" هو واجب الوقت والحل الأمثل لاستعادة "عز الإسلام"، وفي المقابل تجد الطرف الآخر يعتبر هؤلاء "خوارج" حلال الدم والمال والعرض، وكل ذلك باطل، واجتهاد هوى وضلالة، والكل معه جزء من الحق والأكثر إنما هو الباطل!

 

ورواه عن الحسن أيضا، أبان بن أبي عياش العبدي، وترك بعضهم حديثه، وفيها زيادة:

"وفينا كتاب الله؟"

وهي رواية أخرجها عبدالرزاق في مصنفه، 20744 عَنْ أَبَانَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلّى الله عليه وسلّم: " أَخَافُ عَلَيْكُمُ الْهَرْجَ "، قَالُوا: وَمَا الْهَرْجُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: " الْقَتْلُ "، قَالُوا: وَأَكْثَرُ مِمَّا نَقْتُلُ الْيَوْمَ، إِنَّا لَنَقْتُلُ فِي الْيَوْمِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ كَذَا وَكَذَا؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صلّى الله عليه وسلّم: " لَيْسَ قَتْلَ الْمُشْرِكِينَ، وَلَكِنْ قَتْلَ بَعْضِكُمْ بَعْضًا "، قَالُوا: وَفِينَا كِتَابُ اللَّهِ؟ قَالَ: " وَفِيكُمْ كِتَابُ اللَّهِ "، قَالُوا: وَمَعَنَا عُقُولُنَا؟ قَالَ: " إِنَّهُ تُنْتَزَعُ عُقُولُ عَامَّةِ ذَاكُمُ الزَّمَانِ، وَيُخْلَفُ لَهَا هَبَاءٌ مِنَ النَّاسِ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ وَلَيْسُوا عَلَى شَيْءٍ ".

 

لكن هذا اللفظ جاء من غير رواية أبان، فهي عند أبي يعلى 7247، قال:

• حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ غِيَاثٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: حَدَّثَ أَبُو مُوسَى، وَهُوَ بِالدَّيْرِ مِنْ أَصْبَهَانَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم: " إِنَّ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ الْهَرْجَ "، قَالَ: فَقُلْنَا: وَمَا الْهَرْجُ؟ قَالَ: فَقَالَ: " الْقَتْلُ "، قَالَ: فَقُلْنَا: وَاللَّهِ إِنَّا لَنَقْتُلُ فِي الْعَامِ الْوَاحِدِ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِينَ أَلْفًا مِنَ الْمُشْرِكِينَ، قَالَ: فَقَالَ: " وَاللَّهِ مَا هُوَ بِقَتْلِكُمُ الْمُشْرِكِينَ، وَلَكِنَّهُ قَتْلُ بَعْضِكُمْ بَعْضًا "، قَالَ: فَقُلْنَا: وَفِينَا كِتَابُ اللَّهِ عزّ وجلّ وَمَعَنَا عُقُولُنَا؟ قَالَ: " وَفِيكُمْ كِتَابُ اللَّهِ "، قَالَ: " إِنَّكُمْ لَتُرَوْنَ أَنَّ مَعَكُمْ عُقُولَكُمْ غَيْرَ أَنَّهُ تُنْزَعُ عُقُولُ أَكْثَرِ أَهْلِ ذَلِكَ الزَّمَانِ، وَيَرَوْنَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ وَلَيْسُوا عَلَى شَيْءٍ، وَيَخْلُفُ لَهُ هَبَاءٌ مِنَ النَّاسِ يَرَوْنَ أَنَّهُمْ فِي شَيْءٍ، وَلَيْسُوا فِي شَيْءٍ "، قَالَ: فَقُلْنَا: مَا الْمَنْجَى مِنْ ذَلِكَ؟.

 

قَالَ(أبو موسى): مَا أَجِدُ لِي وَلَكُمْ مِنْهَا مَنْجًى إِنْ هِيَ أَدْرَكَتْنَا فِيمَا عَهِدَ إِلَيْنَا نَبِيُّنَا عَلَيْهِ السَّلامُ، إِلا أَنْ نَخْرُجَ مِنْهَا كَيَوْمِ دَخَلْنَاهَا. ا. هـ.

 

ثانيا رواية أبي موسى الأشعري وعبد الله بن مسعود رضي الله عنهما:

وقد تقدم منها طرف في طرق حديث أبي هريرة، وهي رواية أخرجها البخاري 7063، ومسلم 2673، قال البخاري:

• حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ شَقِيقٍ، قَالَ: كُنْتُ مَعَ عَبْدِاللَّهِ، وَأَبِي مُوسَى، فَقَالَا: قَالَ النَّبِيُّ صلّى الله عليه وسلّم: " إِنَّ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ لَأَيَّامًا يَنْزِلُ فِيهَا الْجَهْلُ، وَيُرْفَعُ فِيهَا الْعِلْمُ، وَيَكْثُرُ فِيهَا الْهَرْجُ وَالْهَرْجُ، الْقَتْلُ "، وأخرجها البخاري أيضا من طريق:

• شُعْبَةُ، عَنْ وَاصِلٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ (هو ابن مسعود)، وَأَحْسِبُهُ رَفَعَهُ، قَالَ: " بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ أَيَّامُ الْهَرْجِ، يَزُولُ فِيهَا الْعِلْمُ، وَيَظْهَرُ فِيهَا الْجَهْلُ "، قَالَ أَبُو مُوسَى: وَالْهَرْجُ: الْقَتْلُ بِلِسَانِ الْحَبَشَةِ، وَقَالَ أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنِ الْأَشْعَرِيِّ، أَنَّهُ قَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ: تَعْلَمُ الْأَيَّامَ الَّتِي ذَكَرَ النَّبِيُّ صلّى الله عليه وسلّم أَيَّامَ الْهَرْجِ، نَحْوَهُ قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلّى الله عليه وسلّم يَقُولُ: مِنْ شِرَارِ النَّاسِ مَنْ تُدْرِكْهُمُ السَّاعَةُ وَهُمْ أَحْيَاءٌ. ا. هـ.

 

وفي الأدب المفرد طريق آخر، بلفظ مفسّر:

• حَدَّثَنَا مَخْلَدُ بْنُ مَالِكٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَغْرَاءَ، قَالَ: حَدَّثَنَا بُرَيْدُ بْنُ عَبْدِاللَّهِ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم: " لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَقْتُلَ الرَّجُلُ جَارَهُ وَأَخَاهُ وَأَبَاهُ ".

 

قلت، وهذا اسناد صحيح، رجاله كلهم موثقون.

 

وأثر موقوف عن ابن مسعود في المستدرك للحاكم 8601 من طريق:

• سُفْيَانُ هو (ابن عيينة)، عَنْ جَامِعٍ، عَنِ أَبِي وَائِلٍ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: " إِذَا بُخِسَ الْمِيزَانُ، حُبِسَ الْقَطْرُ، وَإِذَا كَثُرَ الزِّنَا، كَثُرَ الْقَتْلُ، وَوَقَعَ الطَّاعُونُ، وَإِذَا كَثُرَ الْكَذِبُ، كَثُرَ الْهَرْجُ ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ. انتهى.

 

قلت، الإسناد صحيح، وجامع هو ابن أبي راشد وهو ثقة، وهذا كلام ربما أخذه ابن مسعود عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.

 

وثم حديث آخر عن ابن مسعود رضي الله عنه في الباب أخرجه عبدالرزاق 20727:

• عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ رَاشِدٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ وَابِصَةَ الأَسَدِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: إِنِّي لَبِالْكُوفَةِ فِي دَارِي إِذْ سَمِعْتُ عَلَى بَابِ الدَّارِ: السَّلامُ عَلَيْكُمْ أَأَلِجُ؟ قُلْتُ: وَعَلَيْكَ السَّلامُ فَلِجْ، فَلَمَّا دَخَلَ إِذَا هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ، قَالَ: فَقُلْتُ: يَا أَبَا عَبْدِالرَّحْمَنِ، أَيَّةُ سَاعَةِ زِيَارَةٍ هَذِهِ؟ وَذَلِكَ فِي نَحْرِ الظَّهِيرَةِ، قَالَ: طَالَ عَلَيَّ النَّهَارُ، فَتَذَكَّرْتُ مَنْ أَتَحَدَّثُ إِلَيْهِ، قَالَ: فَجَعَلَ يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم وَأُحَدِّثُهُ، قَالَ: ثُمَّ أَنْشَأَ يُحَدِّثُنِي، فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم يَقُولُ: " تَكُونُ فِتْنَةٌ، النَّائِمُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْمُضْطَجِعِ، وَالْمُضْطَجِعُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْقَاعِدِ، وَالْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنِ الْقَائِمِ، وَالْقَائِمُ خَيْرٌ مِنَ الْمَاشِي، وَالْمَاشِي خَيْرٌ مِنَ الرَّاكِبُ، وَالرَّاكِبُ خَيْرٌ مِنَ الْمُجْرِي، قَتْلاهَا كُلُّهَا فِي النَّارِ "، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَتَى ذَلِكَ؟ قَالَ: " ذَلِكَ أَيَّامَ الْهَرْجِ "، قُلْتُ: وَمَتَى أَيَّامُ الْهَرْجِ؟ قَالَ: " حِينَ لا يَأْمَنُ الرَّجُلُ جَلِيسَهُ " قَالَ: فَبِمَ تَأْمُرُنِي إِنْ أَدْرَكْتُ ذَلِكَ الزَّمَانَ؟ قَالَ: " اكْفُفْ نَفْسَكَ وَيَدَكَ وَادْخُلْ دَارَكَ " قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ دَخَلَ رَجُلٌ عَلَيَّ دَارِي؟ قَالَ: " فَادْخُلْ بَيْتَكَ "، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ دَخَلَ عَلَيَّ بَيْتِي؟ قَالَ: " فَادْخُلْ مَسْجِدَكَ، وَاصْنَعْ هَكَذَا " فَأَتَى بِيَمِينِهِ عَلَى الْكُوعِ، وَقُلْ: " رَبِّيَ اللَّهُ، حَتَّى تَمُوتَ عَلَى ذَلِكَ "،وجاء تكملة في غير رواية معمر، وهي رواية القاسم بن غزوان عن اسحاق بن راشد عند أبي داود، فَلَمَّا قُتِلَ عُثْمَانُ طَارَ قَلْبِي مَطَارَهُ، فَرَكِبْتُ حَتَّى أَتَيْتُ دِمَشْقَ، فَلَقِيتُ بِهَا خُرَيْمَ بْنَ فَاتِكٍ الأَسَدُيَّ، فَحَدَّثْتَهُ بِحَدِيثِ عَبْدِاللَّهِ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم فَقَالَ لِي خُرَيْمٌ: اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ لَسَمِعْتَهُ مِنْ عَبْدِاللَّهِ، يُحَدِّثُهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم قُلْتُ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ لَسَمِعْتُهُ مِنْ عَبْدِاللَّهِ، يُحَدِّثُ بِهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم فَحَدَّثَنِي خُرَيْمٌ، أَنَّهُ سَمِعَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم كَمَا حَدَّثَ بِهِ عَبْدُاللَّهِ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم فَكُنْتُ عَلَى خُرَيْمٍ أَجْرَأُ مِنِّي عَلَى عَبْدِاللَّهِ، فَاسْتَحْلَفْتَهُ بِاللَّهِ الَّذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ لَسَمِعَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم كَمَا حَدَّثَنِيهِ عَبْدُ اللَّهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم فَحَلَفَ لِي خُرَيْمٌ بِاللَّهِ الَّذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ ثَلاثًا لَسَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم كَمَا حَدَّثَكَ عَبْدُ اللَّهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم.

 

وقع في إسناد هذا الحديث خلاف، لا أحسبه يضر، وحاصله أن في رواية أبي داود 4256 جاءت من طريق الْقَاسِمِ بْنِ غَزْوَانَ، عَنْ إِسْحَاق بْنِ رَاشِدٍ الْجَزَرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ وَابِصَةَ الْأَسَدِيُّ، عَنْ أَبِيهِ وَابِصَةَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وسالم هذا لم أعرفه، وظني أنه وهم فلقد رواها ابن المبارك كما في المسند له 262 عن معمر طريق عبدالرزاق، ليس فيه سالم، وكذلك أحمد في المسند 4272، وكذلك الطبراني في الكبير 9774، كلهم لم يذكروا سالما هذا، وقال عنه في التقريب، إما أن يكون ابن أبي الجعد، أو ابن عجلان وإلا فمجهول. ا. هـ. وقال في تاريخ دمشق 62/335 "وَرَوَاهُ سُلَيْمَانُ بْنُ صُهَيْبٍ، وَمَعْمَرٌ، عَنْ إِسْحَاقَ، وَلَمْ يَذْكُرَا سَالِمًا"ا. هـ.

 

أغلب الظن أنها وهم من القاسم بن غزوان، وقد قال عنه في التقريب مقبول، ومعمر أحفظ ولا ريب، وقد قصر فيها البعض فرواها عن اسحاق بن راشد عن عمرو بن وابصة ووقفها عليه، وهذا وهم أيضا، إنما هي عمرو عن أبيه وابصة، كما في رواية ابن أبي شيبة 402، لأنه حكى الواقعة كالآتي:

• نا يَعْمَرُ، عَنِ ابْنِ مُبَارَكٍ، نَا مَعْمَرٌ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ رَاشِدٍ، عَنِ ابْنِ وَابِصَةَ الأَسَدِيِّ، قَالَ: إِنِّي لَبِالْكُوفَةِ فِي دَارِي إِذْ سَمِعْتُ عَلَى بَابِ الدَّارِ... الحديث، ومن قال إني بالكوفة هو وابصة، وليس عمرو، فهذا وهم على ابن المبارك أو من هو دونه والله أعلم.

 

وقال الدارقطني في علله 882:

وَسُئِلَ عَنْ حَدِيثِ وَابِصَةَ بْنِ مَعْبَدٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ: " تَكُونُ فِتْنَةٌ الْقَائِمُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْمُضْطَجِعِ، وَالْمُضْطَجِعُ خَيْرٌ مِنَ الْقَاعِدِ، وَالْقَاعِدُ خَيْرٌ مِنَ الْقَائِمِ "، الْحَدِيثَ.

 

فَقَالَ: يَرْوِيهِ إِسْحَاقُ بْنُ رَاشِدٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ وَابِصَةَ، عَنْ أَبِيهِ، حَدَّثَ بِهِ الْقَاسِمُ بْنُ غَزْوَانَ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ رَاشِدٍ، وَتَابَعَهُ مَعْمَرٌ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْمُبَارَكِ عَنْهُ، وَقَالَ عَبْدُالرَّزَّاقِ فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ عَنْهُ: عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ وَابِصَةَ، وَهَذَا الرَّجُلُ هُوَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاشِدٍ، وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ أَبِي السَّرِيِّ الْعَسْقَلَانِيِّ، عَنْ عَبْدِالرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ رَاشِدٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ وَابِصَةَ، عَنْ أَبِيهِ. انتهى.

 

قال الخطابي في العزلة 1/12:" قَالَ الشَّيْخُ أَبُو سُلَيْمَانَ: قَدْ أَنْذَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم أُمَّتَهُ أَيَّامَ الْهَرْجِ فِي عِدَّةِ أَخْبَارٍ وَحَذَّرَهُمْ فِتْنَةً وَأَوْضَحَ فِي هَذَا الْخَبَرِ مَعْنَاهُ وَذَكَرَ أَنَّ أَمَارَةَ الْهَرْجِ أَنْ لا يَأْمَنَ الرَّجُلُ جَلِيسَهُ، فَتَأَمَّلُوا رَحِمَكُمُ اللَّهُ فَإِنْ كُنْتُمْ لا تَأْمَنُونَ جُلَسَاءَكُمْ فِي هَذَا الزَّمَانِ وَلا تَسْلَمُونَ عَلَى أَكْثَرِ مَنْ تَصْحَبُونَ فَاعْلَمُوا أَنْ قَدْ حَلَّتِ الْعُزْلَةُ وَطَابَ الْهَرَبُ وَحَانَ الْفِرَارُ مِنْهُمْ. وَإِنْ كَانُوا عَلَى خِلافِ هَذَا النَّعْتِ فَكُونُوا لَهُمْ عَلَى خِلافِ هَذَا الرَّأْيِ وَمَا التَّوْفِيقُ إِلا بِاللَّهِ. ا. هـ.

 

رواية عمر بن الخطاب رضي الله عنه:

قال ابن أبي شيبة في مصنفه:

• حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، قال: حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَزْرَةَ بْنِ قَيْسٍ الْبَجَلِيِّ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ لَمَّا عَزَلَ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ وَاسْتَعْمَلَ أَبَا عُبَيْدَةَ عَلَى الشَّامِ قَامَ خَالِدٌ فَخَطَبَ النَّاسَ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: " إِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ اسْتَعْمَلَنِي عَلَى الشَّامِ حَتَّى إِذَا كَانَتْ بَلْنِيَّةً وَعَسَلًا عَزَلَنِي وَآثَرَ بِهَا غَيْرِي "، قَالَ: فَقَامَ رَجُلٌ مِنَ النَّاسِ مِنْ تَحْتِهِ، فَقَالَ: اصْبِرْ أَيُّهَا الْأَمِيرُ فَإِنَّهَا الْفِتْنَةُ، قَالَ: فَقَالَ خَالِدٌ: " أَمَا وَابْنُ الْخَطَّابِ حَيٌّ فَلَا، وَلَكِنْ إِذَا كَانَ النَّاسُ بِذِي بِلِّيٍّ وَبِذِي بَلَّيٍّ، وَحَتَّى يَأْتِيَ الرَّجُلُ الْأَرْضَ يَلْتَمِسُ فِيهَا مَا لَيْسَ فِي أَرْضِهِ، فَلَا يَجِدُهُ "، قلت، ذي بلى هذا اسم مكان.

 

وقال أحمد في المسند:

• حَدَّثَنَا عَفَّانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَزْرَةَ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ خَالِدِ بنِ الْوَلِيدِ، قَالَ: كَتَبَ إِلَيَّ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ حِينَ أَلْقَى الشَّامَ بَوَانِيَةً: بَثْنِيَةً وَعَسَلًا وَشَكَّ عَفَّانُ مَرَّةً، قَالَ: حِينَ أَلْقَى الشَّامَ كَذَا وَكَذَا فَأَمَرَنِي أَنْ أَسِيرَ إِلَى الْهِنْدِ وَالْهِنْدُ فِي أَنْفُسِنَا يَوْمَئِذٍ الْبَصْرَةُ، قَالَ: وَأَنَا لِذَلِكَ كَارِهٌ، قَالَ: فَقَامَ رَجُلٌ، فَقَالَ لِي: يَا أَبَا سُلَيْمَانَ، اتَّقِ اللَّهَ، فَإِنَّ الْفِتَنَ قَدْ ظَهَرَتْ، قَالَ: فَقَالَ: وَابْنُ الْخَطَّابِ حَيٌّ! إِنَّمَا تَكُونُ بَعْدَهُ، وَالنَّاسُ بِذِي بِلِّيَانَ أو بِذِي بِلِّيَانَ بِمَكَانِ كَذَا وَكَذَا، فَيَنْظُرُ الرَّجُلُ، فَيَتَفَكَّرُ هَلْ يَجِدُ مَكَانًا لَمْ يَنْزِلْ بِهِ مِثْلُ مَا نَزَلَ بِمَكَانِهِ الَّذِي هُوَ فِيهِ مِنَ الْفِتْنَةِ، وَالشَّرِّ فَلَا يَجِدُهُ، قَالَ: وَتِلْكَ الْأَيَّامُ الَّتِي ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم: " بَيْنَ يَدَيْ السَّاعَةِ، أَيَّامُ الْهَرْجِ "، فَنَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ تُدْرِكَنَا تِلْكَ وَإِيَّاكُمَْ الْأَيَّامُ. ا. هـ.

 

قلت، وكلا الاسنادين صحيحين، وبليان اسم مكان، وعزرة بن قيس البجلي سكت عنه أبو حاتم والبخاري، فحديثه مقبول، والراوي عنه أبو ائل شقيق بن سلمة ثقة مخضرم.

 

وما قاله خالد في حق عمر هو مصداق قول حذيفة لعمر، كما جاء في البخاري 1435 وغيره، من حديث حذيفة رضي الله عنه، قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: " أَيُّكُمْ يَحْفَظُ حَدِيثَ رَسُولِ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم عَنِ الْفِتْنَةِ، قَالَ: قُلْتُ أَنَا أَحْفَظُهُ، كَمَا قَالَ، قَالَ: إِنَّكَ عَلَيْهِ لَجَرِيءٌ، فَكَيْفَ قَالَ؟، قُلْتُ: فِتْنَةُ الرَّجُلِ فِي أَهْلِهِ وَوَلَدِهِ وَجَارِهِ تُكَفِّرُهَا الصَّلَاةُ، وَالصَّدَقَةُ، وَالْمَعْرُوفُ، قَالَ سُلَيْمَانُ: قَدْ كَانَ يَقُولُ: الصَّلَاةُ، وَالصَّدَقَةُ، وَالْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ، وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ، قَالَ: لَيْسَ هَذِهِ أُرِيدُ، وَلَكِنِّي أُرِيدُ الَّتِي تَمُوجُ كَمَوْجِ الْبَحْرِ، قَالَ: قُلْتُ لَيْسَ عَلَيْكَ بِهَا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ بَأْسٌ بَيْنَكَ وَبَيْنَهَا بَابٌ مُغْلَقٌ، قَالَ: فَيُكْسَرُ الْبَابُ أَوْ يُفْتَحُ، قَالَ: قُلْتُ لَا بَلْ يُكْسَرُ، قَالَ: فَإِنَّهُ إِذَا كُسِرَ لَمْ يُغْلَقْ أَبَدًا، قَالَ: قُلْتُ أَجَلْ، فَهِبْنَا أَنْ نَسْأَلَهُ مَنِ الْبَابُ، فَقُلْنَا لِمَسْرُوقٍ سَلْهُ، قَالَ: فَسَأَلَهُ، فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: قَالَ: قُلْنَا فَعَلِمَ عُمَرُ مَنْ تَعْنِي، قَالَ: نَعَمْ، كَمَا أَنَّ دُونَ غَدٍ لَيْلَةً، وَذَلِكَ أَنِّي حَدَّثْتُهُ حَدِيثًا لَيْسَ بِالْأَغَالِيطِ ".

 

قلت، رحم الله عمر، ورضي عنه، كان بابا مغلقا دون الفتن، فكسر هذا الباب، أي قتل عمر، ففتحت الفتن على الأمة بعده إلى الآن، وبعض الناس يظن أن عمر فقط كان الباب الحائل دون الفتن، وهذا خطأ في الفهم، بل كان قبل عمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، سيد ولد آدم، القائل عن فتنة الدجال:" إِنْ يَخْرُجْ، وَأَنَا فِيكُمْ فَأَنَا حَجِيجُهُ دُونَكُمْ" كما في رواية النواس بن سمعان رضي الله عنه عند مسلم 2939، وبعد رسول الله، أبو بكر، رضي الله عنه، عصم الله به الأمة من الردة، ووأد به شرار الفتنة، وبدأ في هد فتح البلاد، وهداية العباد، ثم عمر، فكان عمر آخر الأبواب، فليفهم ذلك فهو هام!

 

وثم رواية أخرى عن عمر تعضد هذه الرواية، أخرجها ابن أبي شيبة 38275 قال:

• حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ الْأَحْمَرُ، عَنْ مُجَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: قَدِمْنَا عَلَى عُمَرَ فَقَالَ: " كَيْفَ عَيْشُكُمْ؟ " فَقُلْنَا: أَخْصَبُ قَوْمٍ مِنْ قَوْمٍ يَخَافُونَ الدَّجَّالَ، قَالَ: " مَا قَبْلَ الدَّجَّالِ أَخْوَفُ عَلَيْكُمْ، الْهَرْجُ "، قُلْتُ: وَمَا الْهَرْجُ؟ قَالَ: " الْقَتْلُ، حَتَّى أَنَّ الرَّجُلَ لَيَقْتُلُ أَبَاهُ "، قلت، وهذا إسناد صحيح.

 

وفي رواية يزيد بن الأصم عند أحمد 9871 زيادة قال:

• حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ بُرْقَانَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْأَصَمِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قََالَ: قََالَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم: " تَظْهَرُ الْفِتَنُ، وَيَكْثُرُ الْهَرْجُ، وَيُرْفَعُ الْعِلْمُ "، فَلَمَّا سَمِعَ عُمَرُ أَبَا هُرَيْرَةَ، يَقُولُ: " يُرْفَعُ الْعِلْمُ "، قَالَ عُمَرُ: أَمَا إِنَّهُ لَيْسَ يُنْزَعُ مِنْ صُدُورِ الْعُلَمَاءِ، وَلَكِنْ يَذْهَبُ الْعُلَمَاءُ. انتهى.

 

قلت وهذا اسناد صحيح رجاله موثقون، وقول عمر رضي الله عنه هو تفسير رسول الله صلّى الله عليه وسلّم نفسه لمعنى ذهاب العلم، ولعله أخذه منه، ففي الصحيحين عن عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم يَقُولُ: " إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنَ الْعِبَادِ، وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ، حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُءُوسًا جُهَّالًا، فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا "ا. هـ.

 

وكذا قال حذيفة كما عند الدارمي 246 عَنْ أَبِي وَائِلٍ، قَالَ: قَالَ حُذَيْفَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أَتَدْرِي كَيْفَ يُنْقَصُ الْعِلْمُ؟، قَالَ: قُلْتُ: كَمَا يُنْفَضُ الثَّوْبُ، وَكَمَا يَقْسُو الدِّرْهَمُ، قَالَ: " لَا، وَإِنَّ ذَلِكَ لَمِنْهُ، قَبْضُ الْعِلْمِ: قَبْضُ الْعُلَمَاءِ "، والمقصود بالعلم، التوحيد، وعلوم الإسلام جميعها كما جاء عند ابن ماجة 4049 بسند صحيح عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ، وروي موقوفا عنه أيضا، قَالَ: قَال رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم: " يَدْرُسُ الْإِسْلَامُ كَمَا يَدْرُسُ وَشْيُ الثَّوْبِ، حَتَّى لَا يُدْرَى مَا صِيَامٌ، وَلَا صَلَاةٌ، وَلَا نُسُكٌ، وَلَا صَدَقَةٌ، وَلَيُسْرَى عَلَى كِتَابِ اللَّهِ عزّ وجلّ فِي لَيْلَةٍ، فَلَا يَبْقَى فِي الْأَرْضِ مِنْهُ آيَةٌ، وَتَبْقَى طَوَائِفُ مِنَ النَّاسِ، الشَّيْخُ الْكَبِيرُ وَالْعَجُوزُ، يَقُولُونَ: أَدْرَكْنَا آبَاءَنَا عَلَى هَذِهِ الْكَلِمَةِ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَنَحْنُ نَقُولُهَا "، فَقَالَ لَهُ صِلَةُ: مَا تُغْنِي عَنْهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَهُمْ لَا يَدْرُونَ مَا صَلَاةٌ، وَلَا صِيَامٌ، وَلَا نُسُكٌ، وَلَا صَدَقَةٌ؟ فَأَعْرَضَ عَنْهُ حُذَيْفَةُ، ثُمَّ رَدَّهَا عَلَيْهِ ثَلَاثًا، كُلَّ ذَلِكَ يُعْرِضُ عَنْهُ حُذَيْفَةُ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْهِ فِي الثَّالِثَةِ، فَقَالَ: يَا صِلَةُ تُنْجِيهِمْ مِنَ النَّارِ، ثَلاثًا.

 

ونحن نرى في هذا الزمان كيف أن موت العالم يكون كالزلزال لعوام الناس وطلبة العلم، فبعد العلماء ينفك الناس، ويضطربوا، وتبقى طبقة هم أقل منهم علما وعملا، وهكذا حتى يكون قبيل الساعة، لا يبقى عالما واحدا، فذهاب العلماء ينحدر نسبيا من وقت إلى وقت، حتى قيام الساعة، وقد قال عليه الصاة والسلام " لَا يَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ ظَاهِرُونَ "، قال البخاري: وهم أهل العلم، وعلى ذلك تحمل رواية ذهاب العلماء، وبالمشاهدة فليس علم السلف كعلم الخلف، وكلما تقدم الزمان ذهب علماء وجاء علماء لكنهم أقل علما ممن ذهبوا، ومما يدفعني لهذا التفسير ما رواه الآجري في أخلاق العلماء 21 عَنْ أَبِي وَائِلٍ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ مَسْعُودٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، يَقُولُ: " هَلْ تَدْرُونَ كَيْفَ يُنْقَصُ الإِسْلامُ؟ قَالُوا: كَيْفَ؟ قَالَ: كَمَا يُنْقِصُ الدَّابَّةَ سِمَنُهَا، وَكَمَا يَنْقُصُ الثَّوْبُ عَنْ طُولِ اللُّبْسِ، وَكَمَا يَنْقُصُ الدِّرْهَمُ عَنْ طُولِ الْخَبْتِ، وَقَدْ يَكُونُ فِي الْقَبِيلَةِ عَالِمَانِ، فَيَمُوتُ أَحَدُهُمْ، فَيَذْهَبُ نِصْفُ عِلْمِهِمْ، وَيَمُوتُ الآخَرُ، فَيَذْهَبُ عِلْمُهُمْ كُلُّهُ! "، وكذا في رواية عائشة، وقيل هي خطأ، بل الصحيح أنها من حديث ابن عمرو، وقيل بل كلاهما محفوظان ولعله أشبه، كما في الإرشاد 1/59، ورواية عائشة ذكرها الترمذي 2652 وهي في كشف الأستار 233:" إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لا يَنْزِعُ الْعِلْمَ مِنَ النَّاسِ انْتِزَاعًا بَعْدَ أَنْ يُؤْتِيَهُمْ إِيَّاهُ، وَلَكِنْ يَذْهَبُ بِالْعُلَمَاءِ، وَكُلَّمَا ذَهَبَ عَالِمٌ ذَهَبَ بِمَا مَعَهُ مِنَ الْعِلْمِ حَتَّى يَبْقَى مَنْ لا يَعْلَمُ فَيَضِلُّوا وَيُضِلُّوا "، ويستمر هذا التناقص، حتى يأتي وعد الله وأمره، أن تخلوا الأرض من عالم، وحينها لن يقال في الأرض الله الله كما روى مسلم 150 " لا تَقُومُ السَّاعَةُ، حَتَّى لَا يُقَالَ فِي الأَرْضِ: اللَّهُ اللَّهُ " عن أنس رضي الله، وتقوم الساعة على شرار الخلق، والله أعلم.

 

رواية عبدالله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما:

قال الإمام مالك في الموطأ:

• عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ جَابِرِ بْنِ عَتِيكٍ، أَنَّهُ قَالَ: جَاءَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ فِي بَنِي مُعَاوِيَةَ وَهِيَ قَرْيَةٌ مِنْ قُرَى الأَنْصَارِ، فَقَالَ: هَلْ تَدْرُونَ أَيْنَ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم مِنْ مَسْجِدِكُمْ هَذَا؟ فَقُلْتُ لَهُ: نَعَمْ، وَأَشَرْتُ لَهُ إِلَى نَاحِيَةٍ مِنْهُ، فَقَالَ: هَلْ تَدْرِي مَا الثَّلَاثُ الَّتِي دَعَا بِهِنَّ فِيهِ؟ قَالَ: فَقُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: فَأَخْبِرْنِي بِهِنَّ، فَقُلْتُ: دَعَا بِأَنْ لا يُظْهِرَ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ، وَلَا يُهْلِكَهُمْ بِالسِّنِينَ، فَأُعْطِيَهُمَا، وَدَعَا بِأَنْ لا يَجْعَلَ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ فَمُنِعَهَا، قَالَ: " صَدَقْتَ "، قَالَ ابْنُ عُمَرَ: " فَلَنْ يَزَالَ الْهَرْجُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ".

 

قلت، وهذا إسناد صحيح، وهو في مسند أحمد 23235، وقد تقدم شواهد صحيحة لهذا الحديث.

 

تتمة:

وأما حديث مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ عن النَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ: " الْعِبَادَةُ فِي الْهَرْجِ كَهِجْرَةٍ إِلَيَّ "، والهرج ههنا هو مطلق الفتن، وهذا أجر عظيم لمن التفت عن الفتن ولم ينساق نحوها، وينجرف في تيارها، الذي يأخذ العقول، ويخطف القلوب، ويزهق الإيمان، فوقت الفتن يتلون الإنسان، ويكاد لا يعرف أين الحق، أو كيف اللجوء من الباطل، والفتن تذكر ويذكر بها وخطورتها كما قال الآجري:" لِيَكُونَ الْمُؤْمِنُ الْعَاقِلُ يَحْتَاطُ لِدِينِهِ، فَإِنَّ الْفِتَنَ عَلَى وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ، وَقَدْ مَضَى مِنْهَا فِتَنٌ عَظِيمَةٌ، نَجَا مِنْهَا أَقْوَامٌ، وَهَلَكَ فِيهَا أَقْوَامٌ بِاتِّبَاعِهِمُ الْهَوَى، وَإِيَثَارِهِمْ لِلدُّنْيَا، فَمَنْ أَرَادَ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا فَتْحَ لَهُ بَابَ الدُّعَاءِ، وَالْتَجَأَ إِلَى مَوْلاهُ الْكَرِيمِ، وَخَافَ عَلَى دِينِهِ، وَحَفِظَ لِسَانَهُ، وَعَرَفَ زَمَانَهُ، وَلَزِمَ الْمَحَجَّةَ الْوَاضِحَةَ السَّوَادَ الأَعْظَمَ، وَلَمْ يَتَلَوَّنْ فِي دِينِهِ، وَعَبَدَ رَبَّهُ تَعَالَى، فَتَرَكَ الْخَوْضَ فِي الْفِتْنَةِ، فَإِنَّ الْفِتْنَةَ يَفْتَضِحُ عِنْدَهَا خَلْقٌ كَثِيرٌ، أَلَمْ تَسْمَعْ إِلَى قَوْلِ النَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلّم وَهُوَ مُحَذِّرٌ أُمَّتَهُ الْفِتَنَ؟ قَالَ: " يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا، وَيُمْسِي كَافِرًا، وَيُمْسِي مُؤْمِنًا، وَيُصْبِحُ كَافِرًا ".

 

انتهى..





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • حديث: يتقارب الزمان، وينقص العمل، ويلقى الشح، ويكثر الهرج...
  • العبادة في الهرج

مختارات من الشبكة

  • الفترة مدة معترضة بين زمنين، وليست مطلق زمن(مقالة - حضارة الكلمة)
  • فضلا الحقوق محفوظة!!(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • عندما يتطاول الزمن..(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أشبالنا الصغار (1)(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • حكم استعمال بعض الألفاظ التي ظاهرها السب أو القدح(مقالة - آفاق الشريعة)
  • ترشيد استخدام عنصر الزمن بمنظور إسلامي(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • أدب البكاء وهزيمة الطفولة(مقالة - حضارة الكلمة)
  • الحياة عبر الزمن(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • الفعل الدال على الزمن الماضي(مقالة - حضارة الكلمة)
  • الليلة التاسعة عشرة: الثبات في زمن المتغيرات(مقالة - ملفات خاصة)

 


تعليقات الزوار
1- شكر
زينب بدر - مصر 16-09-2022 11:40 PM

جزاكم الله خيرا وبارك فيكم ونفع بكم

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب